8 ـ قراءة القرآن :
روي عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال : «إذا خفت أمراً ، فاقرأ مائة آية من القرآن من حيث شئت ، ثم قُل : اللهمّ اكشف عني البلاء ، ثلاث مرات» (1).

أسباب تأخر الاجابة :
قد يقال : إنّنا نرى كثيراً من الناس يدعون الله تعالى فلا يستجاب لهم ، وقد ورد في الحديث أيضاً ما يدلُّ على تأخر الاجابة لعشرين أو أربعين عاماً .
فعن إسحاق بن عمار ، قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : يستجاب للرجل الدعاء ثم يؤخر ؟
قال : «نعم ، عشرين سنة » (2).
وعنه عليه السلام : «كان بين قول الله عزَّ وجلّ :( قد أجيبت دَعوَتُكما ) (3) فرعون أربعين عاماً » (4).
فهل يتنافى ذلك مع ما جاء في محكم الكتاب الكريم : ( أجيبت دعوة الدَّاعِ إذا دعانِ )(5) وقوله سبحانه:( ادعوني أستجِب لكُم )(6) ، وما جاء على لسان الصادق الاَمين صلى الله عليه وآله وسلم : «ما فُتح لاَحد باب دعاء ، إلاّ فتح الله له
____________
(1) بحار الانوار 93 : 176 | 1 .
(2) الكافي 2 : 355 | 4 .
(3) سورة يونس : 10 | 89 .
(4) الكافي 2: 355| 5.
(5) سورة البقرة : 2 | 186 .
(6) سورة غافر : 40 | 60 .

( 77 )
فيه باب إجابته » (1)؟
نقول : إنّ الدعاء من أقوى الاَسباب في تحقيق المطلوب ودفع المكروه ، ولكنّه قد يكون ضعيفاً في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لكونه مخالفاً لسنن التكوين والتشريع ، أو لاَن الداعي لم يراع شروط الدعاء ولم يتقيد بآدابه ، أو لوجود الموانع التي تحجب الدعاء عن الصعود : كأكل الحرام ، ورين الذنوب على القلوب ، واستيلاء الشهوة والهوى وحبّ الدنيا على النفس .
فإذا قيل بعدم الاخلال في جميع ذلك ، فيمكن حصر الاَسباب المؤدية إلى تأخر الاجابة بما يلي :
1 ـ إنّ الداعي قد يرى في دعائه صلاحاً ظاهراً ، فيلحُّ بالدعاء والمسألة ، ولكن لو استجيب له ، فإنّ الاستجابة قد تنطوي على مفسدة له أو لغيره لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، قال تعالى: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكُم وعسى أن تُحبُّوا شيئاً وهو شرٌ لَّكُم واللهُ يعلمُ وأنتُم لا تعلمُون) (2) .
وفي زبور داود عليه السلام : يقول الله تعالى : «يا بن آدم ، تسألني فأمنعك ، لعلمي بما ينفعك » (3).
وعليه فإنّ اجابة الدعاء إن كانت مصلحة والمصلحة في تعجيلها ، فإنّه تعالى يعجّلها ، وان اقتضت المصلحة تأخيرها إلى وقت معين أُجّلت ، ويحصل للداعي الاَجر والثواب لصبره في هذه المدة .

