التوحيد ::: 211 ـ 225
(211)
جميعا قبضته يوم القيمة ) (1) وهذا كقول الله عزوجل : ( وله الملك يوم ينفخ في الصور ) (2) وقوله عزوجل : ( والأمر يومئذ لله ) (3) وقوله عزوجل : ( مالك يوم الدين ) (4) ومنها : إفناء الشيء ، ومن ذلك قولهم للميت : قبضه الله إليه ، ومنه قوله عزوجل : ( ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ) (5) فالشمس لا تقبض بالبراجم ، والله تبارك وتعالى قابضها ومطلقها ، ومن هذا قوله عزوجل : ( والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) (6) فهو باسط على عباده فضله ، وقابض ما يشاء من عائدته وأياديه ، والقبض قبض البراجم أيضا وهو عن الله تعالى ذكره منفي ، ولو كان القبض والبسط الذي ذكره الله عزوجل من قبل البراجم لما جاز أن يكون في وقت واحد قابضا وباسطا لاستحالة ذلك ، والله تعالى ذكره في كل ساعة يقبض الأنفس ويبسط الرزق ويفعل ما يريد.
    ( الباسط ) الباسط معناه المنعم المفضل ، قد بسط على عباده فضله وإحسانه ، و أسبغ عليهم نعمه.
    ( قاضي الحاجات ) القاضي اسم مشتق من القضاء ، ومعنى القضاء من الله عزوجل على ثلاثة أوجه : فوجه منها هو الحكم والالزام ، يقال : قضي القاضي على فلان بكذا أي حكم عليه به وألزمه إياه ، ومنه قوله عزوجل : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) (7) ووجه منها هو الخبر ، ومنه قوله عزوجل : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ) (8) أي أخبرناهم بذلك على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ووجه منها هو الاتمام ، ومنه قوله عزوجل : ( فقضيهن سبع سماوات في يومين ) (9) ومنه
1 ـ الزمر : 67.
2 ـ الأنعام : 73.
3 ـ الانفطار : 19.
4 ـ الفاتحة : 4.
5 ـ الفرقان : 46.
6 ـ البقرة : 245.
7 ـ الإسراء : 23.
8 ـ الإسراء : 4.
9 ـ فصلت : 12.


(212)
قول الناس : قضى فلان حاجتي ، يريد أنه أتم حاجتي على ما سألته.
    ( المجيد ) المجيد معناه الكريم العزيز ، ومنه قوله عزوجل : ( بل هو قرآن مجيد ) (1) أي كريم عزيز. والمجد في اللغة نيل الشرف ، ومجد الرجل وأمجد لغتان وأمجده كرم فعاله ، ومعنى ثان : أنه مجيد ممجد ، مجده خلقه أي عظموه.
    ( المولى ) المولى معناه الناصر ينصر المؤمنين ويتولى نصرهم على عدوهم و يتولى ثوابهم وكرامتهم ، وولي الطفل هو الذي يتولى إصلاح شأنه ، والله ولي المؤمنين وهو مولاهم وناصرهم ، والمولى في وجه آخر هو الأولى ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وذلك على إثر كلام قد تقدمه وهو أن قال : ( ألست أولى بكم منكم بأنفسكم (2) ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال من كنت مولاه أي من كنت أولى به منه بنفسه فعلي مولاه ) أي أولى به منه بنفسه.
    ( المنان ) المنان معناه المعطي المنعم ، ومنه قوله عزوجل : ( فامنن أو أمسك بغير حساب (3) ) وقوله عزوجل : ( ولا تمنن تستكثر ) (4).
    ( المحيط ) المحيط معناه أنه محيط بالأشياء عالم بها كلها ، وكل من أخذ شيئا كله أو بلغ علمه أقصاه فقد أحاط به ، وهذا على التوسع لأن الإحاطة في الحقيقة إحاطة الجسم الكبير بالجسم الصغير من جوانبه كإحاطة البيت بما فيه و إحاطة السور بالمدن ، ولهذا المعنى سمي الحائط حائطا ، ومعنى ثان يحتمل أن يكون نصبا على الظرف ، معناه مستوليا مقتدرا ، كقوله عزوجل : ( وظنوا أنهم أحيط بهم (5) ) فسماه إحاطة لهم لأن القوم إذا أحاطوا بعدوهم لم يقدر العدو على التخلص منهم.
1 ـ البروج : 21.
2 ـ في نسخة ( ج ) ( ألست أولى منكم بأنفسكم ) ، وفي البحار وفي البحار وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ( ألست أولى بكم من أنفسكم ).
3 ـ ص : 39.
4 ـ المدثر : 6.
5 ـ يونس : 22.


