قال : لا .
قال : «فثمّ دار للعمل غير هذه الدار؟» .
قال :لا.
قال : «فللّه في أرضه معاذ غير هذا البيت ؟» .
قال :لا.
قال : «فلم تشغل الناس عن الطواف ؟»(1).
وقيل له : يوماً: إنّ الحسن البصري قال : ليس العجب ممّن هلك كيف هلك وإنّما العجب ممّن نجا كيف نجا ، فقال عليه السلام : «أنا أقول : ليس العجب ممّن نجا كيف نجا، وإنّما العجب ممّن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله تعالى»(2).
ورويَ عن طاووس اليمانيّ قال : دخلت الحجر في الليل فإذا عليّ ابن الحسين عليهما السلام قد دخل فقام يصلّي ، فصلى ما شاء الله ثمّ سجد فقلت : رجل صالح من أهل بيت النبوّة لأستمعن إلى دعائه، فسمعته يقول في سجوده : «عبيدك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، فقيرك بفنائك ، سائلك بفنائك ».
قال طاووس : فما دعوت بهنّ في كرب إلاّ فرّج عنّي (3).
وروى أحمد بن محمد الرافعي ، عن إبراهيم بن عليّ ، عن أبيه قال :
____________
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 159 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 78 : 153 |17 .
(2) نقله المجلسي في بحار الأنور 78 : 153 | 17 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 143 ، روضة الواعظين : 198 ، كشف الغمة : 201 ، تذكرة الخواص. 297، كفاية الطالب ج 401 ، مختصر تاريخ دمشق 17 : 235، سير أعلام النبلاء 4 : 393 ،الفصول المهمة : 201 .

( 490 )
حججت مع عليّ بن الحسين عليهما السلام فالتاثت (1) الناقة عليه في مسيرها فاشار إليها بالقضيب ، ثم قال : «آه لولا القصاص» وردّ يده عنها(2)
وعنه قال : حجّ عليّ بن الحسين عليهما السلام ماشياً، فسارعشرين يوماً من المدينة إلى مكّة(3).
وروى أبو محمد الحسن بن محمد العلوي بإسناده قال : وقف على عليّ بن الحسين عليهما السلام رجلٌ من أهل بيته فأسمعه وشتمه ، فلم يكلّمه ، فلمّا انصرف قال لجلسائه : «قد سمعتم ما قال هذا الرجل ، وأنا اُحبّ أن تبلغوا معي إليه حتّى تسمعوا منّي ردّي عليه» ، قالوا : نفعل .
فاخذ نعليه ومشى وهو يقول : (والكاظِمِينَ الغَيْظَ )(4) الاية ـ فعملوا أنّه لا يقول شيئاً، قال : فاتى منزل الرجل وصرخ به فخرج الرجل متوثّباً للشرّ فقال عليّ بن الحسين عليهما السلام : «يا أخي ، إن كنت قد قلت ما فيّ فاستغفر الله منه ، لان كنت قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك ».
قال : فقبّل الرجل بين عينيه وقال : بل قلت فيك ما ليس فيك ، وأنا أحق به .
قال الراوي للحديث : والرجل هو الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلامُ(5).

____________
(1) التأثت الناقة : أي أبطات في سيرها . «مجمع البحرين ـ لوث ـ 2 : 262» .
(2) أرشاد المفيد 2 : 144 ، روضة الواعظين : 199 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 155 ، كشف الغمة 2 : 86، الفصول المهمة : 203 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 144 ، روضة الواعظين : 199 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 :155 ، كشف الغمة 2 : 86 .
(4) آل عمران 3 : 134 .
(5) ارشاد المفيد 2 : 146 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 157 ، مختصر تاريخ دمشق 17 : 240، سيرأعلام النبلاء 4 : 397 وفيها مختصراً.

