31 ـ للشيخ محمد سعيد المنامين (1)

على مشارف الشمس ؟

نجمــةٌ أنـتَ أم أنــا * أم هو الحلـم بيننـــا ؟
كيف فاجـأت حُلكـــة * من ظلام تـوطّنـــا ؟
أنت أشمسـت ليلهـــا * فاستفاقـت ، وأذعنـــا
أخجل الضوءُ من سنــا * وجهكَ ، الليلَ فانحنــى

* * *

لم يكن غيـــرُه هناكْ * عندما خــطَّ مسرحــا
حاصر الأرض والزمانْ * ثم للأُفــق لوَّحــــا
رمقت عينـه النجــومْ * فأحاطته ، كالرحـــى
.. أنا نجـم تفتحـــا * بالدما قد توشـحــــا

* * *

ها أنا مطرق ؛ يقـول : * لن أُنادي ، سأسكــتُ
فامتطوا صهوة الظـلامْ * أسرعـوا لا تلفّتـــوا
.. ألف عصفورة هنـا * ـ يا رفاقي ـ ستصمتُ
شمعنا هاهنا ؛ يضيــعْ * ضوؤه ، ثـم يخــفتُ

____________
(1) هو : الشاعر الخطيب الشيخ محمد سعيد عبدالله المناميين ، ولد سنة 1390 هـ في القطيفه ، أكمل المرحلة المتوسطة ثم طلب العلم في النجف الاشرف سنة 1409 هـ ، ثم في حوزة قم المقدسة سنة 1411 هـ ولا زال يواصل دراسته العلمية ، له نثارات شعرية ، وله مشاركة في النوادي الأدبية والدينية.

( 354 )

فـي غـدٍ أسهــم الطُغـــاةْ * حولـنـا ســوف تقنـــتُ
إنمــا هـــذه الحـيـــاةْ * فـــرَصٌ لا تـفــــوَّتُ

* * *

.. ها هنـا مصرع الرضيـعْ * هـكـذا السهـــمُ قَبَّلــــهْ
لو تــرون التماعـــة النـّ * صل في كــفِّ حرمـلـــهْ
حينمــا شـــدَّ قوســـهُ * صوّب النحـــرَ مقتـلـــهْ
عطشٌ يخنــقُ الضلـــوعْ * وارتـجــاف وحوقـلـــةْ ،
.. ثــمَّ دوّى ، أزيـــزُهُ * ملأ الكـــون ، أذهـلـــهْ
ولمحـــتُ احـتـضــارهْ * بسـمـة ثـمَّ بـسـمـلـــةْ

* * *

فــأحاطـوه ، أحـدقـــوا * طوّقــوهُ ، تـألَّـقـــوا !
وأجــابــوه أحـــرفاً.. * شفـةَ الشمــس تــرمــقُ
أحرفــاً لونُهـــا القنـــا * ودمـوعــاً تــرقـــرقُ
: هل هو الموت ؟.. مرحبـاً * فـالـمـنـايــا سنَطــرُقُ
سـوف نؤوي سـهـامـهــا * وبهـــا سـوف نرفـــقُ
أن نّــوارى فـمـشـــرقٌ * ـ أنت ـ في القبـر يُــورقُ

* * *

لم أكن نـجـمـــةً أنـــا * بل هـو الحُلـــم بيننـــا

1 / 11 / 1417 هـ
محمد سعيد المناميين




( 355 )

الشيخ محمد سعيد المناميين
بعدما أكثر من الإصغاء ومرافقة الشعراء والأدباء قرّر محمد سعيد المناميين أن يلج البوابة السحرية بجواز سفر يشهره بثقة أمام حرس الحدود ليُذعنوا لرغبته في الدخول بترنيمة غذبة تؤشّره كصاحب شاعرية واعدة بالعطاء الثرّ والإنجاز النوعي المتنامي على مستوى القصيدة الحديثة الرؤى ، الاصيلة في محتواها.
إنّ تجربة المناميين هذه لاتغفل التحدي بل تطلبه مع الذات ومع الآخرين أيضاً فهي عرض للقدرة وفحص للكفاءة جاءت على مستوى البناء لتصدح على مجزوء الخفيف لتقول لسامعها : ( إنني أتجاوز حدود الصنعة الشعرية بأدوات متمكنة في الجانب الإجرائي التنفيذي ).
أما على مستوى الإنشاء التصويري فقد حبك المناميين قصيدته في نسيج متآلف يتدرّج بصوره لينوّع داخل وحدة متماسكة ، ويقفز برشاقة المقتدرين من الشعراء ليواصل مسيرة القصيدة بنفس خاص وخُطى متميزة تقرّب تجربته الجديدة الى قمم الإبداع الأصيل.
فنلاحظ صراع النور والظلام في المقطع الأول من القصيدة على قصر الجمل وإيجازها قد تبدّى بشكل ومضات شعرية لمّاحة تنتهي بضربة تعبيرية كثيفة ليقول :

أخجل الضوء من سنا * وجهك الليل فانحنــى

وفي المقطع الثالث يعالج الأحداث الواقعية بلغة شعرية متمكنة ، ويُسلس قياد حرف التاء كقافية عصية ليقول :

ألف عصفورة هنا * يارفاقي ستصمــت

ونحن نبارك له هذا الإعلان عن شاعريته ونصافحه بقوة لإعجابنا بهذا البيت من المقطع الرابع :

ولمحت احتضاره * بسمة ثمّ بسملـة


( 356 )

32 ـ للشيخ محمد سعيد المنصوري(1)

(1)
ليلة الوداع


بكِ يا ليلة الـوداعِ الرهيــبِ * سال دمعي دماً لرُزءِ الغريـبِ
مذ أحاطت به الجيوشُ وأمسى * يتلقَّى الردى بصدرٍ رحيــبِ
قال يا صحبيَ الكرامَ وفيتــم * فاذهبوا في ظلام هذا الغـروبِ
واتركوني والقومَ فالقصدُ قتلي * فأجابوه يا حبيـبَ القلـــوبِ
كيف ترضـى نفوسُنا بالتخلِّي * عنك في محنةٍ ويومٍ عصيـبِ
لك نفدي أرواحَنـا وقلـيــلٌ * لك بذلُ الأرواحِ عند الوثـوبِ
سيدي كيف ينتهي الأمرُ فينـا * لنكوصٍ بعد اتضاحِ الوجـوبِ
أنخلّيك مفرداً يــا بـنَ طـه * والأعادي عندَ اشتدادِ الخطوبِ
أي عذرٍ لنا إذا مـا سُئِلْنـــا * ما جرى فالتجأتُـمُ للهــروبِ
يا أبا عبدالله دَعْنا ننــالُ الـ * أجرَ والفضل في الجهادِ القريبِ

____________
(1) هو الخطيب الشاعر الشيخ محمد سعيد بن الشيخ موسى المنصوري ، ولد سنة 1354 هـ قرأ في البصرة والمحمرة والبحرين وقطر والكويت ، وقم المقدسة ويُدرس حالياً الخطابة في معهد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ومن مؤلفاته : 1 ـ ميراث المنبر في جزءين 2 ـ مفاتيح الدموع لكل قلب مروع. 3 ـ ديوان السعيد في رثاء السبط الشهيد 4 ـ الذكر الخالد ( محاضرات ) في ثلاثة أجزاء ، وله نشاط بارز في النوادي الحسينية والشعريّة.

