( 28 )
دعد الكيالي

شاعرة فلسطينية ، كرست اعمالها الأدبية للنكبة ، وغنت لفلسطين في معظم شعرها . وفي عام 1946 م زارت مدينة النجف الأشرف ، ونظمت فيها قصيدة رائعة ، قرنت فيها بين ضيعة القدس ومأساة الطفوف ، مستلهمة من كربلاء صمود الحسين عليه السلام وتضحيته . وقد نشرت هذه القصيدة مؤخراً مجلة الموسم الفصلية في عددها الثالث عشر الصادر في عام 1413 هـ = 1992 م ، حيث تقول فيها :

يا فتاة العرب إبكــي واندبـي * يوم عاشوراء واستبكي ونوحــي
كربــلا أي مآس هجـت لـي * فغـدا قلبي كالطيـر الذبيــح..!
كربــلا أي دمـاء أهرقــت * فوق كثبانك يا مهد جروحــي.!
كربـلا يا آهة الشعــر ويـا * دمعة الفـن ويـا أنـة روحــي
جئت أسعــى بحنين ظامـئ * لثرى جدي تخفينــي مسحـوي
رحت أبكي بذهــول خاشـع * وأناجـي من بذيـاك الضريــح
جئت يا جــداه أسعـى وأنـا * مثل نسر تاعس الجـد العثــور
جئت يا جــداه أذري دمعـة * دمعة المظلم يدعـو وا ثبـوري .!
جئت أبكي وطناً ضاع ولــم * ار مـن يفديــه إلا بالشمور..!
كلهم يهتـف فليحيـى وقــد * صار واموتاه من أهل القبـور.!
ضاع من عرب وهم في لهوهم * يضربـون الطبل لا طبل النفير.!
ليتني يا جـد قدمــت ولـم * أر مسـرى جدنـا ملك اليهــود
ليتنــي يـا جد قدمت ولـم * أر قومـي عيشهم عيش العبيــد
يرتضـون الذل يا جد كـأن * لم تمت في ساحـة الحق الشهيد.!
مت حر الراي لم تخضع لما * يخفض الهامـة يـا خيـر الجدود
حرمــوك المـاء يا جد فلم * ينل الحرمان من عـزم الحديــد
قتلــوا ولدك يا جد فلــم * ينــل القتــل من البأس الشديد
كلهم كان شجاعــاً باسـلاً * لم يطـق صبــراً على ظلم يزيد
قتلوا ؟ لا . انهم أحيـاء فــي * جنة الخلـد بـأمـن وسـعــود
غلبوا ؟ لا إنهم لــم يغلبـوا * كيــف يا جد وهم أسد الأسود !!
إنهم قد نصــروا الحق وما * مات من مات فدى الحــق التليد
ليتنـا متنا فـدى أوطاننــا * ليـتـنــا لم نخـدر بالوعـود
ليتنــا يا جد ثرنا مثلمــا * ثرت قدماً بالضبــا لا بالقصيد.!
شـهـد الله بأنــي وأنــا * أبـدع الشعـر وأشـدو للخلــود


( 115 )

قد كرهـت الشعــر والنثر معـاً * وعشقت النار فـي جوف الحديد !
ليتنـي نــار عصوف تمحــق * الظلم والطغيان من هذا الـوجـود
ليتـنـــي قنـبـلــة ذريــة * فأريح الكون من شـر اليهــود.!
ليتنـي لكننــي يا جــد فــي * عزلتي يرهقنـي ثقــل القيــود

***

جئت أستوحي ضريحاً طاهــراً * وبقلبي ذكرة الماضــي الأسيف
وعلى خـدي دمــع ناطــق * بشجوني آه من دمع ذريــف.!
ثـم ودعـت وروحي ذاهــل * وعلى ثغري صدى الروح اللهيف
آه يا ذكــرى فـؤاد ذاب مـن * ضيعة القدس ومأساة الطفــوف
إيه يا من ألهمتنــي مبدئــي * إيه يا بنت الرزايا والصــروف
أفهمي الأعـراب أن الحــق لا * شيء يعليه سوى الحرب العنيـف


( 116 )

