بالحديث فلم اُسنده فسندي فيه أبي زين العابدين ، عن أبيه الحسين الشهيد، عن أبيه عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، عن جبرئيل ، عن الله عزّ وجل »(1).
وروى عنه معروف بن خربوذ قال : سمعته يقول : «إنّ حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب ،أو نبيّ مرسلٌ ، أوعبد امتحن الله قلبه للإيمان » (2) .
وروى سدير الصيرفي عنه عليه السلام أنّه قال : «إنّما كلف الله سبحانه الناس معرفة الأئمّة والتسليم لهم في ما أوردوا عليهم ، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه »(3).
وروى سورة بن كليب الأسدي عنه عليه السلام قال : «والله إنّا لخزّان الله في سمائه وفي أرضه ، لا على ذهب ولا فضّة إلاّ على علمه »(4).
وروي عن عبيدالله بن زرارة، عن أبيه قال : كنّا عند أبي جعفر عليه السلام فجاء الكميت (5) فاستأذن عليه فأذن له فأنشده :

من لقلب متيَّم مستهام * . .. . . . .. .. . .
فلمّا فرغ منها قال له أبوجعفر عليه السلام : «يا كميت ، لا تزال مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ، وقلت فينا».

____________
(1) ارشاد المفيد 2 : 167 ، ونقلة المجلسي في جار الأنوار 46 : 288 | 1 .
(2) بصائر الدرجات : 41 | 4 ، الكافي 1 : 330 | 1 ، روضة الواعظين : 211 ، المناقب لابن شهرآشوب 206:4 .
(3) الكافي 1 : 321 | 1 .
(4) بصائر الدرجات : 123 | 1 ، الكافي 1 : 148 | 1 .
(5) الكميت بن زيد، شاعر مقدم ، عالم بلغات العرب ، خبير بايامها، من شعراء مضر وألسنتها، كان معروفا بتشيعه لأهل البيت عليهم السلام ، لقي ألكثير من الأمويين نتيجة ولائه وموقفه هذا .

( 510 )
وقال الكميت في حديث آخر: فلمّا بلغت إلى قولي :
أخلص الله لي هواي فما * اُغرق نزعاً ولا تطيش سهامي(1)
قال عليه السلام :. . .
«وقد اُغرق نزعاً وما تطيش سهامي ».
فقلت : يا مولاي أنت أشعرمنّي في هذا المعنى(2).

____________
(1) من قصيدة يقول في مطلعها:
من لقلبٍ متيمٍ مستهام * غير ما صبوة ولا احلام
طارقاتٍ ولا ادكار غوانَ * واضحاتِ الخدود كالارامَ
بل هواي الذي اجِن واُبدي * لبني هاشمً فروع الانام
للقريبين من ندىً والبعيديـ * ـن من الجور في عرى الاحكام
والمصيبين باب ما احطأ النا * سُ ومرسي قواعد الاسلامَ
والحماة الكفاةِ في الحرب ان * لف ضِرامأ وقودُها بضرامَ
والغيوثِ الذينَ أن امحلَ الَنا * سُ فمأوى حواضن الايتامِ
«انظر: شرح هاشميات للكميت : 11 » .
(2) الكافي 8 : 215 | 262 .

( 511 )
( الفصل الخامس )
في ذكر أولاده عليه السلام
وهم سبعة :
أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام - وكان يكنى به - وعبدالله بن محمد، واُمّهما اُمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.
وإبراهيم وعبيدالله ، درجا(1)، اُمّهما اُمّ حكيم بنت اُسيد بن المغيرة الثقفيّة.
وعليّ وزينب ، لاُمّ ولد .
واُمّ سلمة، لاُمّ ولد(2).
وقيل : إنّ لأبي جعفرعليه السلام ابنة واحدة فقط : اُمّ سلمة، واسمها زينب (3).

____________
(1) درج الرجل : إذا لم يخلف نسلاً . «الصحاح ـ درج ـ 1 : 313» .
(2) ارشاد المفيد 2 : 176 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 210 ، الطبقات الكبرى 5 : 320، تذكرة الخواص : 306 .
(3) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 210 .