( 491 )
وروى عن عليّ بن الحسين عليهما السلام : أنّه دعا مملوكه مرّتين فلم يجبه ثمّ أجابه في الثالثة، فقال له : «يا بنيّ ، أما سمعت صوتي ؟» .
قال : بلى .
قال : «فما بالك لم تجبني ؟» .
قال : أمنتك .
قال : «الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني» (1).
وكانت جارية لعليّ بن الحسين عليهما السلام تسكب عليه الماء فسقط الإبريق من يدها فشجّه ، فرفع رأسه إليها فقالت الجارية : إنّ الله تعالى يقول : (والكاظِمِينَ الغَيْظَ )(2) .
فقال : «كظمت غيظي » .
قالت : (والعافينَ عَنِ النّاسِ )(3) .
قال : «عفَوت عنك » .
قالت : (وَاللهُ يُحِبّ ألمُحسِنِين )(4) .
قال : «إذهبي فانت حرّة لوجه الله تعالى»(5).
وروى عن محمد بن إسحاق بن يسار قال : كان بالمدينة كذا وكذا أهل بيت يأتيهم رزقهم وما يحتاجون إليه ، لا يدرون من أين يأتيهم ، فلمّا
____________
(1) ارشاد المفيد 2 : 147 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 157 ، كشف الغمة 2 : 87 ، مختصر تاريح دمشق 17 : 240 .
(2) آل عمران س : 134 .
(3) أل عمران 3 : 134
(4) آل عمران 3 : 134 .
(5)، أمالي الصدوق : 168 | 12 ، ارشاد المفيد 2 : 147 ، ررضة الواعظين : 199 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 157 ـ 158 ، كشف الغمة : 2 : 87، مختصر تاريخ دمشق 17 :

=


( 492 )
مات عليّ بن الحسين عليهما السلام فقدوا ذلك (1).
والأخبار في هذا المعنى وفيما روي عنه من أنواع العلوم أكثر من أن تحصى ، فلنقتصر على ما ذكرناه .

____________

=

(1) ارشاد المفيد 2 : 149 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 153 ، كشف الغمة 2 : 87 ، حلية الأولياء 3: 136 ، تهذيب التهذيب 7 : 270 ، مختصر تاريخ دمشق 17 : 238 ، سير اعلام النبلاء 4 : 393 .

( 493 )
(الفصل الخامس )
في ذكر أولاده عليه السلام ونبذ من أخبارهم
له خمسة عشر ولداً : محمّد الباقر عليه السلام ، اُمّه اُمّ عبدالله بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب.
وأبو الحسين زيد ،وعمر، اُمّهما أمّ ولد .
وعبدالله ، والحسن ، والحسين ، اُمّهما أّم ولد .
والحسين الأصغر، وعبدالرحمن ، وسليمان ، لاٌمّ ولد .
وعليّ ـ وكان أصغر ولده عليه السلام ـ وخديجة، اُمّهما اُمّ ولد .
ومحمّد الأصغر، أمّه أمّ ولد .
وفاطمة ، وعليّة ، واُمّ كلثوم ، [اُمهم اُم ولد] (1) .
وكان زيد بن عليّ بن الحسين أفضل إخوته بعد أبي جعفر الباقر عليه السلام ، وكان عابداً ورعاً شخياً شجاعاً، وظهر بالسيف يطلب بثارات الحسين عليه السلام ويدعو إلى الرضا من ال محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم فظنّ الناس أنّه يريد بذلك نفسه ، ولم يكن يريدها به ؛ لمعرفته بإستحقاق أخيه الباقر عليه السلام الإمامة من قبله ، ووصيّته عند وفاته إلى أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام .
وجاءت الرواية أنّ سبب خروجه ـ بعد الذي ذكرناه ـ : أنّه دخل على هشام بن عبدالملك ، وقد جمع هشام له أهل الشام وأمرأن يتضايقوا له في
____________
(1) انظر ارشاد المفيد 2 :155 ،المناقب لابن شهرآشوب 4 : 176 ، كشف الغمة 2 :91 ، تذكرة الخواص : 299، الفصول المهمة : 209 ، وما بين المعقوفين أثبتناه من الارشاد .

