بنور فاطمة (ع) اهتديت ::: 231 ـ 240
(231)
والآن لنر الأدلة المأخوذة من الصحاح ، هل قالت عن المتعة أنها زنا ؟!.
  • عن عبد الله بن مسعود قال : « كنا نغزوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل معين » (1).
  • عن سلمة بن الأكوع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : « أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا. تزايدا أو تتاركا » (2).
  • عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا : كنا في جيش فأتانا رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) فقال : « قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا » (3).
  • عن جابر بن عبد الله قال : « كنا نتمتع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وعمر حتى نهانا عمر عنها أخيرا يعني متعة النساء » (4).
  • عن جابر بن عبد الله قال : « تمتعنا متعتين على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحج والنساء فنهانا عمر عنهما فانتهينا » (5).
  • كما ذكر الرازي أنه روي أن عمر قال على المنبر : « متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهى عنهما متعة الحج ومتعة النكاح ».
        هذه وغيرها من الأحاديث والروايات تبين أن زواج المتعة زواج شرعي وأن تحريمه لم يكن من الله ورسوله إنما قال فيها الرجل « عمر » بما شاء ، ونحن غير ملزمين بقول عمر الذي ارتآه ونقبل بشهادته فيما يخص حليتها ، لأن القرآن أمرنا بأخذ ما قاله لنا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وما شرعه أما ما قاله عمر إذا خالف كتاب الله وسنة رسوله فنضرب به عرض الحائط ، وهنالك من هو أعلم منه وكان
        (1) صحيح مسلم ج 2 باب نكاح المتعة وأخرجه البخاري ج 7 / 8.
        (2) البخاري ج 7 / 25.
        (3) البخاري ج 7 / 24 باب نكاح المتعة.
        (4) مسند أحمد بن حنبل ج 3 / 304.
        (4) مسند أحمد بن حنبل ج 3 / 356.


    (232)
    يرجع إليه في المعضلات وقد قال بحليتها وهو الإمام علي (ع) الذي ينقل قوله السيوطي في الدر المنثور « لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي ».
        وهذا ينقلنا لنخوض قليلا في الحديث عن المجتمع ، وما سببه تحريم زواج المتعة من مشاكل.
        إن مشكلة الجنس من أكثر المشاكل عمقا وتعقيدا وتأثيرا في المجتمع الإنساني بما تحمله من مضاعفات خطيرة تؤثر في مسار حياة الإنسان ومن أبرز هذه المضاعفات الانحرافات الجنسية وإشباع الغريزة بصورة غير مشروعة مما ينعكس سلبا على المجتمع ، بالإضافة إلى الانعكاسات النفسية والاكتئاب والانطواء وسائر التوترات التي تكون نتاجا للممارسة المنحرفة للجنس أو كبت هذه الغريزة والتي تعتبر متأصلة في تكوين الإنسان ولا تنفك عنه ، وغير ذلك من المشاكل التي درسها علماء النفس والتربية والاجتماع والسياسة.
        والإنسان كما يحتاج للغذاء يحتاج للقنوات التي من خلالها يشبع غريزته الجنسية ، وكما هو واضح في مجتمعاتنا ـ والسودان أبرز المصاديق ـ تأخرت سن الزواج نسبة لظروف كثيرة بعضها يرتبط بالناحية المادية وبعضها يرتبط بالاستعداد الذاتي للإنسان لتحمل مسؤولية تكوين العائلة ، فأصبح الرجل يتزوج فوق سن الثلاثين ، وبين هذه السن وسن البلوغ التي تبدأ معها الحاجة للجنس سنين طويلة فتبرز الحاجة إلى وجود حلول في هذه الفترة والحل ربما يكون بأحد أمرين : أما إسكات نداء الجنس بالوعظ والإرشاد والتخويف والتحذير وهذه الوسيلة ربما يكون لها تأثير في الواقع الخارجي ولكن تبقى المشكلة في داخل كيان الإنسان تحتاج إلى حل ، والحل الآخر يكمن في الإباحة الجنسية وهذا ما لا يقبله عاقل يؤمن بالقيم الدينية والمثل والمبادئ الإنسانية كما أنه يترتب عليه مضاعفات خطيرة في حياة الإنسان وسلوكه إضافة إلى كثير من السلبيات على مستوى الفرد والمجتمع.
        « أما الزواج الدائم إذا عالج قسما من المشكلة فهو لا يعالجها في مختلف مجالاتها فالمشاكل ليست كلها مشاكل مالية وطبقية أنما هنالك جوانب من المشكلة تتطلب حلا ».


