سلسلة مصادر بحار الأنوار
(16)



اِعـــــلامُ الــــوَرى
بأعـلام الـهـُـدى

تأليف
امين الاسلام الشيخ ابي علي
الفضل بن الحسن الطبرسي
من اعلام القرن السادس الهجري
الجزء الثاني
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

( 5 )
(الباب السادس)
في ذكر الامام العالم أبي الحسن
موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام
وهو ستة فصول :

( 6 )
(الفصل الاَول)
في ذكر تاريخ مولده ، ومبلغ سنه ، ووقت وفاته عليه السلام
ولد عليه السلام بالاَبواء(1)ـ منزل بين مكّة والمدينة ـ لسبع خلون من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة .
وقبض ببغداد في حبس السندي بن شاهك لخمس بقين من رجب ـ وقيل أيضاً لخمس خلون من رجب ـ سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وله يومئذ خمس وخمسون سنة .
وأمّة أمّ ولد يقال لها : حميدة البربرية ، ويقال لها : حميدة المصفاه .
وكنيته : أبوالحسن ، وهو أبوالحسن الاَوّل ، وأبو إبراهيم ، وأبو علي ، ويعرف بالعبد الصالح ، والكاظم .
وكانت مدّة إمامته عليه السلام خمساً وثلاثين سنة ، وقام بالاَمر وله عشرون سنة ، وكانت في أيّام إمامته بقيّة ملك المنصور أبي جعفر ، ثمّ ملك ابنه المهديّ عشر سنين وشهراً ، ثمّ ملك ابنه الهادي موسى بن محمد سنة وشهراً ، ثمّ ملك هارون بن محمد المقلّب بالرشيد ، واستشهد صلوات الله عليه بعد مضيّ خمس عشرة سنة من ملكه مسموماً في حبس السنديّ بن شاهك ، ودفن بمدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش(2) .
____________
(1) الابواء : قرية أعمال القرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وثلاثون ميلاً . « انظر : معجم البلدان 1 : 79 » .
(2) اُنظر : المحاسن 2 : 314 | 32 ، الكافي 1 : 397 ، ارشاد المفيد 2 : 215 ، تاج المواليد : 121 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 323 ، الهداية الكبرى : 263 ، كشف الغمة 2 : 212 ، تاريخ بغداد 13 | 27 ، دلائل الامامة للطبرى : 146 ، تذكرة الخواص : 312 . كفاية الطالب :457 ، الفصول المهمة : 232 .

( 7 )
(الفصل الثاني)
في ذكر النص عليه بالاِمامة
دليل الاعتبار الذي قدّمناه كما دلّ على إمامة آبائه عليهم السلام يدلّ على إمامته وإمامة الاَئمة من ذرّيّته عليهم السلام ، وإذا دلّلنا على بطلان جميع أقوال مخالفي الشيعة القائلين بعصمة الامام والنصّ ، فإنّ الشيعة اختلفت بعد وفاة أبي عبدالله عليه السلام على أقوال :
قائل يقول : أنّ الصادق عليه السلام لم يمت ولا يموت حتّى يظهر فيملاَ الاَرض عدلاً ، وهم : الناووسيّة ، وانّما سمّوا بذلك لاَنّ رئيسهم في مقالتهم رجلٌ يقال له : عبدالله بن الناووس(1) .
وقولهم باطل بقيام الدليل على موته كقيامه على موت آبائه عليهم السلام ، وبانقراض هذه الفرقة بأسرها ، ولو كانت محقّة لما انقرضت .
وقائل يقول : بإمامة عبدالله بن جعفر ، وهم : الفطحيّة(2) .
وقولهم يبطل بأنّهم لم يعوّلوا في ذلك على نصّ عليه من أبيه بالاِمامة ، وإنما عوّلوا في ذلك على أنه أكبر ولده ، وأيضاً فإنّهم رجعوا عن ذلك ، إلاّ شذاذ منهم ، وانقرضت الجماعة الشاذّة أيضاً فلا يوجد منهم أحد ، وإنّما نحكي مذهبهم على سبيل التعجّب ، وما هذه صفته فلا شكّ في فساده .
وقائل يقول : بإمامة إسماعيل بن جعفر على اختلاف بينهم ، فمنهم
____________
(1) اُنظر : فرق الشيعة :67 ، الملل والنحل 1 : 166 ، الفرق بين الفرق : 61 | 57 .
(2) اُنظر : فرق الشيعة :77 ، الملل والنحل 1 : 167 ، الفرق بين الفرق : 62 | 59 .