( 494 )
المجلس حتّى لا يتمكن من الوصول إلى قربه ، فقال له زيد: إنّه ليس من عباد الئه أحد فوق أن يوصى بتقوى الله ، ولا من عباده أحد دون أن يوصي بتقوى الله وأنا اُوصيك بتقوى الله يا أمير المؤمنين فاتّقه .
فقال له هشام : أنت المؤهل نفسك للخلافة ، وما أنت وذاك لا أمَّ لك ، وإنّما أنت ابن أمة .
فقال له زيد: إني لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند الله من نبيّ بعثه وهو ابن أمة، فلوكان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يُبعث ، وهوإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، فالنبوّة أعظم منزلة عندالله أم الخلافة؟ وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو ابن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟
فوثب هشام عن مجلسه ودعا قهرمانه وقال : لا يبيتنّ هذا في عسكري .
فخرج زيد وهو يقول : إنّه لم يكره قوم قطّ حرّ السيوف إلاّ ذلّوا(1).
وذكر ابن قتيبة بإسناده في كتاب عيون الأخبار: أنّ هشاماً قال لزيد بن عليّ لمّا دخل عليه : ما فعل أخوك البقرة.
فقال زيد : سمّاه رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم باقر العلم وأنت تسمّيه بقرة لقد اختلفتما إذاً(2).
قال (3): فلمّا وصل الكوفة اجتمع إليه أهلها، فلم يزالوا به حتّى بايعوه
____________
(1) ارشاد المفيد 2 : 172 ، وانظر: عيون الاخبار لابن قتيبة 1 : 312 .
(2) عيون الأخبار لابن قتيبة 1 : 312 .
(3) يظهر ان القائل هو الشيخ المفيد رحمه الله تعالى ، لان المؤلف أورد عين العبارات الواردة في الارشاد هنا كما فعل في المقطع السابق لرواية ابن قتيبة المشار إليها والمنتهية عند
الهامش السابق .

( 495 )
على الحرب ، ثمّ نقضوا بيعته وأسلموه ، فقتل وصُلب بينهم أربع سنين لا ينكره أحد منهم ولم يغيّره بيد ولا لسان ، وكان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة، وكان سنّه يوم قتل إثنين وأربعين سنة، ولمّا قتل بلغ ذلك من الصادق عليه السلام كلّ مبلغ ، وحزن عليه حزناً عظيماً، وفرّق من ماله في عيال من اُصيب معه من أصحابه ألف دينار(1).
وكان عبدالله بن عليّ بن الحسين فقيهاً فاضلاً، وكان يلي صدقات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وصدقات أميرالمؤمنين عليه السلام (2) .
وكان عمر بن عليّ بن الحسين عليهما السلام فاضلاً جليلاً ورعاً، وكان أيضاً يلي صدقات رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام .
وكان الحسين بن علي بن الحسين فاضلاً ورعاً، وروى أخباراً كثيرة عن أبيه عليّ بن الحسين وعن أخيه أبي جعفر وعن عمته فاطمة بنت الحسين عليهم السلام (3) .
وروي عنه أنّه قال : كان إبراهيم بن هشام المخزوميّ والياً على المدينة، وكان يجمعنا يوم الجمعة قريباً من المنبر، ثمّ يقع في عليّ ويشتمه ، قال : فحضرت يوماً وقد امتلأ ذلك المكان فلصقت بالمنبر فأغفيت فرأيت القبر قد انفرج وخرج منه رجلٌ وعليه ثياب بياض فقال لي : يا أبا عبدالله ألا يحزنك ما يقول هذا؟ قلت : بلى والله .
قال : افتح عينك وانظرما يصنع الله به .

____________
(1) ارشاد المفيد 2 : 173 .
(2) ارشاد المفيد 2: 169
(3) ارشاد المفيد 2 : 170

( 496 )
فإذا هو قد ذكر علياً عليه السلام فرمي به من فوق المنبر فمات لعنه الله (1).

