بنور فاطمة (ع) اهتديت ::: 181 ـ 190
(181)
مات أبوك ، وعلى ذلك خلفته ، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والشاهد لعلي مع فضله المبين وسبقه القديم أنصاره الذين ذكروا في القرآن فأثنى الله عليهم من المهاجرين والأنصار فهم معه عصائب وكتائب حوله : يجادلون بأسيافهم ويهريقون دماءهم دونه ، يرون الفضل في اتباعه والشقاء في خلافه ، فكيف يالك الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه وأبو ولده ، وأول الناس اتباعا وآخرهم به عهدا ، يخبره بسره ، ويشركه في أمره وأنت عدوه وابن عدوه ؟ فتمتع ما استطعت بباطلك وليمدد لك ابن العاص في غوايتك ، فكأن أجلك قد انقضى وكيدك قد وهي وسوف يستبين لمن تكون العاقبة العليا ، واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده ، ويئست من رحمته وهو لك بالمرصاد وأنت منه في غرور وبالله وأهل رسوله الغناء والسلام على من اتبع الهدى(1).
    هذه الرسالة تتطابق وواقع معاوية الحقيقي في التاريخ ، معاوية الذي جمع حوله الهمج والرعاع حتى أنه صلى بأهل الشام الجمعة يوم الأربعاء وأرسل لعلي (ع) إني جئت بقوم لا يفرقون بين الجمعة والأربعاء ، إضافة إلى المصلحيين والدهاة أمثال عمرو بن العاص.
    ومما يثير العجب أن تجد كتابا باسم (رجال حول الرسول) يتحدث كاتبه عن عمار بن ياسر فيثبت أنه صحابي جليل به عرف أن الفئة الباغية فئة معاوية وبعد ذلك بصفحات يتحدث عن عمرو بن العاص ـ قادة الفئة الباغية فيثبت أيضا أنه صحابي جليل !!
    والحديث عن عمرو بن العاص ـ داهية معاوية ويده اليمنى ـ طويل ومتشعب ويكفينا دوره العجيب في قضية التحكيم التي لعب فيها دهاؤه ومكره الدور الكبير لتكون السبب المباشر لخروج الخوارج.
    (1) مروج الذهب ج 3 ص 20.

(182)
ولقد رفض عمرو مشاركة معاوية إلا مقابل جزء من دنيا معاوية فقبل معاوية أن يشتري منه دينه مقابل نصف دنياه. يقول المسعودي « وكان عمرو بن العاص قد انحرف عن عثمان لانحرافه عنه وتولية مصر غيره فنزل الشام ، فلما اتصل به أمر عثمان وما كان من بيعة علي كتب إلى معاوية يهزه ويشير عليه بالمطالبة بدم عثمان وكان فيما كتب إليه : ما كنت صانعا إذا قشرت من كلشيء تمتلكه فاصنع ما أنت صانع ، فبعث إليه معاوية فسار إليه ، فقال له معاوية. بايعني ، قال : لا والله لا أعطيك من ديني حتى أنال من دنياك ، قال : سل ، قال : مصر طعمة ، فأجابه إلى ذلك وكتب له به كتابا ، وقال عمرو بن العاص في ذلك ».
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل فإن تعطني مصرا فارع صفقة به من دناكم فانظرن كيف تصنع أخذت بها شيخا يضر وينفع (1)
    وجاء في تاريخ الطبري أن عمرو بن العاص قال لمعاوية « أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك ما فيها حيث تقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ولكن إنما أردنا هذه الدنيا فصالحه معاوية وعطف عليه » (2).
    هؤلاء هم قادة جيش معاوية في صفين باعوا دينهم بدنياهم وحاربوا إمام زمانهم وخليفة المسلمين ومع ذلك يأتي من يقول أن معاوية وعمرو بن العاص صحابة ويجب التسليم !!
    وما جرى من عمرو بن العاص ومعاوية في المعركة يبين مدى جبنهم وحرصهم على الحياة الدنيا ، يقول المسعودي ثم نادى علي : يا معاوية علام يقتل الناس بيني وبينك ؟ هلم أحاكمك إلى الله. فأينا قتل صاحبه استقامت له الأمور ، فقال عمرو لمعاوية : قد أنصفك الرجل ، فقال له معاوية :
    (1) المصدر ج 2 ص 363.
    (2) تاريخ الطبري ج 3 ص 560.


