بحثٌ حول المهدي (عج)

تأليفُ
الإمام الشّهيد السيّد محمّد باقر الصّدر قدس سره



تحقيق وتعليق
الدّكتور عبد الجبّار شرارة

مع مقدّمةٍ وافية

مركز الغدير للدراسات الإسلامية | قم


( 5 )

بسم الله الرحمن الرحيم


( 6 )


( 7 )

كلمة المركز


( 8 )


( 9 )

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين .
إن من المهام الفكرية والعلمية التي تصدى مركز الغدير للعناية بها ونشر الأبحاث والدراسات الدائرة حولها والمهتمة بالتعريف بها هي الأبحاث والدراسات العقيدية المرتبطة بعقيدة الإمامة ، ولعل دراسة قضية الإمام المهدي عليه السلام وبحثها بحثاً علمياً استدلالياً والتعريف بها ، ومناقشة الشبهات المثارة حولها ، هي من أهم المباحث وأكثرها حاجة إلى الإيضاح والتعريف .
ولقد كتب العلماء والمفكرون والباحثون والمحققون الكتب والدراسات لدراسة هذا الموضوع الخطير .
كما خرّج علماء الحديث وأصحاب الموسوعات الحديثية أحاديث المهدي المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتبهم وأفردوا لها باباً خاصاً حيناً ، كما وردت ضمن أحاديث وروايات أخرى حيناً آخر .
ومن الذين تناولوا هذه البحث بالدراسات والتحليل ، وضمن منهج متميز هو الفقيه والمفكر الإسلامي الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضي الله عنه ، فقد بحث هذا الموضوع تحت عنوان «بحث حول المهدي» فكان بحثاً عقلياً وتنظيرياً لعقيدة


( 10 )

المهدي . ولم يورد فيه مؤلّفه الروايات الدالة على الموضوع ؛ ذلك لأن البحث كان عبارة عن مقدمة لكتاب استدلالي موسع هو كتاب «موسوعة الإمام المهدي» للسيد محمد الصدر .
فهو عبارة إذاً عن مقدمة لكتاب ، وليس كتاباً . غير انّه جاء بحثاً استوعب مرتكزات الموضوع وأغنى جوانبه . وحق ان تبذل الجهود لتحقيقه وإخراجه ونشره . فكاتبه (الشهيد الصدر) قمة من قمم الفكر والعلم ، وحجة من حجج البحث والتحقيق .
من أجل ذلك بادر مركز الغدير بتكليف الأستاذ الدكتور عبد الجبار شرارة أن يقوم بتحقيق هذا الأثر من تراث شهيدنا الصدر العلمي والتعريف بمسئلة من أهم مسائل العقيدة من خلال هذا البحث القيم ، ولقد تركز عمل المحقق بمقدمة علمية استعرض فيها وحلل مناهج البحث في هذه المسألة ، فلخصها يمنهجين هما :
1 ـ منهج المشككين .
2 ـ منهج المثبتين ، الذي قسمه إلى منهجين هما :
الف ـ المنهج الروائي .
ب ـ المنهج العقلي (منهج الشهيد الصدر) .
فتحدث عن منهج الشهيد الصدر وأوضح طريقته في إثبات القضية وبلورة معالمها ، كما قام بنقد ورد الشبهات المثارة حول عقيدة الإيمان بوجود المهدي المصلح ، وأورد الأدلة المثبتة لذلك .
وبعد تلك المقدمة انتقل المحقق إلى نص كتاب «بحث حول المهدي» فقام بتدقيق المتن وضبطه وتخريج الآيات والروايات والإحالات الواردة في متن الكتاب والتعليق على بعض نصوص الكتاب لإيضاحها وكشف غوامضها .