( 357 )

فجـزاهم خيراً وقــال إليكــــم * ما أردتم والفــوز للمستجيـــبِ
وأراهـم منــــازلاً قد أُعــدَّت * لَهُمُ في الجنـــانِ بالترحيـــبِ
ليروا راحـةً بها وارتيــاحــــاً * بعد ذاك العنـا وتلك الكـــروبِ
ثم باتـوا لـهــم دويٌ تعـــالى * بالمناجـــاةِ للإلــهِ المجيــبِ
فقضوها بالعـشـقِ ليلةَ وصـــلٍ * ببكـاءٍ وحســـرةٍ ونحيـــبِ
ومع الدهرِ للحسـيـــن عتــابٌ * بخطابٍ إلى القلـــوب مذيــبِ
قال يادهر ُ منـك كم قد أُصِبْنـــا * ودهينا بكــل خطـــبٍ مريبِ
هدَّنا خطبُـك الجلـيــلُ وانـــا * منه شبنا قبل يــوم المشيـــب
ثم طوراً يرنو لزيـنـبُ تبكـــي * ولها ينثنـي بقلـــبٍ كئيـــبِ
أختُ يا زينبُ العقيلـةِ صبــــراً * إن رماكِ القضا بـــرزءٍ عجيب
كم علينا حوادث الدهـر جـــرت * من مآس تدمي عيـــون اللبيـب
أنتِ أم النبوغ بنـت علـي وعلــي * في الدهـــر أسمى خطيـــب
هو ممن ذلت لديـه المعانــــي * لسمو التفكير فــي الترتيــــب
فخذي خط أمك فــي جهــــاد * لك في محتـــواه أوفـى نصيب
وابذلي في زمان أسـرك جهـــداً * ببيان مفصــل ومـصـيـــب
أوضحي فيه أمرنـــا لأنـــاس * قادهـم للشقــاء قـــول كذوب
وضعي في عـروش آل أمــــي * قبسا يابنة الهــدى من لهيـــب
واحفظي لي العيـال ثم اعرضي عن * جزع موجــب لشـــق الجيوب
واتركي النوح والبكــاء لوقـــت * من لقانا بعد الفــراق قريـــب
واذكريني عند الصــلاة البليـــل * رُب ذكرى تريـــك وجه الحبيب


( 358 )

واندبيني إن شئتي ندبـي حينــاً * واروي حر الحشا بدمـع سكـوب
أبلغي منـي الســـلام لجـدي * ولأمي وأعلنـي بالـوجـيـــب
واقربي عني السـلام شقيقــي * حسن الفعل في جميـع الــدروب
وعلى البعد وجّهـي لأبيـنـــا * في الغريين أجمل الترحـيـــب
ثم قصّي عليه رزءاً بـكـــاه * قبلُ في نينوى ببعـض الحـروب
واخبريه بأننــا قد أصبنـــا * من رزايا زماننـا بضـــروب
فرقتنا يد النـوائـب شرقـــا * وشمالا ومالنا مـن صحيـــب
يا ابنة الطاهريـــن جدا وأمـا * وأبا ذا حجا وصدر رحيـــب
اصبري صبره فبالصبـر يرقـى * كل حي لذا الالــه الرقيـــب
واعلمي أننا على الحق نحيــى * وعليه نموت من دون حـــوب
وسلام عليـــكِ منـيَّ يتـرى * في حياتي وبعد يـوم مغيـــب


( 359 )

(2)
صورة من الوداع


صاحِ دهري ولم أكن بالجزوعِ * قد رماني بكلّ خطبٍ فظـيــعِ
وسقاني كؤوس همٍّ وحــزن * سلبت راحتي وأحنـت ضلوعي
ذالكم حين صاح ليلاً حسيـنٌ * يا بني هاشم بصـوتٍ رفيــعِ
هذه ليلة الـوداع فقومـــوا * بعد لبس القلـوب فوق الـدّروعِ
ودّعوا الطاهرات وابكوا عليها * وهي تبكيكم بحمـر الدّمــوعِ
حرّ قلبي لزينب الطّهر لمّــا * أقبل الطّاهـرون للتّـوديـــعِ
رأتِ الأمَّ تلثم الابن شوقـــاً * وكذا الابِن ينحنـي بخضــوعِ
يلثم الوالد الحنــون فيحنــو * فوقه من أسىً بقلبٍ وجيـــعِ
فهو طوراً يرنو العيال وطوراً * يرسل الطرف نحو مهد الرّضيعِ
حيث يدري بطفله سوف يُرمى * وعن الماء يرتوي بالنَّجيـعِ (1)

____________
(1) ديوان ميراث المنبر للمنصوري : ص 224.

( 360 )

(3)
حديث مع الليل


ياليلة العشر طولـي * قد زاد فيكِ نحولـي
وِدِدْتُ من قبل قومي * يَحِيْنُ وقتُ رحيلـي
بكربلا مذ نزلنـــا * عَلمتُ عند النّـزولِ
بأنّنا سوف نبقــى * بلا حمِىً وكفيــلِ
وذاك أعظمُ خطـبٍ * من الزّمان جليــلِ
يمسي الحسينُ قتيـلاً * ويا له من قتيـــلِ
فيا دموعيَ سِيلــي * عليـه كلَّ مَسيــلِ
ثم انثنت بنتُ طــه * بعبــرةٍ وعويــلِ
تخاطب اللّيلَ لكــن * خطابُها عن ذهـولِ
فاللّيل يُسري وتسري * نجومــه للأُفــولِ
تقول لا تُبدِ صبحـاً * وذا من المستحيــلِ
أيسمعُ الليلُ قــولاً * من الكلام الطويلِ (1)

____________
(1) ديوان ميراث المنبر للمنصوري : ص 216.

( 361 )

