بنور فاطمة (ع) اهتديت ::: 161 ـ 170
(161)
رضى الله سبحانه وتعالى فيهم ، والاستدلال بقوله تعالى (المؤمنين) على أنهم جميع الصحابة محل نظر يضاف إلى ذلك أن هنالك منافقين قد بايعوا رسول الله على هذه الواقعة ومن ضمنهم كما ذكر المؤرخون عبد الله بن سلول المنافق المعروف فهل يا ترى تشمله هذه الآية ؟ إذا قلنا بالنفي فالمعنى الواضح أن الآية لا تشمل كل من بايع وإنما المؤمنين منهم وبالتالي فهي مخصصة ولا يصح أصلا الاحتجاج بها لأنها أخص من المدعى ، وإثبات إيمان كل الصحابة يحتاج إلى دليل سابق على ذلك. ثم إن الله تعالى يقول في آية أخرى ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) والآية صريحة بإخبارها أن هنالك من ينكث وبهذا يكون رضا الله تعالى ما دام الإيمان والاستقامة وعدم الانتكاث ، وحديث إبراء المتقدم يؤكد على ذلك.
  • الصحابة عند شيعة أهل البيت (ع) :
        أما أهل البيت وشيعتهم فيرون أن لفظ الصحابي ليس مصطلحا شرعيا وإنما شأنه شأن سائر مفردات اللغة العربية ، والصاحب في لغة العرب بمعنى الملازم والمعاشر ولا يقال إلا لمن كثرت ملازمته ، والصحبة نسبة بين اثنين ، ولذلك لا تستعمل الصاحب وجمعه الأصحاب والصحابة في الكلام إلا مضافا ، كما ورد في القرآن الكريم ( يا صاحبي السجن ) و ( أصحاب موسى ) وكذلك كان يستعمل في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مضافا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو مضافا إلى غيره مثل قولهم (أصحاب الصفة) لمن كانوا يسكنون صفة مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم استعمل الصحابي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا مضاف إليه وقصد به أصحاب النبي ، وصار اسما لهم ، وعلى هذا فإن (الصحابي) و (الصحابة) من اصطلاح المتشرعة وتسمية المسلمين ، وليس اصطلاحا شرعيا.


    (162)
    أما عدالتهم فإن مدرسة أهل البيت (ع) ترى تبعا للقرآن أن في الصحابة منافقين ومرتابين ... الخ كما بينا بالآيات والأحاديث ، والصحبة عندهم ليست بهذا المفهوم الذي أسس عليه أهل السنة دينهم ، وعندما يتحدثون عن الصحابة يضعون نصب أعينهم آيات الذكر الحكيم وقول إمامهم علي (ع) عندما سئل أمن المعقول أن تكون عائشة وطلحة والزبير على باطل قال : « ويحك يا رجل لا يعرف الحق بالرجال ، اعرف الحق تعرف أهله ».
        وهكذا فالشيعة يقدسون ما قدسه الله ويلتزمون بالولاء لمن التزم بقيم السماء ويتبرؤون من أعداء الله ورسوله وأهل بيته المنصوص عليهم ، ولهم أدعية يقرؤونها ويدعون بها لأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المخلصين ومن أشهرها ما ورد في الصحيفة السجادية للإمام الرابع للشيعة علي بن الحسين « زين العابدين (ع) ».
        « ... اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره وكاتفوه وأسرعوا إلى وفادته وسابقوا إلى دعوته واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالته ، وفارقوا الأرواح والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته وانتصروا به ، ومن كانوا منظومين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته ... الخ الدعاء.
  • مصيبة الأمة :
        والمصيبة التي منيت بها هذه الأمة هي عدم كتابتها للحديث وذلك بفضل ذكاء أبي بكر وعمر الحاد اللذين شددا في منع نشر كلمات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتأخر زمان التدوين لينتهز معاوية الفرصة ويغدق في العطاء للوضاعين للحديث ويوسع عليهم لضرب خصومه السياسيين وعلى رأسهم علي (ع) الذي أمر معاوية بسبه على المنابر ، استفاد معاوية من هذا المنع وأجزل في الدفع لوعاظ السلاطين لكي