( 11 )

ومركز الغدير إذ يتبنى إعداد هذا الكتاب بتوجيه وعناية من المشرف العام آية الله السيد محمود الهاشمي ، إنما يقدم للقراء أثراً علمياً قيّماً ، وصياغة فكرية فذة لمبدأ إسلامي خطير ، ويعرّف من خلاله بمسألة من أهم مسائل الفكر والعقيدة الإسلامية .
راجين من الله سبحانه قبول العمل وشفاعة أهل البيت عليهم السلام وتحقق آمال المستضعفين في العالم بإقامة دولة الحق التي يرفع لواءها المصلح المنتظر .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

مركز الغدير للدراسات الإسلامية
ربيع الأول 1417 للهجرة الشريفة





( 12 )


( 13 )

مقدمة المحقق


( 14 )


( 15 )

الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر عليه السلام قضية أساسية في عقيدة المسلمين وقد شغلتهم وما تزال منذ بشّر خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم به ، وأكّد ظهوره في آخر الزمان في أحاديث جمّةٍ ، وفي موارد ومناسبات لا تحصى كثرة بلغت حدّ التواتر ، فصار الاعتقاد به من ضروريات الاسلام . ومع ذلك كلّه فقد نجم في القرون الماضية وفي قرننا الحالي من أنكر وشكّك فيه إمّا تأثراً بمناهج مادية او بسبب عصبية مذهبية أو لجهلٍ بما أودع في الصحاح والمسانيد والسنن ومئات الروايات (1) عن طريق الفريقين السنّة والشيعة ، ولقد ألّف العلماء المتقدمون والمتأخرون عشرات الكتب كما كُتبت فصول أو دراسات تضمنت أدلةً معتبرة واحتجاجات سليمة وقوية على وجود المهدي وصدق القضية بما لا ينبغي معه أن يرتاب فيه مسلم صحيح العقيدة يؤمن بما يخبر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
ولقد بلغ من رسوخ هذه العقيدة في الامّة المسلمة أن استغلّها بعض الأدعياء ، وادّعوا المهدوية ، ولكن سرعان ما انكشفوا وافتُضحوا ، كما افتُضح أدعياء النبوّة ، وقد حاول الدكتور أحمد أمين في كتابه (المهدوية في الاسلام) أن
____________
(1) راجع : المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنّة والإمامية | الشيخ نجم الدين العسكري ، وفيه أكثر من أربعمئة حديث من كتب أهل السنّة .
منتخب الأثر في الامام الثاني عشر عليه السلام | العلاّمة الشيخ لطف الله الصافي ، وفيه ما مجموعه (6000) ستة آلاف حديث عن طريق الفريقين .

( 16 )

يجعل من ادّعاء المهدوية سبباً للطعن على فكرة المهدي وأصالتها ، ولكن العكس هو الصحيح . فالادّعاء يدلّ على أنّ المدّعين يستغلّون حقيقيةً موضوعيةً ، واعتقاداً راسخاً عند الناس ، ثمّ لو صحّ أنّ الادّعاء مبطل لأصل القضية ، فلازم ذلك إبطال النبوّات لكثر المدّعين بها .
والأمر المثير للعجب أن يتصدى بعض أدعياء العلم والمعرفة قديماً وحديثاً للتشكيك والتشويش على الأمة المسلمة ، لا لشيءٍ الاّ بسبب قصور فهمهم عن إدراك أسرار هذه العقيدة ، ومقاصدها السامية ، أو بسبب غرض آخر ، ومن هؤلاء في عصرنا الحديث المستشرقون وتلامذتهم من أمثال گولدزيهر ، وفلهاوزن ، وفان فلوتن ، ومكدونالد ، وبرنارد لويس ، ومونتغمري وات ، وماسنيون وغيرهم ممن تبعهم من تلامذتهم من أبناء الإسلام ، وسار على منهجهم في إثارة الشبهات والتشكيك بعقائد الإسلام ومقولاته وفي القرآن الكريم والسنّة المطهرة ، ثمّ سلك هذا المسلك الوهابية ومن سار في ركابهم من أبناء الشيعة والسنّة في التشكيك بعقيدة المهدي المنتظر ، وليس لدى جميع هؤلاء ما يدعم إنكارهم من الأدلة والمستمسكات الموثوقة ، بل الدليل قائم على خلاف مذاهبهم والبرهان ساطع وقاطع على صحة العقيدة في المهدي ؛ لثبوت التواتر كما حكاه غير ، ومنهم البرزنجي في الإشاعة لأشراط الساعة ، والشوكاني في التوضيح كما سيأتي .
والغريب أنّ هؤلاء يتوسّلون بنفس الذرائع ، ويتعلّلون بنفس التعلّلات التي توسّل بها منكرو ما جاء من أنباء الغيب التي احتواها القرآن الكريم ، أو التي نطق بها الرسول الكريم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كإنكارهم الإسرار والمعراج (1) .
إنّ قراءة متأنية لما أثاره المشككون من إشكالات ، وما يطرحونه هذه
____________
(1) راجع : تفسير ابن كثير 3 : 9 وما بعدها تفسير اول سورة الإسراء .
( 17 )

