(الفصل الثالث )
في ذكر سبب قتل أمير المؤمنين عليه السلام
روى جماعة [من] أهل السير: أن نفراً من الخوارج اجتمعوا بمكّة فتذاكروا الاُمراء وعابوهم وذكروا أهل النهروان فترحّموا عليهم فقال بعضهم لبعض : لو شرينا أنفسنا لله وثأرنا لإخواننا الشهداء، وأرحنا من أئمّة الضلالة البلاد والعباد .
فقال عبدالرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله : أنا أكفيكم عليّاً.
وقال البرك بن عبدالله التميميّ : أنا أكفيكم معاوية .
وقال عمرو بن بكر التميمي: أنا أكفيكم عمرو بن العاص .
وتعاهدوا على ذلك وتواعدوا ليلة تسع عشر من شهر رمضان .
فاقبل ابن ملجم ـ عدو الله ـحتى قدم الكوفة كاتماً أمره ، فبينا هوهناك إذ زار أحداً من أصحابه من تيم الرباب ، فصادف عنده قطام بنت الأخضر التيميّة ـ وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان وكانت من أجمل نساء زمانها ـ قال : فلمّا رآها ابن ملجم شغف بها، فخطبها فاجابته إلى ذلك على أن يصدقها ثلاثة آلاف درهم ووصيفاً وخادماً وقتل عليّ بن أبي طالب !!
فقال لها: لك جميع ما سألت ، فامّا قتل عليّ فانّى لي ذلك ؟
قالت : تلتمس غرّته ، فإن قتلته شفيت نفسي وهنّاك العيش معي ، وإن قُتلت فما عند الله خيرٌ لك من الدنيا !!
فقال : ما أقدمني هذا المصر إلأ ما سألتني من قتل عليّ ، فلك ما سألت .
( 390)
قالت : فأنا طالبة لك من يساعدك على ذلك ، وبعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب فخبّرته الخبر وسألته معاونة ابن ملجم فأجابها إلى ذلك .
ولقي ابن ملجم رجلاً من أشجع يقال له : شبيب بن بجرة فقال : يا شبيب هل لك في شرف الدنيا والاخرة!! قال : وما ذاك ؟ قال : تساعدني في قتل عليّ ـ وكان يرى رأي الخوارج ـ فاجابه .
ثم اجتمعوا عند قطام ـ وهي معتكفة في المسجد الأعظم قد ضربت عليها قبّةـ فقالوا: قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل .
ثمّ حضروا ليلة الأربعاء لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، وجلسوا مقابل السدّة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين إلى الصلاة، وقد كانوا قبل ذلك ألقوا ما في نفوسهم إلى الأشعث وواطأهم عليه ، وحضر هو في تلك الليلة لمعونتهم .
وكان حجربن عديّ رحمه الله في تلك الليلة بائتاً في المسجد فسمع الأشعث يقول لابن ملجم : النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح ، فاحسّ حجر بما أراد الأشعث فقال له : قتلته يا أعور، وخرج مبادراً ليمضي إلى أمير المؤمنين عليه السلام ليخبره الخبر، فدخل عليه السلام المسجد فسبقه ابن ملجم لعنه الله فضربه بالسيف ، وأقبل حجر والناس يقولون : قُتل أمير المؤمنين .
وقد ضربه شبيب بن بجرة فأخطاه ووقعت ضربته في الطاق ومضى هارباً حتّى دخل منزله ودخل عليه ابن عمّ له فرآه يحلّ الحرير من صدره ، فقال : ما هذا لعلّك قتلت أميرالمؤمنين ؟ فاراد أن يقول : لا، فقال : نعم ، فضربه ابن عمّه بالسيف وقتله .
وأمّا ابن ملجم فإن رجلاً من همدان يقال له : أبو ذرّ لحقه وطرح عليه
( 391)
قطيفة كانت في يده ثمّ صرعه وأخذ السيف من يده وجاء به إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وأفلت الثالث فانسلّ بين الناس .
فلمّا أُدخل ابن ملجم لعنه الله على أميرالمؤمنين عليه السلام نظرإليه ثمّ قال : «النفس بالنفس ، إن أنا متّ فاقتلوه كما قتلني ، وإن سلمت رأيت فيه رأي » .
فقال ابن ملجم : والله لقد ابتعته بالف ، وسممته بالف ، فإن خانني فابعده الله .
فاُخرج من بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام والناس ينهشون لحمه باسنانهم وهم يقولون : يا عدوّ الله ماذا فعلت ، أهلكت اُمّة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قتلت خير الناس ، وهو صامت لا ينطق ، فذهب به إلى الحبس .
وجاء الناس إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقالوا له : مرنا بأمرك في عدوّ الله فقد أهلك الاُمّة وأفسد الملّة .
فقال : "إن عشت رأيت فيه رأي ، وإن هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبيّ ، اقتلوه ثمّ حرّقوه بالنار" .
فلمّا قضى أمير المؤمنين عليه السلام ، وفرغ من دفنه اُتي بابن ملجم لعنه الله فأمر به الحسن عليه السلام فضرب عنقه ، واستوهبت اُمّ الهيثم بنت الأسود النخعيّة جيفته منه فأحرقتها بالنار.
وأمّا الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العهد على قتل معاوية وعمرو بن العاص فإنّ أحدهما ضرب معاوية وهو راكع فوقعت ضربته في أليته فنجا منها، [فاُخذ] وقُتل من وقته .
وأمّا الاخر فإنّ عَمْراً وجد في تلك الليلة علّة فاستخلف رجلاً يصلّي
( 392)
بالناس يقال له : خارجة العامريّ ، فضربه بالسيف وهو يظنّ أنّه عمرو فاُخذ واُتي به عمرو فقتله ، ومات خارجة(1) .
_________
(1) ارشاد المفيد 1: 17 ، كشف الغمة 1: 428، وقطعة منه في : الطبقات الكبرى 3 : 35، الإمامة والسياسة 1 : 159 ، أنساب الأشراف 2 : 489| 524 ، تاريخ الطبري 5 : 143 ، مروج الذهب 2 : 411، مقاتل الطالبيين : 29، مناقب الخوارزمي : 275، الكامل في التاريخ 3: 389، كفاية الطالب : 460.