( 512 )

( 513 )
( الباب الخامس )
في ذكر الامام الصادق والعلم الناطق
أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام

وهو خمسة فصول :

( 514 )
( الفصل الأول )
في ذكر تاريخ مولده ، ومبلغ سنه ،
ومدة إمامته ، ووقت وفاته عليه السلام
ولد عليه السلام بالمدينة لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين من الهجرة(1).
ومضى في النصف من رجب (2)، ويقال : في شوّال (3)، سنة ثمان وأربعين ومائة، وله خمس وستّون سنة .
أقام فيها مع جدّه وأبيه إثنتي عشرة سنة، ومع أبيه بعد جدّه تسع عشرة سنة ، وبعد أبيه أيّام إمامته أربعاً وثلاثين سنة ، وكان في أيّام إمامته بقيّة ملك هشام بن عبدالملك ، وملك الوليد بن يزيد بن عبدالملك ، وملك يزيد بن الوليد بن عبدالملك الملقّب بالناقص ، وملك إبراهيم بن الوليد ، وملك مروان ابن محمد الحمار، ثمّ صارت المسوّدة من أهل خراسان مع أبي مسلم سنة اثنين وثلاثين ومائة، فملك أبو العبّاس عبدالله بن محمد بن عليّ بن عبدالله ابن عبّاس الملقّب بالسفّاح أربع سنين وثمانية أشهر، ثمّ ملك أخوه أبوجعفر عبدالله الملقّب بالمنصور إحدى وعشرين سنة وإحدى عشر شهراً(4) .
وتوفّي الصادق عليه السلام بعد عشرسنين من ملكه ، ودفن بالبقيع مع
____________
(1) تاريخ الأئمة (ضمن مجموعة نفيسة) : 10 ، ارشاد المفيد 2 : 179 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 279 - 280 .
(2) روضة الواعظين : 212 .
(3) الكافي 1 : 393، ارشاد المفيد 2 : 180 .
(4) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 280 ، دلأئل الامامة : 111 .

( 515 )
أبيه وجدّه وعمّه الحسن عليهم السلام (1).

____________
(1) ارشاد المفيد 2 : 180، دلائل الامامة : 111 .

( 516 )
(الفصل الثاني)
في ذكر النص على إمامته عليه السلام
أما طريقة الاعتبار فمثل ما تقدم ذكره في إمامة آبائه عليهم السلام فانّا إذا اعتبرنا إمامة من اختلف في إمامته في عصره عليه السلام وجدنا الاُمّة بين أقوال :
قائل يقول : لا إمام في الوقت ، وقوله يبطل بما دلّ على وجوب الإمامة في كل عصر.
وقائل يقول : بإمامة من لا يقطع على عصمته ، وقوله يبطل بمّا دلّ على وجوب العصمة للامام .
ومن ادّعى العصمة ولم يقل بالنْص من متأخري الزيدية فقوله يبطل بما دلّلنا عليه من أن العصمة لا يمكن أن تعلم إلآ بالنص أو المعجز .
ومن اعتبر الحياة ـ من الكيسانية ـ فقوله يبطل بما علمانه من موت من ادّعي حياته ، وأيضاً فإنَ هذه الفرقة قد انقرضت وخلا الزمان من القائلين بقولها وانعقد الإجماع على خلافها .
فإذا بطلت هذه الاقوال ثبتت إمامته عليه السلام ، وإلاّ أدّى إلى خروج الحق عن أقوال الأمّة .
وأما طريقة التواتر فمثل ما ذكرناه فيما تقدم فإن الشيعة قد تواترت خلفاً عن سلف إلى أنّ اتصل نقلهم بالباقر عليه السلام أنه نصّ على الصادق عليه السلام ، كما تواترت على أن أمير المؤمنين عليه السلام نصّ على الحسن ، ونصَ الحسن على الحسين عليهما السلام، وكذلك كلّ إمام على الإمام الذي يليه ، ثم هكذا إلى أن ينتهى إلى صاحب الزمان ، وكلّ سؤال
( 517 )
يٌسئل على هذا الدليل فالجواب عنه مذكور في تصحيح التواتر لنصّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على أمير المؤمنين عليه السلام ، ولا يحتمل ذكره هذا الموضع .
فأما مما جاء في الأخبارمن النص بالإمامة عليه والإشارة بذلك من أبيه إليه فمن ذلك :
ما رواه محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان ، عن أبي الصباح الكناني قال : نظر أبوجعفرمحمد بن عليّ عليهما السلام إلى أبي عبدالله عليه السلام يمشي فقال : «ترى هذا، هذا من الذين قال الله سبحانه : (وَنُرِيدُ اَن نَمُنّ علَى ألذِينَ أستُضعوا فِي الإرضِ وَنَجعَلَهُم اَئِمّةَ وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ)(1)(2).
وعنه ، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله قال : «لمّا حضرت أبي الوفاة قال : يا جعفر اُوصيك بأصحابي خيراً .
قلت : جعلت فداك ، والله لأدعنّهم والرجل منهم يكون في المصر فلا لسال أحداً »(3) .
وعنه ، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ عن أبي جعفرعليه السلام : أنّه سئل عن القائم فضرب بيده على أبي عبدالله عليه السلام ثمّ قال :«هذا
____________
(1) القصص 28 : 5.
(2) الكافي 1 : 243 | 1 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 180 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 214 ، كشف الغمة 2 : 167 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 13 | 5
(3) الكافي 1 :244 | 2 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 180 ، روضة الواعظين : 207 ، كشف الغمة 2 : 166 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 12 | 3 .

