23 ـ للسيد مدين الموسوي (1)

ليلة الخلد

لا تتركي حجراً على حجـر * يا ليلــة الأرزاء والكــدرِ
صُبّي على الدنيا وما حملتْ * من نار غيضك مارق الشررِ
وتهتّكي مـن كلّ ساتــرةٍ * لم تحفظي ستراً لمنستـــرِ
لا عاد صُبحك أو بدا أبـداً * في ظل وجهك مشرقُ القمـرِ
يا ليلةً وقف الزمانُ بهــا * وجلاً يُـدوِّن أروع الصـورِ
وقف الحسين بها ومَنْ معه * جبلاً وهم كجنادل الحجــرِ
ما هزّهم عصفٌ ولا رعشت * أعطافهم في داهم الخطــرِ
يتمايلون وليس من طـربٍ * ويسامرون وليس في سمـرِ
إلاّ مع البيض التي رقصت * بأكفّهم كمطالــع الزُهــرِ
يتلون سرّ الموت في سـورٍ * لم يتلُها أحدٌ مـع الســورِ
ويرتلون الجرح في ولــهٍ * فكأنه لحنٌ علــى وتــرِ
خفّوا لداعي الموت يسبقهـم * عزمٌ تحدّى جامد الصخــرِ

____________
(1) هو : الشاعر الاستاذ السيد مدين الموسوي ، ولد سنة 1378 هـ ، له مشاركة فعالة في النوادي الأدبية والثقافية والمناسبات الدينية ، ومن نتاجه الأدبي : 1 ـ الجُرح يالغة القرآن 2ـ أوراق الزمن الغائب 3 ـ كان لنا وطن 4 ـ لهم الشعر 5 ـ الحلي شاعراً.

( 328 )

مذ بان جنـب الله مقعدهـم * ورأوه ملء الروح والبصـر
هدروا كما تحمي لها أجمـاً * أسدٌ دماة الناب والظـفــرِ
وبنــاتُ آل الله ترقبهــم * بعيونها المرقـاة بالسهــرِ
يا نجمُ دونك عن منازلهـم * لا تقتـربْ منها ولا تــدُرِ
لا تستمعْ لنــداء والهــةٍ * مكلومةٍ من بطشة القــدرِ
أو تنظرنَّ إلـى معذبـــةٍ * حرّى تودّع مهجـة العُمُـرِ
تسقي عيون البيد أدمعهــا * لتظلَّ مورقةً مـن الشجـرِ
لله قـد نـذروا بقيّتهـــم * وتسابقوا يوفون بالنُـــذُرِ
والموت يرقبهم على حـذرٍ * منهم وهم منه بـلا حــذرِ
نامت عيون الكون أجمعهـا * وعيونهم مشبوحـة النظـرِ
لله ترمقــه ويرمقهـــا * كبراً وهم يعلون في كبــرِ
وأبو الفداء السبط يشحذهـا * بالعزم يوقظ ساكن الغيــرِ
حتى إذا بان الصباح لهـم * لم تدر هل بانوا من البشـرِ
أم هم ملائكـةٌ مطهــرةٌ * يستمطرون الموت للطـهـرِ
هبطوا وعادوا للسماء معـاً * في خيـر زادٍ عُدَّ للسفــرِ

مدين الموسوي
1 / ذو القعدة / 1416 هـ




( 329 )

السيد مدين الموسوي

( ليلة الخلد ) قصيدة موازاة ومضاهاة تحاذي النماذج الشعرية المتقدمة في العصر الحديث ، ولعلها تحاكي جوهر التجربة الجواهرية في أكثر من موضع مخلصةً ووفية للوقوف في موقع الماضي الذي تعتقده أفضل ، لتجذّر لإنطلاقها فهي رمية قوس وسهم كلما إرتدّ الى الوراء أكثر إكتسب طاقة وقدرة أكبر للإنطلاق إلى الأمام أكثر.
وهي تبجّل القوانين المعيارية والأعراف التي صنعت مجد القصيدة العربية في كل زمان ، وهي تديم زخم الإستمرار في محاكاة أفضل ما في التراث العربي الشعري وترى أن هذا الإستمرار أفضل من الإنشقاق والخروج غير المحسوب العواقب ، فهي تحاول أن تبني كلاسيكية جديدة لا تنافس تلك الكلاسيكية بل تساير نماذجها الخالدة مولية حركة الحياة إهتمامها في تأصيل يحفظ الثوابت ويراقب المتغيرات ومع خلق حالة التوازن بين متصارعات متعددة تبدو مهمة مدين الموسوي عسيرة وضاغطة في التحلّي تارة بما هو أصيل والتخلّي أُخرى عن ماهو طارىء حتى ولو كان فيه إغناء للتجربة وتعميق للمشاركة الوجدانية المحتدمة.
وبعد فالقصيدة في لغتها تحاذي وتحتذي أساليب النموذج في عملية إختيارها للألفاظ مع تحفّظ واضح من طريقة الكتابة قرب معجم مفتوح ، بل هي تفلت في أحيان كثيرة من هذا الأسار الضاغط لتقول :

يا ليلة وقف الزمان بها * وجلاً يدوّن أروع الصور


( 330 )

أو تقول :

ويرتّلون الجرح في ولهٍ * فكأنه لحنٌ على وتــر

وتساهم إنسيابية بحر الكامل الأحذّ وترنّمه في فسح المجال أمام الشاعر لمضاهاة حتى بعض التراكيب أو الأنماط الشائعة مثل صيغة ( حتى إذا ) :

حتى إذا بان الصباح لهم * لم تدرِ هل بانوا من البشر

في إختلاس حذر من الإستخدام الممتد من أبي تمّام وحتى مصطفى جمال الدين.
ونخلص إلى أن قصيدة مدين الموسوي حققت سندها في المتن الشعري.


