دراسة في عـلامــات الظـهــور ::: 46 ـ 55
(46)
والوقائع من دون تعرض لشرائطها وموانعها. فقد تتحقق تلك ، وتفقد هذه ، فيوجد الحدث وقد لا فلا.
    وقد قدمنا الحديث عن هذا القسم ونعزّزه هنا بالمثال التقريبي.
    فنقول :
    أما بالنسبة للمانع ، فهو نظير بيت بُنِيَ على ساحل البحر ، وكان البناء من القوة بحيث يستطيع البقاء مئة سنة.
    ولكن إذا ضربته مياه البحر ، أو تعّرض لعاصفة عاتية ، أو لزلزال ، فلسوف ينتهي عمره في أقل من نصف هذه المدة فيصحّ الإخبار عن المدة الأولى من دون تعرض لذلك المانع المعارض ، أو الذي يعرض له.
    وكذلك الحال لو كان للإنسان حقل زرعه قمحاً ، وقد استحصد ، فإنه يصح له أن يقول : إن لدي مقدار ألف كيلو من القمح ، ولكنه لا يدري : أن طفلاً سيلقي فيه عود ثقاب فيحرق ، أو سوف يأتي سيل فيقضي عليه.
    وأما بالنسبة إلى الشرط ، فهو نظير شجرة خضراء غرست في الموقع وفي المكان المناسب ، ولكنّ شرْطَ نموّها وحياتها هو إيصال الماء إليها ، فإذا لم يتحقق هذا الشرط ، امتنعت عليها الحياة. فيخبر عن حياة الشجرة ، وعن عمرها ، من دون الأخذ بنظر الاعتبار عدم تحقق ذلك الشرط كما قلنا.
    ومن الأمثلة التي وردت في القرآن وفي السنة ، على لسان الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، والأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) نذكر :
    1 ـ أن بعض الروايات قد صرحت بأن الرجل ليصل رحمه ، وقد بقي من عمره ثلاث سنين ، فيصيّرها الله عز وجل ثلاثين سنة ، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثين سنة ، فيصيّرها الله ثلاث سنين. ثم تلا : « يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء


(47)
وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ » (1).
    2 ـ ما روي من أن إذاعة الناس ، وعدم كتمانهم قد أوجب تأخُّر ظهور ذلك الرجل الذي سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، إلى وقت آخر (2).
    3 ـ لقد استشهدت بعض الروايات على حصول البداء في وقت ظهور القائم ( عجل الله فرجه ) بأن موسى قد واعد قومه ثلاثين يوماً ، وكان في علم الله عز وجل زيادة عشرة أيام ، لم يخبر موسى قومه بها فكفروا بعد مرور الثّلاثين ، وعبدوا العجلَ.
    4 ـ واستشهدت على ذلك أيضاً بأن يونس قد أوعد قومه بالعذاب ، « وكان في علم الله أن يعفو عنهم ، وكان من أمر الله ما قد علمت » (3).
    وقد عبرت الروايات عن هذا القسم تارة بـ « الموقوف » وأخرى بـ « ما ليس بمحتوم » كما سبق ..
    الثاني :
    ما يكون الإخبار فيه عن تحقق العلة التامة ، بجميع أجزائها وشرائطها ، وفقد الموانع ، بحيث يصبح وجود المعلول ـ الحدث ـ أمراً حتمياً ، لا يغيّره سوى تدخّل الإرادة الإلهية.
    وذلك .. لأن تمامية العلة ، لا يلغي قدرة الله سبحانه ، وحاكميته المطلقة
1 ـ ميزان الحكمة ج 4 ص 80 والروايات الدالة على ذلك كثيرة فراجع الكتاب المذكور.
2 ـ راجع : الغيبة للشيخ الطوسي ص 263 و 265 والغيبة للنعماني ص 288 و 292 و 293 والكافي ج 1 ص 300 وبشارة الإسلام ص 283و 285 عنهما وعن الكافي وإلزام الناصب ص 78.
3 ـ راجع في هذا وفي الذي سبقه : الغيبة للنعماني ص 292 و 294 وبشارة الإسلام ص 286 و 284 عنه وعن الكافي وراجع الكافي ج 1 ص 301.


