11 ـ للشاعر الأستاذ سلمان الربيعي(1)
المساء الأخير
زينب عليها السلام تخاطب ليلة العاشر

طــُلْ يـا مساءُ فلا أروم صباحا *إن كــان صبحُك للأسى مفتاحا
لو دَرّ ضرع الصبح خيراً لإمرىء *ٍفأنـا سـأُسقـى ضيمــَهُ أقداحا
وإذا تـــلألأ نــورُهُ متّبسمـاً *ألقى عليَّ مـن الهمــوم وشاحا
يا ليلُ لم أسأم ظلامـكَ طالمــا *عينـاي تُبصــرُ كـوكباً لمّاحا
فمتى انجليت فسـوف أُفجع بالذي *عنّي يزيــل الغــمَّ والأتراحا
لو كنــت تعـلمُ ما يحلُّ بنا غداً *لـم تَطْوِ عن أفق الطفوف جناحا
ياليــلُ انَّ الأم تَسعــدُ بـابنها *وبــه تـرى صفو الحياةِ مُتاحا
ومتى توارى شخصُه عـن عينها *قَضَــت الحيــاةَ تأوّهاً ونواحا
فَلَكَمْ قلوبٍ سوفَ تذرفُ مِــنْ دمٍ *دمعاً يفوقُ الــعارضَ السَّحّاحا
فغداً جميعُ الطاهــرات بــكربلا *كلٌّ ستثكل سيــداً جِحّجَاحــا
يا ليــلُ صُبحــك متخمٌ بفجائعٍ *دمــُها سيغمـرُ أنجداً وبطاحا

____________
(1) هو : الشاعر الأستاذ سلمان عاصي الربيعي ، ولد سنة 1951 م في الحلّة ـ العراق ، له مشاركات في النوادي الأدبية والدينية ، صدر له ثلاثة دواوين شعرية : 1 ـ على أعتاب الديار 2 ـ الديار المحجوبة 3 ـ طيف الوطن.
( 260 )

فغداً بأرض الطفِّ طُهْرُ دمٍ الهدى *يغدو بشــرع الظالميـن مُباحا
حيث الطغاةُ على ابن بنـت نبيِّهم *جيشاً أراهم حشَّدوا وســلاحـا
وأراه قلبــاً ظامئاً مــا بينهُمْ *وسيوفُهم قــد أثخنتْهُ جراحــا
وأرى أخي العباس من طعن القنا *نسراً لــه جــذَّ الطغاةُ جناحا
وعلى رمـال الطفِّ أجساداً أرى *زُحلاً شأت بعــلوّهـا وضُراحا
وجليلُ مــا تبكي له عينُ الهدى *ويزلـزل الأبــدانَ والأرواحـا
نحرُ الرضـيعِ غداةَ يُرسَلُ نَحوَهُ *سَهمُ (ابــن كاهل) خارقاً ذبّاحا
وأرى عيـالَ محمدٍ أسرى العدى *مَنْ ذا سَيُطِلـقُ للأسيـر سراحا
يا ليلُ إذ يقــعُ الذي يُدمي الحشا *أتوَدُّ عيني أن ترى الإصبـاحـا
إنّا إلـى حــكم الدعيِّ ورهطه *هيهات نَركنُ أو نليـنُ جماحـا
فليقــتفِ الأحرارُ نهجَ زعيمِهِم *ليرَوْهُ فــي آفاقهــم مصباحا
وليقــصد الظمـآنُ ماءَ غديرنا *ليذوقَ من فيض الجنــان قراحا
لو لا دمـانا مــا استقامَ لمسلمٍ *ديــنٌ ولا بـدرُ الكرامةِ لاحا
ما سال مـن نحر الحسين بكربلا *للمـجد خــَطَّ المنهجَ الوضاحا
أبو أمل الربيعي
24 شوال 1417 هـ




( 261 )

