بنور فاطمة (ع) اهتديت ::: 211 ـ 220
(211)
أصحابه وهو كميل بن زياد النخعي والشيعة يواظبون على قراءته.
    قرأنا ذلك الدعاء وأحسست بانفعال هذا الأخ بالدعاء ، حينها تألمت لهذه الأمة المحرومة من هذه الكنوز التي لم يبخل بها أهل البيت (ع) خصوصا فيما يختص بالأدعية التي تجعل الإنسان في عالم آخر وهو يناجي ربه.
    بعد الدعاء رأيت الدموع في عينيه وهو يقول بحرقة : خدعونا وقالوا لنا أن الشيعة لا يعرفون الصلاة والله نحن ما عرفنا الصلاة ولم نفهم الصلاة.
    
فقرات
من أدعية أهل البيت (ع)
  • من دعاء الصباح لأمير المؤمنين (ع).
        « اللهم يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه وأتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه ، يا من دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته وجل عن ملاءمة كيفياته ، يا من قرب من خطرات الظنون وبعد عن لحظات العيون وعلم بما كان قبل أن يكون ، يا من أرقدني في مهاد أمنه وأمانه وأيقظني إلى ما منحني من مننه وإحسانه ، وكف أكف السوء عني بيده وسلطانه .. ».
        « افتح اللهم لنا مصاريع الصباح بمفاتيح الرحمة والفلاح وألبسني اللهم من أفضل خلع الهداية والصلاح واغرس اللهم بعظمتك في شرب جناني ينابيع الخشوع وأجر اللهم لهيبتك من آماقي زفرات الدموع وأدب اللهم نزق الخرق مني بأزمة القنوع ... ».
  • من دعاء يوم عرفة للإمام الحسين (ع) :
         الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانع ولا كصنعه صنع صانع


    (212)
    وهو الجواد الواسع فطر أجناس البدائع وأتقن بحكمته الصنائع لا تخفى عليه الطلائع ولا تضيع عنده الودائع جازي كل صانع ورايش كل قانع وراحم كل ضارع ومنزل المنافع والكتاب الجامع بالنور الساطع وهو للدعوات سامع وللكربات دافع وللدرجات رافع وللجبابرة قامع فلا إله غيره ولاشيء يعدله وليس كمثله شئ وهو السميع البصير اللطيف الخبير وهو على كلشيء قدير ، اللهم إني أرغب إليك وأشهد بالربوبية لك مقرا بأنك ربي وأن إليك مردي ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا وخلقتني من التراب ثم أسكنتني الأصلاب آمنا لريب المنون واختلاف الدهور والسنين ...
        « اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك وأسعدني بتقواك ولا تشقني بمعصيتك وخر لي في قضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت ، اللهم اجعل غناي في نفسي واليقين في قلبي والإخلاص في عملي والنور في بصري والبصيرة في ديني ومتعني بجوارحي واجعل سمعي وبصري الوارثين مني وانصرني على من ظلمني. إلهي كيف أعزم وأنت القاهر وكيف لا أعزم وأنت الآمر إلهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار فاجمعني علك بخدمة توصلني إليك ... كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا ... ».
  • مناجاة الشاكرين : للإمام زين العابدين (ع) :
    بسم الله الرحمن الرحيم
        « إلهي أذهلني عن إقامة شكرك تتابع طولك ، وأعجزني عن إحصاء ثنائك فيض فضلك ، وشغلني عن ذكر محامدك ترادف عوائدك ، وأعياني عن نشر عوارفك توالي


