بنور فاطمة (ع) اهتديت ::: 51 ـ 60
(51)
بعض الأسماء المنتشرة في السودان :
     إن أهل البيت (ع) اختصوا بألقاب لم تكن معروفة من قبلهم وارتبطت بهم ارتباطا وثيقا وتناقلها محبوهم وأتباعهم جيلا بعد جيل وصارت أسماء متداولة وهي المرتضى (علي) والزهراء وبتول (فاطمة) حسن وحسين زين العابدين (السجاد) ، الباقر ، الصادق ، الكاظم رضا الهادي والمهدي وهذه الأسماء نجدها منتشرة في السودان بكثرة تلفت النظر. وربما يكون انتشار اسم المهدي نسبة لمحمد أحمد المهدي الذي قام بثورة ضد الأتراك وطردهم من السودان وكون حكومة إسلامية وذلك باعتبار أنه المهدي المنتظر ، وأيا كان سبب انتشار الاسم يبقى جذر الاعتقاد بولاية أهل البيت (ع). وكل الأسماء المذكورة نجدها في السودان أكثر من الدول العربية الأخرى مما يدلل على عمق محبة السودانيين لأهل بيت النبوة (ع).
     3 ـ كما أن هنالك العديد من القبائل التي تدعي انتسابها لأهل البيت (ع) ولا يعنينا البحث عن صحة مدعاهم وإنما نورد ذلك لدلالته على صدق قولنا حول عمق معرفة ومحبة الناس لأهل البيت (ع) ومن هذه القبائل العبدلاب ويذكرون أن نسبهم ينتهي إلى الإمام محمد التقي بن علي الهادي ، وقبيلة الركابية التي يرجع نسبها كما يذكرون إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم وهنالك أيضا قبيلة الجعافرة التي تنتسب إلى الإمام جعفر الصادق (ع) ... وغيرها من القبائل.
     4 ـ الثقافة الشعبية :
     إذا أراد أحد السودانيين أن يعبر عن مدى مظلوميته وبالغ الحيف الذي وقع به يقول : (أنا مظلوم ظلم الحسن والحسين) وربما لا يدرك البعض رغم ترداده لهذه المقولة من الذي ظلم الحسن ؟ ومن الذي ظلم الحسين ؟ وكيف ظلما إنما هو يردد جزءا من الموروث الثقافي الشعبي في السودان ، ومن ناحية أخرى لا يكاد أحد منا في صغره لم يسمع شيئا من أبويه أو جدية عن سيف علي الكرار وشجاعة حيدر الكرار وشعر المدائح السوداني يفيض بهذه المعاني.


(52)

(53)
الفصل الرابع
     بنور فاطمة اهتديت


(54)

(55)
حوار في بداية الطريق

     كنت قلقا جدا وأنا أحاول تجنب أي حوار مع ابن عمي حول هذا المذهب الجديد الذي تجسد في سلوكه أدبا وأخلاقا ومنطقا مما جعلني أفكر في أنه لا غضاضة في النقاش معه حول أصل الفكرة رغم قناعتي بأن ما يؤمن به لا يتجاوز أطر الخرافة ، أو ربما نزوة عابرة جعلته يتبنى هذه الأفكار الغربية.
     قلقي كان نابعا من تخوفي لأن أتأثر بفكرته أو ربما أجد أنها تجبرني على الاعتراف بها وبالتالي أخالف ما عليه الناس وما وجدت عليه آبائي وسأكون شاذا في المجتمع وربما اتهمت بأني مارق من الدين كما أتهم.
     ولكني تجاوزت كل ذلك وقررت أن أخوض معه حوارا لعلني أجد منفذا أزعزع من خلاله ثقة هذا الرجل بما يعتنقه خصوصا وأنني قرأت كتبا لا بأس بها ضد الشيعة والتشيع ومنها كان المخزون الذي من خلاله أنطلق لجداله فبدأت معه الحوار.
     قلت له : الآن أنت تركت ما كان عليه الناس وأصبحت شيعيا فما هي الضمانات التي تمنعك من أن تغير مذهبك غدا ؟
     قال : الآية الكريمة تقول ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) وأنا من أنصار الدليل أينما مال أميل وقد أفرغت وسعي وتوصلت إلى أن الطريق المستقيم هو مذهب أهل البيت (ع) والدليل على صحته أن الأدلة التي يسوقها أصحابه مما اتفق عليه جميع المسلمين.
     قلت : لكن لماذا لم يكتشف غيرك هذه الحقيقة ؟
     قال : أولا : من قال لك أنه لا يوجد غيري ! وثانيا وصول غيرك للحقيقة أو عدمه ليس دليلا على صحة أو خطأ ما توصلت إليه ، إن المسألة تكمن في نفس وجدان الحقيقة والحق ومن ثم اتباعه ولا شأن لي بغيري لأن الله يقول ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) (سورة المائدة / 5).


