كتاب العقائد الاسلامية الجزء الرابع ، ص 345 ـ ص 352

تفسيرنا للآيتين الكريمتين

معنى الآيات :
قل لهم فليدعوا الذين يزعمون لكشف الضر عنهم ، فلا مجيب !! لأنهم في الحقيقة لا يدعون شيئاً !
ولكن المؤمنين هم الذين يدعون من هو أهلٌ لكشف الضر سبحانه ، فتراهم يبتغون اليه الوسيلة ، ويبحثون عن أقرب عباده اليه وسيلة فيتوسلون به اليه ، فيستجيب دعاءهم.
فـ ( أولئك ) في مطلع الآية الثانية استئنافٌ قصد به المؤمنون عبر التاريخ ، وقد مدحهم الله تعالى بدعائهم ربهم الحق ، وبتوسلهم بمن هو أقرب منهم اليه من عباده.. وذلك في مقابل المشركين الذين يدعون هباء ! ويتوسلون بما لم يأذن به الله !!
أما المفسرون السنيون فقد أرجعوا الضمير في أولئك الى المعبودين المزعومين من دون الله. وبعضهم كالجبائي أرجعه الى الأنبياء ، ولكنه وافقهم في أن ( أيهم أقرب ) صفة للمتوسلين لا للمتوسل بهم ، كما سيأتي.
وأما المفسرون الشيعة غير المحدثين ، فقد راعوا التفسير السني ، ولم يخرجوا عنه إلا قليلا.
قال الطوسي في تفسير التبيان : 6 | 490 :
ثم قال لنبيه : قل لهم ادعوا الذين زعمتم من دونه ، يعني الذين زعمتم أنهم أرباب وآلهة من دون الله ، ادعوهم إذا نزل بكم ضرر ، فانظروا هل يقدرون على دفع ذلك أم لا.
وقال ابن عباس والحسن : الذين من دونه ، الملائكة والمسيح وعزير.
وقال ابن مسعود : أراد به ماكانوا يعبدون من الجن : وقد أسلم أولئك النفر من الجن ، لأن جماعة من العرب كانوا يعبدون الجن ، فأسلم الجن وبقي الكفار على عبادتهم.


(335)

وقال أبو علي : رجع الى ذكر الأنبياء في الآية الأولى ، والتقدير أن الأنبياء يدعون الى الله يطلبون بذلك الزلفة لديه ويتوسلون به اليه والى رضوانه وثوابه ، أيهم كان أفضل عند الله ، وأشد تقرباً اليه بالأعمال.
ثم قال : فلا يملكون ، يعني الذين تدعون من دون الله ، كشف الضر ، والبلاء عنكم ، ولا تحويله الى سواكم.
ثم قال : أولئك الذين يدعون يبتغون... أولئك : رفع بالابتداء ، والذين ، صفة لهم ويبتغون الى ربهم خبر الابتداء ، والمعنى الجماعة الذين يدعون يبتغون الى ربهم.
أيهم رفع بالابتداء ، وأقرب خبره. والمعنى يطلبون الوسيلة ينظرون أيهم أقرب فيتوسلون به ، ذكره الزجاج.
وقال قوم : الوسيلة هي القربة والزلفة.
وقال الزجاج : الوسيلة والسؤال والسؤل والطلبة واحد ، والمعنى أن هؤلاء المشركين يدعون هؤلاء الذين اعتقدوا فيهم أنهم أرباب ، ويبتغي المدعوون أرباباً الى ربهم القربة والزلفة ، لأنهم أهل إيمان به.
والمشركون بالله يعبدونهم من دون الله ، أيهم أقرب عند الله بصالح أعماله واجتهاده في عبادته ، فهم يرجون بأفعالهم رحمته ويخافون عذابه بخلافهم إياه.انتهى.
وقد اقتصر الشيخ الطوسي على ذكر أقوال السنيين ، كما رأيت.
وأما الطبرسي في مجمع البيان : 6 | 422 ، فقد مال الى قول أبي علي الجبائي ، فقال : ثم قال سبحانه لنبيه ( ص ) :
قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله : أدعوا الذين زعمتم من دونه أنهم آلهة عند ضر ينزل بكم ليكشفوا ذلك عنكم أو يحولوا تلك الحالة الى حالة أخرى.
فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ، للحالة التي تكرهونها الى حالة تحبونها يعني تحويل حال القحط الى الخصب والفقر الىالغنى والمرض الى الصحة.