____________
(1) الأمالي للشيخ الطوسي 1 : 5 .
(2) سورة البقرة : 2 | 216 .
(3) بحار الاَنوار 73 : 365 | 98 .

( 78 )
وإذا لم يترتب على الاجابة غير الشر والفساد ، فإنّه تعالى لا يستجيب الدعاء لسبق رحمته وجزيل نعمته ، ولاَنّه تعالى لا يفعل خلاف مقتضى الحكمة والمصلحة : ( ولا يعجل اللهُ للناسِ الشرَّ استعجالهُم بالخيرِ لقُضيَ إليهم أجَلُهُم) (1) وفي هذه الحالة يثاب المؤمن على دعائه إما عاجلاً بدفع السوء عنه ، وإعطائه السكينة في نفسه ، والانشراح في صدره ، والصبر الذي يسهل معه احتمال البلاء الحاضر ، أو آجلاً في الآخرة كما يثاب على سائر الطاعات والصالحات من أعماله ، وذلك أعظم درجة عند الله تعالى ، لاَنّ عطاء الآخرة دائم لا نفاد له ، وعطاء الدنيا منقطع إلى نفاد .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ما من مؤمن دعا الله سبحانه دعوة ، ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم ، إلاّ أعطاه الله بها أحد خصال ثلاث : إمّا أن يعجّل دعوته ، وإمّا أن يدّخر له ، وإمّا أن يدفع عنه من السوء مثلها . قالوا : يارسول الله ، إذن نكثر ؟ قال :اكثروا » (2).
وعن أبي جعفر عليه السلام ، أنّه قال : «والله ما أخّر الله عزَّ وجلّ عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم ممّا عجّل لهم فيها ، وأي شيءٍ الدنيا ! » (3).
وورد في دعاء الافتتاح : «وأسألك مستأنساً لا خائفاً ولا وجلاً مدلاً عليك فيما قصدت فيه إليك ، فإن أبطأ عنّي عتبتُ بجهلي عليك ، ولعلَّ
____________
(1) سورة يونس : 10 | 11 .
(2) وسائل الشيعة 7 : 27 | 8 .
(3) الكافي 2 : 354 | 1 ، وقرب الاسناد : 171 .

( 79 )
الذي أبطأ عني هو خيرٌ لي لعلمك بعاقبة الاُمور » (1).
2 ـ وقد تؤخر الاجابة عن العبد المؤمن لزيادة صلاحه وعظم منزلته عند الله عزَّ وجلّ ، فتؤخر إجابته لمحبّة سماع صوته والاكثار من دعائه ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ الله ليتعهد عبده المؤمن بأنواع البلاء ، كما يتعهد أهل البيت سيدهم بطرف الطعام ، قال الله تعالى : «وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي إنّي لاَحمي وليي أن أعطيه في دار الدنيا شيئاً يشغله عن ذكري حتى يدعوني فأسمع صوته ، وإني لاَعطي الكافر منيته حتى لا يدعوني فأسمع صوته بغضاً له» (2).
وعن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «إنّ المؤمن ليدعو الله عزَّ وجلّ في حاجته ، فيقول الله عزَّ وجلّ : أخّروا إجابته شوقاً إلى صوته ودعائه ، فإذا كان يوم القيامة قال الله عزَّ وجلّ : عبدي ، دعوتني فأخرت اجابتك ، وثوابك كذا وكذا ، ودعوتني في كذا وكذا فأخرت اجابتك وثوابك كذا وكذا ، قال : فيتمنّى المؤمن أنّه لم يستجب له دعوة في الدنيا ممّا يرى من حسن الثواب » (3).
وقال الاِمام الرضا عليه السلام : «إنّ الله يؤخّر إجابة المؤمن شوقاً إلى دعائه، ويقول : صوت أحبّ أن أسمعه... » (4).
وممّا تقدّم يتبين أنّ الدعاء مستجاب إذا أخلص الداعي في إتيان أدبه
____________
(1) مصباح المتهجد : 578 .
(2) بحار الانوار 93 : 371 | 10 .
(3) الكافي 2 : 356 | 9 .
(4) بحار الانوار 93 : 370 | 7 .

( 80 )
وشرطه ، وتوجّه بقلبه إلى الله تعالى منقطعاً عن جميع الاَسباب ، والاستجابة إما عاجلة في دار الدنيا ، أو آجلة في الآخرة ، وإذا تأخرت الاستجابة فلمصالح لا يعلمها إلاّ عالم السرّ وأخفى ، وتأخيرها يصبُّ في صالح الداعي ، فعليه أن لا يقنط من رحمة ربه ، ولا يستبطىء الاجابة فيملُّ الدعاء .

