ليلة عاشوراء

الأستاذ جواد جميل
آه يا ليلـةَ الاسـى والدمــوع * اطفئي فـي دم الطفوف شموعي
ودعيني أعيش في ظلمة الحزن * فعمـري شمسٌ بغيـرِ طلـوع
وانثري في عيوني الجمرَ وقاداً * وخلـي اللهيـبَ بيـن ضلوعي
وأمسحي بالسواد لـونَ وجودي * فلقـد كفّـن الـرمـادُ ربيعـي

الشيخ مهدي المصلي
ليلةٌ أسهـرت عيـون الليـالـي * لتُـرينــا عـزائـمَ الأبطـالِ
وتُرينا الشمـوسَ تفتـرسُ الليـ * ـلَ لتمحو عصرَ الليالي الطوالِ
وتُرينا الإنسانَ يسمو على النجـ * ـمِ منـاراً ورجلُـهُ في الـرمالِ

الأستاذ جاسم الصحيّح
يـا ليلةً كسـتَ الـزمانَ بغـابة * من روحهـا قمريـة الادغـال
ذكـراكِ ملحمـةٌ توشَّحَ سِفـرُها * بـروائع نُسجت مـنَ الاهوال
فهنا الحسين بخيطُ من أحلامـه * فجرينِ فجرَ هوىً و فجرَ نِضال


( 22 )

الأستاذ يقين البصري
يا ليلة يامخاض الـدهر يـاحقباً * قدسيةً يـانضالاً مـورقاً ذهبـا
يا ليلة مـن عـذابات مطـرزة * بالكبرياء شطبت المحل والجدبا

الأستاذ فرات الأسدي
جنهم فـي الطـفِ ليلٌ وهـمُ * بالحسين الطهر قد جنّوا خبالا
فاشهـدي يا ليلة الضوء هوىً * نضراً يبتكـر الرؤيـا جمالا

السيد مدين الموسوي
يا ليلةً وقـفَ الزمـانُ بهـا * وجلاً يُدونُ أروع الصـور
وقف الحسين بها ومن معه * جبلاً وهم كجنادل الحجـر

الشيخ عبد الكريم آل زرع
أليلةَ عاشـوراءَ يـا حلكاً شَبَّـا * حنينك أدرى من نهارك ما خبّا
وما خبّأ الآتي صهاريج أدهـُرٍ * بساعاتِه قـد صبّ صاليَها صبّا

الشيخ علي الفرج
أنت يـا ليلة انخسـاف المرايـا * في وجـوه السنيـن والأحقـاب
غُرست فيك آهتـي واحتضاري * ونمت فيك صـرختي واغترابي


( 23 )


الحسين عليه السلام يخطب في اصحابه
ويأذن لهم بالتفرّق عنه

روي عن الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام قال : جمع الحسين عليه السلام اصحابه بعدما رجع عمر بن سعد وذلك عند قُرب المساء ، قال : فدنوت منه لاسمع وأنا مريض فسمعتُ أبي وهو يقول لاصحابه : أُثني على الله تبارك وتعالى أحسنَ الثناء وأحمدَهُ على السّراء والضراء أللهم اني أحَمَدُك على أن أكرمتنا بالنبوّة ، وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً ، فاجعلنا من الشاكرين.
أما بعد فإني لا أعلمُ أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكُم الله عني جميعاً خيراً ، ألا وإني أظنُ يوَمنا من هؤلاءِ الاعداءِ غداً إلاّ واني قد أذنتُ لكم ، فانطلقِوا جميعاً في حل ليس عليكم حَرجٌ منّي ولا ذمام هذا الّليلُ قد غشيّكم فاتّخذوه جَمَلا (1).
____________
(1) جاء فى المثل : اتخذ الليل جملا ، وهو يضرب للرجل يجد فى طلب الحاجه ، يقال : شمر ذيلا وادرع ليلا هكذا قال بعضهم ، وقال اخرون : معناه ركب الليل فى حاجته ولم يَنمْ حتى نالها
وقولهم : الليل أخفى للويل ، اذا اردت ان تاتى بريبةٍ فأتها ليلاً فإنَّهُ أسترلها ، وكتب عبدالله بن طاهر إلى ابنه ، وقد بلغه عنه اقبال على اللهو :

فبادر الليل بما تشتهى * فانما الليل نهار الاديب

=


( 24 )

وليأخُذ كلُ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في سَوادِكم ومدائنكم حتى يُفرجَ الله ، فإنَّ القومَ إنما يطلبوني ولو قد أصابوني لَهوا عن طلب غيري.

جواب بني هاشم والانصار للحسين عليه السلام

فقال له إخوتُه وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبدالله بن جعفر : لِم نفعل ؟ لنبقى بعدَكَ! لا أرانا الله ذلك أبداً ، بدأهم بهذا القولِ ، العباسُ بن علي عليه السلام ثم إنهم تكلموا بهذا أو نحوه....
وفي رواية أخرى : فقام اليه العباس بن علي أخوه عليهما السلام وعلي ابنه ، وبنو عقيل ، فقالوا له : معاذ الله والشهر الحرام ، فماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم ، إنا تركنا سيدنا ، وابن سيدنا وعمادنا ، وتركناه غرضاً للنبل ، ودريئةً للرماح ، وجزراً للسباع ، وفررنا عنه رغبةً في الحياة ، معاذ الله ، بل نحيا بحياتك ، ونموت معك !! فبكى وبكوا عليه ، وجزاهم خيراً (1)
فقال الحسين عليه السلام : يا بني عَقيل ، حَسبُكم من القتلِ بمسلِم ، اذهبوا قد أذِنتُ لكم !.
قالوا : فما يقولُ الناس ؟ يقولون : أَنا تركنا شَيخَنا وسيدَنا وبني عمومتِنا خيرَ الاعمام ، ولم نرْم معَهم بسهم ، ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا
____________

=

وقال بعض العرب و انشدني بالحجاز فتى من هلال :

فلـم ار مثل الليل جنه هارب * ولا مثل حد السيف للمرء صاحبا

راجع : كتاب جمهرة الامثال لابي هلال العسكري : ج1ص 88 ج2 ص 181 ـ 182.
(1) مقاتل الطالبيين لابي فرج الاصفهاني : ص112.

