الوقوف بعرفات

الثاني : من وجبات حج التمتع : الوقوف بعرفات بقصد القربة والخلوص ، والمراد بالوقوف هو الحضور بعرفات من دون فرق بين أن يكون راكباً أو راجلاً ساكناً أو متحركاً .
مسألة 270 : حد عرفات من بطن عُرنة وثويّة ونمرة الى ذي المجاز ، ومن المأزمين إلى أقصى الموقف ، وهذه حدود عرفات وهي خارجة عن الموقف .
مسألة 271 : الظاهر أن جبل الرحمة موقف ، ولكنّ الأفضل الوقوف على الأرض في السفح من ميسرة الجبل (1) .
مسألة 272 : يعتبر في الوقوف أن يكون عن قصد (2) ، ولو قصد الوقوف في أول الوقت ـ مثلا ـ ثم نام أو غشي عليه إلى آخره كفى ، ولو نام أو غشي عليه في جميع الوقت غير مسبوق بالقصد لم يتحقق منه
____________
(1) ففي موثقة اسحاق قال : سألت أبا ابراهيم عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب اليك أم على الارض ، فقال : على الارض .
(2) لكونه عبادة لا تأتي الا به .

( 241 )

الوقوف وإن كان مسبوقاً به ففيه إشكال (1) .
مسألة 273 : يجب الوقوف بعرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة مستوعبا من أول الزوال على الاحوط إلى الغروب ، والاظهر جواز تأخيره عن الزوال بمقدار الاتيان بالغسل وأداء صلاتي الظهر والعصر جمعا(2) .
والوقوف في تمام هذا الوقت وإن كان واجبا يأثم المكلف بتركه اختياراً ، الا انه ليس من الاركان ، بمعنى أن من ترك الوقوف في مقدار من هذا الوقت لايفسد حجه .
نعم لو ترك الوقوف رأسا باختياره فسد حجه ، فما هو الركن من
____________
(1) لاعتبار مقارنة النية لاول وقت الوجوب .
(2) بل الاظهر جواز تأخيره بأكثر من ذلك قليلا للنصوص الحاكية عن فعل رسول الله صلى الله عليه واله ، ففي صحيحة معاوية عنه عليه السلام : ان رسول الله صلى الله عليه واله اقام بالمدينة عشر سنين لم يحج ، ثم انزل الله عليه ( واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) فأمر المؤذنين أن يؤذنوا ... فلبى بالحج مفردا ... فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلى الله عليه واله ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وامرهم ونهاهم ثم صلى الظهر والعصر بأذان واحد واقامتين ، ثم مضى الى الموقف فوقف به .

( 242 )

الوقوف هو الوقوف في الجملة .
مسألة 274 : من لم يدرك الوقوف الاختياري بعرفات ـالوقوف بالنهار ـ لنسيان أو لجهل يعذر فيه او لغيرهما من الاعذار ، لزمه الوقوف الاضطراري فيه ـ الوقوف برهة من ليلة العيد ـ وصح حجه ، فإن تركه متعمداً فسد حجه .
هذا إذا أمكنه إدراك الوقوف الاضطراري على وجه لايفوت معه الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس ، وأما مع خوف فوته في الوقت المذكور بسبب ذلك فيجب الاقتصار على الوقوف بالمشعر ويصح حجه (1) .
مسألة 275 : تحرم الافاضة من عرفات قبل غروب الشمس عالما عامداً ، لكنها لاتفسد الحج ، فإذا رجع الى عرفات فلا شيء عليه (2) ، وإلا كانت عليه كفارة بدنة ينحرها يوم النحر (3) ، والاحوط أن يكون
____________
(1) ففي صحيحة معاوية عنه عليه السلام في رجل أدرك الامام وهو بجمع ، فقال : إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ، ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها وإن ظن انه لايأتيها حتى يفيضوا فلا يأتيها وليقم بجمع فقد تم حجه » ومثلها دلالة صحيحة الحلبي .
(2) لعدم صدق الافاضة حينئذ .
(3) ففي صحيحة ضريس عن ابي جعفر عليه السلام قال : سألته عن

