[5]هَل قُربَ قائِمِكَ الذِي بُوِّئتَهُ
ماء يُصابُ فَقالَ ما مِن مَشرَبِ
[6] إلاّ بِغايَةِ فَرسَخَينِ وَمَن لَنا
بالماء ِبَينَ نَقاً وَقيٍّ سَبسبِ
[7] فَثَنى الأعنَّةَ نَحوَ وَعثٍ فَاجتَلى
مَلساءَ تَرقُ كَاللُّجينِ المُذهبِ
[8] قالَ اقلبونا إنَّكُم إن تقلِبوا
تَرووُا وَلا تَروونَ إن لَم تُقلبِ
[9] فَاعصَوصَبوافِي قَلبِها فَتمنّعت
مِنهُم تَمنُّع صَعبَةٍ لَم تُركَبِ
[10] حَتّى إذا أعيَتهُمُ أهوى لَها
كَفّاً مَتى تَردِ المُغالبَ تَغلِبِ
[11] فكأنّها كرَةٌ بِكَفٍّ حَزوَّر
عَبلٍ الذراعِ دَحا بها في مَلعَبِ
[12] قالَ اشربُوا مِن تَحتها مُتسَلسِلاً
عَذباَ يَزيدُ عَلَى الألذًّ الأعذبِ
[13]حَتّى إذا شَرِبُوا جَميعاً رَدَّها
وَمَضى فَخِلتَ مَكانَها لَم يُقرَب
[14] أعنيِ ابنَ فاطِمَةَ الوَصيّ وَمن يَقُل
فِي فَضلِهِ وَفَعالِهِ لا يَكذِبِ (1)

_________
(1) خصائص الرضي : 51، ارشاد المفيد 1: 337 كشف الغمة 1: 281.
قال السيد المرتضى ـ رضي الله عنه ـ في شرح هذه القصيدة ـ وقد وزعناه على تسلسل الأبيات ـ :
[1] السري : سير الليل كله .
[2] والمتبتّل : الراهب ، والقائم : صومعته ، والقاع : الأرض الحرّة الطين التي لا حزونة فيها ولا انهباط ، والقاعدة : أساس الجدار وكلّ ما يبنى ، والجدب : ضدّ الخصب .
[3] ومعنى «يأتيه» : أي يأتي هذا الموضع الذي فيه الراهب ، ومعنى ]ليس بحيث يُلفي[ «عامراً»: انه لا مقيم فيه سوى الوحوش ، ويمكن أن يكون ماخوذاً من العمرة التي هي الزيارة ، والأصلع الأشيب : هو الراهب .
[4] الماثل : المنتصب ، وشبَّه الراهب بالنسرلطول عمره والشظيّة : قطعة من الجبل مفردة، والمرقب : المكان العالي .
[6] والنقا : قطعة من الرمل تنقاد محدودبة، والقيّ : الصحراء الواسعة، والسبسب : القفر.
[7] والوعث : الرمل الذي لايسلك فيه ، ومعنى«اجتلى ملساء» نظرإلى صحراء ملساء فتجلًت لعينه ، ومعنى «تبرق» : تلمع ، ووصف اللجين بالمذهّب لأنّه اشدّ لبريقه ولمعانه .

=


( 350)
ومن ذلك : ما استفاضت به الأخبار ونظمت فيه الأشعار من رجوع الشمس له عليه السلام مرّتين : في حياة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مرّة، وبعد وفاته اُخرى، فالأولى قد روتها أسماء بنت عميس ، وأمّ سلمة زوج النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وجابر بن عبدالله ، وأبوسعيد الخدريّ في جماعة من الصحابة: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان ذات يوم في منزله وعليٌّ عليه السلام بين يديه إذ جاءه جبرئيل يناجيه عن الله عزّ وجلّ ،فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فخذ أميرالمؤمنين عليه السلام فلم يرفع رأسه عنه حتّى غابت الشمس وصلّى عليه السلام صلاة العصرجالساً بالإيماء ، فلمّا أفاق النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال له : «ادع الله ليردّ عليك الشمس ، فإنّ الله يجيبك لطاعتك الله ورسوله» فسأل الله عزّ وجلّ أميرالمؤمنين في ردّ الشمس ، فردّت عليه حتّى صارت في موضعها من السماء وقت العصر، فصلّى أميرالمؤمنين الصلاة في وقتها ثمّ غربت ، وقالت أسماء بنت عميس : أما والله لقد سمعنا لها عند غروبها صريراً كصرير المنشار في الخشب(1).