( 518 )
والله قائم آل محمد» .
قال عنبسة بن مصعب : فلمّا قبض أبوجعفر عليه السلام دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فاخبرته بذلك ، فقال : «صدق جابر على أبي » ثمّ قال عليه السلام : «لعلّكم ترون أن ليس كلّ إمام هو القائم بعد الإمام الذي قبله »(1).
وعنه ، عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم ، عن طاهر قال : كنت قاعداً عند أبي جعفرعليه السلام فاقبل جعفر عليه السلام فقال أبو جعفر عليه السلام : «هذا خير البريّة»(2) .
وعنه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «إنّ أبي استودعني ما هناك ، فلمّا حضرته الوفاة قال : ادع لي شهوداً ، فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبدالله بن عمر، فقال : اُكتب اُوصيك بما أوصى به يعقوب بنيه : (يا بُنَيَّ إِنَّ اللهَ أصطفَى لَكُمُ الدّينَ فلا تَمُوتُنَّ إلاّ وَاَنتُم مُّسلِمُونَ)(3) أوصى أبوجعفرمحمد بن عليّ إلى جعفر بن محمد، وأمره أن يكفّنه في بُرْدِه الذي كان يصلّي فيه الجمعة، وأن بعمّمه بعمامته ، وأن يربّع قبره ويرفعه أربع أصابع ، ثمّ قال للشهود : انصرفوا رحمكم الله ، فقلت بعدما انصرفوا : ما كان لك في هذا بان تشهد عليه ؟

____________
(1) الكافي 1 : 74 | 24، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 181 ، روضة الواعظين : 07 2 ، كشف الغمة 2 : 167 ، اثبات الوصية : 155 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار47 : 14 | 11 .
(2) الكافي 1 : 244 | 4 ، وكذا في : الامامة والتبصرة : 199 | 55، ارشاد المفيد 2 : 181 كشف الغمة 2 : 167 ، افي أت الوصية :155 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 13 | 7 ضمن ح 7.
(3) البقرة 2 : 132 .

( 519 )
فقال : إنّي كرهت أن تُغلب وأن يقال : إنّه لم يُوصِ إليه ، فاردت أن تكون لك الحجّة»(1) .
وأشباه هذه الأخبار كثيرة .

____________
(1) الكافي 1 : 244 | 8 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 181 ، روضة الواعظين : 208 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 278 ـ 279 ، كثسف الغمة 2 : 167 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47: 14 | 10.

