دروس في الأخلاق ::: 1 ـ 10
دُرُوسٌ
فِي الأخْلاقِ
المؤلف : آية الله المشكيني


(7)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
     وبعد : الكتاب يشتمل على مقدمة ودروس وخاتمة.
     أما المقدمة : ففي بيان أمور :

الأمر الأول : في الاشارة الاجمالية الى موضوع علم الأخلاق ومسائله والغرض منه.
     أما الموضوع : فهو الإنسان لا من حيث أنه شيء واقع تحت عنوان الوجود ، فإن البحث عنه من هذه الجهة يقع في علم المعقول ، ولا من حيث جسمه وبدنه وعروض الصحة والمرض عليه مثلاً ، فإن البحث عنه من هذه الجهة ، محله علم الطب ، بل ولا من حيث سائر جهاته الموجودة فيه ، فإن الإنسان من حيث أنه حيوان ناطق ذو إدراك وشعور ، وتفكر وتعقل موجود عجيب ومكون غريب ، له حيثيات ذاتية


(8)
وعرضيّه مختلفة وأبعاد وجودية متكثرة وقع البحث عن جلها لولا كلها في علوم مختلفة وفنون عديدة.
     بل الموضوع في علم الأخلاق المرسوم لدى المتشرعة هو الإنسان من حيث نفسه وروحه ، وبعبارة أخرى هو نفس الإنسان من حيث اتصافها بصفات مختلفة ، حسنة أو قبيحة ، وملكات كثيرة ، مذمومة أو ممدوحة ، منها ما هو ذاتية موهوبية : ومنها ما هو عرضية إكتسابية.
     ومسائله : الأبحاث الواقعة حول تلك الصفات والملكات ، وما يقع من الفحص والتحقيق في تبين حقائقها وروابطها ، وانشعاب بعضها عن بعض ، وعلل حصولها وطرق تحصيلها ، وكيفية زوالها وإزالتها ، وما يقع من الكلام في تمييز فضائلها عن رذائلها ، وحفظ كرائمها التي أودعها الله تعالى في الإنسان أو حصلها بنفسه ، وتحصيل مالم يكن واجداً له من الفضائل ، وإزالة ما اتصف به من الرذائل طبعاً أو اكتساباً.
     والغرض منه : تكامل الإنسان وتعاليه ، وتمامية مكارم أخلاقه ونيله إلى مراتبه التي خلقه الله تعالى لأجل الوصول إليها ، وتخلقه بأخلاق الله تعالى ، وتأدبه بآداب رسله وأوصيائه لكي يتقرب إلى ربه ويسعد في الدنيا والآخرة بدونه وقربه لأن يبعثه ربه مقاماً محموداً ويلحقه بالأبرار والمتقين ، ويكون في الآخرة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ، فما أجل غاية هذا العلم و أعلاها ، وما أثمنها وأغلاها ، ألا وهي نهاية المنى والغاية القصوى ، وليس للانسان وراء ذلك منتهى ، ألا وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وليرغب


(9)
الراغبون.
     ثم ليعلم أنه ليس الغرض : تأليف كتاب في علم الأخلاق على وتيرة ما ألفه فيه علماؤنا الأخيار قدس سرهم فإنهم قد اهتموا ببيان أصول السجايا والطبائع ، وقسمتها قسمة أولية إلى أقسام أربعة ، ثم ذكر الانقسامات الثانوية الطارئة عليها وهكذا ، وبيان كيفية تولد بعضها عن بعض وانشعاب بعضها عن بعض. وقد أقلّ بعض المؤلفين عند ذكر نفس الصفة من إيراد الآيات والنصوص فيها ، أو ذكر فيما أورد ما لم يثبت عندنا صحته من الأخبار ، لكنا أعرضنا عن تلك المراحل فذكرنا عند بيان كل فضيلة ورذيلة بحثاً إجمالياً شارحاً لحقيقتها ، ثم أوردنا فيه من الكتاب الكريم والسنة المأثورة عن النبي الأقدس وأهل بيته المعصومين عليهم السلام مقداراً غير مخل للغرض لقلته ، و غير ممل لكثرته ، واعتمدنا في إيضاح حقيقة الصفة المبحوث عنها وعلل وجودها وآثارها الدنيوية والأخروية على ما تستفيده ألباب القارئين وأفكار الباحثين من النصوص الواردة فإن في قول الله تعالى وكتابه الناطق وكلام نبيه الصادق وأهل بيته عليهم السلام غنىً وكفاية عن بحث الباحثين وتقريظ الواصفين ولذلك سميناه بـ « دروس في الأخلاق » لا تأليفاً في علم الأخلاق. ونشكره تعالى عدد ما يبلغ رضاه على أن عرّفنا نفسه بعرفان ما تيسر فهمه لعقولنا من صفات جلاله وجماله ، وعلى أن عرفنا ملائكته القائمين بتدبير أمر العالم من السماء إلى الأرض بإرادته ، وعرفنا أنبيائه ورسله ، ولا سيما خاتم رسله ، وألهمنا الأذعان بما أنزل عليهم من كتبه وشرائعه ، وعلمنا كتابه المصدق لما بين يديه من الكتب والمهيمن


(10)
عليه ، وعرفنا أوصياء نبيه لا سيما خاتمهم وقائمهم والمستور عن عوالمهم ولم يجعل موتنا ميتة جاهليةً ، ورزقنا معرفة كلامه وسنة نبيه وأحاديث أوصيائه المعصومين ، كل ذلك بمقدار ما تيسر على عقولنا فهمه وعلى ألبابنا دركه ، فإنه تعالى أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها ، فحمداً له كثيراً على آلائه ، وشكراً له وافراً على نعمائه ، وأنى لنا بأداء شكره ، والشكر له يحتاج إلى شكر ، وكلما قلنا : له الحمد وجب أن نقول لذلك : له الحمد.

الأمر الثاني : أنه تتعسر أو تتعذر للانسان معرفة مسائل علم الأخلاق وتميز محاسن صفات الإنسان عن مساويها بتحصيلها من غير الطرق التي عينها خالقه وبارئه ومبدعه ومصوره ومودع الطبائع والسجايا فيه ، وهي الطرق التي أوحاها إلى أنبيائه عليهم السلام بإبلاغ دينه وشرائعه ، فقد بين فيها ما هو كمال النفوس الانسانية وما هو جمالها وجلالها ، وما يكون موصلاً لها إليه من الأصول الاعتقادية والفروع العملية ، وذلك لأنه لا يعرف الإنسان كما يليق بذاته واستعداده ، ولا يقدر على تربيته وإيصاله إلى كماله الحريّ بشأنه إلا أنبيائه وأوصيائه الذين خلقهم الله لرحمته واصطنعهم لنفسه ، واصطفاهم لسفارة خلقه وهداية عبادة ، ليكلموهم بتعليم الأصول والعلم بالفروع حتى تتم لهم مكارم الأخلاق.
     وقد علم بذلك أن جميع ما تحويه الشرائع السماوية من القوانين الدخيلة في تربية الإنسان ترجع إلى أمور ثلاثة : الأصول الاعتقادية :
دروس في الاخلاق ::: فهرس