(4)
زينب تخاطب الليل


تشبُّ بقلبي نارُ وجـدي وتَضــرمُ * لذكراكَ يا ليـلَ الــوداعِ متيّـــمُ
وهيهــات أن أسلو مصائب كربلا * وتلك بَكاها قبلُ طــه المكـــرّمُ
فما زلت في بحرٍ من الحزن والشّجا * أعومُ وطرفي بالكـــرى لا يهـوّمُ
مدى العمر لا أنســى عقيلةَ حيدرٍ * عشيّةَ أمست والقضــاءُ مخيّـــمُ
تودّع أهليها الكــرامَ وتنثنـــي * مع اللّيل من فرط الأســـى تتكلّـمُ
تقول له يا ليلُ رفقــاً بحالنـــا * فأنت بنا من شمس صبحــكَ أرحمُ
بربّك لا تُبدي الصّبــاحَ فإنّـــه * صباحٌ به جيـشُ الضــلالةِ يهجمُ
أطلْ يا رعاكَ اللهُ وقتَكَ أن تجــد * طريقاً ولا تخفى لجــوّك أنجــمُ
أطلْ لوداع الطّاهـراتِ حماتِهـــا * فصُبحكَ فيه منهمُ يُهـــرقُ الـدّمُ
أنا زينبُ الكبرى سليلـــةُ أحمـدٍ * وهذا حسينٌ والزّمــانُ محـــرّمُ
وهذي جيوشُ الظالمينَ تراكمـــت * علينا فهل فيمـا يُريــــدونَ تعلمُ
يُريدونَ قتلَ ابن النبي وصحبـــهِ * وإنّك تدري مَنْ حسيـــنٌ وَمَنْ همُ
أطالت مع اللّيل الحديـث من الأسى * واجفانُها كالمُزنِ تهمـــي وتسجمُ
فلو فَهِمَ اللّيلُ البهيــمُ كلامَهـــا * لرقَّ لها لكنّـه ليـــس يفهـــمُ
ولو كان ذا حسٍّ ويعرفُ قدْرَهــا * أجاب نداها لكن اللّيـــلُ أبكـــمُ
تُخاطِبُه في أن يُطيـــلَ ظـلامَه * عليها وما للّيـــلٍ أُذنٌ ولا فـــمُ

( 362 )

شكتْ همّها للّيلٍ واللّيــلُ أخـــرسٌ * وزينبُ حيـرى والفــؤادُ مكلَّـــمُ
ومرَّ عليها وقتُــهُ وتصـرَّمـــت * دقائِقُه والصُبـحُ بالشــرِّ مُفعـــمُ
ولاقتْ مُصاباً لو اُصيبَ ببعـضـــه * أشمُّ الرواسي الشامخـــات يُهــدَّمُ
لقد شاهدتْ قتـلَ الحسيـنِ بعينهـــا * وهل منه أدهى في الزمان وأعظمُ (1)

* * *

____________
(1) ديوان ميراث المنبر للمنصوري : ص 221.

( 363 )

الشيخ محمد سعيد المنصوري

الشيخ المنصوري مشدود الى تلبية نداء الخطابة الصارم في شعره بشكل لا يخفى على المطّلع ، لذا فشعره مضغوط داخل شروط ومتطلبات آمرة ناهية تحصر الشاعر بحدّتها وضيقها ومع ذلك فالشيخ المنصوري يتجاوز كل هذا بعد تحقيقه وينصرف الى جمال التصوير بلغة توصيلية سهلة التلقي يراعي فيها ثقافة السامعين اللغوية ليحقق جماهرية النص فى التواصل على حساب التعبير التوّاق الى الإنطلاق والتحرر من المباشر والسائد والمألوف.
إن القصيدة المنبرية تتوجه لمخاطبة مساحة عريضة من المتلقين فتكون لذلك قصيدة محافظة على جذورها واُسسها ، لا تستخدم آليات الإيماء البعيد والإشارة المحتاجة للمفاتيح الغائبة أو الغموض الموحي بالدلالة غير المباشرة ، وهي أقرب إلى نقل الجانب المأساوي الفاجع الباكي أو المتباكي أو هي تصنع هذا الجو مثيرة لحزن المتلقّي مستدّرة لدموعه وناشدة للتوجّع والتأوه على ماحدث لسيد الشهداء عليه السلام وأهل بيته وأصحابه من مآسٍ وأحداث دامية فلغتها تعريفية متدرّجة في نقل المعلومات التفصيلية التي تذكّر السامع بكل شيء حتى وإن كان من البديهيات المسلّم بها فمثلاً يقول المنصوري بلسان حال زينب عليها السلام :

أنا زينب الكبرى سليلة احمد * وهذا حسين والزمان محــرّم

وهذه طريقة منبرية قائمة على شرح وتفسير تفاصيل الأحداث رغبة بالشمولية واستيعاب كل ماجرى ، على أن قصائد المنصوري تنحو منحى ذاتياً في


( 364 )

إستهلالها ، فالقصيدة تبدأ من وقفة الشاعر الخطيب على الحدث معبّراً عن عواطفه وانفعاله واحاسيسه ولواعجه :

تشبّ بقلبي نار وجـدي وتضــرم * لذكـراك ياليـــل الــوداع متيّـم
وهيهات أن أسلو مصائب كربــلا * وتلك بكاها قبــل طـــه المكـرّم
فما زلت في بحر من الحزن والشجا * أعوم وطرفي بالكـــرى لا يُهــوّم

ثم يلتفت الى الحدث لنقله :

مدى العمر لا أنسى عقيلة حيدر * عشية أمست والقضاء مخيّــم

وتبدأ الأحداث بين رسمه وتصويره وتعقيبه وبين حوارات زينب عليه السلام وبنفس الإسلوب وذات الطريقة نرى قصيدة اُخرى :

بكِ ياليلة الوداع الرهيـب * سال دمعي دماً لرزء الغريب

ويلتفت سريعاً :

مذ أحاطت به الجيوش وأمسى * يتلقّى الردى بصدر رحيــب

وفى قصيدة ثالثة نرى :

صاح دهري ولم أكن بالجزوع * قد رماني بكل خطب فظيــع
وسقانــي كؤوس همّ وحـزن * سلبت راحتي وأحنت ضلوعي

ويلتفت كالعادة :

ذلكم حين صاح ليلاً حسين * يا بني هاشم بصوت رفيع

وقد تكون قصيدته لسان حال أحدى الشخصيات مثل زينب عليها السلام منذ البداية تخاطب ليلة الوداع في حوارية نسيجها العتاب المرّ والشكوى والانين فنرى :

ياليلة العشر طولـي * قد زاد فيـكِ نحولـي
وددت من قبل قومي * يحين وقت رحيلــي


( 365 )

33 ـ للسيد محمد شعاع فاخر (1)

ليلة في زمن الانبياء

أليلٌ سجـى في كربلاءَ أم الحشــرُ ؟ * تَسامت به الأيـــامُ وافتـخـر الدهرُ
وهل بسمـاتُ الوالهين إلى الرضـــا * أضائته أم ثغرُ الحقيقـــةِ يفتـــرُّ
وتلك دمـوعُ المشفقـات تسابقـــتْ * شئآبيبَ أم سحبٌ بهـا انبجسَ القطــرُ
وهذي جبـاهٌ أم بـروقُ صـــوارمٍ * أم اللوحُ محفوظاً بهيكلــه الذكـــرُ
وهل تلـك أرضٌ أشرقت في عراصها * ـ أو الفلكِ الأعلى ـ الكواكبُ (3) البدرُ
نعم حلَّها ثقـلُ الرِّسالــةِ فاكتســى * بهم سندساً من فيضِ جدواهـــم القفرُ