( 25 )

ندري ما صنعوا ! لا والله لا نفعل ، ولكن تفديك أنَفسُنا وأموالنُا وأهلونا ونقاتلُ معك حتى نردَ مورِدَك فقبحَ اللهُ العيشَ بعدَك !.
فقام إليه مسلمُ بنُ عوسجة الاسدي (1) فقال : أنحنُ نخلي عنك ولمّا نعذر إلى الله في أداء حقِك ؟ أما واللهِ حتى أكسر في صدورِهمْ رمحي وأضربَهمْ بسيفي ما ثبت قائمُه في يدي ولا أُفارقُكَ ولو لم يكنْ معي سلاح أقاتُلهم به لَقذفتُهم بالحجارة دونَك حتى أموت معك.
وقال سعد بن عبد الله الحنفي (2) : واللهِ لا نخليكَ حتى يعلمَ اللهُ أنا قد حفظنا
____________
(1) هو : مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دردان بن أسد بن خزيمة ابو حجل الاسدي السعدي ، كان رجلاً شريفاً عابداً متنسكاً ، قال ابن سعد في طبقاته : وكان صحابياً ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان فارساً شجاعاً له ذكرٌ في المغازي والفتوح الاسلامية ، وكان ممن كاتب الحسين ـ عليه السلام ـ في الكوفة ووفى له ، وومن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، وهو أول قتيل من أنصار الحسين بعد قتلى الحملة الاُولى ، وقد جاء في الزيارة المنسوبة للناحية المقدسة في مسلم بن عوسجة : وكنت أول من شرى نفسه وأول شهيد من شهداء الله قضى نحبه ، ففزت ورب الكعبة ، شكر الله لك استقدامك ومواساتك إمامك إذ مشى إليك وأنت صريع فقال : يرحمك الله يا مسلم بن عوسجة وقرأ : ( منهم مَن قضى نَحبَه وَمِنهمْ مَنْ يَنتظِرُ وَمَا بَدّلوا تبديلا ) لعن الله المشتركين في قتلك عبدالله الضبابي وعبدالله بن خشكارة البجلي ، وفيه يقول السماوي :

ان امــرءاً يمشـي لمصـرعه * سبـط النبـي لفـاقـد التـرب
أوصـى حبيبــاً ان يجـود لـه * بـالنفس مـن مقة ومـن حـب
اعزز علينا يـا بـن عـوسجـةٍ * من ان تفـارق سـاعة الحـرب
عـانقـت بيضهـم وسمـرهـم * ورجعت بعـد معـانق التـرب
ابكـي عليـك ومـا يفيـد بكـا * عيني وقـد أكل الاسـى قلبـي

راجع : بحار الانوار : ج 45 ص 69 ، أبصار العين للسماوي : ص 61 و 64.
(2) هو : سعد بن عبدالله الحنفي ، وذكر في كتاب الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة باسم سعيد ، أما بعد فإن

=


( 26 )

غَيبةَ رسول اللهِ صلى الله عليه وآله فيك ، واللهَ لو علمتُ أني أقتلُ ثم أحيا ثم أحرقُ حيَّاً ثم اذرُّ يُفعلُ ذلك بي سبعين مرةً ما فارقتُك حتى ألقى حِمامي دونَك ، فكيف لا أفعل ذلكَ وإنما هي قتلةٌ واحدةٌ ، ثمَّ هيَ الكرامةُ التي لا انقضاء لها أبداً !.
ثم قام زُهير بن القين (1) وقال : واللهِ لوددتُ أني قُتلتُ ثم نُشرتُ ثم قُتلتُ حتى أقتلَ كذا ألف قتلة ، وأن اللهَ يدفعُ بذلكَ القتلَ عن نفسِك وعن أنفُس هؤلاءِ الفتيةِ من أهل بيتك !.
وتكلم جماعةُ أصحابهِ بكلام يشبهُ بعضه في وجه واحد ، فقالوا : واللهِ لا نُفارِقُكَ ، ولكن أنفُسنا لكَ الفداء ! نَقيكَ بنحورِنا وجباهِنا وأيدينا ، فإذا نحنُ قُتِلنا كُنا وفَينا وقضينا ما علينا (2).
____________
=
سعيداً وهانياً قدما عليَّ بكتبكم ، وذكر باسم سعد كما في زيارة الناحية ، كان من وجوه الشيعة في الكوفة ، وذوي الشجاعة والعبادة فيهم ، وهو أحد الرسل الذين حملوا رسائل الكوفيين إلى الحسين عليه السلام وبعثه مسلم بن عقيل بكتاب إلى الحسين وبقي معه حتى جاء معه كربلاء ، وروى أبو مخنف : أنه لما صلّى الحسين الظهر صلاة الخوف ، اقتتلوا بعد الظهر ، فاشتد القتال ، ولما قرب الاعداء من الحسين عليه السلام وهو قائم بمكانه ، استقدم سعيد الحنفي أمام الحسين ، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً ، وهو قائم بين يدي الحسين يقيه السهام طوراً بوجهه ، وطوراً بصدره ، وطوراً بيديه ، وطوراً بجنبيه ، فلم يكد يصل إلى الحسين عليه السلام شيء من ذلك ، حتى سقط الحنفي إلى الارض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود ، اللهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت ثوابك في نصرة نبيك ، ثم التفت إلى الحسين ، فقال اوفيت يا بن رسول الله ، قال : نعم أنت أمامي في الجنة ، ثم فاضت نفسه النفيسة.
راجع : إبصار العين : ص 125 ـ 126 ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص90 ـ 91.
(1) تقدمت ترجمته.
(2) تاريخ الطبري : ج 4 ، ص 317 ـ 318 ، نهاية الارب للنويري : ج20 ص434 ، الكامل في التاريخ

=


( 27 )

الحسين عليه السلام يأذن للحضرمي (1) بالانصراف لفكاك ولده

وقيلَ لمحمّدِ بن بشر الحضرمي في تلكَ الحال : قد أُسرَ ابنُك بثغر الرّي (2) فقال : عندَ اللهِ احتسبه ، ونفسي ما كُنتُ اُحب أَن يُؤسرَ وأن أبقى بعده !
فَسمِعَ الحسين عليه السلام قولَه ، فقال : رَحِمك َ اللهُ ، أنت في حل من بيعتي ، فاعملْ
____________
=
لابن الاثير :ج4 ، ص57 ـ 58 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ص 246 ـ 247 ، اللهوف : ص 39 ـ 40 ، الارشاد للمفيد : ص 231 ، اعلام الورى للطبرسي : ص 237 ـ 239 ، امالي الصدوق : ص 133 ، بحار الانوار : ج 44 ، ص 316.
(1) هو : بشر بن الاحدوث الحضرمي الكندي ، ذُكر في زيارة الناحية باسم بشر ، وذكر في الزيارة الرجبية باسم بشير ، وذكره السيد الخوئي ( قدس سره ) مردداً بين بشر وبشير ، وقال الشيخ شمس الدين : ومن المؤكد أنه هو : محمد بن بشير الحضرمي الذي ورد ذكره عند السيد ابن طاووس بقرينة ذكره لقصة ابنه وقد وردت القصة في الزيارة مقرونة باسم بشر أو بشير على اختلاف النسخ. وكان بشر من حضرموت وعداده في كندة ، وكان تابعياً وله أولاد معرفون بالمغازي ، وكان بشر ممن جاء إلى الحسين عليه السلام أيام المهادنة ، وهو أحد آخر رجلين بقيا من أصحاب الحسين قبل أن يقع القتل في بني هاشم ، والاخر هو سويد بن عمرو بن أبي المطاع ، وقتل بشر في الحملة الاُولى.
راجع : ابصار العين : ص 103 ـ 104 ، أنصار الحسين لشمس الدين ص77 ـ 78 ، معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ( قدس سرّه ) : ج 3 ص 314.
(2) الثغر : بالفتح ، ثم السكون ، وراء كل موضع قرب من أرض العدو وسميّ ثغراً من ثغرة الحائط ، لانه يحتاج أن يحفظ لتلا يأتي العدوّ منه.
والرَّيّ : بفتح أوله ، وتشديد ثانيه : مدينة مشهورة من أمهات البلاد واعلام المدن ، كثيرة الخيرات ، قصبة بلاد الجبال ، على طريق السابلة وبين طهران نحو فرسخ. مراصد الاطلاع ج1 ، ص 597 ، و ج2 ، ص 651 و ص 899.