الأيام من تشويشات ، كمافي مزاعم وادّعاءات السائح ، والقصيمي ، وغيرهم من المشوّشين ـ وهي لا تختلف عمّا طرحه الخصوم من قبلهم ـ الذين هم عن العلم بعيدون ، وبمعرفة علم الحديث ر وايةً ودرايةً أبعد ما يكونون ، وبحقائق التاريخ ووثاقئه على أتمّ الجهل أو العناد ، إنّ هذه القراءة ستوقفنا على سذاجة تفكيرهم وسُقم واختلال مناهجهم في التعامل مع هذه القضية الخطيرة (1) .
ومن هنا كان تصدي الإمام الشهيد الصدر رضي الله عنه لها بالبحث والدراسة وفق منهج علمي جديد ، يعتمد النقل الصحيح ، والدليل العقلي السليم ، ومناقشة القضية مناقشةً هادئة رصينة متعرضاً لكل الإشكالات المثارة في المقام . والواقع أننا إزاء ما أثاره الخصوم قديماً وحديثاً لم نجد ـ في حدود تتبعنا القاصر ـ من درسها وناقشها بمثل هذا المنهج والأسلوب الذي اتّبعه الإمام الشهيد الصدر رضي الله عنه ، كما سيتضح للقارئ العزيز .
ولعلّ من المناسب في هذه المقدمة أن نتعرّف على جملة حقائق أو ملاحظات يمكن ان تشكل مدخلاً مناسباً لبحث السيد الشهيد رضي الله عنه الذي وفقنا والحمد لله إلى تحقيقه تحقيقاً علمياً حديثاً .
ويتضمن المدخل الإلمام بالأمور الآتية :
أولاً : منهج المشككين قديماً وحديثاً .
ثانياً : منهج المثبتين :
1 ـ المنهج الروائي .
2 ـ المنهج العقلي (منهج الشهيد الصدر رضي الله عنه) .
____________
(1) راجع مناقشة السائح وأمثاله في (نقد الحديث بين الاجتهاد والتقليد) للسيد محمد رضا الجلالي المنشور في مجلة تراثنا / العددان 32 و 33 ـ السنة الثانية 1413 هـ ـ اصدار مؤسسة آل البيت عليهم السلام .
( 18 )