( 28 )
الرباب بنت امرئ القيس

الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن هبل بن عبد الله بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة ابن ثور بن كلب . هكذا ذكر نسبها ابن سعد في الطبقات (1) .
وقال السيد محسن الأمين في الأعيان نقلا عن نسمة السحر : الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن حليم بن خباب بن كلب الكلبية (2) .
وقال أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني : الرباب بنت امرئ القيس بن جابر بن كعب بن علي بن وبرة بن ثعلبة بن عمران بن الحاف بن قضاعة (3) .
واُمها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن مصادف بن حصن بن كعب . وفي الأغاني : امها هند بنت الربيع بن مسعود بن مروان بن حصين بن كعب بن عليم بن كليب (4) .
وهي زوجة سيد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليه . وقال أبو الفرج الأصفهاني : قال هشام بن الكلبي : كانت الرباب من خيار النساء وأفضلهن (5) .
____________
(1) الطبقات الكبرى : ترجمة الإمام الحسين عليه السلام المطبوعة في نشرة تراثنا 10 : 187 .
(2) أعيان الشيعة 6 : 449 .
(3) الأغاني 16 : 139 .
(4) الأغاني 16 : 139 .
(5) الأغاني 16 : 141 .

( 117 )

وفي أعيان الشيعة نقلا عن نسمة السحر : كانت الرباب من خيار النساء جمالاً وأدباً وعقلاً . أسلم أبوها في خلافة عمر ، وكان نصرانياً من عرب الشام ، فولاه عمر على قومه من قضاعة ، وما أمسى حتى خطب إليه علي بن أبي طالب عليه السلام ابنته الرباب لابنه الحسين عليه السلام فزوجه إياها (1) .
وفي الأغاني : خطب علي بناته له ولولديه الحسنين ، فقال : أنكحتك يا علي المحياة ابنتي ، وأنكحتك يا حسن سلمى ، وانحكتك يا حسين الرباب . فولدت الرباب للحسين سكينة عقيلة قريش وعبد الله الذي قتل يوم الطف واُمه تنظر إليه (2) .
وأحب الحسين عليه السلام زوجته الرباب حباً شديداً ، وكان معجباً بها يقول فيها الشعر ، وما قاله فيها وفي بنته سكينة :

لعمـرك انني لاُحـب داراً * تحل بهـا سكينة والربـاب
احبهمـا وأبذل جل مالـي * وليـس للائمـي فيها عتاب
ولست لهم وإن عتبوا مطيعا * حياتي أو يعليني التراب (3)

وفي تاج العروس : قال الحسين عليه السلام في الرباب :

أحـب لحبها زيـداً جميعاً * ونتلة كلها وبنـي الربـاب
أخـوالاً لهــا من آل لامٍ * أحبهم وطرّ بني جناب (4)

____________
(1) أعيان الشيعة 6 : 449 .
(2) الأغاني 16 : 141 ، جمهرة أنساب العرب : 457 .
(3) الأغاني 16 : 139 ، البداية والنهاية 8 : 209 ، تذكرة الخواص : 233 ، شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام 13 : 14 ، الفصول المهمة : 183 .
(4) تاج العروس 1 : 236 « ربب » .

( 118 )

ولما استشهد الحسين سلام الله عليه في أرض كربلاء وجدت عليه الرباب وجداً شديداً ، حتى أنها أقامت على قبره سنة كاملة ثم انصرفت (1) .
وفي تذكرة الخواص : أن الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين أخذت الرأس ووضعته في حجرها وقبلته وقالت :

واحسينـا فـلا نسيت حسينــاً * أقصـدتــه أسنــة الأعـداء
غـادروه بكربـلاء صـريعـاً * لا سقى الله جانبي كربـلاء (2)

ومما قالته في رثائه عليه السلام :

إن الذي كـان نوراً يستضاء به * بكربلاء قتيـل غيـر مدفــون
سبط النبي جــزاك الله صالحة * عنا وجنبت خسـران الموازيـن
قد كنت لـي جبلاً صعباً ألوذ به * وكنت تصحبنـا بالرحـم والدين
مــن لليتامـى ومن للسائلين * يغني ويؤوي إليه كـل مسكيــن
والله لا أبتغي صهراً بصهركم * حتى اُغيب بين الرمل والطين (3)

____________
(1) البداية والنهاية 8 : 209 .
(2) تذكرة الخواص 233 ، منتهى الآمال 1 : 463 .
(3) الأغاني 16 : 141 ، منتهى الآمال 1 : 335 ، أعلام النساء 1 : 439 .

