دروس في الأخلاق ::: 141 ـ 150
(141)
الدرس الخامس والعشرون
في التفكر والاعتبار بالعبر والاتّعاظ بالعظات
     حقيقة التفكر : سير الباطن من المبادئ إلى المقاصد ، ولا يرتقي من النقص إلى الكمال إلا بهذا السير ، ومبادئه الآفاق والأنفس بأن يتفكر في أجزاء العالم وذراته وفي الأجرام العلوية والكواكب ، وفي الأجرام السفلية ، برها وبحرها ومعادنها وحيواناتها ، وفي أجزاء الإنسان وأعضائه وما فيها من المصالح والحكم وغيرها ، مما يستدل بها على كمال الصانع وعظمته وعلمه وقدرته ، فالتفكر من حيث خلقها وإتقان صنعها وغرائب الصنع وعجائب الحكم الموجودة فيها ، أثره الايقان بوجود الصانع وعلمه وقدرته وحكمته ، ومن حيث تغيرها وفنائها بعد وجودها ، أثره الانقطاع منها والتوجه بالكلية إلى خالقها وبارئها ، ونظيره التفكر في أحوال الماضين وانقطاع أيديهم عن الدنيا وما فيها ورجوعهم إلى دار الآخرة ، فإنه يوجب قطع المحبة عن غير الله ، والانقطاع إليه بالطاعة والتقوى.


(142)
     فالتفكر في الحقيقة من الأسباب والمقدمات الموصلة إلى عرفان نظري هو أشرف المعارف ، وهو عرفان الرب تعالى بصفاته وأفعاله ، وإلى حالة نفسانية هي أفضل الحالات ، وهي الانقطاع إليه تعالى عن غيره ، والمداومة على هذا العمل والممارسة عليه تورث ملكة التفكر والاتعاظ ودوام التوجه إلى الله تعالى ، وانقطاع النفس عن كل ما يقطعها عن الرب. وقد ورد الحث الأكيد على ذلك في الكتاب الكريم ، والأمر والترغيب في النصوص بمقدار وافٍ كثير.
     فقال في الكتاب العزيز : ( يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ) (1) وقال في أولي الألباب : ( ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً ) (2) وقال : ( أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء ) (3).
     وقال : ( انظروا ماذا في السموات والأرض ) (4). وقال في عباد الرحمن : ( والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً ) (5).
     وقال : ( أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى ) (6). وقال : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ). (7) وقال : ( إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون ). (8)
1 ـ البقرة : 219.
2 ـ آل عمران : 191.
3 ـ الأعراف : 185.
4 ـ يونس : 101.
5 ـ الفرقان : 73.
6 ـ الروم : 8.
7 ـ فصلت : 53.
8 ـ الجاثية : 3 ـ 4.


(143)
     وقال : ( وفي الارض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ). (1) وقال : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ). (2) و ( كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) (3) ، و ( كيف كان عاقبة المكذبين ). (4) و ( كيف كان عاقبة المنذرين ) (5) ، و ( كيف كان عاقبة المجرمين ). (6) وقال : ( لقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر ). (7) وقال : ( فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ). (8) وقال : ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ). (9) و ( تلك الأمثال نضربها للناس ومايعقلها الا العالمون ). (10) و ( إن هذه تذكرة ) (11) و ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ). (12)
     وقد ورد في النصوص عن أهل البيت عليهم السلام قول علي : ( نبه بالفكر قلبك ) (13). قال المحقق الطوسي يمكن تعميم التفكر هنا للتفكر في أجزاء العالم العلوي والأجرام السفلية ، وأعضاء الإنسان ، وأحوال الماضين ، والتفكر في معاني الآيات القرآنية والأخبار النبوية ، والآثار المروية عن الأئمة الأطهار ، والمسائل الدينية والاحكام الشرعية.
1 ـ الذاريات : 20 ـ 21.
2 ـ العنكبوت : 20.
3 ـ الروم : 9.
4 ـ النحل : 36.
5 ـ يونس : 73.
6 ـ الأعراف : 74.
7 ـ القمر : 4.
8 ـ الأعراف : 176.
9 ـ يوسف : 111.
10 ـ العنكبوت : 43.
11 ـ المزمل : 19 ، الإنسان : 29.
12 ـ الحشر : 2.
13 ـ الكافي : ج2 ، ص54 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص318 ـ وسائل الشيعة ج11 ، ص153.


