ليْلَةُ عاشُورَاءْ

في

الحديث والأدب

تَأليفُ
الشَّيخْ عَبْدِ اللهِ الحَسَنْ


( 4 )

بسم الله الرحمن الرحيم

(( مِّنَ المُؤمِنينَ رِجـالٌ صَـدَقواْ مَـا عَـاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ
فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَهُ ومنهُم مَن يَنتظرُ وَمَا بَدَّلُوا تبدِيلاً ))

الاحزاب : 23



صَدَقَ اللهُ العَليُّ العَظيمُ




( 5 )

الإهداء



إليـكِ أيتُهــا الطاهــرة النقيــة والراضيــة المرضيــة
إلــيكِ يــا كريمــة أهل بيــت العصمــة عليهم السلام
إليكِ يامن تحتضنين برعايتك عُشّ آل محمد صلى الله عليه وآله
إليكِ يافاطمــة بنت باب الحوائج موسى بن جعفر عليه السلام
أقــدم بيــن يديك هــذا المجهــود المتــواضع ملتمساً
بــذلك شفــاعتك فــي المحشــر فــان لك عنــد الله
شأناً من الشَّأن *














المؤلف





( 7 )

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلَّى الله على أشرف الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين
وبعد :
فإن وقائعَ وأحداثَ الطف الدامية استأثرت باهتمام المؤرخين وأصحاب السير مُنذ الايام الاُولى لواقعة الطف ، حتى قيل إنه كان في معسكر عمر بن سعد مَنْ كانت مهمتُه مقتصرةً على تسجيل تلك الوقائع ، ومن هنا استوعبتها الكثير من كتب التاريخ والسيرة ، ومعظم المؤرخين ذكروا هذه الواقعة الاليمة جملةً وتفصيلاً ، واهتموا بدراستها واستكشاف دوافعها وأسبابها وما فيها من دروس وعبر وما تركته من آثار ونتائج على مختلف الاصعدة ، واعتبروها أهمَ حدث جرى منذ عام 61 هـ بل أعظم حدث مأساوي في تاريخ الاُمة الاسلامية حيث مقتل ابن بنت نبي الاُمّة محمد ( صلى الله عليه وآله ).
ومن خلال نظرة عابرة إلى كثرة ما اُلف في سرد وقائع هذه الحادثة الاليمة من الكتب المعنية بدراستها فقط ككتب المقاتل ، وما أعطته الكتب التاريخية العامة وكتب الحديث لهذا الفصل من تاريخ الاسلام من أهمية ، ناهيك المقاتل المخطوطة التي لم يُقدر لها حتى الان أن تطبع وتنشر ، تبدو الاهمية الكبرى لهذه الواقعة في أنظار الباحثين والمؤرخين وأصحاب السير والتراجم.
ومن الملاحظ أن أصحاب السيّر والمؤرخين ذكروا جُلَّ وقائع هذه الحادثة الاليمة ، منذ خروج الامام الحسين (عليه السلام) من المدينة المنورة في شهر رجب إلى يوم العاشر من محرم الحرام والاحداث التي تلت المقتل ، ولم يتناسوا الليلةَ


8 )