( 8 )
من أنكر وفاة إسماعيل في حياة أبيه وزعم أنّه بقي ونصّ أبوه عليه ، وهم شذاذ(1) .
ومنهم من قال : إنّ إسماعيل توفي في زمن أبيه ، غير أنه قبل وفاته نص على ابنه محمد فكان الامام بعده ، وهؤلاء هم : القرامطة ، نسبوا الى رجل يقال له : قرمطويه ، ويقال لهم : المباركية ، نسبوا الى المبارك مولى اسماعيل ابن جعفر عليه السلام (2) .
وقول هؤلاء يبطل من وجهين : أحدهما : انّ مذهبهم يقتضي ببطلان حكاية دعوى التواتر عنهم بالنصّ ، وذلك أنّ من أصلهم المعروف أنّ الدين مستور عن جمهور الخلق ، وإنّما يدعو إليه قوم بأعيانهم لا يبلغون حدّ التواتر ، ولا يؤخذ الحقّ إلاّ عنهم وأنه لا يحل لأحد من هؤلاء أن يوعز إلى الخلق شيئاً منه إلا بعد العهود والايمان المغلظة ، فقد ثبت فساد قول من ادّعى عليهم التواتر ، وإنما يعوّلون على أخبار آحاد وتأويلات في معنى الاَعداد وقياس ذلك بالسماوات السبع والاَرضين والنجوم وغير ذلك من الشهور والاَيّام ممّا يجري مجرى الخرافات ، وهذا لا يعارض ما ذهبنا إليه من إيراد النصوص الظاهرة والتواتر بها من الاَمم الكثيرة المتظاهرة .
والوجه الآخر : أن النص لا يكون من الله تعالى على من يعلم موته قبل وقت إماته ، من حيث يكون ذلك نقصاً للغرض ويكون عبثاً وكذباً ، وإذا لم يبق إسماعيل بعد أبيه بطل قول من ادّعى له النصّ بخلافته .
ولا فصل بين من أنكر وفاته في عصر أبيه وادّعى أنّ ذلك كان تلبيساً ، وبين من أنكر موت أبي عبدالله عليه السلام من الناووسية .

____________
(1) انظر : فرق الشيعة :67 ، الملل والنحل 1 : 167 ، الفرق بين الفرق : 62 | 60 .
(2) انطر فرق الشيعة : 17 ، الملل والنحل 2 : 168 ، الفرق بين الفرق : 63 .

( 9 )
وكذلك من ادّعى أنّه نصّ على ابنه محمد ، لان الاِمامة إذا لم تحصل لاِسماعيل في حياة أبيه ـ لفساد وجود إمامين معاً في زمان واحد ـ فكيف يصحّ نصّه على ابنه؟ النص على الامام لا يوجب الامامة إلا إذا كان من إمام .
وقائل : يقول : بإمامة موسى بن جعفر عليه السلام ، وهم : الشيعة الاِماميّة ، فإذا فسدت الاَقوال المتقدّمة ثبتت إمامة أبي الحسن موسى عليه السلام ، وإلاّ أدّى إلى خروج الحقّ عن جميع أقوال الامّة ، وأيضاً فإنّ الجماعة التي نقلت النصّ من أبيه وجدّه وآبائه عليهم السلام قد بلغوا من الكثرة إلى حدّ يمتنع معه منهم التواطؤ على الكذب ، إذ لا يحصرهم بلد ومكان ، ولا يضمّهم صقع ، ولا يحصيهم إنسان .
وأما ألفاظ النصّ عليه من أبيه عليه السلام ، فمن ذلك :
ما رواه محمد بن يعقوب الكليني ، عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد ابن محمد ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي أيّوب الخزّاز ، عن ثبيت ، عن معاذ ابن كثير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : أسأل الله الذى رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها .
فقال : « قد فعل الله ذلك » .
قلت : من هو جعلت فداك؟
فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال : « هذا الراقد » وهو يؤمئذ غلام(1) .
وبهذا الاِسناد ، عن أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن موسى
____________
(1) الكافي 1 : 245 | 2 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 :217 ، روضة الواعظين : 213 ، كشف الغمة 2 : 219 .

