مقاتل بن سليمان البلخي ، مجسم وشيخ ابن حماد وأستاذ للمفسرين
ـ قال ابن حبان في المجروحين ج 3 ص 14
مقاتل بن سليمان الخراساني مولى الاَزد ، أصله من بلخ وانتقل إلى البصرة وبها مات
بعد خروج الهاشمية ، كنيته أبو الحسن ، كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي
يوافق كتبهم ، وكان شَبَهياً يشبه الرب بالمخلوقين ، وكان يكذب مع ذلك في الحديث .
أخبرنا عمرو بن محمد قال : حدثنا محمد بن حبال قال : حدثنا عمر بن
عبدالغفار : سمعت سفيان بن عيينة وذكر عنده مقاتل بن سليمان فقال : كنت أتيته
سراً فقلت له : إن الناس يزعمون أنك لم تسمع من الضحاك ، فقال : لقد كان يغلق
عليّ وعليه باب واحد .
سمعت إبراهيم بن محمد بن يوسف قال : سمعت الخضر بن حيان سمعت
يحيى بن نصر بن حاجب : سمعت أبا حنيفة يقول : يا أبا يوسف إحذر صنفين من
خراسان : الجهمية والمقاتلية .
سمعت ابن خزيمة يقول سمعت علي بن خشرم يقول سمعت وكيعاً يقول : لقينا
مقاتل بن سليمان كان كذاباً . . . .
أخبرنا عمرو بن محمد قال : حدثنا محمد بن عبد بن حميد قال : حدثنا ابن أبي
شيبة وهو عثمان قال : حدثنا جرير عن مغيرة بن عبدالرحمن قال : العجب لقوم
يكون ذلك فيهم رأساً يعني مقاتل بن سليمان . أخبرناه الحسين بن صالح بن حمويه
بهمدان قال : حدثنا عبدالعزيز بن منيب قال : حدثنا أبومعاوية النحوي قال : حدثنا
خارجة قال : سمعت الكلبي يقول : ما قتلت مسلماً ولا معاهداً ولو رأيت مقاتل بن
سليمان حيث لا يكون بيني وبينه أحد لتقربت بدمه إلى الله عز وجل .
ـ وقال الرازي في الجرح والتعديل ج 8 ص 354
ثنا عبد الرحمن قال ذكره أبي نا محمود بن غيلان قال سئل وكيع عن مقاتل بن
سليمان فقال : سمعنا منه والله المستعان .
( 257 )
نا عبد الرحمن انا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي سمعت بعض مشيختنا
يقول : جلس مقاتل بن سليمان في مسجد بيروت فقال : لا تسألوني عن شيء ما دون
العرش إلا أنبأتكم عنه ، فقال الاَوزاعي لرجل : قم إليه فسله ما ميراثه من جدتيه ،
فحار ولم يكن عنده جواب ، فما بات فيها إلا ليلة ثم خرج بالغداة .
نا عبدالرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل قال قال أبي : مقاتل بن سليمان
صاحب التفسير ما يعجبني أن أروي عنه شيئاً .
نا عبد الرحمن نا محمد بن سعيد المقرئ قال : سئل عبد الرحمن يعني بن
الحكم بن بشير عن مقاتل بن سليمان فقال : كان قاصاً ، ترك الناس حديثه .
ـ وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 10 ص 249
وروي عن الشافعي أن وجوه الناس عيال على مقاتل في التفسير !
وقال نعيم بن حماد : رأيت عند ابن عيينة كتاباً لمقاتل فقلت : يا أبا محمد تروي
لمقاتل في التفسير ! قال لا ، ولكن أستدل به وأستعين . . . .
وقال مكي بن إبراهيم عن يحيى بن شبل قال لي عباد بن كثير : ما يمنعك من مقاتل ؟
قلت : إن أهل بلادنا كرهوه ، فقال : لا تكرهه فما بقي أحد أعلم بكتاب الله تعالى منه .
وقال القاسم بن أحمد الصفار : قلت لاِبراهيم الحربي ما بال الناس يطعنون على
مقاتل ؟ قال : حسداً منهم له ... .
وكان يقص في الجامع فوقعت العصبية بينه وبين جهم فوضع كل واحد منهما
كتاباً على الآخر ينقض عليه ... .
وقال محمد بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة : أفرط جهم في النفي
حتى قال إنه ليس بشيء ، وأفرط مقاتل في الاِثبات حتى جعل الله تعالى مثل خلقه. . .
وقال عبد الله ابن أبي القاضي الخوارزمي سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي
يقول : أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظير يعني في البدعة والكذب ،
جهم ومقاتل وعمر بن صبح .
( 258 )
ـ وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 10 ص 251
وقال أبو إسماعيل الترمذي عن عبد العزيز بن عبد الله الاَوسي قال : حدثنا مالك
بن أنس أنه بلغه أن مقاتل بن سليمان جاءه إنسان فقال له : إن إنساناً جاءني فسألني
عن لون كلب أصحاب الكهف فلم أدر ما أقول له ، فقال له : ألا قلت أبقع ، فلو قلته لم
تجد أحداً يرد عليك !! . . . .
وقال أحمد بن سيار المروزي : كان من أهل بلخ وتحول إلى مرو وخرج إلى
العراق فمات بها ، وهو متهم متروك الحديث مهجور القول ، وكان يتكلم في الصفات
بما لا يحل ذكره . . . .
وقال العباس بن الوليد بن مزيد عن أبيه : سألت مقاتل بن سليمان عن أشياء فكان
يحدثني بأحاديث كل واحد ينقض الآخر ! فقلت : بأيها ؟ قال : بأيها شئت !
ـ الذهبي في ميزان الاِعتدال ج 4 ص 173
مقاتل بن سليمان البلخي المفسر أبو الحسن . روى عن مجاهد ، والضحاك ، وابن
بريدة . وعنه حرمى بن عمارة ، وعلي بن الجعد ، وخلق .
قال ابن المبارك : ما أحسن تفسيره لو كان ثقة . . . .
ـ وترجم له الذهبي في سيره باحترام أكثر فقال في ج 7 ص 201
مقاتل كبير المفسرين أبو الحسن مقاتل بن سليمان البلخي . يروي عن مجاهد
والضحاك وابن بريدة وعطاء وابن سيرين وعمرو بن شعيب وشرحبيل بن سعد
والمقبري والزهري ، وعدة . وعنه : سعد بن الصلت ، وبقية ، وعبدالرزاق ، وحرمي
بن عمارة ، وشبابة ، والوليد بن مزيد ، وخلق آخرهم علي بن الجعد .