الأستاذ سلمان الربيعي

قصيدة الربيعي مثبّتة في المتن الشعري كنص يستحضر بإخلاص وجهد تجربة تدعي التجارب الشعرية الجديدة أنها قد طواها الزمن لكن الربيعي يراها لاتزال حيّة ونابضة وله الحق في ذلك طالما أن هناك فئات كثيرة من القرّاء لازالت تستحسن ذلك وتعدّه صحيحاً وتجد في الربيعي من الشعراء مَنْ يُرسّخ ويثبّت هذا الإستصحاب لِما كان في نتاجه الغزير لإثراء هذا التوجه كمّاً ونوعاً.
وللإنصاف فالربيعي من الشعراء المعدودين الذين يواصلون سدّ إحتياجات المنبر الحسيني إلى الجديد من النصوص خطباء ومنشدي عزاء وهو شاعر على أهبة الإستعداد لتلبية نداءات الولاء والقضية الحسينية.
والقصيدة عند الربيعي تعبوية التوجّه مخطط لها بإحكام يركن بجدّ إلى معطيات علوم العربية في كلّ تشعّباتها من نحو وصرف وبلاغة وبيان ومعان وعروض ، وأغلب شعره يُرى فيه قابليته لأن يكون شاهداً من شواهد العلوم.
فالربيعي يستعرض ما تعلّمه من فنون وعلوم في شعره و خصوصاً في تفريعات العلوم اللغوية ويرى فيه نوعاً من الإنتماء إلى الأصيل والثابت الذي يشكّل هويته الشعرية والذي يُخلص في الالتحام به على الرغم من كون هذه النظرة نظرة تراثية إلى التراث نفسه ، لكن الربيعي يحتمي تحت سقفها وله فيها كل الحق.
ولازلت أرى في خروجه على طوق النظم في بحر الكامل ـ الأثير لديه ـ وتثبيت هذا الخروج إنفتاحاً على إمكانات بنائية تمنحها الأبحر الأخرى للربيعي الذي بدأ ذلك في مجموعته الشعرية الثالثة ـ طيف الوطن ـ ولكن بحذر شديد وتوجس.


( 262 )

12 ـ للشاعر الأستاذ شفيق العبادي(1)

الى سيدتي الذكرى
اطلّي...
فقد أينع الشوقُ وانداحَ عطرُ الحنين
وجئنا على الوعد ياامرأة زادُها الحزن والذكرياتْ
لأبنائها الراحلينْ
مع الشمس كي يُشعلوا ظُلمات المساءْ
لنقطف من شجر القلب أشهى القصائدْ
وننثُرها بين كفيك يُنبوع ماءْ
قرابينَ
لكنها...
ـ يالفرط البلاهة ـ
من أحرف مطفآت
لكيما...
____________
(1) هو : الشاعر الاستاذ شفيق معتوق العبادي ، ولد سنة 1385 هـ فى تاروت ـ القطيف اكمل الثانوية العامة ، يعمل حاليا موظفا فى كلية الطب بجامعة الملك فيصل بالدمام ،يكتب الشعر والمقالة وا لقصة وينشر نتاجه الادبي في الصحف المحلية وبعض الصحف العربية ، كتب عنه في عدد من الكتب التي تناولت ادب المنطقة وفي الدوريات الادبية وله مشاركات بارزة على الصعيد الادبي والثقافي.
( 263 )

تُضمّد أحزانها وتطيرْ
وتبقين وحدك في وحشة الدرب
ترعين غرس الدماءْ

***

ولكنه العشق سيدتي فاعذريني
إذا ما خدشت حياء القصيدةْ
فجاءتْك ترقص في موكب الحزن مأنوسة بالجراحْ
وقد راح غيري يروّيك بالأدمع الخاثراتْ
ففي حضرة الوجد مَنْ ذا يُطيق إغتصاب الحروفْ ؟

***

إذا ما انتحيت عن السرب حلّقتُ وحدي
أُعير جناحيَّ للريح كيما تحلّقَ بي للفضاءْ
فلا أُفق.. غير العيون المليحات يستوطن الشعرْ
لا شيء يُطرب هذا اليراع المعنّى
سوى لغة منكِ تذكي لظاهْ
ليرحلَ نحو النجومِ البعيدةْ