(336)

وقيل معناه لا يملكون تحويل الضر عنكم الى غيركم ، بين سبحانه أن من كان بهذه الصفة فانه لايصلح للالهية ، ولا يستحق العبادة.
والمراد بالذين من دونه الملائكة والمسيح وعزير عن ابن عباس والحسن.
وقيل هم الجن ، لأن قوماً من العرب كانوا يعبدون الجن عن ابن مسعود ، قال وأسلم أولئك النفر من الجن وبقي الكفار على عبادتهم.
قال الجبائي : ثم رجع سبحانه الى ذكر الأنبياء في الآية الاولى فقال : أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ، ومعناه أولئك الذين يدعون الى الله تعالى ويطلبون القربة اليه بفعل الطاعات.
أيهم أقرب ، أي ليظهر أيهم الأفضل والأقرب منزلة منه.
وتأويله أن الأنبياء مع علو رتبهم وشرف منزلتهم إذا لم يعبدوا غير الله ، فأنتم أولى أن لا تعبدوا غير الله. وإنما ذكر ذلك حثاً على الاقتداء بهم.
وقيل إن معناه أولئك الذين يدعون ويعبدونهم ويعتقدون أنهم آلهة من المسيح والملائكة يبتغون الوسيلة والقربة الى الله تعالى بعبادتهم ، ويجتهد كل منهم ليكون أقرب من رحمته ، أو يطلب كل منهم أن يعلم أيهم أقرب الى رحمته أو الى الاجابة ، ويرجون رحمته ويخافون عذابه ، أي وهم مع ذلك يستغفرون لأنفسهم فيرجون رحمته إن أطاعوه ويخافون عذابه إن عصو ، ويعلمون عمل العبيد. انتهى.
ومع أنه رحمه الله مال الى تفسير الجبائي ، ولكنه لم يخرج عن التفسير الأساسي للمفسرين السنيين ، ولم يبحث النسبة بين الآية وبين أحاديث أهل البيت عليهم السلام الصحيحة التي تنص على أن الوسيلة للناس جميعاً هم محمد وآله صلى الله عليهم.
وأما الطباطبائي فقد ذكر أقوال المفسرين السنيين في الآية ، ولم يجزم بشيء منها ! قال في تفسير الميزان : 13 | 130 :
قوله تعالى : أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ، الى آخر الآية.


(337)

أولئك مبتدأ ، والذين صفة له ، ويدعون صلته ضميره عائد الى المشركين. ويبتغون خبر أولئك ، وضميره وسائر ضمائر الجمع الى آخر الآية راجعة الى أولئك.
وقوله : أيهم أقرب ، بيان لابتغاء الوسيلة لكون الابتغاء فحصاً وسؤالا في المعنى. هذا ما يعطيه السياق.
والوسيلة على ما فسروه هي التوصل والتقرب ، وربما استعملت بمعنى ما به التوصل والتقرب ، ولعله هو الأنسب بالسياق بالنظر الى تعقيبه بقوله : أيهم أقرب. والمعنى والله أعلم :
أولئك الذين يدعوهم المشركون من الملائكة والجن والانس يطلبون ما يتقربون به الى ربهم يستعلمون.
أيهم أقرب : حتى يسلكوا سبيله ويقتدوا بأعماله ليتقربوا اليه تعالى كتقربه .ويرجون رحمته ، من كل ما يستمدون به في وجودهم.
ويخافون عذابه فيطيعونه ولا يعصونه.
إن عذاب ربك كان محذورا. يجب التحرز منه والتوسل الى الله ببعض المقربين اليه ، على ما في الآية الكريمة ، قريب من قوله : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة ، غير ما يرومه المشركون من الوثنيين ، فإنهم يتوسلون الى الله ويتقربون بالملائكة الكرام والجن والأولياء من الانس ، فيتركون عبادته تعالى ولا يرجونه ولا يخافونه ، وإنما يعبدون الوسيلة ويرجون رحمته ويخافون سخطه ثم يتوسلون الى هؤلاء الأرباب والآلهة بالأصنام والتماثيل فيتركونهم ويعبدون الأصنام ، ويتقربون اليهم بالقرابين والذبائح.
وبالجملة ، يدعون التقرب الى الله ببعض عباده أو أصنام خلقه ، ثم لا يعبدون إلا الوسيلة مستقلة بذلك ، ويرجونها ويخافونها مستقلة بذلك من دون الله ، فيشركون بإعطاء الاستقلال لها في الربوبية والعبادة.
والمراد بأولئك الذين يدعون : إن كان هو الملائكة الكرام والصلحاء المقربون من الجن والأنبياء والأولياء من الانس ، كان المراد من ابتغائهم الوسيلة ورجاء الرحمة


(338)

وخوف العذاب ظاهره المتبادر.
وإن كان المراد بهم أعم من ذلك حتى يشمل من كانوا يعبدونه من مردة الشياطين وفسقة الانسان كفرعون ونمرود وغيرهما ، كان المراد بابتغائهم الوسيلة اليه تعالى ما ذكر من خضوعهم وسجودهم وتسبيحهم التكويني ( ! )
وكذا المراد من رجائهم وخوفهم لذواتهم. انتهى.
ثم ذكر صاحب الميزان رحمه الله وجوهاً أخرى في رجوع الضمائر ولم يتبن منها شيئاً !