قال ابن المبارك وأحسن : ما أحسن تفسيره لو كان ثقة . . . . ! انتهى .
ويبدو للباحث من مراجعة كتب إخواننا في الجرح والتعديل أن كفة تكذيب
مقاتل هي الراجحة عندهم ، ولكن جرح الجارحين ليس هو المقياس العملي ، بل
المقياس هو مصادرهم التفسيرية وغيرها المليئة بآراء مقاتل ، والمؤلم أنهم ينقلونها
كأنها مسلمات السلف الصالح ، بل كأنها أحاديث نبوية شريفة !
( 259 )
يزيد بن هارون من شيوخ الامام أحمد
ـ سير أعلام النبلاء ج 9 ص 358 ،362
يزيد بن هارون بن زاذي ، الاِمام القدوة شيخ الاِسلام أبو خالد السلمي مولاهم
الواسطي الحافظ . مولده في سنة ثمان عشرة ومئة . . . .
وكان رأساً في العلم والعمل ، ثقة حجة ، كبير الشأن .
حدث عنه : بقية بن الوليد مع تقدمه ، وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل . . . .
يقال : إن أصله من بخارى .
قال علي بن المديني : ما رأيت أحفظ من يزيد بن هارون .
وقال زياد بن أيوب : ما رأيت ليزيد كتاباً قط ، ولا حدثنا إلا حفظاً .
قال أبو حاتم الرازي : يزيد ثقة إمام ، لا يسأل عن مثله .
وقال مؤمل بن يهاب : سمعت يزيد بن هارون يقول : ما دلست حديثاً قط إلا
حديثاً واحداً عن عوف الاَعرابي ، فما بورك لي فيه .
عن عاصم بن علي قال : كنت أنا ويزيد بن هارون عند قيس بن الربيع ، فأما يزيد ،
فكان إذا صلى العتمة ، لا يزال قائماً حتى يصلي الغداة بذلك الوضوء نيفاً وأربعين
سنة . . . .
قلت : احتفل محدثو بغداد وأهلها لقدوم يزيد ، وازدحموا عليه لجلالته وعلو
إسناده . . . . العباس بن عبد العظيم ، وأحمد بن سنان ، عن شاذ بن يحيى ، سمع
يزيد بن هارون يقول : من قال القرآن مخلوق ، فهو زنديق . . . . وقد كان يزيد رأساً في
السنة معادياً للجهمية ، منكراً تأويلهم في مسألة الاِستواء . انتهى .
ومعناه أنه كان يرفض تفسير الآية بالاستواء المعنوي ، ويفسرها بالقعود الحسي لله
تعالى على العرش !!
( 260 )
السمناني المجسم رئيس الاَشعرية
ـ قال الذهبي في سيره ج 17 ص 540
السمناني العلامة قاضي الموصل ، أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد
السمناني الحنفي . حدث عن نصر المرجي وعلي بن عمر الحربي وأبي الحسن
الدارقطني ، وجماعة . ولازم ابن الباقلاني حتى برع في علم الكلام .
قال الخطيب : كتبت عنه ، وكان صدوقاً فاضلاً حنفياً ، يعتقد مذهب الاَشعري ،
وله تصانيف .
قلت : كان من أذكياء العالم وقد ذكره ابن حزم فقال : هو أبو جعفر السمناني
المكفوف ، هو أكبر أصحاب أبي بكر الباقلاني ومقدم الاَشعرية في وقتنا ، ومن
مقالته قال : من سمى الله جسماً من أجل أنه حامل لصفاته في ذاته فقد أصاب
المعنى وأخطأ في التسمية فقط . . . .
توفي أبو جعفر بالموصل سنة أربع وأربعين وأربع مئة وله ثلاث وثمانون سنة .
تخرج به في العقليات القاضي أبو الوليد الباجي ، وغيره . انتهى .
ومن العجيب أن الاَشاعرة والمجسمة يتهمون الشيعة بالتجسيم لمجرد أن هشاماً
بن الحكم قال للمعتزلة تقولون إنه شيء لا كالاَشياء فلماذا لاتقولون إنه جسم لا
كالاَجسام !
الاِمام الدارمي المجسم
ـ سير أعلام النبلاء ج 10 ص 199
المريسي المتكلم المناظر البارع أبو عبدالرحمن بشر بن غياث بن أبي كريمة
العدوي مولاهم البغدادي المريسي ، من موالي آل زيد بن الخطاب رضي الله عنه كان بشر من
كبار الفقهاء ، أخذ عن القاضي أبي يوسف ، وروى عن حماد بن سلمة وسفيان بن
عيينة . ونظر في الكلام فغلب عليه وانسلخ من الورع والتقوى ، وجرد القول بخلق
( 261 )
القرآن ودعا إليه حتى كان عين الجهمية في عصره وعالمهم فمقته أهل العلم ، وكفره
عدة . . . . ذكره النديم وأطنب في تعظيمه وقال : كان دينا ورعاً متكلما . ثم حكى أن
البلخي قال : بلغ من ورعه أنه كان لا يطأ أهله ليلاً مخافة الشبهة ، ولا يتزوج إلا من
هي أصغر منه بعشر سنين مخافة أن تكون رضيعته .
وكان جهمياً له قدر عند الدولة ، وكان يشرب النبيذ . . . . وصنف كتاباً في التوحيد
. . . . وكتاب الرد على الرافضة في الاِمامة . . . .
قلت : وقع كلامه إلى عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ ، فصنف مجلداً في الرد
عليه . . . . فيه بحوث عجيبة مع المريسي ، يبالغ فيها في الاِثبات والسكوت عنها ،
أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث .
وقال الشيخ محمد حامد الفقي : إنه أتى فيه ببعض ألفاظ دعاه إليها عنف الرد
وشدة الحرص على إثبات صفات الله وأسمائه التي كان يبالغ بشر المريسي وشيعته
في نفيها ، وكان الاَولى والاَحسن أن لا يأتي بها ، وأن يقتصر على الثابت من الكتاب
والسنة الصحيحة كمثل الجسم والمكان والحيز ، فإنني لا أوافقه عليها ولا أستجيز
إطلاقها ، لاَنها لم تأت في كتاب الله ولا في سنة صحيحة .