( 28 )

في فكاكِ ابنِك ؟!
فقال : أكلتني السّباعُ حيّاً إ نْ فارقتُكَ !
قال : فاعطِ ابنَكَ هذهِ الاثواب البُرُود ، (1) يستعينُ بها في فداء (2) أخيهِ ، فأعطاه خَمسةَ أثوابَ قيمتُها ألف دينار (3).
ولله درّ السيد رضا الهندي ـ عليه الرحمة ـ إذ يقول في هذه الصفوة الانجاب :

صيداً إذا شبّ الهياج وشابت الـ * ارض الـدما والطفل رعباً شابـا
ركزوا قناهـم في صدور عداتهم * ولبيضهم جعلـوا الـرقاب قرابـا
تجلو وجوههم دجـى النقع الذي * يكسـو بظلمتـه ذكـاء نقـابــا
وتنادبـت للذب عنـه عصبـة * ورثـوا المعـالي أشيباً وشبابــا
مـن ينتدبهم للكريـهة ينـتدب * منهـم ضراغمة الاسود غضابـا
خفوا لداعي الحرب حين دعاهم * ورسوا بعرصة كربلاء هضابـا
أسدٌ قد اتخذوا الصـوارم حليـة * وتسربلوا حلق الـدروع ثيـابـا
تخذت عيونهم القساطل كحلهـا * وأكفّهم فيض النحـور خضابـا
يتمايلـون كأنمـا غنـى لـهم * وقـع الضبـا وسقاهُمُ أكـوابـا

____________
(1) البرود : مفرده بُرد بالضم فالسكون ، و هو : ثوب مخطَّط ، و قد يُقال لغير المخطَّط أيضاً ، وجمعه بُرُود وأبرادٌ وأبرُد ، و منه الحديث : الكفن يكون بُرداً ، فإن لم يكُن بُرداً فاجعله كله قطناً ! و البُرودَة : كساءٌ أسود مربّع فيه صغر يكتسيه الاعراب ، وفي المنجد انه كساء من الصوف الاسود يلتحف به ، انظر : مجمع البحرين للطريحي : ج3 ، ص 13 ، المنجد : ص33.
(2) الفداء : بكسر أوله يُحدّ ويقصر وإذا فتح فهو مقصور ، والمراد به فكاك الاسير واستنقاذه بالمال ، يقال : فداه من الاسر تفدية إذا استنقذه بمال. مجمع البحرين للطريحي : ج 1 ص328.
(3) اللهوف : ص 40 ، بحار الانوار : ج 44 ، ص394 ، العوالم : ج17 ، ص244 ، أسرار الشهادة للدربندي : ج2 ، ص221 ، ترجمة الامام الحسين ( من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ) ص221 ، ح202.

( 29 )

بـرقت سيوفهم فـأمطرت الطلا * بدمائهـا والنقـعُ ثـار سحـابا
وكـأنهـم مـستقبلون كواعبـاً * مستقبلـيـن أسنـةً وكعــابـا
وجدوا الردى من دون آل محمد * عذبـاً وبعدهـم الحيـاة عذابـا
ودعاهـم داعي القضـاء وكلُهُم * ندبٌ إذا الداعي دعاه أجـابا (1)

الامام الحسين عليه السلام لا يأذن بالشهاده لمن كان عليه دين

روي عن موسى بن عمير ، عن أبيه قال : أمرني الحسين بن علي عليه السلام قال : نادِ أَنْ لا يُقتل معي رجلٌ عليه دَينٌ ، وناد ِبها في الموالي فإنّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله يقول : من مات وعليه دين اُخذ من حسناته يومَ القيامة (2)
و بمضون آخر وردت أيضاً عن موسى بن عمير الانصاري ، عن أبيه ، قال : أمرني حسين بن علي عليهما السلام فقال : نادِ في الناس أنْ لا يقاتلِنَّ معي رجلٌ عليه دينٌ ، فإنَّهُ ليس من رجُل يموتُ و عليه دينٌ لا يَدعُ له وفاءً إلا دخلَ النَّار !!
فقام إليه رجلٌ فقالَ : إنَّ امرأتي تكفّلت عنّي ؟
فقال : و ما كفالَةُ امرأة ، و هل تقضي امراةٌ (3).
وذكرها الذهبي أيضاً : عن الثوري عن أبي الجحَّاف ، عن أبيه : أن رجلاً قال للحسين عليه السلام : إنَّ عليَّ ديناً.
قال عليه السلام : لا يُقاتلُ معي مَنْ عليه دين (4)
____________
(1) رياض المدح والرثاء للقديحي : ص94 ـ 95.
(2) إحقاق الحق : ج 19 ص 429 ، موسوعة كلمات الامام الحسين : ص 417
(3) احقاق ألحق : ج 19 ، ص 429 ، موسوعة كلمات الامام الحسين ، ص 417 ـ 418 ، حياة الامام الحسين للقرشي : ج3 ، ص171 ، المعجم الكبير للطبراني : ج 3 ، ص 132 ، ح6872.
(4) سير أعلام النبلاء للذهبي : ج 3 ، ص 301.

( 30 )

سكينة تصف ليلة العاشر

روي مؤلف كتاب نور العيون بإسناده ، عن سكينةَ بنت الحسين عليه السلام ، أنها قالت : كُنتُ جالسةً في ليلة مقمّرة وسط الخيمة ، وإذا أنا أسمع من خلفها بكاءً وعويلاً ، فخشيت أن يفقه بي النساء ، فخرجت أعثر بأذيالي ، وإذا بأبي عليه السلام جالس وحوله أصحابه وهو يبكي ، وسمعته يقول لهم : أعلموا أنّكم خرجتم معي لعلمكم أنّي أقدم على قوم بايعوني بألسنتهم وقلوبهم ، وقد إنعكس الأمر لأنهم استحوذ عليم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، والآن ليس لهم مقصدٌ إلاّ قتلي وقتل من يجاهد بين يدي وسبي حرمي بعد سلبهم ، وأخشى أنّكُم ما تعلمون وتستحون ، والخدع عندنا أهل البيت محرّم (1) ، فمن كره منكم ذلك فلينصرف ، فإنّ الليل ستير والسبيل غير خطير ، والوقت ليس بهجير ، ومَنْ واسانا بنفسه كان معنا غداً في الجنان نجيّاً من غضب الرحمن ، وقد قال جدّي محمد صلّى الله عليه وآله : ولدي الحسين يُقتل بأرض كربلاء غريباً وحيداً عطشاناً فريداً ، فمن نصره فقد نصرني ونصر ولده القائم ـ عجل الله فرجه ـ ، ولو نصرنا بلسانه فهو في حزبنا يوم القيامة.
قالت سكينة : فو الله ما أتمّ كلامه إلاّ وتفرق القوم من عشرة وعشرين ، فلم يبق معه إلا واحد وسبعون رجلاً ، فنظرت إلى أبي منكساً رأسه فخنقتني العبرة ، فخشيت أن يسمعني ورفعت طرفي إلى السماء وقلت : اللهم انّهم خذلونا فاخذلهم
____________
(1) وفي أسرار الشهادة : وأخاف أن لا تعلموا ذلك ، او تعلموا ولا تتفرقوا للحياء منّي ، ويحرم المكر والخدعة عندنا أهل البيت.
( 31 )

