الوافية في اصول الفقه ::: 316 ـ 330
(316)
وغيره ، بل جميع المعارف عندهم كذلك.
    واعلم : أنه قد مر أن الاحوط للمقلد ، عرض فتاوى الفقهاء على الروايات وإنما قلنا : إنه أحوط ، لا أنه متعين ، لان الظاهر من الروايات جواز اعتماد العامي على من كان ثقة عارفا بروايات الائمة ، كالامر بأخذ معالم الدين عن محمد بن مسلم الثقفي ، والفضيل بن يسار ، ويونس بن عبدالرحمن ، وغيرهم ، على ما ذكره الكشي (1) ، وغيره ، في ترجمتهم ، وكالروايات الواردة في فضل العلماء بأنهم يسددون قلوب شيعتنا.
    وروى ابن جمهور ، في غوالي اللآلي ، بطرقه المذكورة فيه : « عن الامام الحسن العسكري عليه السلام ، قال : حدثني أبي ، عن آبائه ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : أشد من يتم اليتيم الذي انقطع من أبيه ، يتم يتيم انقطع عن إمامه ، ولا يقدر على الوصول إليه ، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلى من شرائع دينه ، ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا ، وهدى الجاهل بشريعتنا ، كان معنا في الرفيق الاعلى » (2).
    وبإسناده : « عن علي بن محمد عليه السلام ، قال : لو لا من يبقى بعد غيبة الامام ـ من العلماء الداعين اليه ، والدالين عليه ، والذابين عنه وعن دينه بحجج الله ، المنقذين للضعفاء من عباد الله ، من شباك إبليس ومردته ، لما بقي أحد إلا ارتد » الحديث (3).
    وغير ذلك من الروايات.
    والحاصل : أن المفهوم جواز اعتماد ضعفاء الناس والعوام على العلماء ، من غير تقييده (4) بلزوم عرض فتاواهم على كلام الائمة عليهم السلام ، فيكون
1 ـ رجال الكشي : 161 ترجمة رقم 273 وص 212 رقم 377 ـ 381 وص 483 رقم 910.
2 ـ غوالي اللآلي : 1 / 16 ح 1.
3 ـ غوالي اللآلي : 1 / 19 ح 8.
4 ـ في أ وب وط : تقييد.


(317)
منفيا ، ولو وقع غلط كان على ذمة العلماء فقط ، ويقتضيه نفي العسر والحرج ، وكون الدين والشريعة سمحة سهلة ، كما لا يخفى ، فتأمل ، والله أعلم بحقائق الامور.


(318)

(319)
    الباب السادس
في التعادل والتراجيح (1)

1 ـ في ط : الترجيح.

(320)

(321)
    اعلم : أن التعارض الواقع في الادلة الشرعية ، يكون بحسب الاحتمالات العقلية منحصرا في أقسام :

    الاول : بين الآيتين من الكتاب.
    فإن كان في إحداهما إطلاق أو عموم ، بحيث يمكن تقييدها أو تخصيصها أو نحو ذلك : فالمشهور : لزوم ذلك.
    وإلا فالمتأخر ناسخ ، إن علم التأريخ.
    وإلا فالتوقف ، أو التخيير إن أمكن.
    والاحوط : الرجوع إلى الأخبار الواردة عن الائمة عليهم السلام ـ إن وجدت في ذلك ـ وإلا فالتوقف ، أو الاحتياط إن أمكن (1).

    الثاني : بين الكتاب والسنة المتواترة. فإن كانت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فحكمه ما مر ، مع احتمال تقديم السنة. وكذا إن كانت من الائمة عليهم السلام ، مع احتمال تقديم الكتاب
1 ـ في ط : والاحتياط. وقوله : إن امكن : ساقط من أ وط.

(322)
حينئذ ، لحديث عرض حديثهم على كتاب الله ، وطرح ما خالف كتاب الله ، وحمله على التقية.

    الثالث : بين الكتاب والظني من أخبار الآحاد.
    والمشهور : تقديم الكتاب مع عدم إمكان الجمع بوجه ، بل معه أيضا على قول الشيخ وجماعة ، وحديث العرض مقتض له (1).
    والاخبار الواردة في حصر العلم بالقرآن على الائمة عليهم السلام ـ وأنه بحسب عقولهم لا بحسب عقول الرعية ـ يقتضي تقديم الخبر ، كما لا يخفى والله أعلم.

