دروس في الأخلاق ::: 111 ـ 120
(111)
الدرس الثامن عشر
في الحث على الاجتهاد والمواظبة على العمل
     حث الكتاب الكريم الإنسان على عمل الخير والطاعة والاهتمام به والمواظبة عليه حثاً بليغاً ، ووعد عليه وعداً حسناً ، وأوعد على الغافلين المعرضين عنه بالحرمان عن ثوابه والاضطرار إلى عذابه.
     والمداومة والاستمرار على ذلك يوجب حصول خلق كريم في النفس ، فلا تضيع عنه أيام عمره ولا تفوته أعماله التي هي مرهونة بأوقاتها ، ولا تعقبه الندامة والحسرة يوم القيامة ، وهذا يشمل الإتيان بالواجبات والمندوبات والترك للمحرمات والمكروهات حسب اختلاف مراتبها في الفضيلة والقرب إلى الله تعالى والمثوبة.
     فقد نطق القرآن الكريم بأنه : ( قدموا لأنفسكم ) (1) وأن ( ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) (2).
1 ـ البقرة : 223.
2 ـ البقرة : 110.


(112)
     وأن الذين عند ربك ( لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) (1).
     وأن ( الباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً ) (2). وأنه : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) (3). وأنه : ( فاعبده واصطبر لعبادته ) (4). وأنه : ( لا نضيع أجر من أحسن عملاً ) (5) وأن ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) (6). وأنه ( اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) (7). وأن ( الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) (8).
     وأنه ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) (9). وأنه ( نكتب ما قدموا وآثارهم ) (10). وأن ( من عمل صالحاً فلنفسه ) (11) وأنه : ( ما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيئ ) (12) و ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) (13). وأنه ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء
1 ـ الأنبياء : 19 ـ 20.
2 ـ الكهف : 46.
3 ـ النحل : 97.
4 ـ مريم : 65.
5 ـ الكهف : 30.
6 ـ المائدة : 105.
7 ـ التوبة : 105.
8 ـ العنكبوت : 69.
9 ـ فاطر : 10.
10 ـ يس : 12.
11 ـ فصلت : 46 والجاثية : 15.
12 ـ غافر : 58.
13 ـ الجاثية : 21.


(113)
والأرض ) (1) وأن ( كل نفس بما كسبت رهينة ) (2). و ( إن كتاب الأبرار لفي عليين ) (3). و ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ) (4).
     وورد في النصوص : أنه : طوبى لمن طال عمره وحسن عمله (5).
     وكان علي عليه السلام ينادي بعد العشاء الآخرة : أيها الناس : تجهزوا رحمكم الله ، فقد نودي فيكم بالرحيل وانتقلوا بأحسن ما بحضرتكم من الزاد وهو زاد التقوى (6).
     وأن من استوى يوماه فهو مغبون ، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون. ومن لم يعرف الزيادة في نفسه كان إلى النقصان أقرب (7).
     ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى (8).
     وأن الخير كثير وفاعله قليل (9).
     وكونوا على قبول العمل أشد عناية منكم على العمل (10).
     وأنه من أحبنا فليعمل بعملنا وليستعن بالورع (11).
1 ـ الحديد : 21.
2 ـ المدثر : 38.
3 ـ المطففين : 18.
4 ـ الانشقاق : 6.
5 ـ من لا يحضره الفقيه : ج4 ، ص396 ـ بحار الأنوار : ج69 ، ص400 وج71 ، ص171 وج77 ، ص113 ـ الأمالي : ج1 ، ص55.
6 ـ نهج البلاغة : الخطبة 204 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص172.
7 ـ الامالي : ج1 ، ص531 ـ معاني الاخبار : ص342 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص376 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص174 وج77 ، ص164 وج78 ، ص327 ـ مرآة العقول : ج8 ، ص82.
8 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص181.
9 ـ الخصال : ص30 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص173.
10 ـ الخصال : ص14 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص312 وج71 ، ص173.
11 ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج5 ، ص303 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص306 وج71 ، ص173.