دعوات مستجابة :
فيما يلي بعض الدعوات التي أكدت النصوص الاِسلامية على استجابتها وتأثيرها في استجابة الدعاء :

أولاً : الدعاء للمؤمنين :
ويعتبر من أهم مطالب الدعاء ، وذلك لاَنّه يعكس إيثار المؤمن وإخلاصه وعمق ارتباطه باخوته المؤمنين على امتداد الزمان والمكان ، وهو على نوعين :
1 ـ دعاء عام يشمل جميع المؤمنين الحاضرين منهم أو الذين سبقوا بالاِيمان ، وهو من أهم أنواع الدعاء ، لاَنّه دعاء يحبّه الله تعالى ويستجيب لصاحبه ، لذلك وردت الروايات الكثيرة التي تشيد بفضله وعمق آثاره على الداعي والمدعو له .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ما من مؤمن أو مؤمنة مضى من أول الدهر أو هو آت إلى يوم القيامة إلاّ وهم شفعاء لمن يقول في دعائه : اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، وإنّ العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة فيسحب، فيقول المؤمنون والمؤمنات : يا ربنا ، هذا الذين كان يدعو لنا فشفّعنا فيه ،
( 81 )
فيشفّعهم الله فينجو » (1).
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : «من قال كل يوم خمساً وعشرين مرة : اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، كتب الله له بعدد كل مؤمن مضى ، وبعدد كل مؤمن بقي إلى يوم القيامة حسنة ، ومحا عنه سيئة ، ورفع له درجة » (2).
وقال الاِمام الرضا عليه السلام : «ما من مؤمن يدعو للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاَحياء منهم والاَموات إلاّ كتب الله له بكلِّ مؤمن ومؤمنة حسنة منذ بعث الله آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة » (3).
2 ـ دعاء خاص للاَخ المؤمن بظهر الغيب أو لاَربعين مؤمناً ، وينبغي أن يكون الداعي لاَخيه بظهر الغيب محبّاً له بباطنه ، ومخلصاً له في دعائه ، متمنياً أن يرزقه الله تعالى بفضل دعائه ، فإذا كان كذلك فإنّ الله تعالى يستجيب له فيه ويعوّضه أضعافه ، لاَنّ حبّ المؤمن حسنة على انفراده ، وإرادة الخير له حسنة اُخرى ، فيكون الدعاء له مشتملاً على ثلاث حسنات : المحبة ، وارادة الخير ، والدعاء .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ليس شيء أسرع إجابة من دعوة غائب لغائب » (4).
وروي عن الاِمام أبي جعفر الباقر عليه السلام ، في قوله تعالى : (ويسيتجيبُ
____________
(1) بحار الانوار 93 : 385 | 10 .
(2) بحار الانوار 93 : 384 | 5 .
(3) ثواب الاعمال : 161 .
(4) الكافي 2 : 370 | 7 .

( 82 )
الذين آمنُوا وعمِلُوا الصَّالحاتِ ويزيدُهُم من فَضلِه) (1) ، قال عليه السلام : «هو المؤمن يدعو لاَخيه بظهر الغيب ، فيقول له الملك : آمين ، ويقول الله العزيز الجبار: ولك مثلا ماسألت، وقد أعطيت ماسألت بحبّك إياه »(2) .
وعنه عليه السلام قال : «أوشك دعوة وأسرع إجابة ، دعاء المرء لاَخيه بظهر الغيب » (3) .
وعن الاِمام الصادق عليه السلام قال : «الدعاء لاَخيك بظهر الغيب يسوق إلى الداعي الرزق ، ويصرف عنه البلاء ، ويقول الملك : ولك مثل ذلك » (4).
وروي أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى موسى عليه السلام : «يا موسى ، ادعني على لسانٍ لم تعصني به . فقال عليه السلام : أنّى لي بذلك ؟ فقال : ادعني على لسان غيرك » (5) .
ويدخل في إطار الدعاء الخاص الدعاء لاَربعين من المؤمنين قبل أن يدعو المؤمن لنفسه ، وهو من الاَدعية المستجابة أيضاً .
قال الاِمام الصادق عليه السلام : «من قدم في دعائه أربعين من المؤمنين ، ثم دعا لنفسه ، استجيب له » (6).
وقال عليه السلام : «من قدّم أربعين رجلاً من إخوانه قبل أن يدعو لنفسه
____________
(1) سورة الشورى : 42 | 26 .
(2) الكافي 2 : 368 | 3 .
(3) الكافي 2 : 367 | 1 .
(4) الأمالي للشيخ الطوسي 2 : 290.
(5) عدة الداعي : 183 ، بحار الانوار 93 : 390 .
(6) الأمالي للشيخ الصدوق : 369 | 4 .