( 119 )

وكان قد خطبها بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام خلق كثير من الاشراف ، فقالت : ما كنت لأتخذ حمواً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فو الله لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقف أبداً .
وقال الشيخ المامقاني في التنقيح يعتمد على روايتها غاية الاعتماد (1) .

***
____________
(1) تنقيح المقال 3 : 78 .
( 120 )

( 30 )
زينب الكبرى

بنت أمير المؤمنين وسيد الموحدين علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
اُمها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، الطهر الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام بنت فخر الاُمة وسيدها ونبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وهي الصديقة الصغرى ، عقيلة بني هاشم ، العالمة غير المعلمة ، والفهمة غير المفهمة ، عاقلة لبيبة جزلة ، وكانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضى وامها الزهراء سلام الله عليها . وامتازت بمحاسنها الكثيرة ، وأوصافها الجليلة ، وخصالها الحميدة ومفاخرها البارزة ، وفضائلها الطاهرة .
ولدت سلام الله عليها قبل وفاة جدها صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين ، وتزوجت من ابن عمها عبد الله بن جعفر ، فولدت له محمداً وعلياً وعباساًً واُم كلثوم وعوناً .
حدثت عن اُمها فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، وأسماء بنت عميس ، وروى عنها محمد بن عمرو ، وعطاء بن السائب ، وفاطمة بنت الحسين عليه السلام ، وجابر بن عبد الله الانصاري ، وعباد العامري .
عرفت سلام الله عليها بكثرة العبادة والتهجد ، شأنها في ذلك شأن أبيها وامها وجدها ، وشأن أهل البيت جميعاً عليهم السلام . وينقل عن الإمام زين العابدين عليه السلام قوله : « ما رأيت عمتي تصلي الليل من جلوس إلا ليلة الحادي عشر » . أي أنها سلام الله عليها ما تركت تهجدها وعبادتها المستحبة حتى


( 121 )

في تلك الليلة الحزينة التي فقدت فيها الأعزة والأحبة ، ولاقت ما لاقت في ذلك اليوم من مصائب . حتى أن الحسين عليه السلام عندما ودع عياله وداعه الأخير يوم عاشوراء قال لها : « يا اُختاه لا تنسيني في نافلة الليل » .
ولسنا بصدد ترجمة حياة السيدة زينب سلام الله عليها ، فإن ذلك خارج عن هدف وضع هذا الكتيب ، ويتطلب تأليف كتاب مستقل كما فعل غير واحد من الكتّاب . بل عرفنا بها سلام الله عليها طبقاً للمنهج الذي سرنا عليه ، وهو ايراد تعريف بسيط للشاعرة التي نوردها هنا .
وللعقيلة سلام الله عليها شأن أسمى من الشعر وأرفع من الأدب فهي العالمة غير المعلمة ، والتي تفسر القرآن الكريم لجماعة النسوة ، ولها مجلس خاص لتعليم الفقه . لكن مأساة كربلاء وما تلاها من مشاهد الحزن والأسى جعلتها تنفس عن آلامها برثاء أخيها الشهيد ، ولعلها كانت تستهدف بهذه المراثي غاية أهم من الرثاء ، وهي تعرية الظالمين والنيل منهم والتحريض عليهم .
قالت سلام الله عليها لما رأت رأس الحسين عليه السلام :

يا هلالاً لما استتم كمــالا * غاله خسفه فأبدى غروبــا
ما توهمت يا شقيـق فؤادي * كان هذا مقدراً مكتوبـا (1)

ولها عليها السلام في رثائه عليه السلام :

على الطــف السلام وساكنيه * وروح الله في تـلـك القبـاب
نفوس قدست في الأرض قدسا * وقد خلقت من النطف العـذاب
مضاجـع فتيـة عبدوا فناموا * هجوداً في الفدافـد والروابـي

____________
(1) زينب الكبرى : 110 .
( 122 )

علتهــم في مضاجعهـم كعـاب * بــاردان منـعـمـة رطــاب
وصيرت القبـور لهـم قصــورا * مناخـاً ذات أفنيـة رحــاب (1)