* * *

تعـالتْ علـى رمضــان أيامُ عشرها * وعن ليلة القدر استطـال بهــا القدرُ
لئن زاد قدرُ الشهـــرِ بالذكرِ وحـدَهُ * ففي العشر منها استُشهد الذكرُ والطهرُ
وإن كان يفنـى بالثلاثيـــن عــدّه * فما هي إلا الدهر أيامهـــا العشـرُ

____________
(1) هو : الفاضل الخطيب الشاعر السيد محمد شعاع فاخر ، ولد سنة 1360 هـ في الضفة الشمالية من شط العرب درس في حوزة الأهواز العلمية ثم هاجر الى حوزة النجف الأشرف لإكمال دراسته وكان عضواً في الرابطة الأدبية في النجف الأشرف ، ثم عاد الى الأهواز وحضر عند العلامة الكرمي ، ثم آثر الإقبال على الخطابة والكتابة ، من مولفاته 1 ـ حجة الشيعة الكبرى 2 ـ دفاع عن السيد المسيح 3 ـ جهاد كربلاء والإنسان 4 ـ ديوان شعر بعنوان « أنا الشاعر ».
(2) فاعل أشرقت.

( 366 )

وليس ظلاماً ما أرى بل صحيفــةً * من النور تبدو والجهادُ لهــا سِفْرُ
جرت من أبيِّ الضّيمِ فيها دمــاؤُهُ * كتاباً جهادُ الأنبيـاء به سطـــرُ
ففي كلِّ جرحٍ من عديد جراحــه * لنوحٍ وبلواهُ السفينــةُ والبحــرُ
وفي كلِّ حرفٍ من لهيـب ندائــه * خليلٌ لإسماعيله في الحشــا جمرُ
وإنْ كان بالذبح العظيــم فــداؤُهُ * لتُفْدى بإسماعيلَ فتيانــه الغُــرُّ

* * *

وإنْ فخرت أرضُ الطَّواف بها جرٍ * فكم هاجرٍ بالطَّفِّ أبرزهــا الخدرُ
سَعتْ ألفَ شوطٍ تطلبُ الماءَ بعدما * جرى في مسيـر النَّهر ريقُهُ الغمرُ
ولو ملكتْ أمراً سقت من دموعها * عطاشاه لولا أنَّها أدمــعٌ حُمــرُ
تسيلُ بجنب النهر يندى بها الثرى * وتنسجُ برديه الشّقائقُ والزَهْـــرُ
فلم يعرفِ الراؤونَ ما الدمعُ منهما * غداةَ جرى من مقلتيها ومــا النَّهْرُ

* * *

وهذا ابنُ عمرانَ استقلَّ جهَــادَه * وما صَغُرَتْ شأناً مَوَاقِفُــه الكُثْـرُ
غداةَ رأى سبطَ النبيِّ بكربـــلا * به يستجيرُ الدينُ إذ مسَّــهُ الضُـرُّ
لئن خانه الحانون فى الذل جبهـةً * وأصبتهم الدنيا فما خانــه النَّصـرُ
وإن ظلَّ فرداً حيثُ خلاَّه عسكرٌ * فكان له من عزمهِ عسكـرٌ بحــرُ
تمنَّى كليمُ الله تفديـه نفسُـــهُ * ودونَ الحسينِ السبطِ تنحرهُ السُمْــرُ
وجلَّ الصليبُ المجتلى فوق عوده * مسيحٌ كما يجلى من الغَبَش الفَجْرُ (1)

____________
(1) هذه الأبيات ناظرة إلى ما جاء في الإنجيل من أن المسيح عليه السلام جزع حين رُفع على خشبة الصليب وأظهر ضعفاً ، وبالطبع هذا مفتعل على روح الله ولكن الشاعر جرى على معنى الإنجيل وفيه شبه الرد على النصارى.

( 367 )

تسلَّق أعواد الصليب فما ونَـــتْ * رؤاه ولكن باح بــالألم السَّـــرُّ
يقولُ وملأُ الكونِ منـه شكايـــةٌ * إلى الله ممزوجٌ بهـــا الألـمُ المُرُّ
إلهي وربي كُنْ معي في مصيبتـي * رفيقي فقد عنَّاني الصلــبُ والأسرُ
وأُولاءِ فتيانُ الرسولِ تسابقـــوا * إلى الموت يتلو الحُرَّ في سعيه والحُرُّ
تَلفُّهُمُ الحربُ العَــوانُ كأنَّهـــا * نعيمٌ وفيه الأُنسُ لا البيـضُ والسُمْرُ
فما ضَعُفَت منها القلوبُ عن الوغى * أجل مات فيها الخوفُ وانذعر الذُعْرُ
وإن جلَّ يوم المطمئنِ وخائٍــفَ * فمَنّ منهما في السابقين له الفَخْــرُ ؟

* * *

طوى اللهُ آناءِ الزَّمانِ الذي مضـى * وفي ليلِ عاشوراءَ كان لــه النَّشْرُ
تَطلَّعَ ماضٍ في الزَّمـانِ وحاضـرُ * كراءٍ جيادَ السبقِ أبرزهــا الحضرُ
إلى فتيةٍ قد زانت الأرضَ بالسنــا * كما ازدان في عقدٍ من الـدُرَرِ النَّحْرُ
أحاطــت بسـرِّ الله فيهــا كأنَّه * فؤادٌ حواه بيـن أضلُعـــهِ الصدرُ
تمنَّت لقاءَ الموت قبـل أوانـــهِ * فأمْثَلُ شيءٍ أن يطـولَ بهــا العُمْرُ
تبرَّجَ رضـــوانُ الإله بعينهــا * نعيماً وما أخفاه عن ناظـــرٍ سِتْرُ
هَفَتْ لعناق البيض وهي مشوقــةٌ * لمقعدِ صدقٍ عنــدهُ يَعظــمُ الأجْرُ
وحَفَّتْ بسبط المصطفى وهو باسـمٌ * أضاءَ الهدى في ثغره إذ دجا الكفـرُ
أبَتْ أن ترى من هاشمٍ بشبا الظُبـا * عفيراً فعند المصطفى ما هـو العُذْرُ
ولكن أبَتْ فرسانُ هاشم أن تُــرى * مُحَلأَّةً والموتُ ريَّــانُ مُحْمَـــرُ
ونادى الهدى في حكمـه متنهِّــداً * كما فاح من غَنَّاءَ مطلولـــةٍ نَشْرُ
دَعُوا للوغى أنصارنا فقلوبُهـــا * لقطف رؤوس الكفر ضاق بها الصبرُ
ومذ حَظِيتْ بالحكم في الموت أقبلت * كما احتشدت في الأفقِ أنجُمُـهُ الزُهِرُ


( 368 )

وقد مال خدرُ الهاشميــاتِ بالأسى * كما مال في زغبٍ مروَّعـــةٍ وكرُ
دعوا عند آل الله يخلص العــدى * إليكم بضرٍ ما جـرى دَمُنـــا الثرُّ
فما عرفت ماالخوفُ حتى تمرَّغتْ * على الفلق الريَّان من دمهـــا العُقْرُ