( 10 )
الصيقل ، عن المفضّل بن عمر قال : كنّا عند أبي عبدالله عليه السلام فدخل أبو إبراهيم ـ وهو غلام ـ فقال : « استوص به ، وضع أمره عند من تثق به من أصحابك »(1) .
وبهذا الاِسناد ، عن محمد بن عليّ ، عن عبدالله القلاّء ، عن الفيض ابن المختار قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : خذ بيدي من النار ، من لنا بعدك؟
فدخل علينا أبو إبراهيم ـ وهو يومئذٍ غلام ـ فقال : « هذا صاحبكم فتمسّك به »(2) .
وبهذا الاِسناد ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن صفوان الجمّال ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال له منصور بن حازم : بأبي أنت وأمّي ، إنّ الاَنفس يغدى عليها ويراح ، فإذا كان ذلك فمن؟
قال أبو عبدالله عليه السلام : « إذا كان ذلك قهو صاحبكم » وضرب على منكب أبي الحسن الايمن ، وكان يومئذ خماسيّاً ، وعبدالله بن جعفر جالسٌ معنا(3) .
وبهذا الاِسناد ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بن عليّ ابن أبي طالب عليه السلام ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : إن
____________
(1) الكافي 1 : 246 | 4 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 216 ، روضة الواعظين : 213 ، كشف الغمة 2 : 219 .
(2) الكافي 1 : 245 | 1 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 :217 ، روضة الواعظين : 213 ، كشف الغمة 2 : 220 ، الفصول المهمة : 231 .
(3) الكافي 1 : 246 | 6 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 218 ، كشف الغمة 2 : 220 ، الفصول المهمة : 232 .

( 11 )
كان كونٌ ـ ولا أراني الله ذلك ـ فبمن أئتمّ؟
قال : فأومأ إلى ابنه موسى .
قلت : فإن حدث بموسى حديثٌ فبمن أئتمّ؟
قال : « بولده » .
قلت : فإن حدث بولده وترك أخاً كبيراً وابناً صغيراً؟
قال : « بولده ، ثمّ هكذا أبداً » .
قلت : فإن لم أعرفه ولم أعرف موضعه؟
قال : « تقول : اللهم أنّي أتولّى من بقي من حججك من ولد الاِمام الماضي ، فإنّ ذلك يجزئك إن شاء الله »(1) .
وبهذا الاِسناد عن محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن محمد ابن عبدالجبّار ، عن الحسن بن الحسين ، عن أحمد بن الميثميّ ، عن فيض بن المختار ، في حديث طويل في أمر أبي الحسن عليه السلام حتّى قال له أبو عبدالله عليه السلام : « هو صاحبك الذي سألت عنه ، فقم إليه فأقرّ له بحقّه » .
فقمت حتّى قبّلت رأسه ويده ، ودعوت الله له .
قال أبو عبدالله عليه السلام : « أما إنه لم يؤذن لنا في أول ذلك (2) » .
فقلت : جعلت فداك ، فأخبر به أحداً؟
قال : « نعم ، أهلك وولدك ورفقاءك » .
وكان معي أهلي وولدي ، وكان معي من رفقائي يونس بن ظبيان ، فلمّا
____________
(1) الكافي : 1 : 246 | 7 ، وكذا في : كمال الدين : 439 | 43 ، ودون ذيله في : ارشاد المفيد 2 : 218 ، كشف الغمة 2 : 220 .
(2) في الكافي : منك .

( 12 )
أخبرته حمد الله تعالى وقال : لا والله حتّى أسمع ذلك منه ، وكانت به عجلة ، فخرج فأتبعته ، فلمّا انتهيت إلى الباب سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول له ـ وكان سبقني إليه ـ : « يا يونس ، الاَمر كما قال لك فيض » .
فقال : سمعت وأطعت .
فقال لي أبو عبدالله عليه السلام : « خذه إليك يا فيض »(1) .
وبهذا الاِسناد ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن سليمان بن خالد قال : دعا أبو عبدالله أبا الحسن موسى عليهما السلام ونحن عنده فقال لنا : « عليكم بهذا بعدي ، فهو والله صاحبكم بعدي »(2) .
. وبهذا الاِسناد ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن الوشّاء ، عن علي بن الحسن عن صفوان الجمّال قال : سألت أبا عبدالله عن صاحب هذا الاَمر ، فقال : « إنّ صاحب هذا الاَمر لا يلهو ولا يلعب » .
فأقبل أبو الحسن موسى ـ وهو صغير ـ ومع عناق(3)مكّية وهو يقول لها : « اسجدي لربّك » فأخذه أبو عبدالله فضمّه إليه وقال : « بأبي وأمّي من لا يلهو ولا يلعب »(4) .
وبهذا الاِسناد ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن
____________
(1) الكافي 1 : 246 | 9 ، وكذا في : بصائر الدرجات : 356 | 11 ، رجال الكشي : 643 | 663 ، ونحوه في : الامامة والتبصرة : 204 | 56 .
(2)الكافي 1 :247 | 12 ، وكذا في : الامامة والتبصرة : 205 | ذيل ح57 ، ارشاد المفيد 2 : 219 ، كشف الغمة 2 : 221 .
(3) العَناق : الانثى من ولد المعز . « الصحيح ـ عنق ـ 4 : 1534 » .
(4) الكافي 1 : 248 | 15 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 219 ، المناقب لا بن شهر آشوب 4 :317 ، كشف الغمة 2 : 221 .