وقالت بعد خطبتها المشهورة في الكوفة :

ماذا تقولــون إذ قـال النبي لكم * ماذا صنعتــم وأنتم آخـر الاُمـم
بأهـل بيتي وأولادي وتكرمتــي * منهم اُسارى ومنهم ضرجوا بــدم
ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم * أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمـي
إني لأخشى عليكم أن يحل بكــم * مثل العذاب الذي أودى على إرم (2)

وقد نسبت مثل هذه الأبيات إلى احدى بنات عقيل بن أبي طالب .
وقالت سلام الله عليها بعد أن رأت رأس الحسين عليه السلام :

اتشهرونــا في البريــة عنوة * ووالدنــا أوحى إليــه جليــل
كفرتــم برب العرش ثم نبيـه * كأن لم يجئكم في الزمان رســول

____________
(1) أدب الطف 1 : 236 .
(2) أدب الطف 1 : 236 .

( 123 )

لحاكــم إله العرش يا شر أمة * لكم في لظى يوم المعاد عويل (1)

***
____________
الاحتجاج 2 : 31 .
( 124 )

( 31 )
السيدة سكينة (*)
بنت أبي عبد الله الإمام الحسين عليه السلام

أمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي القضاعي .
وهي الشريفة الطاهرة المطهرة ، والزهرة الباسمة الناظرة . كانت سيدة نساء عصرها ، وأحسنهن اخلاقاً . ذات بيان وفصاحة ، ولها السيرة الجميلة ، والكرم الوافر ، والعقل التام . تتصف بنبل الفعال ، وجميل الخصال ، وطيب الشمائل . وكانت ذات عبادة وزهد ، يقول عنها الإمام الحسين عليه السلام : « وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله ، فلا تصلح لرجل » .
وكان الامام الحسين عليه السلام يحبها حباً شديداً ، ويقول فيها وفي اُمها الرباب الشعر ، قال :

لعمرك اننــي لاحب داراً * تحل بها سكينــة والربـاب
أحبهمــا وابذل جل مالي * وليس للائمي فيهــا عتـاب

____________
* انظري ترجمتها في : ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام : 36 ، اُسد الغابة 5 : 521 ، الأعلام للزركلي 3 : 106 نقلاً عن ( المجد 438 ونسب قريش : 59 والمصارع : 272 وخطط مبارك 2 : 60 وفهرس دار الكتاب 8 : 252 ) أعلام النساء 2 : 202 ، أعيان الشيعة 7 : 254 ، الأغاني 16 : 165 ، أمالي الزجاج : 169 ، بحار الانوار 10 : 223 ، البداية والنهاية 8 : 210 ، تاريخ الخميس 1 : 300 تظلم الزهراء ( ع ) : 224 ، تنقيح المقال 3 : 80 ، جنة المأوى : 232 ، رياحين الشريعة 3 : 256 ، رياض العلماء 5 : 410 ، شذرات الذهب 1 : 154 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 20 : 153 ، العقد الفريد 5 : 155 و 159 و 6 : 218 ، كشف الغمة 2 : 38 ، الكنى والألقاب 2 : 424 ، مثير الأحزان : 104 وفيات الأعيان 2 : 394 .
( 125 )

ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً * حياتي أو يعليني التراب (1)

ولم نجد من شعرها إلا أبياتاً قليلة قالتها ترثي أباها الحسين عليه السلام . وهذا يكذب ما نسب إليها من مجالسة الشعراء والتحكيم بينهم فلو كانت بالمستوى الشعري الذي زعموه لملأت الدنيا رياءً لأبيها ، فقد ذكروا أن الخنساء كانت تقول البيت والبيتين وبعد مقتل أخويها بلغت في رثائها الغاية.
ففي أمالي الزجاج عدة أبيات قالتها سكينة ترثي اباها الحسين عليه السلام :

لا تعذليــه فهم قاطـع طرقـه * فعينه بدمــوع ذرف غـدقـة
إن الحسيـن غداة الطـف يرشقه * ريب المنون فما أن يخطئ الحدقة
بكف شـر عبــاد الله كلهــم * نسل البغايا وجيش المرق الفسقـة
يـا اُمة السوء هاتوا ما احتجاجكم * غـداً وجلكــم بالسيف قد صفقة
الويـل حل بكـم إلا بمن لحقـه * صيرتـمـوه لأرمـاح العدا درقة
يا عين فاحتفلي طول الحياة دماً * لا تبكِ ولـداً ولا أهـلاً ولا رفقة
لكن على ابن رسول الله فاسكبي * قيحاً ودمعا وفي أثريهما العلقة (2)

***
____________
(1) البداية والنهاية 8 : 209 ، تذكرة الخواص 233 ، الفصول المهمة : 183 .
(3) سكينة بنت الحسين عليه السلام للحاج علي دخيل : 20 نقلا عن أمالي الزجاج : 169 .