* * *

ويالك من ليلٍ محــت مُدلهِمَّـــه * جباهُهُم والبــدرُ والقُضُــبُ البُتْرُ
رأى الملأُ الأعلى لــو انَّ متــونَهُ * لهم صهواتٌ لا المُجمَّلـــةُ الشُقْـرُ
جرى دمهم في المَهْمِه القفر فاغتـدى * نعيماً وأمسى وهو مُؤتلــفٌ نضـرُ
وما سال فوقَ الأرضِ حتى تضَّرجت * به وجناتُ الأفقِ مما جنــى الغـدرُ
تفجَّرتْ الدّنيا جمــالاً بهم كمـــا * تفجَّرَ بالإبداعِ مـن مُلهــمٍ فِكْــرُ
وحقَّق للإنسانِ معنــى وجـــوده * دمٌ سال منهـم لا قليــلٌ ولا نَـزْرُ
وخصَّهـــم بالسبـطِ ربٌّ بَـراهُمُ * فلا قَدْرَ إلا فوقَــه لهُـمُ قَـــدْرُ

السيد محمد شعاع فاخر
27 / 10 / 1417 هـ.
الأهواز




السيد محمد شعاع فاخر

قصيدة الإقتطاف الجميل من حدائق النص القرآني الكريم هي قصيدة السيد محمد شعاع فاخر ( ليلة من زمن الأنبياء ) وهو توجّه مقتدر كم أحببت أن يساوقه تحرر من أسار الفخامة والتراكيب المستدعية لنمط التراكيب القديمة التي إستنفدت طاقتها فلم


( 369 )

تعد تخاطب السمع النابض لحركة العصر الحديث.
فمنذ الصدر الاول يتبادر إلى الذهن هذا التنميط الذي يجر القصيدة إلى الوراء فمثلاً ( أليل سجى في كربلاء.. ) يُذكّرني بقوة ( أبرق بدا من جانب الحي لامع.. ) لكن الشاعر يغادر هذه المناطق كثيراً مما يمنح القصيدة عدم الإستقرار على محور نظمي محدّد وواضح فكأن شاعريته مرآة تعكس ما يمرّ أمامها من نصوص يداخلها في نصّه
فنرى مثلاً هذا البيت الرائع :

تسلّق أعواد الصليب فما ونت * رؤاه ولكن باح بالألم الســرّ


( 370 )

34 ـ للشاعر الأستاذ محمد الشويلي (1)

ليلة عاشوراء أعراس الدم

قِدُ الحرف وسط الليل يقتحم القدرْ * فقلبُ المنايا من لغـاك سينتحـــرْ
تناغيك أمواج الأعاصيـر في غد * تعد لها المهر الجريــح لتنتصــر
تُرى ليل عاشوراء عرس منابـرٍ * تمشّى بها صحو الضمير فمـا عثـر
قُمَيْرٌ يناغي النجم وهي تحوطــه * تقد!يه إن ألوى بجانبــه الخطــر
ومن كل نجم ينزف الضوء أحمرا * تضاء بها الأكوان ، تفتتن العصــر
فياليلة العشاق كــان دويهـــم * تخر له الدنيا ويستسلــم القـــدر
يمد الدجى فوق الرمال مخاوفــا * فتنكسر الصحراء والعـزم معتمّــر
وأنت فم قد جلل الكون رفضــه * وأنف شموخ فرّعت كبـره مضــر
فتعلن أن الموت غايتك التـــي * ستسعد فيها والحيـاة لمـن قهـــر
وينثال كل يستبيــح وجـــوده * فداءً لظل الله والأضـلع الطهـــر
صمود له التاريخ ينـدى جبينــه * ويرقى على عين الزمان فيُختصــر
ستبصر عند الأفق شر ذمة سعـت * لتغتال ضوء الشمس أو تطفىء القمر
وسوف تمد الطرف نشوان والوغى * كغابات خوف والا سنة كالشجـــر

____________
(1) هو : الشاعر الأستاذ محمد الشويلي ولد سنة 1387 هـ في بغداد ، تخرج من معهد التكنولوجيا ، له مشاركات في الماتقيات الأدبية والدينية ، وله ديوان شعر ( مخطوط ).
( 371 )

ويوم غد من كل طعنــة خنجـــر * يصيح فم إن البغــاة ستندحـــر
ستعدو بهم والأفق سـدت تخومـــه * من الخيل ، والرمضاء ترميه بالشرر
رويداً سيلقاكــم رضيعي بنحـــره * خطاباً عصياً دكّ افئـدة الحجـــر
ويلقاكـم حتى الصبي يشــد فـــي * ذراعيه عزمات النبي فمـا انكســر
ولادة أحــلام هنا تقهـر الظمـــا * ونبع مذال في مدى الروح ينفجــر
فصح يا فــرات الآن هذي دماؤنــا * ستغترف الأجيال من نزفها الغضـر
ويا حزمة للضــوء ودّت لـوانّهــا * تحرق ألفـا أو تُــذرُ ولاتَـــذَر
تخطي على الدنيا نبــوءة عاشـــق * توطيء في أزكى مواجعها المطــر
فيا أيها الحرف المطهـر لم يـــزل * على شفة الأرماح بالوحي يدكـــر
ويا ليلة ( غابت نحوس نجومهـــا ) * لك المجد أن أشرقت في ظلمة البشر

محمد الشويلي
1 / 12 / 1417 هـ




( 372 )

35 ـ للشاعر الأستاذ محمد الماجد (1)

خصلةُ شَعرٍ لساعديَّ

ومن ذا سيعبر بين الفراتين.. ؟
هذا أنا..
رب هذا المسيل المولّه بالصافنات الجيادْ !
قرون وأنت تمرّين من ههنا ياجيادْ
على هذه الأضلع الخاوياتْ
بربك أي المضامير رحت تجوبين فيّ ؟
وأي الأعنة شدّت يداي ؟
أحبك يامن تجيبين نذري
عقدت على ساعدي الضعيفين
خصلة شعر لحيدك
ثم ارتميت اقبل نقش الحوافر فوق الصعيد
____________
(1) هو : الشاعر الاستاذ محمد حسن يوسف الماجد ، ولد سنة 1386 هـ في سنابس تاروت إحرى مناطق القطيف ، حاز على شهادة البكالوريوس في العمارة من كلية تصاميم البيئة في جامعة الملك للبترول والمعادن سنة 1411 هـ و يعمل حالياً في إدارة المشاريع والصيانة بالإدارة العامة للتعليم ، و له مشاركة في النوادي الأدبية والثقافية.
( 373 )

اقوم و اهوي عليها مراراً!
اقوم..
واهوى عليها مراراً!
فهلا تعجلت برني
فهذا صدى الحمحمات يذيب فؤادي
ـ قرون عليه ـ
ومازال يملأ صدري نحيبا
جياد الخلاص
اضاء لك البرق ليل المتاهة فاجري
صراطك : صدري … وقلبي.. و نحري
صراطك : هذا الممدد بين الفراتين
رب المسيل الموله بالصفنات الجياد
افيقيه عدواً..
اقضي مضاجع هذا الرفات..
قليل من العدو يسكر رمسى..!
فطوفى عليه مطاف الجوامح
انعلن جمراً..
واشربن نخب الطفوف
ذرفن الدموع علي ساكنيها
وزرن ( الغريب )..


