الوافية في اصول الفقه ::: 1 ـ 15

الوافية
في اصول الفقه
للفاضل التوني
المولى عبد الله بن محمد البشروي الخراساني
المتوفى سنة 1071 ه‍
تحقيق
السيد محمد حسين الرضوي
الكشميري


(3)
بسم الله الرحمن الرحيم


(4)

(5)
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق محمد وآله الطاهرين.
    يقدم مجمع الفكر الاسلامي للمكتبة الاسلامية عامة وللمكتبة الاصولية خاصة كتاب « الوافية » في علم اصول الفقه لاحد فحول الامامية ، وهو المولى عبد الله بن محمد البشروي الخراساني المعروف بالفاضل التوني من أعلام القرن الحادي عشر الهجري.
    وهو من خيرة المتون الاصولية من حيث المنهجية وصياغة المطالب والاعتماد على مبان جديدة.
    يمثل كتاب « الوافية » قمة التطور لعلم اصول الفقه في القرن الحادي عشر لدى علماء الامامية ويمتاز بالابداع والابتكار ، كما يمتاز بالالتفات إلى كتب الاصول للمذاهب الاخرى.
    وقد تصدى فيه مؤلفه للحركة المناهضة لعلم الاصول في عصره فكان سدا منيعا أمام هذا التيار الذي كاد أن يوقف حركة الاجتهاد في ذلك العصر.
    ويمتاز « الوافية » بكونه كتابا أعده مؤلفه للتدريس وتربية الطلاب وتيسير وصولهم إلى مرتبة الاستنباط.
    وقد تصدى العلامة السيد محمد حسين الرضوي الكشميري لتحقيقه واخراجه بأحسن وجه ممكن احياء‌ اللتراث الاسلامي المعطاء وخدمة لشريعة سيد المرسلين.
    فشكر الله سعيه وتقبل منه جهده انه ولي التوفيق وهو المسدد للصواب وهو حسبنا ونعم النصير.
غرة رجب المرجب 1412 ه‍.
مجمع الفكر الاسلامي


(6)
الاهداء
    إليك
يا حجة الله
    أهدي هذا المجهود المتواضع.
    سيدي :
ولما رأيت الناس شدوا رحالهم إلى بحرك الطامي أتيت بجرتي
المحقق


(7)
    مقدمة التحقيق :
بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على سيدنا ، حبيب إله العالمين ، أبي القاسم محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
    وبعد ، فإن الله تعالى لما اختار لوليه الغيبة ، من على الامة بطائفة نفرت للتفقه في الدين ، لتنوب منابه ، ولتكون نجوما يهتدى بها.
    فقد حفظ هؤلاء شرع سيد المرسلين ، وحملوا أعباء الرسالة ، وشيدوا علوم الدين ، فهم حقا حصون الاسلام وجنوده.
    ولقد وفقهم الله تعالى ـ لما لهم من الاخلاص في النية ـ غاية التوفيق ، فقاموا بهذه المهمة خير قيام.
    وقد تمخضت جهودهم العلمية والعملية عن مصنفات قيمة ، لا يدرك غورها ، ولا تبلغ أطرافها.
    فقد خلفوا لنا تراثا ضخما واسعا رغم قساوة الظروف المحيطة بهم وقلة الامكانات المتاحة لهم.
    وشمل نشاطهم مختلف العلوم الدينية ، ولم يقتصر على معرفة الحلال والحرام ، بل أعطوا كل علم من علوم الشريعة حقه بما تركوه من آثار خالدة فصنفوا في الكلام


