دروس في الأخلاق ::: 51 ـ 60
(51)
     وأن النوم على اليقين خير من الصلاة في الشك (1).
     وأنه إنما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق. وأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين (2).
     وأنه يجب طرح واردات الأمور بحسن اليقين (3).
1 ـ نهج البلاغة : الحكمة 97 ـ جامع الأسرار ومنبع الأنوار : ص601.
2 ـ نهج البلاغة : الخطبة 38.
3 ـ نهج البلاغة : الكتاب 31.


(52)

(53)
الدرس السادس
في النية وتأثيرها وثوابها
     النية : هي القصد والإرادة المحركة للإنسان نحو الفعل ، وليس الغرض من البحث عنه في المقام مجرد إثبات صدور الفعل عنها ، فإنه لا إشكال في ذلك في الأفعال الاختيارية ، بل يرجع البحث هنا إلى ملاحظتها من جهة عللها ومعاليلها اعني : مناشئ صدورها من إقتضاء العقل والايمان والغرائز وآثارها وكيفية تأثيرها في أعمال العباد وأنفسهم في الدنيا ويوم القيامة ، وإلى أنواعها من خالصها ومشوبها ، ومراتب خلوصها وشوبها ، والى ترتب الثواب والعقاب عليها وعدمه وغير ذلك.
     فعن المحقق الطوسي قدس سره : النية : هي القصد إلى الفعل ، وهي واسطة بين العلم والعمل ، اذ ما لم يعلم الشيء لم يمكن قصده ، وما لم يقصده لم يصدر عنه ، ثم لما كان غرض السالك العامل الوصول إلى مقصد معين وهو الله تعالى لابد من إشتماله على قصد التقرب به إنتهى. فالأولى ذكر نصوص الباب.


(54)
     قال تعالى : ( قل كل يعمل على شاكلته ) (1).
     الشاكلة : الطبيعة والسجية كما مرت ، وقد فسرت في عدة من النصوص بالنية ، ولعله لأن النية تنشأ عن الشاكلة ، فمعنى الآية : أن مبنى عمل كل إنسان وما يصدر منه فعله ، نيته الصادرة عن شاكلته ، فالنية مصدر الأعمال وملاكها ولها دخل تام في حسنها وقبحها وخيرها وشرها ، وهذا مما تشير إليه أخبار الباب وتوضحه وتفسره.
     فقد ورد :
     أنه لا قول ولا عمل إلا بنية ، ولا نية إلا بإصابة السنة (2) ، أي : لا صحة ولا ثواب لأي قول أو فعل يصدر من المكلف إلا إذا قصد كونه لله ورجاء وجهه ورضاه ، أو طلب ثوابه ، أو الخلاص من عقابه. وهذا معنى إصابة السنة.
     وأن نية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله (3) النية هنا بمعنى : الاعتقاد والإيمان ، وهو خير من العمل الخارجي ، كما أن الكفر القلبي شر من الفسق العملي ، أو أن نية الخير من المؤمن إذا لم يقدر عليه خير من العمل إذا قدر ؛ لأن النية خالصة لله ، والعمل ربما كان رئاءً ونحوه. والكافر ينوي من الشر فوق ما قد يعمل به ، أو أن النية لما كانت أمراً قلبياً كثير الشوب بالأغراض النفسية والدنيوية وإخلاصها وتصفيتها وتمحيصها بحيث لا يشوبها أي غرض غير رضا الله تعالى ، أمر صعب جداً لا يناله إلا الاوحديّ من الناس ومع ذلك لها عندهم مراتب كثيرة ، فمع ملاحظة أن حسن العمل وكماله ينشئان من حسنها وكمالها يعلم
1 ـ الإسراء : 84.
2 ـ المحاسن : ص349 ـ بحار الأنوار : ج1 ، ص207.
3 ـ الأمالي : ج2 ، ص315 ـ المحجة البيضاء : ج8 ، ص109 ـ الوافي : ج4 ، ص367 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص237 وج84 ، ص372 ـ مستدرك الوسائل : ج1 ، ص94.