____________
(1) ارشاد المفيد 2 : 174 .

( 497 )
( الباب الرابع )
في ذكر الامام الباقر والنور الباهر
أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام

وهو خمسة فصولا :

( 498 )
(الفصل الأول)
في ذكر تاريخ مولده ، ومبلغ عمره ،
ومدة إمامته ، ووقت وفاته ، وموضع قبره
ولد عليه السلام بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة يوم الجمعة غرّة رجب (1)، وقيل : الثالث من صفر(2). وقُبض عليه السلام سنة أربع عشرة ومائة من ذي الحجّة(3)، وقيل : في شهر ربيع الأول (4)، وقد تمّ عمره سبعاً وخمسين سنة .
وأمّه أمّ عبداللهّ فاطمة بنت الحسن عليه السلام ، فهو هاشميّ من هاشميّين وعلويّ من علويّين.
وقبره بالبقيع من مدينة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى جانب أبيه زين العابدين عليه السلام وعمّ أبيه الحسن بن عليّ عليهما السلام (5) .
فعاش عليه السلام مع جدّه الحسين عليه السلام أربع سنين ، ومع أبيه تسعاً وثلاثين سنة، وكانت مدّة إمامته ثماني عشرة سنة .
وكان في أيّام إمامته بقيّة ملك الوليد بن عبدالملك ، وملك سليمان بن عبدالملك ، وعمر بن عبدالعزيز، ويزيد بن عبدالملك ، وهشام بن
____________
(1) انظر: الكافي 1 : 390، ارشاد المفيد 2 : 158 . مصباح المتهجد: 737، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 215 ، دلائل الامامة : 94
(2) انظر: المناتب لابن شهرآشوب 4 : 210 ، الفصول المهمة : 211 .
(3) انظر: الكافي 1 : 0 39، ارشاد المفيد 2 : 158 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 210 .
(4) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 210 ، دلائل الامامة : 94 .
(5) انظر: الكافي 1 : 395، ارشاد المفيد 2 : 158 ، دلائل الامامة : 4 9 .

( 499 )
عبدالملك ، وتوفي عليه السلام في ملكه (1).

____________
(1) انظر: المناقب لابن شهرآشوب 4 :210 ، دلائل الامامة : 94 .

( 500 )
(الفصل الثاني)
في ذكر دلائل إمامته عليه السلام
الدليل على إمامته عليه السلام ما قدّمناه بعينه في إمامة أبيه عليه السلام من اعتبار وجوب العصمة وبطلان قول كل من ادّعى حياة الأموات ، على الترتيب الذي تقدّم في الاستدلال ، ودلائل العقول أوكد من دلائل الأخبار لبعدها عن التأويل والاحتمال .
فأمّا النصوص الدالة على إمامته ، والأثار الواردة في الإشارة إليه ، فمن ذلك :
ما رواه محمد بن يعقوب الكليني ، عن أحمد بن إدريس، عن محمد ابن عبدالجبّار، عن أبي القاسم الكوفي ، عن محمد بن سهل ، عن إبراهيم ابن أبي البلاد، عن إسماعيل بن محمد بن عبدالله بن عليّ بن الحسين ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لمّا حضرت عليّ بن الحسين عليهما السلام الوفاة أخرج سفطاً أو صندوقاً عنده فقال : يا محمد احمل هذا الصندوق ، قال : فحمل بين أربعة، فلمّا توفّي جاء إخوته يدّعون في الصندوق سهماً ، قال : واللهّ مالكم فيه شيء ، ولوكان لكم فيه شيء ما دفعه إلي ، وكان في الصندوق سلاح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وكتبه »(1).
وعنه ،عن محمد بن يحيى ، عن عمران بن موسى، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن عبدالله بن عيسى عن أبيه عبدالله عن أبيه عيسى،
____________
(1) الكافي 1 : 242 | 1 ، وكذا في بصائر الدرجات : 200 | 18 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 230 | 4 .