( 374 )

تحلقن حول الضريح المدمى
ألوفا.. الوف
الا يا جياد..!
قليل من العدو يسكر رمسي
فأصحو..
لينشق عن مدنف لايتوب
تحمل مالايطاق
وعاد تحمل مالايطاق
وعاد.. وعاد..
الى ان افاق
محمد الماجد
20 / 3 / 1417 هـ
سنابس





( 375 )

الأستاذ أحمد الماجد

قصيدة الماجد ( خصلة شعر لساعديّ ) إعتمدت الوحدة العضوية في نسيجها بمتابعة متأملة لحركة خيول يستعطيها أن تأتي من زمن عصيّ لتمسح البعد المأساوي عن صفحة الوجود ، وانعكست حركة الخيول إيقاعاً نفسياً داخلياً أحاط أجواء القصيدة في مونولوجها الداخلي وتداعياتها المتسائلة الباحثة عن الخلاص من ليل المتاهة.
الإستعطاء تبدّى في عنف الأسئلة المتتالية ، فالنص يبدأ بسؤال كبير ( من ذا سيعبر بين الفراتين ؟ ) والعبور ببقعة جغرافية محددة رَمَزَ لها الشاعر بالفراتين فأزاح الدلالة عن أن تكون مخصوصة بالفرات ـ وهو مفردة تنتظم في تشكيلة الطف جغرافياً وشعورياً ـ ليذهب أبعد في انتظار ما سيحدث فيخاطب الخيول ليعرّفها بنفسه ( هذا أنا ربُّ هذا المسيل المولّه بالصافنات الجياد ) إنه صاحب المسيل والإقتران المائي واضح في تتابع ( الفراتين ـ المسيل ) لكن هذا المسيل هو تيار الوعي الذي يلازم الحب هنا بصيغة الخلاص فهو مولّه بالصافنات الجياد في إسقاط قرآني لتلبّس شخصية النبي سليمان عليه السلام بشكل ناقص ، فهو أضلع خاويات تتساءل بإلحاح مقترن بالقسم ( بربك أيُّ المضامير رحت تجوبين فيَّ ؟ ) في حركة داخلية نفسية هي حركة الأمل داخل الذات و ( أيّ الأعنّة شدّت يداي ؟ ) وهو أمل آخر عندما تقبض يداه على أعنّة غير محدّدة للخيول ، ليبتدأ مونولوجاً عاطفياً يناجيها به من ( أحبك يا من تجيبين نذري ) إلى أن تظهر صنمية الحب في تقبيل


( 376 )

نقش الحوافر فوق الصعيد وتكون آثار الأمل الصغيرة هي الأمل كلّه في قيام وهويّ ينتهي إلى التحضيض والطلب ( فهلاًّ تعجّلت برئي ) ويتحوّل جانب حسيّ من الأمل هو ( صدى الحمحمات ) إلى نحيب ذائب في القلب لنبدأ حركة أخرى من ندائه لها لكن على التخصيص هنا ( جياد الخلاص ) ويطرح عهداً وميثاقا بالتضحية قائماً على الإستعطاف والإلحاح في الطلب ( أفيقيه عدواً.. قضّي مضاجع هذا الرفات ) وهي حالة يأس من النهوض والقيام الذاتي فتتمّ مطالبة الأمل المجسد في الخيول في حركتها الصاخبة الممتلئة بالحيوية ( قليل من العدو يسكر رمسي ) هذه الحاجة إلى ومض بسيط لتنبعث الحرائق وتدب الحياة ، ويتكرر هذا الخطاب ثانية في القصيدة لتلحقه لفظة ( فأصحو ) هذه الصحوة المطلوبة بإصرار مبدئي تأخذ شكل الحتمية في عودة الروح إلى أوصال المدنف التي تحملت عناء المسيرة ، وتكرر هذا التحمل والمعاناة إلى أن تتم الإفاقة والنهوض.
قصيدة الماجد ولائية الجذور وعقيدية الإنطلاقة بشكل يخلق واقعية خاصة يمكن أن نسميها الواقعية الشعرية التي لاتصاحب الواقع الحقيقي لتطابقه ، بل لتوازيه وتنهل من ينابيعه بإختيار صادر عن موقف وتجربة وتوجه جمالي فني.
وأخيراً فإن ليلة عاشوراء لم تكن موجودة في نصه كوثيقة تاريخية بل كحالة مستبطَنة يخاطبها الشاعر بإيماء مكثّف من خلال خطاب عام للجرح الحسيني الغائر في الأعماق المتلهّفة للخلاص.


( 377 )

36 ـ للشيخ مهدي المصلّي (1)

عزائم الابطال

ليلةٌ أسهرت عيـون الليالـــي * لتُرينـا عزائــمَ الأبطـــالِ
وتُرينا الشموسَ تفتــرسُ الليـ * ـلَ لتمحو عصرَ الليالي الطوالِ
وتُرينا التاريخَ أشـرقَ فيـــه * عقدُ نورٍ مرصّـعٍ باللآلـــي
وتُرينا الإنسانَ يسمو على النجـ * ـمِ مناراً ورجلُهُ فـي الرمـالِ
وتُرينــا الليلَ الذي يلـد الفجـ * ـرَ فيهوي ظلامُـهُ للــزوالِ
فيها عصبةٌ تُسبـــحُ بالحـمـ * ـدِ فتذكي شوامــخَ الآمــالِ
في دويٍّ كالنهـرِ يملـؤُهُ التسـ * ـبيحُ ينسابُ من رُبى شَــلاّلِ
في جلالٍ كنسمةِ الفجرِ هبّــت * لتبُثَّ الحيـاةَ فــي الآصــالِ
والحسينُ الشهيدُ يفتحُ بـابـــاً * في زوايا المسيرِ والترحـــالِ
إنما شخصيَ المرادُ فسيـــروا * ودعوا ساحةَ القنا والنصـــالِ

____________
(1) هو : الأستاذ الفاضل الشيخ مهدي بن الحاج حسن بن الحاج عيسى المصلّي ، ولد في سنة 1383 هـ في جزيرة تاروت ـ القطيف ، أكمل شطراً من الدراسة الأكاديمية ، ثم التحق بالحوزة العلمية في قم المقدسة سنة 1400 هـ ، ثم واصل دراسته الحوزوية متنقلاً بين القطيف والأحساء وسوريا ، ولا يزال يواصل مسيرته العلمية في النجف الأشرف ، ومن مؤلفاته 1 ـ رسالة في غسل الوجه ( استدلالية ) ( مطبوعة ) 2 ـ الأصول النقية ( مخطوط ) 3 ـ ديوان شعر ( مخطوط ) وله كتابات أخرى ، وله مشاركات فعالة في النوادي الثقافية الدينية والادبية.

