عبد الرحمن ، أبو مسلم (1) .
ــ وذكر ابن جمهور العمّي في كتاب (الواحدة) قال : حدّث أصحابنا: أنّ محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن قال لأبي عبدالله : والله إنّي لأعلم منك وأسخى منك وأشجع منك .
فقال : «أمّا ما قلت : إنّك أعلم منّي ،فقد أعتق جدّي وجدّك ألف نسمة من كدّ يده فسمّهم لي ، وإن أحببت أن اُسمّهم لك إلى آدم فعلت .
وأما ما قلت : إنّك أسخى منّي ،فوالله ما بتّ ليلة ولله عليّ حقّ يطالبني به.
وأما ما قلت :إنّك أشجع منّي فكأني أرى رأسك وقد جيءَ به ووضع على حجر الزنابير يسيل منه الدم إلى موضع كذا وكذا» .
قال : فصار إلى أبيه فقال : يا أبه كلّمت جعفر بن محمد بكذا فردّ عليّ كذا فقال أبوه: يا بنيّ آجرني الله فيك ، إنّ جعفراً أخبرني أنّك صاحب حجر الزنابير(2).
ومن الأخبار الصريحة الدالة على إمامته :
ما رواه محمد بن يعقوب الكليني ، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن جماعة من رجاله ، عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فورد عليه رجل من أهل الشام فقال : إنّي رجلٌ صاحب كلام وفقه وفرائض ، وقد جئت لمناظرة أصحابك .
فقال له أبو عبدالله عليه السلام : «كلامك هذا من كلام رسول الله

____________
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 229 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 274 | 15.
(2) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 228 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 :275 | 15 .

( 530 )
صلى الله عليه وآله وسلم أو من عندك؟»
فقال: من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعضه ومن عندي بعضه.
فقال له أبو عبدالله: «فأنت شريك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟»
قال : لا.
قال: «فسمعت الوحي عن الله عز وجل يخبرك؟»
قال: لا.
قال : «فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟»
قال : لا .
فالتفت أبو عبدالله عليه السلام إليّ فقال : «يا يونس بن يعقوب ، هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلّم » ثمّ قال : «يا يونس ، لوكنت تحسن الكلام كلّمته ».
قال يونس :فيا لها من حسرة، فقلت : جعلت فداك ، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول : ويل لأصحاب الكلام ، يقولون : هذا ينقاد وهذا لا ينقاد، وهذا ينساق وهذا لا ينساق ، وهذا نعقله وهذا لا نعقله ؟
فقال أبوعبدالله عليه السلام : «إنّما قلت : ويل لقوم تركوا قولي وذهبوا إلى ما يريدون » .
ثمّ قال : «اُخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلّمين فادخله » .
قال : فخرجت فوجدت حمران بن أعين ـ وكان يحسن الكلام ـ ومحمد بن النعمان الأحول ـ وكان متكلّماً ـ وهشام بن سالم وقيس الماصر ـ وكانا متكلّمين ـ فأدخلتهم عليه ، فلمّا استقرّ بنا المجلس ـ وكنّا في خيمة
( 531 )
لأبي عبدالله على طرف جبل في طرف الحرم وذلك قبل الحجّ بأيّام ـ أخرج أبو عبدالله رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخبّ (1) فقال : «هشام وربّ الكعبة».
قال : فظنّنا أنّ هشاماً رجلٌ من ولد عقيل كان شديد المحبّة لأبي عبدالله عليه السلام ، فإذا هو هشام بن الحكم قد ورد ـ وهو أوّل ما اختطّت لحيته وليس فينا إلاّ من هو أكبر سنّاً منه ـ فوسّع له أبو عبدالله عليه السلام وقال : «هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده » ثمّ قال لحمران : «كلّم الرجل » ـ يعني الشامي ـ فكلّمه حمران فظهر عليه .
ثمّ قال : « يا طاقي ، كلمه » فكلمه فظهرعليه محمد بن النعمان .
ثمّ قال : «يا هشام بن سالم كلّمه » فتعارفا.
ثمّ قال لقيس الماصر: لأكلّمه » فكلّمه .
وأقبل أبوعبدالله عليه السلام يتبسّم من كلامهما وقد استخذل الشامي في يده ، ثمّ قال للشامي : «كلّم هذا الغلام» يعني هشام بن الحكم .
فقال : نعم .
ثمّ قال الشامي لهشام : يا غلام ، سلني في إمامة هذا - يعني أبا عبدالله عليه السلام - فغضب هشام حتّى ارتعد، ثم قال له : خبرني يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم ؟
قال : بل ربّي أنظر لخلقه .
قال : ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا؟
قال الشامي : كلّفهم وأقام لهم حجّة ودليلاً على ما كلّفهم ، وأزاح في ذلك عللهم .