( 264 )

ويبحث عن لغة طعمها العشق
عن لغة لونها العشق
كي يستعير القوافي
ليستلهم الذكريات العذارى
ويروي الحروف الظماءْ
ويعزف من وجع القلب ذكرى هواهْ
وذكرى صباهْ
وذكرى الليالي الجميلةْ
فأنت العيون التي ألهمت ريشتي كلّ هذا الغناءْ

***

وأنت العيون التي شاغلتني خطاها طويلاً
وأوسعتها غزلاً
ذبت فيها جوى
سرت من أجلها في دروب المنافي
تأرجحت فوق حبال المشانقِ
خالفت في شرعة الحب كلّ القوانينِ
عارضت كلّ رجالِ القبيلةْ
فلولاك..


( 265 )

لولاك..
يا حلوتي ما تجشمت هذا العناءْ

***

وسافرت بين سواحلها الزرق
أبحث عن نورس أنكرته الشواطيء
ضاقت بعينيه كلّ الدروبْ
وقص جناحيه برد المدينةْ
جزيرته في أقاصي البحار
وأعراقها في حنايا السماءْ
يجيء على فرس الريح في كلّ عام اليها
ليُسمِعها الأغنيات الحزينةْ
ويحمل ما بين عينيه ذكرى جديدةْ
لملحمة الكبرياء
ليغرس
أعشاشها في الذرى
ويرحل عنها لُقىً في العراءْ

شفيق العبادي
20|2|1417 هـ تاروت




( 266 )

الأستاذ شفيق العبّادي

شفيق العبادي حسٌّ نابض بحيوية العاطفة وصدقها ، بجرأة المواجهة يُغنّي موّالاً مفرداً بأسى عميق لكن بلا دموع ، فهو يحتفل بحزنه الخاص على طريقته الخاصة أيضاً ، لذا فهو يعزف تحت شرفة الذكرى ، يعزف على أوتار الشوق اليانع والحنين المعطّر لكي تُطلّ عليه الليلة بحزنها وذكرياتها ليتمّ لقاؤه بها ، فينثر بين كفيها قصائده النابعة من القلب بإحرفها المطفآت ليعبّر لها عن الخيبة والمرارة لأنه صادق العواطف لكنّه يصاب بالبله أمام جلالها الآسر فلا يمنحها إلاّ خواء قصائده التي تضمّد أحزانها بعد اللقاء وتطير في سماواتها لتبقى الذكرى وحدها في عملية مستحيلة لغرس الدماء.
ويرجع العبادي ثانية ليعزف على وتر آخر هو وتر العشق ليرقّص قصيدته المخدوشة في حيائها في الموكب العام للحزن ، في الإحتفالية الجماعية بقدوم الذكرى.
يحس العبادي بتفرده فيسلك سلوكاً مغايراً للسائد والمتعارف وكل ذلك بسبب من علاقة حضور صوفية أسماها (الوجد) تضيع فيها اللغة وتعود للحروف بكارتها الاولى فلا يستطيع الواجد الصوفي أن يرى إغتصاب الحروف فيلجأ إلى نوع من الصمت الناطق بالحيرة والذهول والتفرّد والإنتحاء عن السرب والتحليق المنفرد التائه لأنه يعير أجنحته للريح لضياع أمكنته فلا أفق له ، لكن عيون الذكرى تستوطن الشعر وتشعل إنطفاءاته ليبتديء البحث عن لغة حسيّة بطعم العشق ولونه


( 267 )