    (213)
    أياديك ، وهذا مقام من أعترف بسبوغ النعماء ، وقابلها بالتقصير ، وشهد على نفسه بالإهمال والتضييع ، وأنت الرؤوف الرحيم البر الكريم ، الذي لا يخيب قاصديه ، ولا يطرد عن فنائه آمليه ، بساحتك تحط رحال الراجين ، وبعرصتك تقف آمال المسترفدين ، فلا تقابل آمالنا بالتخييب والايئاس ، ولا تلبسنا سربال القنوط والإبلاس ، إلهي تصاغر عند تعاظم آلائك شكري ، وتضاءل في جنب إكرامك إياي ثنائي ونشري ، جللتني نعمك من أنوار الإيمان حللا ، وضربت علي لطائف برك من العز كللا ، وقلدتني مننك قلائد لا تحل ، وطوقتني أطواقا لا تفل ، فآلاؤك جمة ضعف لساني عن إحصائها ، ونعماؤك كثيرة قصر فهمي عن إدراكها فضلا عن استقصائها ، فكيف لي بتحصيل الشكر ، وشكري إياك يفتقر إلى شكر ، فكلما قلت لك الحمد وجب علي لذلك أن أقول لك الحمد ، إلهي فكما غذيتنا بلطفك وربيتنا بصنعك ، فتمم علينا سوابغ النعم ، وادفع عنا مكاره النقم ، وآتنا من حظوظ الدارين أرفعها وأجلها عاجلا وآجلا ، ولك الحمد على حسن بلائك وسبوغ نعمائك حمدا يوافق رضاك ويمتري العظيم من برك ونداك يا عظيم يا كريم ، برحمتك يا أرحم الراحمين ...
  • قبسات من نور آل محمد :
        إن الفقه الشيعي هو الشجرة الطيبة الراسخة الجذور المتصلة الأسس بالنبوة ، والذي امتاز بالسعة والشمولية والعمق والدقة والقدرة على مسايرة العصور المختلفة ، والمستجدات المتلاحقة من دون أن يتخطى الحدود المرسومة في الكتاب والسنة ويعتمد الفقه الشيعي إضافة إلى الكتاب والسنة العقل والإجماع الكاشف عن وجود النص أو موافقة المعصوم.
        إن الشيعة الإمامية قدمت في ظل هذه الأسس الأربعة فقها يتناسب مع


    (214)
    المستجدات ، جامعا لما تحتاج إليه الأمة ، ولم يغلق باب الاجتهاد (1) عندهم ، بل ظل مفتوحا طيلة القرون الماضية إلى يومنا هذا ، فأنتج عبر العصور فقهاء عظاما ، وموسوعات كبيرة لم يشهد التاريخ لها ولهم مثيلا ، والمقام لا يتسع لبسط الكلام عن الفقه الجعفري كما أن مفهوم الاجتهاد عند الشيعة غير ما هو عند السنة ، فليراجع معالم المدرستين ج 2.
        إلا أن هنالك بعض الاختلافات بين الفقه الجعفري وفقه أهل السنة والجماعة حاول البعض أن يتخذها ذريعة ليرمي التشيع بكل فرية وتشويه ، وأنا لست بصدد بيان كل مواقع الاختلاف ، ولكني سأختار بعض المفردات عند الفقه الشيعي يثير حولها الجاهلون شبهات لاتهام الشيعة ، سأطرحها لأبين رأي الدين فيها ثم أترك للقارئ الحكم.
        وقبل ذلك أقول أن الاختلاف ليس في الفروع فقط ، بل هنالك خلافات جوهرية في الأصول العقائدية .. فالحديث عن التوحيد يطول ، يلتقي فيه أهل السنة مع الشيعة ويفترقون ، فالله سبحانه وتعالى في كتب أهل السنة والجماعة والتي بلورها الوهابيون في كتبهم يمشي ويتحرك من مكان إلى آخر وينزل ويصعد ويضحك وله يدان وقدمان وساق ... الخ حتى أبتعد الناس عن ربهم.
        أذكر هنا أن أحد الشباب الذين خدعوا بالوهابية جرى حوار بينه وبين أحد الإخوة وكان محور حديثهما التوحيد وكان هذا الوهابي مصرا على أن لله مكانا وحيزا يوجد في العرش فوق السماوات ، فقال له الأخ : يعني إذا اخترعت صاروخا يسير أسرع من الضوء واتجهت به إلى السماء هل بإمكاني الوصول إلى مكان الله ووجوده هناك ؟
        (1) المكلف إما مجتهد يستنبط الأحكام الشرعية أو محتاط أو مقلد لمرجع مجتهد جامع للشرائط المذكورة في كتب الفقه.