____________
(1) الخبب : ضرب من العدو. «الصحاح ـ خبب ـ 1 : 117 » .

( 532 )
فقال له هشام : فما هذا الدليل الذي نصبه لهم ؟
قال الشامي : هو رسول الله صلّى اللهّ عليه وآله وسلّم .
فقال له هشام : فبعد رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم من ؟
قال : الكتاب والسنّة .
قال له هشام : فهل ينفعنا اليوم الكتاب والسنّة فيما اختلفنا فيه حتّى يرفع عنّا الاختلاف ويمكّنا من الاتّفاق ؟
قال الشامي : نعم .
قال له هشام : فلم اختلفنا نحن وأنت وجئتنا من الشام تخالفنا وتزعم أنّ الرأي طريق الدين ، وأنت مقر بأنّ الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين ؟
فسكت الشامي كالمفكر، فقال له أبوعبدالله عليه السلام : «ما لك لا تتكلّم ؟»
قال : إن قلت : إنّا ما اختلفنا كابرت ، وإن قلت : إن الكتاب والسنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت لأنّهما يحتملان الوجوه ، ولكن لي عليه مثل ذلك .
فقال له أبوعبدالله عليه السلام : «سله تجده مليّاً» .
فقال الشامي لهشام : من أنظر للخلق ، ربّهم أم أنفسَهم ؟
قال هشام : بل ربّهم أنظر لهم .
فقال الشامي : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع إختلافهم ويبيّن لهم حقّهم من باطلهم ؟
قال هشام : نعم .
قال الشاميّ : من هو؟
قال هشام : أمّا في ابتداء الشريعة فرسول الله صلّى الله عليه واله
( 533 )
وسلّم ، وأمّا بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فغيره .
قال الشاميّ : ومن هوغير النبيّ القائم مقامه في حجّته .
قال هشام : في وقتنا هذا أم قبله ؟
قال الشامي : بل في وقتنا هذا.
فقال هشام : هذا الجالس - يعني أبا عبدالله عليه السلام - الذي تشدّ إليه الرّحال ، ويخبرنا عن أخبار السماء وراثة عن أب عن جدّ .
قال الشامي : فكيف لي بعلم ذلك ؟
قال هشام : سله عمّا بدا لك .
قال الشامي : قطعت عذري ، فعليّ السؤال. .
فقال له أبو عبدالله عليه السلام : «أنا أكفيك المسالة يا شامي ، اُخبرك عن مسيرك وسفرك ، خرجت يوم كذا ، وكان طريقك كذا ، ومررت على كذا ، ومرّ بك كذا» .
فاقبل الشامي كلّما وصف له شيئاً من أمره يقول : صدقت والله ، ثم قال الشامي : أسلمت الساعة .
فقال له أبوعبدالله عليه السلام : «إنّك امنت بالله الساعة ، إنّ الإسلام قبل الإيمان ، وعليه يتوارثون ويتناكحون ، والإيمان عليه يثابون » .
قال الشامي : صدقت ، فانا الساعة أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وأنّك وصيّ الأوصياء.
قال : فاقبل أبو عبدالله عليه السلام على حمران فقال : « يا حمران تجري الكلام على الأثر فتصيب » .
والتفت إلى هشام بن سالم فقال : «تريد الأثر ولا تعرف » .
ثمّ التفت إلى الأحول فقال : «قيّاس روّاغ تكسر باطلاًص بباطل ، إلاّ أنّ باطلك أظهر».

( 534 )
ثمّ التفت إلى قيس الماصر فقال : تتكلّم وأقرب ما تكون من الخبر عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أبعد ما تكون منه ، تمزج الحقّ بالباطل ، وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل ، أنت والأحول قفّازان حاذقان » .
قال يونس بن يعقوب : فظننت والله أنّه يقول لهشام قريباً مما قال لهما، فقال : « يا هشام لا تكاد تقع ، تلوي رجليك إِذا هممت بالأرض طرت ، مثلك فليكلّم الناس ، اتق الزلّة والشفاعة من ورائك »(1) .
وهذا الخبر مع ما فيه من المعجز الدالّ على إمامة أبي عبدالله عليه السلام يتضمّن إثبات حجة النظر ودلالة الإِمامة من طريق النظر والاستدلال .

