التوحيد ::: 301 ـ 315
(301)
لبطلان معنى لوجب أن يصير مجتمعا ومفترقا في حالة واحدة لبطلان المعنيين جميعا وأن يكون كل شيء خلا من أن يكون فيه معنى مجتمعا مفترقا ، حتى كان يجب أن يكون الأعراض مجتمعة متفرقة لأنها قد خلت من المعاني (1) وقد تبين بطلان ذلك ، وفي بطلان ذلك دليل على أنه إنما كان مجتمعا لحدوث معنى و متفرقا لحدوث معنى ، وكذلك القول في الحركة والسكون وسائر الأعراض.
    فإن قال قائل : فإذا قلتم : إن المجتمع إنما يصير مجتمعا لوجود الاجتماع ومفترقا لوجود الافتراق فما أنكرتم من أن يصير مجتمعا مفترقا لوجودهما فيه كما ألزمتم ذلك من يقول : إن المجتمع إنما يصير مجتمعا لانتفاء الافتراق و مفترقا لانتفاء الاجتماع ، قيل له : إن الاجتماع والافتراق هما ضدان والأضداد تنضاد في الوجود فليس يجوز وجودهما في حال لتضادهما ، وليس هذا حكمهما في النفي لأنه لا ينكر انتفاء الأضداد في حالة واحدة كما ينكر وجودها ، فلهذا ما قلنا (2) إن الجسم لو كان مجتمعا لانتفاء الافتراق ومفترقا لانتفاء الاجتماع لوجب أن يصير مجتمعا مفترقا لانتفائهما ، ألا ترى أنه قد ينتفي عن الأحمر السواد والبياض مع تضادهما وأنه لا يجوز وجودهما واجتماعهما في حال واحدة ، فثبت أن انتفاء الأضداد لا ينكر في حالة واحدة كما ينكر وجودها ، وأيضا فإن القائل بهذا القول قد أثبت الاجتماع والافتراق والحركة والسكون وأوجب أن لا يجوز خلو الجسم منها لأنه إذا خلا منها يجب أن يكون مجتمعا مفترقا ومتحركا ساكنا إذ كان لخلوه منها ما يوصف بهذا الحكم ، وإذا كان ذلك كذلك ، وكان الجسم لم يخل من هذه الحوادث يجب أن يكون محدثا ، ويدل على ذلك أيضا أن الإنسان قد يؤمر بالاجتماع والافتراق والحركة والسكون ويفعل ذلك ويحمد به ويشكر عليه ويذم عليه إذا كان قبيحا ، وقد علمنا أنه لا يجوز أن يؤمر بالجسم ولا أن ينهى عنه ولا
1 ـ أي المعاني الأربعة : الحركة والسكون والاجتماع والافتراق.
2 ـ ما هذه موصولة ، وقوله : ( لهذا ) خبر له مقدم عليه ، وأن بالفتح بدل عن الموصول ، وفي نسخة ( ج ) ( فلهذا ما قلته ـ الخ ).