( 83 )
استجيب له فيهم وفي نفسه » (1).
ويتأكد هذا الدعاء بعد الفراغ من صلاة الليل بأن يقول وهو ساجد : (اللهمّ ربّ الفجر ، والليالي العشر ، والشفع والوتر ، والليل إذا يسر ، وربّ كلِّ شيء ، وإله كلّ شيء ، ومليك كلّ شيء ، صلِّ على محمد وآله ، وافعل بي وبفلان وبفلان... ما أنت أهله ، ولا تفعل بنا ما نحن أهله ، ياأهل التقوى وأهل المغفرة) (2).
إيثار المؤمنين بالدعاء :
عن الاِمام الحسن بن علي عليه السلام ، قال : «رأيت أُمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها ، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتّضح عموم الصبح ، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم ، وتكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا أُمّاه ، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت : يا بني ، الجار ثمّ الدار » (3).
وروي عن ابن ناتانه ، عن علي ، عن أبيه ، قال : رأيت عبدالله بن جندب بالموقف ، فلم أرَ موقفاً أحسن من موقفه ، ما زال ماداً يديه إلى السماء ، ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الاَرض ، فلمّا صدر الناس قلت له : يا أبا محمد ، ما رأيت موقفاً أحسن من موقفك .
قال : والله ما دعوت إلاّ لاخواني ، وذلك أن أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام أخبرني أنّه من دعا لاَخيه بظهر الغيب نودي من العرش : ولك
____________
(1) الأمالي للشيخ الطوسي 2 : 38 ، والأمالي للشيخ الصدوق : 310 | 8 .
(2) عدة الداعي : 182 .
(3) علل الشرائع : 181 | 1 .

( 84 )
مائة ألف ضعف ، فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا (1).
وعن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، قال : كان عيسى بن أعين إذا حجّ فصار إلى الموقف ، أقبل على الدعاء لاخوانه حتى يفيض الناس ، فقيل له : تنفق مالك وتتعب بدنك حتى إذا صرت إلى الموضع الذي تُبَثّ فيه الحوائج إلى الله ، أقبلت على الدعاء لاخوانك ، وتترك نفسك ؟ فقال : إنّي على يقين من دعاء الملك لي ، وفي شكّ من الدعاء لنفسي (2).
ثانياً : ومن الدعوات التي أكدت النصوص الاِسلامية على استجابتها :
1 ـ دعاء الوالد الصالح لولده إذا برّه ، ودعاؤه عليه إذا عقّه .
2 ـ دعاء الولد الصالح لوالده .
3 ـ دعاء المظلوم الذي لا يجد ناصراً إلاّ الله على من ظلمه ، ودعاؤه لمن انتصر له .
4 ـ دعاء الاِمام العادل لرعيته .
5 ـ دعاء المريض لعائده .
6 ـ دعاء الغازي في سبيل الله .
7 ـ دعاء الحاج أو المعتمر حتى يرجع .
8 ـ دعاء الصائم حتى يفطر .