أبو العباس السراج وإسحاق الحنظلي إمامان مجسمان
ـ قال الذهبي في سيره ج 11 ص 375
قال أبو العباس السراج : سمعت إسحاق الحنظلي يقول : دخلت على طاهر بن
عبد الله بن طاهر وعنده منصور بن طلحة ، فقال لي منصور : يا أبا يعقوب تقول : إن
الله ينزل كل ليلة قلت : نؤمن به ، إذا أنت لا تؤمن أن لك في السماء رباً لا تحتاج أن
تسألني عن هذا . فقال له طاهر الاَمير : ألم أنهك عن هذا الشيخ : قال أبو داود
السجستاني : سمعت ابن راهويه يقول : من قال لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق ،
فهو جهمي .
( 262 )
وورد عن إسحاق أن بعض المتكلمين قال له : كفرت برب ينزل من سماء إلى
سماء . فقال : آمنت برب يفعل ما يشاء . . . .
ـ وقال في سيره ج 14 ص 396
أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه ، أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك ،
أخبرنا أبو روح بهراة ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبدالواحد بن أحمد
المليجي ، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف ، حدثنا أبو العباس السراج إملاء قال : من
لم يقر بأن الله تعالى يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من
يسألني فأعطيه ، فهو زنديق كافر ، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ، ولا يصلى
عليه ، ولا يدفن في مقابر المسلمين . . . .
وصار ابن عقيل شيخ الحنابلة
ـ سير أعلام النبلاء ج 19 ص 443
ابن عقيل . الاِمام العلامة البحر شيخ الحنابلة ، أبوالوفاء علي بن عقيل بن محمد
بن عقيل بن عبد الله البغدادي الظفري الحنبلي المتكلم ، صاحب التصانيف ، كان
يسكن الظفرية ، ومسجده بها مشهور .
ولد سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة وسمع أبا بكر بن بشران ، وأبا الفتح بن شيطا ،
وأبا محمد الجوهري ، والحسن بن غالب المقريء ، والقاضي أبا يعلى بن الفراء ،
وتفقه عليه ، وتلا بالعشر على أبي الفتح بن شيطا ، وأخذ العربية عن أبي القاسم بن
برهان ، وأخذ علم العقليات عن شيخي الاِعتزال أبي علي بن الوليد ، وأبي القاسم
بن التبان صاحبي أبوالحسين البصري ، فانحرف عن السنة .
وكان يتوقد ذكاء ، وكان بحر معارف وكنز فضائل ، لم يكن له في زمانه نظير على
بدعته ، وعلق كتاب الفنون ، وهو أزيد من أربع مئة مجلد ، حشد فيه كل ما كان
( 263 )
يجري له مع الفضلاء والتلامذة ، وما يسنح له من الدقائق والغوامض ، وما يسمعه من
العجائب والحوادث . . . .
قال المبارك بن كامل : صلى على شيخنا بجامع القصر فأمهم ابن شافع ، وكان
الجمع ما لا يحصى ، وحمل إلى جامع المنصور فصلي عليه ، وجرت فتنة
وتجارحوا، ونال الشيخ تقطيع كفن ، ودفن قريباً من الاِمام أحمد . . . .
وفي تاريخ ابن الاَثير قال : كان قد اشتغل بمذهب المعتزلة في حداثته على ابن
الوليد ، فأراد الحنابلة قتله فاستجار بباب المراتب عدة سنين ، ثم أظهر التوبة .
وقال ابن عقيل في الفنون : الاَصلح لاِعتقاد العوام ظواهر الآي لاَنهم يأنسون
بالاِثبات ، فمتى محونا ذلك من قلوبهم زالت الحشمة . قال : فتهافتهم في التشبيه
أحب إلينا من إغراقهم في التنزيه ، لاَن التشبيه يغمسهم في الاِثبات فيخافون
ويرجون ، والتنزيه يرمي بهم إلى النفي فلا طمع ولا مخافة في النفي . ومن تدبر
الشريعة رآها غامسة للمكلفين في التشبيه بالاَلفاظ الظاهرة التي لا يعطي ظاهرها
سواه ، كقول الاَعرابي : أو يضحك ربنا قال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم . فلم
يكفهر لقوله ، وتركه وما وقع له . . . .
من عقائد الدولة : إطاعة الحاكم الجائر والتجسيم والرؤية
ـ سير أعلام النبلاء ج 12 ص 67
وعن يحيى بن عون : قال : دخلت مع سحنون على ابن القصار وهو مريض فقال :
ما هذا القلق ؟ قال له : الموت والقدوم على الله . قال له سحنون : ألست مصدقاً
بالرسل والبعث والحساب ، والجنة والنار ، وأن أفضل هذه الاَمة أبوبكر ، ثم عمر ،
والقرآن كلام الله غير مخلوق ، وأن الله يرى يوم القيامة ، وأنه على العرش استوى ،
ولا تخرج على الاَئمة بالسيف وإن جاروا ؟ قال : إي والله ، فقال : مت إذا شئت ، مت
إذا شئت !!
( 264 )
ـ تاريخ الاِسلام للذهبي ج 29 ص 73
محمود السلطان كان صادق النية في إعلاء كلمة الله .. وقبره بغزنة يدعى عنده ..
دخل ابن فورك على السلطان محمود فقال : لا يجوز أن يوصف الله بالفوقيه لاَنه
يلزمك أن تصفه بالتحتيه .. فقال السلطان : هو وصف نفسه !
