8 ـ قراءة القرآن :
روي عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال : «إذا خفت أمراً ، فاقرأ مائة آية من
القرآن من حيث شئت ، ثم قُل : اللهمّ اكشف عني البلاء ، ثلاث مرات»
(1).
أسباب تأخر الاجابة :
قد يقال : إنّنا نرى كثيراً من الناس يدعون الله تعالى فلا يستجاب لهم ،
وقد ورد في الحديث أيضاً ما يدلُّ على تأخر الاجابة لعشرين أو أربعين
عاماً .
فعن إسحاق بن عمار ، قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : يستجاب للرجل
الدعاء ثم يؤخر ؟
قال : «نعم ، عشرين سنة »
(2).
وعنه عليه السلام : «كان بين قول الله عزَّ وجلّ :(
قد أجيبت دَعوَتُكما )
(3)
فرعون أربعين عاماً »
(4).
فهل يتنافى ذلك مع ما جاء في محكم الكتاب الكريم : (
أجيبت دعوة
الدَّاعِ إذا دعانِ )
(5) وقوله سبحانه:(
ادعوني أستجِب لكُم )
(6) ، وما
جاء على لسان الصادق الاَمين صلى الله عليه وآله وسلم : «ما فُتح لاَحد باب دعاء ، إلاّ فتح الله له
____________
(1) بحار الانوار 93 : 176 | 1 .
(2) الكافي 2 : 355 | 4 .
(3) سورة يونس : 10 | 89 .
(4) الكافي 2: 355| 5.
(5) سورة البقرة : 2 | 186 .
(6) سورة غافر : 40 | 60 .
( 77 )
فيه باب إجابته »
(1)؟
نقول : إنّ الدعاء من أقوى الاَسباب في تحقيق المطلوب ودفع
المكروه ، ولكنّه قد يكون ضعيفاً في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله
لكونه مخالفاً لسنن التكوين والتشريع ، أو لاَن الداعي لم يراع شروط
الدعاء ولم يتقيد بآدابه ، أو لوجود الموانع التي تحجب الدعاء عن
الصعود : كأكل الحرام ، ورين الذنوب على القلوب ، واستيلاء الشهوة
والهوى وحبّ الدنيا على النفس .
فإذا قيل بعدم الاخلال في جميع ذلك ، فيمكن حصر الاَسباب
المؤدية إلى تأخر الاجابة بما يلي :
1 ـ إنّ الداعي قد يرى في دعائه صلاحاً ظاهراً ، فيلحُّ بالدعاء
والمسألة ، ولكن لو استجيب له ، فإنّ الاستجابة قد تنطوي على مفسدة له
أو لغيره لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، قال تعالى: (
وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو
خيرٌ لكُم وعسى أن تُحبُّوا شيئاً وهو شرٌ لَّكُم واللهُ يعلمُ وأنتُم لا تعلمُون)
(2) .
وفي زبور داود عليه السلام : يقول الله تعالى : «يا بن آدم ، تسألني فأمنعك ،
لعلمي بما ينفعك »
(3).
وعليه فإنّ اجابة الدعاء إن كانت مصلحة والمصلحة في تعجيلها ، فإنّه
تعالى يعجّلها ، وان اقتضت المصلحة تأخيرها إلى وقت معين أُجّلت ،
ويحصل للداعي الاَجر والثواب لصبره في هذه المدة .
____________
(1) الأمالي للشيخ الطوسي 1 : 5 .
(2) سورة البقرة : 2 | 216 .
(3) بحار الاَنوار 73 : 365 | 98 .