( 378 )

فإذا بالقلوبِ تنطـــقُ إنّـــا * بمواضي سيُوفِهم لانُبــالـــي
إنما الموتُ يفتحُ البابَ للخــلـ * ـدِ فتُمحى عظـائمُ الأهـــوالِ
إنّنا نعشقُ الشهادةَ في الحـــقِّ * وإن مُثِّلَـتْ بألـــفِ مِثـــالِ
وسنبقى حولَ الحسيــنِ سِياجـاً * من قلوبٍ لا من سيوفٍ صقــالِ
فالقلـوبُ الولهى أحدُّ من السيفِ * وأقوى من الــدروعِ الثقـــالِ
والفؤادُ المجروحُ يعصفُ كالاعـ * ـصارِ يمحو ثوابـــتَ الآجالِ
والجريحُ المظلومُ لا يَرهبُ الموتَ * إذا ما دعاهُ داعــي النِّـــزالِ
إنَّما المـوتُ خطوةٌ لجنانِ الخلـ * ـدَ أو رشفةٌ مـن السلســـالِ
حبَّذا الموتُ في سبيلِكَ يــا سِـ * ـبْطُ ويا حَبَّذا مروعُ القتـــالِ
ليس في المـوتِ ما يُخيفُ إذا كا * نَ سيُحي ضمائـرَ الأجيـــالِ
ليس في المـوتِ ما يُخيفُ إذا كا * نَ طريقاً الى جَميـل المـــآلِ
رايةٌ قَلبُها الحسيــنُ تَشـــقُّ * الحشرَ شقاً الى عظيـمِ النَّــوالِ
وقلوبٌ حُـبُّ الحسيــنِ يناغيـ * ـها تغذَّت حياتُهـا بالـــزّلالِ
حُبُّهم مصدرُ الـرواءِ وأسّ الطُـ * ـهرِ والخيرِ والهدى والجمــالِ
في سبيل الحسين ما أنتَ يا موتُ * سوى يـومِ رحلــةٍ للكمـــالِ
ليس أغلى من الحيـاة ولكــن * لك غالي أرواحِنــا والعيــالِ
كلُّ غالٍ تَملَّكَ القلــبَ حُبــاً * في سبيل الحسينِ ليـسَ بغالــي

مهدي المصلي
12 / 11 / 1416
تاروت ـ القطيف





( 379 )

الشيخ مهدي المصلّي

تتدفق الصور في قصيدة المصلّي ببراءة إبداعية متصاعدة في الكشف عن أحداث ليلة عاشوراء ، فهو حريص على التسجيل والتوثيق لكن عبر عينيه المفتوحتين على ماوراء الظاهر والسطحي والمألوف لنشاركه كشوفه وإرتياداته لدروب الحقيقية والمصير البشري عبر ليلة نوعية في حسابه لليالي التي مرّت ولا زالت تمرّ وستبقى تمرّ كاشفة لنا بؤس المصير لغير المرتبطين بسموّ الحقائق المطلقة ، السائرين في متاهات السراب والخواء والجدب ، فنرى المصلّي صدّاحاً بما تجلوه الليلة من ضميره :

وتُرينا الإنسان يسمو على النجم * مناراً ورجلـــه في الرمــال

مع إرتباطه بما هو ارضي فهو متطلّع الى السمو والتحليق بروحه في سماوات الوجود الحق ، فهكذا الإنسان المتكامل.
والمصلّي مع معانقته لجلال الأفكار السامية فهو لا يعدم وسيلة الى طرحها بمعادلاتها الشعرية الوجدانية المصوّرة ، حتى أنه يقارب المتن التاريخي بصور شفّافة وتكوينات بصرية برّاقة فنراه يقول عن الوصف التاريخي لعبادة الأصحاب ( دويّ النحل ) :

فى دويء كالنهر يملؤه التسبيح * ينســاب من ربـى شـــلال

فهو يفكّك الوثيقة التاريخية ليعيد انتاجها وفق ماتريد شاعريته لكن ضمن الإطار الدلالي العام الذي لا يعوم بعيداً عن ضفاف التوصيل وربما خرج علينا بحلّة


( 380 )

شاعرية محضة ليُنطِق الشخصيات التأريخية بما يخطر لتأملاته أن تقول فنراه يُنطِق الأصحاب بما يحسّه هو :

وسنبقى حول الحسين سياجاً * من قلوب لا من يسيوف صقال

هذا هو التوغل الباحث عما هو جوهري وعما وراء الظواهر في تجربة مهدي المصلي الشعرية يتجلى في هذا البيت المنسوج بكل الأدوات الممكنة ، فنرى الخروج على التراكيب النمطية التقليدية في بؤرة تركيبة مشعّة على عموم البيت في ( سياجاً من قلوب ) وهذا التركيب حداثي أدخله المصلي بكل يسر الى قلب البيت لينظّم دقّاته بنبض متسارع على مستوى المضمون والشكل ، ولنا أن نلاحظ أيضاً ثيمة إيقاعية تقصّدها الشاعر في إستخدامه لحرفين من حروف الصفير الصاخبة هما ( السين والصاد ) فنرى صدر البيت وقد توشّح نُطقاً بثلاثة سينات تموسق الإيقاع المتشابك لبحر الخفيف ببريق لحني أخّاذ في ( وسنبقى حول الحسين سياجاً ) في تعارض ثنائي مع حائين في الوسط متجوّفين كعمق نغمي مستقر في ( حول الحسين ) لننتهي الى قفلة مطربة تسبق جرس حرف الروي من القافية عندما إشتبكت السين في ( سيوف ) مع الصاد في ( صقال ) بصفير متقابل لايُوفّق له إلا ذو حظّ عظيم من الشاعرية التي تستوعب وتشمل ، وأراني منساقاً إلى إبداء أكثر من الإعجاب بهذه الشاعرية الفذّة التي سيكون لها شأن عندما تنفتح بشكل أكثر عمقاً على التجارب الشعرية الأخرى وأختم إنطباعاتي ببيت آخر للشاعر بلا تعليق :

راية قلبها الحسين تشـــق * الحشر شقّاً الى عظيم النوال


( 381 )

37 ـ للسيد مهنّد جمال الدين (1)

الليل ورفيقه
في الليلة الأخيرة

« في آخر ليلة وقف الحسين بن علي عليه السلام بين يدي الله متهجِّداً كعادته...غير أن الليل في هذه المرّة له حوار مع نفسه وهو انه يشعر بانقضائه إلى الأبد حينما يأتي الصباح...»