أولاً : منهج المشككين
ينطلق المنكرون للإمام المهدي المنتظر عليه السلام من دوافع ومنطلقات لا تنسجم مع منهج الإسلام العام في طرح العقائد والدعوة إلى الإيمان بها . فمنهج الإسلام الذي يعتمد على العقل والمنطق والفطرة ، يقوم في جانب مهمٍ منه على ضرورة الإيمان بالغيب . وتتكرر الدعوة في القرآن الكريم إلى ذلك ؛ إذ هناك عشرات الآيات (1) التي تتحدث عن الغيب والدعوة إلى الإيمان به ، والمدحة عليه كما في قوله تعالى : (آلمَ ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيبَ فِيهِ هُدىً لِلمُتَّقِينَ * اَلّذيِنَ يُؤمِنُونَ بِالغَيبِ) البقرة : 2 ـ 3 ، وفي الحديث النبوي الشريف (2) كذلك ؛ إذ هناك مئات الروايات وبصورٍ متنوعة وعديدة وكلّها تؤكّد الإيمان بالغيب وعلى أنه جزء لا يتجزأ من العقيدة ، وأنّ هذا الغيب سواء تعقّله الإنسان وأدرك جوانبه أو لم يستطع إدراك شيء منه وخفيت عليه أسراره ، فإنه مأمور بالإيمان ، غير معذورٍ بالإنكار ، بلحاظ أنّ مثل هذا الإيمان هو من لوازم الاعتقاد بالله تعالى ، وبصدق سفرائه وأنبيائه الذين يُنبئون ويُخبرون بما يُوحى اليهم ، كما هو الأمر في الإيمان بالملائكة وبالجن وبعذاب القبر وبسؤال الملكين (منكر ونكير) وبالبرزخ (3) وبغير ذلك من المغيّبات التي جاء بها القرآن الكريم أو نطق بها الرسول الأمين ونقلها إلينا الثقات المؤتمنون . وإذن فكلّ تشكيك بشأنها ـ أي قضية المهدي ـ إنما يتعلق بأصل التصديق بالغيب ، والكلام فيه يرجع إلى هذا الأصل .
____________
(1) راجع : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن مادة (غيب) . وراجع التفسير ومنها تفسير ابن كثير المجلّد الأول في تفسير أوّل سورة البقرة .
(2) راجع كتاب الفتن وعلامات الساعة في الصحاح والمسانيد والسنن . راجع مثلاً : التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول | الشيخ منصور علي ناصف 5 : 300 وما بعدها .
(3) راجع : التاج الجامع للأصول 1 : 25 .

( 19 )

ومن هنا حاول المنكرون لعقيدة المهدي عليه السلام أن يهربوا ، وينأوا بأنفسهم عن طائلة ذلك الاعتقاد ، فلجأوا إلى التشكيك بالأخبار الواردة بشأنه أو تضعيف أسانيدها كما فعل ابن خلدون في تاريخه في الفصل الثاني والخمسين الذي عقده في أمر الفاطمي ، حيث ضعّف الأحاديث المروية في المهدي مع اعترافه بظهور المهدي آخر الزمان ، وبصحة بعض الأحاديث المروية بشأنه . وتبعه عدد من المقلدين أمثال علي حسين السائح أستاذ كلية الدعوة الإسلامية في ليبيا في بحثه (تراثنا وموازين النقد) (1) إذ تعرّض فيه لموضوع المهدي المنتظر ، وتعلق بالخيوط العنكبوتية التي نسجها ابن خلدون حول عقيدة المهدي ، وحسب أنه لجأ إلى ركن شديد ، وأنه سيرقى عليها إلى السماء ، غافلاً عن أنه تشبث بأوهن البيوت .
وعندما اصطدم هؤلاء بعد إمكانية ردّ تلك الروايات أو تضعيفها لكثرتها ، وتعدد طرقها ، وصحة أسانيد عدد كبير منها كما أثبتها أئمة الحديث (2) ، لجأوا مرةً أخرى إلى احاطة أمر المهدي بالأساطير التي اخترعوها ، كاختراعهم أكذوبة السرداب التي لا أصل لها عند المعتقدين به ، وقد ناقشها الشيخ العلامة الأميني مناقشة وافية أبان فيها تخبط الخصوم في الأساطير التي نسجوها تارةً في موقع السرداب ـ إذا اختلفوا فيه اختلافاً مضحكاً ـ وتارةً اُخرى في مواقف الشيعة وطقوسهم المزعومة حول السرداب (3) .
____________
(1) البحث نُشر في مجلة الدعوة الإسلامية الصادرة في ليبيا ، وراجع مناقشته في بحث السيد الجلالي المنشور في مجلة تراثنا المذكور سابقاً .
(2) راجع : دفاع عن الكافي | ثامر هاشم العميدي 1 : 203 وما بعدها ، فقد اورد مناقشة العلماء وأئمّة الحديث لتضعيفات ابن خلدون والمقلّدين لرأي ابن خلدون ، كما ناقش هو تلك التضعيفات مناقشة علمية متينة أبان فيها تهافتهم وعدم تبصّرهم ومعرفتهم بفن الرواية وأصول الدراية .
(3) راجع : الغدير 3 : 308 ـ 309 ، وراجع ما أورده العميدي من مناقشات متينة لهذه الفرية في دفاع عن الكافي 1 : 539 ، راجع : سرة الائمة الاثني عشر | هاشم معروف الحسني 2 : 559 .