( 126 )

( 32 )
سودة بنت عمارة الهمدانية

سودة بنت عمارة بن الاشتر الهمدانية ، شاعرة من شواعر العرب ، ذات فصاحة وبيان ، وهي من شيعة علي عليه السلام ، والحاضرات معه في صفين . جاهدت بلسانها وقالت كلمة الحق أمام السطان الجائر معاوية بن أبي سفيان .
قال ابن طيفور في بلاغات النساء : قال أبو موسى بن مهران : حدثني محمد بن عبيد الله الخزامي ، يذكره عن الشعبي . ورواه العباس بن بكار عن محمد بن عبيد الله ، قال : استأذنت سودة بنت عمارة بن الأسك الهمدانية على معاوية فأذن لها ، فلما دخلت عليه قال : هيه يا بنت الأسك ألست القائلة يوم صفين :

شمر كفعل أبيك يا بن عمارة * يوم الطعان وملتقـى الأقــران
واُنصر عليا والحسين ورهطه * واقصد لهنـد وابنهـا بهــوان
إن الإمام أخا النبي محـمـد * علم الهدى ومنــارة الإيمــان


( 127 )

فقد الجيوش وسر أمام لوائه * قدما بأبيض صارم وسنــان

قالت : أي والله ما مثلي من رغب عن الحق أو اعتذر بالكذب .
قال لها : فما حملك على ذلك ؟ .
قالت : حب علي عليه السلام ، واتباع الحق .
قال : فو الله لا أرى عليك من أثر علي شيئاً .
قالت : اُنشدك الله يا أمير المؤمنين واعادة ما مضى ، وتذكار ما قد نسي .
قال : هيهات ، ما مثل مقام أخيك ينسى ، وما لقيت من أحد ما لقيت من قومك وأخيك .
قالت : صدق قولك ، لم يكن أخي ذميم المقام ولا خفي المكان ، كان والله كقول الخنساء :

وإن صخـراً لتأتم الهداة به * كأنه علم فـي رأسـه نــار

قال : صدقت ، لقد كان كذلك .
فقالت : مات الرأس وبتر الذنب ، وبالله أسأل اعفائي مما استعفيت منه .
قال : قد فعلت ما حاجتك ؟ .
قالت : إنك اصبحت للناس سيدا ولأمرهم متقلدا ، والله سائلك من أمرنا وما افترض عليك من حقنا ، ولا تزال تقدم علينا من ينوء بعزك ويبسط بسلطانك ، فيحصدنا حصد السنبل ، ويدوسنا دوس البقر ، ويسومنا الخسيسة ، ويسلبنا الجليلة .
هذا بُسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك ، فقتل رجالي ، وأخذ مالي ، ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة . فإما عزلته عنا فشكرناك ، وإما لا فعرفناك .


( 128 )

فقال معاوية : اتهددني بقومك ، لقد هممت أن أحملك على قتب (1) أشرس ، فأردك إليه ينفذ حكمه فيك .
فأطرقت تبكي ، ثم أنشأت تقول :

صلى الإله على جسم (2) تضمنه * قبر فأصبح فيه العدل مدفونــا
قد حالـف الحق لا يبغي به ثمناً * فصـار بالحق والإيمان مقرونـا

قال لها معاوية : ومن ذاك ؟ .
قالت : علي بن أبي طالب .
قال : وما صنع بك حتى صار عندك كذلك ؟ .
قالت : قدمت عليه في رجل ولاه صدقتنا فكان بيني وبينه ما بين الغث (3) والسمين ، فأتيت علياً عليه السلام لأشكو إليه ما صنع بنا ، فوجدته قائماً يصلي ، فلما نظر إلي أنفتل من صلاته ، ثم قال لي برأفة وتعطف : « ألك حاجة » ؟ فأخبرته الخبر ، فبكى ثم قال : « اللهم أنت الشاهد علي وعليهم اني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك » .
ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب فكتب فيها : « بسم الله الرحمن الرحيم ( قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا
____________
(1) القتب : الرحل الصغير على قدر السنام . لسان العرب 2 : 661 « قتب » .
(2) في العقد الفريد : روح .
(3) الغث : الرديء من كل شيء . لسان العرب 3 : 171 « غثث » .