    (163)
    يختلقوا له مجموعة من الفضائل والمناقب للخلفاء الثلاثة في مقابل فضائل لعلي (ع) ، وعلى امتداد التاريخ لم يبق حديث في فضائل أهل البيت (ع) إلا وألفوا في مقابله فضيلة لأعدائهم ، ومثال ذلك حديث « أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » والذي كان في مقابل حديث « النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ».
        قلت لأحدهم وهو يحاورني : إن كان حديث أصحابي كالنجوم صحيحا أفلا يعتبر علي منهم فيحق لي اتباعه ؟ قال : علي من أكابر الصحابة ! قلت له : إذا أنا أقتدي بعلي (ع) الذي رفض بيعة أبي بكر وقاتل عائشة وطلحة والزبير ولو ظفر بطلحة والزبير أثناء القتال في صفوف أعدائه لقتلهم ، وكنت سأقاتل مع علي (ع) لو كنت حاضرا في حرب صفين ولو تمكنت من معاوية لقتلته ، وكنت سأجهز على عمرو بن العاص وهو يظهر سوأته لعلي (ع) حتى لا يقتله ! أليس من حقي أن أقتدي بأي صحابي كما تدعون ؟! ... ألا ساء ما يحكمون.
  • حديث العشرة المبشرين المزعوم :
        ما بدأت حوارا مع أحد ما جرى بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا وبادرني « إنهم مبشرون بالجنة » مستندا إلى حديث العشرة المبشرين بالجنة كما يزعمون وإنه لعمري حديث لا يحتاج مني إلى كثير عناء لإثبات وهنه ومخالفة متنه لواقع الأحداث التاريخية ، وهو لا يعدو أن يكون إحدى الأكاذيب التي وضعت كغيرها من الفضائل ، وأورده هنا كنموذج لمأساة الأمة.
        العشرة المبشرون بالجنة هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وطلحة والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد وأبو عبيدة بن الجراح.
        هذا الحديث الضعيف سندا كما بين فطاحل العلم يكذبه متنه كذلك ولا ندري لماذا اشتهر هؤلاء العشر بالتبشير بالجنة وحصرت فيهم مع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)


    (164)
    بشر غيرهم كآل ياسر والحسن والحسين وأبي ذر ، والقرآن أيضا يبشر كل من آمن وعمل صالحا ثم اهتدى بالجنة.
        إن هؤلاء الذين يرفعون عقيرتهم بمثل هذه الروايات الموضوعة لم يفطنوا إلى وضوح كذب الأحاديث إذ أنها لو كانت وردت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حقيقة لسمعنا في التاريخ احتجاج عمر بها مثلا في السقيفة كدعاية انتخابية لأبي بكر يسند بها انتخابه له.
        وياليتني أجد من يوضح لي هل من الممكن أن يكون عبد الرحمن بن عوف أحد رواة هذا الحديث معتقدا بصحته ومع ذلك يسل سيفه على علي (ع) يوم شورى الستة قائلا : بايع وإلا تقتل ؟ ويقول لعلي (ع) بعدما انتقضت البلاد على عثمان : إذاشيء ت فخذ سيفك وآخذ سيفي إنه قد خالف ما أعطاني. وهل أبو بكر وعمر المبشران بالجنة هما اللذان ماتت الصديقة بضعة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي واجدة عليهما ؟ وهل هما اللذان قالت لهما : إني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه ؟ وهل أبو بكر هذا هو الذي أوصت فاطمة (ع) أن لا يصلي عليها وأن لا يحضر جنازتها ؟ وهل كان عمر يصدق هذه الرواية وله إلمام بها وهو يناشد مع ذلك حذيفة اليماني العالم بأسماء المنافقين ويسأله عن أنه هل هو منهم ؟
        وهل كان طلحة والزبير يؤمنان بقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهما يؤلبان على عثمان ويشاركان في قتله ؟ وهما اللذان خرجا على إمامهما وخليفة المسلمين المفروض عليهما طاعته بعد أن عقدت له البيعة فنكثا بيعته وأسعرا عليه نار البغض وقاتلاه وقتلا.
        أو ليس طلحة والزبير هما اللذان ارتكبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هتك حرمته ما لم يرتكبه أحد ، حينما أخرجا زوجته عائشة تسير بين العساكر في البراري والفلوات غير مبالين في ذلك ولا متحرجين ؟ !!