( 393)
(الفصل الرابع )
في موضع قبر أمير المؤمنين
عليه السلام وكيفية دفنه
جابر بن يزيد الجعفي قال : سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام أين دفن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ؟
قال : .«دفن بناحية الغريين قبل طلوع الفجر، ودخل قبره الحسن والحسين عليهما السلام ومحمّد بنوه ، وعبدالله بن جعفر رضي الله عنه »(1).
قال حبان(2) بن عليّ العنزي قال : حدّثنا مولى لعليّ بن أبي طالب عليه السلام قال : لمّا حضرت أمير المؤمنين الوفاة قال للحسن والحسين عليهما السلام : «إذا أنا متّ فاحملاني على سرير ثمّ اخرجاني ، واحملا مؤخر السرير فانكما تكفيان مقدّمه ، ثمّ ائتيابي الغريّين ، فإنّكما ستريان صخرة بيضاء تلمع نوراً فاحتفرا فيها فإنّكما ستجدان فيها ساجة، فادفناني فيها».
قال : فلمّا مات عليه السلام أخرجناه وجعلنا نحمل مؤخر السرير
_________
(1) ارشاد المفيد1: 24 فرحة الغري : 51.
(2) في نسختي «ق» و«م» : حيان (بالياء) وهو مختلف في ضبط اسمه ، إذ ضبطه العلامة الحلي وابن داود بالياء « انظر: خلاصة الرجال : 64 و 260 ، ايضاح الاشتباه : 97 ، رجال ابن داود: 136 و 352».
إلا أن الأقوى كونه حبّان (بالباء الموحدة) كما ضُبط في غير واحد من كتب رجال العامة . انظر: تهذيب التهذيب 2 :73 ، تقريب التهذيب 1: 147 ، الجرح والتعديل 3 : 270، تبصيرالمنتبه : 278 الضعفاء للنسائي : 89، الضعفاء للعقيلي 1: 193،

=


( 394)
ونكفى مقدّمه وجعلنا نسمع دويّاً وحفيفاً حتّى أتينا الغريّين فإذا صخرة بيضاء تلمع نوراً فاحتفرنا فإذ ساحة مكتوب عليها : هذا ما ادخره نوح عليه السلام لعليّ بن أبي طالب عليه السلام . فدفناه فيها وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام الله لأمير المؤمنين عليه السلام .
فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه ، فاخبرناهم بما جرى وبإكرام الله أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا : نحبّ أن نعاين من أمره ما عاينتم ، فقلنا لهم : إنّ الموضع قد عُفي أثره بوصيّة منه عليه السلام ، فمضوا وعادوا إلينا فقالوا : إنّهم احتفروا فلم يجدوا شيئاً(1) .
_________

=

الضعفاء لدارقطني : 301، الضعفاء الصغير للبخاري : 426 ، المجروحين لابن حبان
(1) ارشاد المفيد 1: 23 ، فرحة الغري 36 ، وصدره في : الخرائج والجرائح 1: 233| ذيل حديث 78 .