(213)
    ( المبين ) المبين معناه الظاهر البين حكمته ، المظهر لها بما أبان من بيناته وآثار قدرته ، ويقال : بان الشيء وأبان واستبان بمعنى واحد.
    ( المقيت ) المقيت معناه الحافظ الرقيب ، ويقال : بل هو القدير.
    ( المصور ) المصور هو اسم مشتق من التصوير ، يصور الصور في الأرحام كيف يشاء ، فهو مصور كل صورة ، وخالق كل مصور في رحم ومدرك ببصر وممثل في نفس ، وليس الله تبارك وتعالى بالصور والجوارح يوصف ، ولا بالحدود والأبعاض يعرف ، ولا في سعة الهواء بالأوهام يطلب ، ولكن بالآيات يعرف ، وبالعلامات و الدلالات يحقق ، وبها يوقن ، وبالقدرة والعظمة والجلال والكبرياء يوصف ، لأنه ليس له في خلقه شبيه ولا في بريته عديل.
    ( الكريم ) الكريم معناه العزيز ، يقال : فلان أكرم علي من فلان أي أعز منه ، ومنه قوله عزوجل : ( إنه لقرآن كريم ) (1) وكذلك قوله عزوجل :
    ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ) (2) ، ومعنى ثان : أنه الجواد المفضل ، يقال : رجل كريم أي جواد ، وقوم كرام أي أجواد ، وكريم وكرم مثل أديم وأدم.
    ( الكبير ) الكبير السيد ، يقال لسيد القوم : كبيرهم ، والكبرياء اسم التكبر والتعظم.
    ( الكافي ) الكافي اسم مشتق من الكفاية ، وكل من توكل عليه كفاه ولا يلجئه إلى غيره.
    ( كاشف الضر ) الكاشف معناه المفرج يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ، والكشف في اللغة رفعك شيئا عما يواريه ويغطيه.
    ( الوتر ) الوتر الفرد ، وكل شيء كان فردا قيل : وتر.
    ( النور ) النور معناه المنير ، ومنه قوله عزوجل : ( الله نور السماوات و الأرض ) (3) أي منير لهم وآمرهم وهاديهم ، فهم يهتدون به في مصالحهم كما يهتدون
1 ـ الواقعة : 77.
2 ـ الدخان : 49.
3 ـ النور : 35.


(214)
في النور والضياء (1) وهذا توسع إذا لنور الضياء والله عزوجل متعال عن ذلك علوا كبيرا ، لأن الأنوار محدثة ، ومحدثها قديم لا يشبهه شيء ، وعلى سبيل التوسع قيل : إن القرآن نور لأن الناس يهتدون به في دينهم كما يهتدون بالضياء في مسالكهم ، ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم منيرا.
    ( الوهاب ) الوهاب معروف وهو من الهبة يهب لعباده ما يشاء ويمن عليهم بما يشاء ، ومنه قوله عزوجل : ( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ) (2).
    ( الناصر ) الناصر والنصير بمعنى واحد ، والنصرة حسن المعونة.
    ( الواسع ) الواسع الغني ، والسعة الغنى ، يقال : فلان يعطي من سعة أي من غنى ، والوسع جدة الرجل وقدرة ذات يده ، ويقال : أنفق على قدر وسعك.
    ( الودود ) الودود فعول بمعنى مفعول كما يقال : هيوب بمعنى مهيب ، يراد به ، أنه مودود ومحبوب ، ويقال :
    بل فعول بمعنى فاعل كقولك : غفور بمعنى غافر أي يود عباده الصالحين ويحبهم ، والود والوداد مصدر المودة ، فلان ودك ووديدك أي حبك وحبيبك.
    ( الهادي ) الهادي معناه أنه عزوجل يهديهم للحق ، والهدى من الله عزوجل على ثلاثة أوجه : فوجه هو الدلالة قد دلهم جميعا على الدين ، والثاني هو الإيمان والإيمان هدى من الله عزوجل كما أنه نعمة من الله عزوجل ، والثالث هو النجاة وقد بين الله عزوجل ، أنه سيهدي المؤمنين بعد وفاتهم فقال : ( والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ) (3) ولا يكون الهدى بعد الموت والقتل إلا الثواب والنجاة ، وكذلك قوله عزوجل : ( إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ) (4) وهو ضد الضلال الذي هو عقوبة الكافر ، وقال الله عزوجل : ( ويضل الله الظالمين ) (5) أي يهلكهم ويعاقبهم ، وهو كقوله عزوجل :
1 ـ في نسخة ( ج ) ( كما يهتدون بالنور ـ الخ ).
2 ـ الشورى : 49.
3 ـ محمد صلى الله عليه وآله : 5.
4 ـ يونس : 9.
5 ـ إبراهيم عليه السلام : 27.