(114)
     وما أقبح بالمؤمن أن يدخل الجنة وهو مهتوك الستر (1).
     ولا تعّنتونا في الطلب والشفاعة لكم يوم القيامة (2) ، ولا تفضحوا أنفسكم عند عدوكم يوم القيامة.
     ولا تكذبوها عندهم في منزلتكم عند الله ، فما بين أحدكم وبين أن يغبط ويرى ما يحب إلا أن يحضره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3).
     ولو لم يخوّف الله الناس بجنة ونار لكان الواجب عليهم أن يطيعوه ولا يعصوه (4).
     وأن من أخلاء المؤمن خليل ، يقول له : أنا معك حياً وميتاً ، وهو عمله (5).
     وأن الصادق عليه السلام قال : إنكم على دين الله ودين ملائكته ، فأعينونا بورع واجتهاد (6).
     وأنه خذ من حياتك لموتك (7).
     ومن يزرع خيراً يحصد غبطة ، ومن يزرع شراً يحصد ندامة (8).
     وأن الله أخفى رضاه في طاعته ، فلا تستصغرن شيئاً من طاعته (9) ، وأن قوله تعالى : ( ولا تنس نصيبك من الدنيا ) (10) معناه : لا تنس صحتك وقوتك وفراغك
1 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص174.
2 ـ بحار الأنوار : ج8 ، ص34 وج71 ، ص174.
3 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص174.
4 ـ نفس المصدر السابق.
5 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص175.
6 ـ نفس المصدر السابق.
7 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص176.
8 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص176 وج73 ، ص72 ـ مرآة العقول : ج8 ، ص306.
9 ـ الخصال : ص209 ـ كمال الدين : ص296 ـ معاني الأخبار : ص112 ـ بحار الأنوار : ج69 ، ص274 وج71 ، ص176 وج93 ، ص363.
10 ـ القصص : 77.


(115)
وشبابك ونشاطك أن تطلب بها الآخرة (1).
     وأن المغبون من غبن عمره ساعة بعد ساعة (2).
     وأن كل يوم يمر على ابن آدم يقول : قل فيّ خيراً واعمل في خيراً أشهدك به يوم القيامة ، فإنك لن تراني بعده (3).
     وأنه لا تصغرن حسنة فإنها ستسرك يوم القيامة.
     وويح من غلبت واحدته عشرته (4).
     والعمل الصالح يذهب إلى الجنة فيمهد لصاحبه كما يبعث الرجل غلامه فيفرش له (5) ، قال تعالى : ( ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون ) (6).
     وأن جبرئيل قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : إعمل ما شئت فإنك ملاقيه (7).
     وشتان بين عملين : عمل تذهب لذته وتبقى تبعته ، وعمل تذهب مؤنته ويبقى أجره (8).
     ومن تذكر بعد السفر استعد (9).
1 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص177.
2 ـ معاني الأخبار : ص342 ـ الامالي : ص183 ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج2 ، ص525 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص376 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص177.
3 ـ الأمالي : ج1 ، ص95 ـ من لا يحضره الفقيه : ج4 ، ص397 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص181 وج77 ، ص379.
4 ـ الأمالي : ص183 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص185 وج78 ، ص152.
5 ـ الأمالي : ص195 ـ البرهان : ج3 ، ص267 ـ بحار الأنوار : ج8 ، ص197 وج71 ، ص185.
6 ـ الروم : 44.
7 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص189.
8 ـ نهج البلاغة : الحكمة 121 ـ الأمالي : ج1 ، ص153 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص188 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص189.
9 ـ نهج البلاغة : الحكمة 280 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص189.


(116)
     والطاعة غنيمة الأكياس عند تفريط العجزة (1).
     واحذر أن يفقدك الله عند طاعته فتكون من الخاسرين (2).
1 ـ نهج البلاغة : الحكمة 331 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص189.
2 ـ نهج البلاغة : الحكمة 383 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص189 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص189.


(117)
الدرس التاسع عشر
في الاقتصاد في العبادة
     قد تعرض على المؤمن حالة رغبة واشتياق للعبادة فلا يقنع بالإتيان بالواجبات فقط ، بل لا يقنع بالبعض اليسير من المندوبات أيضاً ، فيرغب إلى الازدياد عنها كما وكيفاً ، وتسمى هذه الحالة « شِرّة » في الشرع وهي قد تنتهي إلى ترك بعض الملاذ للاشتغال بالعبادة ، بل إلى ترك بعض ما يجب عقلاً وشرعاً من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح ، وقد تعرض له حالة سأم وكسل عن العبادة بحيث يصعب عليه الإتيان بالفرائض فضلاً عن السنن ، فيقنع بالفرائض في الكم وينقص عنها أيضاً في الكيف ، وتسمى هذه « فتوراً » ، بل قد تغلب على الإنسان حالة يترك أغلب ما كان عاملاً به أو جميعه حتى الفرائض ولو مع بقاء الإيمان في الجملة ـ ونستعيذ بالله من الكسل والفشل والغفلة والغرة ـ وحيث أن كلتا الحالتين لا تخلوا عن الخطر في الدين بالنسبة لأصوله وفروعه فقد ورد عن أهل بيت