تفسير السنيين للآيتين الكريمتين

قال المحدثون والمفسرون السنيون إن المقصود ب ( أولئك ) في الآية ، المعبودون المزعومون من دون الله الذين يؤلههم بعض الناس ، فالمعبودون مؤمنون يعبدون الله تعالى ويبتغون اليه الوسيلة... وعابدوهم مشركون.
ورووا عن ابن مسعود وابن عباس أن هؤلاء المعبودين من مؤمني الجن ، أو الملائكة ، أو أنهم المسيح وعزير والشمس والقمر !
قال البخاري في صحيحه : 5 | 227 :
عن أبي معمر عن عبد الله ( ابن مسعود ) : الى ربهم الوسيلة ، قال : كان ناس من الانس يعبدون ناسا من الجن ، فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم. زاد الاشجعي : عن سفيان عن الأعمش : قل ادعوا الذين زعمتم.
باب أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة.. الآية :
عن أبي معمر عن عبدالله رضي الله عنه في هذه الآية : الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ، قال : ناس من الجن يعبدون ، فأسلموا.
ورواه مسلم : 8 | 244 ، عن عبد الله أيضاً ، وفيه قال : كان نفرٌ من الإنس يعبدون نفراً من الجن ، فأسلم النفر من الجن ، واستمسك الإنس بعبادتهم فنزلت : أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة.
ورواه الحاكم بنحوه : 2 | 362 ، عن عبد الله أيضاً.


(339)

وقال السيوطي في الدر المنثور : 4 | 189 :
أخرج عبدالرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، والبخاري ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله : قل ادعوا الذين زعتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ، قال : كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن فأسلم النفر من الجن وتمسك الإنسيون بعبادتهم ، فأنزل الله : أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة. كلاهما بالياء.
وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، معاً في الدلائل ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن ، فأسلم الجنيون والنفر من العرب لا يشعرون ذلك.
وقال في الدر المنثور : 4 | 190 :
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان قبائل من العرب يعبدون صنفاً من الملائكة يقال لهم الجن ، ويقولون هم بنات الله ، فأنزل الله : أولئك الذين يدعون.. الآية.
وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيراً.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : فلا يملكون كشف الضر عنكم ، قال : عيسى وأمه وعزير.
وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : أولئك الذين يدعون ، قال : هم عيسى وعزير والشمس والقمر. انتهى.
وقال الفخر الرازي في تفسيره : 20 | 231 :
فنقول : إن قوماً عبدوا الملائكة فنزلت هذه الآية فيهم.


(340)

وقيل إنها نزلت في الذين عبدوا المسيح وعزيراً.
وقيل إن قوماً عبدوا نفراً من الجن فأسلم النفر من الجن ، فبقي أولئك من الناس متمسكين بعبادتهم ، فنزلت هذه الآية. انتهى.
وعلى هذا المنوال نسج المفسرون الباقون.. ومنهم ابن تيمية ، الذي أهمل كغيره أن الآية في مدح المتوسلين ، وأخذ منها ذم الذين الذين عبدوا المتوسلين !
قال في رسالة فتيا في نية السفر | 430 :
فالآية تتناول كل من دعا من دون الله من هو صالح عند الله من الملائكة والإنس والجن ! قال تعالى : هؤلاء الذين دعوتموهم لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ، إن عذاب ربك كان محذورا.
قال أبو محمد عبد الحق بن عطية في تفسيره : أخبر الله تعالى أن هؤلاء المعبودين يطلبون التقرب اليه والتزلف اليه ، وأن هذه حقيقة حالهم ، والضمير في ربهم للمبتغين أو للجميع ، والوسيلة هي القربة ، وسبب الوصول الى البغية ، وتوسل الرجل إذا طلب الدنو والنيل لأمر ما ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم من سأل الله لي الوسيلة.. الحديث.
وهذا الذي ذكره ذكر سائر المفسرين نحوه ، إلا أنه برز به على غيره فقال : وأيهم ابتداء وخبره أقرب ، وأولئك يراد بهم المعبودون ، وهو ابتداء وخبره يبتغون. والضمير في يدعون للكفار ، وفي يبتغون للمعبودين ، والتقدير نظرهم وذكرهم أيهم أقرب !! وهذا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث الراية بخيبر فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ؟ أي يتبارون في طلب القرب !!
قال رحمه الله : وطفف الزجاج في هذا الموضع فتأمله.
ولقد صدق في ذلك فإن الزجاج ذكر في قوله أيهم أقرب وجهين كلاهما في غاية الفساد. وقد ذكر ذلك عنه ابن الجوزي وغيره ، وتابعه المهدوي والبغوي وغيرهما ،