( 395)
(الباب الخامس)
في ذكر أولاد أمير المؤمنين
عليه السلام وعددهم وأسمائهم
وهم سبعة وعشرون ولداً ذكراً واُنثى : الحسن ، والحسين عليهما السلام ،وزينب الكبرى، وزينب الصغرى المكنّاة باُمّ كلثوم اُمّهم فاطمة البتول عليها السلام سيّدة نساء العالمين بنت سيّد المرسلين صلوات الله عليه وعليهما.
ومحمّد الأكبر المكنّى بأبي القاسم ، اُمّه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفيّة .
والعبّاس ، وجعفر، وعثمان ، وعبدالله الشهداء مع أخيهم الحسين عليه السلام بكربلاء ـ رضي الله عنهم ـأمّهم اُمّ البنين بنت حزام بن خالد بن دارم ، وكان العبّاس يكنّى أبا قربة لحمله الماء لأخيه الحسين عليه السلام ويقال له : السقّاء ، وقُتل وله أربع وثلاثون سنة ، وله فضائل ، وقتل عبدالله وله خمس وعشرون سنة، وقتل جعفربن عليّ وله تسع عشرة سنة.
وعمر، ورقيّة اُمّهما اُمّ حبيب بنت ربيعة وكانا توأمين.
( 396)
ومحمّد الأصغر المكنّى بابي بكر، وعبيدالله الشهيدان مع أخيهما الحسين عليه السلام بطفّ كربلاء واُمّهما ليلى بنت مسعود الدارميّة .
ويحيى ، اُمّه أسماء بنت عميس الخثعميّة وتوفي صغيراً قبل أبيه .
واُم الحسن ورملة اُمّهما اُمّ سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفيّ .
ونفيسة وهي اُمّ كلثوم الصغرى، وزينب الصغرى، ورقيّة الصغرى، واُمّ هانئ ، واُمّ الكرام ، وجمانة المكنّاة باُمّ جعفر، واُمامة، واُمّ سلمة، وميمونة ، وخديجة ، وفاطمة للاُمّهات أولاد شتّى .
وأعقب عليه السلام من خمسة بنين : الحسن والحسين عليهما السلام ، ومحمد والعباس وعمر رضي الله عنهم (1) .
وفي الشيعة من يذكر أنّ فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ذكراً كان سمّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وهو حمل ـ محسناً ، فعلى هذا يكون أولاده ثمانية وعشرون ولداً ، والله أعلم (2) .
أمّا زينب الكبرى بنت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فتزوجها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وولد له منها: عليّ ، وجعفر، وعون الأكبر، واُم كلثوم أولاد عبدالله بن جعفر، وقد روت زينب عن اُمّها فاطمة
_________
(1) ارشاد المفيد 1 : 354، كشف الغمة 1 :440 ، العدد القوية : 242 | 22 .
(2) عين هذه العبارة وردت في ارشاد الشيخ المفيد رحمه الله تعالى (1 : 355) وقد اشرنا في هامش الكتاب المنشور محققاً من قبل مؤسستنا إلى أن العديد من المصادر تؤكد بوضوح وجود المحسن ضمن أولاد علي من فاطمة عليهما السلام ، ولم يقتصر هذا الأمر في حدود كتب الشيعة، بل ان الكثير من كتب العامة ذكرت ذلك الامر وسلمت بوجوده من دون تعليق أو ترديد .
انظر : «الكافي 6 : 18 | 2 ، الخصال : 634 ، تاريخ اليعقوبي 2: 213، المناقب لابن شهرآشوب 3 : 358، تاريخ الطبري 5 : 153 ، أنساب الأشراف 2 : 189 ، الكامل في