هجمة الحنابلة على الطبري
ـ قال الحموي في معجم الاَدباء ج 9 جزء 18 ص 57 في ترجمة الطبري :
فلما قدم إلى بغداد من طبرستان بعد رجوعه إليها تعصب عليه أبو عبد الله الجصاص
وجعفر بن عرفة والبياضي . وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل في الجامع يوم
الجمعة ، وعن حديث الجلوس على العرش ، فقال أبو جعفر : أما أحمد بن حنبل فلا يعد
خلافه . فقالوا له : فقد ذكره العلماء في الاِختلاف ، فقال : ما رأيته روي عنه ولا رأيت له
أصحاباً يعول عليهم . وأما حديث الجلوس على العرش فمحال ثم أنشد :
سبحان من ليس له أنيس * ولا له في عرشه جليس
فلما سمع ذلك الحنابلة منه وأصحاب الحديث وثبوا ورموه بمحابرهم وقيل
كانت ألوفاً ، فقام أبو جعفر بنفسه ودخل داره فرموا داره بالحجارة حتى صار على
بابه كالتل العظيم ! وركب نازوك صاحب الشرطة في ألوف من الجند يمنع عنه العامة
، ووقف على بابه يوماً إلى الليل وأمر برفع الحجارة عنه . وكان قد كتب على بابه :
سبحان من ليس له أنيس ولا له في عرشه جليس ، فأمر نازوك بمحو ذلك ، وكتب
مكانه بعض أصحاب الحديث :
لاَحمد منزل لا شك عال * إذا وافى إلى الرحمن وافد
فيدنيه ويقعده كريماً * على رغم لهم في أنف حاسد
على عرش يغلفه بطيب * على الاَكباد من باغ وعاند
له هذا المقام الفرد حقاً * كذاك رواه ليث عن مجاهد
( 265 )
فخلا في داره وعمل كتابه المشهور في الاِعتذار إليهم ، وذكر مذهبه واعتقاده
وجرح من ظن فيه غير ذلك ، وقرأ الكتاب عليهم وفضل أحمد بن حنبل ، وذكر
مذهبه وتصويب اعتقاده ولم يزل في ذكره إلى أن مات ، ولم يخرج كتابه في
الاِختلاف حتى مات فوجدوه مدفوناً في التراب ، فأخرجوه ونسخوه أعني اختلاف
الفقهاء ، هكذا سمعت من جماعة منهم أبي رحمه الله !
ـ وقال ابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد ج 4 ص 39
قال القاضي : صنف المروزي كتاباً في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه
إقعاده على العرش ، وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم . . . . وعبد الله بن الاِمام
أحمد . . . . إلخ . ثم قال ابن قيم : قلت وهو قول ابن جرير الطبري ، وإمام هؤلاء كلهم
مجاهد إمام التفسير . انتهى .
ولم يذكر ابن القيم عمن أخذه مجاهد ، ولم يذكر تهديد الحنابلة للطبري
وإجبارهم إياه على القول بذلك حتى صار ليناً هينا مع التجسيم وأهله .
ولكن جولد تسيهر اليهودي قال في مذاهب التفسير الاسلامي ص 118 :
وهو ( الطبري ) يعارض أشد صرامة وعنفاً فهم التجسيد في عبارات التشبيه
المضافة الى الله والذهاب إلى أن مثل هذه العبارات دالة على صفات الله الحقيقية ..
فقد اختلف أهل الجدل .. في تأويل قوله ( بل يداه مبسوطتان ) فقال بعضهم .. عنى
باليد النعمة أو القدرة أو الملك . وقال آخرون : بل يد الله صفة من صفاته ، هي يد
غير أنها ليست بجارحة .. والطبري يجزم بالرأي الثاني ..
هجمة الحنابلة على ابن حبان
ـ المجروحين لابن حبان ج 1 مقدمة
قال أبواسماعيل عبدالله بن محمد . . . . قال سألت يحيى بن عمار عن ابن حبان ،
قلت رأيته ؟ قال : وكيف لم أره ونحن أخرجناه من سجستان ، لاَنه أنكر الحد لله !
( 266 )
وقال السبكي تعليقاً على ذلك : من أحق بالاِخراج من يجعل ربه محدوداً ، أو من
ينزهه عن الجسمية . . . .
ـ وقال ابن حجر في لسان الميزان ج 5 ص 113
وقد بدت من ابن حبان هفوة فطعنوا فيه بها . قال أبو إسمعيل الاَنصاري
شيخ الاِسلام : سألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم بن حبان فقال : رأيته ونحن
أخرجناه من سجستان ، كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين ، قدم علينا فأنكر الحد
لله فأخرجناه .
قلت : إنكاره الحد وإثباتكم للحد نوع من فضول الكلام ، والسكوت من الطرفين
أولى إذ لم يأت نص بنفي ذلك ولا إثباته ، والله تعالى ليس كمثله شيء ، فمن أثبته قال
له خصمه جعلت لله حداً برأيك ولا نص معك بالحد ، والمحدود مخلوق تعالى الله
عن ذلك علواً كبيراً . وقال هو للنافي ساويت ربك بالشيء المعدوم ، إذ المعدوم لا
حد له . فمن نزه الله وسكت سلم وتابع السلف .
ـ وقال الذهبي في سيره ج 16 ص 94
وقال أبو بكر الخطيب : كان ابن حبان ثقة نبيلاً فهماً . وقال أبو عمرو بن الصلاح
في طبقات الشافعية : غلط ابن حبان الغلط الفاحش في تصرفاته . قال ابن حبان في
أثناء كتاب الاَنواع : لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ .
قلت : كذا فلتكن الهمم ، هذا مع ما كان عليه من الفقه والعربية والفضائل الباهرة
وكثرة التصانيف . . . .
وقال أبو إسماعيل الاَنصاري : سمعت يحيى بن عمار الواعظ ، وقد سألته عن ابن
حبان ، فقال : نحن أخرجناه من سجستان ، كان له علم كثير ، ولم يكن له كبير دين ،
قدم علينا ، فأنكر الحد لله ، فأخرجناه !
قلت : إنكاركم عليه بدعة أيضاً ، والخوض في ذلك مما لم يأذن به الله ، ولا أتى
( 267 )
نص بإثبات ذلك ولا بنفيه . ومن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه . وتعالى الله أن
يحد أو يوصف إلا بما وصف به نفسه ، أو علمه رسله بالمعنى الذي أراد بلا مثل ولا
كيف : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . انتهى .
وهكذا مدح الذهبي ابن حبان وأظهر إعجابه بعلو همته ، ولكنه خطَّأه في إنكاره
الحد لله تعالى وحكم بأنه صاحب بدعة ، فهو يستحق الطرد من سجستان ، بل قد
يستحق الاِعدام إن لم يتب !
ومن عجب الزمان أن يكون الجو الحاكم في بعض مناطق المسلمين في أواخر
القرن الثالث أن الذي يقول إن الله تعالى غير محدود بمكان ولا زمان ، يعتبر مبدعاً
في الاِسلام ، وكأن النبي صلى الله عليه وآله قد بلغ الاَمة بأن ربكم محدود بالمكان والزمان ، ومن
أنكر ذلك فقد أبدع !
ولا تغتر بتخطئة الذهبي للذين طردوا ابن حبان من سجستان ، فإنه لم يخطئهم
لطرده على بدعته ، بل خطَّأهم لمجادلته حتى أظهر بدعته ، ولاَنه كان الواجب
عليهم أن يسكتوا عن لوازم التجسيم في نزول الله تعالى وجلوسه على العرش ، كما
هو مذهبه !!