ولا تعجل لهم دعاءً مسموعاً ، وسلط عليهم الفقر ولا ترزقهم شفاعة جدّي يوم القيامة ، ورجعت ودموعي تجري على خدي ، فرأتني عمتي أم كلثوم ، فقالت : ما دهاك يابنتاه ، فأخبرتها الخبر ، فصاحت واجدّاه واعليّاه ، واحسناه واحسيناه ، واقلّة ناصراه ، أين الخلاص من الأعداء ليتهم يقنعون بالفداء ، تركت جوار جدّك وسلكت بنا بُعدَ المدى ، فعلا منّا البكاء والنحيب.
فسمع أبي ذلك فأتى إلينا يعثر في أذياله ودموعه تجري ، وقال : ما هذا البكاء ؟
فقالت : يا أخي ردّنا إلى حرم جدّنا ، فقال : يا اختاه ليس لي إلى ذلك سبيل ، قالت : أجل ، ذكرهم محل جدّك وأبيك وأمك وأخيك ، قال : ذكّرتهم فلم يذكّروا ووعظتهم فلم يتعظوا ، ولم يسمعوا قولي ، فما لهم غير قتلي سبيل ، ولا بدّ أن تروني على الثّرى جديلاً ، ولكن أوصيكنّ بتقوى الله ربّ البريه والصبر على البلية وكظم نزول الرزيّة ، وبهذا أوعد جدّكم ولا خلف لما أوعد ، ودّعتكم إلهي الفرد الصمد ، ثم تباكينا ساعة والإمام عليه السلام يقول : ( وَما ظلمُونا ولكنْ كانُوا أنفسَهُم يَظلمُون ) (1) (2)
____________
(1) سورة البقرة : الأية 57.
(2) الدمعة الساكبة : ج4 ،ص 271 ـ 272 ، أسرار الشهادة للدربندي : ج 2 ، ص 222 ـ 223 ، الأيقاد : ص 93 ـ 94.

( 32 )

الامام الحسين عليه السلام يُخبر أصحابَه بالشهادة

روى عن أبي حمزة الثمالي ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام يقول : لمّا كان اليوم الذي اُستشهد فيه أبي عليه السلام جمعَ اهله واصحابه في ليلة ذلك اليوم ، فقال لهم : ياأهلي وشيعتي اتخذوا هذا الليل جملاً لكم وانجو بإنفسكم ، فليس المطلوب غيري ، ولو قتلوني ما فكروا فيكم ، فانجوا رحمكم الله ، فأنتم في حلٍّ وسعة من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني
فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد : والله يا سيدنا يا أبا عبدالله ، لا خذلناك ابدا ، والله لا قال الناس : تركوا إمامهم وكبيرهم وسيدهم وحده حتى قُتل ، ونبلو بيننا وبين الله عُذراً ولا نخليك أو نُقتل دونك !!
فقال لهم : ياقوم إني في غَد اُقتلُ وتُقتَلون كُلكُم معي ولا يَبقى مِنكم واحدٌ فقالوا : الحمدُ للهِ الذي أكرمَنا بنصرِكَ وشرّفَنَا بالقتل معك ، أولا ترضى أن نكون معكَ في درجتِكَ يا ابن رَسولِ اللهِ ؟
فقال عليه السلام جزاكم الله خيراً ! ودعا لهم بخير ، ـ فأصبح وقُتل وقُتلوا معه اجمعون ـ .
فقال له القاسم بن الحسن عليه السلام : وأنا فيمن يُقتل ؟ فأشفق عليه ، فقال له : يا بُني كيف الموت عندك ؟ قال : يا عم فيك أحلى مِنَ العسل ، فقال : إي واللهِ فداك عَمُكَ ، إنك لاحد من يُقتل من الرجال معي بعد أن تبلو ببلاء عظيم ، ويُقتل ابني عبدالله.


( 33 )

فقال : يا عم ويصلون إلى النساء حتى يُقتل عبدالله وهو رضيع ؟ فقال : فداك عمك ( يُقتل ابني عبدالله إذا جفت روحه عطشاً وصرت إلى خيمنا فطلبتُ له ماءً ولبناً فلا أجد قط فأقول : ناولوني ابني لاُشربه مِنْ فيَّ ) (1) ، فيأتوني به فيضعونه على يديَّ فأحمله لاُدنيه من فيَّ فيرميه فاسق بسهم فينحره وهو يناغي فيفيض دمه في كفي فأرفعه إلى السماء وأقول : اللهم صبراً واحتساباً فيك ، فتعجلني الاسنة منهم ، والنار تسعر في الخندق الذي في ظهر الخيم ، فأكرُّ عليهم في أمرّ أوقات في الدنيا ، فيكونُ ما يُريد الله ، فبكى وبكينا وارتفع البكاءُ والصُراخ من ذراري رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الخيم.
ويسألني زهير بن القين وحبيب بن مظاهر عن علي ، فيقولون : يا سيدّنا فسيدّنا علي ؟ فيشيرون اليَّ ماذا يكون من حاله ؟
ـ فيقول مستعبراً ـ : ما كان الله ليقطع نسلي من الدنيا ، فكيف يصلون إليه وهو أبُ ثمانية أئمة (2)

وفتية من بني عدنان ما نظـرت * عين الغــزالة أعلى منهمُ حسبـا
اكفُهم يخصبُ المرعى الجديب بها * وفي وجوههم تستمطــر السُحبـا
أكرم بهـم من مصاليت وليـدهمُ * بغير ضرب الصلى بالبيض ما طربا

____________
(1) كان في العبارة تصحيف وما بين القوسين هو ما أثبته صاحب معالي السبطين كما لا يخفى.
(2) مدينة المعاجز للبحراني : ج4 ، ص 214 ، ح295 ، و ص 286 ، ط ـ قديم ، وروى هذه الرواية بإسناده إلى أبي حمزة ، ابن حمدان الحضيني في الهداية الكبرى : ص 43 ( مخطوط ) ، معالي السبطين للحائري : ج 1 ، ص 343 ـ 344 ، نفس المهموم للقميّ : ص343 ـ 344.