    (233)
    يقول العالم النفسي « برتراندرسل » : (إن سن الزواج قد تأخرت بغير اختيار وتدبير فإن الطالب كان يستوفي علومه قبل مائة سنة أو مائتين في نحو الثامنة عشرة أو العشرين فيتأهب للزواج في سن الرجولة الناضجة ، ولا يطول به عهد الانتظار إلا إذا آثر الانقطاع للعلم مدى الحياة ، وقل يؤثر ذلك بين المئات والألوف من الشباب.
        وأما في العصر الحاضر فالطلاب يتخصصون لعلومهم وصناعاتهم بعد الثامنة عشرة أو العشرين ، ويحتاجون بعد التخرج من الجامعات إلى زمن يستعدون فيه لكسب الرزق من طريق التجارة والأعمال الصناعية والاقتصادية ، ولا يتسنى لهم الزواج وتأسيس البيوت قبل الثلاثين ، فهنالك فترة طويلة يقضيها الشاب بين سن البلوغ وسن الزواج لم يحسب لها حساب في التربية القديمة ، وهذه الفترة هي فترة النمو الجنسي والرغبة الجامحة وصعوبة المقاومة للمغريات ، فهل من المستطاع أن نسقط حساب هذه الفترة من نظام المجتمع الإنساني كما أسقطها الأقدمون وأبناء القرون الوسطى ؟ إننا إذا أسقطناها من الحساب فسيكون نتيجة ذلك شيوع الفساد والعبث بالنسل والصحة بين الشباب والشابات) (1) وفي الواقع إن كلمة المؤمنين علي (ع) لخصت معاناة الأمة من جراء تحريم الزواج المؤقت ، قال علي (ع) « ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد ولولا نهي عمر ما زنى إلا شقي ».
        هذه الرحمة الإلهية تعني أن المتعة تحمي الإنسان من كل المضاعفات الخطيرة التي تفرزها مشكلة الجنس ، ولا تبقي للزنا أثرا في مجتمعاتنا إلا لدى من تجذرت عنده نزعات الشذوذ الخلقي ، ومع المتعة لا يبقى أي داع لتحليل العادة السرية ، كما أفتى بذلك بعض علماء الدين المعاصرين.
        (1) الزواج المؤقت ص 11 محمد تقي الحكيم.

    (234)
    وقد وقع في يدي صدفة كتاب طبع في السعودية طباعة فاخرة عنوانه الإسلام والجنس يقول فيه الكاتب : « وفي حالات الاضطرار يجوز للمسلم ممارسة العادة السرية لأنه لا حرج في الدين » ولكن لم يبين لنا هذا العلامة حدود الاضطرار وملاكه ونحن نشاهد في بلداننا كل أنواع المحفزات من خلاعة وتبرج فهل نعمل بفتواه والرجل يعيش بعد البلوغ عشرين عاما بلا زواج ؟!.
        في حواراتي المختلفة مع بعض الإخوة كثيرا ما يربطون المتعة بالزنا ويدور نقاشهم عن الآثار بعيدا عن أصل مشروعيتها.
        ولقد ثبت أنها شرعت ، والحديث عن نسخها يفتقد للدليل القوي ، وما جاء من روايات وأحاديث متهافته ومتضاربة لا يقوى على النهوض لمستوى دليل في مقابل ما أوردناه ، أما نهي عمر عنها فلا يجدي في مقامنا هذا كما بينا خصوصا وأن هنالك من نادى بحليتها من الصحابة.
        أما كون المتعة زنا ، فهذا قول غريب يقودنا إلى إشكالات أشرنا إليها ، والزنا هو ممارسة الجنس بصورة غير مشروعة والمتعة غير ذلك فهي لا تختلف عن الزواج إلا في بعض الآثار سنذكرها إن شاء الله ..
        وهنالك من يقول بعدم قبول المجتمع لها ، أقول إن تشريع الله تعالى لا يخضع لمدى قبول المجتمع له أو رفضه ، إنما يجب أن يخضع المجتمع لأحكام الله فتكون حاكمة عليه ، وما أكثر رفض المجتمعات قديما وحديثا للأحكام السماوية ؟! فاجأت أحدهم بالسؤال : هل تقبل أن يتزوج أبوك زوجة أخرى وأمك موجودة ؟ فأجاب بسرعة : لا !
        قلت : ولم وقد شرع الله له في القرآن أن يتزوج أربعة ؟!
        وهنالك بعض الشبهات الجانبية تثار حول هذا الموضوع لا تقدح في صحته ، أما التعامل مع هذا الحكم كيف يكون فذلك بحث آخر ، مثلا ربما يقال أنه بعد انتهاء مدة عقد المتعة من الذي يضمن ألا تتزوج المرأة قبل تمام العدة ؟