(215)
( أضل أعمالهم ) (1) أي أهلك أعمالهم وأحبطها بكفرهم.
    ( الوفي ) الوفي معناه أنه يفي بعهدهم ويوفي بعهده ، يقال : رجل وفي و موف ، وقد وفيت بعهدك وأوفيت لغتان.
    ( الوكيل ) الوكيل معناه المتولي أي القائم بحفظنا ، وهذا هو معنى الوكيل على المال منا ، ومعنى ثان أنه المعتمد والملجأ ، والتوكل الاعتماد عليه و الالتجاء إليه.
    ( الوارث ) الوارث معناه أن كل من ملكه الله شيئا يموت ويبقى ما كان في ملكه ولا يملكه إلا الله تبارك وتعالى.
    ( البر ) البر معناه الصادق ، يقال : صدق فلان وبر ، ويقال : برت يمين فلان إذا صدقت ، وأبرها الله أي أمضاها على الصدق.
    ( الباعث ) الباعث معناه أنه يبعث من في القبور ويحييهم وينشرهم للجزاء والبقاء.
    ( التواب ) التواب معناه أنه يقبل التوبة ويعفو عن الحوبة إذا تاب منها العبد ، يقال : تاب العبد إلى الله عزوجل فهو تائب إليه (2) وتاب الله عليه أي قبل توبته فهو تواب عليه ، والتوب التوبة ، ويقال : اتأب فلان من كذا ـ مهموزا ـ إذا استحيى منه ، ويقال : ما طعامك بطعام تؤبة أي لا يحتشم منه ولا يستحيى (3).
    ( الجليل ) الجليل معناه السيد ، يقال لسيد القوم : جليلهم وعظيمهم ، و جل جلال الله فهو الجليل ذو الجلال والاكرام ، ويقال جل فلان في عيني أي عظم ، وأجللته أي عظمته (4).
    ( الجواد ) الجواد معناه المحسن المنعم الكثير الإنعام والاحسان ، يقال :
1 ـ محمد صلى الله عليه وآله وسلم : 1.
2 ـ في البحار وفي نسخة ( ب ) و ( د ) فهو ( تائب تواب إليه ).
3 ـ التاء في المواضع الثلاثة مبدلة من الواو ، فيطلب في اللغة في مادة ( وأب ).
4 ـ في نسخة ( ب ) و ( و ) ( أي أعظمته ).