من تكفيرات المجسمين لمن خالفهم
ـ سير أعلام النبلاء ج 11 ص 70
قال عبدالله بن أحمد : سمعت أبا معمر الهذلي يقول : من زعم أن الله لا يتكلم ولا
يسمع ولا يبصر ولا يرضى ولا يغضب ، فهو كافر ، إن رأيتموه واقفاً على بئر فألقوه
فيها ، بهذا أدين الله عز وجل !
ـ سير أعلام النبلاء ج 11 ص 302
حدثنا أحمد بن جعفر الاِصطخري قال : قال أبو عبدالله أحمد بن حنبل : هذا
مذهب أهل العلم والاَثر ، فمن خالف شيئاً من ذلك أو عاب قائلها ، فهو مبتدع .
( 268 )
وكان قولهم : إن الاِيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة ، والاِيمان يزيد وينقص ،
ومن زعم أن الاِيمان قول والاَعمال شرائع فهو جهمي ، ومن لم ير الاِستثناء في
الاِيمان فهو مرجيء ، والزنى والسرقة وقتل النفس والشرك كلها بقضاء وقدر من غير
أن يكون لاَحد على الله حجة . إلى أن قال : والجنة والنار خلقتنا ثم خلق الخلق لهما
لا تفنيان ، ولا يفنى ما فيهما أبداً . إلى أن قال : والله تعالى على العرش ، والكرسي
موضع قدميه . إلى أن قال : وللعرش حملة . ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له
مخلوقة والقرآن كلام الله ، فهو جهمي . ومن لم يكفره فهو مثله . وكلم الله موسى
تكليماً من فيه ! إلى أن ذكر أشياء من هذا الاَنموذج المنكر ، والاَشياء التي والله ما
قالها الاِمام . فقاتل الله واضعها . ومن أسمج مافيها قوله : ومن زعم أنه لا يرى التقليد
ولا يقلد دينه أحداً فهذا قول فاسق عدو لله . فانظر إلى جهل المحدثين كيف يروون
هذه الخرافة ويسكتون عنها . انتهى .
ومع أن الذهبي وصف الاَنموذج بأنه منكر وخرافة ، فهو يتبنى أكثر عقائده !
ـ التحفة اللطيفة للسخاوي ج 2 ص 285
علي بن عبد الله .. قال قبل أن يموت بشهرين .. من زعم أن الله لا يرى فهو كافر ،
ومن زعم أن الله لم يكلم موسى على الحقيقة فهو كافر . انتهى .
وقصدهم أن الله تعالى كلم موسى من فمه ، ولم يخلق الصوت في شيء مخلوق ،
وقد نصت على ذلك أحاديث أهل البيت عليهم السلام وقال به أكثر المسلمين .
ـ تاريخ الاِسلام للذهبي ج 17 ص 386
هارون بن معروف . . . . وقال هارون الجبال : سمعت هارون بن معروف يقول :
من زعم أن القرآن مخلوق فكأنما عبد اللات والعزى ! وروى عبدالله بن أحمد بن
حنبل عن هارون بن معروف قال : من زعم أن الله لا يتكلم فهو يعبد الاَصنام ! انتهى .
وقصده أن الله تعالى يتكلم من فمه ! وأن الذي يعتقد بأن الله لافم له فقد جعله صنماً!
والذي يقول له فم ، فقد نزهه عن الصنمية !!
( 269 )
ـ سير أعلام النبلاء ج 17 ص 255
قال الاِمام تقي الدين ابن الصلاح في فتاويه : وجدت عن الاِمام أبي الحسن
الواحدي المفسر رحمه الله أنه قال : صنف أبو عبدالرحمن السلمي حقائق التفسير ، فإن
كان اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر . قلت : واغوثاه ! واغربتاه ! .
ـ سير أعلام النبلاء ج 8 ص 403
حدثنا أحمد بن يونس ، سمعت ابن المبارك قرأ شيئاً من القرآن ، ثم قال : من
زعم أن هذا مخلوق ، فقد كفر بالله العظيم .
ـ سير أعلام النبلاء ج 10 ص 18
الحاكم : سمعت أبا سعيد بن أبي عثمان ، سمعت الحسن ابن صاحب الشاشي ،
سمعت الربيع ، سمعت الشافعي وسئل عن القرآن فقال : أف أف ، القرآن كلام الله ،
من قال : مخلوق ، فقد كفر . هذا إسناد صحيح .
ـ سير أعلام النبلاء ج 11 ص 58
ابن مخلد العطار : حدثنا محمد بن عثمان ، سمعت علي بن المديني ، يقول قبل
أن يموت بشهرين : القرآن كلام الله غير مخلوق . ومن قال مخلوق ، فهو كافر . وقال
عثمان بن سعيد الدارمي ، سمعت علي بن المديني يقول : هو كفر ، يعني من قال :
القرآن مخلوق .
ملحد ( سني ) يحبه المجسمة لاَنه يلعن من خالفهم
ـ مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 43 ،44
كان رجل في أيام هارون الرشيد ببغداد ، وإنه كان دهرياً من أهل السنة والجماعة!
ويلعن أهل البدع . . . . ويعرف بالسني ، تنقاد له العامة فكان يجتمع إليه خلق من
الناس ، وإذا اجتمعوا وثب قائماً على قدمه فقال : يا معشر المسلمين قلتم لا ضار ولا
نافع إلا الله ، فلاَي شيء مصيركم إليَّ تسألوني عن مضاركم ومنافعكم ؟ إلجؤوا الى
ربكم وتوكلوا على بارئكم ..
( 270 )
من الفتن التي حدثت بسبب التجسيم
في القرن الثاني انتقل ثقل التشبيه والتجسيم من الشام إلى بغداد ، وأرخ
المؤرخون لفتن متعددة حدثت في بغداد ذكرنا بعضها في الفصل الخامس ، ونشير
منها هنا إلى الفتنة التي ذكرها الذهبي في تاريخ الاِسلام ج 23 ص 384 بسبب تفسير
آية : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، قالت الحنابلة معناه أن يقعده على عرشه
كما فسره مجاهد . وقال غيرهم : بل هي الشفاعة العظمى . وقد تقدم أن ابن خلدون
يرى أن الفتن بين الحنابلة ومخالفيهم كانت أحد الاَسباب في خراب بغداد .