    (165)
    وغير ذلك الكثير مما يؤكد أن الحديث مكذوب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أصله ولا تحتاج معرفة ذلك إلى كبير عناء.
        
    السقيفة
        حتى نتعرف على حقيقة ما جرى يوم تنصيب أبي بكر خليفة للمسلمين لا بد لنا من أن نتصفح أحداث ذلك اليوم ومن ثم نحدد هل هي الشورى كما يدعون :
        جاء في طبقات ابن سعد « عندما انتقل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الرفيق الأعلى اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة وتبعهم جماعة من المهاجرين (1).
        ولم يبق حول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أقاربه الذين تولوا غسله وتكفينه وهم : علي والعباس وابناه الفضل وقثم وأسامة بن زيد وصالح مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوس بن خولي الأنصاري ، ولخص عمر بن الخطاب خبر السقيفة فقال : إنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أن الأنصار اجتمعوا في السقيفة » سقيفة بني مساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما فقلت لأبي بكر : إنطلق بنا إلى إخواننا الأنصار فانطلقنا حتى أتيناهم فإذا رجل مزمل ، قلنا من هذا ؟ فقالوا : هذا سعد بن عبادة يوعك. فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله ، ثم قال : أما بعد ، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط نبينا وقد دفت إلينا من قومكم دافة. قال عمر : فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويغصبونا الأمر وقد كنت زورت في نفسي مقالة أقدمها بين يدي أبي بكر فلما أردت أن أتكلم قال : على رسلك فكرهت أن أغضبه ، فقام فحمد الله وأثنى عليه فما ترك شيئا كنت زورت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت إلا قد جاء به أو بأحسن منه وقال : أما بعد يا معشر الأنصار فإنكم لا تذكرون منكم فضلا إلا وأنتم له
        (1) فقط أبو بكر وعمر وأبو عبيدة.

    (166)
    أهل (وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش) (1) (وهم أوسط دارا ونسبا) (ولكن قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين) فبايعوا أيهماشيء تم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح ، فلما قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل فقال : « أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ».
        قال عمر فارتفعت الأصوات وكثر اللغط فلما أشفقت الاختلاف قلت لأبي بكر : ابسط يدك أبايعك قال أبو بكر : بل أنت يا عمر فأنت أقوى لها مني وكان عمر كما ينقل الطبري أشد الرجلين وكان كل واحد منهما يريد صاحبه يفتح يده يضرب عليها ففتح عمر يد أبي بكر وقال : إن لك قوتي مع قوتك فبايع الناس واستثبتوا البيعة وتخلف علي والزبير واخترط الزبير سيفه وقال : لا أغمده حتى يبايع علي فبلغ ذلك أبا بكر وعمر فقال عمر : خذوا سيف الزبير فاضربوا به الحجر قال فانطلق إليهم عمر فجاء بهما تعبا وقال لتبايعان وأنتما طائعان أو لتبايعان وأنتما كارهان « (2).
        يقول عمر ثم نزونا على سعد حتى قال قائلهم قتلتم سعدا فقلت : قتل الله سعدا وإنا والله ما وجدنا أمرا هو أقوى من مبايعة أبي بكر » (3).
        هكذا كانت أحداث السقيفة ، مهزلة تاريخية عاد الناس فيها إلى جاهليتهم حتى قال أحدهم لعمر « والله لنعيدنها جذعة » وهو نفسه القائل « أنا جذيلها المحكك ... ».
        إن ما جرى في السقيفة لعبة سياسية ومسرحية درامية وضع لها السيناريو وحبكت خيوطها قبل تنفيذها ، ولم يكن المنطق فيها للقيم والمبادئ بل لنعرات جاهلية.
        ولم نر فيها وجودا للمهاجرين سوى هذا الثلاثي أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وهو ما يحتاج إلى تفسير فلماذا هؤلاء بالذات دون غيرهم وكما يقول عمر لقينا
        (1) تاريخ الطبري ج 2 ص 446.
        (2) المصدر ص 444.
        (3) المصدر ص 447.