    الرابع : بين الكتاب والاجماع المقطوع ، أو المظنون.
    والظاهر : أن حكمه كالثاني والثالث في الاول ، والثاني من قسميه.

    الخامس : بين الكتاب والاستصحاب ، بناء‌ا على حجيته.
    ويبعد تقديم الثاني مطلقا.

    السادس : بين السنة المتواترة وخبر الواحد.
    ولا شك في تقديم الخبر المتواتر ، وكذا المحفوف بما يفيد القطع ، على خبر الواحد ، إذا كان كل منهما عن الائمة عليهم السلام ، أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    وكذا إذا كان أحدهما عن النبي صلى الله عليه وآله فقط على الظاهر ، وهذا مع عدم إمكان الجمع.

    السابع : بين السنة المقطوع بها بقسميها (2) مع مثلها.
1 ـ روى الكليني في باب الاخذ بالسنة ، في الصحيح : « عن هشام بن الحكم وغيره ، عن أبي عبدالله (ع) قال : خطب النبي صلى الله عليه وآله بمنى ، فقال : أيها الناس ما جاء‌كم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاء‌كم يخالف كتاب الله فلم أقله ». [ و] روى بمضمونه اخبارا كثيرة ( منه رحمه الله ). الكافي : 1 / 69 ح 5.
2 ـ كذا الظاهر. وفي الاصل : بقسميه. وهي ساقطة من أ وب وط. وعلى نسخة الاصل يكون


(323)
    ويظهر حكمه مما سيجيء إن شاء الله تعالى.

    الثامن : بين السنة المقطوع بها والاجماع بقسميه. وحكمه : كالسادس والسابع.

    التاسع : بينها وبين الاستصحاب. وحكمه : كالخامس.

    العاشر : بين الخبرين من أخبار الآحاد.
    وهذا هو الذي ذكره الاكثر في كتبهم ، واقتصروا عليه ، وذكروا فيه أقساما من وجوه الترجيح : بعضها : بحسب السند (1) ، ككثرة رواة أحدهما ، أو ورع راوي أحدهما ، أو أضبطيته ، أو نحو ذلك من الاوصاف ، أو علو الاسناد في أحدهما.
    وبعضها : بحسب الرواية ، كترجيح المروي بلفظ المعصوم ، على المروي بالمعنى.
    وبعضها : بحسب المتن ، كالفصاحة والافصحية على قول ، أو تأكد الدلالة ، أو كون المدلول في أحدهما حقيقيا دون الآخر ، أو كون دلالة أحدهما غير موقوفة على توسط أمر بخلاف الآخر ، أو العام الذي لم يخصص والمطلق الذي لم يقيد على المخصص والمقيد.
    وبعضها : بالامور الخارجية ، كاعتضاد أحدهما بدليل آخر ، أو بعمل السلف ، أو بموافقة الاصل على قول ، أو بمخالفته (2) على قول آخر ، أو بمخالفته لأهل الخلاف ، بخلاف الآخر.
    وهذه الوجوه مفصلة في كتب الاصول ، وأنا لم أبسط القول فيها ، لان
ـ المراد بالقسمين : الخبر المتواتر ، والخبر المحفوف بما يفيد القطع. أو المنقول عن النبي صلى الله عليه وآله ، والمنقول عن الائمة (ع) ، والاول أولى.
1 ـ في ط : الراوي.
2 ـ كذا في ط ، وفي سائر النسخ : وبمخالفته.