(8)
والتفسير والحديث ورجاله والفقه إلى غير ذلك ، فكانوا حقا فقهاء في ( الدين ) لا في بعضه.
    ثم لما كانت مسائل الفقه ـ من الطهارة إلى الديات ـ بحاجة إلى مبان موحدة تقع كبرى في قياس استنباط الحكم الشرعي ، عكفوا على هذه المباني فأسدوها عناية فائقة ، واهتماما كبيرا ، فبذلوا فيها ما يناسبها من التدقيق والتأمل ، وما تستحقها من التوسع والتعمق ، فعقدوا لكل منها مبحثا خاصا.
    ولعمري فإنها جديرة بذلك ، إذ أن التنائج المأخوذة من هذه المباحث لهي قانون كلي تبنى عليه فروع فقهية متكثرة ، فقد تترتب على المبنى الواحد مئآت المسائل الفقهية بأقسامها المتباينة وأبوابها المختلفة.
    فكون الامر حقيقة في الوجوب مثلا ، قانون ينطبق على كل أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات ، ومن قال بدلالة النهي على الفساد فإنه يبني عليه في شتى مسائل الفقه.
    ونظرا لهذه الاهمية : جمعوا هذه المباحث في علم مستقل ، أسموه ( اصول الفقه ) وأفردوا له مصنفات على حدة.
    ولقد كان جهدهم في هذا المجال جبارا وموفقا ، حيث قد تمخض عن مصنفات رائعة ومؤلفات فائقة ، فكانت ( الذريعة ) للسيد الاجل المرتضى ، و( العدة ) لشيخ الطائفة الطوسي ، و( المعارج ) للمحقق ، و( النهاية ) و( التهذيب ) و( المبادئ ) للعلامة ، ومقدمة ( المعالم ) للشيخ أبى منصور ، علاوة على ما فقد منها وأتلف فيما أتلف من التراث الاسلامي نتيجة تسلط الجهلاء والطائفيين ، وحكومتهم على رقاب المسلمين.
    وفي طليعة المصنفات الاصولية يأتي كتابنا هذا فهو من خيرة التراث الامامي الزاهر ، الباعث على الفخر والاعتزاز.
    وسنأتي فيما بعد على بيان ميزاته وخصائصه وقيمته العلمية ، بما يجعله حريا بالتحقيق والبحث ، جديرا بالدراسة والتحليل.


(9)


(10)

(11)
    لسنا بصدد وضع ترجمة مطولة للمصنف ، فإن لهذا الفن أهله ورجاله ، وإنما نعرض بايجاز إلى ملامح من حياته ومكانته العملية ، مع حصر مؤلفاته ، لنفرغ للكلام عن ( الوافية ) نفسها.
    وقد ترجم للمصنف كل من عني بتراجم علماء الشيعة الامامية وفقهائهم ، وفي طليعتهم :
    1 ـ معاصره ، المحدّث ، صاحب الوسائل ، الشيخ محمد بن الحسر الحرّ العاملي ( ت 1104 ه‍ ) في كتابه : أمل الآمل / القسم الثاني / برقم 477 / ص 163.
    2 ـ ومعاصره الآخر ، الميرزا عبدالله الافندي الاصبهانى ( من أعلام القرن الثاني عشر ه‍ ) في كتابه : رياض العلماء وحياض الفضلاء : 3 / 237 ـ 238.
    3 ـ والميرزا محمد التنكابني ( ت 1302 ه‍ ) في كتابه : قصص العلماء / ص 269 ـ 270 ( فارسي ).
    4 ـ والمولوي الميرزا محمد علي الكشميري ( ت 1309 ه‍ ) في كتابه : نجوم السماء في تراجم العلماء / ص193.
    5 ـ والميرزا السيد محمد باقر الموسوي الخونساري الاصبهاني ( ت 1313 ه‍ ) في كتابه : روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات : 4 / 244 ـ 246.
    6 ـ والمحدث الشيخ عباس القمّي ( ت 1359 ه‍ ) في كتابيه : الكنى والالقاب : 2 / 113 و: الفوائد الرضوية في أحوال علماء مذهب الجعفرية / ص 255.
    7 ـ والسيد محسن الأمين العاملي ( ت 1371 ه‍ ) في كتابه : أعيان الشيعة : 8 / 70.
    8 ـ والميرزا محمد علي المدرس ( ت 1373 ه‍ ) في كتابه : ريحانة الأدب في تراجم المعروفين بالكنية أو اللقب : 1 / 356 ( فارسي ).


(12)
    9 ـ والشيخ آقا بزرك الطهراني ( ت 1389 ه‍ ) في كتابه : طبقات أعلام الشيعة /القرن الحادي عشر/ص342.
    10 ـ وعمر رضا كحالة ( ت 1408 ه‍ ) في كتابه : معجم المؤلفين : 6 / 113.
    ونجمل ما جاء عنه ، تحت العناوين التالية :