( 331 )

36 ـ للسيد محسن الامين ـ عليه الرحمة ـ(1)

(1)
المهج الغوالي


وأتى المساءُ وقـد تجهّمَ وجهُـهُ * واليوم محتشد البـلاء عصيـبُ
قال اذهبوا وانجوا وَنَجوا أهلَبيـ * تي انني وحدي أنا المطلــوبُ
لا ذمـةٌ منـي عليــكم لا ولا * حرجٌ ينالكــم ولا تثـريــبُ
فأبتْ نفوسُهُم الأبيّـة عنــد ذا * أن يتركوه مع العِدى ويغيبــوا
وَتواثبت ابطالهـم وجميعـهــا * بالحزم والقول السديد تجيــبُ
كلا فلسنا تاركيــكَ وما بــه * يوم القيامـة للنبــي نجيــبُ
نفديكَ بالمهج الغوالي نبتغي الـر * ضوان ما فينا بـذاك مُريــبُ
نيل الشهادة بالسعـادة كافــلٌ * يومَ الحسابِ واجرُها مَجلــوبُ

____________
(1) هو : الحجة الكبير العلم السيد محسن بن السيد عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي ، عالم شهير خدم بقلمه وبعلمه ، ولد في قرية شقراء في جنوب لبنان حدود سنة 1282 هـ ، درس المقدمات في مدارس جبل عامل على المشاهير من فضلائها ، وهاجر الى النجف الأشرف سنة 1308 هـ وحضر عند الشيخ آغا رضا الهمداني والخراساني وشيخ الشريعة ، وهاجر من النجف إلى الشام سنة 1319 هـ بطلب من أهلها ، ومن مؤلفاته القيمة 1 ـ نقض الوشيعة 2 ـ أعيان الشيعة 3 ـ مفتاح الجنات 4 ـ الدر النضيد 5 ـ المجالس السنية 6 ـ البرهان على وجود صاحب الزمان وغيرها ، توفي قدس سره في بيروت في سنة 1371 هـ ، ودفن في جوار السيدة زينب عليها السلام في دمشق راجع : أدب الطف للسيد جواد شبر :ج10 ، ص33 ـ 35.

( 332 )

هَذي الجنـانُ تهيّـأت وَتزينــت * للقائنــا ولريحِهـنَّ هُبـــوبُ
والطالبية للقِــراعِ تواثبـــتْ * تَدعو وكـلٌ للنــزالِ طَلــوبُ
ماذا يقول لنا الورى ونقولـــه * لهم وما عنـا يجيــب مجيــب
إنا تركنا شيخنــا وإمامنـــا * بين العدا وحُسامُنـا مَقـــروبُ
يأبى لنا شرف الأرومة أن يـرى * فينا مَشينٌ أو يكــون مَعيــبُ
فالعَيشُ بعـدَكَ قُبِّحَـتْ أيامُــه * وَالموتُ فيكَ مُحبَّبٌ مَرغـــوبُ
بَاتوا وَباتَ إِمامُهُم ما بينَهـــمُ * وَلهـم دَويٌّ حولَــه وَنحيــبُ
مِنْ راكعٍ أَو ساجدٍ أَو قــارىءٍ * أو مَنْ يُناجي رَبَّـــه وَيُنيــبُ
وَبدا الصباحُ فأقبلتْ زُمَر العـدى * نَحوَ الحسينِ لها الضلالُ جَنيــبُ
سامُوه وِردَ الضيمِ أو وردَ الردى * فأبى الدنيةَ والنجيــبُ نَجيــبُ
يأبى له وردَ الدنيـةِ ضارعــاً * شَرفٌ إِلى خيرِ الانامِ يـــؤوبُ
هيهاتَ ان يرضى مقامَ الـذلِ أَو * يقتادهُ الترهيبُ والترغيــبُ (1)

____________
(1) الدر النضيد : للسيد الأمين ص 23.

( 333 )

(2)
هِمَمٌ على هامِ النجوم


فرماهُمُ المسرى بعرصةِ كربلا * فغدت بلاءً تلكُـم العرصـاتُ
قال انزلوا هي كربلا وعراصُها * فيها البلاءُ وعنـدها الكُربـاتُ
باع ابنُ سعدٍ دينَه وشرى به الد * نيا ولكـن ربحُـه حســراتُ
للري أمسى والياً وشرى بــه * غضبَ الالهِ فحظُه النقمــاتُ
قاد الجيوشَ لحربِ سبطِ محمدٍ * ضاقتْ بها الارجاءُ والفلـواتُ
ما إِن تمتعَ بالولايةِ واغتــدتْ * بالرأس منُه تَمايـلُ القصبـاتُ
جاء المسا فدعاهُم قوموا اذهبوا * فالليلُ سترٌ جَهرهُ إخفـــاتُ
لا يطلبُ الأعداءُ غيري فاتـر * كوني ما بكُم مِن بيعتي تبِعَـاتُ
فأجابَه الأنصارَ هـذي منــةٌ * سَبقتْ لنا قَلَّت لهـا المنــاتُ
إنا نُجاهدُ دونَكُم وتُقطَّــعُ الـ * أَعضاءُ منا فيكَ وَالرقَبـــاتُ
ثم الرسولُ شَفيعُنا يومَ الجـزا * وَ لنا بهذا تُرفعُ الـدرجــاتُ
أفنحنُ يوماً تَارِكوكَ وَهَــذهِ * بك قد أحاطتْ اذؤبٌ وعــداةُ
لا كانَ منا اليومَ تَركُكُ وَالـذي * قد أحصيت في علمه الـذراتُ
بالسيفِ أضربُهم وَأطعنُهم برُمـ * حي ما استقامتْ في يديَّ قَنـاةُ
تاللهِ لوأَنّي قُتلـتُ وبعــدَ هـ * ذا قد نُشرتُ تُصيبني قتــلاتُ
في كُلِّها أحيا واُقتــلُ ثُمَّ اُحـ * رقُ بعدَ هَذا كـلُّ ذا مــراتُ