( 243 )

بمنى دون مكة (1) ، فإن لم يتمكن منها صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو عند أهله (2) ، والأحوط الاولى أن تكون متواليات(3).
ويجري هذا الحكم في من أفاض من عرفات نسياناً أو جهلا منه بالحكم ، فيجب عليه الرجوع بعد العلم أوالتذكر ، فإن لم يرجع حينئذ فعليه الكفارة على الاحوط(4).
مسألة 276 : إن جملة من مناسك الحج كالوقوف في عرفات وفي المزدلفة ورمي الجمار والمبيت بمنى ، بما أن لها أياما وليالي خاصة من شهر ذي الحجة الحرام ، فوظيفة المكلف أن يتحرى رؤية هلال هذا الشهر ليتسنى له الإتيان بمناسك حجه في أوقاتها .
وإذا ثبت الهلال عند قاضي الديار المقدسة ، وحكم على طبقه ،
____________
رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس ، قال : عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله .
(1) كما هو ظاهر صحيحة ضريس ، اذ قوله عليه السلام «ينحرها يوم النحر» كناية عن النحر في منى والقرينة واضحة فتدبر .
(2) للصحيحة المتقدمة .
(3) خروجا عن خلاف المحقق في الشرائع وصاحب الجواهر .
(4) وجه الاحتياط أن موضوع الكفارة في النصوص الافاضة العمدية ، وبإطلاقها قد تكون شاملة للمقام وهو لايخلو من قوة .

( 244 )

وفرض مخالفته للموازين الشرعية ، فقد يقال بحجيته حكمه في حق من يحتمل مطابقته مع الواقع ، فيلزمه متابعته وترتيب آثار ثبوت الهلال فيما يرتبط بمناسك حجه من الوقوفين وغيرهما ، فإذا فعل ذلك حكم بصحة حجه وإلا كان محكوما بالفساد .
بل قد يقال بالاجتزاء بمتابعة حكمه حتى فيما لم يحتمل مطابقته مع الواقع في خصوص ماتقتضي التقية الجري على وفقه .
ولكن كلا القولين في غاية الإشكال(1)، وعلى هذا فإن تيسر للمكلف أداء أعمال الحج في أوقاتها الخاصة حسبما تقتضيه الطرق المقررة لثبوت الهلال وأتى بها صح حجه مطلقا على الأظهر .
وإن لم يأت بها كذلك ـ ولو لعذر ـ فإن ترك أيضا اتباع رأي القاضي في الوقوفين فلا شك في فساد حجه ، وأما مع اتباعه ففي صحة حجه إشكال .
____________
(1) للقصور في دلالة النصوص ، وجزم السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته بالاجزاء في صورة احتمال المخالفة ، وفصل بعض الاساتذة في صورة العلم بالخلاف بين كون التقية مستوعبة للوقت او لا ، فيجزي في الاول دون الثاني وله شواهد في باب الصلاة ، ويمكن استشعار الصحة مطلقا من معتبرة ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال : الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس والصوم يوم يصوم الناس .

( 245 )

الوقوف في المزدلفة

وهو الثالث من واجبات حجّ التمتع .
والمزدلفة اسم لمكان يقال له : المشعر الحرام ، وحدّ الموقف من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر ، وهذه كلها حدود المشعر وليست بموقف إلا عند الزحام وضيق الموقف ، فإنه يجوز حينئذ الارتفاع الى المأزمين(1).
مسألة 277 : يجب على الحاجّ ـ بعد الإفاضة من عرفات ـ أن يبيت شطرا من ليلة العيد بمزدلفة حتى يصبح بها ، والاحوط أن يبقى فيها إلى طلوع الشمس(2)، وإن كان الاظهر جواز الإفاضة منها إلى وادي
____________
(1) ففي موثقة سماعة قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال : يرتفعون إلى وادي محسر ، قلت : فإذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال : يرتفعون إلى المأزمين ، قلت : فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون ؟ فقال : يرتفعون إلى الجبل .
(2) تبعا للاكثر .