____________
(1) الكافي 1 : 130 | 4 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 194 ، وباختصار في المنافب لابن شهرآ شوب 4 : 243 .

( 535 )
(الفصل الرابع )
في ذكر طرف من مناقبه ومختصرمن
أخباره ومآثره عليه السلام
كان عليه السلام أعلم أولاد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في زمانه بالاتّفاق ، وأنبههم ذكراً ، وأعلاهم قدراً ، وأعظمهم منزلة عند العامّة والخاصة، ولم يُنقل عن أحد من سائر العلوم ما نقل عنه ، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسامي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات فكانوا أربعة آلاف رجل .
روى أبو محمد الحسن بن حمزة الحسيني في كتاب (التفهيم ) : بإسناده ، عن سدير الصيرفي قال : قال الصادق عليه السلام : «نحن تراجمة وحي الله ، نحن خزّان علم الله ، نحن قوم معصومون ، أمر الله بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض »(1).
وفيه أيضاً : بإسناده ، عن جميل قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : «الناس ثلاثة : عالم ، ومتعلّم ، وغثاء، فنحن العلماء، وشيعتنا المتعلّمون ، وسائر الناس غثاء»(2) .
وكان يقول : عليه السلام «علمنا غابرومزبور، ونكت في القلوب ، ونقرٌ في الأسماع ، وإنّ عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة عليها السلام ، وإنّ عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه ، .
____________
(1) بصائر الدرجات : 124 | 6 ، الكافي 1 : 212 ذيل الحديث 6 .
(2) بصائر الدرجات : 28 |ح 1 ـ 5، الكافي 1 : 4 | 26 ، الخصال 1: 123 | 115.

( 536 )
فسئل عن تفسير كلامه عليه السلام ، فقال : «أمّا الغابر: فالعلم بما يكون .
وأمّا المزبور: فالعلم بما كان .
وأمّا النكت في القلوب : فهو الإلهام .
وأمّا النقر في الأسماع : فحديث الملائكة عليهم السلام نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم .
وأمّا الجفر الأحمر : فوعاء فيه سلاح رسول اللهّ صلَى الله عليه وآله وسلّم ولن يخرج حتّى يقوم قائمنا أهل البيت .
وأمّا الجفر الأبيض : فوعاء فيه توراة موسى، وإنجيل عيسى ، وزبور داود عليهم السلام ، وكتب الله المنزلة .
وأمّا مصحف فاطمة : عليها السلام ففيه ما يكون من حادثٍ ، وأسماء كلّ من يملك إلى أنّ تقوم الساعة .
وأمّا الجامعة : فهي كتاب طوله سبعون ذراعاً، إملاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وخطّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام بيده ، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة، وفيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة » (1) .
وكان عليه السلام يقول : «حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وحديث رسول الله
____________
(1) ارشاد المفيد 2 : 186 ، الاحتجاج 2: 372، روضة الواعظين : 210، كشف الغمة 2 : 169، وباختلاف يسير في : الكافي 1 : 307 | 3 .

( 537 )
صلى الله عليه وآله وسلّم حديث الله عزّ وجلّ »(1).
وروى عنه محمد بن شريح أنه قال : «لولا أن الله تعالى فرض ولايتنا وأمر بمودّتنا ما وقفناكم على أبوابنا، ولا أدخلناكم بيوتنا، والله ما نقول باهوائنا، ولا نقول برأينا ، ولا نقول إلاّ ما قال ربنا، اُصول عندنا نكنزها كما يكنزهؤلاء ذهبهم وفضّتهم »(2).
وروى عنه أبو حمزة الثمالي أنه قال : «ألواح موسى عليه السلام عندنا، وعصا موسى عندنا ونحن ورثة النبيّين »(3).
وروى معاوية بن وهب ، عن سعيد السمّان قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام إذ دخل عليه رجلان من الزيديّة فقالا له : أفيكم إمام مفترض الطاعة؟
قال : فقال : «لا».
فقالا : قد أخبرنا عنك الثقات أنّك تقول به ؟ وسمّوا قوماً .
فغضب عليه السلام وقال : «ما أمرتهم بهذا» .
فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا، فقال لي : «أتعرف هذين؟»
قلت : نعم ، هما من أهل سوقنا، وهما من الزيديّة، وهما يزعمان أنّ سيف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عند عبدالله بن الحسن .
فقال : «كذبا لعنهما الله ، والله ما رآه عبدالله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ، ولا رآه أبوه إلاّ أن يكون رآه عند عليّ بن الحسين ، فإن كانا
____________
(1) الكافي1 : 42 | 14، ارشاد المفيد 2 : 186 ، روضة الواعظين : 211 ، كشف الغمة 2 : 170.
(2) بصائر الدرجات : 321 | 10 وباختلاف يسيرفي 320 | 5 و 7.
(3) بصائر الدرجات 160 |ذيل ح 4 ، الكافي 1 : 180 | 2 ، ارشاد المفيد 2 : 187 ، روضة الواعظين :210، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 276، كشف الغمة 2 : 170 .