( 334 )

ما حُدتُ عَنكَ وإنمـا هي قتلــةٌ * فيها نعيمٌ ليسَ فيــه فــواتُ
وأجابَه أبناءُ هاشـمَ خيــرُ مَنْ * وَلدتهُمُ الأبـــاءُ والأمــاتُ
لِمَ نحنُ هَذا فاعـلــونَ فَقُبِّحتْ * مِن بعدِ فقـدِكَ للنُفُــوسِ حياةُ
لا كانَ مِنا مثـلُ هـــذا لا ولا * كانتْ لنا لما مضيـتَ نجــاةُ
هيهاتَ انا تاركُـوكَ وما لنـــا * عُذرٌ غداةَ تضُمُّنـا النــدواتُ
نفديكَ بالمُهـجِ الغـوالي كُلنــا * وتُخاض مِنا دونَـكَ الغُمُـراتُ
بدأَ المقالَ بذلك العباسُ واتـبعوه * تُشــرقُ منهُـمُ الوجنـــاتُ
أشبالُ حيدرةٍ وأبنــا جعفـــرٍ * وبنو الزكي القادةُ الســـاداتُ
وبنو الحسينِ ومِنْ عقيلٍ عُصبـةٌ * لهم بمضمارِ العـُلا السبَقــاتُ
أبني عقيلٍ قَتلُ مُسلـمَ حَسبُكُــم * قوموا اذهبوا لا تلقكــم نَكبَاتُ
ماذا يقولُ لنا الـورى ونقولــهُ * لَهمُ وَفيهم لـــوَّم وَوشـــاةُ
إنا تركنـا شيخَنَــا وإمامَنـــا * وبنو العمومةِ ما لهم نجـــدَاتُ
مِن خيرِ مَنْ ولدَ العمومُ وانجبـتْ * مِنْ نَسلها الخَالاتُ والعمـــاتُ
لم نرمِ سَهماً مَعَهُم كَـــلا وَلَمْ * نَضرِب بسيفٍ والسيوفُ مُضـاةُ
لكننا نمَضي بنهجِــكَ سبقـــاً * تَفديكَ منا الروحُ والمهُجـــاتُ
فالعيشُ بَعدكَ قُبّحـتْ ايامُـــه * وَوجُوهُه بالشّـرِ مُســـودّاتُ
فخراً بني عَمرو العُلاء فأنتُـــم * للعزّ ما بينَ الـورى الــذرواتُ
ان الفخارَ مُخيــمٌ في بابكُـــم * والعزُ فيكُم والعُـلا مَلكـــاتُ
هذي النفوسُ السامياتُ لذكرِهــا * مَهما ذُكرِنَ روائحٌ عَطـــراتُ
طَابــتْ أصولهُمُ فطِبنَ فُروعُهم * وعلى الأرومةِ تنبت الدوَحَــاتُ


( 335 )

قومٌ زكت أعراقُهم وَسمتْ لهُــم * هِمَمٌ وطابتْ أنفُـــسٌ وَذواتُ
قومٌ لَهم قَصبُ السباقِ إلى العُـلا * وَالمجدُ إن ضَمَّتهُمُ الحلَبــاتُ
هَذي النفوسُ وليسَ من مِثلٍ لهـا * بنفوسِ هذا الخلقِ مَفدِيـــاتُ
هذي النفـوسُ الكاملاتُ وَهــذه * هِممٌ على هامِ النجومِ عــلاتُ
هذي الجواهرُ للوجُودِ غَدتْ على * كلِ الجواهرِ وَهي مُختــاراتُ
تَمضى العصورُ وفي أعالي لوحِها * أخبارها بالنـورِ مَسطُــوراتُ
باتَ الحسينُ وصحبُه مِنْ حَولـهِ * وَلَهُم دويُّ النحلِ لمَّا بَاتـــوا
مِنْ رُكعٍ وسطَ الظـلامِ وسُجــدٍ * للهِ منهُم تكثــرُ الدّعـــواتُ
وَتراءت الحورُ الحسانُ وزُينـتْ * لِقدُومِهمْ بنعيمِهـا الجنـــاتُ
وَبدا الصباحُ وَلم تَنْم عيــنٌ لَهمْ * كلاّ ولا نابتهُــمُ غَفـــواتُ
وَدنا ابنُ سَعدٍ منهُمُ بِجيوشـــه * راياته بالكُفــرِ مَعقـــوداتُ
نادى اشهدوا إني لأولُ منْ رمـى * جيشَ الحسينِ وتابعتــهُ رُماةُ
يَبغي رضا نسلِ البغايـا مُغضِبـاً * رَبَّ السما فجزاؤُه الدرَكَــاتُ
فَهُناكَ انصارُ الحسينِ تَسابقُــوا * للحربِ قد صَحّت لهم نيــاتُ
فكأنَ كُلاً مِنهُـمُ ليــثٌ بـــه * قَذفَت الى خَوضِ الوغى الغَاباتُ
نيفُ وسبعونَ التقوا مَعْ عِـــدةٍ * فيها الثلاثون الألوفَ طُغــاةُ
كَرُّوا على تلكَ الجموعِ ضَراغماً * وَلهم هنالِك صولةٌ وَثبَـــاتُ
حتى أُبيدوا مُقبليـنَ بواســـلاً * لثغُورِهم تحتَ الوغى بَسمَـاتُ
وَقضوا كِراماً بعد ما حطموا القنا * وَتثلمتْ للماضيـاتِ ظِبــاتُ
ولمجدِهم كتبَ الخلودُ ودامَ فــي * أنفِ الزمانِ لذكرِهم عَبَقــاتُ