الاخيرة من حياته (عليه السلام) وسجلوا ما أمكنهم من وقائعها وأحداثها ، وإن كان بعض المؤرخين أهملها أو ذكرها في غاية الاختصار.
فاسترعى ذلك اهتماميَ الشديد في أن أعطي هذه الليلة بعض حقّها من عَرض وقائعها وحوادثها وما يرتبط بها بشيء من التفصيل ، ولما في هذه الليلة من أحداث ومواقف يجدر الوقوف عندها ودراستها بإمعان ، إذ هي الليلة الاخيرة من حياة الامام الحسين (عليه السلام) وأصحابه الاوفياء ، وليلة في منتهى الخطورة ، وليلة قُدّر لها أن تبقى خالدةً بما فيها من عِبَر ودروس ومأساة ومواقف مشرقة ، فيجدر الاهتمام بالبحث والتمحيص في وقائعها وأحداثها والمعرفة الكاملة بما جرى في طياتها ، ولذا لا ننسى هنا تأكيد الائمة الطاهرين (عليهم السلام) الشديد في إحياء هذه الذكرى الاليمة والنظر إليها بعين الاعتبار.
ومن هنا قمت بجمع ما وسعني جمعه وإعداده من وقائع وحوادث هذه الليلة العظيمة وتنظيم تسلسل أحداثها وما جاء فيها من مواقف مُشرّفة ، وما جاء فيها من الاحاديث الشريفة وما يرتبط بها ، وتناولت أيضاً جَانباً دراسياً عن أبعادها الدينية والاخلاقية وغيرهما من المواقف والابعاد والتي يَجدُر الوقوفُ عندها والتأمل فيها والاستفادة منها ، فكان هذا هو القسم الاول : ( ليلة عاشوراء في الحديث ) والذي يشتمل على الاُمور التالية :
1 ـ الوقائع والاحداث
2 ـ أعمال ليلة عاشوراء
3 ـ الابعاد المستوحاة من ليلة عاشوراء
وبما أنّ كتابنا هذا قد خُصّ بذكر ليلة عاشوراء في الحديث رأيت من الضرورة بمكان أن أتناول ليلة عاشوراء في الادب ، ولذا قمت بجمع ما تسنّى لي جمعه من قصائد وأشعار في ما يخصها ويرتبط بها ، كما إني التمست من إخواني


( 9 )

الادباء والشعراء المشاركة بما تجود به قرائحهم الوقّادة بما يناسب هذه الليلة حدثاً وموقفاً وتسليط الاضواء عليها ـ تخليداً لهذه الذكرى الاليمة ـ وقد رتبت تسلسل القصائد عليى حسب الحروف الهجائية لأسماء الشعراء الأولى ، مع دراسة نقدية ايضاً حولها بقلم الاستاذ ثامر الوندي وذلك لاهمية مثل هذه الدراسات ، فكان هذه هو القسم الثاني ( ليلة عاشوراء في الادب ) والذي يشتمل على الأمور التالية :
1 ـ من خصائص الأدب الشيعي وميزاته.
2 ـ أهمية النقد الأدبي الموضوعي.
3 ـ مرايا ليلة عاشوراء ( دراسة نقدية ).
4 ـ القصائد في ليلة عاشوراء.
وكما لا يفوتني أن أقدم جزيل شكري وامتناني لكل أديب بارع وشاعر مبدع استجاب معي في المشاركة في هذا العمل الحسيني.
كما آمل أني قدمتُ بذلك خدمة متواضعة للمكتبة الحسينية إذ لا زلنا في حاجة ماسة إلى الاطلاع الواسع في هذه الواقعة الاليمة ، والمعرفة التامة على أبعادها ونتائجها ، والارتباط الشديد بها وإحيائها وعدم إغفالها في أي زمان ومكان ، وليتحقق بذلك إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) إذ هو وظيفة على عاتق كل من يُدين بالولاء الصادق لهم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى.

عبداللّه الحسن
الجمعة | 9 | 11 | 1416 هـ




( 10 )


( 11 )

القِسْمُ الأَوَّلُ



ليْلَةُ عاشُوراءْ

في الحديث


1 ـ الوَقَائِعُ وَالأَحْدَاثُ



( 12 )


( 13 )

تَمْهِيد

في أحداث يوم التاسع
الخيل والرجال تحاصر الحسين (عليه السلام)

جاء في حديث عن الامام أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) عن يوم تاسوعا ، قال : تاسوعا يومٌ حوصر فيه الحسين (عليه السلام) واصحابه ـ رضي الله عنهم ـ بكربلاء ، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها ، واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه واصحابَه وأيقنوا أنّه لا يأتي الحسين (عليه السلام) ناصر ، ولا يمدَّه أهل العراق ، بأبي المستضعف الغريب...(1)