(302)
أن يمدح من أجله ولا يذم له ، فواجب أن يكون الذي أمر به ونهي عنه واستحق من أجله المدح والذم غير الذي لا يجوز أن يؤمر به ، ولا أن ينهى عنه ، ولا أن يستحق به المدح والذم ، فوجب بذلك إثبات الأعراض.
    فإن قال : فلم قلتم : إن الجسم لا يخلو من الاجتماع والافتراق والحركة والسكون ولم أنكرتم أن يكون قد خلا فيما لم يزل من ذلك ؟ فلا يدل ذلك على حدوثه. قيل له : لو جاز أن يكون قد خلا فيما مضى من الاجتماع والافتراق والحركة والسكون لجاز أن يخلو منها الآن ونحن نشاهده ، فلما لم يجز أن يوجد أجسام غير مجتمعة ولا مفترقة علمنا أنها لم تخل فيما مضى.
    فإن قال : ولم أنكرتم أن يكون قد خلا من ذلك فيما مضى وإن كان لا يجوز أن يخلو الآن منه ؟ قيل له : إن الأزمنة والأمكنة لا تؤثران في هذه الباب ، ألا ترى لو كان قائل قال : كنت أخلو من ذلك عام أول أو منذ عشرين سنة وإن ذلك سيمكنني بعد هذا الوقت أو يمكنني بالشأم دون العراق أو بالعراق دون الحجاز لكان عند أهل العقل مخبلا جاهلا ، والمصدق له جاهل ، فعلمنا أن الأزمنة و الأمكنة لا تؤثران في ذلك ، وإذا لم يكن لها حكم ولا تأثير في هذا الباب فواجب أن يكون حكم الجسم فيما مضى وفيما يستقبل حكمه الآن ، وإذا كان لا يجوز أن يخلو الجسم في هذا الوقت من الاجتماع والافتراق والحركة والسكون علمنا أنه لم يخل من ذلك قط ، وأنه لو خلا من ذلك فيما مضى كان لا ينكر أن يبقى على ما كان عليه إلى هذا الوقت ، فكان لو أخبرنا مخبر عن بعض البلدان الغائبة أن فيها أجساما غير مجتمعة ولا مفترقة ولا متحركة ولا ساكنة أن نشك في ذلك ولا نأمن أن يكون صادقا ، وفي بطلان ذلك دليل على بطلان هذا القول ، وأيضا فإن من أثبت الأجسام غير مجتمعة ولا مفترقة فقد أثبتها غير متقاربة بعضها عن بعض ، ولا متباعدة بعضها عن بعض ، وهذه صفة لا تعقل لأن الجسمين لا بد من أن يكون بينهما مسافة وبعد ، أو لا يكون بينهما مسافة ولا بعد ولا سبيل إلى ثالث ، فلو كان بينهما مسافة وبعد لكانا مفترقين ولو كان لا مسافة بينهما ولا بعد لوجب أن يكونا مجتمعين


(303)
لأن هذا هو حد الاجتماع والافتراق ، وإذا كان ذلك كذلك فمن أثبت الأجسام غير مجتمعة ولا مفترقة فقد أثبتها على صفة لا تعقل ، ومن خرج بقوله عن المعقول كان مبطلا.
    فإن قال قائل : ولم قلتم : إن الأعراض محدثة ولم أنكرتم أن تكون قديمة مع الجسم لم تزل ؟ قيل له : لأنا وجدنا المجتمع إذا فرق بطل منه الاجتماع وحدث له الافتراق ، وكذلك المفترق إذا جمع بطل منه الافتراق وحدث له الاجتماع والقديم هو قديم لنفسه ولا يجوز عليه الحدوث والبطلان ، فثبت أن الاجتماع والافتراق محدثان ، وكذلك القول في سائر الأعراض ، ألا ترى أنها تبطل بأضدادها ثم تحدث بعد ذلك ، وما جاز عليه الحدوث والبطلان لا يكون إلا محدثا ، وأيضا فإن الموجود القديم الذي لم يزل لا يحتاج في وجوده إلى موجد ، فيعلم أن الوجود أولى به من العدم لأنه لو لم يكن الوجود أولى به من العدم لم يوجد إلا بموجد ، وإذا كان ذلك كذلك علمنا أن القديم لا يجوز عليه البطلان إذا كان الوجود أولى به من العدم ، وأن ما جاز عليه أن يبطل لا يكون قديما.
    فإن قال : ولم قلتم : إن ما لم يتقدم المحدث يجب أن يكون محدثا ؟ قيل له : لأن المحدث هو ما كان بعد أن لم يكن ، والقديم هو الموجود لم يزل ، و الموجود لم يزل يجب أن يكون متقدما لما قد كان بعد أن لم يكن ، وما لم يتقدم المحدث فحظه في الوجود حظ المحدث لأنه ليس له من التقدم إلا ما للمحدث ، وإذا كان ذلك كذلك وكان المحدث بما له من الحظ في الوجود والتقدم لا يكون قديما بل يكون محدثا ، فذلك ما شاركه في علته وساواه في الوجود ولم يتقدمه فواجب أن يكون محدثا.
    فإن قال : أوليس الجسم لا يخلو من الأعراض ولا يجب أن يكون عرضا فما أنكرتم أن لا يخلو من الحوادث ولا يجب أن يكون محدثا ؟ قيل له : إن وصفنا العرض بأنه عرض ليس هو من صفات التقدم والتأخر ، إنما هو إخبار عن