(183)
ما أنصفت وإنك لتعلم أنه لم يبارزه رجل قط إلا قتله أو أسره ، فقال له عمرو :
    ما يجمل بك إلا مبارزته ، فقال معاوية : طمعت فيها بعدي وحقدها عليه. ثم إن معاوية أقسم على عمرو لما أشار عليه بهذا أن يبرز إلى علي فلم يجد عمرو من ذلك بدا ، فبرز فلما التقيا عرفه علي فرفع السيف ليضربه به ، فكشف عمرو عن عورته وقال : مكره أخوك لا بطل. فحول علي وجهه عنه وقال : قبحت ، ورجع عمرو لصاحبه « (1).
    دنا عمار بن ياسر من عمرو أثناء المعركة فقال : يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك طالما بغيت في الإسلام عوجا » (2).
    لقد كانت شخصيات الصحابة مكشوفة لدى بعضهم وكل واحد يعرف نفسيات الآخر ولقد تجلى ذلك في الحروب المتتالية وهذا واقع لا يمكن أن ننكره ويجب علينا أن نميز فيه بين الفاسق والمؤمن.
    والحديث عن معاوية وصاحبه عمرو يطول بحيث لا يسع المجال لعرض تاريخهما الحافل بالعجائب ونقتصر على التذكير ببعض غرائب معاوية التي لا يستطيع أحد نكرانها.
    
بعض أفعال معاوية
  • اغتصابه الخلافة بالقهر.
  • قتل حجر بن عدي وأصحابه لأنهم رفضوا سب علي (ع) والبراءة منه ووقفوا في وجه من يفعل ذلك وقد قالت عائشة لمعاوية : الله الله في حجر وأصحابه وعاتبته وقالت : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : يقتل بعدي
        (1) المسعودي ج 2 ص 369.
        (2) تاريخ الطبري ج 4 ص 27.


    (184)
    بعذراء (بالشام) سبعة رجال يغضب الله وأهل السماء لهم (1). وقال الإمام علي (ع) :
        « يا أهل الكوفة سيقتل منكم سبعة نفر هم خياركم بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الأخدود ».
  • جعل سب علي (ع) سنة يتبرك بها غربانه في أقطار حكومته.
  • سفك دماء شيعة الإمام الطاهر علي (ع) واستباحة أموالهم وأعراضهم وقطع أصولهم بقتل ذراريهم وأطفالهم وحتى نسائهم ، ولا أدري أين كان ابن آكلة الأكباد والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوصي الأمة بهم خيرا.
  • اجتهاده وإلحاقه زياد ابن أبيه وقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الولد للفراش وللعاهر الحجر.
  • نقض كل المواثيق والعهود التي أبرمها مع الإمام الزكي الحسن بن علي (ع) بعد أن عقد معه صلحا ، إلا أن معاوية وعندما هدأت له الأمور خطب في أهل الكوفة وقال : يا أهل الكوفة إني ما قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج. ولقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم (2) إلى أن قال : وكل شرط شرطته وكلشيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به «.
  • وختم صفحته السوداء مع الحسن (ع) بدس السم إليه فلقي الحسن (ع) ربه شهيدا مظلوما ، ولما سقي السم ، وقام لحاجته ثم رجع فقال : لقد سقيت السم عدة مرات فما سقيت مثل هذه لقد لفظت طائفة من كبدي فرأيتني أقلبه بعود في يدي.
        وكان معاوية قد أطمع جعدة بنت الأشعث زوجة الحسن (ع) بالزواج من يزيد ابنه ثم طلب منها دس السم للحسن (ع) ، ولما استشهد الحسن (ع) أرسل لها قائلا : إنا
        (1) الإصابة في تمييز الصحابة ابن حجر العسقلاني ص 315.
        (2) البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 134.



    (185)
    نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه.
  • أما أعظم ما فعله فهو استخلافه يزيد وهو الخمير السكير ، وسيأتيك خبره مع وجوه الصحابة وأفضال القوم.
        إن بني أمية يبحثون عن هذه الفرصة منذ أن علاهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسيف ونصره الله عليهم وهم مشركون وأظهره على جزيرة العرب بعد أن أكرمه بالنبوة وحباه بالرسالة ، ولا يخفى عداء بني أمية لبني هاشم ، فكيف بهم إذا كان النبي من بني هاشم والأوصياء والخلفاء منهم ، وما كان في خلد معاوية يوم استقرت له السلطة وتم له الملك أن يتخذ ابنه ولي عهده ويأخذ له البيعة ويؤسس حكومة أموية مستقرة في أبناء بيته ، فلم يزل يروض الناس لبيعة يزيد سبع سنين يرسل للأقطار بعد أن بويع له بالشام وسافر معاوية بنفسه إلى المدينة ومكة ساعيا وراء البيعة لابنه.
        ونختم المطلب بقول الحسن البصري عندما سئل عن معاوية ، قال : ـ أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منها وفيهم بقايا الصحابة وذوي الفضيلة ، واستخلافه ابنه يزيد بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وقتله حجرا ويل له من حجر « قالها مرتين » (1) أقول ربما يداري الرجل بعض أفعال معاوية وإلا فالموبقات كثيرة حدث عنها ولا حرج.
        (1) الطبري ج 4 ص 208 ـ ابن كثير ج 8 ص 33.