( 13 )
جعفر بن بشير ، عن فضيل ، عن طاهر قال : كان أبو عبدالله عليه السلام يلوم عبدالله يوماً ويعاتبه ويعظه ويقول : « ما يمنعك أن تكون مثل أخيك ، فوالله إنّي لاَعرف النور في وجهه » .
فقال عبدالله : ولم ، أليس أبي وأبوه واحداً (وأصلي وأصله واحدا) (1) ؟
فقال له أبو عبدالله : « إنّه من نفسي وأنت ابني »(2) .
وبهذا الاِسناد ، عن عليّ بن محمد ، عن سهل بن زياد(3)غيره ، عن محمد بن الوليد ، عن يونس ، عن داود بن زربي ، عن أبي أيّوب الجوزي (4)قال : بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته ، فدخلت عليه وهو جالسٌ على كرسيّ وبين يديه شمعة وفي يده كتاب ، قال : فلمّا سلّمت عليه رمى بالكتاب إلي وهو يبكي وقال : هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أنّ جعفر بن محمد قد مات ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ـ ثلاثاً ـ وأين مثل جعفر ، ثمّ قال لي : اُكتب إن كان أوصى إلى رجل بعينه فقدّمه واضرب عنقه .
قال : فكتبت وعاد الجواب : أنّه قد أوصى إلى خمسة : أحدهم أبو جعفر المنصور ، ومحمد بن سليمان ، وعبدالله ، وموسى ، وحميدة(5) .
وبهذا الاِسناد ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد نحو هذا الحديث ، إلاّ أنّه قال : أوصى إلى خمسة : أوّلهم أبو جعفر المنصور ، ثمّ عبدالله ، وموسى ، ومحمد بن جعفر ، ومولى لاَبي عبدالله عليه
____________
(1) في الكافي : وامي واُمه واحدة .
(2) الكافي 1 :247 | 10 ، وكذا في : الامامة والتبصرة : 210 | 63 ، ارشاد المفيد 2 : 218 ، كشف الغمة 2 : 220 .
(3) في الكافي : أو .
(4) في الكافي : النحوي .
(5) الكافي 1 : 247 | 3 ، وكذا في : الغيبة للطوسي : 119 .

( 14 )
السلام ، فقال لمنصور : مالي إلى قتل هؤلاء سبيل(1) .
وروى محمد بن سنان ، عن يعقوب السراج قال : دخلت على أبي عبدالله وهو واقف على رأس أبي الحسن وهو في المهد ، فجعل يسارّه طويلاً ، فجلست حتّى فرغ فقمت إليه فقال لي : « ادن إلى مولاك فسلّم عليه » .
فدنوت فسلّمت عليه ، فردّ عليّ بلسان فصيح ، ثمّ قال لي : « إذهب فغير اسم ابنتك التي سمّيتها أمس ، فإنّه اسم يبغضه الله عزّ وجلّ » .
وكانت ولدت لي ابنة فسمّيتها بالحميراء ، فقال أبو عبدالله عليه السلام : « انته إلى أمره ترشد » فغيّرت اسمها(2) .
وروى يعقوب بن جعفر الجعفريّ قال : حدّثني إسحاق بن جعفر الصادق عليه السلام قال : كنت عند أبي يوماً فسأله عليّ بن عمر بن عليّ فقال : جعلت فداك ، إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك؟
قال : « إلى صاحب هذين الثوبين الاَصفرين والغديرتين ـ يعني الذؤابتين ـ وهو الطالع عليك من الباب » .
فما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذتان بالبابين حتى انفتحا ، ودخل علينا أبو إبراهيم عليه السلام وهو صبيّ وعليه ثوبان أصفران(3) .
وروى محمد بن الوليد قال : سمعت عليّ بن جعفر يقول : سمعت أبي ـ جعفر بن محمد عليهم السلام ـ يقول لجماعة من خاصّته وأصحابه : « استوصوا بابني خيراً ، فإنّه خيراً ، فإنّه أفضل ولدي ، ومن أخلّف من بعدي ، وهو