( 78 )
وإذا لم يترتب على الاجابة غير الشر والفساد ، فإنّه تعالى لا يستجيب
الدعاء لسبق رحمته وجزيل نعمته ، ولاَنّه تعالى لا يفعل خلاف مقتضى
الحكمة والمصلحة : (
ولا يعجل اللهُ للناسِ الشرَّ استعجالهُم بالخيرِ لقُضيَ
إليهم أجَلُهُم)
(1) وفي هذه الحالة يثاب المؤمن على دعائه إما عاجلاً
بدفع السوء عنه ، وإعطائه السكينة في نفسه ، والانشراح في صدره ،
والصبر الذي يسهل معه احتمال البلاء الحاضر ، أو آجلاً في الآخرة كما
يثاب على سائر الطاعات والصالحات من أعماله ، وذلك أعظم درجة
عند الله تعالى ، لاَنّ عطاء الآخرة دائم لا نفاد له ، وعطاء الدنيا منقطع إلى
نفاد .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ما من مؤمن دعا الله سبحانه دعوة ، ليس فيها قطيعة
رحم ولا إثم ، إلاّ أعطاه الله بها أحد خصال ثلاث : إمّا أن يعجّل دعوته ، وإمّا أن
يدّخر له ، وإمّا أن يدفع عنه من السوء مثلها . قالوا : يارسول الله ، إذن نكثر ؟
قال :اكثروا »
(2).
وعن أبي جعفر عليه السلام ، أنّه قال : «والله ما أخّر الله عزَّ وجلّ عن المؤمنين ما
يطلبون من هذه الدنيا خير لهم ممّا عجّل لهم فيها ، وأي شيءٍ الدنيا ! »
(3).
وورد في دعاء الافتتاح : «وأسألك مستأنساً لا خائفاً ولا وجلاً مدلاً عليك
فيما قصدت فيه إليك ، فإن أبطأ عنّي عتبتُ بجهلي عليك ، ولعلَّ
____________
(1) سورة يونس : 10 | 11 .
(2) وسائل الشيعة 7 : 27 | 8 .
(3) الكافي 2 : 354 | 1 ، وقرب الاسناد : 171 .
( 79 )
الذي أبطأ عني هو خيرٌ لي لعلمك بعاقبة الاُمور »
(1).
2 ـ وقد تؤخر الاجابة عن العبد المؤمن لزيادة صلاحه وعظم منزلته
عند الله عزَّ وجلّ ، فتؤخر إجابته لمحبّة سماع صوته والاكثار من دعائه ،
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ الله ليتعهد عبده المؤمن بأنواع البلاء ، كما يتعهد أهل
البيت سيدهم بطرف الطعام ، قال الله تعالى : «وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي
إنّي لاَحمي وليي أن أعطيه في دار الدنيا شيئاً يشغله عن ذكري حتى يدعوني
فأسمع صوته ، وإني لاَعطي الكافر منيته حتى لا يدعوني فأسمع صوته بغضاً له»
(2).
وعن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «إنّ المؤمن ليدعو الله عزَّ وجلّ في
حاجته ، فيقول الله عزَّ وجلّ : أخّروا إجابته شوقاً إلى صوته ودعائه ، فإذا كان يوم
القيامة قال الله عزَّ وجلّ : عبدي ، دعوتني فأخرت اجابتك ، وثوابك كذا وكذا ،
ودعوتني في كذا وكذا فأخرت اجابتك وثوابك كذا وكذا ، قال : فيتمنّى المؤمن
أنّه لم يستجب له دعوة في الدنيا ممّا يرى من حسن الثواب »
(3).
وقال الاِمام الرضا عليه السلام : «إنّ الله يؤخّر إجابة المؤمن شوقاً إلى دعائه، ويقول
: صوت أحبّ أن أسمعه... »
(4).
وممّا تقدّم يتبين أنّ الدعاء مستجاب إذا أخلص الداعي في إتيان أدبه
____________
(1) مصباح المتهجد : 578 .
(2) بحار الانوار 93 : 371 | 10 .
(3) الكافي 2 : 356 | 9 .
(4) بحار الانوار 93 : 370 | 7 .
( 80 )
وشرطه ، وتوجّه بقلبه إلى الله تعالى منقطعاً عن جميع الاَسباب ،
والاستجابة إما عاجلة في دار الدنيا ، أو آجلة في الآخرة ، وإذا تأخرت
الاستجابة فلمصالح لا يعلمها إلاّ عالم السرّ وأخفى ، وتأخيرها يصبُّ في
صالح الداعي ، فعليه أن لا يقنط من رحمة ربه ، ولا يستبطىء الاجابة
فيملُّ الدعاء .