فتكتمل أدوات الشاعر ليعزف على وتر الوجع ، تكتمل أدوات الفن كلها ، ريشة ملهمة تغني ووتر يعزف ، ويبدأ عزف آخر على وتر الغزل لتنكشف تضحيات الشاعر وعناؤه وذوبانه ثمّ نفيه ثم بحثه عن قناع يندرج تحت ظلاله فيجده في نورس منفي تنكره بيئته البحرية وتمنعه المدن بظواهرها غير الطبيعية من الطيران فيعاني غيبة وانقطاعاً عن المكان ، لكنه يتواصل مع الذكرى تواصلاً حياً دفّاقاً ، له موعد محدد يجدّد الذكرى التي يحملها مابين عينيه ويغرس حنوّه والتحامه معها ثم يرحل أيضاً.
والعبادي يحاصر تجربته بجوّ محزن حادّ ويمسحها بجناح رومانسي محلّق ويطوّع نَفَساً ونبرة إيقاعيتين متبادلتين ومتعامدتين في تتابع مقاطع القصيدة ، فمع أفقية النَفَس (الذي لا يفارق القافية بيسر بل يختم مقاطع القصيدة بقافية همزية متكررة ـ الدماء ، الفناء ، العناء ، العراء ـ وهذه الظاهرة فيها بصمات الإكثار من النظم على طريقة العمود) تقفز تلك النبرة المتخفية لتلملم شتات التداعيات ليسلم تأمله الشارد من أضطرابات اللاشعور الذي يكشف رغبات وأماني الشاعر المكبوتة في تجاوز الألم التقليدي وإكتشاف شعائر أخرى للتعامل مع المتخيَّل عند الجماعة ، فهو تجنّب السطحية والتقريرية والمباشرة لصالح الغموض وعَمَه الرموز الذي قد يؤدي إلى العجز عن تصور أو تشكيل رموزه عند المتلقين مما يحقق فجوة عريضة على مستوى التوصيل.


( 268 )

13 ـ للسيد ضياء الخباز (1)
(1)
صفحات من مسرح الدم
حــَرّكَ الليـلُ سيفَهُ الأمويّا *يَرسمُ الصـبحَ مسرحاً دمويا
يطعنُ النجمَ والدراري اغتيالاً *غاضَهُ الأفــقُ مُذ بدا قمريا
فتلقتُه أنجــمٌ زاهـــرات *ٌسكبت فيــه نـورَها العلويا
نحتتهُ النجومُ ليـلاً مــنيراً *تحسدُ الشمسُ نورَه السرمديا
ثم غنتــهُ للّــيالي نشيدا *ملأ الأفقَ صــرخةً ودويا
إنَّ لحناً بــه الحسينُ تغنّى *سوفَ يبقى على المدى أبديا


***

خيّمَ الصمتُ والحسينُ هدير *ٌأرهبَ الصحبَ منه ذاكَ المُحيّا
واستدارت حروفُه في شِفاهٍ *تصهرُ الروحَ عـزمةً ومضيّا

____________
(1) هو : الخطيب الفاضل السيد ضياء السيد عدنان الخباز ، ولد سنة 1396 هـ في القطيف ، وفيها درس المقدمات الحوزية والتحق بحوزة قم المقدسة سنة 1415 هـ ولا يزال يواصل دراستها العلمية ، وله مشاركة في النوادي الأدبية والدينية ومن تأليفه 1 ـ كتاب صفحات مشرقة من حياة الإمام السبزواري 2 ـ مجموعة شعرية في المناسبات وغيرها 3 ـ كتابات أخرى.
( 269 )

قــال «اُفٍ» وليتـه لـم يقلْها *فبها ظــلّ دهــرُنا أمـويا
ويدُ الموتِ خلفَهُ تنسجُ المـوتَ *طريقاً إلــى العُلى دمــويا
قبّلتها أنصــارُه فــي هيامٍ *وجدوا الموتَ في الحسينِ هنيّا
قرأوا في الــدماءِ جناتٍ عدنٍ *صــاغها اللهُ مــرفأً أزليا
فمضَوا للخلودِ في زورق الطفّ *وخاضوا نهرا الدمـاءِ الزكيا
ما ألذّ الدمــاء فـي نُصرةِ الله *إذا كــان نبعُهــا حيدريا