    عنوانه في كتب التراجم والاصول :
    عنونه الشيخ الحرّ العاملي ب‍ : « مولانا عبدالله بن محمد التوني البشروي ».
    وذكره بهذا العنوان أيضا : الميرزا عبدالله الافندي ، والسيد الخونساري ، وزاد الافندى : « المعروف بملا عبدالله التونى ».
    وذكره السيد الأمين بعنوان : « المولى عبدالله بن الحاج محمد التوني البشروي الخراساني ».
    وعرفه التنكابني ـ بالفارسية ـ ب‍ : « آخوند ملا عبدالله توني ».
    وسماه الشيخ الطهراني ب‍ : « عبدالله البشروئي بن محمد التوني الخراساني ، صاحب الوافية ».
    وقال المحدّث القمّي في كتابه الكنى والالقاب : « التوني : إذا وصف به الفاضل ، فهو : المولى عبدالله بن محمد التوني البشروي ».
    وبهذا العنوان ـ أي : الفاضل التوني ـ ينعت في كتب الاصول ، كما سيمر عليك.

    عصره :
    لم يسجل مترجموه تاريخ ولادته. أما وفاته : فقد قال السيد الخونساري : « نقل عن خط الشيخ أحمد ـ أخي المصنف ـ أنه كتب على ظهر بعض نسخ ( الوافية ) ما هذا صورته : قد وقع فراغ المصنف ، قدس الله روحه وأسكنه حضيرة القدس مع أوليائه وأحبائه ، من تسويد الرسالة ـ التي جمعت بدائع التحقيق وودائع التدقيق ـ ثاني عشر أول الربيعين من شهور سنة تسع وخمسين وألف من الهجرة ، وروح الله


(13)
روحه في سادس عشر ذلك الشهر بعينه من شهور سنة إحدى وسبعين وألف ... ».
    وقال العلامة الطهراني : « توفي في سنة 1071 ه‍ كما يظهر ذلك من النسخة التي كتبها علي أصغر بن محمد حسين السبزواري 1111 ه‍ الموجودة في ( مكتبة الامام أمير المؤمنين عليه السلام العامة ) ـ في النجف الاشرف ـ وهي منقولة عن خط أخيه أحمد بن محمد ».
    وسيأتي أنه فرغ من تصنيف هذا الكتاب سنة ( 1059 ه‍ ).
    وقد نص الشيخ الحرّ العاملي ( ت 1104 ه‍ ) على معاصرته له.

    موطنه ومدفنه :
    قال الميرزا الافندي : « كان قدس سره أولا بأصبهان مدة ، في المدرسة المشهورة بمدرسة المولى عبدالله التستري المرحوم ، ثم سافر إلى مشهد الرضا عليه السلام ، وتوطن فيه مدة ، ثم أراد التوجه إلى العراق لزيارة الائمة عليهم السلام بها من طريق قزوين ، وأقام مدة في قزوين مع أخيه المولى أحمد ، في أيام حياة المولى الفاضل مولانا خليل القزويني بالتماسه ، وكان بينهما صحبة ومودة ، ثم توجه إلى الزيارة فأدركه الموت في الطريق بكرمانشاه ، ودفن بها ، ولعل وفاته بعد المراجعة فلاحظ.
    والتوني : ـ بضم التاء المثناة ، ثم الواو الساكنة ، وآخرها نون ـ نسبة إلى تون ، وهي بلدة من بلاد قهستان بخراسان (1) ، وبها قلعة الملاحدة الاسماعيلية ، وأنا دخلت تلك البلدة ، وكان أهلها يقولون إن هذه القلعة هي القلعة التي حبس بها الخواجه نصير الطوسي بأمر سلطان الملاحدة فلاحظ قصته.
    والبشروي : ـ بضم الباء الموحدة ، والشين المعجمة الساكنة ، ثم الراء المهملة المفتوحة وآخرها الواو ثم الياء ـ نسبة إلى ( بشرويه ) ـ بضم الباء الموحدة ، ثم الشين المعجمة الساكنه ، ثم الراء المهملة المضمومة ثم الياء المثناه المفتوحة ، ثم الهاء أخيرا
1 ـ وتعرف اليوم بفردوس على ما في بعض معاجم اللغة الفارسية.