(56)
قلت له : لو افترضنا صحة مذهب الشيعة ذلك يعني أن 90 % من المسلمين على خطأ لأن كل المسلمين يؤمنون بمذهب أهل السنة والجماعة. فأين هذا التشيع من عامة الناس ؟
     قال : الشيعة ليست بهذه القلة التي تتصورها ، فهم يمثلون غالبية في كثير من الدول ، ثم إن الكثرة والقلة ليست معيارا للحق بل القرآن كثيرا ما يذم الكثرة يقول تعالى ( ولكن أكثركم للحق كارهون ) (سورة الزخرف : آية / 78) ويقول ( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) (سورة الأعراف : آية / 17) (وقليل من عبادي الشكور ) ، (سورة سبأ : آية / 13) ، وبذلك لا تكون الكثرة دليلا على أنهم على حق.
     أما التشيع كمنهج سماوي فهو موجود بدليل أنني شيعي ، وإذا وجه الإشكال إلى عدم انتشار التشيع فهذا يتوجه أيضا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أول دعوته وحتى وفاته إذ أن الإسلام لم يكن منتشرا ومع ذلك فهو الحق المنزل من قبل الله تعالى.
     قلت متعجبا : وهل تريدني أن أسلم بأن آباءنا وأجدادنا الذين عرفناهم متدينين طريقهم غير الذي أمر به الله.
     ابتسم قائلا : أنا لست في مقام بيان وتقييم أحوال الماضين فالله أعلم بهم ولكن أذكرك بأن القرآن يرفض أن يكون الأساس في الاعتقاد تقليد الآباء والأجداد يقول تعالى : ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) (سورة البقرة : آية / 170).
     شعرت بأن الحوار قد أخذ منحى عاما وأن حجته بدت في هذا المجال قوية ومدعمة بآيات قرآنية فقررت أن أناقش معه مفردات معتقده التي قرأت نقدها من الكتب وتركتها كورقة أخيرة في النهاية لأني على ثقة من أنه لا يستطيع الإجابة عليها ، ولقد أضفت إليها رأيي الخاص ، ولأغير مجرى الحديث إلى حيث أريد قلت له :


(57)
حسنا ماذا تقول الشيعة ؟!
     هنا اعتدل في جلسته وقال : الشيعة يقولون أن هذا الدين الخاتم لا يجوز لنا أخذه إلا عن طريق أئمة أهل البيت (ع) ويعتبرون أن هذا هو عين التمسك بسنته (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو المطلوب من كل إنسان.
     قلت ساخرا : كلنا نتبع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أحد يرى أنه خلاف ما جاء به عليه أفضل الصلاة والسلام.
     قال : الأمر ليس مجرد ادعاء إنما يجب إثبات ذلك بالدليل ، ونحن كشيعة نرى أن المسألة الأساسية التي ابتليت بها الأمة هي مسألة الإمامة والقيادة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي اختص بها علي (ع) كوصي وخليفة ومن بعده أئمة أهل البيت (ع) ، وواحدة من مستلزمات هذه الوصاية والإمامة الخلافة السياسية ، ومن أهل البيت فقط يصح أخذ الدين أما ما أخذ من غيرهم فلا نقول أنه باطل مطلقا ولكنه حق مخلوط بباطل ونحن مأمورون بأخذ الحق فقط دون غيره.
     قلت : وما جدوائية البحث حول قضية مرت عليها قرون وهل يفيدونا إذا ما كان علي هو الخليفة أم أبو بكر ؟! سكت قليلا ثم قال :
     عندما ننظر يا أخي لكل مشكلة يجب البحث عن جذور تلك المشكلة حتى نحللها ، وما عليه المسلمون اليوم من فرقة وشتات وضياع إنما هو ناتج عن ذلك اليوم الذي حجبت فيه الخلافة عن علي بن أبي طالب وأعطيت لغيره بلا حق ، ومن هناك ابتدأ افتراق الأمة والآن أنا أمامك أقول لك أن الشيعة على حق وأنت ترى خلاف ذلك ، من هنا جاءت ضرورة البحث في الماضي لنعرف أين الأصل ومن الذي خالف ...
     هنا أخذتني العزة وقررت الهجوم عليه من كل جانب فانهلت عليه بالأسئلة مقاطعا : ـ إذا أنتم تشككون في الصحابة ؟!