    (235)
    أقول إن للشريعة الإسلامية والرسالات السماوية عموما مميزات تفوقت بها على القوانين الوضعية لضبط المجتمع وأهم هذه الميزات والتي تعتبر ضمانة لعدم الاخلال بالقانون هي الإيمان والتقوى ، إذ أن أحكام الشريعة الإسلامية نزلت ليطبقها من يؤمن بالله واليوم الآخر والثواب والعقاب ، وإلا ما هو الضمان أن يكون الابن الذي يأتي من زوجتك هو من صلبك ، وكيف يمكننا أن نثق بأن المرأة المطلقة اعتدت كامل أيامها ، وكيف يتسنى لك أن تعلم أنك ابن أبيك إن كثيرا من الأشياء تتحكم فيها القيم والمبادئ والأخلاق والإيمان والتقوى والورع وتبقى المشكلة في ذات الإنسان وليس في التشريع ، وإذا فقد الالتزام النابع من الإيمان لم تكن الأحكام المجردة مانعة من انتهاك الحرمات وحدوث الفوضى ، وهذا تشريع ملك اليمين فهل نعتبره زنا أيضا وأن المجتمع لا يقبله وبالتالي نلغيه ؟ وبعد قرون نكتشف أن زواج الرجل بأربع زوجات لا يلائم المجتمع فنلغيه وهكذا. إن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.
        وإليك بيان تفصيلي عن الزواج المؤقت الذي لا يفترق عن الزواج الدائم إلا في بعض الآثار.
         ما المقصود بالزواج المؤقت (1) :
        عقد زواج بين الرجل والمرأة ضمن شروط شرعية محددة من أهمها : ـ
        1 ـ الايجاب والقبول.
        2 ـ تحديد المدة ضمن صيغة العقد.
        3 ـ تحديد المهر.
        4 ـ إذن الولي إذا كانت البنت بكرا على رأي الكثير من الفقهاء.
        5 ـ انتفاء الموانع الشرعية من النكاح ، كالنسب أو السبب أو الرضاع أو الاحصان أو العدة أو غير ذلك.
        (1) التشيع السيد عبد الله الغريفي ص 532.

    (236)
    6 ـ لا يجوز للمسلمة أن تتمتع بالكافر ، كما لا يجوز للمسلم أن يتمتع بالمشركة غير الكتابية.
         العناصر المشتركة بين الزواج الدائم والزواج المؤقت :
        1 ـ العقد الشرعي المشتمل على الايجاب والقبول اللفظيين.
        2 ـ الآثار الشرعية المترتبة على العقد إلا ما استثنته الأدلة الخاصة.
        3 ـ أحكام الأولاد واحدة في الزواجين.
        4 ـ العدة واجبة على المرأة مع الدخول وعدم اليأس في الحالتين وبالنسبة للوفاة تجب العدة حتى وإن كانت المرأة صغيرة أو يائسة أو غير مدخول بها.
  • عناصر الاختلاف بين الزواجين :
        1 ـ في الزواج المؤقت تحدد المدة والأجل وفي الدائم لا تحديد للمدة والأجل.
        2 ـ في المؤقت يشترط ذكر المهر وفي الدائم لا يشترط ذلك.
        3 ـ في المؤقت لا طلاق بل تبين المرأة بانتهاء المدة أو بهبة المدة لها أو الوفاة ، وفي الدائم لا تبين المرأة إلا بالطلاق أو الوفاة إلا في الحالات الاستثنائية كالارتداد والفسخ فتبين المرأة بلا طلاق.
        4 ـ في المؤقت لا توارث بين الزوجين إلا مع الشرط عن بعض الفقهاء ، وفي الدائم يتوارث الزوجان إلا في حالات استثنائية كالقتل أو كون الزوجة غير مسلمة.
        5 ـ في المؤقت لا نفقة للزوجة إلا مع الشرط ضمن العقد وفي الدائم تجب النفقة إلا في الحالات الاستثنائية كالنشوز.
        6 ـ في المؤقت لا قسم للزوجة ولا تجب مضاجعتها ولا مقاربتها في كل أربعة أشهر مرة وفي الدائم يجب ذلك.
        7 ـ في المؤقت تستحق المرأة المهر كاملا وإن لم يدخل بها إذا لم يكن ذلك بسبب مانع من قبلها ، وفي الدائم لا تستحق المهر كاملا إلا مع الدخول.