(14)
ـ وهي قرية كبيره من أعمال بلدة ( تون ) ... ».
    قال الشيخ الطهراني [ الذريعة : 6 / 230 ] : « وعقبه في بشرويه ـ من محال خراسان ـ معروفون إلى اليوم ».
    وقال السيد الخونساري : « ونقل عن خط الشيخ أحمد ـ أخي المصنف ـ انه كتب على ظهر بعض نسخ الوافية ما هذه صورته : قد وقع فراغ المصنف ... وروح الله روحه في سادس عشر ذلك الشهر بعينه من شهور سنة إحدى وسبعين وألف في بلدة كرمانشاهان حين توجهه إلى زيارة ساداته سلام الله عليهم أجمعين.
    ودفن عند القنطرة المشهورة ب‍ ( بل شاه ) عند منتهى القبور ، عن يمين الطريق ، وبني على قبره قبة ليعرف بذلك.
    وقد أمر بتلك القبة الحاكم العامل العادل قدوة أمراء الزمان وأسوة خوانين الدوران الشيخ علي خان أيده الله سبحانه.
    وكتب أخوه الوحيد المنتظر لامر الله أحمد بن حاجي محمد البشروي الخراساني حامدا مصليا مسلما. انتهى ».
    ووصفه الشيخ الحرّ العاملي بأنه « ساكن المشهد » والمراد بها مدينة مشهد الامام الرضا عليه السلام المعروفة باسم ( خراسان ) التي ينسب اليها المصنف أيضا.

    زهده وتقواه ، ودوره في تهذيب المجتمع :
    قال عنه الشيخ الحرّ العاملي : « صالح زاهد عابد ».
    وأكد ذلك سائر من ترجم له.
    وأضاف الميرزا الافندى : « وهذا المولى ـ على ما سمعناه ممن رآه ـ كان من أورع أهل زمانه وأتقاهم ، بل كان ثاني المولى أحمد الاردبيلي رضوان الله عليه.
    وكذلك كان أخوه المولى أحمد التوني ».
    ثم قال في معرض حديثه عن بلدة بشروية : « وقد دخلتها وكان أهلها ببركة هذا المولى وأخيه المولى أحمد كلهم صلحاء أتقياء عباد على أحسن ما يكون ».

    مع الشاه عباس الصفوي :
    يحكي لنا التنكابني قصة للمصنف مع سطان عصره الشاه عباس الصفوي ،


(15)
يبدو لنا من خلالها عدة أمور هامة :
    أولا : المكانة العلمية والاجتماعية للمصنف ، وألتي أهلته لان يقصده بالزيارة سلطان الوقت بنفسه.
    وهذا مؤشر واضح على سمو مرتبته العلمية والاجتماعية ، فان من المعلوم ان سلاطين العصر يزارون ولا يزورون.
    ولكن تنتقض هذه القاعدة وتخصص بالعلماء الكبار الذين يحتلون المرتبة الدينية العليا ويختصون بلقب المرجع والمقلد والمفتي ، فهؤلاء يركع السلاطين على أبوابهم كرامة من الله تعالى لمن يبلغ رسالته ويقوم بأعباء حمل شريعة سيد المرسلين.
    وثانيا : تعفف المصنف عن طلب أي أمر دنيوي ، مما يعكس لنا اخلاصه التام لله تعالى ، والصفاء في النية إليه ، وهذا هو شأن علماء الامامية والطابع العام لهم قاطبة ، فقد سجل التأريخ لهم سيرة منزهة عن كل أنواع التقرب والتودد إلى ملوك العصر إلا ما كان من ذلك لمصلحة الدين وحفظ بيضة الاسلام والمسلمين.
    وثالثا : اهتمام المصنف بحث المجتمع على تعلم العلوم الالهية والتفقه في الدين الموصل إلى معرفة الله وطاعته.
    يقول التنكابني (1) : « ذكر أن الشاه عباس جاء يوما إلى زيارة الآخوند الملأ عبدالله التوني ، وكان الآخوند التوني قد شيد مدرسة دينية ولكن لم يكن قد التحق بها أحد من الطلاب بعد.
    وبعد أن اطلع السلطان على تلك المدرسة وتجول فيها ، سأل الملأ عبد الله عن السبب في عدم التحاق الطلاب بها وعدم توجه الناس إلى التلمذ فيها ، فقال له الملأ عبدالله سأجيبك على هذا السؤال فيما بعد.
    ثم قام الآخوند بعد ذلك بمدة بزيارة الشاه عباس ـ ردا له على زيارته ـ وبعد انتهاء التشريفات والمحادثات ، طلب الشاه عباس إلى الآخوند الملأ عبدالله بأن يأمره بما يشاء. فرد عليه الآخوند بان ليس له من حاجة. فألح الشاه عباس عليه بذلك. فقال الآخوند اذا كان ولا بد فحاجتي أن أركب وأن تسير ماشيا بين يدي في
1 ـ النص مترجم عن الفارسية.
الوافية في اصول الفقه ::: فهرس