( 538 )
صادقين فما علامة فى مقبضه ؟ وما أثر في موضع مضربه ؟ وإنّ عندي لسيف رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم ورايته ودرعه ولامته (1) ومغفره (2) ، فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وإن عندي لراية رسول الله المغلّبة، وإن عندي ألواح موسى وعصا موسى ، وإن عندي لخاتم سليمان بن داود ، وإن عندي الطست التي كان موسى يقرب بها القربان ، وإن عندي الاسم الذي كان رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشّابة، وإن عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة، ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل في أيّ أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم اُوتوا النبوة ، ومن صارإليه السلاح منّا اُوتي الإمامة ، ولقد لبس أبي درع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فخطّت على الأرض خطيطاً، ولبستها أنا فكانت وكانت ، وقائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء الله»(3) .
ووجدت في كتاب (كمال الدين ) للشيخ أبي جعفر بن بابويه ـ رضي الله عنه ـ: حدّثنا عبدالواحد بن محمد العطّارقال : حدّثنا عليّ بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : حدّثنا حمدان بن سليمان ، عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع ، عن حيّان السراج قال : سمعت السيد إسماعيل بن محمد الحميري يقول : كنت أقول بالغلوّ وأعتقد غيبة محمد بن الحنفيّه زماناً ، فمنّ
____________
(1) اللأمة : الدرع ، وقيل : السلاح ، ولأمة الحرب : أداتها، وقد يترك الهمز تخفيفاً. ويقال للسيف لأمة، وللرمح لأمة، وإنما سمي لأمة لأنها تلائم الجسد وتلازمه . «لسان العرب 12 : 532 .
(2) المغفر: زرد يخج من الدروع على قدر الرأس ، يلبس تحت القلنسوة . «الصحاح ـ غفرـ 2 : 771 » .
(3) بصائر الدرجات : 194 | 2 ، الكافي 1 : 181 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 187.

( 539 )
الله عليّ بالصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فانقذني من النار وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته ـ بعد ما صحّ عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنّه حجّة الله على خلقه وأنّه الإمام الذي افترض الله طاعته ـ فقلت له : يا ابن رسول الله ، قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحّة كونها، فاخبرني بمن تقع ؟
فقال عليه السلام : «إنّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي ، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم ، أوّلهم أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً» .
قال السيد : فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق عليه السلام تبت إلى الله تعالى على يديه وقلت قصيدتي التي أوّلها:

تجعفرتُ باسمِ اللهِ واللهُ أكبرُ * وأيقنتُ أن اللهَ يعفو ويغفرُ
ودنتُ بدينِ غير ما كنتُ دائناً * به ونهاني سيّدُ الناس جعفرُ
فقلتُ هب إنّي قد تهوّدت برهة * وإ‎لاّ فديني دين من يتنصّرُ
فإنّي إلى الرحمن من ذاكَ تائبٌ * وإنّي قد أسلمتُ واللهُ أكبرُ
فلستُ بغال ماحييتُ وراجع * إلى ما عليه كنتُ اُخفي واُضمرُ
ولا قائلاً حيّ برضوى محمد * وإن عاب جهّالٌ مقالي وأكثروا
ولكنّه ممّن مضى لسبيله * على أفضل الحالاتِ يقفي ويخبرُ
مع الطيّبين الطاهرين الأولى لهم * من المصطفى فرع زكيّ وعنصرُ
إلى آخرها، وقلت بعد ذلك أيضاً أبيات شعر وهي :