( 246 )

محسر قبل الطلوع بقليل(1).
نعم لايجوز تجاوز الوادي إلى منى قبل أن تطلع الشمس(2).
مسألة 278 : الوقوف في تمام الوقت المذكور وإن كان واجباً في حال الاختيار إلا أن الركن منه هو الوقوف في الجملة .
فإذا وقف بالمزدلفة مقدارا من ليلة العيد ثم أفاض قبل طلوع الفجر صح حجه على الاظهر وعليه كفارة شاة إن كان عالماً ، وإن كان جاهلا فلا شيء عليه(3).

____________
(1) تشهد له صحيحة هشام عنه عليه السلام قال : لاتجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس » ، وفي موثقة اسحاق قال : سألت أبا ابراهيم عليه السلام أي ساعة أحب إليك أن أفيض من جمع ؟ قال : قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إليّ ، قلت : فان مكثنا حتى تطلع الشمس ؟ قال : لابأس » ، ومثلها صحيحة معاوية بن حكيم، وعن ابن مهزيار عمن حدثه عن حماد عن جميل عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس وسائر الناس إن شاءوا عجلوا وإن شاءوا أخروا » ، وفي صحيحة معاوية عنه عليه السلام قال : ثم أفض حيث يشرق لك ثبير وترى الابل مواضع أخفافها .
(2) كما هو مقتضي صحيحة هشام .
(3) تدل عليه صحيحة مسمع عن ابي ابراهيم عليه السلام في رجل

=


( 247 )

وإذا وقف مقدارا مما بين الطلوعين ولم يقف الباقي ولو متعمداً صح حجه أيضا ولاكفارة عليه وإن كان آثما(1).
مسألة 279 : يستثنى من وجوب الوقوف بالمزدلفة بالمقدار المتقدم الخائف والصبيان والنساء والضعفاء ـ كالشيوخ والمرضى ـ ومن يتولى شؤونهم ، فإنه يجوز لهؤلاء الاكتفاء بالوقوف فيها ليلة العيد والإفاضة منها إلى منى قبل طلوع الفجر(2).
مسألة 280 : يعتبر في الوقوف بالمزدلفة نية القربة والخلوص(3)، كما يعتبر فيه أن يكون عن قصد نظير مامر في الوقوف بعرفات .
مسألة 281 : من لم يدرك الوقوف الاختياري ـ الوقوف في الليل والوقوف فيما بين الطلوعين ـ في المزدلفة لنسيان أولعذر آخر أجزأه
____________
=
وقف مع الناس بجمع ، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس ، قال : إن كان جاهلا فلا شيء عليه ، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» وهي كما ترى ظاهر في وجوب الكفارة على من أفاض قبل الفجر مطلقا حتى الجاهل ، لوجه المقابلة فتدبر .
(1) اما عدم الكفارة فلعدم الدليل ، واما الاثم فلترك الواجب .
(2) بلا خلاف في ذلك لجملة من النصوص .
(3) لكونها عبادة متقومة بذلك .

( 248 )

الوقوف الاضطراري(1) ـ الوقوف قليلا فيما بين طلوع الشمس الى زوالها يوم العيد ـ ولو تركه عمداً فسد حجه(2).

إدراك الوقوفين أو أحدهما

تقدم أن كلاً من الوقوفين ـ الوقوف في عرفات والوقوف في المزدلفة ـ ينقسم الى قسمين : اختياري واضطراري ، فإذا أدرك المكلف الاختياري من الوقوفين كليهما فلا إشكال ، وإن فاته ذلك لعذر فله صور :
الاولى : أن لايدرك شيئا من الوقوفين ـ الاختياري منهما والاضطراري ـ أصلا ، ففي هذه الصورة يبطل حجه ويجب عليه الإتيان بعمرة مفردة بنفس إحرام الحج (3).
وإذا كان حجه حجة الإسلام وجب عليه اداء الحج بعد ذلك
____________
(1) بلا خلاف في ذلك للنصوص .
(2) لتركه الركن بترك بدله الاضطراري .
(3) نصاً واجماعاً .