____________
(1) الكافي 1 : 248 | 14 .
(2)الكافي 1 : 247 | 11 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 219 ، كشف الغمة 2 : 221 ، دلائل الامامة : 161 .
(3) الكافي 1 : 246 | 5 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 219 ، كشف الغمة 2 : 221 .

( 15 )
القائم مقامي ، والحجّة لله تعالى على كافّة خلقه من بعدي » (1) .
وأمثال هذه الاَخبار كثيرة .
____________
(1) ارشاد المفيد 2 : 220 ، كشف الغمة 2 : 221 ، ونقله المجلسي في بحار الاَنوار 48 : 20 | 30 .

( 16 )
( الفصل الثالث)
في ذكر نبذ من آياته ودلالاته
ومعجزاته عليه السلام
محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي يحيى الواسطيّ ، عن هشام بن سالم قال : كنّا بالمدينة ـ بعد وفاة أبي عبدالله عليه السلام ـ أنا ومحمد بن النعمان صاحب الطاق ، والناس مجتمعون على عبدالله بن جعفر ، فدخلنا عليه فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟
قال : في مائتي درهم خمسة دراهم .
قلنا : ففي مائة؟
فقال : درهمان ونصف .
قال : فخرجنا ضلاّلاً ، ما ندري إلى أين نتوجه وإلى من نقصد ، نقول : إلى المرجئة ، الى القدريّة ، إلى المعتزلة ، إلى الخوارج ، إلى الزيديّة؟ فنحن كذلك إذ رأيت شيخاً لا أعرفه يومئ إليّ بيده ، فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور ، وذلك أنّه كان له بالمدينة جواسيس على من يجتمع بعد جعفر بن محمد عليهم السلام الناس ، فيؤخذ فتضرب عنقه ، فخفت أن يكون منهم ، فقلت للاَحول : تنحّ ، فإنّي خائف على نفسي وعليك ، وإنّما يريدني ليس يريدك . فتنحّى عنّي بعيداً .
وأتبعت الشيخ ، وذلك أنّي ظننت لا أقدر على التخلّص منه ، فما زلت أتبعه حتّى ورد على باب أبي الحسن موسى عليه السلام ثمّ خلاّني ومضى ، فإذا خادم بالباب فقال لي : أدخل رحمك الله ، فدخلت فإذا أبوالحسن