( 540 )
أيا راكباً نحوَ المدينةِ جسرةً(1) * عُذافِرَةً(2) يَطوي بها كلّ سَبسب (3)
إذا ما هداكَ اللهُ عاينتَ جعفراً * فقل لوليّ اللهِ وابنِ المهذَّبِ
ألا يا أمينَ اللهِ وابنَ أمينه * أتوبُ إلى الرحمنِ ثمّ تأوّبي
إليكَ من الأمرِ الذي كنتُ مطنباً * اُحاربُ فيه جاهداً كلّ مُعرب
وماكان قولي في ابنِ خولةَ(4) مبطناً * معاندةً منّي لنسل المطيّبِ
ولكن رويناعن وصي نبيّنا * وماكان فيما قاله بالمكذّبِ
بأنّ وليّ الأمريفقدُلايُرى * ستيراً كفعل الخائفِ المترقّب
فتقسمُ أموالُ الفقيدِ كأنّما * تغيّبهُ بين الصفيحِ المنصّبَ
فيمكثُ حيناً ثمّ يشرقُ شخصهُ * مضيئا ًبنورالعدلِ إشراق كوكبِ
يسيربنصرِاللهِ من بيت ربّه * على سؤددٍ منه وأمرمسبّب
يسير إلى أعدائهِ بلوائهِ * فيقتلهم قتلاً كحرّان مغضبِ
فلمّارُوي أنّ ابن خولةَ غائب * صرفنا اليه قوله لم نكذّبِ
وقلنا هو المهديّ والقائم الذي * يعيش به من عدله كلّ مجدبِ
فإن قلت :لا، فالقول قولك والذي * أمرت فحتمٌ غيرما متعصبِ
وأشهد ربّي أنّ قولكَ حجّة * على الناس من مطيعٍ ومذنبِ
بأنّ وليّ الأمر والقائم الذي * تطلّع نفسي نحوهُ بتطرّبِ
له غيبة لابدّ من أن يغيبها * فصلّى عليه اللهُ من متغيّبِ
فيمكثُ حيناً ثمّ يظهرحينهُ * فيملأعدلاً كلّ شرقٍ ومغربِ
بذاكَ أدين اللهَّ سرّاً وجهرةً * ولستُ وإن عوتبتُ فيه بمعتبِ

____________
(1) الجسرة : العظيمة من الابل . «الصحاح ـ جسرـ 2 : 613) .
(2) العذافرة : العظيمة الشديدة من الابل . «الصحاح ـ عذفر ـ 2 : 2 74» .
(3) السبسب : المفازة أو البادية . «الصحاح ـ سبب ـ 1: 145» .
(4) ابن خولة : هومحمد بن الحنفية رحمه الله .

( 541 )
قال : وكان حيّان السرّاجِ الراوي لهذا الحديث من الكيسانيّة وكان السيد بن محمد بلا شكّ كيسانيّاَ قبل ذلك يزعم أنّ ابن الحنفيّة هو المهديّ وأنّه مقيم في جبال رضوى وشعره مملوءٌ بذلك فمن ذلك قوله :

ألا إنّ الأئمّةَ من قريشٍ * ولاةُ الأمرِ أربعةٌ سواءُ
عليّ والثلاثة من بنيه * هم أسباطنا والأوصياءُ
فسبطٌ سبط إِيمان وبرّ * وسبط غيّبته كربلاءُ
وسبط لايذوق الموتَ حتّى * يقودَ الجيشَ يقدمه اللّواءُ
يغيبُ لايُرى عنّا زماناً * برضوى عنده عسلٌ وماءُ
وقوله أيضاً :
أياشِعبَ رضوى ما لمن بك لايُرى * وَبنا إليهِ مِنَ الصبابةِ أولقُ (1)
حتى متى؟وإلى متى؟وكم المدى؟ * يا ابن الوصيّ وأنتَ حيّ ترزقُ
إنّي لآمِلُ أن أراكَ وأنّني * مِن أن أموتُ ولا أراكَ لأفرقُ (2)
وقوله أيضاً :
ألاحيّ المقيمَ بشعب رضوى * وأهد ِلهُ بمنزلهِ السلاما
وقل يا ابن الوصيّ فَدتَكَ نفسي * أطلتَ بذلكَ الجبلَ المقاما
فَمُرَ بمعشر والوكَ منّا * وسمّوكَ الخليفةَ والإماما
فَما ذاقَ ابن خولةَ طَعمَ موتٍ * وَلا وارت له أرضٌ عِظاما(3)
وفي شعره الذي ذكرناه دليل على رجوعه عن ذلك المذهب وقبوله
____________
(1) الأولق : شبه البنون «الصحاح ـ ولق ـ 4 : 1568 » .
(2) ورد البيتان في إكمال الدين بهذا الشكل :
أيا شعب رضوى ما لمن بك لايرى * فحتى متى يخفى وأنت قريب
فلوغاب عناعمرنوح لأيقنت * منا النفوس بانه سيؤوب
(3) كمال الدين : 33.