(216)
جاد السخي من الناس يجود جودا ، ورجل جواد ، وقوم أجواد وجود أي أسخياء ، ولا يقال لله عزوجل : سخي لأن أصل السخاوة راجع إلى اللين ، يقال : أرض سخاوية وقرطاس سخاوي إذا كان لينا.
    وسمي السخي سخيا للينه عند الحوائج إليه.
    ( الخبير ) الخبير معناه العالم ، والخبر والخبير في اللغة واحد ، والخبر علمك بالشيء ، يقال : لي به خبر أي علم.
    ( الخالق ) الخالق معناه الخلاق ، خلق الخلائق خلقا وخليقة ، والخليقة :
    الخلق ، والجمع الخلائق ، والخلق في اللغة تقديرك الشيء ، يقال في المثل :
    إني إذا خلقت فريت لا كمن يخلق ولا يفري ، وفي قول أئمتنا عليهم السلام : إن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين ، وخلق عيسى عليه السلام من الطين كهيئة الطير هو خلق تقدير أيضا ، ومكون الطير وخالقه في الحقيقة هو الله عزوجل.
    ( خير الناصرين ) خير الناصرين وخير الراحمين معناه أن فاعل الخير إذا كثر ذلك منه سمي خيرا توسعا.
    ( الديان ) الديان هو الذي يدين العباد ويجزيهم بأعمالهم ، والدين الجزاء ، ولا يجمع لأنه مصدر ، يقال : دان يدين دينا ، ويقال في المثل : ( كما تدين تدان ) أي كما تجزي تجزى ، قال الشاعر :
كما يدين الفتى يوما يدان به من يزرع الثوم لا يقلعه ريحانا
    ( الشكور ) الشكور والشاكر معناهما أنه يشكر للعبد عمله ، وهذا توسع لأن الشكر في اللغة عرفان الاحسان ، وهو المحسن إلى عباده المنعم عليهم ، لكنه سبحانه لما كان مجازيا للمطيعين على طاعاتهم جعل مجازاته شكرا لهم على المجاز كما سميت مكافأة المنعم شكرا.
    ( العظيم ) العظيم معناه السيد ، وسيد القوم عظيمهم وجليلهم ، ومعنى ثان :
    أنه يوصف بالعظمة لغلبته على الأشياء وقدرته عليها ولذلك كان الواصف بذلك معظما ، ومعنى ثالث : أنه عظيم لأن ما سواه كله له ذليل خاضع فهو عظيم السلطان ، عظيم


(217)
الشأن ، ومعنى رابع : أنه المجيد يقال : عظم فلان في المجد عظامة ، والعظامة مصدر :
    الأمر العظيم ، والعظمة من التجبر ، وليس معنى العظيم ضخم طويل عريض ثقيل لأن هذه المعاني معاني الخلق وآيات الصنع والحدث وهي عن الله تبارك وتعالى منفية ، وقد روي في الخبر أنه سمي العظيم لأنه خالق الخلق العظيم ورب العرش العظيم وخالقه.
    ( اللطيف ) اللطيف معناه أنه لطيف بعباده فهو لطيف بهم ، بار بهم ، منعم عليهم واللطف البر والتكرمة ، يقال : فلان لطيف بالناس بار بهم يبرهم ويلطفهم إلطافا ، ومعنى ثان أنه لطيف في تدبيره وفعله يقال : فلان لطيف العمل ، وقد روي في الخبر أن معنى اللطيف هو أنه الخالق للخلق اللطيف كما أنه سمي العظيم لأنه الخالق للخلق العظيم.
    ( الشافي ) الشافي معناه معروف وهو من الشفاء كما قال الله عزوجل حكاية عن إبراهيم عليه السلام : ( وإذا مرضت فهو يشفين ) (1) فجملة هذه الأسماء الحسنى تسعة و تسعون اسما.
    وأما ( تبارك ) (2) فهو من البركة وهو عزوجل ذو بركة وهو فاعل البركة وخالقها وجاعلها في خلقه ، وتبارك وتعالى عن الولد والصاحبة والشريك وعما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وقد قيل : إن معنى قول الله عزوجل : ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) (3) إنما عنى به أن الله الذي يدوم بقاؤه وتبقى نعمه ويصير ذكره بركة على عباده واستدامة لنعم الله عندهم ( هو الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) والفرقان هو القرآن وإنما سماه فرقانا لأن الله عزوجل فرق به بين الحق والباطل ، وعبده الذي أنزل عليه ذلك هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسماه عبدا لئلا يتخذ ربا معبودا ، وهذا رد على من يغلو فيه ، وبين عزوجل أنه نزل عليه ذلك لينذر به العالمين وليخوفهم به من معاصي الله وأليم
1 ـ الشعراء : 80.
2 ـ المذكور في صدر الحديث.
3 ـ الفرقان : 1.