( 34 )

الامام الحسين عليه السلام يُري أصحابَه منازلهم في الجنة

وروي أنَّ الحسين عليه السلام كشفَ لاصحابه عن أبصارهم فرأوا ما حباهمُ اللهُ من نعيم ، وعرَّفَهم منازلَهم فيها ، وليس ذلك في القدرةِ الالهيةِ بعزيز ولا في تصرفاتِ الامام بغريب ، فإنَّ سحرةَ فرعون لمّا آمنوا بموسى عليه السلام وأراد فرعون قتْلَهم أراهم النبيُ موسى عليه السلام منازلَهم في الجنة (1).
قال شاعر اهل البيت الفرطوسي ـ عليه الرحمة ـ :

وأراهم وقد رأى الصدقَ منهم * في الموالاة بعد كشف الغطاءِ
مالهم من منازل قد اُعــدت * في جنان الخلود يوم الجـزاءِ
ولعمري وليـس ذا بعسيــر * أو غريب من سيد الشّهــداءِ
فلقد أطلـعَ الكليــمُ عليهــا * منهم كـلَّ ساحـر بجــلاءِ
حينما آمنـوا بما جـاءَ فيـه * عندَ إبطال سحرِهم والريـاءِ
بعد خوف من آلِ فرعونَ مرد * لهم منـذر بسـوءِ البــلاءِ
فـأراهم منـازلَ الخيرِ زلفىً * وثواباً في جنـةِ الاتقيــاءِ
لازدياد الـيقين بـالحق فـيهم * بعد دحض للشك والافتــراءِ
وثَباتاً منهم على الدين فيمــا * شاهدوه من عالم الارتقاءِ (2)

وروي عن سعد بن عبدالله ، عن احمد بن محمد ابن عيسى ، عن الاهوازي ،
____________
(1) أخبار الزمان للمسعودي : ص274 ، مقتل الحسين للمقرم : ص215.
(2) ملحة أهل البيت للفرطوسي : ج 3 ، ص 291.

( 35 )

عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن ابي حمزة الثمالي ، قال : علي بن الحسين عليه السلام كنت مع أبي في الليلة التي قُتل في صبيحتها فقال عليه السلام لاصحابه هذا الليل فاتّخذوه جملاً فإنَّ القوم إنما يريدونني ، ولو قتلوني لم يلتفتوا اليكم ، وانتم في حل وسعة.
فقالوا : والله لا يكون هذا ابداً ! قال : إنكم تُقتلون غداً ( كُلّكُم ) ولا يفلت منكم رجُل ، قالوا الحمد لله الذي شرفّنا بالقتل معك ثم دعا ، وقال لهم : ارفعوا رؤوسَكم وانظروا ، فَجعلوا يَنظرون إلى مواضعِهم ومنازلِهم من الجنة ، وَهو يقولُ لهم : هذا منزِلُكَ يا فلان ، وهذا قصرُك يافلان ، وهذه درجتك يافلان ، فكان الرجلُ يَستقبلُ الرّماحَ والسيوفَ بصدرِه وَوجهِه ، ليصلَ إلى مَنزِلِه مِنَ الجنة (1).
وَفي حديثِ أبي جعفر الباقر عليه السلام إن الحسينَ عليه السلام قال لاصحابهِ : ابشروا بالجنةِ فواللهِ إنّا نَمكثُ مَا شاء اللهُ بعدَ مَا يجري عَلينا ، ثم يُخرجُنا اللهُ وإياكم حتى يَظهر قَائمُنا فَينتقمَ من الظالمينَ ، وأنا وأنتم نُشاهِدهم في السلاسل والاغلال وأنواع العذاب !!
فَقيلَ له : مَنْ قائمُكُم يا ابن رسولِ الله؟
قال : السابع مِن وِلدِ ابني محمد بن علي ِّ الباقر ، وهو الحجةُ ابنُ الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني ، وهو الذي يَغيبُ مدةً طويلةً ثم يظهرُ وَيملاُ الارضَ قسطاً وَعدلاً كما مُلئت ظلماً وَجوراً (2).
____________
(1) الخرائج والجرائح للراوندي : ج2 ، ص 847 ـ 848 ، بحار الانوار : ج 4 ، ص 298 ، أسرار الشهادة للدربندي : ج 2 ، ص 221.
(2) مقتل الحسين للمقرم : ص215.

( 36 )

وروى الصدوق ـ عليه الرحمة ـ في علة إقدام أصحاب الحسين عليه السلام على القتل ، قال : حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق رضي الله عنه قال : حدثنا عبدالعزيز بن يحيى الجلودي قال حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال : حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : أخبرني عن أصحابِ الحسين عليه السلام وإقدامِهم على الموتِ ، فقال : إنَّهم كُشفَ لَهم الغطاء حتى رَأوا منازلَهم من الجنةِ ، فكانَ الرجلُ منهم يَقدمُ على القتلِ لِيُبادرَ إلى حَوراءَ يُعانِقُها وإلى مكانِه مِن الجنة (1).
وجاء في زيارة الناحية المقدسة : أشْهدُ لَقدْ كَشفَ اللهُ لكمُ الغِطاء ، وَمَهّد لكُمُ الوطاء ، وأجزل لكم العطاء ، وكُنْتُمْ عن الحقِّ غَيرَ بطاء ، وأنتُم لنا فُرطاء ، ونحنُ لكُم خُلطاءُ في دارِ البقاء ، والسلام عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاته (2)
ولقد أجاد من قال فيهم ( صلى الله عليه وآله ) :

وذووا المروة والوفا أنصـارُه * لهم على الجيش اللئامِ زئيـرُ
طهرت نفوسهم لطيب اُصولها * فعناصرٌ طابت لهم وحجـورُ
فتمثّلت لهم القصورُ وما بهِـم * لولا تمثّلت القصورُ قصـورُ
ما شاقَهم للموت إلاّ دَعْــوَة * الرحمن لا ولدانُها والحورُ (3)

وقال الاخر :
____________
(1) علل الشرائع : ح 1 ، ص 229 ، ب 163 ، ح 1 ، بحار الانوار : ج 44 ، ص 297 ، مدينة المعاجز : ج4 ص214.
(2) الاقبال لابن طاووس : ج3 ،ص 80 ، بحار الانوار : ج 98 ، ص 273 ـ 274.
(3) نفثة المصدور للشيخ عباس القمي : ص629.

( 37 )

وفتية من رجال الله قد صبـروا * على الجلاد وعانوا كلَّ محـذورِ
حتّى تراءت لهم عـدن بزينتهـا * مآتماً كُنَّ عُرس الخُرَّد الحورِ (1)

وقال آخرٌ أيضاً :
وبيتوه وقد ضـاق الفسيــحُ بـه * منهم على موعد من دونه العطـلُ
حتى إذا الحرب فيهم من غد كشفت * عن ساقها وذكى من وقد ما شعلُ
تبـادرت فتيـةٌ من دونه غــررٌ * شمّ العرانين ما مالوا ولا نكلـوا
كأنّما يجتنــى حلـواً لانفسهــم * دون المنون من العسّالـة العسـلُ
تراءت الحور في أعلى القصور لهم * كشفاً فهان عليهم فيه ما بذلـوا (2)

الامام الحسين عليه السلام يعظ أصحابه ويبشّرهم

جاء في تفسير الامام العسكري عليه السلام في قوله عزوجل : ( وإذْ قُلْنا للملائكةِ اسجدُوا لادمَ فسجدُوا إلا إبليسَ أبى واستكبرَ وكانَ مِنَ الكافرين ) (3)
قال عليه السلام : ولمّا امتحن الحسين عليه السلام ومن معه بالعسكر الذين قتلوه ،وحملوا رأسه قال لعسكره : أنتم من بيعتي في حل فالحقوا بعشائركُم ومواليكم.
وقال : لاهل بيته قد جعلتكم في حلٍّ من مفارقتي ، فإنَّكمْ لا تُطيقونهم
____________
(1) أدب الطف للسيد جواد شبر : ج 6 ، ص 261.
(2) الدمعة الساكبة : ج 4 ، ص 278.
(3) سورة البقرة : الآية 34.