( 17 )
موسى عليه السلام ، فقال لي إبتداءً منه : « إليّ لا إلى المرجئة ، ولا إلى القدريّة ، ولا إلى المعتزلة ، ولا إلى الخوارج ، ولا إلى الزيديّة » .
فقلت : جعلت فداك ، مضى أبوك؟
قال : « نعم » .
قلت : مضى موتاً؟
قال : « نعم » .
قلت : فمن لنا بعده؟
قال : « إن شاء الله أن يهديك هداك » .
قلت : جعلت فداك ، إنّ عبدالله أخاك يزعم أنه إمام من بعد أبيه .
فقال : « عبدالله يريد أن لا يُعبدالله » .
قلت : جعلت فداك ، فمن لنا بعده؟
قال : « إن شاءالله أن يهديك هداك » .
قلت : جعلت فداك ، فأنت هو؟
قال : « لا ، ما أقول ذلك » .
قال : فقلت في نفسي : لم أصب طريق المسألة ، ثمّ قلت له : جعلت فداك عليك إمامٌ؟
قال : « لا » .
قال : فدخلني شيء لايعلمه إلاّ الله تعالى إعظاماً له وهيبة ، ثمّ قلت : جعلت فداك ، أسألك كما كنت أسأل أباك؟
قال : « سل تخبر ولا تذع ، فإن أذعت فهو الذبح » .
قال : فسألته فإذا بحر لا ينزف قلت : جعلت فداك ، شيعة أبيك ضُلاّل فألقي إليهم هذا الاَمر وأدعوهم إليك؟ فقد أخذت عليّ الكتمان .
قال : « من آنست منه رشداً فألق إليه وخذ عليه الكتمان ، فإن أذاع فهو
( 18 )
الذبح » وأشار بيده إلى حلقه .
قال : فخرجت من عنده ولقيت أبا جعفر الاَحول فقال لي : ما وراءك؟ قلت : الهدى ، وحدّثته بالقصّة ، ثمّ لقينا زرارة بن أعين وأبا بصير فدخلا عليه وسمعا كلامه وسألاه وقطعا عليه ، ثمّ لقينا الناس أفواجاً ، فكلّ من دخل عليه قطع عليه ، إلاّ طائفة عمّار الساباطي ، وبقي عبدالله ، لايدخل عليه إلاّ القليل من الناس(1) .
وعنه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الرافعي قال : كان لي ابن عمّ يقال له : الحسن بن عبدالله ، وكان زاهداً ، وكان من أعبد أهل زمانه ، وكان السلطان يتّقيه لجدّه في : الدين وإجتهاده ، فدخل يوماً المسجد وفيه أبوالحسن موسى عليه السلام ، قال : فأومأ اليه فأتاه فقال له : « ياأبا علي ، ما أحب الي ما أنت فيه وأسرني به ، إلا أنّه ليس لك معرفة ، فاطلب المعرفة » .
فقال له : جعلت فداك ، وما المعرفة؟
قال : « إذهب تفقّه واطلب الحديث » .
قال : عمّن؟
قال : « عن فقهاء أهل المدينة ، ثمّ اعرض عليّ الحديث » .
قال : فذهب وكتب ثمّ جاء فقرأه عليه ، فأسقطه كلّه ثمّ قال له : « إذهب فاعرف » وكان الرجل معنيّاً بدينه .
قال : فلم يزل يترصّد أباالحسن حتّى خرج إلى ضيعة له فلقيه في الطريق ، فقال له : جعلت فداك ، إنّي أحتجّ عليك بين يدي الله عزّ وجلّ ،
____________
(1) الكافي 1 : 285 | 7 ، وكذا في : رجال الكشي 2 : 565 | 502 ، ارشاد المفيد 2 : 221 ، الثاقب في المناقب :437 | 373 ، الخرائج والجرائح 1 : 331 | 23 ، ودون ذيله في المناقب لابن شهرآشوب 4 : 290 .

( 19 )
فدلّني على ما تجب عليّ معرفته .
فأخبره بأمر أمير المؤمنين عليه السلام وحقّه ، وأمر الحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمد بن عليّ وجعفر بن محمد عليهم السلام ، ثمّ سكت فقال له : جعلت فداك ، فمن الامام اليوم؟
قال : « إن أخبرتك تقبل؟ »
قال : نعم .
قال : « أنا هو » .
قال : فشيء أستدلّ به؟
قال : « إذهب إلى تلك الشجرة ـ وأشار إلى بعض شجر اُمّ غيلان(1)ـ فقل لها : يقول لك موسى بن جعفر : أقبلي » .
قال : فأتيتها فرأيتها والله تخدّ الاَرض(2)خداً حتّى وقفت بين يديه ثمّ أشار [اليها] بالرجوع فرجعت .
قال : فأقّر به ولزم الصمت والعبادة ، فكان لا يراه أحدٌ يتكلّم بعد ذلك(3) .
وروى عبدالله بن إدريس ، عن ابن سنان قال : حمل الرشيد في بعض الاَيّام إلى علي بن يقطين ثياباً أكرمه بها ، وكان في جملتها درّاعة خزّ سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب ، وتقّدم عليّ بن يقطين بحمل تلك الثياب إلى أبي الحسن موسى عليه السلام ، وأضاف إليها مالاً كان أعدّه على رسم
____________
(1) اُم غيلان : شجر السَّمُر . « القاموس المحيط 4 : 27 » .
(2) تخد الاَرض : تشقها . « الصحاح ـ خدد ـ 2 : 468 » .
(3) الكافي 1 : 286 | 8 ، وكذا في : بصائر الدرجات : 274 | 6 ، ارشاد المفيد 2 : 223 ، الخرائج والجرائح 2 : 650 | 2 ، الثاقب في المناقب : 455 | 383 ، كشف الغمة 2 : 223 .