_________

[9] ومعنى «اعصوصبوا»: اجتمعوا على قلعها وصاروا عصبة واحدة.
[10] ومعنى «اهوى لها» : مدّ إليها، والمغالب : الرجل المغالب .
[11] والحزوّر: الغلام المترعرع ، والعبل : الغليظ الممتلئ .
[12] والمتسلسل : الماء السلسل في الحلق ، ويقال أنه البارد أيضاً .
[14] وابن فاطمة : هو أميرالمؤمنين عليه السلام . انتهى كلامه ، رفع الله مقامه . نقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار 41: 262 ـ 266 .
(1) ارشاد المفيد 1 :345 ، مناقب ابن شهرآشوب2: 317، كشف الغمة 1: 282، ودون ذيله في فضائل ابن شاذان 68 ، وارشاد القلوب : 277، ونحوه في قرب الاسناد: 175 | 644 والكافي 4 : 561 | 7 ، وعلل الشرائع : 351 | 3 ، والذرية الطاهرة للدولابي : 129 | 156 ، ومشكل الاثار للطحاويَ 2: 8 ـ 9 و 4 | 388 ـ 389، والمعجم الكبير للطبراني 24: 144 | 382 ومناقب ابن المغازلي : 96 | 140 ـ 141، ومناقب الخوارزمي : 217

=


( 351)
وأما الثانية : أنّه لمّا أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبيردوابّهم ورحالهم ، وصلّى بنفسه في طائفة معه العصر، فلم يفرغ الناس من عبورهم حتّى غربت الشمس وفات كثيراً منهم الصلاة، وفات جمهورهم فضل الجماعة معه ، فتكلّموا في ذلك ، فلمّا سمع كلامهم فيه سأل الله عزّوجلّ ردّ الشمس عليه فاجابه بردّها عليه ،فكانت في الأفق على الحالة التي تكون وقت العصر، فلمّا سلّم بالقوم غابت فسمع لها وجيب شديد .
وفي ذلك يقول السيد الحميري :
ردت عَلَيهِ الشَّمسُ لمّا فاتَهُ * وَقتُ الصَّلاةِ وَقَد دَنَت للمغربِ
حَتّى تبلَّجَ نورها في وَقتِها * لَلعَصرِثُمَّ هوت هَوِيَّ الكَوكَبِ
وَعَليهِ قَدحُبِسَت بِبابلَ مَرّةً * اُخرى وما حُبِست لِخلقٍ مُعرب
إلاّ لَيُوشَعَ أَو لَهُ مِن بَعدهِ * وَلِرَدِّها تَأوِيلُ أمرٍ مُعجب (1)

ومن ذلك : ما رواه نقلة الأخبار من حديث الثعبان ، والأية فيه أنَّه كَان عليه السلام يخطب ذات يوم على منبر الكوفة إذ ظهرثعبان من جانب المنبر، فجعل يرقى حتى دنا من منبره ، فارتاع لذلك الناس وهمّوا بقصده ودفعه عنه ، فاومأ إليهم بالكفّ عنه ، فلمّا صار إلى المرقاة التي كان أميرالمؤمنين عليه السلام قائماً عليها انحنى إلى الثعبان وتطاول الثعبان إليه حتّى التَقَمَ اُذنه ، وسكت الناس وتحيّروا لذلك ، فنقّ نقيقاً سمعه كثيرٌ منهم ، ثمّ إنّه زال عن مكانه وأمير المؤمنين عليه السلام يحرّك شفتيه والثعبان كالمصغي إليه ، ثمّ
_________

=

وتذكرة الخواص: 55، فتح الباري 6: 168، وانظر طرقه في تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي (ع ) ـ 2 : 283 ـ 305، والغدير 3: 127 ـ 141.
(1)ارشادالمفيد 1: 346، مناقب ابن شهرآشوب 2: 318 وأورد الأبيات الشعرية في ص 317 كشف الغمة1: 282 ، وباختلاف يسير دون ذكر أبيات السيد الحميري في إرشاد القلوب : 227، ونحوه في إثبات الوصية 1: 346 .

( 352)
انساب فكأنّ الأرض ابتلعته ، وعاد أميرالمؤمنين عليه السلام إلى خطبته فتممها، فلمّا فرغ منها ونزل اجتمع الناس إليه يسألونه عن حال الثعبان ، فقال لهم : «إنّما هوحاكم من حكّام الجنّ التبست عليه قضيّة فصار إليّ يستفتيني عنها، فافهمته إيّاها ودعا إليَّ بخير وانصرف»(1).
ومن ذلك : حديث الحيتان وكلامهم له في فرات الكوفة، وذلك أنّ الماء طغى في الفرات حتّى أشفق أهل الكوفة من الغرق ، ففزعوا إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ، فركب بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وخرج الناس معه حتّى أتى شاطىء الفرات فنزل عليه السلام وأسبغ الوضوء وصلّى ، والناس يرونه ،ودعا الله عزّ وجلّ بدعوات سمعها أكثرهم ، ثمّ تقدّم إلى الفرات متوكّئاً على قضيب بيده حتّى ضرب به صفحة الماء وقال : «انقص بإذن الله ومشيئته» فغاض الماء حتّى بدت الحيتان من قعره ، فنطق كثيرمنها بالسلام عليه بإمرة المؤمنين ولم ينطق منها اصناف من السمك وهي الجرّيّ والمارماهي ، فتعجّب الناس لذلك ، وسألوه عن علّة نطق ما نطق وصمت ما صمت ، فقال : «أنطق الله لي ما طهرمن السمك ، وأصمت عنّي ما نجس وحرم»(2).
وهذا الخبر مستفيض أيضاً كاستفاضة كلام الذئب للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وتسبيح الحصى في كفّه وأمثال ذلك .
ومن ذلك : ما جاء في الآثار عن ابن عبّاس قال : لمّا خرج النبيّ
_________
(1) ارشاد المفيد 1 : 348، روضة الواعظين :119 ونحوه في بصائر الدرجات 117، واثبات الوصية: 129، وبشارة المصطفى : 164،والفضائل لابن شاذان : 70 .
(2) ارشاد المفيد1: 347، روضة الواعظين : 119 ، مناقب ابن شهرآشوب 2: 330، ومختصراً في خصائص الرضي : 58، واثبات الوصية :128 ، ونحوه في فضائل ابن شاذان : 106 ، وكشف الغمة 1 : 275 .