(341)

ولكن ابن عطية كان أقعد بالعربية والمعاني من هؤلاء وأخبر بمذهب سيبويه والبصريين ، فعرف تطفيف الزجاج مع علمه رحمه الله بالعربية وسبقه ومعرفته بما يعرفه من المعاني والبيان ! وأولئك لهم براعة وفضيلة في أمور يبرزون فيها على ابن عطية ، لكن دلالة الألفاظ من جهة العربية هو بها أخبر ، وإن كانوا هم أخبر بشيء آخر من المنقولات أو غيرها !!
وقد بين سبحانه وتعالى أن المسيح وإن كان رسولاً كريماً فإنه عبد الله ، فمن عبده فقد عبد ما لا ينفعه ولا يضره !
قال تعالى : لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم ، وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ، إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ، وما للظالمين من أنصار. انتهى.

مناقشة تفسيرهم للآيات

يلاحظ على تفسيرهم للآيات :
أولاً : أنهم ابتعدوا عن سياق الآية ومصبها ، وهو المقابلة بين المشركين الذين يدعون من يزعمون ، وبين المؤمنين الذين يدعون ربهم ويبتغون اليه الوسيلة !!
فقد قال سبحانه لرسوله ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ).
ثم مدح الذين يقابلونهم فقال ( أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه )...
فالسياق تحدٍ للمشركين بأن آلهتهم المزعومة لا تستطيع أن تكشف الضر عنهم وأنهم بالحقيقة لايدعون من دون الله شيئاً ، بل أوهاماً..
ثم قابلهم بالذين يدعون الله تعالى ويتوسلون اليه ، فهؤلاء الذين يدعون الحق بحق ، وعبر عنهم بأولئك تعظيماً لهم.


(342)

وبذلك تتم المقابلة وتكون ( أولئك ) استئنافاً جديداً تاماً ، والضمير فيها للشأن ، ولا ربط له بالآية السابقة ، حتى يعود على شيء منها ، كما تمحلوا !!
أما هم فقد جعل التقابل بين المشركين وبين بعض من يعبدونهم من الأنبياء.. وهو تقابلٌ ضعيفٌ بعيدٌ !! لو سلم من الاشكالات لا يتبادر الى الذهن.
وقول الجبائي إن المقصود ب ( أولئك ) هم الأنبياء المذكورون في الآية السابقة ، أقرب من أقوالهم الى الصحة ، ولكن لفظ ( أولئك ) مطلقٌ شاملٌ لكل العابدين لله ، ولا دليل على حصره بالأنبياء عليهم السلام ، وإن كانوا سادتهم.
ثانياً : إرجاعهم ضمير ( أولئك ) الى المعبودين المزعومين من دون الله خلاف الظاهر ، لأن ضمير هؤلاء المزعومين خفي ، والضمير البارز فيها ضمير العابدين المخاطبين ، فلو كان يريد المزعومين لقال ( أولئك الذين تدعونهم أو تزعمونهم ) أو ذكر إشارةً تدل على قصدهم ، وعدم قصد العابدين المخاطبين !
ثالثاً : أن المعبودين المزعومين فيهم الصالح والطالح والجماد ، ففيهم الأنبياء مثل عزير وعيسى ، وفيهم الملائكة والجن ، والشمس والقمر والنجوم والأصنام ، وبقية المعبودات.. وصفات المدح لـ ( أولئك ) تمنع رجوع الضمير الى المعبودين جميعاً ! وكيف يصح عود الضمير على بعض العام المعهود بدون قرينة ؟!
ولعمري إن هذا الضعف في إرجاع الضمائر لا وجود له في القرآن ، ولا في كلام فصحاء العرب !! وهو كاف لتضعيف ما روي عن ابن مسعود وغيره !
رابعاً : ما رووه عن ابن مسعود وغيره من أن قوماً من العرب كانوا يعبدون الجن فآمن الجن وبقي عبَّادهم مشركين.. الخ.. فنزلت الآية..
هذه الوجوه ليست حديثاً بل هي أقوالٌ لو تم سندها لبقي تعارضها !
ولو سلمنا ارتفاع تعارضها ، فهي سببٌ لنزول الآية لا أكثر ، والسبب الخاص لا يخصص الوارد العام ، وصيغة الآية عامة ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه.. ) وهو يشمل كل الذين زعموا ، فلا مبرر لتخصيصها ببعضهم !