( 520 )
(الفصل الثالث)
في ذكر طرف مما ظهر منه من المعجزات
والأخبار بالغائبات
ما روي من آيات الله الظاهرة على يده والمعجزات المؤيّدة له ، الدالّة على بطلان قول من ادّعى الإمامة لغيره كثيرة، نحن نذكر منها ما اشتهرت به الرواية فمن ذلك :
ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى في كتاب (نوادر الحكمة) بإسناده ، عن عائذ بن نباتة الأحمسيّ قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام وأنا اُريد أن أسأله عن صلاة الليل ونسيت ، فقلت : السلام عليك يا ابن رسول الله .
فقال : «أجل والله أنا ولده ، وما نحن بذي قرابة، من أتي الله بالصلوات الخمس المفروضات لم يُسئل عمّا سوى ذلك » فاكتفيت بذلك (1).
وعنه ، بإسناده ، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن مهزم قال : كنّا نزولاً بالمدينة ، وكانت جارية لصاحب المنزل تعجبني ، وإنّي أتيت الباب فاستفتحت ففتحت الجارية فغمزت ثديها، فلمّا كان من الغد دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فقال لي : «يا مهزم ، أين كان أقصى أثرك اليوم؟»(2)

____________
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 225 ، كشف الغمة 2 : 192 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 150 |207 .
(2) قال العلامة المجلسي رحمه الله في البحار (47 : 150 | 207) تعليقاً على هذا القول :

( 521 )
فقلت له : «ما برحت المسجد».
فقال عليه السلام : «أما تعلم أنّ أمرنا هذا لا ينال إلآ بالورع »(1) .
وروى غيره عن أبي بصيرقال : دخلت المدينة وكانت معي جويرة لي فاصبت منها ، ثمّ خرجت إلى الحمّام فلقيت أصحابنا الشيعة وهم متوجّهون إلى أبي عبدالله عليه السلام ، فخفت أن يسبقوني ويفوتني الدخول عليه ، فمشيت معهم حتّى دخلت الدار معهم ، فلمّا مثلت بين يدي أبي عبدالله عليه السلام نظر إليّ ثمّ قال لي : «يا أبا بصير، أما علمت أنّ بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب ؟» فاستحييت وقلت : يا ابن رسول الله إنّي لقيت أصحابنا فخفت أن يفوتني الدخول معهم ولن أعود إلى مثلها، وخرجت (2).
ومن كتاب (نوادر الحكمة) : عن محمد بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال : دخل شعيب العقرقوفي على أبي عبدالله عليه السلام ومعه صرّة فيها دنانير فوضعها بين يديه ، فقال له أبو عبدالله عليه السلام : «أزكاة أم صلة؟»
فسكت ثمّ قال : زكاة وصلة.
قال : «فلا حاجة لنا في الزكاة» .

____________

=

لعل المعنى : أين كان في الليل اقصى اثرك ، ومنتهى عملك في هذا اليوم ، من التقوى والعبادة، أو أين كان اليوم آخر فعلك البارحة، ومهزم لم يفهم كلامه عليه السلام إلآ بعد إتمامه.
ويحتمل أن يكون قوله اقصى اثرك سؤالاً عن فعله في هذا اليوم ثم أشار إلى ما فعله في الليلة الماضية بقوله : أما تعلم .
(1) بصائر الدرجات : 263 | 2 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 226 ، دلائل الامامة : 116 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 72| 31 .
(2) ارشاد المفيد 2 :185 ، روضة الواعظين : 209 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 :226 ، كشف الغمة 2 : 169 .

( 522 )
قال : فقبض أبو عبدالله عليه السلام قبضة فدفعها إليه ، فلمّا خرج قال أبو بصير: قلت له : كم كانت الزكاة من هذه ؟ قال : بقدر ما أعطاني ، والله لم يزد حبّة ولم ينقص حبّة(1).
وعن عثمان بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبدالحميد قاِل : خرجت إلى قبا(2) لأشتري نخلاً فلقيته وقد دخل المدينة فقال : «أين تريد؟»
فقلت : لعلّنا نشتري نخلاً.
فقال : «أوقد أمنتم الجراد؟ » .
فقلت : لا والله لا أشتري نخلة، فوالله ما لبثنا إلاّ خمساً حتّى جاء من الجراد ما لم يترك في النخل حملاً(3).
علي بن الحكم ، عن عروة بن موسى الجعفي قال : قال لنا يوماً ونحن نتحدّث : «الساعة انفقأت عين هشام في قبره » .
قلنا: ومتى مات ؟
قال : « اليوم الثالث » .
قال : فحسبنا موته وسألنا عنه فكان كذلك (4).
أحمد بن محمد، عن محمد بن فضيل ، عن شهاب بن عبدربه قال : قال لي أبو عبدالله عليه السلام : «كيف أنت إذا نعاني إليك محمد بن سليمان ؟».