    (237)
    هذا هو زواج المتعة كما شرعه الدين وهو رحمة الله تعالى للإنسان الذي خلق ضعيفا ، وقد قال تعالى في سورة النساء بعد بيان أنواع الزواج المختلفة بما فيها الزواج المؤقت ( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) (1) ولكن أبت الأمة كعادتها إلا أن تضيق على نفسها كما فعلت أمة بني إسرائيل. ونتوج بحثنا بروايات عن أهل البيت (ع) : ـ
  • عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر الباقر (ع) عن المتعة فقال : « نزلت في القرآن ( فما استمتعتم به منهن ... الآية ) ».
  • عن الإمام الصادق (ع) : قال « المتعة نزل بها القرآن وجرت بها السنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ».
  • عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سألت أبا عبد الله هل نسخ آية المتعةشيء ؟
        قال : لا ، ولولا ما نهى عنها عمر ما زنى إلا شقي .
        ونذكر هنا بعض الملاحظات للذي يدعي بأن آية المتعة منسوخة بقوله تعالى ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) (سورة المؤمنون : آية / 5 ـ 7).
        أولا : إن هذه الآية جاءت في سورة المؤمنون وهي مكية وآية المتعة جاءت في سورة النساء وهي مدنية فكيف يكون المتقدم نزولا ناسخا للمتأخر !.
        أما ما ذكروه بأن الآية حددت نوعين من النكاح فقط : الزواج وملك اليمين ..
        فالمتعة أيضا زواج كما بينا والأمر واضح ، وبالنسبة للروايات التي تحرم المتعة فهي غير صحيحة لتعارضها مع الأحاديث القائلة بحليتها كما أن أخبار التحريم أخبار آحاد ، والنسخ لا يثبت بأخبار الآحاد ، ثم إن هنالك تناقضا واضحا في روايات التحريم فبعضها يقول بأن التحريم صدر يوم خيبر وأخرى في يوم الفتح وثالثة في تبوك ورابعة في عمرة القضاء وخامسة في حجة الوداع ... الخ.
        (1) سورة النساء : آية / 28.

    (238)
    وأخيرا إن روايات التحريم معارضة بروايات أهل بيت النبوة (ع) المتواترة والدالة على إباحة المتعة إلى يوم القيامة.
        
    خاتمة
        في ظل أمواج الفتن ما أحوج الإنسان إلى أن يجد سفينة النجاة لتأخذ به إلى بر الأمان ، وما أحوجه إلى التعرف على المعتقد السليم الذي من خلاله يستطيع أن يعيش واقع حياته اليومية باطمئنان حتى يلقى الله وقد وفى بعهده وميثاقه.
        وتبقى مشكلة التعصب الأعمى وعدم التسليم للحق والتمرد عليه تكبرا ، مما يجعل بيننا وبينه حجابا إذا أردنا التمسك به والبحث عنه ، إذ أنه لا بد من التأكد مما نحن عليه ، على ألا يكون التوارث أبا عن جد هو المرتكز لفهم فلسفة الحياة ، ولا يمكن أن نحقق العبودية في أنفسنا وهي غاية الخلق (1) إلا عبر الطريق الذي أمرنا الله به ولا يمكن أن تكون الوراثة التي نبذها القرآن هي الضمانة لصحة ما نعتقده والمسلمون انقسموا لفرق ومذاهب كل يدعي وصلا بليلى ، والظلمات كثيرة والنور واحد وهذا هو مقصود حديث الفرقة الناجية ، فليصبح الإنسان كالمجنون وهو يبحث لكي يختار الصواب.
        إن الأمة الإسلامية تعيش تحديا حضاريا في كل الجوانب لم يترك العدو لها مجالا إلا وحاول من خلاله أن يبث سمومه ، وفي واقعنا المعاش نجد الكثير من المذاهب التي تلبست بلباس الدين ودعت إليه بينما كانت تخدم مصالح الأعداء وتحمل في داخلها معاول هدم رسالة السماء ، وأبرز مصداق لذلك الوهابية التي انتشرت في طول البلاد الإسلامية وعرضها مستغلة الظروف الاقتصادية في الدول النامية ولم تعتمد على
        (1) الآية ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ).