(304)
أجناسها (1) والجسم إذا لم يتقدمها فليس يجب أن يصير من جنسها ، فلهذا لا يجب أن يكون الجسم وإن لم يتقدم الأعراض عرضا إذا لم يشاركها فيما له كانت الأعراض أعراضا ، ووصفنا القديم بأنه قديم هو إخبار عن تقدمه ووجوده لا إلى أول ، ووصفنا المحدث بأنه محدث هو إخبار عن كونه إلى غاية ونهاية وابتداء و أول ، وإذا كان ذلك كذلك فما لم يتقدمه من الأجسام فواجب أن يكون موجودا إلى غاية ونهاية ، لأنه لا يجوز أن يكون الموجود لا إلى أول لم يتقدم الموجود إلى أول وابتداء ، وإذا كان ذلك كذلك فقد شارك المحدث فيما كان له محدثا و هو وجوده إلى غاية ، فلذلك وجب أن يكون محدثا لوجوده إلى غاية ونهاية ، و كذلك الجواب في سائر ما تسأل في هذا الباب من هذه المسألة.
    فإن قال قائل : فإذا ثبت أن الجسم محدث فما الدليل على أن له محدثا ؟
    قيل له : لأنا وجدنا الحوادث كلها متعلقة بالمحدث. فإن قال : ولم قلتم : إن المحدثات إنما كانت متعلقة بالمحدث من حيث كانت محدثة ؟ قيل : لأنها لو لم تكن محدثة لم تحتج إلى محدث ، ألا ترى أنها لو كانت موجودة غير محدثة أو كانت معدومة لم يجز أن تكون متعلقة بالمحدث ، وإذا كان ذلك كذلك فقد ثبت أن تعلقها بالمحدث إنما هو من حيث كانت محدثة ، فوجب أن يكون حكم كل محدث حكمها في أنه يجب أن يكون له محدث ، وهذه أدلة أهل التوحيد الموافقة للكتاب والآثار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام.

    1 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قالا : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، قال : حدثنا محمد بن العباس قال : حدثني محمد بن أبي السري ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، عن
1 ـ أي عن أجناس الأعراض.

(305)
سعد الكناني ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : لما جلس علي عليه السلام في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابسا بردة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، متنعلا نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، متقلدا سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصعد المنبر فجلس عليه السلام عليه متمكنا ، ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ، ثم قال : يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هذا ما زقني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زقا زقا ، سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين ، أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول : صدق علي ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله في ، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول : صدق علي ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله في ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول : صدق علي ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله في ، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه ، ولولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) (1).
    ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل أنزلت أو في نهار أنزلت ، مكيها ومدنيها ، سفريها و حضريها ، ناسخها ومنسوخها ، محكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم ، فقام إليه رجل يقال له : ذعلب وكان ذرب اللسان ، بليغا في الخطب ، شجاع القلب فقال : لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه ، فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك ؟ قال : ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد رباه لم أره ، قال : فكيف رأيته ؟ صفه لنا ؟ قال : ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف
1 ـ الرعد : 39 ، ظاهر كلامه عليه السلام أن علمه عليه السلام دون البداء ، ولكن الآيات و الأخبار تدل على أنه شامل له ، فلا بد من صرفه عن ظاهره ، بل الظهور ممنوع.