(144)
     وورد : أن تفكر ساعة خير من قيام ليلة (1). فإذا مر بالخربة أو بالدار يقول : أين ساكنوك وأين بانوك ما لك لا تتكلمين ؟ (2).
     وأن أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته (3). وقوله : ( في الله ) أي : في صفاته تعالى وأفعاله ، وليس المراد : التفكر في ذات الله وكنه صفاته ، فإنه ممنوع يورث الحيرة واضطراب العقل.
     وأنه ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم ، إنما العبادة : التفكر في أمر الله (4).
     وأن التفكر يدعوا إلى البر والعمل به (5).
     وأنه كان أكثر عبادة أبي ذر التفكر والاعتبار (6).
     وأن على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات : ساعة يتفكر فيما صنع الله إليه (7). وأن الفكر مرآة صافية (8).
     وأنه لا عبادة كالتفكر في صنعة الله (9).
     وأن أغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال (10).
     وأن السعيد من وعظ بغيره (11).
1 ـ الحقائق : ص309 ـ الوافي : ج4 ، ص385.
2 ـ الكافي : ج2 ، ص54 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص320.
3 ـ الكافي : ج2 ، ص55 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص153 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص321.
4 ـ الكافي : ج2 ، ص55 ـ بحار الأنوار : ج71 ، 322.
5 ـ الكافي : ج2 ، ص55 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص153 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص322.
6 ـ بحار الأنوار : ج71 ، 323.
7 ـ المحجة البيضاء : ج3 ، ص68 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص323.
8 ـ نهج البلاغة : الحكمة 5 و365 ـ بحار الأنوار : ج78 ، ص92.
9 ـ معالم الزلفي : ج1 ، ص16 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص324.
10 ـ بحار الأنوار : ج71 ، 324 وج73 ، ص88.
11 ـ من لا يحضره الفقيه : ج4 ، ص377 ـ تنبيه الخواطر : ج2 ، ص92 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص324 وج77 ، ص136.


(145)
     وأن أوجز الوعظ أنه ما من شيء تراه عينك إلا وفيه موعظة (1).
     وأن كل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو ، وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة (2).
     وأن الله يحب المتوحد بالفكرة (3).
     وأن مرآتك يريك سيئاتك وحسناتك (4).
     وأنه من اعتبر أبصر ، ومن أبصر فهم ، ومن فهم علم (5).
     وأنه ما أكثر العبر وأقل الاعتبار (6).
     وأن القلب مصحف البصر (7).
     وأنه يجب الاستدلال على مالم يكن بما قد كان فإن الأمور أشباه (8).
1 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص324.
2 ـ نفس المصدر السابق.
3 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص325.
4 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص325.
5 ـ نهج البلاغة : الحكمة 208 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص327.
6 ـ نهج البلاغة : الحكمة 297 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص328 وج78 ، ص69.
7 ـ نهج البلاغة : الحكمة 409 ـ غرر الحكم ودرر الحكم : ج1 ، ص273 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص328.
8 ـ نهج البلاغة : الكتاب 31 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص328.