( 353)
صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى بني المصطلق ونزل بقرب واد وعر، فلمّا كان آخر الليل هبط عليه جبرئيل عليه السلام يخبره عن طائفة من كفّار الجنّ قد استبطنوا الوادي يريدون كيده وإيقاع الشرّ باصحابه ، فدعا أميرالمؤمنين عليه السلام وقال : «اذهب إلى هذا الوادي فسيعرض لك من أعداء الله الجنّ من يريدك ، فادفعه بالقوّة التي أعطاك الله عزّ وجلّ إيّاها،وتحصّن منه بأسماء الله التي خصّك بها وبعلمها» وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس وقال لهم : «كونوا معه وامتثلوا أمره» .
فتوجّه أميرالمؤمنين عليه السلام إلى الوادي ، فلما قارب شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفيرولا يحدثوا شيئاً حتّى يأذن لهم ، ثمّ تقدّم فوقف على شفير الوادي وتعوّذ باللهّ من أعدائه ، وسمّاه باحسن أسمائه ، وأومأ إلى القوم الذين تبعوه أن يقربوا منه ، فقربوا ، وكان بينه وبينهم فرجة مسافتها غلوة، ثمّ رام الهبوط إلى الوادي فاعترضت ريح عاصف كاد القوم يقعون على وجوههم لشدّتها، ولم تثبت أقدامهم على الأرض من هول ما لحقهم ، فصاح أميرالمؤمنين عليه السلام : «أنا عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطّلب وصيّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وابن عمّه، اثبتوا إن شئتم» فظهر للقوم أشخاص مثل الزط (1) تخيّل في أيديهم شعل النار، قد اطمانّوا وأطافوا بجنبات الوادي .
فتوغّل أميرالمؤمنين عليه السلام بطن الوادي وهو يتلو القرآن ويومئ بسيفه يميناً وشمالاً، فما لبثت الأشخاص حتّى صارت كالدخان الأسود ، وكبّرأميرالمؤمنين عليه السلام ثمّ صعد من حيث هبط ، فقام مع القوم الذين
_________
(1) الزُط (بالضم ) : جيل من الهند معرب جت بالفتح ، الواحد زطي وهو المستوي الوجه . «القاموس المحيط 2: 362» .

( 354)
اتّبعوه حتّى أسفر الموضع عمّا اعتراه ، فقال له أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ما لقيت يا أبا الحسن ، فقد كدنا نهلك خوفاً وإشفاقاً عليك ؟ فقال عليه السلام : «لمّا تراءى لي العدو جهرت فيهم باسماء الله فتضاءلوا وعلمت ما حلّ بهم من الجزع ، فتوغّلت الوادي غيرخائف منهم ، ولو بقوا على هيئاتهم لأتيت على آخرهم ،وكفى الله كيدهم وكفى المسلمين شرّهم ، وستسبقني بقيّتهم إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فيؤمنوا به».
وانصرف أميرالمؤمنين عليه السلام بمن معه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فاخبره الخبر فسرى عنه ودعا له بخير وقال له : «قد سبقك يا علي إليّ من أخافه الله بك فاسلم وقبلت إسلامه»(1).
ومن ذلك : ما أبانه الله تعالى به من القوّة الخارقة للعادة في قلعِ باب خيبر ودحوه به ، وكان من الثقل بحيث لا يحمله أقلّ من أربعين رجلاّ، ثمّ حمله إيّاه على ظهره فكان جسراً للناس يعبرون عليه إلى ذلك الجانب ، فكان ذلك علماً معجزاً(2).
ومن ذلك : إنقضاض الغراب على خفه وقد نزعه ليتوضّأ وضوء الصلاة، فانساب فيه أسود، فحمله الغراب حتّى صار به في الجوّ ثمّ ألقاه فوقع منه الأسود ووقاه الله عزّ وجلّ من ذلك (3).
وفي ذلك يقول الرضي الموسوي رضي الله عنه :
أما في باب خيبر معجزات * تصدّق أو مناجاة الحباب

_________
(1) ارشاد المفيد 1: 339، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 18 : 84 | 3 .
(2) انظر: سيرة ابن هشام 3: 349 و 350، تاريخ الطبري 3: 13، تاريخ اليعقوبي 2 : 56، تاريخ الاسلام للذهبي (المغازي): 441 و 412.
(3) مناقب ابن شهر اشوب 2 : 356 .