____________
(1) بحار الاَنوار 93 : 384 | 8 .
(2) بحار الانوار 93 : 391 | 25 .

( 85 )
9 ـ دعاء الاطفال ما لم يقارفوا الذنوب .
وفيما يلي نورد النصوص الدالة على استجابة هذه الدعوات :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أربعة لا تُرَدَ لهم دعوة حتى تفتح لهم أبواب السماء أو تصير إلى العرش : الوالد لولده ، والمظلوم على من ظلمه ، والمعتمر حتى يرجع ، والصائم حتى يفطر » (1).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «إياكم ودعوة المظلوم ، فإنّها ترفع فوق السحاب حتى ينظر الله عزَّ وجلّ إليها فيقول : ارفعوها حتى استجيب له ، وإياكم ودعوة الوالد فإنّها أحدّ من السيف » (2) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «دعاء أطفال أُمتي مستجاب مالم يقارفوا الذنوب»(3).
وقال الاِمام أبو جعفر الباقر عليه السلام : «خمس دعوات لا يحجبن عن الربّ تبارك وتعالى : دعوة الاِمام المقسط ، ودعوة المظلوم ، يقول الله عزَّ وجلّ : لا نتقمنّ لك ولو بعد حين ، ودعوة الولد الصالح لوالديه ، ودعوة الوالد الصالح لولده ، ودعوة المؤمن لاَخيه بظهر الغيب ، فيقول : ولك مثله » (4).
وقال عليه السلام : «اتقوا الظلم، فإنّ دعوة المظلوم تصعد إلى السماء »(5).
وقال عليه السلام : «ثلاث دعوات لا يحجبن عن الله : دعاء الوالد لولده إذا برّه ،
____________
(1) الكافي 2 : 370 | 6 ، والفقيه 2 : 146 | 644 .
(2) الكافي 2 : 369 | 3 .
(3) بحار الانوار 93 : 357 | 14 .
(4) الكافي 2 : 369 | 2 .
(5) الكافي 2 : 369 | 4 .

( 86 )
ودعوته عليه إذا عقّه ، ودعاء المظلوم على من ظلمه ، ودعاؤه لمن انتصر له منه » (1) .
وقال عليه السلام : «ثلاثة دعوتهم مستجابة : الحاج فانظروا كيف تخلفونه، والغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونه ، والمريض فلا تغيظوه ولا تضجروه » (2).

دعوات لا تستجاب :
من الدعوات التي أكدت النصوص الاِسلامية على أنّها لا تستجاب :
1 ـ الداعي الذي يطلب تغيير حالة ناتجة عن ارتكابه إثماً ، أو تقصيراً في واجب .
ومثل هذا الداعي لا يمكن أن يترتّب أثر على دعائه حتى يتوب مما ارتكب أو يزيل أسباب حصول تلك الحالة وعللها .
مثال ذلك المظلوم الذي يدعو لازالة مظلمته وهو متحمّل لمظالم العباد وتبعات المخلوقين ، فهذا هو الذي يدعو لتغيير الحالة الناتجة عن ارتكابه إثماً .
قال الاِمام الصادق عليه السلام : «قال الله عزَّ وجلّ : وعزتي وجلالي لا أُجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها ، ولاَحد عنده مثل تلك المظلمة » (3).
وعنه عليه السلام أنّه قال : «إذا ظُلِمَ الرجل فظلّ يدعو على صاحبه ، قال الله
____________
(1) أمالي الطوسي 1 : 286 .
(2) الكافي 2 : 369 | 1 .
(3) وسائل الشيعة 7 : 146 | 1 .