=


( 397)
عليها السلام أخباراً .
وأمّا اُمّ كلثوم فهي التي تزوجها عمر بن الخطّاب . وقال أصحابنا : إنّه عليه السلام إنّما زوّجها منه بعد مدافعة كثيرة وامتناع شديد واعتلال عليه بشيء بعد شيء حتّى ألجاته الضرورة إلى أن رد أمرها إلى العبّاس بن عبدالمطّلب فزوّجها إيّاه (1) .
وأمّا رقيّة بنت عليّ عليه السلام فكانت عند مسلم بن عقيل فولدت له عبدالله قتل بالطف ، وعليّاً ومحمّداً ابني مسلم .
وأمّا زينب الصغرى فكانت عند محمّد بن عقيل فولدت له عبداللهّ وفيه العقب من ولد عقيل .
وأمّا اُمّ هانئ فكانت عند عبدالله الأكبر بن عقيل بن أبي طالب فولدت له محمّداً قتل بالطف ، وعبدالرحمن .
وأمّا ميمونة بنت عليّ عليه السلام فكانت عند [عبدالله] الأكبر بن عقيل فولدت له عقيلاً.
وأمّا نفيسة فكانت عند عبدالله الأكبر بن عقيل فولدت له أمّ عقيل .
وأمّا زينب الصغرى فكانت عند عبدالرحمن بن عقيل فولدت له سعداً وعقيلاً.
وأمّا فاطمة بنت عليّ عليه السلام فكانت عند [محمّد بن] أبي سعيد؟! ابن عقيل فولدت له حميدة .
_________

=

التاريخ 3: 397، الاصابة 3: 417 ، لسان الميزان 1: 268، ميزان الاعتدال 1: 139، القاموس المحيط 2 :55» وغيرها من المصادر المختلفة .
(1) ان قضية تزويج أم كلثوم لعمر بن الخطاب قد خضعت وطوال القرون الماضية ولا زالت إلى كثير من النقاش والأخذ والرد؟ ففي حين يذهب البعض إلى الطعن أصلاً في هذا الموضوع ومناقشة الروايات الناقلة له واسقاطها ؟ ترى البعض الآخر يذهب إلى حمله على

=


( 398)
وأمّا أمامة بنت عليّ فكانت عند الصلت بن عبداللهّ بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب فولدت له نفيسة وتوفّيت عنده (1).
هذا آخر ما أثبتنا من أخبار أميرالمؤمنين عليه السلام .
_________

=

جملة من الوجوه المختلفة وتأويله إلى العديد من التأويلات المنطقية والمقنعة، وللاطلاع على مزيد من هذا النقاش والشرح تراجع الكتب المختصة بذلك والبحوث المتعلقة به .
(1) نقله المجلسي في بحار الأنوار 42: 93 | 21 .

( 399)
(الركن الثالث )
في ذكر الأئمّة من أبناء أمير المؤمنين عليه السلام
من الحسن بن عليّ الوصيّ إلى الحسين بن عليّ الزكيّ ،
وتاريخ مواليدهم ومواضع قبورهم ، ودلائل إمامتهم ، وأزمان خلافتهم ،
ومدد أعمارهم ، وعدد أولادهم ، وطرف من أخبارهم .

ويشتمل على عشرة أبواب :

( 400)

( 401 )
(الباب الأول)
في ذكر الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام
الأمام الثاني ، والسبط الأوّل ، سيّد شباب أهل الجنّة
ويتضمن خمسة فصول :

( 402 )
(الفصل الأول )
في ذكر مولده ، ومبلغ عمره ،
ومدّة خلافته ، ووقت وفاته ،
وموضع قبره عليه السلام
ولد عليه السلام بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وقيل سنة اثنتين من الهجرة، وكنيته أبومحمّد.
جاءت به اُمّه فاطمة سيّدة النساء عليها السلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنّة نزل بها جبرئيل إلى رسول الله ، صلّى الله عليه وآله وسلّم فسمّاه حسناً، وعقّ عنه كبشاً(1).
وقبض رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم وله سبع سنين وأشهر، وقيل : ثمان سنين (2) .
وقام بالأمر بعد أبيه عليه السلام وله سبع وثلاثون سنة .
وأقام في خلافته ستّة أشهر وثلاثة أيّام ، ووقع الصلح بينه وبين معاوية في سنة إحدى وأربعين (3)، وإنّما هادنه (4) عليه السلام خوفاً على نفسه ؛ إذ كتب إليه جماعة من رؤساء أصحابه في السرّ بالطاعة وضمنوا له تسليمه إليه
_________
(1) ارشاد المفيد 2 :5 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 28 .
(2) انظر: مناقب ابن شهرآشوب 4 : 28 .
(3) انظر: مناقب ابن شهر آشوب 4 : 29 .
(4) لإدراك مغزى وأبعاد هذا الصلح المبرم بين الامام الحسن عليه السلام ومعاوية بن أبي سفيان تراجع المصادر المختصة بهذا الموضوع .