( 20 )
له في ما يحمله إليه من خمس ماله ، فلمّا وصل ذلك إلى أبي الحسن عليه السلام قبل المال والثياب وردّ الدرّاعة على يد غير الرسول إلى علي بن يقطين وكتب إليه : « احتفظ بها ولا تخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه » فارتاب عليّ بن يقطين بردّها عليه ولم يدر ما سبب ذلك ، فاحتفظ بالدرّاعة .
فلمّا كان بعد أيّام تغّير ابن يقطين على غلام له كان يختصّ به فصرفه عن خدمته ، فسعى به إلى الرشيد وقال : إنّه يقول بإمامة موسىبن جعفر ويحمل إليه خمس ماله في كلّ سنة ، وقد حمل إليه الدرّاعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا .
فاستشاط الرشيد غضباً وقال : لاَكشفنّ عن هذه الحال ، وأمر بإحضار علي بن يقطين فلمّا مثل بين يديه قال : ما فعلت تلك الدّراعة التي كسوتك بها؟ قال : هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم فيه طيب ، وقد احتفظت بها ، وكلّما أصبحت فتحت السفط ونظرت إليها تبركاً بها واقبّلها وأردّها إلى موضعها ، وكلّما أمسيت صنعت مثل ذلك ، فقال : إئت بها الساعة ، قال : نعم .
وأنفذ بعض خدمه فقال : إمض إلى البيت الفلاني وافتح الصندوق الفلاني وجئني بالسفط الذي فيه بختمه ، فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط مختوماً ووضع بين يدي الرشيد ، ففكّ ختمه ونظر إلى الدرّاعة مطويّة مدفونة بالطيب ، فسكن غضب الرشيد وقال : أرددها إلى مكانها وانصرف راشداً ، فلن أُصدق عليك بعدها ساعياً ، وأمر له بجائزة سنيّة ، وأمر بضرب الساعي ألف سوط ، فضرب نحو خمسمائة سوط فمات في ذلك(1)
____________
(1)ارشاد المفيد 2 : 225 ، وباختصار في الخرائج والجرائح 1 : 334 | 25 ، والمناقب لابن شهرآشوب 4 : 289 ، ونحوه في دلائل الامامة : 158 ، والفصول المهمة 236 .

( 21 )
وروى محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضل قال : اختلفت الراية بين أصحابنا في مسح الوضوء ، أهو من الاَصابع إلى الكعبين؟ أم من الكعبين إلى الاَصابع؟ فكتب عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن موسى عليه السلام : جعلت فداك ، إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب بخطّك إلي ما يكون عملي عليه فعلت إن شاءالله .
فكتب إليه أبوالحسن عليه السلام : « فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء ، والذي آمرك به ذلك أن تتمضمض ثلاثاً ، وتستنشق ثلاثاً ، وتغسل وجهك ثلاثاً ، وتخلّل لحيتك وتغسل يدك من أصابعك إلى المرفقين ، وتمسح رأسك كلّه ، وتسمح ظاهر اُذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً ، ولا تخالف ذلك إلى غيره » .
فلمّا وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجّب ممّا رسم له فيه ممّا جميع العصابة على خلافه ، ثمّ قال : مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره ، فكان يعمل في وضوئه على هذه .
قال : وسعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقيل له : إنّه رافضي مخالفٌ لك ، فقال الرشيد لبعض خاصّته : قد كثر القول عندي في علي بن يقطين وميله إلى الرفض ، وقد امتحنته مراراً فما ظهرت منه على ما يقرف(1)به ، فقيل له : إنّ الرافضة تخالف [الجماعة](2) في الوضوء فتخفّفه ، ولا تغسل الرجلين ، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه .
فتركه مدّة وناطه بشيء من شغله في الدار حتّى دخل وقت الصلاة ،
____________
(1) القرف : الاتهام . « الصحاح ـ قرف ـ 4 : 1415 » .
(2) اثبتناه من الارشاد .