( 87 )
عزَّ وجلّ : إنّ هاهنا آخر يدعو عليك ، يزعم أنك ظلمته ، فإن شئت أجبتك ، وأجبت عليك ، وإن شئت أخّرتكما فيوسعكما عفوي » (1).
ومثال طلب تغيير الحالة الناتجة عن التقصير في واجب ، التواكل في الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ذلك لاَنّهما واجبان وجوباً كفائياً لقوله تعالى : (ولتكن أُمّةٌ يدعُونَ إلى الخيرِ ويأمرُونَ بالمعروفِ ويَنهونَ عنِ المنكَر) (2) وإنّ صلاح المجتمع وفساده منوطان بالقيام بهذين الفرضين أو عدمه ، فلو تواكل العباد فيهما وتركوهما ، فستُتاح الفرصة للاَشرار والظلمة كي يتسلّطوا على مقدّرات الناس ، وينزوا على مقاليد الحكم ، وعليه فقد تجد أُمّة كاملة تدعو على ظالم واحد فلا يستجاب لها، إلاّ أن يتوبوا عما بدر منهم ويطيعوا الله فيما فرضه عليهم (إنّ اللهَ لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يُغيَرُوا ما بأنفُسِهِم) (3) .
قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : «لا تتركوا الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم » (4).
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : «من عذر ظالماً بظلمه ، سلّط الله عليه من يظلمه ، وإن دعا لم يستجب له ، ولم يأجره الله على ظلامته » (5).

____________
(1) الأمالي للشيخ الصدوق : 261 | 3 .
(2) سورة آل عمران : 3 | 104 .
(3) سورة الرعد : 13 | 11 .
(4) نهج البلاغة ـ الرسالة (47) .
(5) بحار الانوار 93 : 319 | 26 .

( 88 )
2 ـ الدعاء على خلاف سنن التكوين والتشريع :
على الداعي أن يفهم سنن الله تعالى التكوينية والتشريعية ، وأن يدعو ضمن دائرة هذه السنن ، فليس من مهمة الدعاء أن يتجاوز هذه السنن التي تمثّل إرادة الخالق التكوينية ورحمته ولطفه ، قال تعالى : (فهل ينظرون إلاّ سُنَّةَ الاَولينَ فلن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تبدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تحويلا) (1) .
روى الاِمام موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : «أن زيد بن صوحان قال لاَمر المؤمنين عليه السلام : أي دعوة أضلّ ؟ قال عليه السلام : الداعي بما لا يكون» (2) أي لا يقع ضمن دائرة سنن التكوين .
إنّ الدعاء طلب المقدرة والعون للوصول إلى أهداف مشروعة أقرّتها الخليقة والتكوين أو الشرائع الالهية للاِنسان ، وهو بهذه الصورة حاجة طبيعية لا يبخل الباري تعالى بلطفه ورحمته على الداعي بالعون حيثما وجدت الحاجة لذلك ، وحيثما كان الداعي مراعياً للشروط والآداب ، أما أن يطلب أشياء تخالف أهداف التكوين والتشريع فان دعاءه لا يستجاب كمن يسأل الله تعالى إحياء الموتى ، أو الخلود في دار الدنيا ، أو غفران ذنوب الكفار ، أو يدعو على أخيه المؤمن ، أو في قطيعة رحم ، أو يطلب شيئاً محرماً ، وغير ذلك من الدعوات التي لا تكون مصداقاً حقيقياً للدعاء.
قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : «يا صاحب الدعاء ، لا تسأل ما لا يحلُّ
____________
(1) سورة فاطر : 35 | 43 .
(2) الفقيه 4 : 274 | 729 . الأمالي للشيخ الصدوق : 322 | 4 .