(118)
الوحي عليهم السلام : التنبيه على الحالتين وكيفية حفظ النفس عن شرهما وتسويل الشيطان عند عروضها ، فبين فيها خطر الشرة بأنه قد يبتدع الإنسان في هذه الحالة من نفسه أعمالاً وأوراداً وينسبها إلى الشرع بعنوانها الخاص ، مع أن العبادات توقيفية لا يجوز لأحد الأقتراح فيها من نفسه ، فكل قول أو فعل ينسب إلى الشرع فلابد له من دليل معتبر من آية أو رواية معتبرة ، وإلا فيخرج عن الحق ، ويدخل تحت عنوان البدعة ، فيقع العامل في معصية البدعة عند طلب الطاعة. كما أنه في الفتور يترك بعض ما فرضه الله تعالى أو كلها ، وقد ينتهي إلى الكفر وهو خطر الفتور.
     ففي النصوص الوارادة أنه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ألا إن لكل عبادة شرة ، ثم تصير إلى فترة ، فمن كانت شرة عبادته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن خالف سنتي فقد ضل أما إني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي ، فمن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني (1) ، والشرة بالكسر فالتشديد : شدة الرغبة والميل. كما ورد : أن لهذا القرآن شرة ، ثم إن للناس فيه فترة ، وهذا إشارة إلى اختلاف الأزمنة في رغبة الناس وإقبالهم عليه كما في صدر الإسلام وآخر الزمان. وقوله : « إلى سنتي » أي : كانت وفق سنتي ومطابقة لها من غير خروج عن الطريق المستقيم.
     وقال صلى الله عليه وآله وسلم : وأن هذا الدين متين ، فأوغلوا فيه برفق ، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك ، فإن المنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع (2) ، والمتين : صفة بمعنى : القوي الشديد ، من : متن يمتن من باب : نصر ، أي : اشتد وصلب وقوي. وقد يوصف به المركوب إذا صعب ركوب متنه ، والكلام هنا تشبيه به لمشقة القيام بشرائط الدين وأداء وظائفه. فأمر الإنسان أن يدخل أبوابه مترفقاً ويصعد مرقاه متدرجاً حتى
1 ـ الكافي : ج2 ، ص85 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص82 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص209.
2 ـ بحار الأنوار : ج71 ، 218.


(119)
يتمرن ويعتاد ، ولذا ورد : « عليكم هدياً قاصداً ، فإنه من يثابر هذا الدين يغلبه » (1). وانبت الرجل كاشتد : انقطع في سفره وهلكت راحلته ( وهذا مثال من أوقع نفسه فيما فوق وظيفته من العمل ).
     وورد : أنه لا تكرهوا إلى أنفسكم العبادة (2).
     وأن الله إذا أحب عبداً فعمل قليلاً جزاه بالقليل الكثير (3).
     وأن الصادق عليه السلام قال : اجتهدت في العبادة وأنا شاب ، فقال لي أبي : يا بني : دون ما أراك تصنع ! فإن الله إذا أحب عبداً رضي عنه باليسير (4) ، ( والمراد بقوله : أحب أي : بصحة العقائد وترك المحرمات ).
     وورد : أنه إقتصد في عبادتك وعليك بالأمر الدائم الذي تطيقه (5).
     والدائم القليل على اليقين أفضل من الكثير على غير يقين (6).
     وأحب الأعمال إلى الله مادام عليه العبد وإن قل (7).
     وأن الاقتصاد في العمل هو الوسط بين الإفراط والتفريط فكأنه حسنة بين السيئتين (8) كقوله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً ) (9) وقوله : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) (10) وقوله : ( والذين
1 ـ نفس المصدر السابق.
2 ـ الكافي : ج2 ، ص86 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص82 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص213.
3 ـ الكافي : ج2 ، ص86 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص82 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص213.
4 ـ الكافي : ج2 ، ص87 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص82 ـ بحار الأنوار : ج47 ، ص55 وج71 ، ص213.
5 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص214.
6 ـ نفس المصدر السابق.
7 ـ الكافي : ج2 ، ص82 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص216.
8 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص216.
9 ـ الإسراء : 110.
10 ـ الإسراء : 29.


(120)
إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ) (1). فالطرفان في الجميع سيئة والوسط حسنة.
     وأنه لا يرى الجاهل إلا مفرطاً أو مفرّطاً (2).
     وأن للقلوب شهوة وإقبالاً وإدباراً ، فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها ، والقلب إذا أكره عمي (3).
     وأنه إذا أضرت النوافل بالفرائض فارفضوها (4).
     وأن الخير ثقيل على أهل الدنيا كثقله في موازينهم يوم القيامة. وأن الشر خفيف عليهم كخفته في موازينهم يوم القيامة (5).
     وأن قليلاً مدوماً عليه خير من كثير مملول منه (6).
1 ـ الفرقان : 67.
2 ـ نهج البلاغة : الحكمة 70 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص217.
3 ـ نهج البلاغة : الحكمة 193 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص217.
4 ـ نهج البلاغة : الحكمة 279 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص218.
5 ـ الكافي : ج2 ، ص143 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص225.
6 ـ نهج البلاغة : الحكمة 444 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص218.
دروس في الاخلاق ::: فهرس