( 355)
أرادت كيده والله يأبى * فجاء النصر من قبل الغراب (1)
ومن ذلك : ما رواه عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر الباقر عليهما السلام من قوله عليه السلام لجويرية بن مسهروقد عزم على الخروج : «أما إنّه سيعرض لك في طريقك الأسد» قال : فما الحيلة له ؟ قال : «تقرظ منّي السلام وتخبره أنّي أعطيتك منه الأمان» .
فخرج جويرية، فبينا هو كذلك يسير على دابّته إذ أقبل نحوه أسد لا يريد غيره ، فقال له جويرية : يا أبا الحارث ، إنّ أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقرؤك السلام ، وانّه قدآمنني منك ، قال : فولّى الليث عنه مطرقاً برأسه يهمهم حتّى غاب في الأجمة، فهمهم خمساً ثمّ غاب ، ومضى جويرية في حاجته .
فلمّا انصرف إلى أميرالمؤمنين عليه السلام وسلّم عليه وقال : كان من الأمركذا وكذا فقال : «ما قلت للّيث وما قال لك ؟» .
فقال جويرية: قلت له ما أمرتني به وبذلك انصرف عنّي ، وأمّا ما قال الليث فالله ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ووصيّ رسوله أعلم .
قال : «إنّه ولّى عنك يهمهم ، فاحصيت له خمس همهمات ثمّ انصرف عنك».
قال جويرية : صدقت يا أميرالمؤمنين هكذا هو.
فقال عليه السلام : «فإنّه قال لك : فاقرأ وصيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم منّي السلام» وعقد بيده خمساً(2).
ولو ذهبنا نجتهد في إيراد أمثال هذه من الأيات والمعجزات لطال به
_________
(1) ديوان الشريف الرضي 1: 116.
(2) مناقب ابن شهرآشوب 2 : 304 .

( 356)
الكتاب ، وفيما أثبتناه من ذلك غنى عمّا سواه ، وبالله نستعين ، وإيّاه نستهدي إلى الهدى والحقّ والصواب .

***

( 357)
( الباب الرابع )

في ذكر بعض مناقبه
وفضائله وخصائصه عليه السلام
التي أبانه الله سبحانه بها عن غيره
سوى ما تقدّم ذكره في جملة من النصوص على إمامته
والإرهاص لإيجاب طاعته
وذكر مختصر من أخباره وحسن اثاره

( 358)
إعلم : أنّ فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام ومناقبه وخصائصه كثيرة لا يتّسع لها كتاب ولا يحويها خطاب ، وليست الشيعة مختصّة بروايتها وإن اختصّت بكثير منها، فقد روت العامّة والمخالفون من ذلك ما لا يحصى عدده ، ولا ينقطع مدده ، ولقد قال الأجلّ المرتضى علم الهدى قدّس الله روحه : سمعت شيخاً مقدّماً في الرواية من أصحاب الحديث يقال له : أبوحفص عمر بن شاهين (1)، يقول : إنّي جمعت من فضائل عليّ عليه السلام خاصّة ألف جزء .
وأمّا ما رواه أصحابنا من ذلك فلا تجتمع أطرافه ، ولا تعدّ آلافه ، وأنا اُورد من جملتها اُناسي العيون ونفوس الفصوص ومتخيِّر المتحيّر سالكاً طريقة منصور الفقيه في قوله :

_________
(1) أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد البغدادي الواعظ المعروف بابن شاهين .
ولد في صفرسنة سبع وتسعين ومائتين ، وأصله مروروذ من كورخراسان .
روي عنه أنه قال : أول ما كتبت الحديث في سنة ثمان وثلاثمائة وكان لي إحدى عشرة سنة ، وصنفت ثلاثمائة مصنّف ، أحدها : «التفسير الكبير» ألف جزء ، و«المسند» ألف وثلاثمائة جزء و«التاريخ» مائة وخمسين جزء و«الزهد» مائة جزء ، وأول ما حدّثت بالبصرة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة .
سمع أبا بكرمحمد بن محمد الباغندي ، وأبا القاسم البغوي ، وأبا خُبيب العباس بن البرتي ، وأبا بكر بن أبي داود، وغيرهم .
وحدَث عنه : أبا بكر محمد بن إسماعيل الوراق رفيقه ، وأبو سعد المالني ،وأبو بكر البرقاني ، وأحمد بن محمد العتيقي .
وثقه أبو الفتح بن أبي الفوارس ، وأبو بكر الخطيب ، والأمير أبو نصر، وأبو الوليد الباجي ، وأبو القاسم الأزهري .
توفي في ذي الحجة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، ودفن بباب حرب عند قبر أحمد بن حنبل .
انظر: تاريخ بغداد 11: 265 ـ 268، سيرأعلام النبلاء 16: 431.