ـ سير أعلام النبلاء ج 18 ص 89
القاضي أبو يعلى الاِمام العلامة ، شيخ الحنابلة ، القاضي أبويعلى ، محمد بن
الحسين ابن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي ، الحنبلي ، ابن الفراء ، صاحب
التعليقة الكبرى ، والتصانيف المفيدة في المذهب . ولد في أول سنة ثمانين وثلاث
مئة . . . . أفتى ودرس ، وتخرج من الاَصحاب ، وانتهت إليه الاِمامة في الفقه ، وكان
عالم العراق في زمانه ، مع معرفة بعلوم القرآن وتفسيره ، والنظر والاَصول ، وكان أبوه
من أعيان الحنفية ، ومن شهود الحضرة ، فمات ولاَبي يعلى عشرة أعوام ، فلقنه
مقرئه العبادات من مختصر الخرقي ، فلذ له الفقه ، وتحول إلى حلقة أبي عبدالله بن
حامد ، شيخ الحنابلة ، فصحبه أعواماً ، وبرع في الفقه عنده ، وتصدر بأمره للاِفادة
سنة اثنتين وأربع مئة ، وأول سماعه من علي بن معروف في سنة 385 .
وقد سمع بمكة ودمشق من عبد الرحمن بن أبي نصر ، وبحلب ، وجمع كتاب
إبطال تأويل الصفات ، فقاموا عليه لما فيه من الواهي والموضوع ، فخرج إلى العلماء
من القادر بالله المعتقد الذي جمعه ، وحمل إلى القادر كتاب إبطال التأويل ، فأعجبه،
وجرت أمور وفتن نسأل الله العافية ثم أصلح بين الفريقين الوزير علي بن المسلمة ،
وقال في الملا : القرآن كلام الله ، وأخبار الصفات تمر كما جاءت . ثم ولي أبو يعلى
القضاء بدار الخلافة والحريم ، مع قضاء حران حلوان ..
( 271 )
وواجه بعض الخلفاء تطرف المجسمين
ـ نشوار المحاضرة للتنوخي ج 3 ص 144
وكانت العامة قد هاجت في أيام وزارته وعظمت الفتنة وكثر كلام القصاص في
المساجد ورؤساء الصوفية . . . . فاتفق أن بديء برجل من رؤساء الصوفية يعرف
بإسحاق بن ثابت أحد الربانيين عند أصحابه ، فقال له : بلغني أنك تقول في دعائك :
يا واحدي بالتحقيق يا جاري اللصيق ، فمن لا يعلم بأن الله لا يجوز أن يوصف أنه
لصيق على الحقيقة فهو كافر ، لاَن الملاصقة من صفات الاَجسام . إنكم تهذون
وتوهمون الناس على أنكم ربانيين . . . . وكتب إليه أن لا يتكلم على الناس .
ـ تاريخ الاِسلام للذهبي ج 32 ص 171،172
أبو بكر الواعظ البكري . . . . قدم إلى بغداد وجلس للوعظ وذكر ما يلطخ به
الحنابلة من التجسيم . . . . وضربه جماعة من الهاشميين ( يقصد العباسيين )
بالحصى وهم من أصحاب أحمد ، فأخذهم النقيب وعاقبهم .
وقتل خلفاء شرعيون إماماً مجسماً طمع بالحكم
ـ تهذيب الكمال ج 1 ص 507
. . . حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي قال : وقُتِل أحمد بن نصر بن مالك
الخزاعي سنة إحدى وثلاثين ومئتين . قال الحافظ أبوبكر : وكان قتله في خلافة
الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن . وبه حدثني القاضي أبوعبدالله الصيمري ،
حدثنا محمد ابن عمران المرزباني ، أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال : كان
أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي من أهل الحديث ، وكان جده من رؤساء
نقباء بني العباس ، وكان أحمد وسهل بن سلامة ، حين كان المأمون بخراسان ، بايعا
الناس على الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلى أن دخل المأمون بغداد ، فرفق
بسهل حتى لبس السواد ، وأخذ الاَرزاق ولزم أحمد بيته ، ثم إن أمره تحرك ببغداد
( 272 )
في آخر أيام الواثق ، واجتمع إليه خلق من الناس ، يأمرون بالمعروف ، إلى أن ملكوا
بغداد ، وتعدى رجلان من أصحابه يقال لاَحدهما : طالب في الجانب الغربي ،
ويقال للآخر أبو هارون في الجانب الشرقي ، وكانا موسرين فبذلا مالاً ، وعزما على
الوثوب ببغداد في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومئتين ، فنم عليهم قوم إلى إسحاق
بن إبراهيم فأخذ جماعة فيهم أحمد بن نصر ، وأخذ صاحبيه طالباً وأبا هارون
فقيدهما ، ووجد في منزل أحدهما أعلاماً ، وضرب خادماً لاَحمد بن نصر فأقر أن
هؤلاء كانوا يصيرون إليه ليلاً فيعرفونه ما عملوا ، فحملهم إسحاق مقيدين إلى سر من
رأى ، فجلس لهم الواثق وقال لاَحمد بن نصر : دع ما أخذت له ، ما تقول في القرآن
قال : كلام الله . قال : أفمخلوق هو قال : كلام الله . قال : أفترى ربك في القيامة قال :
كذا جاءت الرواية ، قال : ويحك ، يرى كما يرى المحدود المتجسم ويحويه مكان
ويحصره الناظر ، أنا أكفر برب هذه صفته ، ما تقولون فيه ؟ فقال عبدالرحمان بن
إسحاق ، وكان قاضياً على الجانب الغربي ببغداد فعزل : هو حلال الدم ، وقال
جماعة من الفقهاء كما قال ، فأظهر ابن أبي دؤاد أنه كاره لقتله ، فقال للواثق : يا
أميرالمؤمنين شيخ مختل لعل به عاهة أو تغير عقله يؤخر أمره ويستتاب . فقال
الواثق : ما أراه إلا مؤدياً لكفره قائماً بما يعتقده منه . ودعا الواثق بالصمصامة وقال :
إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي ، فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد
رباً لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها ، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد
وأمر بشد رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدوه، ومشى إليه حتى ضرب عنقه ، وأمر بحمل
رأسه إلى بغداد فنصب بالجانب الشرقي أياماً ، وفي الجانب الغربي أياماً ، وتتبع
رؤساء أصحابه فوضعوا في الحبوس ! . انتهى . ورواه الذهبي أيضاً في ج 17 ص 56
ـ سير أعلام النبلاء ج 11 ص 165
قال الحسن بن محمد الحربي : سمعت جعفر بن محمد الصائغ ، يقول : رأيت
أحمد بن نصر حين قتل قال رأسه : لا إلَه إلا الله . قال المروذي : سمعت أحمد ذكر
( 273 )
أحمد بن نصر فقال رحمه الله : لقد جاد بنفسه . وعلق في أذن أحمد بن نصر ورقة فيها : هذا
رأس أحمد بن نصر ، دعاه الاِمام هارون إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه ، فأبى
إلا المعاندة فعجله الله إلى ناره . وكتب محمد بن عبد الملك .