( 20 )

ولجأ آخرون إلى انكار ولادته (1) الميمونة بإقراء ذوي المطامع (2) او الطموح السياسي والاجتماعي لتبني هذا الإنكار والإفادة منه ، إلى غير ذلك من التعلقات الواهنة التي تسقط لدى عرضها على الحقائق الوفيرة ، فضلاً عن مقتضيات الأحاديث الصريحة الصحيحة .
وبالجملة فإنّ منهج المشككين لم يخرج عن مثل تلك المنطلقات والتوهمات أو المغالطات المنكرة ، فضلاً عن تعارضه مع الأصول المعتبرة الدينية والروائية .
ولعل من المناسب أن نورد ضمن هذا المنهج ما ذهب إليه بعض المعاصرين من أمثال إحسان إلهي ظهير (3) والبنداري (4) والسائح ، ومن احتذى حذوهم ، وقلّدهم تقليداً أعمى من المنسوبين إلى الشيعة .
وملخّص ما أثاروه واستندوا إليه أمور نذكرها كما وردت على ألسنتهم ، ثمّ نناقش أسس مدّعياتهم ومنهجهم ، وذلك كما يأتي :
1 ـ قالوا : إنّ الشيعة وقعوا في حيرة واضطراب بعد وفاة الإمام العسكري ، وخاصة فيما يتعلق بولادة الإمام المهدي (محمد بن الحسن) ؛ لوجود الغموض فيما ورد عنه من طريق الأئمة عليهم السلام عندما سُئلوا عنه .
2 ـ قالوا : إنّ الشيعة انقسموا وتفرقوا إلى أربع عشرة فرقة في مسالة الإمام
____________
(1) راجع : دفاع عن الكافي : 1 : 569 فقد أورد المؤلف شهادات واعترافات وإثباتات وافية عن علماء أهل السنّة من القرن الرابع الهجري إلى القرن الرابع عشر في إثبات ولادة المهدي واستمرار حياته ووجوده الشريف .
(2) راجع : الإرشاد | الشيخ المفيد : ص 345 ، وراجع أيضاً سيرة الأئمة الاثني عشر | الحسني 2 : 534 ـ 538 في قضية جعفر الكذّاب .
(3) راجع الشيعة والتشيع ـ فرق وتاريخ : وص 261 و 301 | الطبعة الثانية 1384 هـ ـ باكستان .
(4) راجع التشيع بين مفهوم الائمة والمفهوم الفارسي | الطبعة الثانية ـ دار عمار ـ الأردن .