دعوات مستجابة :
فيما يلي بعض الدعوات التي أكدت النصوص الاِسلامية على
استجابتها وتأثيرها في استجابة الدعاء :
أولاً : الدعاء للمؤمنين :
ويعتبر من أهم مطالب الدعاء ، وذلك لاَنّه يعكس إيثار المؤمن
وإخلاصه وعمق ارتباطه باخوته المؤمنين على امتداد الزمان والمكان ،
وهو على نوعين :
1 ـ دعاء عام يشمل جميع المؤمنين الحاضرين منهم أو الذين سبقوا
بالاِيمان ، وهو من أهم أنواع الدعاء ، لاَنّه دعاء يحبّه الله تعالى ويستجيب
لصاحبه ، لذلك وردت الروايات الكثيرة التي تشيد بفضله وعمق آثاره
على الداعي والمدعو له .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ما من مؤمن أو مؤمنة مضى من أول الدهر أو هو آت
إلى يوم القيامة إلاّ وهم شفعاء لمن يقول في دعائه : اللهمّ اغفر للمؤمنين
والمؤمنات ، وإنّ العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة فيسحب، فيقول المؤمنون
والمؤمنات : يا ربنا ، هذا الذين كان يدعو لنا فشفّعنا فيه ،
( 81 )
فيشفّعهم الله فينجو »
(1).
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : «من قال كل يوم خمساً وعشرين مرة : اللهمّ اغفر
للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، كتب الله له بعدد كل مؤمن مضى
، وبعدد كل مؤمن بقي إلى يوم القيامة حسنة ، ومحا عنه سيئة ، ورفع له درجة »
(2).
وقال الاِمام الرضا عليه السلام : «ما من مؤمن يدعو للمؤمنين والمؤمنات
والمسلمين والمسلمات الاَحياء منهم والاَموات إلاّ كتب الله له بكلِّ مؤمن ومؤمنة
حسنة منذ بعث الله آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة »
(3).
2 ـ دعاء خاص للاَخ المؤمن بظهر الغيب أو لاَربعين مؤمناً ، وينبغي أن
يكون الداعي لاَخيه بظهر الغيب محبّاً له بباطنه ، ومخلصاً له في دعائه ،
متمنياً أن يرزقه الله تعالى بفضل دعائه ، فإذا كان كذلك فإنّ الله تعالى
يستجيب له فيه ويعوّضه أضعافه ، لاَنّ حبّ المؤمن حسنة على انفراده ،
وإرادة الخير له حسنة اُخرى ، فيكون الدعاء له مشتملاً على ثلاث
حسنات : المحبة ، وارادة الخير ، والدعاء .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ليس شيء أسرع إجابة من دعوة غائب لغائب »
(4).
وروي عن الاِمام أبي جعفر الباقر عليه السلام ، في قوله تعالى : (
ويسيتجيبُ
____________
(1) بحار الانوار 93 : 385 | 10 .
(2) بحار الانوار 93 : 384 | 5 .
(3) ثواب الاعمال : 161 .
(4) الكافي 2 : 370 | 7 .
( 82 )
الذين آمنُوا وعمِلُوا الصَّالحاتِ ويزيدُهُم من فَضلِه)
(1) ، قال عليه السلام : «هو
المؤمن يدعو لاَخيه بظهر الغيب ، فيقول له الملك : آمين ، ويقول الله العزيز
الجبار: ولك مثلا ماسألت، وقد أعطيت ماسألت بحبّك إياه »
(2) .
وعنه عليه السلام قال : «أوشك دعوة وأسرع إجابة ، دعاء المرء لاَخيه بظهر الغيب
»
(3) .
وعن الاِمام الصادق عليه السلام قال : «الدعاء لاَخيك بظهر الغيب يسوق إلى
الداعي الرزق ، ويصرف عنه البلاء ، ويقول الملك : ولك مثل ذلك »
(4).
وروي أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى موسى عليه السلام : «يا موسى ، ادعني
على لسانٍ لم تعصني به . فقال عليه السلام : أنّى لي بذلك ؟ فقال : ادعني على لسان
غيرك »
(5) .