( 542 )
إمامة الصادق عليه السلام .
وفيه أيضاً دليل على أنّه عليه السلام دعاه إلى إمامته وعلى صحّة القول بغيبة صاحب الزمان عليه السلام .
ومما نقل عنه صلوات الله عليه في الحجّة والبيان والردّ على منكري الحقّ ومخالفي الإيمان ما رواه محمد بن يعقوب الكلينيّ ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن العبّاس بن عمرو الفقيمي : أنّ ابن أبي العوجاء، وابن طالوت ، وابن الأعمى ، وابن المقفّع في نفر من الزنادقة كانوا مجتمعين في الموسم في المسجد الحرام ، وأبو عبدالله جعفر بن محمد إذ ذاك فيه يفتي الناس ويفسّر لهم القران ويجيب عن المسائل ، فقال القوم لابن أبي العوجاء: هل لك في تغليط هذا الجالس وسؤاله عمّا يفضحه عند هؤلاء المحيطين به ، فقد ترى فتنة الناس به وهو علاّمة زمانه .
فقال لهم ابن أبي العوجاء: نعم .
ثمّ تقدّم ففرّق الناس وقال : يا أبا عبدالله ، إنّ المجالس أمانات ، ولا بدّ لكلّ من به سعال أن يسعل ، أفتاذن لي في السؤال ؟
فقال له أبوعبدالله عليه السلام : «سل إِن شئت ، .
فقال : إلى كم تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر، من فكر في هذا وقدّر علم أنّه فعل غير حكيم ولا ذي نظر، فقل إنّك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك اُسّه ونظامه ؟
فقال الصادق عليه السلام : «إنّ من أضلّه الله وأعمى قلبه استوخم الحقّ فلم يستعذبه ، وصار الشيطان وليّه وربّه ، يورده مناهل الهلكة، وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه ، فحثّهم على تعظيمه وزيارته وجعله قبلة للمصلّين ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدّي إلى
( 543 )
غفرانه ، منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال ، خلقه قبل دحو الأرض بألفي عام ، وأحقّ من اُطيع ـ فيما أمر وانتهى عمّا زجرـ الله المنشئ للأرواح والصور» .
فقال له ابن أبي العوجاء : ذكرت يا أبا عبدالله فأحلت على غائب .
فقال الصادق عليه السلام : «كيف يكون غائباً ـ يا ويلك ـ من هومع خلقه شاهد ، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ويعلم أسرارهم ، لا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه من مكان ، تشهد له بذلك اثاره وتدلّ عليه أفعاله ! ! والذي بعثه بالايات المحكمة والبراهين الواضحة محمد صلّى الله عليه واله وسلّم جاءنا بهذه العبادة،فأن شككت في شيء من أمره فاسأل عنه أوضحه لك ».
قال : فأبلس ابن أبي العوجاء فلم يدرما يقول ، فانصرف من بين يديه وقال لأصحابه : سألتكم أن تلتمسوا لي جمرة فألقيتموني على جمرة.
قالوا له : اُسكت ، فوالله لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك ، وما رأينا أحقرمنك اليوم في مجلسه .
فقال : إليّ تقولون هذا ! إنّه ابن من حلق رؤوس مَن تَرون ، وأشار بيده إلى أهل الموسم (1) .
ومن ذلك : ما روي : أنّ أبا شاكر الديصاني وقف ذات يوم في مجلسه عليه السلام فقال له : إنّك لأحد النجوم الزواهر، كان آباؤك بدوراً بواهر واُمّهاتك عقيلات عباهر(2)، وعنصرك من أكرم العناصر، وإذا ذكر العلماء
____________
(1) الكافي 1 : 98 |3 و 4 : 197 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 199 ، التوحيد : 253 | 4 ، كشف الغمة 2 :175 ، ووردت قطعة منه في : أمالي الصدوق : 493 | 4 ، علل الشرائع : 403 | 4 ، ا لاحتجاج 3 : 335 .
(2) العبهرة : التي جمعت الحُسن والجسم والخلُق «لسان العرب 4 : 536» .