***
وتلاقتْ علــى الهـدى بسماتٌ *لم يرعْها مــوتٌ يلـوحُ جليا
ضحكوا يهزؤون بالـموتِ شوقا *ًللقاءٍ يحــوي الإمــامَ عليا
وانبروا للّقاء في ســَكرةِ الحُب *ّالإلهــيِّ بالــصلاة سويـا
وانقضى الليلُ وهو يرسمُ صبحا *ًنحتَ اللهُ شمسَهُ فـي الثــريا
أطفـأتْ وهجَهُ الــسيوفُ فما *زالت رماداً ولم يـزل هو حيّا
ضياء الخباز
19|شوال|1416 هـ




( 270 )

(2)
فصول من قصة الحسين عليه السلام
وغفى الليل في عيون الصحارى *يتخفّى في جفنهـا إعــصارا
والعيـونُ السمراءُ كانتْ رمادا *ًوهو تحت الجـفون كان جِمارا
وإذا أقبــلَ الصبـاحُ سيمتـ *ّـدُ ضباباً يـُخفى لهيبـاً ونارا
فأعّدَ الحسينُ سيفــاً من النور *ونحـــراً وثلــةً أقمـارا
هاتفاً ياظلامُ (أُفٍ) فــكم أطفأ *ت فجراً وكم نحــرتَ نهـارا
ولقــد آنَ أن تمــوت لتحيا *فوقَ أشلائِكَ الشموسُ العذارى

***
قصةُ الليــل والحسين حَكاياتُ *جراحٍ تفجــرتْ أنهــارا
قصةٌ لم تزل تتوّج عرشَ الفجر *نــوراً وللشمــوس مدارا
فبها ينفخ الحسيـنُ فتســري * في شرايينها الحروفُ سكارى
قصةٌ صاغهــا الحسينُ ولولا *زينبٌ مـا تمخضتْ إعصارا


***
ورنت زينبُ البطولة في كف *أخيها سيفــاً ونوراً ونارا



( 271 )

يـوقـدُ النـارَ للألى طعنوا الشمس *ونــوراً للتائهيــن الحــيارى
يـعـزفُ المـوتَ للحيــاةِ وكان *السيفُ في وحـي صمتــه قيثارا
قـرأت فــي عينيـه من لغة الدم *حروفاً قــد عاهــدتُه انتصارا
ورأته يبني الشمــوخَ على أطلالِ *جُـرحٍ لــم يعــرف الإنكسارا
ويريقُ الشَــريانَ شلالَ هــدىٍ *كــانَ ينسابُ مــن يديه بحارا
فانبرت والرمالُ تسبقُهـا خَــطواً *إلى الشــمس قبــل أن تتوارى
إيهـي ياشمــسُ لاتمــوتي فإنّا *ما ألفنا مـن غيــر شمسٍ نهارا
إن عزمتِ على الغروب فردينا إلى *موطــن إشــراقك لنحياكِ ثارا
وهنــا المســرحُ الحسينيُّ قـد *أســدل ستـراً وأطفـأ الأنوارا
ضياء الخباز
25 / 10 / 1417 هـ




( 272 )

السيد ضياء الخباز

إعلان الشاعرية أمام ساحة التلقي شيء ، ومواجهتها للجهد النقدي فحصاً وإختباراً شيء آخر ، بمشاركتين يثبت السيد ضياء الخباز بدايته كسائر في طريق الإبداع الشعري الطويل ، زوّادته الولاء والحب والعشق الإلهي ، وأدواته الألفاظ الرقيقة والتراكيب الرشيقة والصور الخلابة المشرقة.. ولعل في قصيدتيه أصداء من الآخرين نجح في إخفائها بتفوق ظاهر مما يحقق لديه نتائج قراءاته وإصغائه في شكل يتداخل فيه نصّه الشعري مع نصوص الآخرين الشعرية في عملية تلاقح منتج تفيد تجربته الواعدة وتغنيها فنرجو منه أن لايستسلم لعوامل الإحباط والخيبة ، فالعملية الشعرية عسرة المخاض والولادة ولاتتأتّى لصاحبها بالهيّن من الجهد بل بالمثابرة والتواصل والمتابعة المستمرة.
ونحن نترك للقرآء إكتشاف هذه الموهبة الواعدة من خلال نصّيه المدرجين .