( 359)
قالوا: خُذِ العَنَ مِن كلّ ، فقلتُ لهم * فِي العَينِ فَضلٌ ، وَلكِن ناظرُالعَينِ
حَرفَينِ مِن ألفِ طُومارٍ مُسوّدة * وَربّما لَم تجدْ فِي الألفِ حَرفينِ
وأثبتها محذوفة الأسانيد تعويلاً في ذلك على إشتهارها بين نقلة الآثار، واعتماداً على أنّ نقلها من كتب محكومة بالصحّة عند نقّاد الأخبار، وجعلتها أربعة فصول :

( 360)
( الفصل الأول )
في ذكر نبذ من خصائصه
التي لم يشركه فيها غيره
وهي فنون كثيرة، وفوائدها جمّة غزيرة، وبينونته عليه السلام بها عن جميع البشر واضحة منيرة .
فمنها: سبقه كافّة الخلق إلى الايمان .
فقد صحّ عنه عليه السلام أنّه قال : «أنا عبدالله وأخو رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم ، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب مفتر، ولقد صلّيت قبل الناس سبع سنين »(1).
وعن أبي ذرّ: أنّه سمع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول في عليّ : «أنت أوّل من امن بي ، وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصدّيق الأكبر، وأنت الفاروق تفرّق بين الحقّ والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكافرين» .(2)

_________
(1) انظر: الخصال : 401 | 110 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 16 ، العمدة لابن بطريق : 64 | 76، الطرأئف لابن طاووس 20 | 12 ، المصنف لابن أبي شيبة 12 : 65 | 12133 ، سنن ابن ماجة 1 : 4 4 | 120 ، السنة لابن أبي عاصم 2 : 598، فضائل أحمد: 78 | 117 ، خصائص النسائي 24: 7، تاريخ الطبري 2: 212، الأوائل لأبي هلال العسكري 1: 194، مستدرك الحاكم 3: 13 ، نقض العثمانية للاسكافي : 290 ، فرائد السمطين 1: 248 | 192 ، ميزان الاعتدال 3 : 101 و 102 .
(2) انظر: أمالي الصدوق : 171 | 5 ، ارشاد المفيد ا : 31 و32، امالي الطوسي 1: 147، اختيارمعرفة الرجال 1: 113 | 51، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 6، اليقين لابن طاووس : 195 ، انساب الأشراف للبلاذري2: 118 | 74، تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي

=


( 361)
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنّه لم يرفع إلى السماء شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله إلاّ منّي ومن علي» (1).
وعن أبي أيّوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم : «لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنّه لم يصلّ معي رجل غيره»(2).
وعن أبي رافع قال : صلّى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم غداة الاثنين ، وصلّت خديجة يوم الاثنين اخر النهار، وصلى علي يوم الثلاثاء صلاة الغداة(3).
وقال عليّ عليه السلام : «فكنت اُصلّي سبع سنين قبل الناس(4).
وفي ذلك يقول خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين :
إذا نحن بايعنا عليّاً فحسبنا * أبوحسن ممّانخاف من الفتن
وجدناه أولى الناس بالناس أنّه * أطبّ قريش بالكتاب وبالسنن

_________

=

(ع ) - 1 : 87 | 119ونقله المجلسي في بحار الأنوار38: 227 | 33
. (1) الفصول المختارة : 215 ، ارشاد المفيد ا : 31 ، العمدة لابن بطريق : 65 | 79 ، طرائف ابن طاووس : 19 | 8، شواهد التنزيل للحسكاني 2 : 125 | 819،مناقب ابن المغازلي : 14 | 19 ، مناقب الخوارزمي : 19 ، تاريخ ابن عسماكر ـ ترجمة الامام علي (ع ) ـ 1 : 14 | 19 نقله المجلسي في بحار الأنوار 38: 226 | 31
(2) الفصول المختارة : 211 مناقب ابن شهرآشوب : 2 | 16 ، العمدة لابن بطريق : 65 | 78، طرائف ابن طاووس : 19 | 7 ، مناقب ابن المغازلي : 13 | 17 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام علي (ع ) ـ 1 : 80 | 113، اُسد الغابة 4 : 18 ، ذخائر العقبى : 64 .
(3) مناقب ابن شهرآشوب 2 : 15 ، وباختلاف يسير في تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي (ع ) ـ1: 48 | 70 و 71، مناقب الخوارزمي : 21 ، ذخائر العقبى : 59.
(4) مناقب ابن شهرآشوب2: 7 و 16 و 17 ، مسند الإمام علي (ع ) للسيوطي : 18 /58، وفيهما نحوه.

( 362)
ففيه الذي فيهم من الخيركلّه * ومافيه مثل الذي فيهم من حسن
وصيّ رسول الله من دون أهله * وفارسه قدكان في سالف الزمن
وأول من صلّى من الناس كلّهم * سوى خيرة النسوان والله ذومنن(1)
وفيه يقول ربيعة بن الحارث بن عبدالمطّلب :
ما كنتُ أحسبُ أن الأمر(منصرف )(2) * من هاشم ثمّ منها عن أبي حسن
أليس أوّل من صلّى بقبلتهم * وأعرف الناس بالأثار والسنن
وآخر الناس عهداً بالنبيّ ومن * جبرئيلُ عونٌ له في الغسلِ والكَفنِ (3)
ومنها: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم حمله حتى طرح الأصنام من الكعبة .
فروى عبد الله بن داود، عن نعيم بن أبي هند، عن أبي مريم ، عن عليّ عليه السلام قال : «قال لي رسول الله : احملني لنطرح الأصنام من الكعبة، فلم أطق حمله ، فحملني ، فلوشئت ان أتناول السماء فعلت» (4).