( 544 )
فبك تثنّى الخناصر، فخبّرنا أيها البحر الخضمّ الزاخر ما الدليل على حدوث العالم ؟
فقال له أبو عبدالله عليه السلام : «من أقرب الدليل على ذلك ما أذكره لك » ثم دعا ببيضة فوضعها في راحته ثمّ قال : «هذا حصن ملموم ، باطنه غِرقئ (1) رقيق يطيف به كالفضّة السائلة والذهبة المائعة ، افتشك في ذلك ؟»
قال أبوشاكر: لا شكّ فيه .
قال أبو عبدالله عليه السلام : « ثمّ إنه ينفلق عن صورة كالطاووس ، اَدَخله شيء غيرما عرفت؟»
قال : لا.
قال : «فهذا الدليل على حدوث العالم » .
فقال أبو شاكر: دللت يا أبا عبدالله فاوضحت ، وقلت فاحسنت ، وذكرت فاوجزت ، وقد علمت أنّا لا نقبل إلاّ ما أدركناه بأبصارنا، أو سمعناه بآذاننا ، أو ذقناه بافواهنا ، أو شممناه باُنوفنا ، أو لمسناه ببشرتنا .
فقال له أبو عبدالله عليه السلام : « ذكرت الحواس الخمس ، وهي لا تنتفع في الاستنباط إلاّ بدليل ، كما لا تنقطع الظلمة بغيرمصباح »(2).
أراد عليه السلام أنّ الحواس لا توصل إلى العلم بالغائبات إلاّ بالعقل ، وإنّ الذي أراه من حدوث الصورة معقول يوصل إلى العلم به بالمحسوس .
ومن ذلك : ما روي أنّه سئل عن التوحيد والعدل فقال : «التوحيد أن لا
____________
(1) الغرقئ : قثر البيض الرقيق الذي تحت القشر الصلب . «الصحاح ـ غرقا ـ 1 : 61» .
(2) التوحيد : 292 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 201 ، كشف الغمة 2 : 177 ، ونحوه في الكافي 1: 63 | ذيل ح 4 .

( 545 )
تجوز على ربك ما جاز عليك ، والعدل أن لا تنسب إِلى خالقك ما لامك عليه »(1) وهذا يؤول في المعنى إلى قول أميرالمؤمنين عليه السلام : «التوحيد أن لا تتوهّمه ، والعدل أن لا تتّهمه » (2) .
وقيل للصادق عليه السلام : أنت أعلم أم أبوك ؟
فقال : «أبي أعلم منّي ، وعلم أبي لي » .
وروى عليّ بن أسباط ، عن داود الرقّي قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : كيف أدعو الله أن يرضى عنّي إمامي .
قال : «تقول : اللهم ربّ إمامي وربّي ، وخالق إمامي وخالقي ، ورازق إمامي ورازقي ، ارض عني وارض عنّي إمامي » .
وما حُفظ عنه وتُلقّي منه في أنواع العلوم وفنون الحكم أكثر من أن يحويه كتاب ، أو يحصره حساب ، والاقتصار على ما أوردناه أليق بالباب ، والله الموفّق للصواب .