(146)

(147)
الدرس السادس والعشرون
في الحياء من الله ومن الخلق
     الحياء ملكة انقباض النفس عن القبيح وانزجارها عن كل فعل أو ترك تعده سيئاً ، وإذا نسب إلى الله تعالى فالمراد به : التنزيه عملاً عن القبيح ، وترتيب أثر الانقباض فهو في الخلق من صفات الذات ، وفي الخالق من صفات الفعل كالرؤوف والرحيم وهذه الصفة إذا كان متعلقها القبائح الشرعية والعقلية من أفضل الصفات والملكات الانسانية ، وقد ورد في فضلها وكونها من آثار الإيمان ، وكون تركها خروجاً عن الإيمان ، نصوص كثيرة مستفيضة أو متواترة.
     فورد عن النبي الأقدس وأهل بيته عليهم السلام : أن الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، (1) ( وكلمة « من » للسببية ، والمعنى : أن الحياء من آثار الإيمان وشؤونه ، فإنه مسبب عن الاعتقاد بالتوحيد وما أنزله تعالى على رسله ، فالإذعان بذلك يوجب إنزجار النفس عن جميع ما حرمه الدين ومنعه ).
1 ـ الكافي : ج2 ، ص106 ـ وسائل الشيعة : ج8 ، ص516 وج11 ، ص330 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص329 وج77 ، ص160.

(148)
     وأن الحياء والإيمان مقرونان في قرن ، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه (1).
     وأنه لا إيمان لمن لا حياء له (2).
     وأن الحياء حياءان : حياء عقل وحياء حمق ، فحياء العقل هو العلم ، وحياء الحمق هو الجهل (3). ( حياء العقل هو الحياء الذي منشأه تعقل قبح الشيء عقلاً أو شرعاً ، وهذا ممدوح معلول للعلم ، وحياء الحمق ما كان منشأه اتباع العادات والرسوم غير المضاة من الشرع : كالحياء عن تعلّم بعض المسائل العلمية والشرعية ، وهذا جهل مذموم ، ولذا قيل : إن الحياء منه ضعف ومنه قوة وإيمان ).
     وأن من رق وجهه رق علمه (4) ( أي : من استحيى من السؤال قل علمه ).
     وأن الحياء من الأوصاف التي من كن فيه بدل الله سيئاته حسنات (5) ( والمعنى : أن الحياء يجره بالأخرة إلى التبة فيمحوا الله سوابق معاصيه ويبدل مكانها لواحق الطاعات أو أن ملكة المعصية في النفس تتبدل بملكة الحسنة وللآية الشريفة أي « إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات » (6) معان آخر ).
     وأن رسول الله قال : لم يبق من أمثال الأنبياء إلا قول الناس : إذا لم تستحي فاصنع ما شئت (7).
     وقال صلى الله عليه وآله وسلم : استحيوا من الله حق الحياء (8).
1 ـ الكافي : ج2 ، ص106 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص331.
2 ـ الوافي : ج4 ، ص436 ـ وسائل الشيعة : ج8 ، ص516 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص331.
3 ـ الكافي : ج2 ، ص106 ـ بحار الأنوار : ج77 ، ص149.
4 ـ الكافي : ج2 ، ص106 ـ وسائل الشيعة : ج8 ، ص518 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص330.
5 ـ الكافي : ج2 ، ص106 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص332.
6 ـ الفرقان : 70.
7 ـ الأمالي : ج1 ، ص412 ـ عيون أخبار الرضا ( ع ) : ج2 ، ص56 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص333.
8 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص333.


(149)
     وأن الله يحب الحييّ المعفف (1).
     وأنه ما كان الحياء في شيء إلا زانه (2).
     وأن الحياء خير كله (3).
     وأن أول ما ينزع الله من العبد الحياء ، ثم الأمانة ، ثم الدين فيصير شيطاناً لعيناً (4).
     وأنه استحي من الله لقربه منك (5).
     وأنه قرن الحياء بالحرمان (6).
     وأن من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه (7).
1 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص334.
2 ـ روضة الواعظين : ص460 ـ مستدرك الوسائل : ج8 ، ص465.
3 ـ من لا يحضره الفقيه : ج4 ، ص379 ـ وسائل الشيعة : ج8 ، ص517 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص329 و335.
4 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص335.
5 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص336.
6 ـ نهج البلاغة : الحكمة 21 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص337 ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج4 ، ص493.
7 ـ نهج البلاغة : الحكمة 223 ـ وسائل الشيعة : ج8 ، ص517 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص337.
دروس في الاخلاق ::: فهرس