( 403 )
عند دنوّهم من عسكره ، ولم يكن منهم من يأمن غائلته إلاّ خاصّة من شيعته لا يقومون لأجناد الشام .
وكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وبعث بكتب أصحابه إليه ، فاجابه إلى ذلك بعد أن شرط عليه شروطاً كثيرة، منها: أن يترك سبّ أميرالمؤمنين عليه السلام والقنوت عليه في الصلاة، وأن يؤمن شيعته ولا يتعرّض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه .
فاجابه معاوية إلى ذلك كلّه ، وعاهده على الوفاء به ، فلمّا استتمّت الهدنة قال في خطبته : إنّي منّيت الحسن وأعطيته أشياء جعلتها تحت قدمي ، لا أفي بشيء منها له (1)!!
وخرج الحسن عليه السلام إلى المدينة وأقام بها عشر سنين ، ومضى إلى رحمة الله تعالى لليلتين بقيتا من صفرسنة خمسين من الهجرة وله سبع وأربعون سنة وأشهر مسموماً، سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس ، وكان معاوية قد دسّ إليها من حملها على ذلك وضمن لها أن يزوّجها من يزيد إبنه وأوصل إليها مائة ألف درهم فسقته السمّ .
وبقي عليه السلام مريضاً أربعين يوماً، وتولّى أخوه الحسين عليه السلام غسله وتكفينه ودفنه عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بالبقيع (2).
_________
(1) انظر: ارشاد المفيد 2 : 12 .
(2) انظر: ارشاد المفيد 2 : 15 ، مناقب ابن شهرآشوب 4: 42 ، مقاتل الطالبيين : 73، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 49.

( 404 )
(الفصل الثاني )
في ذكر الدلالة على إمامته
وأنه المنصوص عليه بالإمامة من جهة أبيه عليه السلام
لنا في ذلك طرق
أحدها: أن نقول : قد ثبت وجوب الإمامة في كلّ زمان من جهة العقل ، وأنّ الإمام لا بدّ أن يكون معصوماً، منصوصاً عليه ، وعلمنا أنّ الحقَ لايخرج عن اُمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم .
فإذا ثبت ذلك سبرنا أقوال الاُمّة بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام :
فقائل يقول : لا إمام . وقوله باطل بما ثبت من وجوب الإمامة .
وقائل يقول : بإمامة من ليس بمعصوم . وقوله باطل بما ثبت من وجوب العصمة .
وقائل يقول : بإمامة الحسن عليه السلام ويقول : بعصمته ، فيجب القضاء بصحّة قوله ، وإلاّ أدّى إلى خروج الحقّ عن أقوال الأمّة .
وثانيها: أن نستدلّ بتواتر الشيعة ونقلها خلفاً عن سلف : أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام نصّ على ابنه الحسن عليه السلام بحضرة شيعته واستخلفه عليهم بصريح القول ، ولا فرق بين من ادّعى عليهم الكذب فيما تواترت به ، وبين من ادّعى على الاُمّة الكذب فيما تواترت به من معجزات النبيّ صلّى اللهّ عليه وآله وسلّم ، أو ادّعى على الشيعة الكذب فيما تواتروا به من النص على أمير المؤمنين عليه السلام . وكلّ سؤال، يسأل على هذا فمذكور في كتب الكلام .
وثالثها : أنّه قد اشتهر في الناس وصية أمير المؤمنين عليه السلام إليه
( 405 )
خاصّة من بين ولده وأهل بيته ، والوصيّة من الإمام توجب الاستخلاف للموصى إليه على ما جرت به عادة الأنبياء والأئمّة في أوصيائهم ،لا سيّما والوصيّة علم عند آل محمد صلوات الله عليهم كافّة إذا انفرد بها واحدٌ بعينه على استخلافه ، وإشارة إلى إمامته ، وتنبيهٌ على فرض طاعته ، وإجماعُ آل محمّد صلوات الله عليهم حجّة.
ورابعها : أن نستدلّ بالأخبار الواردة فيما ذكرناه ، فمن ذلك :
ما رواه محمّد بن يعقوب الكلينيّ ـ وهومن أجلّ رواة الشيعة وثقاتها ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن اُذينة، عن أبان ، عن سليم بن قيس الهلالي قال : شهدت أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ومحمّداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ، ثمّ دفع إليه الكتاب والسلاح وقال له : «يا بنيّ ، أمرني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن اُوصي إليك وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إِليّ ودفع إليّ كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين» .
ثمّ أقبل على ابنه الحسين عليه السلام فقال : «وأمرك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن تدفعها إلى إبنك هذا» ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحسين وقال : «وأمرك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن تدفعها إلى ابنك محمّد ابن عليّ ، واقرأه من رسول الله ومنّي السلام »(1) .
وعنه ، عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن عمروبن شمر، عن جابر،
_________
(1) الكافي 1: 236 | 1، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43: 322 | 1 .