( 501 )
عن جدّه قال : نظرعليّ بن الحسين عليهما السلام إلى ولده وهويجود بنفسه وهم مجتمعون عنده ، ثمّ نظرإلى محمد بن عليّ فقال : «يا محمّد، خذ هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك » .
وقال : أما إنه لم يكن فيه دينارولا درهم ولكن كان مملوءاً علماً(1).
وعنه ، عن محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن فضالة بن أيّوب ، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : «إنّ عمر بن عبدالعزيز كتب إلى ابن حزم أن يرسل إليه بصدقة عليّ وعمر وعثمان ، وإنّ ابن حزم بعث إلى زيد بن الحسن وكان أكبرهم فسأله الصدقة، فقال زيد : إنّ الوليّ كان بعد علي الحسن ، وبعد الحسن الحسين ، وبعد الحسين عليّ بن الحسين ، وبعد عليّ بن الحسين محمد بن علي ، فابعث إليه ، فبعث ابن حزم إلى أبي فارسلني أبي بالكتاب فدفعته إلى ابن حزم ، فقال له بعضنا : يعرف هذا ولد الحسن ؟ قال : نعم كما تعرفون أنّ هذا ليل ، ولكن يحملهم الحسد، ولو طلبوا الحقّ بالحقّ لكان خيراً لهم ولكنّهم يطلبون الدنيا»(2).
وأما النصوص المرويّة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في جملة الاثني عشر فكثيرة، مثل خبر اللوح الذي هبط به جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الجنّة فأعطاه فاطمة عليها السلام (3)
ومثل ما روي : أنّ الله تعالى أنزل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
____________
(1) الكافي 1 : 12 | 24 ، وكذا ني : بصائر الدرجات : 185 | 13 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 229 | 2 .
(2) الكافي 1 : 243 | 3، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 230 | 6 .
(3) تقدمت الإشارة إليه في صفحة : 483.

( 502 )
كتابأ مختوماً باثني عشر خاتماً وأمره أن يدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ويأمره بان يفضّ أول خاتم فيه فيعمل بما تحته ، ثم يدفعه عند وفاته إلى الحسن عليه السلام ويأمره بفص الخاتم الثاني ويعمل بما تحته ، ثم يدفعه عندحضور وفاته إلى الحسين عليه السلام فيفض الخاتم الثالث ويعمل بما تحته ، ثمّ يدفعه الحسين عند وفاته إلى عليّ بن الحسين ويأمره بمثل ذلك ، ثمّ يدفعه عند وفاته إلى ابنه محمد بن عليّ ويأمره بمثل ذلك ، ثم يدفعه إلى ولده حتّى ينتهي إلى آخر الأئمة عليهم السلام (1).
وسنورد أكثرما ورد في هذا النوع فيما بعد ان شاء الله تعالى .

____________
( 1 ) الكافي 1 : 122 | 1 . أمالي الصدوق : 2 | 328 ، كمال الدين : 231 | 35، الغيبة للنعماني : 52 |3 و 4 ، ارشاد المفيد 2 : 160 ، أمالي الطوسي 2 : 56 ، كشف الغمة 2 : 124 .

( 503 )
(الفصل الثالث)
في ذكر بعض دلائله عليه السلام
قد روت الشيعة من دلالاته أشياء سوى ما تقدم ذكره من خبر حبابة الوالبيّة منها :
ما رواه شعيب العقرقوفي ، عن أبي عروة قال دخلت مع أبي بصير(1) إلى منزل أبي جعفراً وأبي عبدالله عليهما السلام قال : فقال لي : أترى في البيت كوّة قريباً من السقف ؟ قال : قلت : نعم ، وما علمك بها؟ قال : أرانيها أبوجعفر عليه السلام (2).
وروى أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم ، عن مثنّى الحنّاط ، عن أبي بصير قال : دخلت على أبي جعفرعليه السلام فقلت له : أنتم ورثة رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم ؟
قال :«نعم ».
قلت : رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم وارث الأنبياء، علم كلَ ما علموا؟

____________
(1) وهو يحيى بن أبي القاسم الكوفي الأسدي ، ولد مكفوفاً، وكان يُعد من اصحاب الامام الصادق عليه السلام ، ثقة وجيه ، له كتاب ، مات سنة خمسين ومائة بعد أبي عبدالله الصادق عليه السلام .
وذكر العلامة أنه رأى الدنيا مرتين ، حيث مسح أبو عبدالله عليه السلام على عينيه وقال : أنظر ما ترى، قال : أرى كوّة في البيت وقد أرانيها أبوك قبلك .
اُنظر: رجال النجاشي : 440 | 1187، رجال الطوسي : 330 | 9، الخلاصة: 264 |3 .
(2) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 184 ، ونقله المجلسي في بحارالأنوار 46 : 268 | 66 .