    (215)
    قال : نعم ! .. فضحك الأخ وقرر الصمت.
        هذا حال التوحيد الذي من أجله بعث الأنبياء عند القوم ، أما الشيعة فإن أئمتهم لم يتركوا لهم مجالا ليشطوا عن الحق والمعرفة الصحيحة كما فعل غيرهم ، وإنما تركوا لهم كنوزا من المعارف الإلهية نزل بها الوحي على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويكفي من ذلك ما جاء في نهج البلاغة عن علي بن أبي طالب (ع) يقول في إحدى تلك الخطب مبينا حقيقة التوحيد :
        « الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ، ولا يحصي نعماءه العادون ، ولا يؤدي حقه المجتهدون ، الذي لا يدركه بعد الهمم ، ولا يناله غوص الفطن ، الذي ليس لصفته حد محدود ، ولا نعت موجود ولا وقت معدود ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته ونشر الرياح برحمته ، ووتد الصخور ميدان أرضه.
        أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له. وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن قال (فيم) فقد ضمنه ومن قال (علام) فقد أخلى منه كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ... الخ » (1).
        وهنالك الكثير من المفارقات بين المدرستين تحتاج إلى مجلدات لاستقصائها وعلى الجميع أن يبحث ليلقى الله على حجة وسأذكر بعض المفردات الفقهية الخلافية لنرى مع من الحق.
  • التقية :
        ما أكثر ما شنع خصوم الشيعة عليهم في التقية التي غاب معناها عن أذهانهم ورسموا لها معاني من مخيلتهم الخربة فصاروا يتهمون بها الشيعة والتشيع ، وعندما
        (1) نهج البلاغة الخطبة الأولى ..

    (216)
    أوضح هنا معنى التقية وشرعيتها لا أنتصر للشيعة ومعتقداتهم بقدر ما أنصر القرآن ومفاهيمه التي تمسك بها الشيعة فكان صحة ما يعتقدون به فرعا لأصل صحة القرآن الذي غابت بصائره عن العقول النجدية فتاهت حتى أنها تكاد لا تفقه الفرق بين الطهارة والنجاسة.
        البعض يردد أقوال الآخرين دون تمحيص ومعرفة غافلين عن خطورة استهزائهم بما لا يعلمون فيستهزئون من حيث لا يشعرون بالحق والقرآن وذلك ستكون عاقبته وخيمة ، وما أكثر ما سمعت « أن الشيعة منافقون لأنهم يعتقدون بالتقية وهي تعني النفاق وإظهار خلاف الباطن » ضاربين بذلك الآيات القرآنية وسيرة الأنبياء عرض الحائط.
        وقبل استعراض أدلة شرعية التقية من القرآن والسنة كما جاء في كتب أهل السنة والجماعة ، والتي أرى أن الشيعة أعلم بها من أهلها ، نتحدث عن معنى التقية وظروفها.
        إن الشيعة ومنذ وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عاشوا في اضطهاد وتشريد وتقتيل من قبل السلطات الجائرة التي تعاقبت ، وبعد واقعة كربلاء أصبح الشيعة وحدهم المناوئين للحكام والمتصدين لهموم الأمة باعتبار أن أئمتهم هم الحافظون للشريعة ، لذلك كرست الحكومات كل جهودها لضربهم.
        لهذا السبب ولغيره عرف الشيعة بالتقية دون غيرهم من الفرق الإسلامية التي كان علماؤها ومن ورائهم العامة يؤيدون كل سلطان عادل أو جائر ، بينما يصور لنا الإمام الباقر (ع) حال الشيعة آنذاك يقول : « وكان من أعظم ذلك وأكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (ع) فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة وكل من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (ع) ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظنة وتهمة حتى أن الرجل ليقال له زنديق وكافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي ».