( 21 )

بعد وفاة الامام الحسن العسكري ، وأن أمر الإمام المهدي لو كان واضحاً ومهماً وجزءاً من المذهب الجعفري لما جاز الاختلاف فيه ، ولما أمكن ان يبقى امره سرّاً غامضاً .
3 ـ زعموا أن الروايات التي تتحدث عن هوية الإمام المهدي ضعيفة وموضوعة ومختلفة ، سواء منها ما يتعلق باسم أمّه ، أم بتاريخ ولادته ، أم بما لابسَ ولادته ، أم بغيبته وسفرائه.
وقد ختم أحدهم تخرَصاته زاعماً بأنه لم يرفض إمامأ ثبت وجوده من أهل البيت ، إنما حصل عنده شكّ بولادة الإمام الثاني عشر ؟ لعدم توفر الأدلة الكافية- بحسب زعمه- أو لعدم قناعته بها أي بالأدلة المذكورة ، وذكر أنه لايستبعد أن يطيل الله عمر إنسان كما أطال عمر النبي نوح عليه السلام ، بالرغم من عدم الحاجة والضرورة إلى ذلك. وأنه يبحث عن الأدلة التي تثبت أن الله تعالى قد فعل هذا بشخصِ آخر ، لأنه لا يمكن أن يعتقد بحدوث هذا عن طريق القياس والتشبيه ، ثم قال : «وقد كان سيدنا الصادق يرفض القياس بالأُمور الفرعية الجزئية فكيف في الأمور التاريخية والعقائدية» .
هذا ملخص ما أوردوه وانفتقت به عبقرياتهم وهم يحسبون أنهم جاءوا بما لم يتنبه إليه الأوائل.
وردّاً على هذه الإشكالات ، وجوابأ عن هذه الإثارات ، نقول :
أولأ ـ إن وجود الغموض في تحديد هوية الإمام المهدي ، ووقوع الحيرة لدى الشيعة ـ لو صخّ كما صوّره الخصم وضخّمه ـ هو دليل على الخصوم وليس لهم ، إذ عدم تحديد الهوية والإصرار على بقاء الأمرسرّاً دليلٌ على وجود الإمام والخوف عليه من الأعداء لا على عدم وجوده ، كما توهّموا.


( 22 )

فالأئمة عليه السلام -كما وردت الروايات (1) ـ لم يريدوا الكشف عن التفاصيل المتعلقة بحياة الإمام المهدي وولادته الميمونة ، لمعرفتهم بتكالب الأعداء في طلبه ، وجدّهم وتربّصهم به ، وقد كانوا يبثون العيون ويترصدون كلّ حركة للعثور على الإمام والتخلص منه ، بعد أن أيقنوا بالأمر وشاهدوا ترقّب الأُمّة وتطلعها لمقدمه الشريف ليملأ الأرض قسطأ وعدلأ بعد أن ملئت ظلمأ وجورأ.
وكيف لا يحرص الأئمة عليهم السلام على حياته العزيزة ، وقد فعل سلاطين الجور الأفاعيل ، وارتكبوا الحماقات والشناعات بحق أهل البيت وذرية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ طاردوهم وسجنوهم وأذاقوهم التشريد والقتل أخذاً بالظِنّة والتُهمة والوشاية المغرضة ، ودونك التاريخ فاقرأ في (مقاتل الطالبيين) للأصفهاني العجب العجاب.
وإذن فكيف يكون الحال وقد اطلع هؤلاء السلاطين على الروايات في صحاح المسلمين ومسانيدهم عن المهدي من العترة الطاهرة ، ومن ذرية فاطمة ومن أولاد الحسين تحديدأ ، وأنه سيظهر ليملأها قسطأ وعدلأ ، فهذه المعرفة اليقينية قد خلقت شعورأ قويأ لدى الحكام الظلمة بأن عروشهم ستنهار. وكان هذا ا الهاجس هو الذي يفسّر لنا تلك الإجراءات الغريبة وغير الاعتيادية التي اتخذتها السلطة الحاكمة عند سماع نبأ وفاة الإمام الحمسن العسكري عليه السلام مباشرة ، وليس هناك من تفسير معقول سوى اعتقادهم بوجود الإمام الثاني عشر الحجة ابن الحسن ، وأنه الإمام الموعود كما نطقت به الأخبار المتواترة لدى السُنّة والشيعة ، ولذا أسرعوا إلى دار الإمام عليه السلام واتخذوا مثل تلك الإجراءات الاستثنائية بدءأ من التفتيش الواسع والدقيق ، إلى حبس جواري الإمام وإخضاعهن
____________
(1) راجع : الغيبة للنعماني من أعلام القرن الرابع الهجري | الباب 12 ، الغيبة الكبرى | السيد محمد الصدر | البحث التمهيدي.
( 23 )