( 89 )
ولا يكون » (1) وما لا يحلّ يُعدّ خروجاً عن سنن التشريع الاِلهية ، وما لا يكون يعد خروجاً عن سنن التكوين .
وقال عليه السلام : «من سأل فوق قدره استحق الحرمان » (2)أي إذا تجاوز الحدّ في دعائه بحيث لا يكون طلبه واقعياً ، كأن يسأل الخلود في دار الدنيا .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ أصنافاً من أُمتي لا يستجاب لهم... ورجل يدعو في قطيعة رحم » (3). ذلك لاَنّ هذا الدعاء على خلاف سنن التشريع القاضية بصلة الرحم .
وروي عن شعيب ، عن الاِمام الصادق عليه السلام ـ في حديث ـ أنّه قال له : أدعُ الله أن يغنيني عن خلقه . فقال عليه السلام : «إنّ الله قسّم رزق من شاء على يدي من شاء ، ولكن سَلِ الله أن يغنيك عن الحاجة التي تضطرك إلى لئام خلقه » (4).
وذلك لاَنّ حاجة الناس بعضهم إلى بعض في أمور دينهم ودنياهم من سنن الله تعالى في الخلق ، فلا يجوز أن يدعو الاِنسان ربّه كي يغنيه عن الناس ؛ لاَنّه دعاء على خلاف سُنّة الله تعالى وارادته الحكيمة .
ومن الاَدعية المخالفة لسنن التشريع ، دعاء المرء على نفسه في حالة الضجر، قال تعالى: (ويدع نسانُ دعاءهُ بالخيرِ وكانَ الاِنسانُ
____________
(1) الخصال : 365 حديث الاربعمائة .
(2) عدة الداعي : 152 .
(3) وسائل الشيعة 17 : 27 | 6 .
(4) الكافي 2 : 205 | 1 .

( 90 )
عجولاًً)(1).
قال ابن عباس وغيره : إنّ الاِنسان ربما يدعو في حال الضجر والغضب على نفسه وأهله وماله بما لا يحبّ أن يستجاب له فيه ، كما يدعو لنفسه بالخير ، فلو أجاب الله دعاءه لاَهلكه ، لكنه لا يجيب بفضله ورحمته (2).
ولا يتوقف الاَمر عند حدود الاَمثلة التي ذكرناها أو التي ذكرتها الروايات ، بل يشمل جميع الدعوات المخالفة لسنن الله تعالى في الكون والطبيعة والمجتمع والتاريخ .
3 ـ الدعاء بلا عمل :
الدعاء من مفاتيح الرحمة الاِلهية التي جعلها الباري تعالى بأيدينا لنستفتح بها خزائن لطفه ورحمته ، ونطلب بها مغفرته وفضله ، قال الاِمام الصادق عليه السلام : «... فأكثر من الدعاء ، فإنّه مفتاح كلّ رحمة ، ونجاح كلّ حاجة ، ولا ينال ما عند الله عزَّ وجلَّ إلاّ بالدعاء » (3).
والعمل يقترن مع الدعاء في كونه أحد مفاتيح الرحمة الاِلهية الواسعة ، قال تعالى : (فمن يعمل مِثقَالَ ذَرّةٍ خيراً يره) (4) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ لله عباداً يعملون فيعطيهم ، وآخرين يسألونه صادقين فيعطيهم، ثمّ يجمعهم في الجنة، فيقول الذين عملوا : ربنا عملنا فأعطيتنا ، ففيما أعطيت هؤلاء ؟ فيقول : هؤلاء عبادي ، أعطيتكم
____________
(1) سورة الاسراء : 17 | 11 .
(2) مجمع البيان 6 : 618 .
(3) الكافي 2 : 341 | 7 .
(4) سورة الزلزلة : 99 | 7 .

( 91 )
أجوركم ، ولم ألتكم من أعمالكم شيئاً ، وسألني هؤلاء فأعطيتهم وأغنيتهم ، وهو فضلي أوتيه من أشاء » (1).
وعلى الرغم من حالة الاقتران بين الدعاء والعمل ، إلاّ أن الدعاء لا يغني عن العمل ، ولا يصح الاكتفاء بالدعاء عن السعي والمثابرة والجد ، الدعاء مظهر من مظاهر الحاجة الحقّة ، وإنّما يدعو الاِنسان عندما لا يكون مطلوبه ميسوراً له أو في متناول يده ، أو يكون عاجزاً ضعيفاً لا يمتلك القدرة على تحصيله ، أمّا إذا خوّله الله تعالى مفتاح الحاجة فتكاسل عن استعماله ، والتجأ إلى الدعاء دون جدٍّ واجتهاد ، فان دعاءه لا يستجاب ، مثال ذلك المذنب الذي يستغفر الله تعالى ويدعوه التوبة ، ولكنه لا يثابر في تغيير ما في نفسه وتهذيبها باقتلاع عناصر الشر والفساد .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لاَبي ذر رضي الله عنه : «يا أبا ذر ، مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر » (2).
وقال الاِمام أمير المؤمنين علي عليه السلام : «الداعي بلا عمل ، كالرامي بلا وتر » (3) .
ولذلك ورد عن أئمة الهدى عليهم السلام كثير من الاَحاديث التي تخبرنا عن أصناف من الناس لا تستجاب لهم دعوة ؛ لاَنّهم استغنوا بالدعاء عن السعي والجد والمثابرة .