( 504 )
قال لي : «نعم » .
قلت : فانتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤوا الأكمه والأبرص ؟
فقال : «بلى بإذن الله » ثمّ قال : «ادن منّي يا أبا محمد» فمسح على وجهي وعلى عيني فابصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلّ شيء في الدار، فقال : «أتحبّ أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة، أو تعود كما كنت ولك الجنّة خالصاً؟»
قلت : أعود كما كنت . قال : فمسح على عيني فعدت كما كنت .
قال الراوي : فحدّثت به ابن أبي عمير فقّال : أشهد أنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حق (1) .
وروى حمّاد بن عثمان ، عن عبدالله بن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : «ان أبي قال ذات يوم : إنّما بقي من أجلي خمس سنين ، فحسبت فما زاد ولا نقص »(2).

____________
(1) بصائر الدرجات : 289 | 1 ، الكافي 1 : 391 | 3، الهداية الكبرى : 243 ، الخرائج والجرائح 1 : 274 | 5 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 184 ، دلائل الامامة: 100 ، الفصول المهمة : 217 و 218 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 237 |14 .
(2) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 186 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 67 | 268 .

( 505 )
(الفصل الرابع )
في ذكر طرف من مناقبه وخصائصه ،
ونبذ من أخباره عليه السلام
قد اشتهر في العالم تبريزه على الخلق في العلم والزهد والشرف ، فلم يؤثرعن أحد من أولاد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قبله من علم القرآن والآثار والسنن وأنواع العلوم والحكم والأداب ما اُثر عنه صلوات الله عليه واختلف إليه بقايا الصحابة ووجوه التابعين وفقهاء المسلمين ، وعرّفه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بباقر العلم على ما رواه نقلة الاثار.
عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنّه قال : قال لي رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم : «يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له : محمد يبقر علم الدين بقراً، فإذا لقيته فاقرئه منّي السلام (1).
وروى أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبدالله قال : «إن جابر بن عبدالله الأنصاري [كان] يقعد في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهومعتجر (2) بعمامة سوداء، وكان ينادي : يا باقر العلم ، وكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر، فكان يقول : لا والله ما أهجر ولكنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : إنّك ستدرك رجلاً منّي اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقراً . فذاك
____________
(1) أمالي الصدوق 289 | 9 ، ارشاد المفيد 2 : 159 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 197 ، مختصرتاريخ دمشق 23 : 78، الفصولى المهمة : 211 .
(2) الاعتجار: لف العمامة على الرأس . «الصحاح ـ عجر ـ 2 : 737».

( 506 )
الذي دعاني إلى ما أقول (1).
قال : فكان جابر يأتيه طرفي النهار وكان أهل المدينة يقولون : واعجباً لجابر ياتي هذا الغلام طرفي النهار وهو أحد من بقي من أصحاب رسول اللهّ صلى اللهّ عليه وآله وسلم (2).
وروى ميمون القدّاح ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال : «دخلت على جابر بن عبدالله فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام وقال لي : من أنت؟ ـ وذلك بعد ما كفّ بصره ـ فقلتَ : محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، فقال : يا بنيّ ادن منّي ، فدنوت منه فقبّل يدي ثمّ أهوى إلى رجلي يقبّلها فتنحّيت عنه ، ثمّ قال لي : إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَم يقرئك السلام ، فقلت : وعلى رسول اللهّ السلام ورحمة اللهّ وبركاته ، وكيف ذاك يا جابر؟ فقال : كنت معه ذات يوم فقال لي : يا جابر، لعلّك تبقى حتى تلقى رجلاً من ولدي يقال له : محمد بن عليّ بن الحسين يهب الله له النور والحكمة ، فأقرئه منّي السلام »(3).