_________
(1) مستدرك الحاكم 3 : 114 ،وأورد الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : 127 البيت الأول ولأخير.
(2) في نسخة«ط» : منتقل .
(3) الفصول المختارة : 216 ، وسليم بن قيس في كتابه : 78 عن العباس ، وارشاد المفيد ا : 32 عن خزيمة بن ثابت الأنصاريَ ، والجمل : 58عن عبدالله بن أبي سفيان بن الحارث ابن عبدالمطلب ، وفي تاريخ اليعقوبي 2: 124 عن عتبة بن أبي لهب ، ومناقب الخوارزمي : 8 عن العباس بن عبدالمطلب .
(4) تاريخ ابن أبي شيبة: 79 ل ، مسند أحمد ا : 4 8 و151 ، خصائص النسائي : 134 | 122 ، المقصد العلي لأبي يعلى الموصلي : ق 121 | 2 ، تهذيب الأثار لابن جرير: 405 و 406 ، مستدرك الحاكم 2: 366 و 3 : 5 ، تاريخ بغداد 13: 302، مناقب ابن المغازلي :202 | 240 ، مناقب الخوارزمي : 71 ، كفاية الطالب : 257 ، ذخائر العقبى : 85 ، الرياض النضرة 3: 170، فرائد السمطين 1: 249 ونقله المجلسي في بحار الأنوار

=


( 363)
وفي حديث آخر طويل قال عليّ : «فحملني النبيّ عليه السلام فعالجت ذلك حتّى قذفت به ونزلت - أو قال : نزوت - » الشكّ من الراوي(1).
ومنها : حديث المؤاخاة .
فقد اشتهرفي الرواية : انه صلّى الله عليه وآله وسلّم آخى بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عثمان وعبدالرحمن بن عوف ، وبين ابن مسعود وأبي ذرّ، وبين سلمان وحذيفة ، وبين المقداد وعمّار بن ياسر، وبين حمزة بن عبدالمطّلب وزيد بن حارثة، وضرب بيده على علي فقال : «أنا أخوك وأنت أخي»(2).
فكان عليّ إذا أعجبه الشيء قال : «أنا عبدالله وأخو رسوله ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب»(3).
وعن أبي هريرة - في حديث طويل -: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم آخى بين أصحابه وبين الأنصار والمهاجرين ، فبدأ بعلي بن أبي طالب عليه السلام فاخذ بيده وقال : «هذا أخي (4) - وفي خبرآخر: أنت أخي (5) - في الدنيا والأخرة» فكان رسول الله وعلي أخوين .

_________

=

-38: 84 / 3. (1) نقله المجلسي في بحار الأنوار 38: 84 / 3 .
(2 ) فضائل احمد : 94 | 141 و120 | 117 ، تاريخ ابن عساكر- ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 135 | 167 ، كفاية الطالب ، الرياض النضرة 3 :125 ، فرائد السمطين 1 : 117 | 82 .
(3) المصنف لابن أبي شيبة12: 62 | 12128 ، خصائص النسائي : 85 | 67 ، الاستيعاب لابن عبدالبر 3 : 35، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع ) ـ 1: 136 | 168 .
(4) سيرة ابن هشام 2 : 150 ، مناقب ابن المغازلي : 38 | 60 ، اسد الغابة 317 ، : الاصابة 2 : 501 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 38 :341 | 16 .
(5) صحيح الترمذي 5: 636 | 3720، مستدرك الحاكم 3: 14، الاستيعاب لابن عبدالبر

=


( 364)
ومنها: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم تفل في عينيه يوم خيبرودعا له بأن لا يصيبه حرّ ولا قرّ، فكان عليه السلام بعد ذلك لا يجد حرّاً ولا قرّاً، ولا ترمد عينه ، ولا يصدع ، فكفى بهذه الخصلة شرفاً وفضلاً.
فروي عن عبدالرحمن بن أبي ليلى : أنّ الناس قالوا له : قد أنكرنا من أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه يخرج في البرد في الثوبين الخفيفين وفي الصيف في الثوب الثقيل والمحشوّ، فهل سمعت أباك يذكر أنّه سمع من أميرالمؤمنين عليه السلام في ذلك شيئاً؟ قال : لا، قال : وكان أبي يسمرمع علي بالليل ، فسألته قال : فسأله عن ذلك فقال : يا أميرالمؤمنين إنّ الناس قد أنكروا ، وأخبره بالذي قالوا .
فقال : «أوما كنت معنا بخيبر؟» قال : بلى .
قال : «فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعث أبا بكر وعقد له لواء، فرجع وقد انهزم هو وأصحابه . ثمّ عقد لعمرفرجع منهزماً بالناس .
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : والذي نفسي بيده لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ليس بفرّار، يفتح الله على يده ، فارسل إليّ وأنا أرمد فتفل في عيني ، وقال : اللهمّ اكفه أذى الحرّ والبرد، فما وجدتُ حرّاً بعد ُولا برداً»(1).