____________
(1) عدة الداعي : 42 .
(2) أمالي الشيخ الطوسي 2 : 147 .
(3) نهج البلاغة ، الحكمة (337) .

( 92 )
قال الاِمام الصادق عليه السلام : «أربعة لا تستجاب لهم دعوة : رجل جالس في بيته يقول : اللهمّ ارزقني ، فيقال له : ألم آمرك بالطلب ؟ ورجل كانت له امرأة فدعا عليها ، فيقال له : ألم أجعل أمرها إليك ، ورجل كان له مال فأفسده ، فيقول : اللهمّ ارزقني ، فيقال له : ألم آمرك بالاقتصاد ؟ أمل آمرك بالاصلاح ؟ ثم تلا قوله تعالى :( والَّذينَ إذا أنفَقُوا لم يُسرِفُوا ولم يقترُوا وكانُ بينَ ذلِكَ قَوَاماً) ورجل كان له مال فأدانه بغير بيّنة ، فيقال له : ألم آمرك بالشهادة ؟ » (1).
وعن عمر بن يزيد ، قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : رجل قال : لاَقعدنّ في بيتي، ولاَصلينّ ولاَصومنّ، ولاَعبدنّ ربي ، فأمّا رزقي فسيأتيني ، فقال عليه السلام : «هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم » (2).
ويضيف الاِمام الصادق عليه السلام صنفاً آخر ممن اتكل على الدعاء تاركاً الجدّ والسعي ، وهو الذي يدعو على جاره وقد جعل الله عزَّ وجلّ له السبيل في الخلاص ، يقول عليه السلام في حديث الثلاثة الذين لا تستجاب لهم دعوة : «ورجل يدعو على جاره وقد جعل الله عزَّ وجلّ له السبيل إلى أن يتحول عن جواره ويبيع داره » (3).
وهذا الاَمر عام لا يقتصر على الاَمثلة المذكورة في الاَحاديث وحسب، وإنّما هي أمثلة لجميع الاَحوال التي يكون الاِنسان فيها قادراً على حل مشكلته بالعمل والتدبر ، ولكنّه يتكاسل عن ذلك فيقيم الدعاء
____________
(1) الكافي 2 : 370 | 2 .
(2) مستطرفات السرائر : 139 | 11 .
(3) الكافي 2 : 370 | 1 ، والفقيه 2 : 39 | 173 ، والخصال : 160 | 208 .

( 93 )
مقام العمل .
والحق أن الدعاء مكمّل للعمل ومتمم له ، فإذا كان الله تعالى قد حبانا القدرة لتحقيق المطلوب ، وهدانا إلى السبيل المؤدي إلى ما نصبو إليه ، فلا بدّ من السعي المقترن بالدعاء ، لتكون عاقبة السعي أكثر ثواباً وأجزل أجراً .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يدخل الجنة رجلان ، كانا يعملان عملاً واحداً ، فيرى أحدهما صاحبه فوقه ، فيقول : يا ربِّ بما أعطيته وكان عملنا واحداً ؟ فيقول الله تبارك وتعالى : سألني ولم تسألني ، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : اسألوا الله وأجزلوا ، فإنّه لا يتعاظمه شيء » (1).
____________
(1) عدة الداعي : 42 .