(306)
بالبعد ، ولا بالحركة ، ولا بالسكون ، ولا بالقيام قيام انتصاب ، ولا بجيئه ولا بذهاب ، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم ، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة مؤمن لا بعبادة ، مدرك لا بمجسة ، قائل لا باللفظ ، هو في الأشياء على غير ممازجة.
    خارج منها على غير مباينة ، فوق كل شيء فلا يقال : شيء فوقه ، وأمام كل شيء فلا يقال : له أمام ، داخل في الأشياء لا كشئ في شيء داخل ، وخارج منها لا كشئ من شيء خارج ، فخر ذعلب مغشيا عليه ، ثم قال : تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله لا عدت إلى مثلها.
    ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فقام إليه الأشعث بن قيس ، فقال : يا أمير المؤمنين كيف يؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم الكتاب ولم يبعث إليهم نبي ؟ قال : بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتابا وبعث إليهم رسولا ، حتى كان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها ، فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه ، فقالوا : أيها الملك دنست علينا ديننا وأهلكته فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد ، فقال لهم : اجتمعوا واسمعوا كلامي فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت ، وإلا فشأنكم ، فاجتمعوا فقال لهم : هل علمتم أن الله لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم وأمنا حواء ؟ قالوا : صدقت أيها الملك ، قال : أفليس قد زوج بنيه من بناته وبناته من بنيه ؟ قالوا : صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك ، فمحا الله ما في صدروهم من العلم ، ورفع عنهم الكتاب ، فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب ، والمنافقون أشد حالا منهم ، قال الأشعث : والله ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله لا عدت إلى مثلها أبدا.
    ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا على عصاه ، فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه فقال : يا أمير المؤمنين دلني على عمل أنا إذا عملته نجاني الله من النار ، قال له : اسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن ، قامت الدنيا بثلاثة : بعالم ناطق مستعمل لعلمه ، وبغني لا يبخل بماله على أهل


(307)
دين الله ، وبفقير صابر ، فإذا كتم العالم علمه ، وبخل الغني ، ولم يصبر الفقير فعندها الويل والثبور ، وعندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلى بدئها أي الكفر بعد الإيمان ، أيها السائل فلا تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى ، أيها السائل إنما الناس ثلاثة : زاهد وراغب وصابر ، فأما الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أتاه ولا يحزن على شيء منها فاته ، وأما الصابر فيتمناها بقلبه ، فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها ، وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام ، قال له : يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان ؟ قال : ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه وينظر إلى ما خالفه فيتبرء منه وإن كان حميما قريبا ، قال : صدقت والله يا أمير المؤمنين ثم غاب الرجل فلم نره ، فطلبه الناس فلم يجدوه ، فتبسم علي عليه السلام على المنبر ثم قال : ما لكم هذا أخي الخضر عليه السلام.
    ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني فلم يقم إليه أحد ، فحمد الله وأثنى عليه و صلى على نبيه صلى الله عليه وآله ، ثم قال للحسن عليه السلام : يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون : إن الحسن بن علي لا يحسن شيئا ، قال الحسن عليه السلام : يا أبت كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى ، قال له : بأبي وأمي أواري نفسي عنك وأسمع وأرى وأنت لا تراني ، فصعد الحسن عليه السلام المنبر فحمد الله بمحامد بليغة شريفة ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله صلاة موجزة ، ثم قال : أيها الناس سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها وهل تدخل المدينة إلا من بابها ، ثم نزل فوثب إليه علي عليه السلام فحمله وضمه إلى صدره ، ثم قال للحسين عليه السلام : يا بني قم فاصعد المنبر وتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون : إن الحسين بن علي لا يبصر شيئا ، وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك ، فصعد الحسين عليه السلام المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله صلاة موجزة ، ثم قال : معاشر الناس سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول : إن عليا هو مدينة هدى فمن دخلها نجا ومن تخلف عنها هلك ، فوثب