____________
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 27 2 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 0 5 1 |5 0 2 .
(2) قبا : اسم بئر هناك عرفت القرية بها، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الانصار، وهي قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة . «معجم البلدان 4 : 302» .
(3) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 228 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 131 | 180 .
(4) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 226 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 151 | ذيل حديث 207.

( 523 )
قال : فلا والله ما عرفت محمد بن سليمان ، ولا علمت من هو؟ قال : ثمّ كثرمالي وعرضت تجارتي بالكوفة والبصرة، فإني يوماً بالبصرة عند محمد ابن سليمان وهو والي البصرة إذ ألقى إليّ كتاباً وقال لي : يا شهاب ، أعظم الله أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمد، قال : فذكرت الكلام فخنقتني العبرة، فخرجت فاتيت منزلي وجعلت أبكي على أبي عبدالله عليه السلام (1) .
وروىَ عليّ بن إِسماعيل بن عمّار، عن إِسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام إنّ لنا أموالاً ونحن نعامل الناس ، وأخاف إن حدث حدث أن تفرّق أموالنا .
قال : فقال : «إجمع مالك في كلّ شهر ربيع » .
قال عليّ بن إسماعيل : فمات إسحاق في شهر ربيع (2) .
وأحمد بن قابوس ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : دخل عليه قوم من أهل خراسان فقال إبتداء من غير مسألة : «من جمع مالاً من مهاوش (3) أذهبه الله في نهابر»(4) .
فقالوا له : جعلنا الله فداك لا نفهم هذا الكلام .
فقال عليه السلام : «از باد آيد به دم بشود»(5)(6).

____________
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 222 ، دلاثل الامامة : 138 ، رجال الكشي 2 : 172 | 781، وباختلاف يسير في : بحار الأنوار 47 : 150 | 205 .
(2) رجال الكشي 2 : 709 | 767، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 243 ، كشف الغمة 2 : 197 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 140 | 190
(3) مهاوش : ما غُصب وسُرق «القاموس المحيط 2 : 4 29)) .
(4) النهابر : المهالك . «القاموس المحيط 2 : 151 » .
(5) كلام بالفارسية معناه ان الذي يأتي به الهواء يذهب به النسيم .
(6) بصائر الدرجات 356 : 14 ، المناقب لابن شهراشوب 4 : 218 ، ونقله المجلسي في

=


( 524 )
وروي: أنّ داود بن عليّ بن عبدالله بن عبّاس قتل المعلّى بن خنيس ـ مولى الصادق عليه السلام ـ وأخذ ماله ، فدخل عليه وهو يجرّ رداءه فقال له : «قتلت مولاي وأخذت ماله ، أما علمت أنّ الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب ، أما والله لأدعونّ الله عليك » .
فقال له داود : تهددنا بدعائك . كالمستهزئ بقوله .
فرجع أبوعبدالله عليه السلام إلى داره ، ولم يزل ليله كلّه قائماً وقاعداً حتّى إذا كان السحر سُمع وهو يقول في مناجاته : «يا ذا القوّة القولّة، ويا ذا المحال الشديد، ويا ذا العزّة التي كلّ خلقك لها ذليل اكفني. هذا الطاغية، وانتقم لي منه » .
فما كان إلاّ ساعة حتّى ارتفعت الأصوات بالصّياح وقيل : قد مات داود ابن عليّ الساعة(1).
واشتهر في الرواية : أن المنصور أمر الربيع بإحضار أبي عبدالله عليه السلام ، فاحضره ، فلمّا بصر به قال : قتلني الله إن لم أقتلك ، أتلحد في سلطاني وتبغيني الغوائل ؟
فقال له أبو عبدالله عليه السلام : «والله ما فعلت ولا أردت ، فإن كان بلغك فمن كاذب ، ولوكنت فعلت لقد ظُلم يوسف فغفر وابتُلي أيّوب فصبر واُعطي سليمان فشكر، فهؤلاء أنبياء الله تعالى وإليهم يرجع نسبك ».
فقال له المنصور: أجل ارتفع هاهنا، فارتفع فقال له : ان فلان بن فلان
____________

=

بحار الأنوار 47 : 84 | 78 .
(1) ارشاد المفيد 2 : 184 ، روضة الواعظين : 209 ، ومختصراً في : الفصول المهمة : 226 ، وباخلتاف في ذيل الحديث في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 230 ، ونحوه في : الكافي 2: 372 | 5.