ويدخل في إطار الدعاء الخاص الدعاء لاَربعين من المؤمنين قبل أن
يدعو المؤمن لنفسه ، وهو من الاَدعية المستجابة أيضاً .
قال الاِمام الصادق عليه السلام : «من قدم في دعائه أربعين من المؤمنين ، ثم دعا
لنفسه ، استجيب له »
(6).
وقال عليه السلام : «من قدّم أربعين رجلاً من إخوانه قبل أن يدعو لنفسه
____________
(1) سورة الشورى : 42 | 26 .
(2) الكافي 2 : 368 | 3 .
(3) الكافي 2 : 367 | 1 .
(4) الأمالي للشيخ الطوسي 2 : 290.
(5) عدة الداعي : 183 ، بحار الانوار 93 : 390 .
(6) الأمالي للشيخ الصدوق : 369 | 4 .
( 83 )
استجيب له فيهم وفي نفسه »
(1).
ويتأكد هذا الدعاء بعد الفراغ من صلاة الليل بأن يقول وهو ساجد :
(اللهمّ ربّ الفجر ، والليالي العشر ، والشفع والوتر ، والليل إذا يسر ، وربّ
كلِّ شيء ، وإله كلّ شيء ، ومليك كلّ شيء ، صلِّ على محمد وآله ،
وافعل بي وبفلان وبفلان... ما أنت أهله ، ولا تفعل بنا ما نحن أهله ،
ياأهل التقوى وأهل المغفرة)
(2).
إيثار المؤمنين بالدعاء :
عن الاِمام الحسن بن علي عليه السلام ، قال : «رأيت أُمي فاطمة عليها السلام قامت في
محرابها ليلة جمعتها ، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتّضح عموم الصبح ، وسمعتها
تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم ، وتكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها
بشيء ، فقلت لها : يا أُمّاه ، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت : يا
بني ، الجار ثمّ الدار »
(3).
وروي عن ابن ناتانه ، عن علي ، عن أبيه ، قال : رأيت عبدالله بن
جندب بالموقف ، فلم أرَ موقفاً أحسن من موقفه ، ما زال ماداً يديه إلى
السماء ، ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الاَرض ، فلمّا صدر الناس
قلت له : يا أبا محمد ، ما رأيت موقفاً أحسن من موقفك .
قال : والله ما دعوت إلاّ لاخواني ، وذلك أن أبا الحسن موسى بن
جعفر عليه السلام أخبرني أنّه من دعا لاَخيه بظهر الغيب نودي من العرش : ولك
____________
(1) الأمالي للشيخ الطوسي 2 : 38 ، والأمالي للشيخ الصدوق : 310 | 8 .
(2) عدة الداعي : 182 .
(3) علل الشرائع : 181 | 1 .
( 84 )
مائة ألف ضعف ، فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا
أدري تستجاب أم لا
(1).
وعن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، قال : كان عيسى بن أعين إذا
حجّ فصار إلى الموقف ، أقبل على الدعاء لاخوانه حتى يفيض الناس ،
فقيل له : تنفق مالك وتتعب بدنك حتى إذا صرت إلى الموضع الذي تُبَثّ
فيه الحوائج إلى الله ، أقبلت على الدعاء لاخوانك ، وتترك نفسك ؟ فقال :
إنّي على يقين من دعاء الملك لي ، وفي شكّ من الدعاء لنفسي
(2).
ثانياً : ومن الدعوات التي أكدت النصوص الاِسلامية على استجابتها :
1 ـ دعاء الوالد الصالح لولده إذا برّه ، ودعاؤه عليه إذا عقّه .
2 ـ دعاء الولد الصالح لوالده .
3 ـ دعاء المظلوم الذي لا يجد ناصراً إلاّ الله على من ظلمه ، ودعاؤه
لمن انتصر له .
4 ـ دعاء الاِمام العادل لرعيته .
5 ـ دعاء المريض لعائده .
6 ـ دعاء الغازي في سبيل الله .
7 ـ دعاء الحاج أو المعتمر حتى يرجع .