(308)
إليه علي فضمه إلى صدره وقبله ، ثم قال : معاشر الناس اشهدوا أنهما فرخا رسول الله صلى الله عليه وآله ووديعته التي استودعنيها وأنا أستودعكموها ، معاشر الناس ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سائلكم عنهما.
    2 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد ابن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثني الحسين بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن داهر قال : حدثني الحسين بن يحيى الكوفي ، قال : حدثني قثم بن قتادة ، عن عبد الله بن يونس ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على منبر الكوفة إذ قام إليه رجل يقال له :
    ذعلب ذرب اللسان ، بليغ في الخطاب شجاع القلب ، فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك ؟ فقال : ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربا لم أراه ، قال : يا أمير المؤمنين كيف رأيته ؟ قال : ويلك يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، ويلك يا ذعلب إن ربي لطيف اللطافة فلا يوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم ، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ ، قبل كل شيء فلا يقال : شيء قبله ، وبعد كل شيء فلا يقال : شيء بعده شائي الأشياء لا بهمة دراك لا بخديعة ، هو في الأشياء كلها غير متمازح بها ولا بائن عنها ، ظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجل لا باستهلال رؤية ، بائن لا بمسافة ، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسم ، موجود لا بعد عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدر لا بحركة ، مريد لا بهمامة ، سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة ، لا تحويه الأماكن ، ولا تصحبه الأوقات ، ولا تحده الصفات ، ولا تأخذه السنات ، سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء أزله ، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له ، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والجسو بالبلل ، والصرد بالحرور ، مؤلف بين متعادياتها ، مفرق بين متدانياتها ، دالة بتفريقها على مفرقها وبتأليفها على مؤلفها ، وذلك قوله عزوجل : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين


(309)
لعلكم تذكرون ) (1) ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد ، شاهدة بغرائزها على أن لا غريزة لمغرزها ، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبين خلقه غير خلقه ، كان ربا إذ لا مربوب ، وإلها إذ لا مألوه ، وعالما إذ لا معلوم ، وسمعيا إذ لا مسموع.
    ثم أنشأ يقول :
( ولم يزل سيدي بالحمد معروفا ( وكنت (2) إذ ليس نور يستضاء به ( وربنا بخلاف الخلق كلهم ( فمن يرده على التشبيه ممتثلا ( وفي المعارج يلقى موج قدرته ( فاترك أخا جدل في الدين منعمقا ( واصحب أخا ثقة حبا لسيده ( أمسى دليل الهدى في الأرض منتشرا ولم يزل سيدي بالجود موصوفا ) ولا ظلام على الآفاق معكوفا ) وكل ما كان في الأوهام موصوفا ) يرجع أخا حصر بالعجز مكتوفا ) موجا يعارض طرف الروح مكفوفا ) قد باشر الشك فيه الرأي مأووفا ) وبالكرامات من مولاه محفوفا ) وفي السماء جميل الحال معروفا )
    قال : فخر ذعلب مغشيا عليه ، ثم أفاق ، وقال : ما سمعت بهذا الكلام ، ولا أعود إلى شيء من ذلك.
    قال مصنف هذا الكتاب : في هذا الخبر ألفاظ قد ذكرها الرضا عليه السلام في خطبته (3) وهذا تصديق قولنا في الأئمة عليهم السلام إن علم كل واحد منهم مأخوذ عن أبيه حتى يتصل ذلك بالنبي صلى الله عليه وآله.

    1 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن
1 ـ الذاريات : 49.
2 ـ في البحار وفي نسخة ( ج ) و ( و ) ( وكان ـ الخ ).
3 ـ هي الحديث الثاني في الباب الثاني ، ورواه الكليني في باب جوامع التوحيد من الكافي ، ومذكور في نهج البلاغة مع زيادات.