_________

=

3 : 35، مناقب ابن المغازلي : 57 | 37 و 38 | 59 ، مصابيح البغوي 4: 173 | 4769، مقتل الخوارزمي : 48 ، اُسد الغابة 4: 29 ، الاصابة 2 : 507 | 5688، لسان الميزان 3 : 9 .
(1) المصنف لابن أبي شيبة 12: 62 | 12129 ، خصائص النسائي : 39 | 14 و 159 | 151 ، تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي (ع ) ـ1: 217 | 261 و 262، دلائل النبوة للبيهقي 4: 213 ، مجمع الزوائد 9: 122، ومختصراً في سنن ابن ماجة 1: 43، ومسند أحمد 1 : 99و 133، ومسند البزاز: ق 105 | 1 ، وزوائد الفضائل للقطيعي : 1084 ، ومستدرك الحاكم 3: 37، ووافقه الذهبي في ذيل المستدرك ، ودلائل النبوة لأبي نعيم الاصبهاني

=


( 365)
وفي رواية اُخرى : «فنفث في عيني فما اشتكيتها بعد، وهزّ لي الراية فدفعها إليّ ، فانطلقت ، ففتح لي ، ودعا لي أن لا يضرّني حرّ ولا قر»(1).
وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت :
وَكانَ عليّ أرمدَ العينِ يَبتغي* دواءً فَلَمّالم يحسن مُداويا
شفاهُ رسولُ اللهِ منهُ بتفلةٍ * فبوركَ مَرقيّاً ويُورك راقيا
وقال ساُعطي الراية اليومَ صارماً * كميّا مُحبّاً للرّسولِ مُواليا
يُحبّ إلهي والإلهُ يُحبّهُ * بهِ يفتحُ الله الحصونَ الأوابيا
فَاصفى بها دونَ البريّةِ كلّها * عليّاً وسمّاه الوزيرَالمؤاخيا(2)
وروى حبيب بن أبي ثابت ، عن الجعد مولى سويد بن غفلة، عن سويد بن غفلة قال : لقينا عليّاً في ثوبين في شدّة الشتاء، فقلنا له : لا تغتر بارضنا هذه ، فإنّها أرض مقرّة ليست مثل أرضك .
قال : «أما إنّي قد كنت مقروراً، فلمّا بعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى خيبرقلت له : إنّي أرمد، فتفل في عيني ودعا لي ، فما وجدت برداً ولا حرّاً بعد، ولا رمدت عيناي »(3).
ومنها: ما قاله فيه يوم خيبر، ممّا لم يقله في أحد غيره ، ولا يوازيه إنسان ، ولا يقارنه فيه ، فقد ذكر أبوإسحاق إبراهيم بن سعيد الثقفيّ في كتاب المعرفة : حدّثني الحسن بن الحسين العرفي -وكان صالحاً- قال : حدّثنا
_________

=

2 : 956 | 391، وحلية الأولياء 4 : 356، ومناقب أبن المغازلي:74 | 110 .
(1) نقله المجلسي في بحار الأنوار41: 282 | ذيل ح 5 .
(2) ارشاد المفيد 1: 128، العمدة لابن بطريق :155 | 238، مناقب ابن المغازلي:185 كفاية الطالب : 104 ، الفصول المهمة : 37 .
(3) فرائد السمطين 1: 264 | 206، مجمع الزوائد9 : 122.

( 366)
كادح بن جعفر البجلي ـ وكان من الأبدال (1) ـ عن ابن لهيعة، عن عبدالرحمن بن زياد، عن مسلم بن يسار، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا قدم عليّ عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بفتح خيبر قال له رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم : «لولا أن يقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم قولاً لا تمرّ بملأ إلاّ أخذوا من تراب رجليك ومن فضل طهورك فيستشفون به ، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك ، ترثني وأرثك ، وأنك منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنّك تؤدّي ذمتي ، وتقاتل على سنّتي ، وأنّك في الآخرة غداً أقرب الناس منّي ، وأنّك غداً على الحوض خليفتي ، وأنّك أوّل من يرد عليّ الحوض غداً، وأنك أول من يكسى معي ، وأنّك أوّل من يدخل الجنّة من اُمّتي ، وأنّ شيعتك على منابر من نور، مبيضّة وجوههم حولي ، أشفع لهم ، ويكونون في الجنّة جيراني ، وأنّ حربك حربي ، وأنّ سلمك سلمي ، وأنّ سرّك سرّي ، وأنّ علانيتك علانيتي ، وأنّ سريرة صدرك كسريرة صدري ، وأنّ ولدك ولدي ، وأنّك منجز عدتي ، وأنّ الحقّ معك ، وأنّ الحقّ على لسانك وفي قلبك وبين عينيك ، وأنّ الإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وأنّه لا يرد على الحوض مبغض لك ، ولن يغيب عنه محبّ لك غداً حتّى يردوا الحوض معك ».
فخرّ عليّ عليه السلام لله ساجداً، ثمّ قال : «الحمد لله الذي منّ عليّ بالإسلام ، وعلّمني القرآن ، وحبّبني إلى خير البريّة خاتم النبيّين وسيّد المرسلين ، إحسانأ منه إليّ ، وفضلاً منه عليّ» .