( 525 )
أخبرني عنك بما ذكرت .
فقال : «أحضره يا أميرالمؤمنين ليواقفني على ذلك » .
فأحضر الرجل المذكور، فقال له المنصور: أنت سمعت ما حكيت عن جعفر؟.
قال : نعم .
قال له أبوعبدالله عليه السلام : «فاستحلفه على ذلك » .
فقال له المنصور: أتحلف ؟
قال : نعم . فابتدأ باليمين .
فقال أبو عبدالله : «دعني يا أمير المؤمنين اُحلِّفه أنا» .
فقال له : افعل .
فقال أبوعبدالله عليه السلام للساعي : «قل : برئت من حول اللهّ وقوّته والتجأت إلى حولي وقوّتي لقد فعل كذا وكذا جعفر».
فامتنع منها هنيهة ثمّ حلف بها، فما برح حتّى اضطرب برجله ، فقال أبوجعفر: جرّوا برجله ، فاخرجوه لعنه الله (1).
قال الربيع : وكنت رأيت جعفر بن محمد عليه السلام حين دخل على المنصور يحرّك شفتيه ، فكلّما حرّكهما سكن غضب المنصور حتّى أدناه منه ورضي عنه ، فلمّا خرج أبو عبدالله عليه السلام من عند أبي جعفر اتبعته فقلت له : إنّ هذا الرجل كان أشدّ الناس غضباً عليك ، فلمّا دخلت عليه وحرّكت شفتيك سكن غضبه ، فبأيّ شيء كنت تحركهما؟
قال : «بدعاء جدّي الحسين بن عليّ عليهما السلام ».
فقلت : جعلت فداك ، وما هذا الدعاء؟

____________
(1) ارشاد المفيد 2: 183، روضة الواعظين : 208 ـ 209 ، كشف الغمة 2 : 168

( 526 )
قال : «يا عدّتي عند شدّتي ، ويا غوثي عند كربتي ، احرسني بعينك التي لاتنام ، واكنفني بركنك الذي لايرام ».
قال الربيع : فحفظت هذا الدعاء، فما نزلت بي شدّة قطّ فدعوت به إلاّ فرّج الله عنّي .
قال : وقلت لجعفر بن محمد: لم منعت الساعي أن يحلف بالله تعالى؟
قال : «كرهت أن يراه الله تعالى يوحّده ويمجّده فيحلم عنه ويؤخّر عقوبته ، فاستحلفته بما سمعت فاخذه الله أخذة رابية(1)»(2) .
وأمثال ما ذكرناه من الأخبار في آياته ودلالته وإخباره بالغيوب كثيرة يطول تعداده
فمن ذلك : ما أورده أبو الفرج عليّ بن الحسين الاصفهاني في كتاب (مقاتل الطالبيّين ) : ورواه بالأسانيد المتّصلة عن رجاله : أنّ جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء، منهم : إبراهيم بن محمد بن عليّ بن عبدالله بن عبّاس ، وأبو جعفر المنصور، وصالح بن عليّ ، وعبدالله بن الحسن بن الحسن وابناه محمد وإبراهيم ، فحمد الله واثنى عليه ثمّ قال : قد علمتم أنّ ابني هذا هو المهدي ، فهلمّ نبايعه ، فقال أبوجعفر: لأي شيء تخدعون أنفسكم ، والله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصوَر(3) أعناقاً ولا أسرع إجابة
____________
(1) أخذة رابية : أي أخذة تزيد على الأخذات . «لسان العرب 14 : 305» .
(2) ارشاد المفيد 2 : 184 ، روضة الواعظين : 209 ، كشف النمة 2 : 168 ، وباختلاف يسير في الفصول المهمة :225 ، وباختصار في : تذكرة الخواص : 309، وكفاية الطالب : 455 .
(3) أصوَر: أميل . «اُنظر الصحاح ـ صور ـ 2 : 716» .