(310)
عيسى وإبراهيم بن هاشم ، عن الحسن بن علي ، عن داود بن علي اليعقوبي ، عن بعض أصحابنا ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وآله يهودي يقال له : سبخت (1) فقال له : يا محمد جئت أسألك عن ربك فإن أجبتني عما أسألك عنه اتبعتك وإلا رجعت ، فقال له : سل عما شئت ، فقال :
    أين ربك ؟ فقال : هو في كل مكان وليس هو في شيء من المكان بمحدود ، قال :
    فكيف هو ؟ فقال : وكيف أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق الله ، والله لا يوصف بخلقه ، قال : فمن يعلم أنك نبي ؟ (2) قال : فما بقي حوله حجر ولا مدر ولا غير ذلك إلا تكلم بلسان عربي مبين : يا شيخ (3) إنه رسول الله ، فقال سبخت : تالله ما رأيت كاليوم أبين (4) ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
    2 ـ حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي ، قال : حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي ، قال : حدثني أحمد بن جعفر العقيلي بقهستان ، قال : حدثني أحمد بن علي البلخي ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الخزاعي ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الأزهري ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين عليهم السلام ، قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في بعض خطبه : من الذي حضر سبخت الفارسي
1 ـ اختلف في ضبط هذه اللفظة كثيرا على ما ذيل البحار المطبوع جديدا في الجزء الثالث في الباب الرابع عشر ، وفي حاشية نسخة ( و ) بضم السين المهملة والباء الموحدة المشددة المفتوحة والخاء المعجمة الساكنة والتاء المفتوحة لقب أبي عبيدة. وقال بعض الأفاضل : ( الأصح بالخاء المعجمة وبخت كلمة كانت تدخل في أعلام أهل الكتاب وفيهم صهار بخت أي چهار بخت وبختيشوع وسبخت مركب من بخت وسه بمعنى الثلاثة ).
2 ـ في حاشية نسخة ( ط ) و ( ن ) ( فمن أين يعلم أنك نبي ؟ ).
3 ـ في حاشية نسخة ( ب ) ( ياسبخت ) ، والصواب ( ياسبخ ) مرخما.
4 ـ في حاشية نسخة ( ب ) ( ما رأيت كاليوم اثنين ) والمراد بهما جوابه صلى الله عليه وآله وتكلم الأشياء حوله.


(311)
وهو يكلم رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال القوم : ما حضره منا أحد ، فقال علي عليه السلام :
    لكني كنت معه عليه السلام وقد جاءه سبخت وكان رجلا من ملوك فارس وكان ذربا ، فقال : يا محمد إلى ما تدعوه ؟ قال : أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، فقال سبخت : وأين الله يا محمد ؟ قال : هو في كل مكان موجود بآياته ، قال : فكيف هو ؟ فقال : لا كيف له ولا أين لأنه عزوجل كيف الكيف وأين الأين ، قال : فمن أين جاء ؟ قال : لا يقال له : جاء ، وإنما يقال :
    جاء للزائل من مكان إلى مكان ، وربنا لا يوصف بمكان ولا بزوال ، بل لم يزل بلا مكان ولا يزال ، فقال : يا محمد إنك لتصف ربا عظيما بلا كيف ، فكيف لي أن أعلم أنه أرسلك ؟ فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر ولا مدر ولا جبل ولا شجر ولا حيوان إلا قال مكانه : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وقلت أنا أيضا : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ، فقال : يا محمد من هذا ؟ فقال :
    هو خير أهلي وأقرب الخلق مني ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وروحه من روحي ، وهو الوزير مني في حياتي (1) والخليفة بعد وفاتي ، كما كان هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، فاسمع له وأطع فإنه على الحق ، ثم سماه عبد الله.

    1 ـ حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السجزي بنيسابور ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة الشعراني العماري من ولد عمار بن ياسر رحمه الله قال : حدثنا أبو محمد عبيد الله بن يحيى بن عبد الباقي الأذني بأذنة (2) قال : حدثنا علي بن الحسن المعاني (3) قال : حدثنا عبد الله بن يزيد ، عن يحيى ـ
1 ـ في نسخة ( ج ) و ( ط ) ( وهذا الوزير مني ـ الخ ).
2 ـ قد مر ضبطه في الحديث الرابع في الباب الثامن والثلاثين.
3 ـ قال في المراصد : معان بالفتح وآخره نون مدينة في طرف بادية الشأم تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء ، وهي الآن خراب منها ينزل حاج الشأم إلى البر.