(324)
المدرك في بعضها غير ظاهر.
    والاولى : الرجوع في الترجيح إلى ما ورد به ، وهو روايات :
    الاولى : ما رواه الشيخ الجليل الطبرسي في كتاب الاحتجاج ، في احتجاج أبي عبدالله الصادق عليه السلام : « عن الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : إذا سمعت من أصحابك الحديث ، وكلهم ثقة ، فموسع عليك حتى ترى القائم عليه السلام ، فترد (1) إليه » (2).
    الثانية : ما رواه عن الحسن بن الجهم ، عن الرضا عليه السلام ، وفي آخره : « قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة ، بحديثين مختلفين ، فلا نعلم (3) أيهما الحق ، قال : إذا لم تعلم ، فموسع عليك بأيهما أخذت » (4).
    الثالثة : ما رواه أيضا ، في جواب مكاتبة محمد بن عبدالله الحميري ، إلى صاحب الزمان عليه السلام : « يسألني بعض الفقهاء عن المصلي ، إذا قام من التشهد الاول إلى الركعة الثالثة ، هل يجب عليه أن يكبر ؟ فإن بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه تكبيرة ، ويجزيه أن يقول : بحول الله وقوته أقوم وأقعد.
    في الجواب عن ذلك حديثان ، أما أحدهما : فإنه إذا انتقل من حالة إلى اخرى ، فعليه التكبير ، وأما الحديث الآخر : فإنه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبر ، ثم جلس ، ثم قام ، فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك التشهد الاول يجري هذا المجرى. وبأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا » (5).
1 ـ كذا في النسخ. وفي المصدر : ـ على ما في النسخة المطبوعة منه ـ فترده. ويؤيد المتن نسخة الوسائل : 18 / 87 ـ 88.
2 ـ الاحتجاج : 357.
3 ـ كذا في المصدر ، وفي النسخ : فلم نعلم. وفي نسخة الوسائل : ولا نعلم : الوسائل : 18 / 87.
4 ـ الاحتجاج : 357.
5 ـ الاحتجاج : 483. باختلاف يسير.


(325)
    الرابعة : ما رواه علي بن مهزيار ، في الصحيح ، قال : قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد ، إلى أبي الحسن عليه السلام : « اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبدالله عليه السلام في ركعتي الفجر في السفر ، فروى بعضهم : أن صلهما في المحمل ، وروى بعضهم : أن لا تصلهما إلا على الارض ، فأعلمني كيف تصنع أنت ؟ لاقتدي بل في ذلك.
    فوقع عليه السلام : موسع عليك بأية عملت » (1).
    وفي دلالة هذه الرواية على ما نحن فيه نظر ظاهر.
    وروى الكليني في الكافي ، قال : وفي رواية : « بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك » (2) ، ورواها في خطبة الكافي عن العالم عليه السلام (3).
    وهذه الأخبار دالة على أن المكلف مخير في العمل بأي الخبرين شاء ، واختار الكليني في خطبة الكافي ، كما مر نقل عبارته (4).
    الخامسة : ما نقل عن احتجاج الطبرسي أنه روى : « عن سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام ، قلت : يرد علينا حديثان ، واحد يأمرنا بالاخذ به ، والآخر ينهانا عنه ؟ قال : لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى (5) صاحبك فتسأله عنه ، قال : قلت : لابد أن نعمل بأحدهما ؟ قال : خذ بما فيه خلاف العامة » (6).
    السادسة : ما رواه الشيخ قطب الدين الراوندي ، في رسالة ألفها في بيان أحوال أحاديث أصحابنا (7) ، بسنده : « عن ابن بابويه ، عن محمد بن الحسن
1 ـ التهذيب : 3 / 228 ح 583.
2 ـ الكافي : 1 / 66 ـ باب اختلاف الحديث ح 7.
3 ـ الكافي : 1 / 9.
4 ـ كذا الظاهر ، وفي النسخ : ونقل عبارته.
5 ـ كذا في المصدر والوسائل ( 18 / 88 ) ، ولكن في النسخ : حتى يأتي.
6 ـ الاحتجاج : ص 357 ـ 358.
7 ـ هذه الرسالة من المفقودات في عصرنا هذا ، وقد نقل هذه الأحاديث الثلاثة ( 6 ، 7 ، 8 )


(326)
الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن رجل ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الحسن (1) بن السري ، قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان ، فخذوا بما خالف القوم ».
    السابعة : وروى أيضا عن : « ابن بابويه ، عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم ، قال : قلت للعبد الصالح عليه السلام ، هل يسعنا فيما يرد (2) علينا منكم إلا التسليم لكم ؟ فقال : لا والله ، لا يسعكم إلا التسليم لنا.
    قلت : فيروى عن أبي عبدالله عليه السلام شيء ، ويروى عنه خلافه ، فبأيهما نأخذ ؟ فقال : خذ بما خالف القوم ، وما وافق القوم فاجتنبه ».
    الثامنة : [ و] روى بهذا الاسناد : « عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن عبدالله (3) ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : كيف نصنع بالخبرين المختلفين ؟ فقال : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان ، فانظروا ما يخالف منهما العامة فخذوه ، وانظروا ما يوافق أخبارهم فدعوه ».
    وروى الشيخ في باب الخلع : « عن الحسن بن سماعة ، عن الحسن بن أيوب ، عن ابن بكير ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : ما سمعت مني يشبه قول الناس ، فيه التقية ، وما سمعت مني لا يشبه قول الناس ، فلا تقية فيه » (4).
    وهذه الأخبار الخمسة ، دالة على أن المتعين عند اختلاف الأخبار ،
وغيرها عنها أيضا : الحرّ العاملي في الوسائل : 18 / 85 ـ كتاب القضاء / باب وجوه الجمع ين الأحاديث المختلفة ح 30 ، 31 ، 34 ، والامين الاسترآبادي في الفوائد المدنية : 187.
1 ـ كذا الظاهر ، وفي النسخ والوسائل والفوائد المدنية : الحسين بن السري. ولكن لم يرد هذا الاسم في كتب الرجال.
2 ـ في نسخة الوسائل : فيما ورد.
3 ـ في نسخة الفوائد المدنية : عبيد الله.
4 ـ التهذيب : 8 / 98 ح 330.