( 336 )

شهدتْ لهَم تلكَ الوقائعُ اُنهـمْ * نُجُب كِرامٌ طيبـونَ سُــراةُ
وَتسابقتْ من بعدهِم مِن هاشمٍ * آسادُ حربٍ مُقدِمونَ كُفاةُ (1)

السيد محسن الأمين

يتواصل السيد الامين في قصيدتيه مع انجازات القصيدة العمودية في تجربة النهضة فهو يوازيها ويحاذيها في التقاطه لشذرات متعددة من منابع متعددة بما يظهر الجهد الموسوعي في تلقي النتاج الشعري الذي سبقه والذي عاصره ويمتزج هذا بتوق عاطفي رومانسي متقاطع مع معطيات مدرسة المهجر في التعامل مع موضوعات حياتية شفافة مثل ( المساء ) الذي يرد في قصيدتي السيد الامين :
واتى المساء وقد تجهم وجهة.....
او :
جاء المسا فدعاهم قوموا اذهبوا....
وموضوع ( الصباح ) الذي يرد في القصيدتين أيضا بنفس التركيب :

وبدا الصباح فاقبلت زمر العدى * نحو الحسين لها الضلال جنيب

وبدا الصباح ولم تنم عين لهم.....
فالمساء يأتي أو يجيء لأنه يريد أن يأتي أو يجيء ، أما الصباح فهو يبدو
____________
(1) الدر النضيد للسيد محسن الامين : ص 71 ـ 73.

( 337 )

ليفاجيء ويدهش ، وهذه حركة يُدرك منها انفتاح بسيط من السيد الامين على تجربة شعراء المهجر أو جماعة الديوان أو جماعة ابولو الشعريتين... وغير ذلك فقصيدتاه توظف للإيصال والنقل كل المعطيات حتى أن السيد يستخدم التدوير مرتين في قصيدته الاولى وسبع مرات في الثانية مع نفور هذه الآلية عن السلامة السمعية في بحر الكامل ، بل ويتمادى السيد الامين الى ( خزل ) التفعيلة في البحر أي تحويل ( متفاعلن ) الى ( مفتعلن ) تطبيقاً لنظر عروضي محض ليس له شواهد في الشعر العربي سوى الشواهد التي أوجدها العروضيون أنفسهم فنراه يقول :
لم نرمِ سهماً معهم....
مستفعلن مفتعلن....
فهو لا يعير اهتماماً لجمال المبنى بالقدر الذي يهمه توصيل المعنى بأي شكل كان....


( 338 )

27 ـ للشيخ محمد بن الخلفة (1)

ما العذر عند محمد

وحصانِ ذيلٍ كالأهلـة أوجهـــاً * بسنائها وبهائهــا وصفاتِهــــا
ما زال يخترق الفلا حتى أتـــى * أرض الطفوف وحلَّ في عرصاتهـا
وإذا به وقف الجــواد فقــال يا * قوم أخبروني عن صدوق رواتهــا
ما الأرض قالوا : ذي معالم كربلا * ما بال طرفك حادَ عـن طُرقاتهــا
قال انزلوا : فالحكم في اجداثنــا * أن لا تُشقّ سوى علـى جنباتـهــا
حط الرحال وقام يُصلح عضبــه * الماضي لقطع البيض فـي قماتهــا
بينا يجيــل الطرف إذ دارت به * زُمرٌ يلوح الغــدر من راياتهـــا
ما خلت أن بدور تــمّ بالعــرا * تُمسي بنو الزرقــاء من هالاتهــا

* * *

____________
(1) هو : الشيخ محمد بن اسماعيل البغدادي الحلي الشهير بابن الخلفة ، شاعر ناثر أديب ولد ببغداد وهاجر أبوه منها وهو طفل إلى الحلة ، ونشأ محبّاً للأدب ، واتصل ببعض الأعلام منهم الشيخ أحمد النحوي فذاعَ صيته واشتهر أمره حتى عند الاُمراء والولاة ، وهو مع ذلك لم يحضر على استاذ سوى ما كان يتلقفه من النوادي والمجالس ، قال عنه صاحب الحصون المنيعة في ج 9 ص 335 : كان أديباً شاعراً ، يُعرب الكلام على السليقة ، ولم يحصل على العربية ليعرف المجاز من الحقيقة ، وكان يتحرف بالبناء على انه ذو إعراب ، ويطارح الشعراء في غير كتاب ، وله شعر في الأئمة الأطهار وفي مدح العلماء والأشراف ، وكانت له اليد الطولى في فن البند ، توفي سنة 1247 هـ في الحلة ونقل إلى النجف ودفن فيها. راجع : ادب الطف للسيد جواد شبر : ج 6 ص 94 ـ 96.