(312)
ابن عقبة بن أبي العيزار (1) قال : حدثنا محمد بن حجار ، عن يزيد بن الأصم ، قال : سأل رجل عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين ما تفسير سبحان الله ؟ قال :
    إن في هذا الحائط رجلا كان إذا سئل أنبأ ، وإذا سكت ابتدأ ، فدخل الرجل فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أبا الحسن ما تفسير سبحان الله ؟ قال : هو تعظيم جلال الله عزوجل وتنزيهه عما قال فيه كل مشرك ، فإذا قالها العبد صلى عليه كل ملك.
    2 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن هشام بن الحكم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سبحان الله ، فقال عليه السلام : أنفة لله عزوجل (2).
    3 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال : حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن علي بن أسباط ، عن سليمان مولى طربال (3) عن هشام الجواليقي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل ( سبحان الله ) ما يعني به ؟ قال : تنزيهه.

    1 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله ، قال : حدثنا أبي ، عن
1 ـ يحيى بن عقبة بن أبي العيزار أبو القاسم كوفي ، والعيزار بالفتح فالسكون الرجل الصلب الشديد والغلام الخفيف الروح واسم شجر وطائر.
2 ـ الآنفة بالفتحات مصدر بمعنى التنزه والاستنكاف ، والمراد أن من قال : سبحان الله قال باستنكافه وتنزهه وتعاليه تعالى عن شبه المخلوق.
3 ـ في معاني الأخبار وفي نسخة ( و ) ( سليم مولى طربال ). وقال الأردبيلي في جامع الرواة : الظاهر اتحاد سليم وسليمان مولى طربال واشتباه أحدهما بالآخر بقرينة اتحاد الراوي والمروي عنه والخبر. بل الظاهر اتحادهما مع سليم وسليمان الفراء أيضا على ما بيناه في ترجمة حريز بن عبد الله والله أعلم. إنتهى.


(313)
سهل بن زياد الآدمي ، عن ابن محبوب ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال :
    قال رجل عنده. ( الله أكبر ) فقال : الله أكبر من أي شيء ؟! فقال : من كل شيء فقال أبو عبد الله عليه السلام : حددته ، فقال الرجل : كيف أقول ؟ فقال : قل : الله أكبر من أن يوصف.
    2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن مروك بن عبيد (1) عن جميع بن عمرو (2) قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : أي شيء ( الله أكبر ) ؟! فقلت :
    الله أكبر من كل شيء ، فقال : وكان ثم شيء فيكون أكبر منه ؟! فقلت : فما هو ؟
    قال : الله أكبر من أن يوصف (3)

    1 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال : حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذنية ، عن محمد بن حكيم ، عن الميمون البان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام وقد سئل عن قوله عزوجل : هو الأول والآخر ، فقال عليه السلام : الأول لا عن أول كان قبله ولا عن بدئ سبقه ، والآخر لا عن نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين ، ولكن قديم أول آخر لم يزل ولا يزال بلا بدء ولا
1 ـ في نسخة ( د ) و ( ب ) ( هارون بن عبيد ).
2 ـ في معاني الأخبار والكافي باب معاني الأسماء في حاشية نسخة ( و ) جميع بن عمير.
3 ـ حاصل بيانه عليه السلام في هذا الباب أن وصفه تعالى بأنه أكبر من الأشياء يستلزم أن يكون مبائنا عنها بحيث يكون بينه وبينها حد فاصل ليتصور هو بحده وهي بحدودها فيحكم بأنه أكبر منها ولولا الحد بين الشيئين لا يتصور الأكبرية والأصغرية بينهما مع أنه تعالى مع كل شيء قيوما قائما كل شيء به بحيث يضمحل الكل في جنبه تعالى ، وإلى هذا أشار عليه السلام بقوله استنكارا : ( وكان ثم شيء الخ ) فتدبر ، فهو أكبر من أن يوصف لامتناع محدوديته واضمحلال كل محدود في جنب عظمته وكبريائه.