____________
(1) معاني الأخبار: 11 |2 ، التوحيد : 96 | 1 .
(2) نهج البلاغة : 264 | 470 .

( 546 )
(الفصل الخامس )
في ذكر أولاده عليه السلام ونبذ من أخبارهم
كان له عليه السلام عشرة أولاد : إسماعيل ، وعبدالله ، واُمّ فروة ، اُمّهم فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.
وموسى عليه السلام ، وإسحاق ، وفاطمة، ومحمّد، لاُمّ ولد اسمها حميدة البربريّة .
والعبّاس ، وعليّ ، وأسماء ، لأمّهات أولاد شتّى .
أما إسماعيل : فكان أكبر إخوته ، وكان أبوه شديد المحبّة له والبّر به ، وقد كان يظن قوم من الشيعة في حياة الصادق عليه السلام أنّه القائم بعده والخليفة له ، لميل أبيه إليه وإكرامه له ، ولأنّه أكبر إخوته سنّاً ، فمات في حياة أبيه الصادق عليه السلام بالعريض (1) وحُمل على رقاب الناس إلى أبيه بالمدينة، فجزع عليه جزعاً شديداً ، وتقدّم سريره بغير حذاء ولا رداء، وكان يأمر بوضع سريره على الأرض قبل دفنه مراراً كثيرة ويكشف عن وجهه وينظر إليه ، يريد عليه السلام إزالة الشبهة عن الذين ظنّوا خلافته له من بعده ، وتحقيق أمر وفاته عندهم . ودفن بالبقيع ـ رحمه اللهّ -.
ولمّا مات إسماعيل رجع عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظنّ ذلك ، وأقام على حياته طائفة لم تكن من خواصّ أبيه بل كانوا من الأباعد .

____________
(1) العريض : واد بالمدينة فيه بساتين نخل . «انظر معجم البلدان 4 : 114» .

( 547 )
فلمّا مات الصادق عليه السلام انتقل جماعة منهم إلى القول بإمامة موسى بن جعفر عليهما السلام ، وافترق الباقون منهم فرقتين : فريق منهم رجعوا عن حياة إسماعيل وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل لظنّهم أنّ الإمامة كانت في أبيه وإنّ الابن أحقّ بمقام الإمامة من الأخ ، وفريق منهم ثبتوا على حياة إسماعيل وهم اليوم شذاذ، وهذان الفريقان يسمّيان الإسماعيليّة .
وأما عبدالله بن جعفر: فإنّه كان أكبر إخوته بعد إسماعيل ، ولم تكن منزلته عند أبيه عليه السلام منزلة غيره من الأولاد، وكان متّهماً بالخلاف على أبيه في الاعتقاد، وادّعى الإمامة بعد وفاة أبي عبدالله عليه السلام ، واتبعه قومٌ ثمّ رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة موسى عليه السلام لمّا ظهر عندهم براهين إمامته ، ولم يبق على القول بإمامة عبدالله الاّ طائفة يسيرة تسمّى الفطحيّة، وإنّما لزمهم هذا اللقب لأنّه كان أفطح الرجلين ، ويقال : لأنّ داعيهم إلى ذلك رجل اسفه عبدالله بن أفطح .
وأما محمد بن جعفر: فكان يرى رأي الزيديّة في الخروج بالسيف ، وكان سخيّاً شجاعاً، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان يذبح كلّ يوم كبشاً للضيافة، وخرج على المامون في سنة تسع وتسعين ومائة، فخرج لقتاله عيسى الجلودي فهزم أصحابه وأخذه وأنفذه إلى المأمون ، فوصله وأكرمه ، وكان مقيماً معه بخراسان يركب إليه في موكب بني عمّه ، وكان المأمون يحتمل منه ما لا يحتمل السلطان من رعيّته .
وروي : أنّ المأمون أنكر ركوبه إليه في جماعة الطالبيّة التي خرجت عليه معه ، فخرج التوقيع من المأمون إليهم : لا تركبوا مع محمّد بن جعفر واركبوا مع عبيدالله بن الحسين . فأبوا أن يركبوا، ولزموا منازلهم ، فخرج التوقيع : إركبوا مع من أحببتم . فكانوا يركبون مع محمّد بن جعفر إذا ركب
( 548 )
إلى المامون ، وينصرفون بإنصرافه .
وأما إسحاق بن جعفر: فكان ورعاً فاضلاً مجتهداً ، وروى عنه الناس الحديث والأثار، وكان ابنُ كاسبِ إذا حدّث عنه قال : حدّثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر، وكان يقول بإمَامة أخيه موسى بن جعفر، وروى عن أبيه النصّ عليه بالإمامة .
وأما عليّ بن جعفر: فإنّه كان راوية للحديث ، كثير الفضل والورع ، ولزم أخاه موسى بن جعفر وروى عنه مسائل كثيرة ، وقال بإمامته ، وإمامة عليّ ابن موسى، ومحمد بن عليّ عليهم السلام ، وروى من أبيه النصّ على موسى أخيه عليهما السلام .
وكان العبّاس بن جعفر فاضلاً نبيلاً(1).
____________
(1) ارشاد المفيد 2: 209.