8 ـ دعاء الصائم حتى يفطر .
____________
(1) بحار الاَنوار 93 : 384 | 8 .
(2) بحار الانوار 93 : 391 | 25 .
( 85 )
9 ـ دعاء الاطفال ما لم يقارفوا الذنوب .
وفيما يلي نورد النصوص الدالة على استجابة هذه الدعوات :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أربعة لا تُرَدَ لهم دعوة حتى تفتح لهم أبواب السماء أو
تصير إلى العرش : الوالد لولده ، والمظلوم على من ظلمه ، والمعتمر حتى يرجع
، والصائم حتى يفطر »
(1).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «إياكم ودعوة المظلوم ، فإنّها ترفع فوق السحاب حتى ينظر الله
عزَّ وجلّ إليها فيقول : ارفعوها حتى استجيب له ، وإياكم ودعوة الوالد فإنّها أحدّ
من السيف »
(2) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «دعاء أطفال أُمتي مستجاب مالم يقارفوا الذنوب»
(3).
وقال الاِمام أبو جعفر الباقر عليه السلام : «خمس دعوات لا يحجبن عن الربّ
تبارك وتعالى : دعوة الاِمام المقسط ، ودعوة المظلوم ، يقول الله عزَّ وجلّ : لا
نتقمنّ لك ولو بعد حين ، ودعوة الولد الصالح لوالديه ، ودعوة الوالد الصالح
لولده ، ودعوة المؤمن لاَخيه بظهر الغيب ، فيقول : ولك مثله »
(4).
وقال عليه السلام : «اتقوا الظلم، فإنّ دعوة المظلوم تصعد إلى السماء »
(5).
وقال عليه السلام : «ثلاث دعوات لا يحجبن عن الله : دعاء الوالد لولده إذا برّه ،
____________
(1) الكافي 2 : 370 | 6 ، والفقيه 2 : 146 | 644 .
(2) الكافي 2 : 369 | 3 .
(3) بحار الانوار 93 : 357 | 14 .
(4) الكافي 2 : 369 | 2 .
(5) الكافي 2 : 369 | 4 .
( 86 )
ودعوته عليه إذا عقّه ، ودعاء المظلوم على من ظلمه ، ودعاؤه لمن انتصر له منه »
(1) .
وقال عليه السلام : «ثلاثة دعوتهم مستجابة : الحاج فانظروا كيف تخلفونه، والغازي
في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونه ، والمريض فلا تغيظوه ولا تضجروه »
(2).
دعوات لا تستجاب :
من الدعوات التي أكدت النصوص الاِسلامية على أنّها لا تستجاب :
1 ـ الداعي الذي يطلب تغيير حالة ناتجة عن ارتكابه إثماً ، أو تقصيراً
في واجب .
ومثل هذا الداعي لا يمكن أن يترتّب أثر على دعائه حتى يتوب مما
ارتكب أو يزيل أسباب حصول تلك الحالة وعللها .
مثال ذلك المظلوم الذي يدعو لازالة مظلمته وهو متحمّل لمظالم
العباد وتبعات المخلوقين ، فهذا هو الذي يدعو لتغيير الحالة الناتجة عن
ارتكابه إثماً .
قال الاِمام الصادق عليه السلام : «قال الله عزَّ وجلّ : وعزتي وجلالي لا أُجيب دعوة
مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها ، ولاَحد عنده مثل تلك المظلمة »
(3).
وعنه عليه السلام أنّه قال : «إذا ظُلِمَ الرجل فظلّ يدعو على صاحبه ، قال الله
____________
(1) أمالي الطوسي 1 : 286 .
(2) الكافي 2 : 369 | 1 .
(3) وسائل الشيعة 7 : 146 | 1 .
( 87 )
عزَّ وجلّ : إنّ هاهنا آخر يدعو عليك ، يزعم أنك ظلمته ، فإن شئت أجبتك ،
وأجبت عليك ، وإن شئت أخّرتكما فيوسعكما عفوي »
(1).