    (186)

    (187)
    الفصل السابع
        كربلاء امتداد للسقيفة


    (188)

    (189)
    كيف يرون معاوية ويزيد :
        في إحدى المرات التقى بعض الإخوة الشيعة مع مجموعة وهابية صدفة وكنت موجودا ولم تكن الرؤية واضحة لدي وإن كانت ملامح الصواب بدأت تلوح لي ، ويبدو أن هؤلاء الوهابية كان لهم حوار سابق مع الشيعة فبدأوا معهم النقاش حول قضية الحسين (ع) وكربلاء ورأيت الوهابية وقد احتوشوا الإخوة والشرر يتطاير من أعينهم وكأنهم يريدون القتال ، تحدث أحد الشيعة عن عدم أحقية معاوية في تنصيب يزيد خليفة للمسلمين فذكر اسم معاوية مجردا من الترضي عليه فصرخ أحدهم في وجهه قائلا : ـ
        قل رضي الله عنه هل هو أخوك حتى تذكره مجردا ؟!.
        فرد عليه الشيعي : هل أنت وأنا أفضل من علي (ع) وأكثر فهما منه ؟ فشمر أحدهم عن ساعديه وكأنه ينوي ضربه وهو يقول : إسمعوا هذا هو ديدن الشيعة يشككون في كلشيء وهذا الرجل يسألنا سؤالا بديهيا والإجابة عنه واضحة فلا أحد يرى أن هنالك أفضل من علي سوى الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم.
        فالتفت إليه الشيعي وقال ، أولا فليتكلم أحدكم ، ثانيا : إذا أردت الحديث فافهم أولا ما أقول ثم تحدث ، وثالثا إذا كان علي (ع) أفضل منا وهو كذلك بلا شك فهو أدرى منا بالأصول أليس كذلك ؟!
        قالوا بحذر : نعم فقال لهم : علي حارب معاوية ، ليس فقط لم يترض عليه كما تطالبونني بل قاتلة أشد قتال ولو ظفر به لألحقه بأجداده ، قال أحدهم وهو يمضغ مسواكا : نقول كما قال السلف تلك دماء عصم الله منها سيوفنا فلنعصم ألسنتنا ، ونحن نرى معاوية صحابيا جليلا وأنه فعل خيرا عندما نصب يزيد ونرى أن خروج الحسين بن علي كان خطأ منه وقد تاب يزيد.


    (190)
    قال الشيعي : قولك فنعصم منها ألسنتنا لا ينطبق عليك لأنك الآن تقول أن معاوية صحابي جليل إذا لقد أخطأ علي في حربه لمعاوية ثم من قال لك أنك لن تسأل عن تلك الدماء. لا بد أن يكون لكم موقف تجاه ما جرى ، فهما جهتان إحداهما على حق والأخرى على باطل ووقوفك الآن في وجهي اشتراك في تلك (الفتنة) كما تدعي.
        أما عن الحسين بن علي فهو لم يخطئ كما تقول فهو كما قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : سيد شباب أهل الجنة وهو من أهل بيت النبوة وتعلم من جده كيف ينصر الحق ، ويزيد تعلم من أبيه ما تعلم كما نقلت إلينا كتب التاريخ ، قاطعه أحد الوهابية : يجب على المسلمين أن يقتلوا هؤلاء الشيعة أينما وجدوهم فإنهم فتنة.
        قال له أحد الشيعة وهو يبتسم : هكذا دائما كان أعداء الشيعة بأسم الحق يقتلون الحق وباسم الفتنة يحجبون الناس عن الحقائق وبالنتيجة أنت لا تفترق عن سلفك كثيرا ، إنك تربية ذلك المنهج الذي تبناه معاوية ويزيد وآل أمية ومن إليهم.
        عندما وصل الحوار إلى هذا الحد أخذت أحدهم على جانب وأخبرته بأني لست شيعيا ولكني أسمع بهم فمن هم وماذا يقولون ولماذا تهاجمونهم بهذه الطريقة.
        فقال لي : يا أخي أبعدك الله عن أمثال هؤلاء إنهم مشركون زنادقة يسبون الصحابة ويقولون أن جبرائيل خان الأمانة وأعطى الرسالة لمحمد وهي في الأساس لعلي ابن أبي طالب كما أنهم يعبدون الحجارة ويقولون بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان ...
        قلت مندهشا : من الذي قال لك ؟!
        قال مفتخرا : نحن نعرفهم جيدا ..
        أحسست بغثيان بسبب كذب هؤلاء القوم. لقد قرأت بعض كتب الشيعة التي ألفها كبار علمائهم ورأيت بعض الإخوة الشيعة ، لم أقرأ أو أسمع ما قاله هذا الوهابي.
    بنور فاطمة (ع) اهتديت ::: فهرس