( 339 )

قال الحسين لصحبه مـذ قوّضـت * أنوار شمس الكون عـن ربواتهـا
قوموا بحفظ الله سيـروا واغنمـوا * ليلاً نجاةَ النفس قبــل فواتهــا
فالقوم لم يبغـوا سواي فأسرِعـوا * ما دامت الأعـداءُ فـي غفلاتهـا
قالوا عهدنـا الله حاشـا نتبـــعْ * أمَّارةً بالسوء في شهواتـهـا (1)
نمضي وأنت تبيتُ ما بين العـدى * فرداً وتطلـب أنفــسٌ لنجاتهـا
تبغي حراكـاً عنك وهي عليمــة * أبداً عذاب النفـس مـن حركاتها
ما العــذر عنـد محمد وعلــي * والزهراء في أبنائهــا وبناتهــا
لا بدّ أن نرد العـدى بصــوارم * بيض يدب المـوت فـي شفراتها
ونذود عن آل النـبـي وهكــذا * شأن العبيد تـذود عن ساداتهــا

* * *


فتبادرت للحرب والتقت العـدى * كالأُسد في وثباتهــا وثباتهــا
جعلت صقيلات الترائب جنــة * كيما تنــال الفــوز في جناتها
كم حلقت بالسيف صدر كتيبـة * وشفت عليل الصدر فـي طعناتها
فتواتر النقط المضاعـف خلتَـه * حلق الدلاص به علـى صفحاتها
فتساقطت صرعى ببوغاء الثرى * كالشهب قد أفلت برحـب فلاتها
ما خلت سرب قطا بقفرٍ بلقــعٍ * إن التراث تكون من لقطـاتهــا
رحلت إلى جنّات عدن زُخرفت * سكنت جوار الله في غرفاتها (2)

____________
(1) لا وجه لجزم الفعل ( نتّبعْ).
(2) أدب الطف للسيد جواد شبر : ج 6 ص 110 ـ 111.

( 340 )

28 ـ للشيخ محمد باقر الايرواني (1)

ما أعظمها من ليلة

قف بوادي الطف واصرخ صرحةً * تملأُ الدنيا ضجيجـاً ورنيـــن
يا ضيوفاً نزلــوا فـي نينــوى * فتّلقتُهم جيــوشُ الظـالميـــن
بالسُيوف استقبلوهـم والقـنـــا * قاصدينَ الغدرَ لا مستقبلـيـــن
اُمويّـــون ولا ديـنَ لـهـــم * شيمةُ الغدرِ لهم والغـادريـــن
واليزيديون كم عاثــوا وكـــم * حاربوا الإسلام باسم المسلميــن
وبنو حربٍ وصخــرٍ اقبلـــوا * بقلوبٍ ملؤها الحقـدُ الدفيـــن
ورثوا الأحقادَ من أسـلافـهِـــم * آه ما أقسى قلوبَ الحاقـديـــن
اعلنوا الإلحـادَ والكفــرَ كمــا * أنكروا القرآنَ والشرعَ المبـيــن
والخياناتُ التي منهـــم بــدتْ * والجناياتُ لها ينـدى الجبيـــن
لم يُراعوا المصطفــى في آلــه * صفوةِ الخلـقِ كـــرامٍ أطيبين
وعلـى آل عـلــيٍ قد عَــدوا * واعتدَوا تعساً لهم من معتـديــن
وحسينٌ ما جنى ذنبـــاً ســوى * أنه شبلُ أميـــرِ المؤمنـيــن

____________
(1) هو : الشاعر الخطيب الشيخ محمد باقر بن الشيخ محمد صادق بن عبدالحسين الايرواني النجفي ، ولد في النجف الأشرف ، له مشاركات في النوادي الأدبية والثقافية والدينية ، وله باع طويل في التواريخ الشعرية ، وقد أرّخ كثيراً من القضايا الدينية وغيرها في الشعر ، وله بعض المؤلفات.

( 341 )

وكــذا أولادهُ من نسـلــهِ * خيـرُ نسلٍ بل خيارُ الخيّرين
ورأوا فـي صحبهِ روحَ الوفا * لا كأتبـاع ابن سفيـان اللعين
منعوا السـبطَ ومن في رهطه * أنْ يذوقوا باردَ المـاءِ المعين
كـربلا حُفت بكربٍ وبــلا * نذكرُ السبط بها في كـلِ حين

* * *


ليلةُ العاشرِ مـا مِنْ ليـلــةٍ * مثلُها مرّت على مـر السنينْ
ليلةٌ ملأى بألــوان الأسـى * ذكرُها للحشر يُشجي الذاكرينْ
ليلةٌ ضاقت بها الدُنيـا علـى * آلِ طه الاطيبينَ الأطهـريـنْ
آهِ ما أعظَمَهـا مـن ليلــةٍ * أحزنـت كلَّ قلـوبِ المؤمنينْ
وسويعـاتٍ وما أنكـدَهــا * من سويعاتٍ بها الوجدُ يبيـنْ
وإلى التوديع أصـواتٌ علت * بصُراخٍ وبكــاءٍ وحَنيــنْ
أوداعٌ أم فـراقٌ محـــرقٌ * لقلوبٍ في غـدٍ مفتـرقيــنْ
آهِ ما أفجَعَهـا مـن فرقــةٍ * لم تدَعْ شملاً لهُـمْ مجتمعيـنْ
والحسينُ السبـطُ قد حَفّتْ به * لُمةٌ بيـن بنــاتٍ وبنيــنْ
ويَرى مِنْ جانبيـهِ نســوةً * أحدقت فيه يســاراً ويميـنْ
يا بنفسي من وداعٍ مـؤلــمٍ * وبعقباهُ افتــراقُ الأقربيـنْ
ولأطفـالٍ صغـارٍ رضَّــعٍ * عُطّشاً تبكي ولكـن بأنيــنْ
يا له من مَشهـدٍ أبكى المـلا * والسماواتِ العُلى والأرضيـنْ