( 38 )

لتضاعف اعدادهم وقواهُمْ ، وما المقصود غيري ، فدعوني والقوم ، فإنَّ اللهَ ـ عزّوجلّ ـ يُعينُني ولا يُخليني من حُسني نظرهِ كعاداته في اسلافنا الطَّيبين.
فأمّا عسكره ففارقوه ، وأما أهله الادنون من أقربائه فأبوا !! وقالوا : لا نفارقك ويحلُّ بنا ما يحلُّ بك ، ويحزننا ما يحزنك ، ويصيبنا ما يصيبك ، وإنّا أقرب ما نكونُ إلى الله إذا كنا معك.
فقال لهم : فإنْ كُنتم قد وطنتم أنفسكم على ما وطَّنت نفسي عليه ، فاعلموا أنَّ الله إنّما يهبُ المنازل الشريفة لعباده (لصبرهم) باحتمال المكارة ، وأنَّ الله وإنْ كان خَصَّني مع مَنْ مضى مِنْ أهلي الَّذينَ أنا آخرُهُم بقاءً في الدُّنيا من الكرامات بما يَسهل عليَّ معها احتمال الكريهات ، فإنَّ لكم شطرُ ذلك من كرامات الله تعالى ، واعلموا أن الدنيا حُلوها ومرها حُلمٌ (1) والانتباه في الاخرة ، والفائز من فاز فيها ، والشقيُّ مَنْ شقي فيها.
أولا اُحدثكم بأول أمرنا وأمركم معاشرَ أوليائنا ومحبينا ، والمعتصمينَ بنا ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له معرضون (2)؟
قالوا بلى يا ابن رسول الله
قال : إنَّ الله تعالى لمّا خلقَ آدم ، وسوّاهُ وعلَّمَه أسماء كلَّ شيء وعرضهم على الملائكة ، جعل محمداً وعلياً وفاطمةَ والحسنَ والحسينَ عليهم السلام أشباحاً خمسةً في ظهرِ آدم ، وكانت أنوارُهم تُضيءُ في الافاق من السماوات والحُجب والجنان والكرسيّ والعرش ، فأمر الله تعالى الملائكة بالسجود لادم تعظيماً له ، إنَّه قد فضّله
____________
(1) وفي أسرار الشهادة : واعلموا أن الدنيا حلوها مرّ ، ومرها حلو.
(2) وفي بحار الانوار : مقرّون

( 39 )

بأن جعله وعاء لتلك الأشباح التي قد عم أنوارها في الآفاق ، فسدوا إلا إبليس ابى أن يتواضع لجلال عظمة الله ، وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت ، وقد تواضعت لها الملائكة كلها واستكبر وترفع ، وكان باءبائه ذلك وتكبره من الكافرين (1).
ومن جملة البشارات التي بشر بها الحسين عليه السلام اصحابه عليهم السلام هو مارواه القطب الراوندي عن أبي سعيد سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبن فضيل ، عن سعد الجلاّب ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال الحسين بن علي عليهما السلام لاصحابه قبل أن يُقتل : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : يا بُنيَّ إنك ستساقُ إلى العراق ، وهي أرضٌ قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيّين ، وهي أرضٌ تدعى ( عموراء ) وإنك تستشهد بها ، ويستشهد معك جماعةٌ من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد ، وتلا : ( قُلنا يَا نارُ كُوني برداً وَسلاماً على إبراهيم ) (2) تكونُ الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً فابشروا ، فو الله لئن قتلونا ، فإنَّا نرد على نبيّنا (3)
____________
(1) تفسير الامام العسكري عليه السلام : ص 218 ـ 219 ، تاويل الايات : ج 1 ، ص 44 ، ح 18 ( باختصار ) ، بحار الانوار : ج11 ، ص 149 ، ج 45 ، ص 90 ـ 91 ، الدمعة الساكبة :ج4 ص270 ، أسرار الشهادة للدربندي : ج2 ، ص223 إلى قوله الشقي من شقي فيها.
(2) سوره الانبياء الاية : 69.
(3) الجرائح والخرائج للراوندي : ج2 ، ص848 ، بحار الانوار ج45 ، ص80 ، ح6 ، مدينة المعاجز للبحراني : ج3 ، ص504 ص245 الطبعة الحجرية.

( 40 )

الحسين عليه السلام يعالج سيفه
ووصيته لاُخته زينب ( عليها السلام )

رويَّ عن عليِ بنِ الحسينِ بن علي عليه السلام قال : إني جالسٌ في تلكَ العشيّةِ التي قُتل أبي صَبيحتَها وَعمتي زينبُ عندِي تُمرضُني إذ اعتزلَ أبي بأصحابِه في خَباء له وَعندَه حُوَىّ مَولى (1) أبي ذر الغُفاري وَهو يُعالجُ سَيفَه (2) ويُصلِحُهُ وأبي يقولُ :

يَا دهرُ أفٍّ لكَ مِنْ خَليـلِ * كَمْ لكَ بالاشراقِ وَالاصيلِ
مِنْ صَاحب أو طالب قَتيلِ * وَالدهرُ لا يَقنعُ بالبديــلِ
وإنَّمَا الامرُ إلى الجليــلِ * وَكلُّ حيٍّ سَالـكُ السبيـلِ

____________
(1) هو : جون بن حوى مولى أبي ذر الغفاري ، كما في الزيارة الرجبية وزيارة الناحية ، وكذا في مقاتل الطالبيين ، وذكره الخوارزمي والطبري باسم حُوى ، وذكره الشيخ المفيد في الارشاد وابن شهراشوب في المناقب باسم جوين. وكان جون منضمَّاً إلى أهل البيت عليهم السلام بعد أبي ذر فكان مع الحسن عليه السلام ثم مع الحسين عليه السلام ، وصحبَه في سفره من المدينة إلى مكة ثم إلى العراق ، وفي كامل بهائي أنه كان بصيراً بمعالجة آلات الحرب واصلاح السلاح ، وقتل بين يدي الحسين عليه السلام ووقف عليه وقال : اللهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع الابرار ، وعرف بينه وبين محمد وآل محمد ، وروي عن الباقر عن علي بن الحسين عليهم السلام إنّ بني أسد الذين حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جوناً بعد أيّام تفوح منه رائحة المسك.
راجع : مقتل الحسين للخوارزمي : ج 1 ص 237 ، تاريخ الطبري : ج 4 ص 318 ، المناقب لابن شهراشوب : ج 4 ص 103 ، كامل بهائي : ج2 ، ص280 ، إبصار العين : ص 105 ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص 80 ـ 81.
(2) وفي مقاتل الطالبيين : ص113 ، وهو يعالج سهاماً له ، وبين يديه جون الخ.