ومثال طلب تغيير الحالة الناتجة عن التقصير في واجب ، التواكل في
الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ذلك لاَنّهما واجبان وجوباً كفائياً
لقوله تعالى : (
ولتكن أُمّةٌ يدعُونَ إلى الخيرِ ويأمرُونَ بالمعروفِ
ويَنهونَ عنِ المنكَر)
(2) وإنّ صلاح المجتمع وفساده منوطان بالقيام
بهذين الفرضين أو عدمه ، فلو تواكل العباد فيهما وتركوهما ، فستُتاح
الفرصة للاَشرار والظلمة كي يتسلّطوا على مقدّرات الناس ، وينزوا على
مقاليد الحكم ، وعليه فقد تجد أُمّة كاملة تدعو على ظالم واحد فلا
يستجاب لها، إلاّ أن يتوبوا عما بدر منهم ويطيعوا الله فيما فرضه عليهم
(
إنّ اللهَ لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يُغيَرُوا ما بأنفُسِهِم)
(3) .
قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : «لا تتركوا الاَمر بالمعروف والنهي عن
المنكر فيولّى عليكم شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم »
(4).
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : «من عذر ظالماً بظلمه ، سلّط الله عليه من يظلمه
، وإن دعا لم يستجب له ، ولم يأجره الله على ظلامته »
(5).
____________
(1) الأمالي للشيخ الصدوق : 261 | 3 .
(2) سورة آل عمران : 3 | 104 .
(3) سورة الرعد : 13 | 11 .
(4) نهج البلاغة ـ الرسالة (47) .
(5) بحار الانوار 93 : 319 | 26 .
( 88 )
2 ـ الدعاء على خلاف سنن التكوين والتشريع :
على الداعي أن يفهم سنن الله تعالى التكوينية والتشريعية ، وأن يدعو
ضمن دائرة هذه السنن ، فليس من مهمة الدعاء أن يتجاوز هذه السنن التي
تمثّل إرادة الخالق التكوينية ورحمته ولطفه ، قال تعالى : (
فهل ينظرون
إلاّ سُنَّةَ الاَولينَ فلن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تبدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تحويلا)
(1) .
روى الاِمام موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : «أن زيد بن صوحان قال
لاَمر المؤمنين عليه السلام : أي دعوة أضلّ ؟ قال عليه السلام : الداعي بما لا يكون»
(2) أي لا
يقع ضمن دائرة سنن التكوين .
إنّ الدعاء طلب المقدرة والعون للوصول إلى أهداف مشروعة أقرّتها
الخليقة والتكوين أو الشرائع الالهية للاِنسان ، وهو بهذه الصورة حاجة
طبيعية لا يبخل الباري تعالى بلطفه ورحمته على الداعي بالعون حيثما
وجدت الحاجة لذلك ، وحيثما كان الداعي مراعياً للشروط والآداب ، أما
أن يطلب أشياء تخالف أهداف التكوين والتشريع فان دعاءه لا يستجاب
كمن يسأل الله تعالى إحياء الموتى ، أو الخلود في دار الدنيا ، أو غفران
ذنوب الكفار ، أو يدعو على أخيه المؤمن ، أو في قطيعة رحم ، أو يطلب
شيئاً محرماً ، وغير ذلك من الدعوات التي لا تكون مصداقاً حقيقياً
للدعاء.
قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : «يا صاحب الدعاء ، لا تسأل ما لا يحلُّ
____________
(1) سورة فاطر : 35 | 43 .
(2) الفقيه 4 : 274 | 729 . الأمالي للشيخ الصدوق : 322 | 4 .
( 89 )
ولا يكون »
(1) وما لا يحلّ يُعدّ خروجاً عن سنن التشريع الاِلهية ، وما لا
يكون يعد خروجاً عن سنن التكوين .
وقال عليه السلام : «من سأل فوق قدره استحق الحرمان »
(2)أي إذا تجاوز الحدّ
في دعائه بحيث لا يكون طلبه واقعياً ، كأن يسأل الخلود في دار الدنيا .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ أصنافاً من أُمتي لا يستجاب لهم... ورجل يدعو
في قطيعة رحم »
(3). ذلك لاَنّ هذا الدعاء على خلاف سنن التشريع
القاضية بصلة الرحم .