(58)
أجاب بهدوء : نحن لسنا في مقام التشكيك في أحد ما نقوله أن كل من اتبع الحق من الصحابة أو غيرهم على رؤوسنا نقدسهم نحترمهم وكل من خالف النهج السماوي القويم فلن نسمح لأنفسنا أخذ معالم ديننا منه.
     ـ لا أريدك أن تناقشني في عموميات ! من غير المعقول أن كل الصحابة الذين بايعوا أبا بكر خالفوا قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ! أتدري ماذا يعني ذلك ؟
     يعني أن نشكك في كل ديننا. فكيف تجوزون لأنفسكم ذلك وأرجو ألا تستعمل معي التقية المعروفة عندكم.
     أجاب : أولا : التقية شرعية من الكتاب والسنة ولها مجالها ، وهي ليست واجبة في كل الأحوال إنما لها ظروفها الخاصة ، وأنا لا أمثل كل الشيعة ، بإمكانك أن تطلع على كتب الشيعة فلن تجد غير كلامي هذا ، أما بالنسبة للصحابة فالأمر لا يصل إلى مستوى التشكيك في الدين إلا إذا كان الدين عندك ملخصا في الصحابة ..
     قاطعته : إنهم هم الذين نقلوا لنا الدين.
     قال : بحثنا الآن حول نقلهم وهذا أول الكلام وبيت القصيد أنتم تجرحون الرجال في علم الجرح والتعديل وتبدأون عملية معرفة أحوال الرجال من القرون المتأخرة بعد عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن الشيعة نبدأ ممن كان حول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن منهم من كان منافقا وآخر كان لا يفقه شيئا ...
     وهكذا ، أضف إلى ذلك من الذي قال أن الجميع قد بايع أبا بكر ، ارجع لكتب التاريخ ستجد أن أول المعترضين كان عليا (ع) ومعه مجموعة من الصحابة ...
     قلت : لو كان الأمر كما تدعون لنصر الله عليا وخذل أبا بكر وهذا دليل على أن الله اختار للأمة أبا بكر.
     قال : بقولك هذا تلغي فلسفة الابتلاء التي يمتحن الله بها العباد. إن الله يبين الطريق للناس فقط ثم يدعهم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، والله لا يجبر الناس


(59)
وإلا نكون من الذين يقولون بالجبر فنسقط الثواب والعقاب ، ونتيجة كلامك هذا أن أي شخص يتحكم في رقابنا يجب أن نهتف له ونعتبره تأييدا من الله وهذا ما لا يعقل.
     ورميت آخر سهم في جعبتي قائلا : إنكم تغالون في أهل البيت وتقولون أنهم معصومون ، كما أنكم تبيحون زواج المتعة وتجمعون في الصلاة وتصلون للحجر والأخير رأيته بعيني يعني لم أقرأه في كتاب فقط.
     قال : أخي هذه فروع بإمكاني أن أناقشها معك ولكن من المنهجية أن تبحث أولا حول الأصل الذي يتبعه الفرع أوتوماتيكيا ، فأنت عندما تريد أن تدعو شخصا غير مؤمن بالله إلى الإسلام لن تبدأ معه بكيفية الوضوء والصلاة بل لا بد من إقناعه بوجود الله تعالى ثم النبي ثم تفرع على ذلك.
     فأطلب منك أخي أن تبحث بتجرد وستري نور الحقيقة. انتهينا من جلسة الحوار هذه وأنا متعجب من هذه الثقة التي يملكها ، وفكرت في البحث ولكن ليس لكي أقتنع وإنما لأملك أدلة أقوى أدحض بها حججه ، وبعد فترة قررت ألا أدخل معه في نقاش حتى أكون بعيدا عن المشاكل وحتى لا أتأثر بهذه الأفكار الغريبة والتي أرى شخصا عن قرب يتبناها.
     ثم كانت البداية التي جعلتني أنطلق في البحث.

البداية

     تسرون حسوا في ارتغاء وتمشون لأهله وولده في الخمر والضراء ، ونصبر منكم على مثل حز المدى ووخز السنان في الحشى ، وأنتم الآن تزعمون لا إرث لنا أفحكم الجاهلية تبغون ؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ؟ أفلا تعلمون ؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته ، أيها المسلمون !! أأغلب على إرثي.
     يا بن أبي قحافة ! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول ( وورث سليمان


(60)
داوود
) وقال فيما اقتص من خبر زكريا ـ إذ قال ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) وقال ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) وقال ( إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها ؟ أم تقولون إنا أهل ملتين لا يتوارثان ؟ أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك. نعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون ولا ينفعكم إذ تندمون.
    
بنور فاطمة اهتديت

     كلمات كالسهم نفذت إلى أعماقي. فتحت جرحا لا أظنه يندمل بسهولة ويسر ، غالبت دموعي وحاولت منعها من الانحدار ما استطعت !.
     ولكنها انهمرت وكأنها تصر على أن تغسل عار التاريخ في قلبي ، فكان التصميم للرحيل عبر محطات التاريخ للتعرف على مأساة الأمة وتلك كانت هي البداية لتحديد هوية السير والانتقال عبر فضاء المعتقدات والتاريخ والميل مع الدليل.
     كان ذلك في الدار التي يقيم فيها ابن عمي الشيعي ! جئت لتحيته والتحدث معه عن أمور عامة ... لحظة ثم لفت انتباهي صوت خطيب ينبعث من جهاز التسجيل قائلا " وهذه الخطبة وردت في مصادر السنة والشيعة وقد ألقتها فاطمة الزهراء لتثبيت حقها في فدك ، ثم بدأ الخطيب في إلقاء الخطبة.
     إلى حين استماعي لهذا الشريط لم أكن على استعداد للخوض في قضايا خلافية مذهبية. قد عرفنا أن الأخ ـ ابن عمي ـ شيعي وسألنا الله أن يهديه ، وكنا نتحاشى الدخول معه في نقاش بقدر استطاعتنا. وذلك بعد الحوار الذي مر في بداية هذا الفصل. ولكن أبى الله سبحانه وتعالى إلا أن يقيم علينا حجته.
بنور فاطمة (ع) اهتديت ::: فهرس