( 406 )
عن أبي جعفرمحمد بن عليّ عليهما السلام مثل ذلك سواء(1).
وعنه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن عبدالصمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إن أمير المؤمنين عليه السلام لمّا حضرته الوفاة قال لابنه الحسن : اُدن منّي حتّى أسرإليك ما أسرإليّ رسول اللهّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأئتمنك على ما ائتمنني عليه» ففعل (2).
وبإسناده رفعه إلى شهر بن حوشب : أنّ عليّاً عليه السلام لمّا سار إلى الكوفة استودع اُمّ سلمة رضي الله عنها كتبه والوصيّة، فلمّا رجع الحسن عليه السلام دفعتها إليه (3) .
وخامسها : إنّا وجدنا الحسن بن عليّ عليهما السلام قد دعا إلى الأمر بعد أبيه وبايعه الناس على أنّه الخليفة والإمام ، فقد روى جماعة من أهل التاريخ : أنّه عليه السلام خطب صبيحة الليلة التي قبض فيها أميرالمؤمنين عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ثمّ قال : «لقد قبض في هذه الليلة رجلٌ لم يسبقه الأوّلون ولا يدركه الاخرون ، لقد كان يجاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيقيه بنفسه ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوجّهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، فلا يرجع حتّى يفتح الله تعالى على يديه ، ولقد توفّي عليه السلام في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم ، وفيها قبض يوشع بن نون ، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت
_________
(1) الكافي 1: 237 | 5، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43: 322 | 2 .
(2) الكافي 1: 236 | 3 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43: 322 | 3 .
(3) الكافي 1: 236 | 3، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43 : 322 | 4 .

( 407 )
من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله » .
ثمّ خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه ، ثمّ قال: «أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، أنا من أهل بيت افترض الله تعالى مودّتهم في كتابه فقال : (قُل لأ أَسئَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلاّ المَوَدّةَ فِي القُربى وَمَن يَقتَرِف حَسَنَةً نَّزِد لَهُ فِيهَا حُسناً)(1) فالحسنة مودّتنا أهل البيت».
ثم جلس فقام عبدالله بن العبّاس بين يديه فقال : يا معاشر الناس ، هذا ابن نبيّكم ووصيّ إمامكم فبايعوه . فتبادر الناس إلى البيعة له بالخلافة(2).
فلا بدّ أن يكون محقّاً في دعوته ، مستحقّاً لإمامة مع شهادة النبيّ صلّى الله عليه واله وسلّم له ولأخيه بالإمامة والسيادة في قوله صلّى الله عليه واله وسلّم : «إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا»(3) وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة»(4) وشهادة القرآن
_________
(1) الشورى 42: 23 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 7، كشف الغمة ا : 532، مقاتل الطالبيين : 51 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 30 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 30، مناقب ابن شهرآشوب 3: 394، كشف الغمة ا : 533 .
(4)أمالي الطوسي 1: 319، مصنف ابن أبي شيبة 12: 96 | 12226، سنن ابن ماجة ا : 44 | 118، مسند أحمد 3 و 62 و 82 و 5 : 319 و 392 ، صحيح الترمذي 5: 656 |3768، خصائص النسائي : 150 |140، المعجم الكبير للطبراني 3 : 24 |98 52 و 2618 و 19: 292 | 650، مستدرك الحاكم 3: 166 ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، حلية الأولياء 4: 139 و5 : 71 ، أخبار اصفهان 2: 343، تاريخ بغداد 1: 140 و 6: 372 و 11: 90، شرح السنة للبغوي 4 : 193 | 4827 ، المطالب العالية لابن حجر 4 : 71 | 3993، مجمع الزوائد 9: 182 وانظر : طرق