وروي عن شعيب ، عن الاِمام الصادق عليه السلام ـ في حديث ـ أنّه قال له :
أدعُ الله أن يغنيني عن خلقه . فقال عليه السلام : «إنّ الله قسّم رزق من شاء على يدي
من شاء ، ولكن سَلِ الله أن يغنيك عن الحاجة التي تضطرك إلى لئام خلقه »
(4).
وذلك لاَنّ حاجة الناس بعضهم إلى بعض في أمور دينهم ودنياهم من
سنن الله تعالى في الخلق ، فلا يجوز أن يدعو الاِنسان ربّه كي يغنيه عن
الناس ؛ لاَنّه دعاء على خلاف سُنّة الله تعالى وارادته الحكيمة .
ومن الاَدعية المخالفة لسنن التشريع ، دعاء المرء على نفسه في حالة
الضجر، قال تعالى: (
ويدع نسانُ دعاءهُ بالخيرِ وكانَ الاِنسانُ
____________
(1) الخصال : 365 حديث الاربعمائة .
(2) عدة الداعي : 152 .
(3) وسائل الشيعة 17 : 27 | 6 .
(4) الكافي 2 : 205 | 1 .
( 90 )
عجولاًً)
(1).
قال ابن عباس وغيره : إنّ الاِنسان ربما يدعو في حال الضجر والغضب
على نفسه وأهله وماله بما لا يحبّ أن يستجاب له فيه ، كما يدعو لنفسه
بالخير ، فلو أجاب الله دعاءه لاَهلكه ، لكنه لا يجيب بفضله ورحمته
(2).
ولا يتوقف الاَمر عند حدود الاَمثلة التي ذكرناها أو التي ذكرتها
الروايات ، بل يشمل جميع الدعوات المخالفة لسنن الله تعالى في الكون
والطبيعة والمجتمع والتاريخ .
3 ـ الدعاء بلا عمل :
الدعاء من مفاتيح الرحمة الاِلهية التي جعلها الباري تعالى بأيدينا
لنستفتح بها خزائن لطفه ورحمته ، ونطلب بها مغفرته وفضله ، قال الاِمام
الصادق عليه السلام : «... فأكثر من الدعاء ، فإنّه مفتاح كلّ رحمة ، ونجاح كلّ حاجة ،
ولا ينال ما عند الله عزَّ وجلَّ إلاّ بالدعاء »
(3).
والعمل يقترن مع الدعاء في كونه أحد مفاتيح الرحمة الاِلهية الواسعة ،
قال تعالى : (
فمن يعمل مِثقَالَ ذَرّةٍ خيراً يره)
(4) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ لله عباداً يعملون فيعطيهم ، وآخرين يسألونه
صادقين فيعطيهم، ثمّ يجمعهم في الجنة، فيقول الذين عملوا : ربنا عملنا فأعطيتنا
، ففيما أعطيت هؤلاء ؟ فيقول : هؤلاء عبادي ، أعطيتكم
____________
(1) سورة الاسراء : 17 | 11 .
(2) مجمع البيان 6 : 618 .
(3) الكافي 2 : 341 | 7 .
(4) سورة الزلزلة : 99 | 7 .
( 91 )
أجوركم ، ولم ألتكم من أعمالكم شيئاً ، وسألني هؤلاء فأعطيتهم وأغنيتهم ، وهو
فضلي أوتيه من أشاء »
(1).
وعلى الرغم من حالة الاقتران بين الدعاء والعمل ، إلاّ أن الدعاء لا
يغني عن العمل ، ولا يصح الاكتفاء بالدعاء عن السعي والمثابرة والجد ،
الدعاء مظهر من مظاهر الحاجة الحقّة ، وإنّما يدعو الاِنسان عندما لا يكون
مطلوبه ميسوراً له أو في متناول يده ، أو يكون عاجزاً ضعيفاً لا يمتلك
القدرة على تحصيله ، أمّا إذا خوّله الله تعالى مفتاح الحاجة فتكاسل عن
استعماله ، والتجأ إلى الدعاء دون جدٍّ واجتهاد ، فان دعاءه لا يستجاب ،
مثال ذلك المذنب الذي يستغفر الله تعالى ويدعوه التوبة ، ولكنه لا يثابر
في تغيير ما في نفسه وتهذيبها باقتلاع عناصر الشر والفساد .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لاَبي ذر رضي الله عنه : «يا أبا ذر ، مثل الذي يدعو
بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر »
(2).