(218)
عقابه ، والعالمون : الناس ( الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ) كما قالت النصارى إذ أضافوا إليه الولد كذبا عليه وخروجا من توحيده ( ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) يعني : أنه خلق الأشياء كلها على مقدار يعرفه وأنه لم يخلق شيئا من ذلك على سبيل سهو ولا غفلة ولا على تنحيب (1) ولا على مجازفة ، بل على المقدار الذي يعلم أنه صواب من تدبيره وأنه استصلاح لعباده في أمر دينهم وأنه عدل منه على خلقه لأنه لو لم يخلق ذلك على مقدار يعرفه على سبيل ما وصفناه لوجد في ذلك التفاوت والظلم والخروج عن الحكمة وصواب التدبير إلى العبث والظلم والفساد كما يوجد مثل ذلك في فعل خلقه الذين ينحبون في أفعالهم ويفعلون من ذلك ما لا يعرفون مقداره ، ولم يعن بذلك أنه خلق لذلك تقديرا يعرف به مقدار ما يفعله ثم فعل أفعاله بعد ذلك ، لأن ذلك إنما يوجد من فعل من لا يعلم مقدار ما يفعله إلا بهذا التقدير وهذا التدبير ، والله سبحانه لم يزل عالما بكل شيء ، وإنما عنى بقوله : فقدره تقديرا أي فعل ذلك على مقدار يعرفه ـ على ما بيناه ـ وعلى أن يقدر أفعاله لعباده بأن يعرفهم مقدارها ووقت كونها و مكانها الذي يحدث فيه ليعرفوا ذلك ، وهذا التقدير من الله عزوجل كتاب وخبر كتبه الله لملائكته وأخبرهم به ليعرفوه ، فلما كان كلامه لم يوجد إلا على مقدار يعرفه لئلا يخرج عن حد الصدق إلى الكذب وعن حد الصواب إلى الخطأ ، وعن حد البيان إلى التلبيس ، كان ذلك دلالة على أن الله قد قدره على ما هو به وأحكمه وأحدثه فلهذا صار محكما لا خلل فيه ولا تفاوت ولا فساد.
    10 حدثنا غير واحد ، قالوا : حدثنا محمد بن همام ، عن علي بن الحسين (2)
1 ـ نحب فلان في عمله جد ، ونحب العمل فلانا أجهده ، ونحب فلان أمرا نذره و أوجبه على نفسه ، وفي نسخة ( ب ) و ( د ) و ( و ) ( ولا على تنحيت ) بالتاء المثناة في آخره.
    وهو انضاء العمل العامل بسبب كثرته أو مشقته ، وعلى هذه النسخة يقرء الفعل الآتي مجهولا كما يقرء مجهولا على المعنى الثاني.
2 ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( علي بن الحسن ).


(219)
قال : حدثني جعفر بن يحيى الخزاعي ، عن أبيه ، قال : دخلت مع أبي عبد الله عليه السلام على بعض مواليه يعوده ، فرأيت الرجل يكثر من قول آه ، فقلت له : يا أخي اذكر ربك واستغث به ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن آه اسم من أسماء الله عزوجل (1) فمن قال : آه استغاث بالله تبارك وتعالى.
    11 ـ حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الإصبهاني الأسواري قال :
    حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي ، قال : أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن القرشي بدمشق وأنا أسمع ، قال : حدثنا أبو عامر موسى بن عامر المري (2) قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا زهير بن محمد ، عن موسى بن عقبة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا ، إنه وتر يحب الوتر ، من أحصاها دخل الجنة ، فبلغنا أن غير واحد من أهل العلم قال : إن أولها يفتتح بلا إله إلا الله الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، بيده الخير ، وهو على كل شي قدير ، لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى ، الله ، الواحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ،
1 ـ آه يقال وجعا أو أسفا أو حسرة أو ندامة على عمل أو ترحما على أحد أو حزنا على حادثة ، وقد اشتق منه الفعل والوصف ، منه قوله تعالى : ( إن إبراهيم لأواه حليم ) و أما كونه اسما له تعالى فإما هو من غير المشهور من أسمائه كرمضان الذي ورد في الحديث أنه من أسمائه وكآمين كذلك ، وإما هو اسم له تعالى بالعبرانية أو السريانية نظير ( ياه ) المذكور في الزبور الموجود اليوم ، و ( يهواه ) المذكور فيه أيضا ، و ( آهيا شراحيا ) المذكور في دعاء الحرز للباقر عليه السلام في كتاب الدعاء من البحار ، وإما لا ذاك ولا ذاك ، بل المؤمن إذ يقوله متوجها إليه تعالى سائلا منه فهو بمنزلة اسم من أسمائه ، وقيل : فيه أربع عشرة لغة.
2 ـ قال الذهبي في الميزان : موسى بن عامر المري أبو عامر الدمشقي صاحب الوليد بن مسلم صدوق صحيح الكتب. تكلم فيه بغير حجة ولا ينكر له تفرده عن الوليد فإنه أكثر عنه ـ الخ.