(314)
نهاية ، لا يقع عليه الحدوث ، ولا يحول من حال إلى حال ، خالق كل شيء.
    2 ـ حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله ، عن أبيه ، عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى ، عن فضيل بن عثمان ، عن ابن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( هو الأول والآخر ) وقلت : أما الأول فقد عرفناه ، وأما الآخر فبين لنا تفسيره ، فقال : إنه ليس شيء إلا يبيد أو يتغير أو يدخله الغير (1) والزوال أو ينتقل من لون إلى لون ، ومن هيئة إلى هيئة ، ومن صفة إلى صفة ، ومن زيادة إلى نقصان ، ومن نقصان إلى زيادة إلا رب العالمين ، فإنه لم يزل ولا يزال واحدا (2) هو الأول قبل كل شيء وهو الآخر على ما لم يزل ، لا تختلف عليه الصفات والأسماء ما يختلف على غيره مثل الإنسان الذي يكون ترابا مرة ، ومرة لحما ، ومرة دما ، ومرة رفاتا ورميما ، وكالتمر الذي يكون مرة بلحا ، ومرة بسرا ، ومرة رطبا ، ومرة تمرا ، فيتبدل عليه الأسماء والصفات ، والله عزوجل بخلاف ذلك (3).
1 ـ الغير بالفتح فالسكون مصدر واسم مصدر بمعنى تغير الحال وانتقالها ، وبالكسر فالفتح اسم جمع بمعنى الأحداث المغيرة لحال الشيء ، وفي نسخة ( د ) وحاشية نسخة ( ب ) ( أو يدخله التغير ).
2 ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( فإنه لم يزل ولا يزال بحاله واحدا ).
3 ـ للأول والآخر معان ذكرت في العلوم العقلية ، والأولية في حقه تعالى هي الحقيقة وهي بحسب الوجود وهي مساوقة لمعنى القدم ، والآخرية بمعنى البقاء بعد كل شيء بال تغير وتحول كما فسره الإمام عليه السلام في هذا الخبر من لوازم الأولية الحقيقية ، لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه وتغيره ، فمعنى الأولية والآخرية له تعالى أزليته وأبديته من دون تغير وزوال ، وإذ أنه واحد ولا في مرتبته شيء فليس لشيء سواه هذا الشأن فصح كلية قوله عليه السلام : ( إنه ليس شيء إلا يبيد أو يتغير ـ الخ ).


(315)
    1 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن سهل بن زياد الآدمي ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن مارد أن أبا عبد الله عليه السلام سئل عن قول الله عزوجل : ( الرحمن على العرش استوى ) فقال : استوى من كل شيء ، فليس شيء هو أقرب إليه من شيء.
    2 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين (1) عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( الرحمن على العرش استوى (2) ) فقال : استوى من كل شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء ، لم يبعد منه بعيد ، ولم يقرب منه قريب ، استوى من كل شيء (3).
1 ـ في نسخة ( ط ) وحاشية نسخة ( ن ) و ( ه‍ ) ( عن محمد بن الحسن ).
2 ـ طه : 5.
3 ـ استعمل الاستواء في معان : استقرار شيء على شيء وهذا ممتنع عليه تعالى كما نفاه الإمام عليه السلام في أخبار من هذا الباب لأنه من خواص الجسم. والعناية إلى الشيء ليعمل فيه ، وعليه فسر في بعض الأقوال قوله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء ). والاستيلاء على الشيء كقول الشاعر :
فلما علونا واستوينا عليهم تركناهم صرعى لنسر وكاسر
    والآية التي نحن فيها فسرت به في بعض الأقوال وفي الحديث الأول من الباب الخمسين.
    والاستقامة ، وفسر بها قوله تعالى : ( فاستوى على سوقه ) وهذا قريب من المعنى الأول.
    والاعتدال في شيء وبه فسر قوله تعالى : ( ولما بلغ أشده واستوى ). والمساواة في النسبة ، وهي نفيت في الآيات عن أشياء كثيرة كقوله تعالى : ( وما يستوي الأحياء ولا الأموات ) وفسر الإمام عليه السلام الآية بها في هذا الباب وظاهره مساواة النسبة من حيث المكان لأنه تعالى في كل مكان وليس في شيء من المكان بمحدود ، ولكنه تعالى تساوت نسبته إلى الجميع من جميع الحيثيات ، وإنما الاختلاف من قبل حدود الممكنات ، ولا يبعد الروايات من حيث الظهور عن هذا المعنى.
التوحيد ::: فهرس