    (239)
    المعتقد السليم ولا على الفكر الصحيح أو المنطق في الحوار بل ظهرت عبر مؤسساتها وأموالها ، جاعلة الدين كتلة جامدة لا تتفاعل وواقع الحياة ، لذلك تتركها دوائر الاستعمار لتسرح بينما تصب على الشيعة كل أنواع التضليل.
        هنالك كثير من الأسباب تقف حائلا بين المرء والحقيقة عليه أن يتجاوزها ولقد حاولت ذلك فكان الانتقال عبر محطات التاريخ للوقوف على المنعطفات الخطيرة التي مرت بها الأمة الإسلامية فتفرقت شيعا وأحزابا ، لم يكن همي سوى الحقيقة .. الحقيقة وحدها دون الالتفات إلى ما سيعترضني من مشاكل في سبيل ذلك ، ولقد حاول البعض عندما انهزم بالدليل والبرهان أن يتهمني تارة بالشيوعية وهي التي لم يستطع نسفها غير علماء الشيعة بقيادة الشهيد الصدر فكيف يلتقي الشيعي مع الشيوعي اللهم إلا إذا اشتبهت الأحرف على السامع وتارة يقولون عنا جمهوريين ، هذه الجماعة التي ولدت فكرتها ميتة لأنها عارضت كلشيء القرآن والسنة والعقل ، قامت باجتهاد فرد وانتهت بانتهائه من على مسرح الحياة ، أما التشيع فأنا لم أنتجه من محض خيالي ، إنما وجدت أنه ولد حينما ولدت الرسالة ، وشهد الأعداء قبل الأصدقاء بأهلية أهل البيت (ع) لتحمل أمانة السماء والتاريخ يشهد لهم بذلك فما ذنبي إذا كان الدليل يأخذ بعنقي إلى حيث النور ، ومن يملك دليلا خلاف قولنا وإذا كان هنالك حق غير مذهب أهل البيت (ع) فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
        وتارة أخرى يتهموننا بأننا نسعى لإثارة الفتن ، ولعمري متى كان البحث عن الحق إثارة للفتنة ؟ ومتى كان كشف الزيف دلالة على ذلك ؟ أن الذين يوزعون هذه التهم إنما يبررون لأنفسهم ويحاولون الانتصار لها بعد هزيمتها داخليا.
        عندما بدأت بحثي لم يقم في نفسي أن أطرحه للآخرين وإنما هو تكليف شرعي وتلهف للكشف عن الحق الذي به قامت السماوات والأرض ، وظمأ للارتواء من منابع الرسالة الصافية التي لم تكدرها الجاهلية بأنجاسها ، ووجدته بحمد الله عذبا


    (240)
    ثجاجا في ولاية علي بن أبي طالب (ع) وأتباعه الذين قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) « والذي بعثني بالحق نبيا لو أن رجلا لقي الله بعمل سبعين نبي ثم لم يلقه بولاية أولي الأمر من أهل البيت ما قبل الله منه عدلا ولا صرفا ».
        كما روى الإمام الصادق (ع) عن أبيه عن جده (ع) قال : مر أمير المؤمنين (ع) في مسجد الكوفة ومعه خادمة قنبر رجلا قائما يصلي فقال : يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا أحسن صلاة من هذا. فقال علي (ع) : يا قنبر فوالله لرجل على يقين من ولايتنا أهل البيت خير ممن له عبادة ألف سنة ، ولو أن عبدا عبد الله ألف سنة لا يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت ، ولو أن عبدا عبد الله ألف سنة وجاء بعمل اثنين وسبعين نبي ما يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت وإلا أكبه الله على منخريه في نار جهنم وغيرها من الروايات التي تجعل الإنسان يقف متأملا وهو يحاول أن يهتدي إلى الطريق.
        وعلى فرض عدم صحة هذه الروايات ، يجب على الإنسان دفعا للضرر المحتمل ـ كما يقولون ـ أن يبحث عن الحق أنى كان ، ولقد ادعى أهل البيت (ع) حق الولاية وتواتر المنقول عنهم أن أعمال العبد يتوقف قبولها على ولايتهم وبدونها يسقط عمله. بينما لا نجد أن أحدا من الصحابة ادعى مثل هذا الحق وبالخصوص الخلفاء الثلاثة فالإيمان بهم بالتالي ليس من أصول الدين إنما هو أمر فرعي يحتاج إلى نقاش.
    أخيراً
        إن الاهتداء إلى الحق ليس عبقرية ذاتية ، إنما نعمة من الله تعالى ينعم بها على من يشاء من عباده ، وما على الإنسان إلا التوجه المخلص لله تعالى حتى يريه الحق حقا فيتبعه ويريه الباطل باطلا فيجتنبه ، ولقد تكفل البارئ عز وجل بهداية المجاهدين فيه إلى سبله.
    بنور فاطمة (ع) اهتديت ::: فهرس