(220)
الجبار ، المتكبر ، الرحمن ، الرحيم ، اللطيف ، الخبير ، السميع ، البصير ، العلي ، العظيم ، البارئ ، ( كذا ) المتعالي ، الجليل ، الجميل ، الحي ، القيوم ، القادر ، القاهر ، الحكيم ، القريب ، المجيب ، الغني ، الوهاب ، الودود ، الشكور ، الماجد ، الأحد ، الولي ، الرشيد ، الغفور ، الكريم ، الحليم ، التواب ، الرب ، المجيد ، الحميد ، الوفي ، الشهيد ، المبين ، البرهان ، الرؤوف ، المبدئ ، المعيد ، الباعث الوارث ، القوي ، الشديد ، الضار ، النافع ، الوافي ، الحافظ ، الرافع ، القابض ، الباسط ، المعز ، المذل ، الرازق ، ذو القوة المتين ، القائم ، الوكيل ، العادل ، الجامع ، المعطي ، المجتبي ، المحيي ، المميت ، الكافي ، الهادي ، الأبد ، الصادق ، النور ، القديم ، الحق ، الفرد ، الوتر ، الواسع ، المحصي ، المقتدر ، المقدم ، المؤخر ، المنتقم ، البديع (1).
    12 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من عبد الله بالتوهم فقد كفر ، ومن عبد الاسم ولم يعبد المعنى فقد كفر ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك ، ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه (2) فعقد عليه قلبه و نطق به لسانه في سرائره وعلانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. وفي حديث آخر : ( أولئك هم المؤمنون حقا ).
    13 ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني ، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمهما الله ، قالا : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن أسماء الله
1 ـ بعض ما في هذا الحديث من الأسماء يغير بعض ما في الحديث التاسع ، وقد شرح هذه الأسماء المحدث الفيض في كتاب علم اليقين والسبزواري في شرح الأسماء والكفعمي في المصباح وابن فهد الحلي في العدة.
2 ـ في نسخة ( ط ) ( باتباع الأسماء بصفاته التي ـ الخ ).


(221)
عزوجل واشتقاقها ، فقال : الله مشتق من إله ، وإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد ، أفهمت يا هشام ، قال : قلت : زدني ، قال : لله عزوجل تسعة وتسعون اسما ، فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها هو إلها ، ولكن الله عزوجل معنى ، يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره ، يا هشام الخبز اسم للمأكول (1) والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق ، أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتنافر أعداءنا والملحدين في الله والمشركين مع الله عزوجل غيره ؟ (2) قلت : نعم ، فقال : نفعك الله به وثبتك يا هشام ، قال هشام : فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حينئذ حتى قمت مقامي هذا.
    14 ـ حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري ، قال : حدثنا مكي ابن أحمد بن سعدويه البرذعي ، قال : أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي قال : حدثني جدي ، قال : حدثنا ابن أبي أويس ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن داود بن قيس الصنعاني ، قال : حدثني أفلح بن كثير ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله أن جبرئيل نزل عليه بهذا الدعاء من السماء ونزل عليه ضاحكا مستبشرا ، فقال : السلام عليك يا محمد ، قال :
    وعليك السلام يا جبرئيل فقال : إن الله بعث إليك بهدية ، فقال : وما تلك الهدية يا جبرئيل ؟ فقال : كلمات من كنوز العرش أكرمك الله بها ، قال : وما هن يا جبرئيل ؟
    قال : قل : ( يا من أظهر الجميل وستر القبيح ، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر ، يا عظيم العفو ، يا حسن التجاوز ، يا واسع المغفرة ، يا باسط اليدين بالرحمة ،
1 ـ الخبز اسم للمأكول ولا شيء من أحكام المأكول لاسمه ، فهما متغايران ذاتا ، و كذلك الله تعالى وأسماؤه.
2 ـ في الكافي باب معاني الأسماء واشتقاقها تحت رقم 2 هكذا ( أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عزوجل غيره ـ الخ ).