( 342 )

ليلةٌ آلُ رسـولِ الله فـــي * صُبحها بيـنَ ذبيــحٍ وطعينْ

* * *


يومُ عاشوراءَ ما يجري بـه * فبعيـنِ اللهِ ربِّ العالمـيــنْ
يومُ عاشوراءَ يومٌ لم يـكـن * مثلُهُ يومٌ وبالحُزن قريـــنْ
ألبسَ الكونَ حـداداً دائمــاً * بشعارِ الحُزنِ والكونُ حزيـنْ
لضحايا الطفِّ هُمْ آلُ الهُدى * من شُيوخٍ وشبابٍ أنجبيــنْ
في سبيل الله والديـن معـاً * جاهدوا حتى تفانوا أجمعيـنْ
بقيَ السبطُ وحيداً بعدهــم * ويُناديهم ألا هل من مُعيــنْ
لم يجد منهم مُجيبـاً أبــداً * يالمأساةٍ لها الصخرُ يليــنْ
للحسينِ السبطِ إعـلانُ العزا * والمُعزَّى جَدُّه الهـادي الأمينْ

محمد باقر الايرواني النجفي
19 / 11 / 1416 هـ
قم المقدسة





( 343 )

29 ـ للشيخ محمد حسين الأنصاري (1)

دوّي النحل

ذاك ليـلٌ فيه استعدّت لصبحٍ * ثُلَّةُ العزِّ وهي عزَّت مثــالا
غار بالليـل كلُّ نجم مُضيءٍ * خجلاً منهُمُ فــزادوا جلـالا
فحسينٌ كساهُــم أيَّ نــورٍ * فيه تخفى الأنوارُ وهي تـلالا
لا يعدون عمـرهم غير صبرٍ * بين حدِّ السيوف إلاًّ حــلالا
لا يعدّون عُمرهم غير شـربٍ * لكؤوس المنون حتّى الثمـالا
ودويٍّ كالنحــل في صلوات * لو أتوها على الوجود لـزالا
يشحـذون الفؤادَ كي لا يُهـالا * حين ترتجّ أرضُها زلــزالا
فحبيبٌ يُوصيــهُمُ بحبيــبٍ * وحبيبُ الجميع ربٌّ تعالــى
برزوا للوجود أحلــى نجومٍ * منهُمُ ازداد كلُّ شيءٍ جمـالا
وإذا بالحَمَار يبـدأُ فجـــراً * كلُّ فجرٍ بُحمرةٍ يتعالـــى
إذ يبثُّ الحياةَ في كلِّ شــيءٍ * منه حتّى الجماد يبغي انتقالا


____________
(1) هو : الفاضل الشيخ محمد حسين بن الشيخ عبدالغفار الأنصاري ، ولد في العمارة ـ العراق سنة 1372 هـ ، أكمل دراسته الأكاديمية وحاز على شهادة الهندسة ، ثم التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف في منتصف السبعينات ( الميلادية ) ، وواصل دراسته فيها حتى حضر بحث الخارج عند السيد الخوئي ( قدس سرّه ) ، ومن مؤلفاته : 1 ـ لمسات الشيخ المفيد على سنن التاريخ 2 ـ ثورة الحسين عطاء دائم 3 ـ المعايير العلمية لنقد الحديث 4 ـ ديوان شعر (خاص بالحسين عليه السلام ) 5 ـ وكتابات فقهية.

( 344 )

وكأن الجميعَ هبّ سريعــاً * من عِقال وما يُريـدُ اعتقالا
وإذا بالحسين فجرٌ عجيـبٌ * يتصدّى لليل ظُلــمٍ توالى
يضمحلُّ الطُغيانُ وهو عظيمٌ * وعنيدٌ بنورهِ اضمحــلالا

محمد حسين الأنصاري
12 / محرم / 1414 هـ




( 345 )

30 ـ للسيد محمد رضا القزويني (1)
(1)
العباس وليلة العاشر


قد انجبتك من الفحولـة حــرةٌ * لم يعرف التاريخ بعــدُ وفاءَها
اُمّ البنين أصيلة أكـرم بهـــا * اُمّاً فدت لامامهـــا أبناءَهــا
غذّتك من ثدي الكرامة والوفــا * حُبَ الحسين فكنت أنت عطاءَهـا
وبطولة من حيدر فجمعتهـــا * في كربلاء لكي تصدَ بلاءَهــا
قرَّت لها عينُ الكريمة زينــبٍ * لتراك أهلاً أن تصون خِباءَهــا
فمضت تَقُص عليك دوراً عاصفاً * فيك الشهامة ما اعتزمت فداءَهـا
في ليلة طاب الحديث الحلوُ مـن * اُختٍ وأنت على الجـواد إزاءَها
تروي مصاهرةَ الكرام بقصــةٍ * قد انجبتك ولم تُــرد إخفاءَهـا
فهززت سيفك أن تطمئن قلبهـا * بيدٍ تلقت في غدٍ جــذاءَهــا
فتصاعدت بيضاء تدعو ربهــا * ألاّ يَخيب السائلون رجـاءَهــا

____________
(1) هو الاستاذ شاعر السيد محمد رضا بن العلامة الحجة السيد محمد صادق بن السيد محمد رضا القزويني ( الموسوي ) ، ولد سنة 1360 هـ في خراسان ، وله مشاركات في كثير من النشاطات الأدبية والثقافية وله مشاركة فعّالة أيضاً في النوادي الحسينية وخصوصاً يوم العاشر من المحرم ، ومن مؤلفاته : 1 ـ نعيم وجحيم ( شعر ) ، مدائح لأهل البيت عليهم السلام 2 ـ كربلاء ودورها القيادي في ثورة العشرين ( مخطوط ) ، 3 ـ ديوان شعر ( مخطوط ) ، كما نشرت له قصائد في بعض الصحف والمجلات.