(48)
ولا حقه في التدخل ، حينما لا يصطدم ذلك التدخل بأي مانع آخر سوى ذلك ، فهو لا ينافي عدله سبحانه ، ولا حكمته ، ولا رحمته ، ولا غير ذلك من صفاته الربوبية جل وعلا ..
    ولا ينافي هذا : أنه قد جرت عادته تعالى ، فيما نشاهده ونعيشه على عدم التدخل للحيلولة بين العلل ومعلوماتها ، وعلى تسيير أمور الكون والحياة وِفْقَ طريقة معينة ، وقانون عام ، ونظام تام.
    فمثلاً قد اعتدنا : أن يسير توالد الناس ، والموت ، والحياة ، على وتيرة واحدة ، ويتم بالأسباب المعروفة.
    كما أن ثبات الأرض والجبال ، وتماسكها ، وثقلها ، واستقرارها هو السنّة التي ألفناها وعرفناها في جميع مقاطع حياتنا.
    ولكن مشيئة الله سبحانه ، قد تلغي ذلك كما في قضية ولادة عيسى ـ بل هي سوف تلغي حتماً ـ هذه الحالة عند انتهاء أمد الدنيا ـ وبذلك تكون نفس مشيئته ، وليس فقد الشرط ، ولا وجود الموانع سبباً في وقف التوالد ، وفي صيرورة الجبال كالعهن (1) المنفوش. كما أنها لسوف تمّر مرّ السحاب ، ولسوف يموت الناس بنفخ الصور. ثم تكون نفخة أخرى ، فإذا هم قيام ينظرون.
    نعم ، إن ذلك كله سيكون ، من دون أن يحدث أي خلل أو نقص في العلة التامة.
    وقد سمّي هذا القسم بـ « المحتوم » وعبّر عن تدخل المشيئة الإلهية فيه بـ « البداء » كما تقدم في الرواية.
1 ـ العهن : هو الصوف.

(49)
    وقد صرحت الرواية الثالثة المتقدمة بهذا حيث قالت :
    « فقال له حمران : ما المحتوم ؟
    قال : الذي لله فيه المشيئة ».
    أما الرواية الرابعة التي هي موضع البحث فقد أشارت إلى هذا القسم وإلى القسم الثالث الآتي بيانه وهي تفسر المراد من الرواية الثالثة.
    الثالث : ما يكون الإخبار فيه عن أمور حتمية الوقوع ، ولا يتدخل الله سبحانه للتغيير فيها ، مع قدرته على ذلك ، إذ إن ذلك يتنافى مع صفاته الربوبية.
    فمثلاً : الله قادر على فعل القبيح ، وعلى الظلم ، ولكن يستحيل صدورها منه :
    « وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا » (1) ، لأن ذلك يتنافى مع عدل الله سبحانه ، ومع كونه لا يفعل القبيح.
    وكذا الحال بالنسبة إلى كل ما يتنافى مع حكمته ورحمته.
    وخلف الوعد أيضاً من هذا القبيل ، فيستحيل منه تعالى ، وقد صرحت الرواية السابقة بأن قيام القائم ( عجل الله فرجه ) من هذا القبيل ، أي من الميعاد ، والله سبحانه لا يخلف الميعاد.
    ومما تقدم نعرف :
    1 ـ أن البداء في علامات الظهور إنما هو من القسم الأول.
    2 ـ أن البداء في العلامات التي هي من المحتوم ، إنما هو من القسم الثاني.
1 ـ الآية 49 من سورة الكهف.

(50)
    وأما البداء في قيام القائم ( عجل الله فرجه ) فهو من القسم الثالث.