(327)
العرض على مذهب العامة ، والاخذ بالمخالف مطلقا ، وعدم جواز العمل بالتقية عند الاختيار.
    التاسعة : ما رواه الكليني ، في باب اختلاف الحديث من الكافي ، في الصحيح عن : « عمر بن حنظلة ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا ، بينهما منازعة ـ إلى أن قال ـ وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟ قال : الحكم ما حكم به أعدلهما ، وافقههما ، وأصدقهما في الحديث ، وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.
    قال : قلت : فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا ، لا يفضل واحد منهما على صاحبه ؟ قال : فقال عليه السلام : ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا ، في ذلك الذي حكما به ، المجمع عليه من أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه.
    وإنما الامور ثلاثة ، أمر بين رشده فيتبع ، وأمر بين غيه فيجتنب ، وأمر مشكل يرد علمه إلى الله وإلى رسوله ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حلال بين ، وحرام بين ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات.
    ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.
    قلت : فإن كان الخبران عنكم (1) مشهورين ، قد رواهما الثقاة عنكم ؟ قال : ينظر ، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة ، وخالف العامة ، فيؤخذ به ، ويترك ما خالف.
    حكمه حكم الكتاب والسنة ، ووافق العامة.
    قلت : جعلت فداك ، أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب
1 ـ في النسخة المطبوعة المحققة من الكافي : عنكما. وفسرها في مرآة العقول بالصادق والباقر (ع) كما في هامش الكافي ، وما اثبتناه مطابق لنسخة الوسائل : 18 / 76 ـ كتاب القضاء / باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفية العمل بها ح 1.

(328)
والسنة ، ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم ، بأي الخبرين يؤخذ ؟ قال : ما خالف العامة ففيه الرشاد.
    قلت : جعلت فداك ، فإن وافقهما الخبران جميعا ؟ قال : ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم ، فيترك ، ويؤخذ بالآخر.
    قلت : فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا ؟ قال : إذا كان كذلك ، فأرجه حتى تلقى إمامك ، فإن الوقوف عند الشبهات ، خير من الاقتحام في الهلكات » (1).
    وهذه الرواية تدل على أن الترجيح ب‍ : أعدلية الراوي ، وأفقهيته ، وأورعيته وأصدقيته ، ومع التساوي : بالشهرة ، ومع التساوي فيها أيضا : فبالعرض على الكتاب والسنة ومذهب العامة.
    وظاهرها : لزوم العرض على الجميع ، ويحتمل أن تكون ( الواو ) بمعنى ( أو ) فاللازم العرض على أحدها ، ولكن قوله : « أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة » ... إلى آخره ، يؤيد الاول ، إلا أنه عليه السلام جوز الترجيح بالعرض على مذهب العامة فقط ، وعلى عمل حكامهم في جوابه لهذا القول ، ومع عدم إمكان هذا النحو من الترجيح ، فمقتضى هذه الرواية لزوم التوقف ، ولم يجوز في هذه الرواية التخيير.
    وحمل بعضهم (2) روايات التخيير على العبادات المحضة ، وروايات الارجاء والتوقف على ما ليس كذلك ، كالدين والميراث ونحوهما ، وهو غير
1 ـ الكافي 1 / 67 ، 68 ـ كتاب فضل العلم / باب اختلاف الحديث ح 10.
2 ـ وهو الأمين الاسترآبادي : الفوائد المدنية : 192 / الفائدة الرابعة ، وكذا في ص 273. كما ذهب إلى هذا الجمع الحرّ العاملي : الوسائل : 18 / 77.