(222)
يا صاحب كل نجوى ، ويا منتهى كل شكوى ( يا مقيل العثرات (1) ) يا كريم الصفح ، يا عظيم المن يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها يا ربنا ويا سيدنا ويا مولانا ويا غاية رغبتنا أسألك يا الله أن لا تشوه خلقي بالنار ) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا جبرئيل فما ثواب هذه الكلمات ؟ قال : هيهات هيهات ، انقطع العلم ، لو اجتمع ملائكة سبع سماوات وسبع أرضين على أن يصفوا ثواب ذلك إلى يوم القيامة ما وصفوا من ألف جزء جزءا واحدا ، فإذا قال العبد : ( يا من أظهر الجميل وستر القبيح ) ستره الله برحمته في الدنيا وجملة في الآخرة وستر الله عليه ألف ستر في الدنيا والآخرة ، وإذا قال : ( يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر ) لم يحاسبه الله يوم القيامة ولم يهتك ستره يوم يهتك الستور ، وإذا قال : ( يا عظيم العفو ) غفر الله له ذنوبه ولو كانت خطيئته مثل زبد البحر ، وإذا قال : ( يا حسن التجاوز ) تجاوز الله عنه حتى السرقة وشرب الخمر وأهاويل الدنيا ، وغير ذلك من الكبائر ، وإذا قال : ( يا واسع المغفرة ) فتح الله عزوجل له سبعين بابا من الرحمة فهو يخوض في رحمة الله عزوجل حتى يخرج من الدنيا ، وإذا قال : ( يا باسط اليدين بالرحمة ) بسط الله يده عليه بالرحمة ، وإذا قال : ( يا صاحب كل نجوى و ( يا ) منتهى كل شكوى ) أعطاه الله عزوجل من الآجر ثواب كل مصاب وكل سالم وكل مريض وكل ضرير وكل مسكين وكل فقير إلى يوم القيامة ، وإذا قال : ( يا كريم الصفح ) أكرمه الله كرامة الأنبياء ، وإذا قال : ( يا عظيم المن ) أعطاه الله يوم القيامة أمنيته وأمنية الخلائق ، وإذا قال : ( يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها ) أعطاه الله من الأجر بعدد من شكر نعماءه ، وإذا قال : ( يا ربنا ويا سيدنا ويا مولانا ) (2) قال الله تبارك وتعالى : اشهدوا ملائكتي أني غفرت له وأعطيته من الأجر بعدد من خلقته في الجنة والنار والسماوات السبع والأرضين السبع الشمس والقمر والنجوم وقطر الأمطار وأنواع الخلق والجبال والحصى والثرى وغير ذلك والعرش والكرسي ، وإذا قال : ( يا مولانا ) ملأ الله قلبه من الإيمان ، وإذا قال :
1 ـ ليس في أكثر النسخ ( يا مقيل العثرات ) وليس في نسخة بيان ثوابه.
2 ـ الظاهر زيادة ( ويا مولانا ) هنا لذكره من بعد.


(223)
( يا غاية رغبتنا ) أعطاه الله يوم القيامة رغبته ومثل رغبة الخلائق ، وإذا قال : ( أسألك يا الله أن لا تشوه خلقي بالنار ) قال الجبار جل جلاله : استعتقني عبدي من النار ، اشهدوا ملائكتي أني قد أعتقته من النار وأعتقت أبويه وأخواته وأخوانه وأهله و ولده وجيرانه ، وشفعته في ألف رجل ممن وجب لهم النار ، وآجرته من النار ، فعلمهن يا محمد المتقين ولا تعلمهن المنافقين فإنها دعوة مستجابة لقائليهن إن شاء الله ، وهو دعاء أهل البيت المعمور حوله إذا كانوا يطوفون به.
    قال مصنف هذا الكتاب : الدليل على أن الله تعالى عزوجل عالم حي قادر لنفسه لا بعلم وقدرة وحياة هو غيره أنه لو كان عالما بعلم لم يخل علمه من أحد أمرين أما أن يكون قديما أو حادثا ، فإن كان حادثا فهو جل ثناؤه قبل حدوث العلم غير عالم ، وهذا من صفات النقص ، وكل منقوص محدث بما قدمنا ، وإن كان قديما وجب أن يكون غير الله عزوجل قديما وهذا كفر بالاجماع ، فكذلك القول في القادر وقدرته والحي وحياته ، والدليل على أنه تعالى لم يزل قادرا عالما حيا أنه قد ثبت أنه عالم قادر حي لنفسه وصح بالدليل أنه عزوجل قديم وإذا كان كذلك كان عالما لم يزل إذ نفسه التي لها علم لم تزل ، وهذا يدل على أنه قادر حي لم يزل (1).