(343)

خامساً : إن ضمير العاقل في ( أيهم أقرب ) ينقض تفسيرهم ، فقد جعلوا أيهم بدل جزء من كل من الفاعل ، ليبعدوه عن المتوسل بهم ويجعلوه صفةً للمتوسلين ، فصار المعنى عندهم : يبتغي الوسيلة منهم من كان أقرب وسيلةً الى ربه ، فكيف بالأبعد وسيلة !!
وذلك كمن يقول ( أولئك يقاتلون عدوهم حقاً أيهم أشجع من غيره ! ) ويقصد القائل أن الأشجع منهم يقاتل ، فكيف بالأضعف !! وهو كلام بعيدٌ عن البلاغة بل عن الفصاحة حتى في كلام المخلوقين ، فكيف نسبوه الى كلام الخالق سبحانه ؟!!
ولعل هذا هو السبب في أن بعض مفسريهم كالفخر الرازي هرب من تفسير ( أيهم أقرب ) ومر عنها كأنها لا وجود لها !!
سادساً : أن ضمير ( أيهم ) يعود على ( أولئك ) وما داموا أرجعوا ضمير أولئك على المعبودين المزعومين ، فيجب أن يرجعوا ضمير أيهم اليهم !
فيكون المعنى عندهم : أن المتوسل بهم الممدوحين هم من بين المعبودين المزعومين ، فيكون التوسل بالإشخاص ممدوحاً ، ويكون منحصراً بالأنبياء المعبودين كعيسى وعزيراً ! وهذا خلاف مذهبهم !!
سابعاً : أن فعل ( يبتغون ) ينقض تفسيرهم ، لأنه يدل على البحث والتحري ، ويطلب مفعولاً ! و( أيهم أقرب ) هو أقرب مفعول اليه ، فحق ( أي ) أن تكون منصوبة على المفعولية ، لا مرفوعة بدلاً عن الفاعل بدل جزء من كل كما زعموا !
ولكنهم أغمضوا عيونهم عن ( يبتغون ) وتركوها بلا مفعول ، ليحصروا التوسل بالأعمال دون الذوات !!
وهكذا.. يتضح لك أن التفسير الذي قدمناه هو الوحيد الخالي عن الإشكال.. وهو نصٌّ في مشروعية التوسل بالأشخاص الأقرب وسيلة الى ربهم ، وأنه من صفات المؤمنين عبر التاريخ وسيرتهم.. وهذا إقرارٌ شرعي له في الإسلام.


(344)

وهو يتفق مع أحاديثنا الصحيحة التي تنص على أن الله تعالى جعل الوسيلة اليه في هذه الأمة بل قبلها ، محمداً وآله صلى الله عليهم.

علي أقرب الخلق وسيلة الى الله

أقرب الخلق وسيلة الى الله تعالى هو سيد المرسلين محمدٌ ، ومعه آله الذين أمرنا بالصلاة عليهم معه ، صلى الله عليه وعليهم.
ولذلك لا تجد في جميع مصادر الحديث السنية والشيعية أن النبي صلى الله عليه وآله وصف أحداً بأنه أقرب الخلق وسيلةً الى الله تعالى بعده ، إلا علياً عليه السلام ، وهي حقيقةٌ مهمة شاء الله تعالى أن ترويها عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله !!
قال القاضي النعمان في شرح الأخبار : 1| 141 :
عن مسروق ، قال : دخلت على عائشة فقالت لي : يا مسروق : إنك من أبرِّ ولدي بي ، وإني أسألك عن شيء فأخبرني به.
فقلت : سلي يا أماه عما شئت.
قالت : المخدج من قتله ؟
قلت : علي بن أبي طالب عليه السلام.
قالت : وأين قتله ؟
قلت على نهر يقال لأعلاه تامرا ، ولأسفله النهروان بين أحافيف ( أخافيق ) وطرق .
فقالت : لعن الله فلاناً ، تعني عمرو بن العاص فإنه أخبرني أنه قتله على نيل مصر !
قال مسروق : يا أماه فإني أسألك بحق الله وبحق رسوله وبحقي فإني ابنك ، لما أخبرتني بما سمعت من رسول الله فيهم.
قالت : سمعته يقول فيهم ( أهل النهروان ) : هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وأقربهم الى الله وسيلة.


(345)