( 346 )

فتحدّث التاريخ عنهـا أنّهـــا * ملأت بأسخى المكرُمات عطاءَها
وعلى الشريعة ودعتك مُقطّعـاً * اُختٌ تُساق وَخلّفتك وراءَهـــا
لكنَّ رأسك فوق رمحٍ شامخــاً * قد كان يرعى شجوها وبُكاءَهـا
قمراً يُنير الدرب أيَّ قوافــل * ويضمَّ تحت شُعاعه اُســراءَها
نادتك من قلب ذوت أوشاجُـه * وبأدمُع هوت العيونُ بُكـــاءَها
أأخيَّ عند العهد بعدك لم تـزل * وأراك تسمعُ للصغـار نـداءَها
لا زلت تحرس ركبنا وتُزيل في * أنوار وجهك للعــدى ظلماءَها


( 347 )

(2)
حديث الليل

ليلة العاشر قد خَلّفتِ حتـى الحشــــر في الأكباد جمــــرا
كيف قَدْ مرّت سويعــاتــك بـالآل وبالأطفـــال قهـــرا
وحسيـــن كلّما اشتــدَّ بـه وقعُ الظَّمـا قد زاد صبــــرا
خطبَ الأصحاب والعتـرةَ فانهلّتْ لـه الأعيــــنُ عبـــرى
قائلاً إنَّ العدى لم يطلبـوا غيــريَ فــي الآفـــاق وتــرا
فدعونـــي وسيـوفَ القــومِ إنَّ الله قــد قــدَّرَ أمـــرا
أقبـلَ الليــلُ ألا فاتخــذوه جمــلاً فالستـــرُ أحـــرى
وليُصاحبْ كــلُّ فـــردٍ في ظــلام الليل إنْ أمكن سِـــرّا
رجلاً من أهل بيتي فلقـد ألقيــتُ لــلأصحـــاب عُـــذرا

* * *

فتبـــارى القومُ يبكـــون لِمــا قــال وهُمْ بالعُــذر أدرى
وتنادى كلُّ فــردٍ مِنهُمُ يَفــتـــحُ للنصـــرةِ صَــــدرا
قائلاً لو قطَّعــوني إربــاً ما كنــتُ من هـــاب وفـــرّا
وإذا ما فعلـــوا ذلــك بـــي سبعيـــنَ تقتيـــلاً وذرّا


( 348 )

لم أكن أتركُ هــذا السبــطَ للأوغـــاد أو أمنــعَ نصــرا
كيف واليوم الاقي مـوتــةً تُعقـبُ في الأجيـــالِ فخـــرا
وغداً ألقى رسـولَ اللهِ في الجــنّـــاتِ قد أجـــزلَ أجـرا
وعليّاً وهو الســاقي علـى الحــوض فما أعــذب نهـــرا

* * *

وهنا جزّاهـم السبـط عـن الله لــدى النصـــرة خيـــرا
وإذا الأقــدام صُفّـَت فــي صــلاةٍ تِصلُ المغــربَ فجرا
ولهم فيها دويٌ كــدويِّ النحـلِ قــد غــــادر وكِـــرَا
وسرت زينـــب من خيمتهــا تختبــر الأصحــاب خُبرا
سَمعت كــلَّ خطيـــبٍ منهُمُ يَفتـحُ للأحـــرار سِفــرا
قائلاً هيهات أن يسبقنا العتــرةُ نحــــوَ الحــربِ شبـرا
نحنُ أولى بجهـــادٍ وفِـداءٍ يَسبـــقُ الأهليـــنَ طُــرّا
فذرونا نرتـــوي كأسَ الشهــاداتِ قُبيـل المــوتِ دَهـرا
بادِرَوها ساحةَ الحــرب وفضـلُ البـدء أن تُؤخــذَ بكــرا
ودعوا سبطَ رســولِ اللهِ أن يشــــرح بالأصحاب صَـدرا
طَمْئِنوا زينـــبَ في نصرِ أخيها فهـي للزهــراءِ ذكــرى
فتسرّى عن رؤى زينبَ مــا كانـــت تعـانـي منه سـرّا

* * *


( 349 )

ومشت نحو أخيها السبـط تستلهــم مـن لُقيــــاه أمــــرا
سمعْتهُ ناعياً يَرجـــزُ أبيــاتـاً ويستعــــرض اخـــرى
فتنادت بعويلٍ مـذ غَدتْ تقــرأُ فيــه اليــــأس نُـكـــرا
فابتداها كيـــف لا ييـأس من يفقد عندَ الحـــربِ نصـــرا
غيرَ سبعيــن من الأصحــاب والأهــلِ وإن زادوا فنـــزرا
قد مضى العهـــد وقد أوصى به جدي بـأنْ اقتـل صبـــرا
وتُقاديــن بأســرٍ وعيـالاتي إلـى الشــام فيـالله أســرى
فاصبري اُختاه يومــاً قــد أعـدَّ الله للصـابـــر أجـــرا
واصنعي بالأهـل والأطفـال والأيتام ما أرجـــوك ذُخـــرا
فرأى الاُختَ على العهــد ومَـنْ كان بذاك العهــد أحـــرى