(55)
أن طيبعة النية وجوهرتها تغاير طبيعة العمل ، وأنها خير بالاصالة والعمل خير بالتبع ، ومنه يعلم شرية نية الكافر ، وقيل في هذا المقام معان أخر.
     وأنه يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة (1) ، المراد بها : العقائد الاصولية فيحشرن مؤمنين أو كفاراً أو منافقين كيفما كانت النيات ، أو يحشرون في اتصافهم بجزاء الأعمال على وفق نياتهم في تلك الأعمال.
     وأن صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم (2).
     وأن حد العبادة حسن النية بالطاعة (3).
     وأن العبادة لله رغبة في ثوابه عبادة التجار وعبادة العبد المطمع ، إن طمع عمل وإلا لم يعمل. والعبادة رهبة وخوفاً من النار عبادة العبيد ، إن لم يخافوا لم يعملوا. والعبادة له تعالى لكونه أهلاً لها وشكراً لأياديه وإنعامه عبادة الأحرار.
     وقوله : « عبادة التجار » قد يتخيل بطلان العبادة إذا قصد بها طلب الجنة أو الفرار من النار لكنه فاسد ؛ فإن أكثر الناس يتعذر منهم العبادة لمجرد كونه تعالى أهلاً لها ، أو لابتغاء ذات الله ووجهه ، فإنهم لا يعرفون الله تعالى إلا بعنوان أنه صاحب جنة ونار ونحوه من الأوصاف ، فيتذكرون الجنة ويعملون لطلبها ، والنار فيعملون للفرار عنها ، كما أنه ليس غرضهم تأثير العمل تكويناً بلا واسطة الرب تعالى ، بل يعتقدون أن له الخيرة كلها في بذل الثواب ودفع العقاب لكونهما بيده وهذا المقدار كاف في الصحة وترتب الأثر ، كيف وقد قال الحكيم تعالى : ( وادعوه خوفاً وطمعاً ) (4) وقال : ( ويدعوننا رغباً ورهباً ) (5). وهذا أمر وترغيب في العبادة
1 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص209.
2 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص210 ـ نور الثقلين : ج4 ، ص58.
3 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص199.
4 ـ الأعراف : 56.
5 ـ الأنبياء : 90.


(56)
للخوف والرهبة والطمع والرغبة. وقد كتب علي عليه السلام : « هذا ما أوصى به وقضى به عبد الله علي ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار ». ولو لم يكن ذلك صحيحاً لما فعله علي عليه السلام ولما لقن به غيره.
     وأن العبد المؤمن الفقير إذا قال : يا رب ارزقني حتى أفعل كذا من وجوه البر وعلم الله ذلك منه بصدق نيته كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله فإن الله واسع كريم (1).
     وأنه يحتج عبد يوم القيامة ويقول : يا رب لم أزل أوسع على خلقك لكي تنشر علي هذا اليوم رحمتك ، فيقول الرب : صدق عبدي أدخلوه الجنة (2).
     وأن علياً عليه السلام كتب في صحيفة بعض صدقاته : « هذا ما أمر به علي في ماله ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ويعطيني الأمنة » (3).
     وأن من صام يوماً تطوعاً ابتغاء ثواب الله وجبت له المغفرة (4).
     وأن من عمل الخير لثواب الدنيا أعطاه الله ثوابه في الدنيا وكان له في الآخرة النار (5) لقوله تعالى : ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ) (6).
     وأن المؤمن إذا أوقف يوم القيامة بين يدي الله يقول للملائكة : هلموا الصحف التي فيها أعماله التي لم يعملها فيقرأها ويقول : وعزتك إني لم أعمل منها
1 ـ المحاسن : ص407 ـ الكافي : ج2 ، ص85 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص 35 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص199 ، وج 71 ، ص261 ، وج72 ، ص51.
2 ـ الكافي : ج4 ، ص40 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص203.
3 ـ نهج البلاغة : الكتاب 24.
4 ـ الأمالي : ج1 ، ص443 ـ وسائل الشيعة : ج7 ، ص293 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص203 و ج96 ، ص247.
5 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص204.
6 ـ هود : 15.