( 129 )

تبخسوا الناس اشياءهم ) (1) ( ولا تعثوا في الارض مفسدين ) (2) ( بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ ) (3) ، اذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك عن عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام » .
فأخذته منه ، والله ما ختمه بطين ولا خزمه (4) بخزام فقرأته .
فقال لها معاوية : لقد لمظكم (5) ابن أبي طالب على السطان فبطيئاً ما تفطمون ، ثم قال : اكتبوا لها برد مالها والعدل اليها .
قالت : ألي خاصة ، أم لقومي عامة ؟ .
قال : وما أنت وقومك ؟
قالت : هي والله اذاً الفحشاء واللؤم إن لم يكن عدلاً شاملاً ، وإلا فأنا كسائر قومي .
قال : أكتبوا لها ولقومها (6) .
وروى ذلك أيضا ابن عبد ربه ـ في العقد الفريد ضمن الوافدات على معاوية ـ عن عامر الشعبي . وفيه :
فقال معاوية : اكتبوا لها بالانصاف لها والعدل عليها .
فقالت : ألي خاصة أم لقومي عامة ؟ .
قال : ما أنت وقومك ؟
قالت : هي والله الفحشاء واللؤم إن لم يكن عدلاً شاملاً ، وإلا يسعني ما
____________
(1) الأعراف : 85 .
(2) العنكبوت : 36 .
(3) هود : 86 .
(4) خزمه : شكه وثقبه ، أي : أقفله . انظر : لسان العرب 12 : 174 « خزم » .
(5) لمظكم : عودكم وعلمكم . لسان العرب 7 : 462 « لمظ » .
(6) بلاغات النساء : 30 .

( 130 )

يسع قومي .
قال : هيهات ! لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان ، فبطيئاً ما تفطمون ، وغركم قوله :

فلو كنــت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلــوا بســلام

وقوله :

ناديت همـدان والابواب مغلقـة * ومثل همدان سنى (1) فتحة الباب
كالهندواني (2) لم تفلل مضاربه * وجه جميل وقلب غير وجّاب (3)

اكتبوا لها بحاجتها (4).
____________
(1) سنّى : سهّل . لسان العرب 14 : 404 « سنا ».
(2) الهندواني : السيف اذا عمل ببلاد الهند واحكم عمله . لسان العرب 3 : 438 « هند ».
(3) وجاب : خائف متهيب . انظر : القاموس المحيط 1 : 136 ، مجمع البحرين 2 : 179 « وجب ».
(4) العقد الفريد 1 : 344. وانظر : أعلام النساء 2 : 270 ، أعيان النساء : 245 ، رياحين الشريعة 4 : 351.

( 131 )

( 33 )
صفية بنت عبد المطلب

ابن هاشم بن عبد مناف ، عمة النبي صلى الله عليه وآله ، اُم الزبير بن العوام .
كانت أديبة فاضلة عاقلة شاعرة ، فصيحة اللسان . تزوجها في الجاهلية الحارث بن حرب بن اُمية بن عبد شمس ، أخو أبي سفيان ، فمات عنها فتزوجها العوام بن خويلد ، فولدت له الزبير وعبد الكعبة . وعاشت صفية كثيراً ، وتوفيت سنة عشرين هجرية ولها من العمر ثلاث وسبعين سنة ، ودفنت بالبقيع .
كانت رحمها الله من أشجع النساء في زمانها ، قتلت الجاسوس اليهودي لما جبن عن قتله حسان بن ثابت . وهي التي عنفت الفارين يوم اُحد ، وتقدمت تقاتل برمح لها .
روى ابن حجر في الاصابة من رواية اُم عروة بنت جعفر بن الزبير ، عن جدتها صفية : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج إلى الخندق جعل نساءه في أطم يقال له : فارع ، وجعل معهن حسان بن ثابت .
قالت : فجاء انسان من اليهود فرقى الحصن حتى أطل علينا ، فقلت لحسان ، قم فاقتله .
فقال : لو كان ذلك فيّ كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قالت صفية : فقمت إليه فضربته حتى قطعت رأسه ، وقلت لحسان : قم فاطرح رأسه على اليهود وهم أسفل الحصن .
فقال : والله ما ذاك .