    ب : الطائفة الثانية من الروايات :
    من الروايات التي اكتفت بالإشارة إلى حتمية بعض العلامات ، نذكر ما يلي :
    1 ـ محمد بن موسى بن المتوكل ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : « قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إن أبا جعفر ( عليه السلام ) كان يقول :
    [ إن خروج السفياني من الأمر المحتوم ؟
    قال : نعم ، واختلاف ولد العباس من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وخروج القائم من المحتوم الخ .. » (1).
    2 ـ عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيسى بن أعين ، عن المعلِّى بن خنيس ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
    [ إن أمر السفياني من المحتوم ، وخروجه في رجب ].
    وذكره النعماني بنسد آخر فراجع (2).
    3 ـ عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رض ) ، عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن
1 ـ إكمال الدين ـ ج 2 ـ ص 652 والغيبة للشيخ الطوسي ـ ص 282 والبحار ـ ج 52 ـ ص 206 وراجع منتخب الأثر ـ ص 457.
2 ـ إكمال الدين ج 2 ص 652 و 650 والبحار ج 52 ص 204 والغيبة للنعماني ص 300 ومنتخب الأثر ص 457.


(51)
حنظلة قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول :
    « قبل قيام القائم خمس علامات محتومات : اليماني ، السفياني ، والصيحة ، وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء » (1).
    4 ـ أحمد بن إدريس ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : « قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) :
    [ إن أبا جعفر كان يقول : خروج السفياني من المحتوم ، والنداء من المحتوم ، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم ، وأشياء كان يقولها من المحتوم. فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : واختلاف بني فلان ( في الإرشاد : بني العباس في الدولة ) من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وخروج القائم من المحتوم الخ .. » (2).
    5 ـ عن ابن فضال ، عن حماد بن الحسين بن المختار ، عن أبي نصر ، عن عامر بن واثلة ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
    [ عشر قبل الساعة لابد منها : السفياني ، والدجال ، والدخان ، والدابة ، وخروج القائم ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من مقر عدن تسوق الناس إلى المحشر ] (3).
1 ـ إكمال الدين ج 2 ص 650 والبحار ج 52 ص 204 وإلزام الناصب ص 181 عنه.
2 ـ الغيبة للشيخ الطوسي ـ ص 266 وراجع : إلزام الناصب ـ ص 184 عن الإرشاد. وعبارته هكذا : « واختلاف بني العباس في الدولة من المحتوم الخ .. ».
3 ـ الغيبة للشيخ الطوسي ص 267 والبحار ج 52 ص 209.


(52)
    6 ـ عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول :
    [ إن السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس. حمل امرأة ، ثم قال : أستغفر الله ، حمل جمل وهو الأمر المحتوم ، وهو من الأمر المحتوم الذي لابد منه ] (1).
    7 ـ ابن عيسى ، عن ابن أسباط ، قال : قلت لأبي الحسن ( عليه السلام ) : جعلت فداك ، إن ثعلبة ابن ميمونة حدثني عن علي بن المغيرة ، عن زيد العمي ، عن علي بن الحسين قال :
    [ يقوم قائمنا لموافاة الناس سنة.
    قال : يقوم القائم بلا سفياني ! إن أمر القائم حتم من الله ، وأمر السفياني حتم من الله ، ولا يكون قائم إلا بسفياني ] (2).
    8 ـ محمد بن همام ، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري ، عن الحسن بن علي بن يسار ، عن الخليل بن راشد ، عن البطائني ، قال : رافقت أبا الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) من مكة إلى المدينة فقال لي يوماً :
    [ لو أن أهل السماوات والأرض خرجوا على بني العباس لسقيت الأرض دماءهم ، حتى يخرج السفياني.
    قلت له : يا سيدي ، أمره من المحتوم.
    قال : من المحتوم الخ .. ] (3).
1 ـ الغيبة للشيخ الطوسي ص 273 والبحار ج 52 ص 215.
2 ـ البحار ج 52 ص 182 عن قرب الإسناد.
3 ـ الغيبة للنعماني ص 301 وإلزام الناصب ص 180.