    (167)
    رجلان صالحان شهدا بدرا فأخبرانا بخبر السقيفة ولم يذكر اسميهما. فمن هما وما هو السر في اختيارهما لهؤلاء.
        ثم إن وجود هذا الثلاثي في المدينة غير شرعي لأنهم مأمورون بإنفاذ الجيش الذي أعطى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر القيادة فيه لأسامة كما سيأتينا خبره.
        وماذا كان يضير هؤلاء الثلاثة إذا عملوا على تهدئة الأوضاع حتى يدفن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خصوصا وأن فيهم أبا بكر ، وعلى حد زعمهم له المكانة التي كان يمكن استغلالها لذلك أم أن الأمور ستصبح على خلاف ما يشتهون ؟!.
        أما الحضور الكمي لهذه الشورى فلا أظن أنه كان كبيرا خصوصا لو علمنا أن هذه السقيفة مكان لا يتسع بأي حال من الأحوال إلى عدد كبير أضف إلى ذلك غياب عدد كبير من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى رأس أولئك علي والهاشميون لأنهم كانوا في شغل عن الأمر بمصيبة وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تناساها الخليل الصديق وهو يسعى وراء الخلافة.
        يقول عمر « إنه كان من خبرنا حين توفي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة » (1).
        أي شورى هذه التي لم يحضرها باب مدينة العلم الفاروق الأكبر والصديق الأول علي بن أبي طالب (ع) ، ومن أين تستمد شرعيتها وكل سكان المدينة آنذاك ناهيك عن الدولة الإسلامية لم تجمع على ترشيح أبي بكر. وحتى الذين بايعوا لم يكن دافعهم إلى ذلك شخصية أبي بكر فهنالك من بايع لموازنات سياسية كما فعلت الأوس عندما بايعت أبا بكر قال بعضهم وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء :
        والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا ، فقوموا فبايعوا أبا بكر (2).
        (1) المصدر ص 446.
        (2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج 2 / 2.


    (168)
    احتج أبو بكر على القوم قائلا : لن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا واحتج عمر قائلا : من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته ..
        إذا كان هذا هو المعيار فأهل بيت النبوة وعلى رأسهم علي (ع) أولى ، الذي قال عندما سمع احتجاجهم : « احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة ».
    فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم فكيف بهذا والمشيرون غيب فغيرك أولى بالنبي وأقرب

        وأخيرا قال عمر عن بيعة أبي بكر « إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فقد كانت كذلك غير أن الله وقى شرها » (1).
        وأنا أقول كانت فلتة مزقت الأمة تمزيقا وأبعدتها عن الصراط المستقيم.
        
    علي (ع) والخلافة
        أعلن علي (ع) والعباس والهاشميون رفضهم لبيعة أبي بكر من الوهلة الأولى وظلوا في بيت فاطمة (ع) معارضين ، ولقد حاول أبو سفيان الاصطياد في الماء العكر ، جاء في الطبري « لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر قال أبو سفيان : ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش ، وأقبل وهو يقول : والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم يا آل عبد مناف فيما أبو بكر من أموركم أين المستضعفان علي والعباس وقال : أبا حسن أبسط يدك أبايعك والله لئنشيء ت لأملأنها عليه خيلا ورجالا » (2) ، لكن
        (1) الطبري ج 2 ص 445.
        (2) الطبري ج 2 ص 449.