(57)
شيئاً ، فيقول : صدقت ، نويتها فكتبناها لك ، ثم يثاب عليها (1).
     وأنه ما ضعف بدن عبد عما قويت عليه النية (2).
    وأن من حسنت نيته زاد الله في رزقه (3).
     وأن صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم (4).
     وأن عون الله على العباد على قدر نياتهم. فمن صحت نيته تم عون الله له ، ومن قصرت نيته قصر عون الله (5).
     وأنه لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى الدنيا فهجرته إلى ما هاجر إليه (6).
1 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص204 ، وج71 ، ص242 ـ مرآة العقول : ج8 ، ص191 ـ مستدرك الوسائل : ج1 ، ص91.
2 ـ الأمالي : ج1 ، ص270 ـ من لا يحضره الفقيه : ج4 ، ص400 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص37 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص208.
3 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص205.
4 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص210.
5 ـ الأمالي : ص66 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص 211.
6 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص211.


(58)

(59)
الدرس السابع
في الإخلاص والقربة
     قال تعالى : ( قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين ) (1).
     وقال تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) (2).
     الدين : الطاعة والعبادة ، والحنيف : المائل إلى الحق ، والحنفاء : المائلون إلى ربهم في أعمالهم الراغبون عن غيره إليه في طاعاتهم.
     وقال تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العاليمن ) (3).
     النسك : العبادة ، واللام في قوله : « لله » للملكية والسلطنة ، والمعنى : أن عملي ونفسي جميعاً لله تعالى ، وليس لغيره فيهما نصيب.
     وقال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) (4).
1 ـ الزمر : 11.
2 ـ البينة : 5.
3 ـ الأنعام : 162.
4 ـ الإسراء : 23.


(60)
     هذا البحث لبيان لزوم إخلاص العبد قصده لله في جميع ما يعمله له ، وعدم شوب أي غرض فيه ، وأن لا يعبد غيره تعالى من الوثن والشيطان والنفس ، ولا يشرك غيره فيما هو عبادة له.
     فالإخلاص يكون ـ تارة ـ واجباً عقلاً وشرعاً ، ويكون تركه شركاً وكفراً كعبادة غير الله تعالى فقط أو إشراكه في عبادته ، و ـ أخرى ـ واجباً وتركه فسقاً مبطلاً للعمل كالرئاء ونحوه. و ـ ثالثة ـ مندوباً مطلوباً وتركه مسقطاً للعمل عن درجة الكمال ، كشوب الضمائم المباحة التبعية لنية العبادة ، ويقرب منه العبادة لله طمعاً في جنته أو خوفاً من ناره كما مر.
     والنصوص الدالة على لزوم إخلاص الأعمال وتزكيتها وتمحيصها والسعي في كونها خالصة لله تعالى بحيث لا يشوبها أي غرض غيره كثيرة جداً بألسنة مختلفة ، بعضها وارد في تفسير الآيات الشريفة ، وبعضها مستقل.
     فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « أيها الناس ، إنما هو الله والشيطان ، والحق والباطل ، والهدى والضلال ، والرشد والغي ، والعاجلة والعاقبة ، والحسنات والسيئات ، فما كان من حسنات فلله ، وما كان من سيئات فللشيطان » (1). والضمير في « هو الله » راجع إلى مقصد كل عامل ونيته ، والمعنى : أن الغرض الباعث إلى العمل في الناس لا يخلوا من أحد أمرين : إما هو الله تعالى فهو إذا حق وهداية ورشد وعاقبة وحسنة ، أو هو الشيطان فهو باطل وضلالة وغي وعاجلة وسيئة. وقوله : « فما كان من حسنات » تفريع لما قبله ، والمعنى : أن كل حسنة نراها فهي من الأول ، وكل سيئة فهي من الثاني.
     وورد أنه : طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما ترى
1 ـ المحاسن : ص391 ـ الكافي : ج2 ، ص16 ـ الوافي : ج4 ، ص373 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص49 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص228.
دروس في الاخلاق ::: فهرس