( 249 )

فيما اذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقراً في ذمته(1).
الثانية : أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات والاضطراري في المزدلفة .
الثالثة : أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات والاختياري في المزدلفة .
ففي هاتين الصورتين يصحّ حجه بلا إشكال(2).
الرابعة : أن يدرك الوقوف الاضطراري في كل من عرفات والمزدلفة ، والاظهر في هذه الصورة صحة حجه(3)، وإن كان الاحوط إعادته(4) بعد ذلك كما في الحالة المتقدمة في الصورة الاولى(5) .
____________
(1) ووجهه ظاهر .
(2) للنص والاجماع .
(3) لقوله عليه السلام في صحيحة العطار : إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر ، فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا ، فليقف قليلا بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى ولاشيء عليه .
(4) والظاهر أنه لاوجه لهذا الاحتياط ، إلا أن يكون خروجا عن خلاف من تردد او حكم بالبطلان .
(5) اذا كانت استطاعته باقية او كان الحج مستقرا عليه .

( 250 )

الخامسة : أن يدرك الوقوف الاختياري في المزدلفة فقط، ففي هذه الصورةيصح حجه أيضا(1).
السادسة : أن يدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط والاظهر في هذه الصورة بطلان الحج(2)وانقلابه الى عمرة مفردة .
____________
(1) بلا خلاف في ذلك وتدل عليه جملة من النصوص منها صحيحة معاوية المتقدمة .
(2) كما هو المشهور ، لجملة من النصوص الصريحة الصحيحة، وفي قبالها طائفة اخرى تدل على الصحة بالاطلاق ، فيرفع اليد عنها تقديما للنص على الظاهر ، اذ لسان الثانية «من ادرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج» فبإطلاقها تشمل من لم يدرك عرفات اصلا ، اما لسان الاولى ففي صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات ، فقال : ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا ، فلايتم حجه حتى يأتي عرفات ، وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده فقد تم حجه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فان لم يدرك المشعر الحرام ، فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل » وهى ناصة على بطلان من أدرك المشعر الاضطراري كما لايخفي .
وذهب بعض الاساتذة الى التفصيل بين حج التمتع والافراد ، فذهب الى

=


( 251 )

السابعة : أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط ، والأظهر في هذه الصورة أيضا بطلان الحج(1)فينقلب حجه الى
____________
=
الصحة في الاول والبطلان في الثاني ، لكون أدلة الصحة بعضها صريح في التمتع والاخر مطلق ، وأدلة البطلان بعضها مقيد بالافراد والاخر مطلق من حيث نوعية الحج ، ففي صحيحة حريز قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا ، فقال له الى طلوع الشمس يوم النحر فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل » ومثلها رواية اسحاق .
وفي صحيحة جميل : من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج ، ومن ادرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة .
(1) خلافا للمشهور والمعروف بين الاصحاب ، وفي الجواهر نفى الخلاف المحقق في صحة الاجتزاء به بل في المنتهى أنه موضع وفاق ، تبعا لعدة من النصوص .
ففي صحيحة الخثعمي عن ابي عبدالله عليه السلام أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتي منى ، قال : ألم ير الناس؟ ألم ينكر منى حين دخلها ؟ قلت : فإنه جهل ذلك ، قال : يرجع، قلت : إن ذلك قد فاته ، قال : لابأس .
وفي صحيحة معاوية قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : مملوك اعتق يوم عرفة ؟ قال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» ، وفي صحيحته

=


( 252 )