قال مسروق : وكان الناس يومئذ أخماساً ، فأتيتها بخمسين رجلاً عشرة من كل خمس ، فشهدوا لها أن علياً قتله !!
وقال في هامشه :
وفي المناقب لابن شهر آشوب 3 | 67 : عن الدارمي بإسناده عن الأصبغ بن نباتة وعن جميع التميمي كليهما عن عائشة : أنها لما روت هذا الخبر ، قيل لها : فلم حاربتيه ؟ قالت : ما حاربته من ذات نفسي إلا حملني طلحة والزبير. وفي رواية : أمرٌ قدر وقضاءٌ غلب.
وذكر فضل بن شاذان المتوفي 260 هـ في الإيضاح | 86 : عن أبي خالد الأحمر عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : لعن الله عمرو بن العاص ما أكذبه ! لقوله : أنه قتل ذا الثدية بمصر.
وروى البحراني في غاية المرام | 451 الباب الأول الحديث 21 نقلاً من كتاب صفين للمدائني عن مسروق : أن عائشة قالت له ـ لما عرفت ـ : من قتل ذي الثدية ؟ لعن الله عمرو بن العاص ، فإنه كتب إليَّ يخبرني أنه قتله بالاسكندرية ، إلا أنه ليس يمنعني ما في نفسي أن أقول ما سمعته من رسول الله ، سمعته يقول : يقتله خير أمتي من بعدي.
ورواه في شرح الأخبار : 1 | 430 ، وفي هامشه :
رواه ابن المغازلي في المناقب | 55
عن أحمد بن محمد بن عبدالوهاب بن طاوان ، عن الحسين بن محمد العلوي ، عن أحمد بن محمد الجواربي ، عن أحمد بن حازم ، عن سهل بن عامر البجلي ، عن أبي خالد الأحمر ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قالت عائشة : يا مسروق إنك من ولدي ، وإنك من أحبهم إليّ ، فهل عندك علم من المخدج ؟
قال قلت : نعم ، قتله علي بن أبي طالب على نهر يقال لأعلاه تامرا ولأسفله النهروان ، بين أحفاق وطرفاء.


(346)

قالت : إبغني على ذلك بينة ، فأتيتها بخمسين رجلاً من كل خمسين بعشرة ـ وكان الناس إذ ذاك أخماساً ـ يشهدون أن علياً عليه السلام قتله على نهر يقال لأعلاه تأمرا ولأسفله النهروان بين أخفاق وطرقاء.
فقلت : يا أمه ، أسألك بالله وبحق رسول الله وبحقي فإني من ولدك ، أي شيء سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيه ؟
قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : هم شر الخلق والخليقة ، يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وأقربهم الى الله وسيلة. انتهى.
ورواه في شرح الأخبار : 2 | 59 ، وفيه :
قال : ثم ذكرت لها أن علياً عليه السلام استخرج ذا الثدية من قتلى أهل النهروان الذين قتلهم ، فقالت : أذا أتيت الكوفة فاكتب إليّ بأسماء من شهد ذلك ممن يعرف من أهل البلد.
قال : فلما قدمت الكوفة ، وجدت الناس أسباعاً ، فكتبت من كل سبع عشرة ممن شهد ذلك ممن نعرفه ، فأتيتها بشهادتهم.
فقالت : لعن الله عمرو بن العاص ، فإنه زعم هو قتله على نيل مصر. انتهى.
وقال المفيد في الارشاد : 1 | 317 :
وقال عليه السلام وهو متوجه الى قتال الخوارج : لولا أني أخاف أن تتكلوا وتتركوا العمل لأخبرتكم بما قضاه الله على لسان نبيه فيمن قاتل هؤلاء القوم مستبصراً بضلالتهم. وإن فيهم لرجلاً مودون اليد له ثدي كثدي المرأة ، وهم شر الخلق والخليقة وقاتلهم أقرب خلق الله الى الله وسيلة.
ولم يكن المخدج معروفاً في القوم ، فلما قتلوا جعل عليه السلام يطلبه في القتلى ويقول : والله ما كذبت ولا كذبت ! حتى وجد في القوم وشق قميصه ، وكان على كتفه سلعة كثدي المرأة عليها شعرات ، إذا جذبت انجذبت كتفه معها ، وإذا تركت رجع كتفه الى موضعه ، فلما وجده كبَّر وقال : إن في هذا لعبرةً لمن استبصر.


(347)

وفي بحار الأنوار : 38 | 9 :
تاريخ الخطيب : روى الأعمش ، عن عدي ، عن زر ، عن عبيدالله ، عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من لم يقل علي خير البشر فقد كفر.
وعنه في التاريخ بالاسناد عن علقمة عن عبدالله قال : رسول الله صلى الله عليه وآله : خير رجالكم علي بن أبي طالب ، وخير شبابكم الحسن والحسين ، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد. الطبريان في الولاية والمناقب بإسنادهما الى مسروق عن عائشة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم الى الله وسيلة. أي المخدج وأصحابه.
وفي هامش اختيار معرفة الرجال : 1| 239 :
ومن المتفق عليه لدى الجميع أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في المخدج ذي الثدية : يقتله خير الخلق والخليفة.
وفي رواية يقتله خير هذه الأمة ، وفي روايات جمة عن عائشة قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : هم ـ أي المخدج وأصحابه ـ شر الخلق والخليقة ، يقتله خير الخلق والخليقة ، وأقربهم الى الله وسيلة.
رواه الحافظ نور الدين في مجمع الزوائد 6 | 239 ، راجع في ذلك :
إحقاق الحق : 8 | 475 ـ 522 ، ومسلم في صحيحه 3 | 112 طبعة محمد علي ، وأحمد بن حنبل في مسنده 3 |56 ، والبخاري في صحيحه 4 | 200 الطبعة الأميرية ، والنسائي في الخصائص : 43 طبعة مصر.
ومن طرق عديدة عنها عنه صلى الله عليه وآله ، هم شر الخلق والخليقة يقتلهم سيد الخلق والخليقة ، وفي أخبار كثيرة أنه صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام : وإنك أنت قاتله يا علي.
ثم قد أطبقت الأمة على أن علياً عليه السلام قد قتله يوم النهروان ، وأخبر الناس بذلك ، وقد كان عليه السلام يخبر به وبصفته من قبل ، ثم استخرجه من تحت القتلى فوجدوه على ما كان يذكر فيه من صفته ، فكبر الله وقال : صدق الله ورسوله وبلغ رسوله.