( 22 )
وكان عليّ يخلو في حجرة من الدار لوضوئه وصلاته ، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، فدعا بالماء فتوضّأ على ما أمره الاِمام ، فلم يملك الرشيد نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ثمّ ناداه : كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرّافضة . وصلحت حاله عنده .
وورد كتاب أبي الحسن عليه السلام : « ابتدئ من الآن يا عليّ بن يقطين توضّأ كما أمرك الله : اغسل وجهك مرّة فريضة واُخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح بمقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كنت أخافه عليك ، والسلام »(1) .
وروى أحمد بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن أبي بصير قال : قلت لاَبي الحسن موسى عليه السلام : جعلت فداك بم يعرف الاِمام؟
قال : « بخصال : أمّا أولاهنّ : فإنّه بشيء قد تقدّم فيه من أبيه وإشارته إليه لتكن حجّة ، ويسأل فيجيب ، وإذا سكت عنه ابتدأ ، ويخبر بما في غد ، ويكلّم الناس بكلّ لسان » ثمّ قال : « يا أبا محمد ، أعطيك علامة قبل أن تقوم » فلم ألبث أن دخل عليه رجلٌ من أهل خراسان ، فكلّمه الخراساني بالعربيّة فأجابه أبو الحسن بالفارسيّة ، فقال له الخراساني : والله ما منعني أن اُكلّمك بالفارسيّة إلاّ أنّني ظننن أنّك لا تحسنها .
فقال : « سبحان الله ، إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك فيما أستحقّ [به] الامامة » . ثمّ قال : « يا أبا محمد ، إنّ الاِمام لا يخفى عليه
____________
(1) ارشاد المفيد 2 : 227 ، الخرائج والجرائح 1 : 335 | 26 ، المناقب لا بن شهرآشوب 4 : 288 ، الثاقب في المناقب : 451 | 380 ، كشف الغمة 2 : 225 .

( 23 )
كلام أحد من الناس ، ولا منطق الطير ، ولا كلام شيء فيه روح »(1) .
وروى الحسن بن علي بن أبي عثمان(2) ، عن إسحاق بن عمّار قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام ودخل عليه رجلٌ فقال له أبوالحسن : « يا فلان أنت تموت إلى شهر » .
قال : فأضمرت في نفسي كأنّه يعلم آجال الشيعة ، قال : فقال لي : « يا إسحاق ، ما تنكرون من ذلك ، قد كان رشيد الهجري مستضعفاً وكان يعلم علم المنايا والاِمام أولى بذلك منه » . ثمّ قال : « يا إسحاق ، تموت إلى سنتين ويشتّت مالك وعيالك وأهل بيتك ويفلسون إفلاساً شديداً » .
قال : فكان كما قال(3) .
وروى محمد بن جمهور عن بعض أصحابنا ، عن أبي خالد الزبالي قال : ورد علينا أبو الحسن موسى عليه السلام ، وقد حمله المهديّ ، فلمّا خرج ودّعته وبكيت ، فقال لي : « ما يبكيك ، يا أبا خالد؟ »
فقلت : جعلت فداك ، قد حملك هؤلاء ولا أدري ما يحدث .
فقال : « أمّا في هذه المرة فلا خوف علي منهم ، وأنا عندك يوم كذا في شهر كذا في ساعة كذا ، فانتظرني عند أوّل ميل » ومضى .
____________
(1)قرب الاسناد : 146 ، الكافي 1 : 225 | 7 ، ارشاد المفيد 2 : 224 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 299 ، وباختلاف يسير في : دلائل الامامة : 169 .
(2) الحسن بن علي بن أبي عثمان ، الملقب أبو محمد سجادة ، قمي ، ضعّفه أصحابنا واتهموه بالغلو وفساد العقيدة .
انظر : رجال الطوسي : أصحاب الامام الجواد عليه السلام (11) ، رجال النجاشي : 61 | 141 ، رجال الكشي 2 : 841 | 1083 ، الخلاصة : 212 | 4 ، نقد الرجال : 89 | 91 .
(3)نحوه في : بصائر الدرجات 285 | 13 ، الكافي 1 : 404 | 7 ، الخرائج والجرائح 1 : 310 | 3 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 287 ، دلائل الامامة : 160 ، الثاقب في المناقب : 434 | 366 .

( 24 )
قال : فلمّا أن كان في اليوم الذي وصفه لي خرجت إلى أوّل ميل فجلست أنتظره حتّى اصفرّت الشمس ، وخفت أن يكون قد تأخّر عن الوقت فقمت انصرف ، فإذا أنا بسواد قد أقبل ومناد ينادي من خلفي ، فأتيته فإذا هو أبو الحسن عليه السلام على بغلة له فقال لي : « ايهاً يا أبا خالد » .
فقلت : لبيّك يا ابن رسول الله ، الحمد لله الذي خلّصك من أيديهم .
فقال لي : « يا أبا خالد ، أمّا أن لي إليهم عودة لا أتخلّص من أيديهم »(1) .

* * *

____________
(1)قرب الاسناد : 146 ، الكافي 1 : 398 | 3 ، اثبات الوصية : 165 ، الخرائج والجرائح 1 : 315 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 287 ، دلائل الامامة : 168 ، الثاقب في المناقب : 200 ، الفصول المهمة :234 .