حديث الأمان

روى أصحاب السير أن عُمر بنَ سعد نهضَ إلى الحسينِ (عليه السلام) عشيةَ الخميسِ
____________
(1) الفروع من الكافي للكليني : ج4 ،ص147 ، بحار الانوار : ج45 ،ص 95.
( 14 )

لتسع مضينَ من المحرم ، وجاء شمرٌ حتى وَقفَ على أصحابِ الحسين (عليه السلام) فقال : أينَ بنو أختِنا؟ فَخرجَ اليه العباسُ وجعفرٌ وعبدالله وعثمان بنو عليّ (عليه السلام)
فقالوا له : مالكَ وما تريد؟ قال : أنتم يا بني أختي آمِنون ، قال له الفتية : لعنكَ اللهُ وَلعنَ أمانَكَ ، لئن كُنتَ خالنَا أتؤمِنُنا وَابن رسولِ اللهِ لا أمان له ؟

الحسين يرى جده (صلى الله عليه وآله)

قال : ثُمَّ إن عُمرَ بنِ سعد نادى : يا خيلَ الله اركبي وَأبشري فركب في الناسِ ثُمَّ زَحفَ نَحوهم بعدَ صلاةِ العصرِ وحسينٌ (عليه السلام) جالسٌ أمامَ بيتهِ مُحتبياً (1) بسيفهِ إذ خفقَ برأسه على ركبتيه ، وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها ، فقالت : يا أخي أما تسمع الاصوات قد اقتربت.
قال : فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه فقال : إني رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في المنام فقال لي : إنك تروح إلينا ، قال : فلطمت أخته وجهها وقالت : يا ويلتا ، فقال : ليس لك الويل يا أختي ، اسكني رحمكِ الرحمن.
وفي رواية السيد ابن طاووس ـ عليه الرحمة ـ قال : وجلس الحسين (عليه السلام) فرقد ثم استيقظ ، فقال : يا أختاه إني رأيتُ الساعةَ جدي محمد (صلى الله عليه وآله) وأبي علياً وأُمي فاطمة وأخي الحسن (عليهم السلام) وهم يقولون : يا حسين إنك رائح الينا عن قريب ، وفي بعض الروايات غداً (2).
____________
(1) احتبى الرجُلُ : جمع ظهرَهُ وساقيهِ بثوب أو غيره المصباح المنير للفيومي : ص 120.
(2) اللهوف لابن طاووس : ص39 ، بحار الانوار : ج44 ، ص391.

( 15 )

العباس (عليه السلام) يكلم القوم

وقال العباس بن علي (عليه السلام) : يا أخي أتاك القوم ، قال : فنهض ، ثم قال : يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم فتقول لهم : مالكم وما بدا لكم ؟ وتسألهم عما جاء بهم ؟
فأتاهم العباس (عليه السلام) فاستقبلهم في نحو من عشرين فارساً فيهم زهير بن القين (1) وحبيب بن مظاهر (2) ، فقال لهم العباس : ما بدا لكم وما تريدون ، قالوا :
____________
(1) هو : زهير بن القين بن قيس الانماري البجلي ، كان رجلاً شريفاً في قومه ، نازلاً بالكوفة ، وشجاعاً له في المغازي مواقف مشهورة ومواطن مشهودة وقد كان في بادىء أمره عثمانياً ، انضم إلى الحسين (عليه السلام) في الطريق من مكة إلى العراق بعد أن كان كارهاً للقائه ، وكان في المسير ، إذا سار الحسين تخلف زهير وإذا نزل الحسين تقدّم زهير إلى أن اجتمع معه في منزل واحد بغير اختياره ، ثم أرسل إليه الحسين يدعوه وكان على الطعام فبقي كأن على رأسه الطير فقالت له زوجته دلهم بنت عمرو : أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه سبحان الله لو أتيته فسمعت من كلامه. ثم ذهب للحسين فما لبث أن جاء مستبشراً ، قد أسفر وجهه ، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه ، فقوض وحمل إلى الحسين ثم قال لزوجته أنت طالق الحقي بأهلك فإني لا اُحب أن يصيبك بسببي إلاّ خير ، ثم لحق بركب الحسين ، واستشهد زهير (عليه السلام) بعد صلاة الخوف وأبلى بلاءً حسناً.
راجع إبصار العين للسماوي : ص 95 ـ 99 ، انصار الحسين لشمس الدين : ص 88.
(2) هو : حبيب بن مظهر بن رئاب بن الاشتر بن جخوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد أبو القاسم الاسدي الفقعسي ، كان صحابياً رأى النبي(صلى الله عليه وآله) ، نزل إلى الكوفة ، وصحب أمير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه كلها ، وكان من خاصته وحملة علومه ومن