وقال الاِمام أمير المؤمنين علي عليه السلام : «الداعي بلا عمل ، كالرامي بلا وتر »
(3) .
ولذلك ورد عن أئمة الهدى عليهم السلام كثير من الاَحاديث التي تخبرنا عن
أصناف من الناس لا تستجاب لهم دعوة ؛ لاَنّهم استغنوا بالدعاء عن
السعي والجد والمثابرة .
____________
(1) عدة الداعي : 42 .
(2) أمالي الشيخ الطوسي 2 : 147 .
(3) نهج البلاغة ، الحكمة (337) .
( 92 )
قال الاِمام الصادق عليه السلام : «أربعة لا تستجاب لهم دعوة : رجل جالس في
بيته يقول : اللهمّ ارزقني ، فيقال له : ألم آمرك بالطلب ؟ ورجل كانت له امرأة
فدعا عليها ، فيقال له : ألم أجعل أمرها إليك ، ورجل كان له مال فأفسده ، فيقول :
اللهمّ ارزقني ، فيقال له : ألم آمرك بالاقتصاد ؟ أمل آمرك بالاصلاح ؟ ثم تلا قوله
تعالى :(
والَّذينَ إذا أنفَقُوا لم يُسرِفُوا ولم يقترُوا وكانُ بينَ ذلِكَ قَوَاماً)
ورجل كان له مال فأدانه بغير بيّنة ، فيقال له : ألم آمرك بالشهادة ؟ »
(1).
وعن عمر بن يزيد ، قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : رجل قال : لاَقعدنّ
في بيتي، ولاَصلينّ ولاَصومنّ، ولاَعبدنّ ربي ، فأمّا رزقي فسيأتيني ،
فقال عليه السلام : «هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم »
(2).
ويضيف الاِمام الصادق عليه السلام صنفاً آخر ممن اتكل على الدعاء تاركاً
الجدّ والسعي ، وهو الذي يدعو على جاره وقد جعل الله عزَّ وجلّ له
السبيل في الخلاص ، يقول عليه السلام في حديث الثلاثة الذين لا تستجاب لهم
دعوة : «ورجل يدعو على جاره وقد جعل الله عزَّ وجلّ له السبيل إلى أن يتحول
عن جواره ويبيع داره »
(3).
وهذا الاَمر عام لا يقتصر على الاَمثلة المذكورة في الاَحاديث
وحسب، وإنّما هي أمثلة لجميع الاَحوال التي يكون الاِنسان فيها قادراً
على حل مشكلته بالعمل والتدبر ، ولكنّه يتكاسل عن ذلك فيقيم الدعاء
____________
(1) الكافي 2 : 370 | 2 .
(2) مستطرفات السرائر : 139 | 11 .
(3) الكافي 2 : 370 | 1 ، والفقيه 2 : 39 | 173 ، والخصال : 160 | 208 .
( 93 )
مقام العمل .
والحق أن الدعاء مكمّل للعمل ومتمم له ، فإذا كان الله تعالى قد حبانا
القدرة لتحقيق المطلوب ، وهدانا إلى السبيل المؤدي إلى ما نصبو إليه ،
فلا بدّ من السعي المقترن بالدعاء ، لتكون عاقبة السعي أكثر ثواباً وأجزل
أجراً .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يدخل الجنة رجلان ، كانا يعملان عملاً واحداً ، فيرى
أحدهما صاحبه فوقه ، فيقول : يا ربِّ بما أعطيته وكان عملنا واحداً ؟ فيقول الله
تبارك وتعالى : سألني ولم تسألني ، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : اسألوا الله وأجزلوا ، فإنّه لا
يتعاظمه شيء »
(1).
____________
(1) عدة الداعي : 42 .