    (169)
    عليا (ع) رفض عرضة لأنه كان يعلم نوايا أبي سفيان وبني أمية المعادية للإسلام فقال له : « إنك والله طال ما بغيت الإسلام شرا لا حاجة لنا في نصيحتك » (1) ، وقد هدأ أبو سفيان بعد أن ولى أبو بكر ابنه يزيد (2).
        الإمام علي (ع) كان يدرك أن الأمة الإسلامية في مفترق طرق والناس تتجاذبهم الأهواء وأي محاولة لتصحيح الانحراف بحرب مسلحة يمثل خطرا يهدد بيضة الإسلام التي يحافظ عليها علي (ع) وهو الأمين عليها.
        ولقد بين أهل البيت (ع) لماذا لم يعارض علي (ع) الخلفاء بالسيف قال الإمام الصادق (ع) في جواب سؤال وجهه إليه بعض أصحابه : ما منع أمير المؤمنين أن يدعو الناس إلى نفسه ويجرد على من ابتزه حقه سيفه ؟ فقال : تخوف أن يرتدوا وأن لا يشهدوا أن محمدا رسول الله.
        والتاريخ يعلن لنا معارضته لما كان يجري فإننا لا نعلم لعلي (ع) دورا سياسيا بارزا على عهد الخلفاء ولم نسمع له خبرا في كل الحروب بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو المشهود له بمواقفه الجهادية في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
        وعندما طلب منه عبد الرحمن بن عوف في شورى الستة أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين رفض الأخيرة مما يشكك في مطابقة سيرة الشيخين « أبي بكر وعمر » لسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو كان يعتقد بمطابقتها لسيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلماذا يرفضها إذن ؟.
        وفي أكثر من موقع يبين الإمام علي (ع) حقه في الخلافة وانحصار الإمامة في أهل بيت النبوة (ع) يقول « أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ، أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى
        (1) المصدر السابق.
        (2) المصدر السابق.


    (170)
    الهدى ويستجلى العمى ، إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة في غيرهم » (1).
        وفي كلام له يقول : (أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسبا والأشدون برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نوطا فإنها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين والحكم لله والعود إليه يوم القيامة (2).
        ويقول (ع) عن أهل البيت « هم موضع سره ولجأ أمره وعيبة علمه ، وموئل حكمه ، وكهوف كتبه ، وجبال دينه ، بهم أقام انحناء ظهره ، وأذهب ارتعاد فرائصه ..
        لا يقاس بآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم أساس الدين وعماد اليقين ، إليهم يفئ الغالي وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة » (3).
        كما جاء في نفس المصدر قوله « نحن شجرة النبوة ومحط الرسالة ومختلف الملائكة ، ومعادن العلم ، وينابيع الحلم ، ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة ، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة » (4).
        أحد العلماء من الذين يدعون حب أهل البيت (ع) جرى بينه وبين بعض الإخوة حوار قال لهم : « إن لعلي ولاية أعطاها له الله سبحانه وتعالى ، ولو كانت خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له ، لتمكن من السيطرة عليها بدعاء منه ، ولا يستطيع أحد أن يحتل مكانه ».
        من الواضح أن هذا القول الضعيف البين الوهن لا يمكن أن ننفي به مسألة الانقلاب على علي (ع) ، لأن ذلك يقودنا إلى عدة أسئلة منها كيف ذبحوا الأنبياء
        (1) نهج البلاغة ضبط صبحي الصالح ص 201.
        (2) المصدر نفسه ص 231.
        (3) المصدر السابق ص 47.
        (4) المصدر السابق ص 162 ـ 163.
    بنور فاطمة (ع) اهتديت ::: فهرس