( 273 )

14 ـ الشيخ عبدالحسين الديراوي (1)

ليلة الحداد
ياليلَ عَشـرِ محــرمٍ ألبستنــا *ثوبَ الحــدادِ فكلُّنــا مثكـولُ
وافيتنــا بالنائبــاتِ وإنَّهــا *أمرٌ على كلِّ النفــوس ثقيــلُ
فجَّرْتها يومَ الطفـوفِ عظيمــة *ًمنها ربوعٌ قد بكـت وطلــولُ
حاربتَ مَنْ في فضلهم دون الورى *نطق الكتــابُ ونـوّهَ الانجيـلُ
لما رأيــتَ ابن النــبي ونورُه *( عُرضُ الدُنى فيه زها والطولُ )
أمَّ العـراقَ بِفتيــةٍ مــن أهله *ليُقيمَ أمراً قــد عراه خمــولُ
أثقلــتَ كــاهلَه بهـا وأعَقْتَه *من أن يحقــّقَ ما هـو المأمولُ
ورميتَه بسهام غــدرٍ مـا ابتلى *فيها وصـيٌ قبلَــه ورســولُ
خَذَلَتْه أقــوامٌ تسابــقَ رُسْلُهم *منهـم مُــريحٌ عنده وعجـولُ
برسائــلٍ مضمونُهــا وحديثُها *أن ليس غيرُك للنجـاةِ سبيــلُ
إنا لأمرك طائعــون فقــم بنا *فإلامَ يحكم فــي البلاد جهولُ
عجِّل فــدتك نفوسُنا فكبيــرُنا *وصغيرُنا لك ناصــحٌ ووصولُ

____________
(1) هو : الطيب المعاصر الشيخ عبد الحسين عبد السادة الديراوي ولد في خوزستان وسلك في عداد خدام المنبر الحسيني كما درس في الحوزة العلمية في قم المقدسة والأهواز ، وله ديوان سعر شعبي ( مطبوع ) أغلبه في واقعة الطف وله مشاركات في المناسبات الدينية وغيرها.
( 274 )

تالله إن لــم تستجب لندائنــا *فالدينُ ديــن أميــةٍ ســيؤولُ
ومن المدينة حيـن راح يحفــه *مَنْ مالَهم في العالمــين مثيــلُ
قد نُزِّهوا عــن كل ما من شأنه *يُوري فــهم لذوي العُلا إكليــلُ
نزلوا بأرض الغاضرية فازدهت *من نــورهم ليت المقام يطــولُ
باتوا وبات ابــن النبي كأنَّــه *بــدرُ الســماء وذالكمْ تــأويلُ
أحيى وأحــيوا ليلَهـم بتضرعٍ *وتبتّــُل وعــلا لهــم تهليـلُ
وغدا يودّعُ بعضُهم بعــضاً فما *أحرى بأن يبكي الخليــلَ خليـلُ
حتى إذا ولَّى الظلامُ وأصــبحوا *أُسداً تجول على العدى وتصــولُ
شهدت ببأسهم الفيالــقُ إذ رأتْ *موتَ الــزؤام لـه بــهم تعجيلُ
فكـأنَّ يــومَ النفــخ آن أوانُه *وبه الموكّل أُعـطيَ التخويــلُ (1)
منهــم تهيَّب جيــشُ آل أميةٍ *وعرى الــجميعَ تخاذلٌ وذهـولُ
وَعَلَيهِمُ حام القــضا فدعـاهم *داعي الــمنونِ وإنَّـه لعجــولُ
فهووا على حرِّ الصعيدِ وبعـدَهم *نُكِبَ الهــدى إذ ربّــُه المثكولُ
أمَّ الخيام إلى النسـاء معــزِّياً *ومودِّعاً فبــدا لهــنَّ عـويلُ
وغدا يُسَلِّي الثــاكلاتِ وهكذا *حتى هَدَأنَ فقــام وهــو يقولُ
(مَنْ ذا يُقدمُ لي الجوادَ ولامتـي *والصحبُ صرعى والنصيرُ قليلُ)