للفحص (1) ، كل ذلك في محاولة يائسة للقبض على الإمام. ولا عجب فقد حصل ذلك من نظرائهم ، وحدّثنا القرآن الكريم عن فعل فرعون للقبض على النبي موسى عليه السلام فنجّاه الله من الكيد.
ومن هنا نفهم السبب في إخفاء الإمام الصادق عليه السلام هوية المهدي والتفاصيل المتعلقة بهذا الأمر.
وليست الحيرة بعد ذلك والاضطراب إلأ حالة طبيعية في ظل مثل تلك الظروف والملابسات الخاصة التي رافقت قضية المهدي عليه السلام في وجوده وولادته ، وشغب السلطة وتمويهاتهم وإعلامهم الزائف. وإذن فليست (الحيرة) إلأ بسبب تلك الظروف والملابسات ، فضلأ عن أن الروايات الواردة عن الأئمة عليهم السلام قد أشارت إلى وقوع مثل هذه الحيرة والفتنة والتفرق ، كما نقل ذلك ابن بابويه القمي في (التبصرة) ، والشيخ النعماني في (الغيبة) الباب الثاني عشر.
ثانيأ ـ قولهم بضعف الروايات واختلاقها ، ولا ندري هل أنّهم يفرّقون بين الضعيف والموضوع أم هما عندهم سواء ؟ ثم لماذا هذا الخلط المقصود بين مسألة وجود الإمام الحجة الثابتة بالطرق الصحيحة وبين بعض الروايات التي تلابس (حدث الولادة) ؟ والعجب من ركوب هؤلاء جميعأ هذه الجرأة المفضوحة إذ إن روايات (المهدي) لم تروها كتب الشيعة فحسب ، ولم ترد عن طرقهم فقط ، وإنما روتها الصحاح والمسانيد والجوامع الحديثية المعتبرة كصحيح أب داود ، وصحيح البخاري وشروحه ، ومسند أحمد بن حنبل ، وجامع الطبراني ، وجمعها السيوطي في العرف الوردي (2) من عدة طرق ، وحكى تواترها البرزنجي في الإشاعة (3) ،
____________
(1) الإرشاد | الشيخ المفيد : ص 345.
(2) راجع الحاوي للفتاوي | السيوطي 2 : 213 وما بعدها.
(3) الإشاعة لأشراط الساعة : ص 87 ـ 22 1 الباب الثالث.

( 24 )