    (217)
    هذا هو الحال باختصار وعند عرضنا للأدلة سيتبين بإذن الله تعالى أن التقية حاجة فطرية وكلنا نستخدمها في حياتنا العملية خصوصا أولئك الذين يواجهون الطواغيت في كل مكان ، يعلمون بأهميتها في مسيرتهم الجهادية.
        والتقية في اللغة معناها الحذر ، قال ابن منظور في لسان العرب توقيت واتقيت ، أتقيه تقى وتقية وتقاء : يعني حذرته.
        أما التقية شرعا كما عرفها الشيخ الأنصاري من ـ كبار علماء الشيعة المتقدمين ـ في كتابه المكاسب (التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق).
        وشرعية التقية تؤخذ من الكتاب والسنة كمصدرين للتشريع وستجد أن العقل يؤيد مشروعيتها.
  • أما من الكتاب العزيز :
        قوله تعالى ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فيشيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ) (آل عمران / 28).
        وواضح من قوله تعالى ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) شرعية التقية وأن المؤمن إذا خاف من الكفار يجوز له مداراتهم تقية منه ودفاعا عن نفسه من غير أن يعتقد ذلك.
        يقول الفخر الرازي في تفسير هذه الآية :
        (المسألة الرابعة) اعلم أن للتقية أحكاما كثيرة ونحن نذكر بعضها :
        « الحكم الأول » إن التقية إنما تكون إذا كان الرجل في قوم كفار ، ويخاف على نفسه وماله فيداريهم بلسانه وذلك بأن لا يظهر العداوة باللسان ، بل يجوز أن يظهر الكلام الموهم للمحبة والموالاة ولكن بشرط أن يضمر خلافه وأن يعرض في كل ما يقول ، فإن التقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب.


    (218)
    « الحكم الثاني » هو أنه لو أفصح بالإيمان والحق حيث يجوز له التقية كان ذلك أفضل.
        « الحكم الثالث » إنها إنما تجوز فيما يتعلق بإظهار الموالاة والمعاداة ، وقد تجوز أيضا فيما يتعلق بإظهار الدين ، فأما ما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزنا وغصب الأموال والشهادة بالزور وقذف المحصنات واطلاع الكفار على عورات المسلمين فذلك غير جائز.
        « الحكم الرابع » ظاهر الآية يدل أن التقية إنما تحل مع الكفار الغالبين ، إلا أن مذهب الشافعي رضي الله عنه أن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة عن النفس.
        « الحكم الخامس » التقية جائزة لصون النفس. وهل هي جائزة لصون المال ؟
        يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) « حرمة مال المسلم كحرمة دمه » ولقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) « من قتل دون ماله فهو شهيد » ولأن الحاجة إلى المال شديدة ، والماء إذا بيع بألفين سقط فرض الوضوء وجاز الاقتصار على التيمم دفعا لذلك القدر من نقصان المال فكيف لا يجوز ههنا والله أعلم.
        « الحكم السادس » قال مجاهد : هذا الحكم كان ثابتا في أول الإسلام لأجل ضعف المؤمنين ، فأما بعد قوة دولة الإسلام فلا ، وروي عن عوف بن الحسن أنه قال :
        التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة ، وهذا القول أولى لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الامكان (1).
        يتضح من كلام الرازي دلالة الآية على شرعية التقية ، ويذكر ذات المعنى ابن كثير في تفسيره (2).
        ** ويقول الله سبحانه وتعالى ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) (سورة النحل / 106).
        (1) التفسير الكبير للفخر الرازي ج 8 / 13.
        (2) تفسير القرآن العظيم ج 1 / 308.