=


( 16 )

جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم ، قال : فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبدالله (عليه السلام) فأعرض عليه ما ذكرتم ، قال : فوقفوا ثم قالوا : القه فأعلمه ذلك ، ثم القنا بما يقول ،قال : فانصرف العباس راجعاً يركض إلى الحسين (عليه السلام) يخبره بالخبر.
ووقف أصحابه يخاطبون القوم ، فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين : كلم القوم إن شئت وإن شئت كلمتهم؟ فقال له زهير : أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلمهم ؟
فقال له حبيب بن مظاهر : أما والله لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذريّة نبيه (صلى الله عليه وآله) وعترته وأهل بيته (عليه السلام) وعباد أهل المصر المجتهدين بالاسحار ، والذاكرين الله كثيراً (1).
فقال له عزرة بن قيس : إنك لتزكي نفسك ما استطعت !؟
فقال له زهير : ياعزرة إن الله قد زكاها وهداها فاتق الله يا عزرة فإني لك من الناصحين ، أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلاَّل على قتل النفوس الزكية
____________
=
شرطة الخميس ، وكان أحد الزعماء الكوفيين الذين كتبوا إلى الحسين(عليه السلام) وأخذوا البيعة له ، ولما نزل الحسين(عليه السلام) كربلاء سار إليه مختفياً والتحق به ، وكان معظماً عند الحسين وأهل بيته ، وذلك لجلالة قدره وعلو منزلته ، وقد حاول جهده في استقدام أنصار من بني أسد إلاّ أن الجيش الاموي حال دون وصولهم إلى معسكر الحسين ، وقد جعله الحسين على ميسرة أصحابه عند التعبئة للقتال ، وجاهد (عليه السلام) مستميتاً إلى أن قُتل ، واحتز رأسه التميمي فهدّ مقتله الحسين ووقف عليه وقال : عند الله أحتسب نفسي وحُماة أصحابي.
راجع : إبصار العين للسماوي : ص 57 ـ 60 ، تاريخ الطبري : ج 4 ص 336 ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص 81 ـ 82.
(1) وفي الفتوح لابن الاعثم : الذاكرين الله كثيراً بالليل والنهار وشيعته الاتقياء الابرار.

( 17 )