(53)
    ولكن هذا الحديث محل نظر وتأمل ، فإن ملك بني العباس لم يدم إلى حين خروج السفياني ، كما هو ظاهر.
    إلا أن يقال إنهم ستعود دولتهم في آخر الزمان ، ثم يزيلها السفياني آنئذٍ.
    9 ـ أحمد بن محمد بن سعيد عن علي بن الحسن ، عن العباس بن عامر ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة بن أعين ، عن عبد الملك بن أعين ، قال : كنت عند أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فجرى ذكر القائم ، فقلت له :
    [ أرجو أن يكون عاجلاً ، ولا يكون سفياني.
    فقال : لا والله ، إنه من المحتوم ، الذي لابد منه ] (1).
    10 ـ علي بن أحمد البندنيجي ، عن عبد الله بن موسى العلوي ، عن يعقوب بن يزيد ، عن زياد بن مروان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، أنه قال :
    [ النداء من المحتوم والسفياني من المحتوم ، واليماني من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وكف يطلع من السماء من المحتوم.
    قال : وفزعة في شهر رمضان ، توقظ النائم ، وتفزع اليقظان ، وتخرج الفتاة من خدرها ] (2).
    11 ـ وقد ذكرت بعض الروايات :
    [ أنه لابد من صوتين قبل خروج القائم ، صوت من السماء وهو صوت جبرائيل باسم صاحب هذا الأمر ، وصوت آخر من الأرض ، وهو صوت إبليس
1 ـ الغيبة للنعماني ص 252.
2 ـ الغيبة للنعماني ص 264 ومنتخب الأثر ص 455.


(54)
اللعين الخ .. ] (1).
    12 ـ أحمد بن محمد بن سعيد بن علي بن الحسين ، عن يعقوب بن يزيد ، عن زياد القندي ، عن غير واحدٍ من أصحابه عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، أنه قال :
    [ قلنا له : السفياني من المحتوم!.
    فقال : نعم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، والقائم من المحتوم ، وخسف البيداء من المحتوم ، وكف تطلع من السماء من المحتوم.
    فقلنا له : وأي شيء يكون النداء.
    فقال : منادٍ ينادي باسم القائم واسم أبيه ] (2).
    13 ـ أحمد بن محمد بن سعيد ، بإسناده عن هارون بن مسلم ، عن أبي خالد القماط ، عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال :
    [ من المحتوم الذي لابد أن يكون قبل قيام القائم ، خروج السفياني ، وخسف البيداء ، وقتل النفس الزكية ، والمنادي من السماء ] (3).
    14 ـ محمد بن همام ، عن جعفر بن محمد بن مالك ، عن عباد بن يعقوب ، عن خلاد الصائغ ( الصفار صح ) عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، أنه قال :
    [ السفياني لابد منه ، ولا يخرج إلا في رجب ] (4).
    15 ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي
1 ـ الغيبة للنعماني ص 203.
2 ـ البحار ج 52 ص 305 ومنتخب الأثر ص 458 عن الكافي.
3 ـ الإرشاد للمفيد ص 358 وأعلام الورى ص 455 ومنتخب الأثر ص 457.
4 ـ الغيبة للنعماني ص 203.


(55)
جميلة ، عن محمد بن علي الحلبي قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول :
    [ اختلاف بني العباس من المحتوم ، وخروج القائم من المحتوم.
    قلت : وكيف النداء.
    قال : ينادي منادٍ من السماء أول النهار الخ .. ] (1).
    16 ـ الفضل بن شاذان عمن رواه عن أبي حمزة الثمالي ، قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) :
    [ خروج السفياني من المحتوم.
    قال : نعم والنداء من المحتوم ، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم ، واختلاف بني العباس في الدولة من المحتوم ، وقتل النفس الزكية محتوم.
    وخروج القائم من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) محتوم.
    قلت وكيف يكون النداء الخ .. ] (2).
1 ـ البحار ج 52 ص 305 ومنتخب الأثر ص 458 عن الكافي.
2 ـ الإرشاد للمفيد ص 358 وأعلام الورى ص 455 ومنتخب الأثر ص 457.
دراسة في عـلامــات الظـهــور ::: فهرس