(329)
بعيد ، لان هذه الرواية وردت في المنازعات والمخاصمات ، فتأمل (1).
    العاشرة : ما رواه محمد بن إبراهيم ابن أبي جمهور الاحسائي ، في كتاب غوالي اللآلي (2) : « عن العلامة ، مرفوعا إلى زرارة بن أعين.
    قال : سألت الباقر عليه السلام ، فقلت : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان ، فبأيهما آخذ ؟ فقال عليه السلام : يا زرارة ، خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذ النادر.
    فقلت : يا سيدي ، إنهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم ؟ فقال عليه السلام : خذ بما يقول أعدلهما عندك ، وأوثقهما في نفسك.
    فقلت : إنهما معا عدلان مرضيان موثقان ؟ فقال : انظر إلى ما وافق منهما مذهب العامة ، فاتركه ، وخذ بما خالفهم ، فإن الحق فيما خالفهم.
    فقلت : ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع ؟ فقال : إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك ، واترك ما خالف الاحتياط.
    فقلت : إنهما معا موافقين للاحتياط ، أو مخالفين له ، فكيف أصنع ؟ فقال عليه السلام : إذن ، فتخير أحدهما فتأخذ به ، وتدع الآخر.
    وفي رواية : أنه عليه السلام قال : إذن ، فأجره حتى تلقى إمامك فتسأله » (3) انتهى كلامه (4)
1 ـ لعل وجه التأمل هو « ان تقييد اطلاق جملة الأخبار الواردة بذلك لا يخلو من اشكال ، فانها ليست نصا في التخصيص ، بل ولا ظاهرة فيه ، حتى يمكن ارتكاب التخصيص بها » : الحدائق الناظرة 1 / 101 ـ المقدمة السادسة.
2 ـ في الاصل : اللحساوي في كتاب عوالي ـ بالمهملة ـ.
3 ـ قوله وفي رواية انه (ع) إلى آخره : ساقط من الاصل ، وقد اثبتناه من سائر النسخ.
4 ـ غوالي اللآلي : 4 / 133 ح 229 لكن فيه : بقول : بدل : بما يقول.


(330)
    الحادية عشرة : ما رواه الشيخ قطب الدين الراوندي بسنده : « عن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد ابن أبي عمير ، عن عبدالرحمن ابن أبي عبدالله ، عن الصادق عليه السلام ، قال : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان ، فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف الله فذروه ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله ، فاعرضوهما على أخبار العامة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه » (1).
    الثانية عشرة : ما رواه : « الحسن بن الجهم (2) ، عن الرضا عليه السلام ـ ثم قال ـ قلت للرضا : تجيئني الأحاديث عنكم مختلفة ؟ قال : ما جاء‌ك (3) عنا اعرضه على كتاب الله وأحاديثنا ، فإن كان ذلك يشبههما فهو منا ، وإن لم يكن يشبههما فليس منا ، قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ، فلا نعلم (4) أيهما الحق ؟ قال : إذا لم تعلم ، فموصع عليك بأيهما أخذت » (5).
    الثالثة عشرة : ما رواه الكليني ، في باب اختلاف الحديث ، في الصحيح عن : « سماعة ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه ، والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع ؟ قال : يرجئه حتى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه.
    وفي رواية اخرى : بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك » (6).
    الرابعة عشرة : ما رواه أيضا ، في الباب المذكور ، بسنده : « عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : أرأيتك لو حدثتك بحديث العام ، ثم جئتني من
1 ـ تقدم ان هذه الرسالة من المفقودات ، وقد روى هذا الحديث عنها أيضا : المحدّث الاسترآبادي في الفوائد المدنية : 186 ، والحر العاملي في وسائل الشيعة : 18 / 84 ح 29 باختلاف يسير.
2 ـ كلمة ( الجهم ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من أ وب وط والمصدر.
3 ـ كذا في أ ، وفي الاصل ب وط والمصدر : جاء‌كم.
4 ـ كذا في المصدر. وفي النسخ : فلم نعلم ، وفي نسخة الوسائل : ولا نعلم : الوسائل : 18 / 77.
5 ـ الاحتجاج : 357.
6 ـ الكافي : 1 / 66 ـ كتاب فضل العلم / باب اختلاف الحديث / ح 7.
الوافية في اصول الفقه ::: فهرس