(348)

وفي صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من صحاحهم أن النبي صلى الله عليه وآله قال فيه : إن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرؤون الكتاب لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، يخرجون على خير فرقة من الناس.
وكان أبو سعيد الخدري يقول : أشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وقتلهم وأنا معه ، ثم من بعد القتال استخرجوا من بين القتلى من هذه صفته فجاؤوا به اليه ، فشاهدت فيه تلك الصفات. انتهى.

الترابط بين الوسيلة والوصية

في بصائر الدرجات | 216 :
حدثنا أبو الفضل العلوي قال : حدثني سعيد بن عيسى الكربزي البصري ، عن ابراهيم بن الحكم بن ظهير ، عن أبيه ، عن شريك بن عبد الله ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن أبي تمام ، عن سلمان الفارسي رحمه الله ، عن أمير المؤمنين عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى : قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ، فقال : أنا هو الذي عنده علم الكتاب ، وقد صدقه الله وأعطاه. والوسيلة في الوصية ولا تخلو أمةٌ من وسيلة الى الله ، فقال : يا أيها الذين آمنو اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة.

الشيعة وسيلة الى الله يوم القيامة

في علل الشرائع : 2 | 564 :
باب العلة التي من أجلها يكره تكليف المخالفين للحوائج :
حدثنا أبي قال : حدثنا أحمد بن ادريس ، عن حنان ، قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لا تسألوهم فتكلفونا قضاء حوائجهم يوم القيامة.
وبهذا الاسناد قال : قال أبو جعفر عليه السلام : لا تسألوهم الحوائج ، فتكونوا لهم الوسيلة الى رسول الله يوم القيامة. انتهى. ورواه في بحار الأنوار : 8 | 55


(349)

ما ورد في مصادرهم من تشويش على الأحاديث المتقدمة
وفي مقابل رواية عائشة عن شهادة النبي صلى الله عليه وآله في حق علي عليه السلام نلاحظ وجود رواية أكثرت من نقلها المصادر السنية ، تصف عبد الله بن مسعود بأنه أقرب الناس أو من أقربهم وسيلة الى الله !
ولكنها والحمد لله ليست رواية عن النبي صلى الله عليه وآله ، بل عن حذيفة !!
وحتى لو صحت عن حذيفة وفسرناها بأي تفسير ، فهي لا ترقى الى معارضة حديث عائشة وغيرها في علي عليه السلام.
وإذا أحسنا الظن بهذه الرواية فهي تدل على أن مصطلح ( الأقرب وسيلة الى الله تعالى ) كان معروفاً بين المسلمين من عصر الرسول صلى الله عليه وآله ، وأن حذيفة أو واضع الحديث على لسانه ، أراد أن يمدح به عبد الله بن مسعود.
وإن أسأنا الظن بها قلنا إنها محاولةٌ للتعتيم على الحديث النبوي البليغ في علي عليه السلام ، وإعطاء هذه الصفة لعبد الله بن مسعود ! وطالما فعلوا ذلك !
روى أحمد في مسنده : 5 | 394 :
عن شقيق قال كنت قاعداً مع حذيفة فأقبل عبدالله بن مسعود ، فقال حذيفة : إن أشبه الناس هدياً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من حين يخرج من بيته حتى يرجع ، فلا أدري ما يصنع في أهله كعبد الله بن مسعود. والله لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله من أقربهم عند الله وسيلةً يوم القيامة.
وروى نحوه الحاكم في : 2 | 312 ، ورواه في : 3 | 315 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى.
ومن الملفت في الموضوع أن الراوي نفى العبارة التي فيها الوسيلة من النص وقال إنه لم يسمعها من عبد الرحمن بن يزيد !
وأن عبد الله بن مسعود كان قصيراً صغير الجثة جداً !! فكيف يكون شبيهاً سمتاً ودلاً بالنبي صلى الله عليه وآله.