قال يا زهير : ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانياً.
قال : أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم ؟ أما والله ما كتبت إليه كتاباً قط ، ولا أرسلت إليه رسولاً قط ، ولا وعدته نصرتي قط ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلما رايته ذكرت به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومكانه منه وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم فرأيت أن أنصره ، وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظاً لما ضيَّعتم من حق الله وحق رسوله (صلى الله عليه وآله) قال : وأقبل العباس بن علي (عليه السلام) يركض حتى انتهى إليهم.
فقال : ياهولاء إن أبا عبدالله (عليه السلام) يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الامر ، فإن هذا أمرٌ لم يجر بينكم وبينه فيه منطق فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله فإما رضيناه فأتينا بالامر الذي تسألونه وتسومونه أو كرهنا فرددناه وإنما أراد بذلك أن يردهم عنه تلك العشية حتى يأمر بأمره ويوصي أهله فلما أتاهم العباس بن علي (عليه السلام) بذلك ، قال عمر بن سعد : ما ترى يا شمر؟ قال : ما ترى أنت ؟ أنت الامير والرأي رايك.
قال : قد أردت ألا أكون ثم أقبل على الناس ، فقال : ماذا ترون ؟ فقال عمر بن الحجاج بن سلمة الزبيدي : سبحان الله والله لو كانوا من الديلم (1) ثم سألوك هذه المنزلة لكانَ ينبغي لَكَ أن تُجيَبهُم إليها.
وفي رواية السيد ـ عليه الرحمة ـ فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي : والله لو أنهم من الترك والديلم وسألونا مثل ذلك لاجبناهم ، فكيف وهم آل محمد (صلى الله عليه وآله) ؟!
____________
(1) الديلم : القسم الجبلي من بلاد جيلان شمالي بلاد قزوين ، وهي من قرى أصبهان بناحية جرجان. مراصد الاطلاع : ج2 : ص580 ، المنجد في الاعلام : ص296.
( 18 )

فأجابوهم الى ذلك (1)
وَقال قيسُ بن الاشعث : أجبهُم إلى مَا سألوكَ فَلعمري ليصبِحنكَ بالقتالِ غدوةً فقال :واللهِ لو أعلمُ أنْ يفعلوا ما أخرتهم العشية.
قال : وكانَ العباسُ بن عِلي (عليه السلام) حينَ أتى حسيناً بما عرضَ عليه عمرُ بن سِعد قال : ارجعْ إليهم فإنْ استطعت أن تؤخرهم إلى غدوةَ ، وتَدفعهُم عند العشيةِ لعلنا نُصلي لربِّنا الليلةَ وَندعوه وَنستغفُره ، فهوَ يَعلم أني قد كنتُ اُحبُ الصلاة لَه وَتلاوةَ كتابهِ وَكثرةَ الدعاءِ وَالاستغفارِ.

فاستمهـل السبـط الطغـاة لعله * يدعو إلـى الله العلي ويضـرع
فـأقـام لـيلتـه ينـاجي ربّـه * طوراً ويسجد في الظلام ويركع

وَرويَ عن الامام علي بن الحسين (عليه السلام) قال : أتانا رسول مِنْ قِبل عُمر بن سَعد فقامَ مثلَ حَيثُ يُسمعُ الصوتُ فقال : إنا قَد أجلناكم إلى غد فإن استسلمتم سَرحنا بكُم الى أميرِنا عُبيدِاللهِ بن زياد وَإنْ أبيتُم فَلسنا تاركيكُم (2).

حديث زينب مع أبي الفضل العباس (عليهما السلام)

وذكر البعض حديثا جرى بين العباس و بين اخته زينب (عليه السلام) وذلك بعد رجوعه من محادثة الشمر ، وقد انكر عليه رافضا أمانه الذى جاء به له و لاخوته !
____________
(1) اللهوف لابن طاووس : ص39.
(2) تاريخ الطبري : ج 4 ، ص 315 ـ 317 ، نهاية الارب للنويري : ج20 ، ص332 ـ 334 ، الارشاد للمفيد : ص 230 ـ 231 ، بحار الانوار : ج44 ، ص391 ـ 392 ، العوالم للبحراني : ج17 ، ص 243.