____________
(1) في القيامة اقواء واضح.
( 275 )

15 ـ للشاعر الشيخ عبدالله آل عمران (1)
الليلة الخالدة

خيــم الليـل والذوي صقيع * وسجود وشاحــه وركوع
وجه السبط محور القلب يدعو * بالعبادات قدر مــا يستطيع
ودعا الله سيـد الكـون يرنو * أن يطيل الظلام رب سميـع
خيم الليــل فالعبـادة وهج * يتمنى أن لا يضيء الصديـع
لا لأن الرحيل صعـب ولكن * عسق النسك فالفراق مـروع
حيث لو خيروه بيــن جنان * أو رجوع لها لقال : الرجوع
***
قال ياصاحب إننا سوف نمضي * للمنايـا وليس منــها منيع
فانظــروا كيف نصنعون فكل * في اختيار إذا عصى أو يطيع
فتلقـوه بالصمــود ونـادوا * ياابن بنت النبي نحن الدروع

____________
(1) هو : الشاعر الشيخ عبدالله بن أحمد بن مهدي آل عمران ، ولد سنة 1390 هـ في جزيرة تاروت ـ القطيف ، أكمل دراسته الأكاديمة ، وحاز على شهادة البكالوريوس في العلوم الأدارية من جامعة الرياض ، وله مشاركة في النوادي الأدبية والثقافية الدينية.
( 276 )

فامض : فينا فان أرواحنا تفـ *ديك حتــى يسيل النجيــع
قــال : قد هوّم الظلام فهبوا * نحو إحيائــه فلبى الجميـع
فهــم بيـن قاريء ومصلي * في اشتياق وقد براهم خضوع
هكذا كــان ليلهـم في وداع * ولذا ما غشي العيون هجوع
***
هــا هنا فرقتان فالسبط والآ * ل وسربالــها التقى والخشـوع
وبنــو الحقد والنفـاق وتبدو *في نفوس وقد غشاها الخنــوع
هذه أنفـس من القدس صيغت *ونفوس الأعــداد بناها وضيع
وهنــا العـز والبسالة روحا * وهـم ساقهــم جبـان جزوع
وهنا عفــة وصـدق وحلم * وهناك الدهــا وغــدر فظيع
وهنا للفداء عــنوان حـق *وهناك فيـن القــذارات ريـع
وهنا العطف والحنان تسامي * وهم ما نجى ـ لديهم ـ رضيع
وهنا تزدهي الصراحة شمسا * وهم خـادع لــه مخــدوع
هذه صفحة من الطهر صيغت * وعلى تلـكم الهـوى والمـيوع
واشترى الله أنفسا طاهـرات *لا تحابـي بمبــدإ أو تبــيع
هاهم الصحب بالوفاء تسمـوا * فمجال الوفـاء قطعــا وسيـع
***



( 277 )

قد بدا الحقد في ابن سعد فجرما * قد أتــاه فساء منـه صنيــع
اسخطوا الوحي والسماء عليهم * إن حرب الحسين جرم شنــيع
ليـس حربا لشخصه بل لروح * هي للدين أصــله والــفروع
فغــذا هـذه الشموع ستدوي * ذاك فـوق الصعيد مرمى صريع
وعزيــز بـكت عليه الثكالى * خضبوه فسال مــنه الـنجـيع
ونساء يصــحن إنا عطاشى * وأبو الفضل لليــديـن قـطيع
وغدا تندب اليتــامى لقتلـي * صحن قد ( قوض العماد الرفيع )
إنما هذه الضحــايا ستبقـى * وستهدي الأنام هــذي الشموع
وسيبقـى الحسيـن يجري بدم * في عروقي فبالعبــير يضـوع
ويهيــم الفؤاد في تلبيــات * كلما مــرّ ذكــرُهُ ويــميع
ليلة السبط خلدت دين طــه * حــيث لولاه ديـن طه يضيع
عبد الله أحمد آل عمران
20 / 11 / 1416 هـ