_________
(1) الابدال : المبرّزون في الصلاح ، وسموا أبدالاً لأنّهم كلما مات منهم واحد اُبدل بآخر. «انظر: لسان العرب 11: 49».

( 367)
فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عند ذلك : «لولا أنت يا عليّ لم يعرف المؤمنون بعدي»(1).
وهذا الخبر بما تضمنه من مناقب أميرالمؤمنين عليه السلام لو قسّم على الخلائق كلّهم من أوّل الدهر إلى آخره لاكتفوا به شرفاً ومكرمة وفخراً.
ومنها: أن شرّفه الله تعالى بطاعة النار له عليه السلام .
روى الأعمش ، عن خيثمة، عن عبد الله بن عمر قال : سمعت عليّاً عليه السلام يقول : «أنا قسيم النار، أقول : هذا لي وهذا لك »(2).
قال : وحدّثني موسى بن طريف ، عن عباية بن ربعي قال : سمعت عليّاً عليه السلام يقول : «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّي لقسيم النار، أقول : هذا لي وهذا لك ».
قال : فذكرته لمحمّد بن أبي ليلى فقال : يعني : أنّ وليّي في الجنّة
_________
(1) أمالي الصدوق : 86 ، كنز الفوائد 2: 179 ، مناقب ابن المغازلي :237 | 285، كفاية الطالب : 264 ، وقطعه منه في مناقب الخوارزمي : 220 ، مجمع الزوائد 9: 131 .
(2) لم يعد بمستغرب ان تجد. جملة كبيرة من الاحاديث الصحيحة والمشهورة تتعرض للتكذيب والطعن من قبل الامويين أو ممّن تشبع بروحهم المناصبة العداء لاهل البيت عليهم السلام . ، فهذا هو ديدنهم ، وتلك هي شمائلهم ، منذ بدء الدعوة الاسلامية المباركة والى يومنا هذا ، والامر لا يحتاج الى سرد وتوضيح ، فهو اجلى من الشمس في رابعة النهار، ولنا على صحة قولنا الف شاهد والف دليل .
ولعل من الاحاديث التي نالها بغض الامويين لاهل البيت عليهم السلام ، ولا سيما أمير المؤمنين عليه السلام حديث (قسيم النار) المشهور الذي حدث به الاعمش وغيره ، وحيث تجد إلى جانب ذلك الحديث كلام ممجوج يحاول الطعن بهذا الحديث دون حجة أو دليل .
نعم ، بل وتجد اشارات واضحة إلى محاولة ذلك البعض المنحرف لثني الاعمش عن رواية هذا الحديث أو تكذيبه ، على ما ذكر ذلك الذهبي في لسان الميزان (3: 347) حيث ذكر عن عيسى بن يونس انه قال : ما رأيت الاعمش خضع إلآ مرة واحدة،فأنّه

=


( 368)
وعدوّي في النار. قلت : سمعته ؟ قال : نعم(1).
وروى جابر الجعفي قال : أخبرني وصيّ الأوصياء قال : «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعائشة : لا تؤذيني في عليّ ، فإنه أميرالمؤمنين ، وسيّد المسلمين ، يقعده الله غداً يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار»(2).
ومنها : ما رواه عباد بن يعقوب ، ويحيى بن عبدالحميد الحماني قالا : حدّثنا عليّ بن هاشم ، عن محمّد بن عبيدالله ، عن أبيه عبيداللهّ بن أبي رافع ، عن جدّه ابي رافع قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم كان إذا جلس ثمّ أراد أن يقوم لا يأخذ بيده غير عليّ عليه السلام ، وإنّ أصحاب
_________

=

حدثنا بهذا الحديث ـ أنا قسيم النارـ فبلغ ذلك أهل السنة فجاءوا فقالوا : التحديث بهذا يقوي الرافضية والزيدية والشيعة، فقال [اي الاعمش] : سمعته فحدًثت به .
قال : فرأيته خضع ذلك اليوم .
بل وروى القاضي ابن ابي يعلى في طبقات الحنابلة ما هذا لفظه : سمعت محمّد بن منصور يقول : كنّا عند احمد بن حنبل فقال رجل : يا أبا عبدالله، ما تقول في هذا الحديث الذي يروى ان علياً قال : «انا قسيم النار» .
فقال : وما تنكرون من ذا؟ أليس قد روينا ان النبي صلّى الله عليه وآله قال لعلي : «لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلآ منافق ؟» قلنا: بلى .
قال : فاين المؤمن ؟ قلنا: في الجنة .
قال : واين المنافق ؟ قلنا : في النار.
قال : فعلي قسيم النار.
(1) أمالي الطوسي 2 : 241، مناقب ابن شهراشوب 2 : 157 ، تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي (ع ) ـ 2 : 244 | 754 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 :260 ، فرائد السمطين 1 : 254 | 325 ، ولم يرد فيها ذيل الرواية .
(2) كتاب سليم بن قيس : 141 | ذيل حديث 30 ، أمالي الطوسي 1: 296 ، بشارة المصطفى : 148، اليقين : 541.