( 41 )

قال : فأعادها مرتين أو ثلاثاً حتى فَهِمتُها ، فَعرَفتُ مَا أرادَ فَخنقَتني عَبرتي فرددّتُ دَمعي ولزمتُ السكون فَعلمتُ أنَ البلاءَ قد نزلَ ، فأمّا عمَّتي فإنها سَمِعت ما سمعتُ وهي امرأةٌ وَفي السماءِ الرقَّةُ والجزعُ فَلم تملك نفسَها أن وَثبت تَجرُّ ثوبَها وَإنها لحاسرةٌ حتى انتهت إليه فقالت : واثكلاه لَيتَ الموتَ أعدمني الحياة ، اليومَ ماتتْ فاطمةُ أمّي وعليٌّ أبي وحسنٌ أخي ، يا خليفةَ الماضي وثمال (1) الباقي (2).
قال : فَنظَر إليها الحسين عليه السلام فقال : يا أُخيّةُ لا يُذهبنَّ حلمَكِ الشيطانُ ، قالت : بأبي أنتَ وأمي يا أبا عبدالله استقتلتَ نَفسي فداكَ.

قالت أتُقتل نصبَ عيني جهرة * ما الرأي فيَّ وما لديَّ خفيـرُ
فأجابها قلّ الفدا كثُــر العدى * قَصُرَ المدى وسبيلنا محصور

فَردَّ غُصّتَهُ وَترقرقتْ عَيناهُ ، وَقالَ : لو تُركَ القطا (3) ليلاً لنام (4) ، قالت : يَاويلتي
____________
(1) جاء في حديث أبي طالب عليه السلام يمدح ابن أخيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثِمالُ اليتامي عصمةٌ للارامل

الثمال : ككتاب ، الغياث والذي يقوم بامر قومه ، يقال : فلانٌ ثِمالُ قومه أي غِياثٌ لهم. مجمع البحرين للطريحي : ج5 ، ص332.
(2) وفي الارشاد : ياخليفةَ الماضين وثمالَ الباقين.
(3) القَطَا : ضرب من الحمام ذوات أطواق يُشبه الفاخته والقُماري ، وفي المثل أهدى من القطا ، قيل أنه يطلب الماءَ مسيرة عشرة أيام وأكثر من فراخها من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فترجع ، ولا تُخطيء صادرة ولا واردة. مجمع البحرين للطريحي : ج1 ، ص347.
(4) لو ترك القطا ليلاً لنام ، جاء في قصة هذا مثل : إنه نزل عمرو بن مامة على قوم مُراد ، فطوقوه ليلاً ، فأثاروا القطا من أماكنها ، فرأتها امرأته طائرة فنبّهت المرأةُ زوجها ، فقال : إنما هي القطا ، فقالت : لو تُرك القطا ليلاً لنام. يُضرب لمن حُمل على مكروه من غير إرادته وقيل : أول من قال : لو ترك القطا

=


( 42 )

أفتَغصِبُ نفسَكَ اغتصاباً ؟ فذلكَ أقرحُ لِقلبي وأشدُّ على نَفسي وَلطمَتْ وَجهَهَا وأهوتْ إلى جَيبِها وشقتهُ ، وَخرّت مَغشياً عليها.
فقام إليها الحسين عليه السلام فصبَّ على وَجهِهِا الماءَ ، وقال لها : يا أُخيَّة اتقّي اللهَ وَتعزّي بعزاءِ اللهِ واعلمي أنَّ أهل الارضِ يَموتون ، وأنَّ أهل السماءِ لا يبقونَ وأنَّ كلَ شيء هالكٌ إلا وجهَ اللهِ الذي خَلقَ الارضَ بقُدرتهِ ، وَيبعثَ الخلقَ فيعودونَ وَهو فردٌ وحدَه ، أبي خيرٌ مني ، وأمي خيرٌ مني ، وأخي خيرٌ مني ، وَلي وَلَهم ولكلِ مُسلم برسولِ اللهِ أسوةٌ.
قال : فعزّاها بهذا وَنحوهِ ، وقال لها : يا أُخيّة إني اُقسمُ عليكِ فأبرِّي قَسمي ، لا تشُقي عليَّ جَيباً ، وَلا تخمشي عليَّ وَجهاً ، وَلا تدعي عليَّ بالويلِ والثبورِ إذا أنا هلكت.
وفي رواية (1) ثم قال عليه السلام : يا اُختاه يا اُمّ كلثوم ، وأنتِ يا زينب ، وأنتِ يا فاطمة ، وأنتِ يا رباب ، إذا أنا قُتلت فلا تشققنَ عليَّ جيباً ، ولا تخمشن عليَّ وجهاً ، ولا تقلن هجراً.
____________
=
ليلاً لنام ، حذام بنت الريان وذلك لما سار عاطس بن خلاج لقتال أبيها ليلاً فلما كانوا قريباً منه أثاروا القطا ، فمرت بأصحاب الريان فخرجت حذام إلى قومها فقالت :

الا يا قومنا ارتحلوا وسيروا * فلو تُرك القطا ليلاً لنامـا

أي أن القطا لو تُرك ما طار هذه الساعة وقد أتاكم القوم ، فلم يلتفتوا إلى قولها ، وأخلدوا إلى المضاجع لمّا نالهم من التعب ، فقام دَيسم بن طارق وقال بصوت عال :

إذا قالت حذام فصدّقوها * فإنَّ القولَ ما قالتْ حـذامِ

انظر : مجمع الامثال للميداني : ج 3 ، ص 82.
(1) اللهوف : ص36 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ص238.

( 43 )

اٌخت يـا زينب اُوصيــك وصايــا فاسمعي * إنني في هــذه الارض مـُلاق مَصــرعي
فاصبري فالصبـرُ من خيم كــرامِ المتــرعِ * كلُ حيّ سينحيــه عن الاحيــاء حيـــن
في جليلِ الخطبِ يا أختُ اصبري الصبر الجميل * إن خيرَ الصبرِ ما كــان على الخطبِ الجليل
واتركي اللطمَ على الخــدِ وإعـلان العويــل * ثم لا أكــره سَقيَ العينِ ورد الوجنتيـــن
واجمعي شملَ اليتامى بعد فقــدي وانظمــي * واشبعي من جــاعَ منهم ثم اروي مَنْ ظُمي
واذكُــري انهــم في حفظهـم طُــل دمي * ليتني من بينهم كالانــف بيـن الحاجبيــن