    1 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد ، قال : قلت للرضا علي بن موسى عليهما السلام : يا ابن رسول الله أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق ؟ فقال : ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله عزوجل.
    2 ـ حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن الريان بن الصلت ، قال :
1 ـ ذكر هذا الكلام في الباب الحادي عشر كان أنسب.

(224)
قلت للرضا عليه السلام : ما تقول في القرآن ؟ فقال : كلام الله لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا.
    3 ـ حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا علي بن سالم ، عن أبيه ، قال : سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقلت له : يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن ؟ فقال : هو كلام الله وقول الله وكتاب الله ووحي الله و تنزيله ، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
    4 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، قال : كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام إلى بعض شيعته ببغداد : بسم الله الرحمن الرحيم عصمنا الله وإياك من الفتنة فإن يفعل فقد أعظم بها نعمة (1) وإن لا يفعل فهي الهلكة ، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة ، اشترك فيها السائل والمجيب ، فيتعاطى السائل ما ليس له ، ويتكلف المجيب ما ليس عليه ، وليس الخالق إلا الله عزوجل ، وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله ، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين ، جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون.
    5 ـ حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب رضي الله عنه ، قال :
    حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال :
    حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام : يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن فقد اختلف فيه من قبلنا ؟ فقال قوم : إنه مخلوق ، وقال قوم : إنه غير مخلوق ، فقال عليه السلام :
    أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكني أقول : إنه كلام الله.
    6 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا
1 ـ الضمير راجع إلى العصمة ، وفي نسخة ( ط ) ( فقد تعظم بها نعمة ).

(225)
محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ( كذا ) الجعفري ، قال : حدثنا أبي ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن سعد الخفاف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : لما وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على الخوارج ووعظهم وذكرهم وحذرهم القتال قال لهم : ما تنقمون مني ؟ ألا إني أول من آمن بالله ورسوله (1) فقالوا : أنت كذلك ، ولكنك حكمت في دين الله أبا موسى الأشعري ، فقال عليه السلام : والله ما حكمت مخلوقا ، وإنما حكمت القرآن ، ولولا أني غلبت علي أمري وخولفت في رأيي لما رضيت أن تضع الحرب أوزارها بيني وبين أهل حرب الله حتى أعلي كلمة الله وأنصر دين الله ولو كره الكافرون والجاهلون.
    قال مصنف هذا الكتاب : قد جاء في الكتاب أن القرآن كلام الله ووحي الله وقول الله وكتاب الله ، ولم يجئ فيه أنه مخلوق ، وإنما امتنعنا من إطلاق المخلوق عليه (2) لأن المخلوق في اللغة قد يكون مكذوبا ، ويقال : كلام مخلوق أي مكذوب ، قال الله تبارك وتعالى : ( إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا ) (3) أي كذبا ، وقال تعالى حكاية عن منكري التوحيد : ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) (4) أي افتعال وكذب ، فمن زعم أن القرآن مخلوق بمعنى أنه مكذوب فقد كفر ، ومن قال : إنه غير مخلوق بمعنى أنه غير مكذوب فقد صدق وقال الحق والصواب ، ومن زعم أنه غير مخلوق بمعنى أنه غير محدث وغير منزل وغير محفوظ فقد أخطأ وقال غير الحق والصواب ، وقد أجمع أهل الإسلام على أن القرآن كلام الله عزوجل على الحقيقة دون المجاز ، وأن من قال غير ذلك فقد قال منكرا من القول وزورا ، ووجدنا القرآن مفصلا وموصلا وبعضه غير بعض وبعضه قبل بعض كالناسخ الذي يتأخر عن المنسوخ ، فلو لم يكن ما هذه صفته حادثا بطلت الدلالة
1 ـ ( ألا ) حرف تنبيه وما قبله استفهام توبيخ ، أو حرف استثناء.
2 ـ في نسخة ( و ) ( وإنما منعنا ـ الخ ).
3 ـ العنكبوت : 17.
4 ـ ص : 7.
التوحيد ::: فهرس