ـ تاريخ الاِسلام للذهبي ج 17 ص 58
قال : رأى بعض أصحابنا أحمد بن نصر في النوم فقال : ما فعل ربك ؟ قال : ما كانت
إلا غفوه حتى لقيت الله فضحك لي . . . . وقال غضبت له فأباحني النظر إلى وجهه !
وكان التجسيم منتشراً في عصر ابن الجوزي والسبكي
ـ كشف الظنون ج 1 ص 218
للشيخ أبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن الجوزي الحنبلي المتوفى سنة 597
سبع وتسعين وخمسمائة ، مختصر صنف في تأييد مذهبه والرد على الحنابلة
المجسمة . انتهى .
وله ايضاً كتاب دفع شبهة التشبيه بأكف التنزيه ، حققه في عصرنا ونشره الباحث
السيد حسن السقاف ، وتجد في ترجمة ابن الجوزي وكتبه قصة محنته مع الحناابلة
المجسمين في عصره !
ـ كشف الظنون ج 1 ص 879
رسالة الغفران من المكث بحران ، مختصر لبعض العلماء ، أولها الحمد لله على
كل حال الخ . ألفها سنة 627 سبع وعشرين وستمائة رد فيها على حنبلي مجسم
منكر ، على قواعد علم الكلام .
ـ وقد ذكر السبكي في طبقات الشافعية وغيره نماذج عديدة للمجسمة العلنيين والسريين ،
قال في ج 2 ص 19 : وقد وصل حال بعض المجسمه في زماننا إلى أن كتب شرح
صحيح مسلم للشيخ محي الدين النووي وحذف من كلام النووي ما تكلم به على
أحاديث الصفات ، فإن النووي أشعري العقيدة ، فلم تحمل قوى هذا الكاتب أن
( 274 )
يكتب الكتاب على الوضع الذي صنفه مصنفه ! انتهى .
ووصل الحال في عصرنا إلى أن بعض الوهابيين ينشرون كتب النووي وغيره
ويحذفون منها كل مايخالف مذهبهم حتى أنهم حذفوا فضل زيارة النبي صلى الله عليه وآله من
أحد كتبه . وهذا غيض من فيض فإن دور نشرهم في عدة بلدان تعمل مناشيرها
وسكاكينها في كتب الثراث الاسلامي ، ومستأجريهم ينفذون تعليماتهم بحذف كل
ما لا يليق لهم !
هذا مضافاً الى نشرهم كتب المشبهة والمجسمة وتكبير شخصياتهم وإشاعة
تعظيمهم وتقدسيهم ، وتكفير مخالفيهم من سلف الاَمة ومعاصريها !
وانتقل التجسيم من بغداد إلى مصر
ـ سير أعلام النبلاء ج 15 ص 429
أبو إسحاق المروزي الاِمام الكبير ، شيخ الشافعية وفقيه بغداد ، أبو إسحاق
إبراهيم بن أحمد المروزي ، صاحب أبي العباس بن سريج وأكبر تلامذته ، اشتغل
ببغداد دهراً وصنف التصانيف وتخرج به أئمة كأبي زيد المروزي ، والقاضي أبي
حامد أحمد بن بشر المروروذي مفتي البصرة ، وعدة .
شرح المذهب ولخصه ، وانتهت إليه رئاسة المذهب . ثم إنه في أواخر عمره
تحول إلى مصر فتوفي بها في رجب في تاسعه ، وقيل في حادي عشرة سنة أربعين
وثلاث مئة ، ودفن عند ضريح الاِمام الشافعي ولعله قارب سبعين سنة . . . . . صنف
المروزي كتاباً في السنة ، وقرأه بجامع مصر ، وحضره آلاف فجرت فتنة ، فطلبه كافور
فاختفى ، ثم أدخل إلى كافور ، فقال : أما أرسلت إليك أن لا تشهر هذا الكتاب فلا
تظهره . وكان فيه ذكر الاِستواء ، فأنكرته المعتزلة . انتهى . يقصد أنه كان في الكتاب
ذكر القعود الحسي لله تعالى على عرشه ، فأنكره علماء مصر . ولكن الحاكم كافوراً
الاِخشيدي كان يميل إلى التجسيم فطلب منه أن لا ينشر كتابه فقط !
( 275 )
الاِمام العبدري المغربي المجسم
ـ تذكرة الحفاظ ج 4 ص 72
العبدري : الاِمام الحافظ العلامة أبو عامر محمد بن سعدون بن مرجي القرشي
العبدري الميورقي الاَندلسي نزيل بغداد ، وكان من أعيان الحفاظ ومن فقهاء
الظاهرية ، سمع أبا عبدالله مالك بن أحمد البانياسي ورزق الله التميمي وأبا الفضل
ابن خيرون وطراد بن محمد الزينبي ويحيى بن أحمد السيبي وأبا عبدالله الحميدي
وطبقتهم ، قال القاضي أبوبكر بن العربي في معجمه : أبوعامر العبدري هو أنبل من
لقيته . وقال ابن ناصر : كان فهماً عالماً متعففاً وكان يذهب إلى أن المناولة كالسماع .
وقال السلفي في معجمه : كان من أعيان علماء الاِسلام بمدينة السلام ، متصرفاً في
فنون من العلوم أدباً ونحواً ومعرفة بالاَنساب ، وكان داودي المذهب قرشي النسب ،
كتب عني وكتبت عنه ، مولده بقرطبة . وقال أحمد بن أبي بكر البندنيجي : لما دفنوا
أبا عامر العبدري قال ابن ناصر : خلا لك الجو فبيضي واصفري . مات أبوعامر حافظ
حديث رسول الله صلى الله عليه وآله من شاء فليقل ما شاء .