* * *

ومضت تبحث في عمـــق ظـلام الليلِ والمحــنـةِ بـــدرا
لترى العباس قد شمَّـــر للنخــوة يُمــنـــاه ويســـرى
أسداً يختال ما بين خيـــامٍ يمتــطـي بالزهــو مُهــــرا
فدعته وهو فوق المهـــر لا يسطـيع فــوق السرج صبـرا
قمرَ الآل على رسلك قد طـــاب الحـديــث الآن غـــورا
حدَّثته بحديــث الزيجـــة المُنجبـة الابـطــال نَـــذْرا
وبما اختار عقيلٌ لأبيهـــا من بنــات الاُســدِ بكــــرا



( 350 )

بعدما قد مضــت الزهراءُ واستوصت بنا حيـــدرَ خيــــرا
وبما قد وعــد اللهُ لهـذا السبـــط بالأبطـــال ذُخــــرا

* * *

وإذا العباس للنخـوة هــزَّ السيـــف إيــذانـــاً وفخــرا
وتلّوى في ركاب المهـــر إذ قطَّعـهـــا شــداً وجـــرّا
قائلاً إنَّ غداً سوف يـراه القــوم من بأســــيَ نُكــــرا
لأُقِرنَّك عيناً أختُ مـا زلـــتُ علــى عهـــدك حُـــرّا
أنا أفديك وهذا السبـط ما أمـلـك مـن روحـــي شَطـــرا
وأنا نجلُ علـيٍّ أســــد الله الــذي ما يــــومَ فـــرّا
وحسينٌ سيدي قبل إخائـي وإمـــامُ الكــــونِ طُــــرّا
أنا مَنْ ردّ أمان القائد الفاســـق مــا حمَّـــل شمــــرا
أأمانٌ لي وإخواني وهذا السبـط لا يــأمــــنُ شــــرّا ؟
أنا أرويك غداً يا ساحة الحـرب دمــاً ينســـاب نهـــرا
أنا اُصْليْ القومَ ناراً قبل أن يحتـرقوا في الخُلــــد سُعــرا
أنا مَنْ اُفزع قلبَ الجيـش من قبل لقـاء الحــرب دهـــرا
أنا من ألقي بسوح الحـرب في أفئـدة الأبطـــال ذُعـــرا
أنا فخرُ لبني هاشـم في النُبل ومن حيــــدرَ ذكــــرى
أنا والقاسم والأكبـر فـي يـــوم غدٍ نُهديـــك سفـــرا


( 351 )

سيظلُّ الدهرُ شوقـاً كلّمــا ردَّده يستـــاف عطــــرا
سنجلّي ساحة الحـــرب بما يُشـــرق في التـاريخ بدرا
لو تقاسمنا جيوش القوم إذ نقلبهـــا بطنـــاً وظهـــرا
ولأفنى كلُّ شهم من عـرانينــك للجحفـــل شطـــرا
ولألفيت فلول الجيش قد أَلقـــت إلى المهـــزوم عُـذرا
وسعيد القوم من أسعفه الحــظُ من القتـــل وفــــرّا
بيد أن الله لا تعلـم ما سوف غـداً يقضيـــه أمــــرا

محمد رضا القزويني
28 / شوال / 1416 هـ



السيد محمد رضا القزويني

إقتطع السيد محمد رضا القزويني في قصيدته ( العباس وليلة العاشر ) مقطعاً مؤثراً من مقاطع ليلة عاشوراء الأليمة فاختار شخصية أبي الفضل العباس عليه السلام في خطاب ذاتي من الشاعر مع الكمالات الروحية والجسدية التي وضعها العباس عليه السلام رخيصة فداء لولائه لسيد الشهداء عليه السلام ثم صوّر لنا جانياً آخر تشارك فيه الشاهدة العظيمة على المأساة وتفاصيلها زينب عليها السلام لتحتدم رؤى القصيدة و تتصاعد فجيعة وفقداناً لننتهي بلسان حالها وهي تخاطبه خطاب الوفاء والمحبة بعقائدية مذهلة


( 352 )

وايمان غيبي متوهج وهذه الالتفاتة في اختيار السيد القزويني لهذا المقطع المأساوي وايفاؤه لمتطلباته في لغة هي للتراث اقرب منها للحداثة ينم عن ذوق وحس شفافين نراهما ـ أيضا ـ في قصيدته الاُخرى ( حديث الليل ) والتي أفاضت على كل أحداث الليلة بتوثيقها وتسجيلها وحفظها بلغة سلسلة رشيقة ساوقها الإيقاع المرهف والمتقافز لبحر الرمل الذي جاء به السيد القزويني بخمس تفعيلات خارجا عن مألوف عمودية البح بصدر بيته المساوي لعجزه في عدد التفعيلات فأصبحت القصيدة من نظام الاشطر المتساوية في عدد تفعيلاتها وليست من نظام الصدر والعجز التقليدي وهو خروج يشعر القاريء المتمرس بشيء من المغايرة فيشده للإنتباه الى خصوصية البناء وفرادته وهذه الحال ـ بلا ادنى شك ـ قصدها السيد القزويني اثارة محسوبة على التجريب الواعي في عملية النظم و كسراً ملحوظاً للرتابة و التكرارية.