=


( 408 )
بعصمتهما في قوله تعالى : (اِنَّما يُرِيدُ اللهَ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ اَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيراً)(1) على ما تقدّم القول فيه.
وسادسها : أن نستدلّ على إمامته بما أظهر اللهّ عزّوجلّ على يديه من العلم المعجز، ومن جملته حديث حبابة الوالبيّة أورده الشيخ أبو جعفر بن بابويه قال : حدّثنا عليّ بن أحمد الدقّاق قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثنا عليّ بن محمد، عن أبي عليّ محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفرعليهما السلام ، عن أحمد بن القاسم العجليّ ، عن أحمد بن يحيى المعروف ببرد، عن محمد بن خداهي ، عن عبدالله بن أيّوب ، عن عبدالله ابن هشام ، عن عبدالكريم بن عمرو الخثعميّ ، عن حبابة الوالبيّة قالت : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس ، ثمّ ساقت الحديث إلى أن قالت : فلم أزل أقفو اثره حتّى قعد في رحبة المسجد فقلت له : يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة رحمك الله ؟
قالت : فقال : «إئتيني بتلك الحصاة» وأشار بيده إلى حصاة ، فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ثمّ قال لي : «يا حبابة، إذا ادّعى مدّع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنّه إمام مفترض الطاعة، والإمام لا يعزب عنه شيء يريد5» .
قالت : ثمّ انصرفت حتّى قبض أمير المؤمنين عليه السلام فجئت إلى الحسن ، وهو في مجلس أمير المؤمنين والناس يسألونه فقال لي : «يا حبابة الوالبيّة» .
فقلت : نعم يا مولاي .
_________

=

وأسانيد الحديث في تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسن (ع ) ـ صفحة 72 ـ 83 .
(1) الأحزاب 33: 33.

( 409 )
قال : «هاتي ما معك» .
قالت : فاعطيته الحصاة، فطبع لي فيها، كما طبع أميرالمؤمنين عليه السلام .
قالت : ثم أتيت الحسين عليه السلام وهو في مسجد الرسول فقرّب ورحّب ، ثمّ قال لي : «أتريدين دلالة الإمامة؟» .
فقلت : نعم ياسيّدي .
قال : «هاتي ما معك» فناولته الحصاة فطبع لي فيها .
قالت : ثمّ أتيت عليّ بن الحسين عليهما السلام وقد بلغ بي الكبر إلى أن أعييت ، وأنا أعدّ يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة ، فرأيته راكعاً وساجداً مشغولأ بالعبادة، فيئست من الدلالة، فأومى إليّ بالسبّابة فعاد إليّ شبابي قالت : فقلت : يا سيّدي كم مض من الدنيا وكم بقي ؟
فقال : «أمّا ما مضى فنعم ، وأمّا ما بقي فلا».
قالت : ثمّ قال لي :«هات ما معك» فاعطيته الحصاة فطبع فيها، ثمّ أتيت أبا جعفرعليهما السلام فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا عبدالله عليه السلام فطبع لي فيها ، ثمّ أتيت أبا الحسن موسى بن جعفرعليه السلام فطبع لي فيها، ثم أتيت الرضا عليه السلام فطبع لي فيها. وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهرعلى ما ذكره عبدالله بن هشام (1).
قال : وحدّثنا محمد بن محمد بن عصام ، عن محمد بن يعقوب الكليني قال : حدّثنا عليّ بن محمد قال : حدّثنا محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفرعليهما السلام قال : حدّثني أبي ، عن أبيه موسى بن جعفر،
_________
(1) كمال الدين 2 : 536 | 1 ، كشفت الغمة 1 : 534.

( 410 )
عن أبيه جعفر، عن أبيه محمد عليهم السلام قال : «إنّ حبابة الوالبيّة دعا لها علي بن الحسين عليهما السلام فرد الله عليها شبابها، وأشار إليها بإصبعه فحاضت لوقتها، ولها يومئذ مائة سنة وثلاث عشرة سنة (1).
_________
(1) كمال الدين 2: 537.