قال الحافظ ابن عساكر : كان أبو عامر داودياً وكان أحفظ شيخ لقيته . . . . ذكر أنه
دخل دمشق ، سمعته يقول جرى ذكر الاِمام مالك فقال : جلف جاف ضرب هشام
بالدرة . . . . بلغني أنه قال في : يوم يكشف عن ساق ، وضرب على ساقه فقال : ساق
كساقي هذه . قلت : هذه حكاية منقطعة ، وهذا قول الضلال المجسمة ، وما أعتقد أن
بلغ بالعبدري هذا . ثم قال : وبلغني أنه قال إن أهل البدع يحتجون بقوله تعالى : ليس
كمثله شيء ، أي في الاِلَهية أما في الصورة فهو مثلي ومثلك . . . . قال ثم تلا قوله
تعالى: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن ، أي في الحرمة !!
ـ وترجم له ترجمة مفصلة في تاريخ الاِسلام ج 36 ص 103
( 276 )
التجسيم ينتشر في المغرب فيقاومه المهدي بن تومرت
ـ تاريخ ابن خلدون ج 7 ص 225
الخبر عن مبدأ أمر المهدي ودعوته وما كان للموحدين القائمين بها على يدى
بني عبد المؤمن من السلطان والدولة بالعدوتين وإفريقية . . . . وكانت وفاة المهدي
لاَربعة أشهر بعدها ، وكان يسمى أصحابه بالموحدين ، تعريضاً بلمتونة في أخذهم
بالعدول عن التأويل وميلهم إلى التجسيم . وكان حصوراً لا يأتي النساء ، وكان يلبس
العباءة المرقعة ، وله قدم في التقشف والعبادة ، ولم تحفظ عنه فلتة في البدعة ، إلا ما
كان من وفاقه الاِمامية من الشيعة في القول بالاِمام المعصوم ، والله تعالى أعلم .
انتهى. يستكثر علينا إخواننا السنة أن نقول بعصمة أهل البيت وهم الاَئمة الاِثني
عشر والصديقة الزهراء عليهم السلام اللذين نص عليهم النبي صلى الله عليه وآله فقال إني تارك فيكم الثقلين
كتاب الله وعترتي ونص الله تعالى على طهارتهم ، وأوجب محبتهم وجعل بغضهم
نفاقاً ، وجعل الصلاة عليهم فى صلاة المسلمين اليومية .. ثم نراهم يقولون بعصمة
الخليفة عمر وأبي بكر وعثمان ، بل وعصمة كل الصحابة وعدالتهم . فهل يريدون
بذلك استثناء أهل البيت فقط من عشرة آلاف صحابي . واذا أجابوا بأنا لانقول
بعصمة الصحابة طالبناهم بأن يذكروا أخطاء الذين يقدسونهم منهم .
ـ تاريخ ابن خلدون ج 7 ص 266
هذا العهد لما دعا المهدي إلى أمره في قومه من المصامدة بجبال درن ، وكان
أصل دعوته نفي التجسيم الذى آل إليه مذهب أهل المغرب باعتمادهم ترك التأويل
في المتشابه من الشريعة ، وصرح بتكفير من أبى ذلك ، أخذاً بمذهب التكفير
بالمآل، فسمى لذلك دعوته بدعوة التوحيد وأتباعه بالموحدين ، نعياً على
الملثمين فإن مذاهبهم إلى اعتقاد الجسمية .
( 277 )
ـ وقال الدكتور حسن إبراهيم في تاريخ الاِسلام ج 4 ص 368
صرف ابن تومرت الناس عن اتباع مذهب السلف الذي قد يجر معتنقيه إلى
التشبيه والتجسيم . وابن تومرت في هذا الميدان العلمي يعتبر من الشخصيات
العلمية البارزة في التاريخ الاِسلامي .
وكثر الحشوية والمخلطون في العالم الاِسلامي
قال العلامة الاَرموي في منهاج الكرامة ص 6 : وقالت جماعة الحشوية والمشبهة :
إن الله تعالى جسم له طول وعرض وعمق ، وإنه يجوز عليه المصافحة ، وإن
الصالحين من المسلمين يعانقونه في الدنيا ، وحكى الكعبي عن بعضهم أنه كان
يجوز رؤيته في الدنيا وأنه يزورهم ويزورونه ، وحكى عن داود الظاهري أنه قال :
أعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك ، وقال : إن معبودهم له جسم
ولحم ودم وله جوارح وأعضاء كيد ورجل ولسان وعينين وأذنين ، وحكى أنه قال :
هو أجوف من أعلاه إلى صدره مصمت ما سوى ذلك ، وله شعر قطط . حتى قالوا :
اشتكت عيناه فعادته الملائكة ، وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه ، وأنه
يفضل من العرش من كل جانب أربع أصابع . وذهب بعضهم إلى أنه تعالى ينزل في
كل ليلة جمعة على شكل أمرد حسن الوجه راكباً على حمار ، حتى أن بعضهم
ببغداد وضع على سطح داره معلفاً يضع كل ليلة جمعة فيه شعيراً وتبناً لتجويز أن
ينزل الله على حماره على ذلك السطح فيشتغل الحمار بالاَكل ويشتغل الرب بالنداء،
ويقول : هل من تائب هل من مستغفر ، تعالى الله عن مثل ذلك .
. . . وحكى عن بعض المنقطعين التاركين من شيوخ الحشوية أنه اجتاز عليه في
بعض الاَيام نفاط ومعه أمرد حسن الوجه قطط الشعر على الصفات التي يصفون
ربهم بها ، فألح الشيخ بالنظر إليه وكرره وأكثر تصويبه إليه ، فتوهم فيه النفاط فجاء إليه
ليلاً فقال : أيها الشيخ رأيتك تلح بالنظر إلى هذا الغلام وقد أتيتك به فإن كان لك فيه
( 278 )
نية فأنت الحاكم ، فرد الشيخ عليه وقال : إنما كررت النظر إليه لاَن مذهبي أن الله
تعالى ينزل على صورة هذا الغلام ، فتوهمت أنه الله تعالى ! فقال له النفاط : ما أنا
عليه من النفاطة أجود مما أنت عليه من الزهد مع هذه المقالة . . . .
وأضاف الاَرموي : أقول : لا يسع المقام أكثر من ذلك وإلا لنقلنا أضعاف ما ذكرنا .
. . . . وقال الطبراني : حدثنا على بن سعيد الرازي حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي
حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن الضحاك عن ابن عباس قال : رأى محمد
ربه عز وجل في صورة شاب أمرد وبه قال ابن جريج .. عن صفوان بن سليم عن
عائشة قالت : رأى النبي ربه على صورة شاب جالس على كرسي رجله في خضرة
من لؤلؤ يتلاَلاَ !
* *