____________
(1) تجاوز المؤلف عند نقله لهذهِ الرواية مقطعاً وسطياً بين هذين المقطعين روماً للاختصار، واتكالاً منه على شهرة الرواية، نورده نحن لما فيه من توضيح وربط بين هذين المقطعين :
قال : فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مر بطريق في ذلك الطريق كتّاب فيه محمد بن علي عليه السلام ، فلما نظرإليه قال : يا غلام أقبلْ ، فاقبَلَ ، ثم قال له : أدبِرْ فادبَرَ، ثم قال : شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله والذي نفسي بيده ، يا غلام ما اسمك ؟ قال : اسمي محمد بن علي بن الحسين . فاقبل عليه يُقبل رأسه ويقول بابي انت واُمي أبوك يقرئك السلام ويقول ذلك .
فرجع محمد بن علي بن الحسين عليه السلام إلى أبيه وهو ذعر فاخبره الخبر، فقال له : يا بني وقد فعلها جابر؟ قال : نعم . قال : الزم بيتك يا بني .
(2) الكافي 1 : 5 39 | 2 ، الاختصاص : 62 ، روضة الواعظين : 206 ، الخرائج والجرائح 1 2 | 279 1 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 196 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 158 .

( 507 )
وروي عن أبي مالك ، عن عبدالله بن عطاء المكّي قال : ما رأيت العلماء عند أحد قطّ أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام ، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة - مع جلالته في القوم - بين يديه كأنّه صبيّ بين يدي معلّمه (1).
وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عنه قال : حدّثني وصيّ الأوصياء ووارث علم الأنبياء محمد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام (2).
وروى محمد بن أبي عمير، عن عبدالرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «إنّ محمد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أرى أنّ مثل عليّ بن الحسين عليهما السلام يدع خلفاً لفضل عليّ بن الحسين حتّى رأيت ابنه محمداً، فأردت أن أعظه فوعظني .
فقال له أصحابه : بأيّ شيء وعظك ؟
قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة فلقيت محمد ابن عليّ عليهما السلام ـ وكان رجلاً بدينا ـ وهو متّكى على غلامين له أسودين -أو موليين له - فقلت في نفسي : شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا! أشهد لأعظنّه ، فدنوت منه فسلّمت عليه فسلّم عليّ ببهر(3) وقد تصبب عرقآً، فقلت : أصلحك اللهّ ، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال . في طلب الدنيا؟! لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال ؟
قال : فخلّى عن الغلامين من يده وتساند فقال : لوجاءني والله

____________
(1) ارشاد المفيد 2 : 160 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 204، حلية الأولياء 3 : 186 ، مختصر تاريخ دمشق 23 : 79 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 165 ، . المناقب لابن شهر اشوب 4 : 180 .
(3) البُهر(با لضم ) : تتابع النفَس . «الصحاح ـ بهرـ 2 : 895» .

( 508 )
الموت وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله عزّ وجلّ أكفّ بها نفسي عنك وعن الناس ، وإنّما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله عزّ وجلّ
فقلت : يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني» (1) .
وكان عليه السلام يقول : «ما ينقم الناس منّا إلاّ أنّا أهل بيت الرحمة، وشجرة النبوّة، ومعدن الحكمة ، وموضع الملائكة ، ومهبط الوحي»(2) .
وكان عليه السلام يقول : «بليّة الناس علينا عظيمة، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا»(3).
وكان عليه السلام يقول : «نحن خزنة علم الله ، ونحن ولاة أمر الله ، وبنا فتح الله الإسلام ، وبنا يختمه ، فمنا يتعلّموا ، فوالله الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما علم الله في أحد إلاّ فينا، وما يدرك ما عند الله إلاّ بنا»(4).
وروى ابن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن الفضيل ، عنه عليه السلام قال : «لو أنّا حدّثنا برأينا ضللنا كما ضلّ من كان قبلنا، ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا بيّنها لنبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم فبيّنها لنا»(5).
وسئل عليه السلام عن الحديث يرسله ولا يسنده فقال : «إذا حدّثت
____________
(1) الكافي 5: 73 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 161 ، تهذيب التهذيب 6 : 325 | 894 ، الفصول المهمة : 213 ـ 214.
(2) ارشاد المفيد 2 : 168 ، وباختلاف يسير في : بصائر الدرجات 77 | 5 ، الكافي 1 : 172 | 1 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 168 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 206 ، واورد صدر الحديث الصفار في : بصائر الدرجات : 76 | 2 .
(4) نحوه في بصائر الدرجات : 82 | 10
(5) بصائر الدرجات : 319 | 2 .