( 278 )

الشيخ عبدالله آل عمران

القصيدة محاولة جادة بالأدوات الشعرية التوصيل رؤى الشاعر وتصوراته الخاصة عن ليلة عاشوراء ، وبطريقة تجريبية اختار الشاعر مساحة عريضة للتعبير ليفحص طول نفسه الشعري مع بحر مركّب التفعيلات متداخل الإيقاع هو بحر الخفيف وكذلك مع قافية صعبة المنال وعسرة الروي هي قافية حرف العين.
إن على الشاعر المتصدي لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام أن ينتبه ألى أنه يطرح شعره أمام متلقين منصهرين النصوص ، فهم يتلون آيات القرآن الكريم في الصلاة وغيرها ، ويزورون الأئمة عليهم السلام بنص ، ويقرآون أدعيتهم بنص أيضاً ، مما يجعل مساحة تعاملهم مع النصوص مساحة عريضة ، ودرجة تلقيهم عالية التوتر ، فيجب الإلتفات الى القابلية المتحصلة لديهم لغرض تحقيق التوصيل الحامل للمتطلبات الفنية والأدبية والجمالية.
ونخلص الى أن آل عمران مع حمله للبذرة الساحرة المسحورة التي تمكنه من الثبات والتفوق في الساحة الشعرية فقد حاول التعبير عن أحداث الليلة لاجئاً الى التطابق الواقعي مع التفاصيل دون التطابق الفني فامبد نصه حين شرح التقابل بين المعسكرين لينتهي بعلاقته الشخصية بالإمام الحسين عليه السلام ويقرر في النهاية قراراً نهائياً عن ليلة عاشوراء قائلاً :

ليلة السبط خلدت دين طه * حيث لولاه دين طه يضيع


( 279 )

16 ـ للشيخ عبدالله العوى القطيفي (1)
منازل كربلاء
فمضـى يخبر صحبه عما جرى * ويبين للأمـر المهــول الأكبر
هذي الطـفوف وذي منازل كربلا * أفما ترون لسابقــي لـم يجسر
قـد قــال جــدي إنها أوطاننا * وبها تسيل دمــاؤنـا كالأبحر
وبها تسام الخــسف نسوة أحمد * وبها تصيب الديــن طعنة أكفر
لكنكـم في الحــل مني فارحلوا *من قبل ابلاج الصبــاح المسفر
قالوا لـه انــت الصـباح وسيره * فيه الصلاح لعاقــل مـستبصر
ماذا نقــول إذا أتـينــا أحمداً * وأباك والزهراء عنـد الكوثــر
تفديك يــا نـفس الرسول نفوسنا * وأقل شيء أن تراق بمحضــر
فاصدع بأمرك تحظ قصدك عاجلا * وتر الصحيح من القتال الأكبـر
لله در نــفوسهــم لمــا علوا *فوق السوابق والخيول الـضمر
فكانهم فــوق الخيــول كواكب * تسمو على مريخها والمشتري
وكــأن خليــهم نجوم قد هوت * رجما لشيــطان وكــل مكفر
لم يحسبــوا رشـق النبال أذية *كلا ولا طــعن الرماح بمذعر
ولكم أبادوا مــن عصـاة ذادة *لبسوا الـدروع واقبلوا كالأنسر
حتى قضوا ما بين مشتبــك القنا * وبقي حسين مفردا لم ينصر (2)

____________
(1) هو المرحوم الشيخ عبدالله بن الشيخ علي بن محمد بن علي بن درويش القطيفي المشهرو بالعوى ، أحد أعلام القرن الثالث الهجري توفي سنة 1210 هـ.
(2) محرك الأشجان : للحاج احمد العوى : ص558.