( 527 )
منهم إلى هذا الفتى ـ يريد به محمد بن عبدالله ـ . فبايعوا محمداً جميعاً ومسحوا على يده .
وأرسل إلى جعفر بن محمد بن عليّ الصادق عليهم السلام فجاء وأوسع له عبدالله بن الحسن إلى جنبه ثمّ تكلّم بمثل كلامه فقال جعفر: «لا تفعلوا ، فإنّ هذا الأمر لم يأت بعد ، إن كنت ترى ـ يعني عبدالله ـ أنّ ابنك هذا هو المهديّ فليس به ، ولا هذا أوانه ، وإن كنت إنّما تريد أن تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك في هذا الأمر» .
فغضب عبدالله وقال : لقد علمت خلاف ما تقول ، ووالله ما اطلعك الله على غيبه ولكنّه يحملك على هذا الحسد لابني .
فقال : «والله ما ذاك يحملني ، ولكن هذا وإخوته وابناؤهم دونكم » وضرب بيده على ظهر أبي العبّاس ، ثمّ ضرب بيده على كتف عبدالله بن الحسن وقال : «إنّها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم ، وإنّ ابنيك لمقتولان » ثمّ نهض وتوكّأ على يد عبدالعزيز بن عمران الزهريّ فقال : «أرأيت صاحب الرداء الأصفر؟» يعني أبا جعفر.
فقال له : نعم .
فقال : «أنّا والله نجده يقتله » .
قال له عبدالعزيز: أيقتل محمداً؟
قال :«نعم ».
قال : فقلت في نفسي : حسده وربّ الكعبة، قال : ثم والله ما خرجت من الدنيا حتّى رأيته قتلهما.
قال : فلمّا قال جعفر ذلك نهض القوم فافترقوا وتبعه عبدالصمد وأبو جعفر فقالا : يا ابا عبدالله أتقول هذا؟

( 528 )
قال : «نعم ، أقرله والله وأعلمه ».
قال أبو الفرج : وحدّثني علي بن العبّاس قال : أخبرنا بكار بن أحمد قال : حدّثنا الحسن بن الحسين ، عن عنبسة بن بجاد العابد قال : كان جعفر ابن محمد إذا رأى محمد بن عبدالله تغرغرت عيناه وقال : «بنفسي هو، إنّ الناس ليقولون فيه إنّه المهديّ وإنّه لمقتول ، ليس في كتاب عليّ من خلفاء هذ الاُمّة»(1).
ومن ذلك : ما رواه صاحب كتاب (نوادر الحكمة) : عن أحمد بن أبي عبداللهّ ، عن أبي محمدالحميري ، عن الوليد بن العلاء بن سيابة، عن زكار ابن أبي زكار الواسطي قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام إذ أقبل رجل فسلّم ثمّ قبّل رأس أبي عبدالله عليه السلام قال : فمسّ أبوعبدالله ثيابه وقال : «ما رأيت كاليوم ثياباً أشدّ بياضاً ولا أحسن منها» .
فقال : جعلت فداك ، هذه ثياب بلادنا وجئتك منها بخير من هذه.
قال : فقال : «يا معتّب اقبضها منه ».
ثمّ خرج الرجل فقال أبو عبدالله عليه السلام : «صدق الوصف وقرب الوقت ، هذا صاحب الرايات السود الذي يأتي بها من خراسان » ثمّ قال : «يا معتّب ، ألحقه فسله ما اسمه ؟» ثمّ قال لي : «إن كان عبدالرحمن فهو والله هو».
قال : فرجع معتب فقال : قال : اسمي عبدالرحمن .
قال زكار بن أبي زكار: فمكثت زماناً، فلمّا ولي ولد العبّاس نظرت إليه وهو يعطي الجند فقلت لأصحابه : من هذا الرجل ؟ فقالوا : هذا
____________
(1) مقاتل الطالبيين : 206 .