( 132 )

قالت : فأخذت رأسه فرميت به عليهم ، فقالوا : قد علمنا أن هذا لم يكن ليترك أهله خلواً ليس معهم أحداً فتفرقوا .
ومن طريق حماد ، عن هشام ، عن أبيه : أن صفية جاءت يوم اُحد ، وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجهوههم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا زبير المرأة » .
وبعد أن انتهت وقعة اُحد ، وقد قتل فيها حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله ، ومثل به ، أقبلت اُخته صفية ، فقال النبي صلى الله عليه وآله لإبنها الزبير : « ردها لئلا ترى ما بأخيها حمزة » ، فلقيها الزبير فأعلمها بأمر النبي صلى الله عليه وآله ، فقالت : بلغني إنه مثل بأخي وذلك في الله قليل ، فما أرضانا بما كان من ذلك ، لأحتسبن ولأصبرن ، فأعلم الزبير النبي صلى الله عليه وآله بذلك ، فقال : « خل سبيلها » ، فأتته وصلت عليه واسترجعت ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به فدفن .
ومن شعرها :

ألا من مبلــغ عنـي قريشـاً * ففيم الأمـر فينــا والامــار
كنــا السلف المقـدم قد علمتم * ولم توقد لنـا بالغــدر نــار
وكـل مناقـب الخيرات فينــا * وبعض الأمر منقصـة وعــار

وقالت ترثي النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

يا عين جودع بدمع منك منحدر * ولا تملين وابكي سيـد البشــر
ابكي الرسول فقد هدت مصيبته * جميع قومي وأهل البدو والحضر
ولا تملـي بكـاك الدهر معولة * عليه ما غرد القمري في السحـر


( 133 )

وقالت في رثائه صلى الله عليه وآله وسلم :

لفقد رسول الله إذ حان يومــه * فيا عيني جودي بالدموع السواجم

وقالت أيضا :

ان يـومــاً أتــى عليــك * كورت شمسه وكـان مُضيـئا

وقالت ترثي أباها :


أرقــت لصـوت نائحـة بليل * على رجل بقارعـة الصعيــد
ففاضت عند ذلكـم دموعــي * على خدي كمنحـدر الفريــد
على رجــل كـريم غير وغد * له الفضل المبين على العبيــد
على الفياض شيبـة ذي المعالي * أبيـك الخير وارث كـل جـود
صدوق في المواطن غير نكس * ولا شخت المقـام ولا سنيــد
طويل البــاع أروع شيظمـي * مطـاع في عشيرتــه حميـد
رفيـع البيت أبلـج ذي فضول * وغيث الناس في الزمن الحرود
كريــم الجد ليس بذي وصوم * يروق على المسـود والمسـود
عظيـم الحلــم من نفر كرام * خضارمـة ملاوثـة أســود
فلو خلــد امـرؤ لقديم مجد * ولكن لا سبيـل إلى الخلــود
لكـان مخلداً أخــرى الليالي * لفضل المجد والحسب التليــد

وتعد صفية من الراويات عن النبي صلى الله عليه وآله ، ذكرها البرقي


( 134 )

وغيره من الصاحبيات (1) .
***
____________
(1) انظري : اُسد الغابة 5 : 492 ، أعيان الشيعة 7 : 390 ، الإصابة 348 ، الأعلام للزركلي 3 : 206 نقلاً عن ( ذيل المذيل 69 ، المحبر : 172 ، سمط الآلي : 118 ، رغبة الآمل 7 : 96 ، الدر المنثور : 261 ) ، تنقيح المقال 3 : 81 ، رجال البرقي : 81 ، رياحين الشريعة 4 : 343 و 365 ، طبقات ابن سعد 8 : 41 ، معجم رجال الحديث 23 : 194 .