قال : ثم جاء بها حتى أجلسَها عندي ، وَخرجَ إلى أصحابهِ فأمرَهم أن يُقرِّبوا بعض بيوتهم مِن بعض ، وأن يُدخِلوا الاطناب بعضها في بعض ، وأن يكونوا هُم بين البُيوت ، إلا الوجه الذي يأتيهم منهُ عدوّهُم (1).
____________
(1) تاريخ الطبري : ج4 ، ص318 ، نهاية الارب للنويري : ج20 ، ص436 ، الكامل في التاريخ لابن الاثير : ج4 ، ص58 ـ 59 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ص237 ـ 238 ، الارشاد للمفيد : ص232 ، إعلام الورى للطبرسي : ص239 ـ 240 ، بحار الانوار : ج45 ، ص1 ـ 3 ، أسرار الشهادة للدربندي : ج2 ، ص224.
( 44 )

من وصايا الامام الحسين عليه السلام

قيل ومن جملة وصاياه عليه السلام والتي استأثرت باهتمام بالغ عنده ، وتدل على مدى حرصه الشديد في نشر أحكام الدين والشرع المبين مع ما هو فيه ، هو وصيته عليه السلام لاُخته زينب ( عليها السلام ) بأخذ الاحكام من الامام علي بن الحسين عليهما السلام وإلقائها إلى الشيعة ستراً عليه.
فقد جاء عن علي بن أحمد بن مهزيار ، عن محمد بن جعفر الاسدي ، عن احمد بن إبراهيم ، قال : دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا ، اُخت أبي الحسن العسكري عليهم السلام في سنة اثنين وثمانين ( ومائتين ) بالمدينة ، فكلمتها من وراء الحجاب وسألتها عن دينها ؟ فَسمّت لي من تأتم به ، ثمَّ قالت : فلان بن الحسن عليه السلام فَسمتهُ.
فقلت لها : جعلني الله فداكِ معاينةً أو خبراً ؟ فقالت : خبراً عن أبي محمد عليه السلام كتب به إلى أمه ، فقلت لها : فأين المولود ؟ فقالت : مستور ، فقلت : فإلى مَنْ تفزع الشيعة ؟ فقالت : إلى الجدَّة أم أبي محمد عليه السلام
فقلت لها أقتدي بمَنْ وصيتُهُ إلى المرأة ؟!
فقالت : إقتداءً بالحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، إنَّ الحسين بن علي عليه السلام أوصى إلى اُخته زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام في الظاهر ، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من علم يُنسب إلى زينب بنت علي تَستّراً على علي بن الحسين عليه السلام (1)
____________
(1) كمال الدين وإتمام النعمة للصدوق : ص501 ، بحار الانوار : ج 46 ، ص 19.
( 45 )

وفي هذا المعنى يقول الفرطوسي ـ عليه الرحمه ـ :

وهو أوصى إلى العقيلة جهـراً * ولزين العباد تحـت الخفــاء
فهي تعطي الاحكام للناس فتوىً * بعد أخذ من زينـة الاوليــاء
كلُّ هذا ستراً عليــه وحفظاً * لعليٍّ من أعيـُنِ الرُقبـاء (1)

ولهذا قيل : أنه كان لزينب ( عليها السلام ) نيابة خاصة عن الحسين عليه السلام وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى بريء زين العابدين عليه السلام من مرضه (2)

الامام الحسين عليه السلام يتفقّد التلاع والعقبات
وكلامه مع نافع بن هلال

كان نافع ابن هلال (3) من أخص أصحاب الامام الحسين عليه السلام به ، وأكثرهم
____________
(1) ملحمة أهل البيت عليهم السلام للفرطوسي : ج3 ، ص295.
(2) وفاة زينب الكبري للنقدي : ص 53.
(3) هو : نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مدحج المذحجي الجملي ، وفي زيارة الناحية ( البجلي ) ، وقد جاء في بعض الكتب هلال ابن نافع ، كان سيداً شريفاً سرياً شجاعاً ، وكان قارئاً كاتباً من حملة الحديث ، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وحضر معه حروبه الثلاث في العراق ، وخرج إلى الحسين عليه السلام فلقيه في الطريق ، وكان ذلك قبل مقتل مسلم ، وهو القائل للحسين بعد ما خطب خطبته التي يقول فيها : أما بعد فقد نزل من الامر ما قد ترون وأنَّ الدنيا قد تنكرت... الخ. ثم قام نافع

=


( 46 )

ملازمة له سيما في مضان الاغتيال ـ وقيل أنه كان حازماً بصيراً بالسياسة ـ فلما رأى الحسين عليه السلام خَرجَ في جَوفِ الليلِ إلى خارج الخيامِ يَتفقدُ التلاعَ (1) والعقباتِ (2) تبعَهُ نافعُ ، فسألَه الحسينُ عليه السلام عما أخرجَهُ قال : يَابنَ رسولِ اللهِ أفزعني خُروجُكَ إلى جِهةِ مُعسكر هذا الطاغي.
فقال الحسينُ عليه السلام : إني خرجتُ أتفَقدُ التلاعَ وَالروآبي (3) مخافةَ أن تكونَ مَكمَناً لِهجُومِ الخيل يِومَ تحملونَ ويَحملونَ ، ثُّم رجَع عليه السلام وَهو قَابضٌ على يدِ نافعَ ، وَيقولُ : هيَ هيَ واللهِ وَعدٌ لا خُلفَ فيه.
ثم قال لَه : ألا تَسلُك بَين هَذيَنِ الجبلَيِن في جَوفِ الليلِ وَتنجُو بنفسِك ؟ فَوقعَ نَافعُ على قَدميهِ يُقبلهُما ويقولُ : ثَكلتني أمي ، إن سَيفي بألف وَفرسي مثلُه ، فَو اللهِ الذي مَنَّ بِكَ عليَّ لا فارقتُكَ حتى يَكلا (4) عن فَري وجري.
____________
=
فقال :... وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده ، وخلع نيته ، فلن يضر إلاّ نفسه والله مغن عنه ، فسر بنا راشداً معافي ، مُشرّقاً إن شئت ، وإن شئت مُغرّباً ، فوالله ما اشفقت من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربنا ، فانا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك ، ويُعدُ نافع ـ رضوان الله عليه ـ من المشاركين في جلب الماء مع العباس عليه السلام ، وقاتل قتالاً شديداً حتى اُسر ، وقتله شمر بن ذي الجوشن. وفيه يقول السماوي :

فأضحى خضيب الشيب من دم رأسه * كسير يد ينقـاد للاســر عن يــد
وما وجدوه واهناً بعــد أســـره * ولكن بسيمـا ذي براثــن ملبــد

راجع : إبصار العين : ص 86 ـ 89 ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص 109.
(1) التلعة : جمعه تلعات وتِلاع وتِلَع ، وهي مجرى الماء من أعلى الوادي ، وهي أيضاً : ما ارتفع من الأرض وما انهبط منها فهي من الأضداد. المصباح المنير للفيومي : ص76 ، المنجد : ص63.
(2) العقبات : جمع عقبة ، وهي المرقى الصعب من الجبال. المنجد : ص518.
(3) مفردها : رابية ، وهي المكان المرتفع من الأرض.
(4) كَلَّ السيف : أصبح غير قاطع ، وكَلَّ الفرس : إذا تعب وأعيا.