    (219)
        والتي نزلت في عمار بن ياسر ، وكلنا يعرف قصة تعذيب كفار قريش له حتى قال ما طلبوه منه من تمجيد آلهتهم وغير ذلك ، إلا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بشره وأبويه بالجنة وقال له إذا عادوا فعد بمثل ما قلت ، ولا أعتقد أن هنالك أوضح من ذلك لفهم التقية والتي مارسها مؤمن آل فرعون كما جاء في القرآن ( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ) (سورة غافر : آية / 28).
  • أما من السنة :
        فقد أورد الرازي نقلا عن البخاري في صحيحه من كتاب الأدب باب المداراة مع الناس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : « إنا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم » ، كما نقل ـ الرازي ـ أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : لأحدهما : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال :
        نعم نعم نعم ، فقال : أفتشهد أني رسول الله ؟ قال : نعم. وكان مسيلمة يزعم أنه رسول بني حنيفة ومحمد رسول قريش فتركه ودعا الآخر فقال : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : أفتشهد أني رسول الله ؟ قال : إني أصم ثلاثا فقدمه وقتله فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : أما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئا له وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه (1).
        كل ذلك يدلل على مشروعية التقية وأنها حكم عام يشمل كل إنسان ، وبضم حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » يكتمل المطلب.
        والتقية كحكم لها ضوابطها وحدودها والشيعة فيما يرتبط بفروع دينهم لا يحتاجون لغيرهم للأخذ منهم ولقد جئنا بالأدلة حتى لا يطلق البسطاء تهمهم بجهل.
        (1) تفسير الرازي ج 8 / 12.

    (220)
    وإليك روايات عن طريق أهل البيت (ع) وهم الحجة على شيعتهم لا غيرهم :
  • عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قال : اتقوا على دينكم فاصحبوه بالتقية فإنه لا إيمان لمن لا تقية له إنما أنتم من الناس كالنحل في الطير لو أن الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منهاشيء إلا أكلته ولو أن الناس علموا ما في أجوافكم أنكم تحبوننا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم ولنجلوكم في السر والعلانية رحم الله عبدا منكم كان على ولايتنا.
  • عن الإمام محمد بن علي الباقر (ع) : التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به.
  • وعنه أيضا : إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فلا تقية.
  • وقال الإمام الصادق (ع) : « من لا تقية له لا دين له ».
        وهذا قليل من كثير ورد عن طريق أهل البيت (ع) وعرفنا أصله في القرآن ، والعقل يذعن بذلك إذ أنه من البداهة أن التوقي والحذر مطلوبان في كل الأحوال ، ولا تكون التقية بذلك نفاقا كما حاول البعض أن يعرفها وكيف يأمرنا الله بالنفاق.
        كما أنها لا تجعل من الدين وأحكامه سرا من الأسرار كما ذهب إليه بعض المستشرقين وأذيالهم ، فكيف تكون السرية عند الشيعة ، وهذه كتبهم ليس دونها حاجز أو حجاب ، فليبحث الجميع وليفتش. هذه النجف أمامكم وتلك قم فارحلوا إليها وانزلوا على مكاتبها فلن تجدوا دونكم سترا أو ممانعة ، أي الكتب أحببت فهي تحت يدك وفي متناولها وفيها أمهات الكتب ومصادر الأحكام لم تبق مسألة إلا وفصلت ولم تطرح قضية إلا وحلت وعلماؤهم شهرتهم عمت أرجاء المعمورة.
        وفي الخاتمة أورد قصة لأحد الأصدقاء المهتدين ، التف حوله عدد من الشباب يحاولون إجباره على أن يعترف بأن التقية نفاق فقال لهم : عرفوا لي النفاق. قالوا : هو إضمار الكفر وإظهار الإيمان ، قال لهم : أما التقية فهي إظهار الكفر وإضمار الإيمان كما جاء في القرآن فهل لديكم دليل بحرمة ذلك ؟ فسكتوا. وقد قال الإمام علي (ع)
    بنور فاطمة (ع) اهتديت ::: فهرس