(350)

قال أحمد في مسنده : 5 | 395 :
ولم نسمع هذا من عبد الرحمن بن يزيد لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد من أقربهم الى الله عز وجل وسيلة !!
وفي الغدير : 9 | 9 :
أخرج الترمذي بإسناد رجاله ثقات ، من طريق حذيفة بن اليمان : أن أشبه الناس هدياً ودلاً وسمتاً بمحمد صلى الله عليه وسلم عبد الله.
وفي لفظ البخاري : ما أعرف أحداً أقرب سمتاً وهدياً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد.
وزاد الترمذي : ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابن ام عبد أقربهم الى الله زلفى.
وفي لفظ أبي نعيم : أنه من أقربهم وسيلة يوم القيامة.
وفي لفظ أبي عمر : سمع حذيفة يحلف بالله ما أعلم أحداً أشبه دلاً وهدياً برسول الله من حين يخرج من بيته الى أن يرجع اليه من عبدالله بن مسعود ، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه من أقربهم وسيلة الى الله يوم القيامة.
وفي لفظ علقمة : كان يشبه بالنبي في هديه ودله وسمته.
راجع صحيح البخاري كتاب المناقب. مسند أحمد 5 : 389 ، المستدرك 3 : 315 ، 320
حلية الأولياء 1 : 126 ، 127 ،
الإستيعاب 1 : 372 ،
مصابيح السنة 2 : 283 ،
صفة الصفوة 1 : 156 ، 158 ،
تاريخ ابن كثير 2 : 162 ،
تيسير الوصول 3 : 297



(351)

الإصابة 2 : 369 ،
كنز العمال 7 : 55. انتهى.
وقد ذكرنا أن هذا النص حتى لو صح عن حذيفة ، فهو لا يصلح معارضاً ولا مقللاً من قيمة الحديث الشريف الذي روته عائشة وغيرها في أن علياً عليه السلام أقرب الخلق وسيلةً الى الله بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.

**


آيات مؤيدة لآيات التوسل :

وردت آيات متعددة في طلب المؤمنين من الأنبياء عليهم السلام أن يتوسطوا لهم عند الله تعالى ، ويدعوه لهم بالمغفرة وبالخير.. وهذا نوعٌ من التوسيط يدل على أن باب الطلب من الله تعالى بواسطة الغير أمرٌ طبيعي في دين الله تعالى وشرائعه !
وأنه لو كان التوسيط منافياً للتوحيد كما يزعم ابن تيمية ، لوجب أن يطلب كل إنسان لنفسه بنفسه مباشرة ، ووجب تحريم كل طلب من الله تعالى بواسطة !! إذ لا فرق في أصل الواسطة بين التوسط والتوسل بدعاء الغير ، وبين أنواع التوسيط الأخرى !
منها ، قوله تعالى :
قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين. قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم. يوسف ـ 98
وروى الصدوق في علل الشرائع : 1| 54 :
حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم قال : أخبرنا المنذر بن محمد قال : حدثنا اسماعيل بن ابراهيم الخزاز ، عن اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : قلت لجعفر بن محمد عليه السلام : أخبرني عن يعقوب لما قال له بنوه : يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ، قال سوف أستغفر لكم ربي ، فأخر الاستغفار لهم.


(352)

ويوسف عليه السلام لما قالوا له : تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين ؟ قال : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.
قال : لأن قلب الشاب أرق من قلب الشيخ ، وكانت جناية ولد يعقوب على يوسف ، وجنايتهم على يعقوب إنما كانت بجنايتهم على يوسف ، فبادر يوسف الى العفو عن حقه ، وأخر يعقوب العفو ، لأن عفوه إنما كان عن حق غيره ، فأخرهم الى السحر ليلة الجمعة. ورواه وغيره في تفسير نور الثقلين : 2 | 465
وفي تفسير التبيان : 6 | 195 :
وروي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : أخرهم الى ليلة الجمعة. وقال ابن مسعود وابراهيم التيمي ، وابن جريج وعمر وبن قيس : إنه أخرهم الى السحر ، لأنه أقرب الى إجابة الدعاء. انتهى.
وروى نحوه الترمذي في سننه : 5 |223 ، عن ابن عباس ، والحاكم : 1 | 316 ، والدر المنثور : 4 | 36 ، وكنز العمال : 2 | 59 ، وغيرها.
ومنها ، قوله تعالى :
ولما وقع عليهم الرجز قالوا ياموسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل. الأعراف ـ 134
وقد قبل موسى عليه السلام طلبهم ، ودعا الله لهم ، فدل ذلك قبوله على أنه طلبهم بواسطته أمرٌ مشروع ، الى آخر الآيات والأحاديث التي تدل على توسيط الغير الى الله تعالى.
**