الليلُ قد نثر الدموعَ رحيقـــا * وهوى يُقبّل في الظلامِ رفيقـا
خمسُونَ ما رعِشَ الضميرُ لغيره * أبداً... وما عَرفَ الفؤادُ عُقوقا
كانت لياليه الحسـانُ وضيئــةً * تزهو على كبد الزمان بروقـا
وتصاعدت أنفاسُه فـي موكـبٍ * قد زُفّ للأفلاك نوراً يوقــا
وإذ ارتقى نحو السماءِ نشيجــهُ * غفت الشجونُ وجُنّت الموسيقى
رقصت وقد سال النُهى في كأسه * فالفَجرُ جاءَ مُهرولاً ليذوقــا

____________
(1) هو : الفاضل الشاعر السيد مهند بن الشاعر الكبير المرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين ، ولد سنة 1395 هـ في سوق الشيوخ إحدى مدن العراق الجنوبية ، تخرّج من معهد التكنولوجيا ببغداد سنة 1407 هـ ، التحقَ بالحوزة العلمية في قم المقدسة 1412 هـ ، ومن نتاجه الأدبي ديوان شعر ( مخطوط ) وكتابات اُخرى ، وله مشاركات في النوادي الأدبية والثقافية.

( 382 )

حتى إذا اقتربـت إليــه غــادةٌ * حسناءُ تضرمُ في الدِماءِ حَريقــا
الصُبحُ في وَجناتَهــا مُتـــورّد * ومن الفضاءِ النورُ يشكو ضيقــا
فترنّحت بالوجد تَعتصـرُ المُنــى * لتصبَّ قلباً في الغـرام أُريقـــا
قالتْ وقدْ فاحَ العبيـرُ بصوتهــا * والثغرُ نثَّ أقاحيـاً وشقيقـــا :
« هلاّ نزلت إلى فـــؤادي مَرّةً * وهل ارتشفت رضابَهُ والريقـا »
« إنّي أمدُّ يداً لقد ذابـت لهـــا * كلُّ القلوبِ ومُزّقتْ تمزيقـــا »
فهل ارتضيتَ بأن أكون عقيلــةً * لأصونَ من غيظي الدّمَ المحروقا؟!
فأجاب :مَنْ هذي التي دَوّت بنــا * وَمَضَتْ إلى النجوى تَشقُ طَريقا؟!
قالت : أنا « الدُنيا » وهذي نِعمتي * تجني الثمارَ أسـاوراً وعقيقـــا
فأجابها والحلمُ يمتشق السنـــا * ويمدُّ صوتاً في الوجود طليقــا :
« حَرُمَتْ على الأبناء من قد طُلِقَتْ * وأبوهُمُ مَنْ أَوقـعَ التطليقـــا »
« وأبي لقد حَفِظَ الزّمـانُ طَـلاقهُ * لكِ في صَميمِ الخالداتِ بريقــا »

* * *


الليلُ يسمــعُ ما يـدورُ بقلبـــه * فيعدُّ دقــاتٍ لــه وشهيقـــا
ويعدُّ ليلته ـ وقد ماست بـــه ـ * أملاً يَمــوتُ وعالمــاً مَسروقا
هي آخـــرُ العنقودِ يَـدري أنهـا * تلِدُ الصباحَ وضــوءَه المخنوقـا
فلتستعدّي يـا نجــوم وتخمــدي * فجراً تخطّى نحونــا وشروقــا
طولي فقد شدَّ الرحيــلُ رِكـابَـهُ * وبه تهجّى الضــارعُ التفريقــا


( 383 )

فغداً يخرُّ الوهم من عليائــه * « وأبو عليٍّ » يَرسمُ التصديقا
وغداً يُطهِّرُ من نزيف جراحه * ماءً على نهرِ الفراتِ غريقـا
ويشيدُ نصراً للإباءِ مُنضَّـراً * ويُنيرُ جُرحاً للسُراة عميقــا
ويَخطُّ للثوّارِ درباً واضحــاً * ويصونُ للمتطلّعين حقوقــا

مهند جمال الدين
الأحد 4 / 11 / 1416 هـ




( 384 )

السيد مهند جمال الدين

في قصيدة ( الليل ورفيقه ) يبدو مهند جمال الدين وريثاً كفوءاً لتجربة أبيه الشاعر الدكتور مصطفى جمال الدين إلى حد الإقتراب من التطابق رؤىً وتأملاً وأدواتاً.. جزالة لفظ.. وتصورات مشرقة وبناء منتظماً بكل مميزات قصيدة مصطفى جمال الدين العاشقة الولهى التي تناغم إشراقات النَفَس العباسي الأصيل في استخدام معاصر للمفودات واستصحاب للتراكيب المتقدمة زمنياً وتفوق في إختيار موقع مغاير للإطلالة المتأملة على جوّ القصيدة وحدودها وآفاقها وتحولاتها وتطلعاتها.
إن هذه القصيدة تخيّرت الإصطفاف والإنضمام إلى طابور طويل يقف فيه شعراء العمود مدافعين بصرامة واستبسال عن ماء وجه القصيدة العربية الذي تأكّله جذام النظم الرديء والتنميط المسطح لكل خواء روحي مصبوب في قالب الوزن ومجترّات القوافي المقحمة.
على أني رأيت أخيراً في نتاج مهند جمال الدين تطلّعاً مختلفاً عن الإتّباعية والإحتذاء بالمثال في بواكيره على الرغم من إخلاصه ووفائه في هذه القصيدة لكي يكون صدى وترجيعاً حتى في إختياره لبحر الكامل دون البحور الاُخرى ( والذي يشكل ثلث شعر السيد مصطفى جمال الدين المنشور ) أو تطعيمه لقصيدته بصيغ بنائية تخصّ المرحوم والده كصيغة ( حتى إذا ) التي لاتكاد تخلو قصيدة من قصائد المرحوم الشاعر مصطفى جمال الدين منها فنرى عند مهند :

حتى إذا إقتربت إليه غـــادة * حسناء تضرم في الدماء حريقا


( 385 )

ويمكننا أن نرى البذور المستزرَعة القابلة للنمو والإنطلاق الى آفاق جديدة في التعبير والتوصيل مثل هذه البذرة :

وإذا إرتقى نحو السماء نشيجه * غفت الشجون وجُنّت الموسيقى

فهو يقابل المحسوسات الصوتية المسموعة في نهاية الصدر ( نشيجه ) ونهاية العجز ( الموسيقى ) في حركة بنائية محدثة.
ونرى كذلك بذور الإنطلاق والتجدد في الحوارات المبثوثة في منتصف القصيدة بين ( قالت ـ وأجابها ) أو عندما يزاوج بين الخيالات والمحسوسات في :

فأجابها والحلم يمتشق السنا * ويمدّ صوتاً في الوجود طليقا

فالحلم خيالات تنطلق بلغة الضوء المرئيّ الحسيّ ( السنا ) إمتشاقاً أو تنطلق بلغة الصوت المسموع الحسيّ ( صوتاً ) إمتداداً في الوجود.
إنّ شاعرية مهند جمال الدين هنا تتبرزخ مشدودة الى أصداء ما مضى والى نداءات ما سيأتي بدون إنحياز واضح هذا على مستوى البناء ، أمّا على مستوى التأمل والتصور فهي منحازة بعض الشيء الى السياقات والأنساق الحديثة أكثر.