( 19 )

قال : ورجع ابو الفضل العباس (عليه السلام) يتهدرس كالاسد الغضبان استقبلته الحوراء زينب (عليها السلام) وقد سمعت كلامه مع الشمر ، قالت له أخي ان أحدثك بحديث ؟ قال : حدثي يا زينب لقد حلا وقت الحديث !
قالت : إعلم يا بن والدي لما ماتت امنا فاطمة (عليها السلام) قال أبي لاخيه عقيل : اُريد منك ان تختار لي امرأةً ، من ذوي البيوت والشجاعة حتى اصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين بطف كربلا ، وقد ادخرك ابوك لمثل هذا اليوم ، فلا تقصر ياأبا الفضل!
فلما سمع العباس (عليه السلام) كلامها تمطى في ركاب سرجه حتى قطعتهما ، وقال لها : أفي مثل هذا اليوم تشجعينني وأنا ابن أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟! فلما سمعت كلامه سرّت سروراً عظيماً (1).

بطل إذا ركب الـمطهم خلتـه * جبلاً أشّم يخف فيـه مـطهـم
بطل تـورث من أبيه شجاعةً * فيها انوف بني الضلالة تـرغم

وقد أجاد السيد محمد رضا القزويني حيث يقول :

قـرت لهـا عيـن الكـريمة زينب * لتراك اهـلاً أن تصـون خبـاءهـا
فمضـت تقــص عليـــك دورا * عاصفاً فيك الشهامة ما اعتزمت فدائَها
فـي ليلـة طـاب الحديث الحلو من * اخت و أنـت علـى الجواد إزاءهـا
تـروي مصـاهـرة الكـرام بقصة * قد انجبتك و لـم تـرد اخـفـاءهـا
فهـززت سيفـك أن تُطمئن قـلبهـا * بيــد تلقـت فـي غـد جـذاءهـا

____________
(1) ثمرات الأعواد : للسيد علي الهاشمي : ج1 ،ص167 ـ 168.
( 20 )

فتصاعدت بيضاء تدعـوا ربّها * ألا يَخيـبَ السائلـون رجـائَها
فتحَّدث التـاريخُ عـنها أنَّهـا * ملئت بأسخى المكرُمات عطائَها

حديث زهير مع أبي الفضل العباس (عليه السلام)

ومثل هذاالحديث حديث أخر جرى بين زهير بن القين مع أبي الفضل العباس (عليه السلام) كما في أسرار الشهادة للدربندي ـ عليه الرحمة ـ قال : أتى زهير إلى عبدالله بن جعفر بن عقيل قبل أن يقتل ، فقال له : يا أخي ناولني الرّاية.
فقال له عبدالله : اوفيَّ قصور عن حملها؟! قال : لا ، ولكن لي بها حاجة ، قال : فدفعها إليه ، وأخذها زهير وأتى فجأة العباس بن علي (عليه السلام) وقال ! يابن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أريد أن احدثك بحديث وعيته ، فقال : حَدّث ، فقد حلا وقت الحديث.
فقال له : اعلم يا أباالفضل ، إنَّ أباك أمير المومنين (عليه السلام) ، لما أراد أن يتزوج بإمِك اُم البنين ، فبعث إلى أخيه عقيل ، وكان عارفاً بأنساب العرب ، فقال (عليه السلام) : يا أخي ، اُريد منك أن تخطب لي امرأةً من ذوي البيوت والحسب والنسب والشجاعة ، لكي اُصيب منها ولداً يكون شجاعاً وعضداً ينصر ولدي هذا ، وأشار الى الحسين (عليه السلام) ليواسيه في طفّ كربلاء ، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم ، فلا تقصر عن حلائل أخيك وعن إخوانك ؟ !
قال : فارتعد العباس وتمطى في ركابه حتى قطعه ، قال : يازهير ، تشجعني في مثل هذا اليوم ؟ والله لأريَّنكَ شيئاً ما رأيتَه قط (1)
____________
(1) أسرار الشهادة للدربندي : ج2 ، ص497 ، معالي السبطين للحائري : ج1 ، ص434 ، مقتل الحسين للمقرم : ص209 بتفاوت.