وكذا الشوكاني في التوضيح (1) ، ونقل ذلك أخيرأ الشيخ منصور علي ناصف! في غاية المأمول (2) .
فانظر إلى جهل المشككين كيف رموا ما صحّ وتواتر عند جمهور المسلمين من السُنّة والشيعة بالوضع والاختلاق واعجب لجرأتهم وشغبهم! إذ لايصحّ بعد ذلك شيئ مما تناقله الرواة من حوادث التاريخ ، وأسماء الأعلام ، وآراء المذاهب الختلفة.
ثالثأـ استدل بعضهم على نفي وجود الإمام المهدي وولادته بقوله : إن الشيعة اختلفوا في المهدي وانقسموا ـ على حدّ زعمه ـ إلى سبع عشرة فرقة بعد وفاة الحسن العسكري عليه السلام ، وهذا يدل ـ بحسب زعمه ـ على عدم وجود الإمام!!
ولعل من المناسب أن ننبه إلى أنّ الاختلاف حول موضوع أو قضية أو شخص لا يستلزم العدم ، إذ لو جرينا على هذا المنطق لما قامت عقيدة ، ولا ثبت دين ، ولا استقام شأن من الشؤون ، فالاختلاف قائم دائم في العقائد ، وفي التواريخ ، وفي الشخصيات ، وفي الحوادث الواقعة ، وفي الفروع ، وفي سائر الأمور. وقد تفرّق أبناء الفرقة الواحدة إلى فرقِ وطوائف واتجاهات وآراء كما حدث عند المعتزلة والخوارج والأشاعرة (3) وغيرهم.. ثم ألم تسمع بما تناقله أهل الحديث من الرواية المشهورة وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم ،... وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة (4) .
ونتساءل هنا ، حول أيّ شيء كان الافتراق ؟ وهل يستلزم ذلك نفي ما
____________
(1) التوضيح في تواتر ما جاء من الأحاديث في المهدي والدجال والمسيح ، كما في غاية المأمول.
(2) غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول 5 : 360.
(3) راجع : مقالات الإسلاميين للأشعري ، والملل والنحل للشهرستاني ، وفرق النوبختي وغيرها.
(4) راجع هذه الرواية وغرهافي سنن ابن ماجة 2 : 1321 | 3991 كتاب الفق ـ باب افتراق الأمم.

( 25 )

تفرقوا (فيه) لهذا السبب ؟! وإذن لا تبقى عقيدة ، ولا تسلم حقيقة ، ولا يستقيم أمرٌ بسبب وقوع الافتراق والانقسام في ذلك بحسب هذا المنطق .
والسؤال الأهم ، ما هي هذه الفرق التي انقسم إليها الشيعة بعد وفاة الإمام العسكري ؟ وما هي تسمياتهم ؟ ومن هم زعاء ورجال هذه الفرق المزعومة ؟ لقد قال الشهرستاني في الملل والنحل : «وأما الذين قالوا بإمامة الحسن ـ العسكري ـ : فافترقوا بعد موته إحدى عشرة فرقة ، وليست لهم ألقاب مشهورة ، ولكنّا نذكر أقاويلهم . . » (1) . وإذن فهو لا يعرف أسماءهم ولا رجالهم ، وهم حسب زعمه إحدى عشرة فرقة ، أما هؤلاء المقلدون الكذّابون من أمثال إحسان إلهي ومن تابعه أخيرأ فقد زادوا العدد فرقأ أخرى ليس لها اسم ولا رسم ، حتى أوصلها أحد هؤلاء المفضوحين إلي سبع عشرة فرقة !! وأنّي لهم بمعرفتها وهي من مختلقاخهم ؟ ولذا لم يذكر أحد منهم زعيماً أو رجلأ معروفأ في التاريخ من هذه (السبع عشرة) فرقة ، بل ولم يجرأ أحد هؤلاء المفترين على الشيعة أن يشير إلى مكان أو زمان وجودهم.
ويحسن أن ننقل تعليقة العلأمة عبدالحسين شرف الدين في الفصول المهئة حول هذه الكذبة التي أطلقها الشهرستاني في ملله ، قال العلأمة معقبأ : « وليته أسند شيئأ من الأقاويل التي نقلها عن تلك الفرق إلى كتاب يتلى أو شخص خلقه الله تعالى! وليته أخبرنا عن بلاد واحدة من تلك الفرق أو زمانها أو اسمها! فبالله عليك ، هل سمعت بفرق متخاصمةِ! ، ونحل آراؤها متعاركة لا يُعرف لهم في الأحياء والأموات رجلٌ ولا امرأةٌ ؟! ولا يوجد في الخارج الم مسمّى ولا اسم ؟!! » (2)
____________
(1) الملل والنحل 1 : 151 و 152.
(2) الفصول المهمة ني تأليف الأمة : ص 169.