العمرة المفردة ، ويستثنى من ذلك ما إذا مر بمزدلفة في الوقت الاختياري في طريقه الى منى ، ولكن لم يقصد الوقوف بها جهلا منه بالحكم ، فإنه لايبعد صحة حجه حينئذ إذا كان قد ذكر الله تعالى عند مروره بها(1) .
____________
=
الاخرى عنه عليه السلام في مملوك اعتق يوم عرفة ، قال : اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج ، وإن فاته الموقفان فقد فاته الحج ، ويتم حجه ويستأنف حجة الإسلام فيما بعد » فدلالتها صريحة بل نص في اجزاء أحد الموقفين ولاخصوصية قطعا للعبد اذ قوله عليه السلام «اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » حكم كلي أحد موارده العبد المعتوق ليلة عرفة .
أما قوله عليه السلام في حسنة الحلبي « اذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج » فهو قابل للتقييد ، أو الحمل على أن الانسان اذ قدم وقد فاتته المزدلفة فقد فاته الحج بخلاف ما اذا قدم وقد فاته عرفات فإن الحج لايفوت بفواته ، فهي في مقام تحديد آخر مايمكن أن يدرك به الحج ، فما عليه المشهور هو المعتمد خلافا للعلامة وغيره من المعاصرين ، والله العالم .
(1) ففي صحيحة ابن حكيم قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : أصلحك الله الرجل الاعجمي والمرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الاعرابي ، فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هو إلى منى لم ينزل بهم جمعا ، قال : أليس قد صلوا بها ، فقد أجزأهم ، قلت : فإن لم يصلوا بها ؟ قال : فذكروا الله فيها ، فإن كانوا ذكروا الله فيها فقد أجزأهم .

( 253 )

الثامنة : أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط ، ففي هذه الصورة يبطل حجه(1)وينقلب الى العمرة المفردة .

منى وواجباتها

يجب على الحاج بعد الوقوف في المزدلفة الإفاضة الى منى ، لاداء الأعمال الواجبة هناك ، وهي كما نذكرها تفصيلا ثلاثة :

1 ـ رمي جمرة العقبة

الرابع ـ من واجبات الحج ـ : رمي جمرة العقبة يوم النحر ويعتبر فيه أمور :
1 ـ نية القربة والخلوص .
2 ـ أن يكون الرمي بسبع حصيات ، ولايجزىء الأقل من ذلك ، كما لايجزىء رمي غيرها من الأجسام .
3 ـ أن يكون رمي الحصيات واحد بعد واحدة ، فلا يجزىء
____________
(1) لعدم الدليل على الصحة .

( 254 )

رمي اثنتين أو أكثر مرة واحدة .
4 ـ أن تصل الحصيات إلى الجمرة فلا يحسب مالا يصل(1).
5 ـ أن يكون وصولها الى الجمرة بسبب الرمي ، فلا يجزىء وضعها عليها(2) .
6 ـ أن يكون كل من الاصابة والرمي بفعله(3)، فلو كانت الحصاة بيده فصدمه حيوان أو انسان وألقيت إلى الجمرة لم يكف ، وكذا لو ألقاها فوقعت على حيوان أو انسان فتحرك فحصلت الإصابة بحركته(4) .
نعم ، إذا لاقت الحصاة في طريقها شيئا ثم أصابت الجمرة ـولو بصدمته كما لو وقعت على أرض صلبة فطفرت فأصابتهاـ فالظاهر الإجزاء(5) .
____________
(1) نصاً واجماعاً وسيرةً في كل مامر .
(2) لعدم تحقق الرمي .
(3) ووجه واضح .
(4) ففي صحيحة معاوية : اذا رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها .
(5) تشهد له صحيحة معاوية وفيها : وإن اصابت انساناً أو جملاً ثم وقعت على الجمار أجزأك .

( 255 )

7 ـ أن يكون الرمي بيده(1)، فلو رمى الحصيات بفمه أو رجله لم يجزئه ، وكذا لو رماها بآلة ـ كالمقلاع ـ على الاحوط(2).
8 ـ أن يكون الرمي بين طلوع الشمس وغروبها(3)، ويجزىء للنساء وسائر من رخص لهم الإفاضة من المشعر في الليل أن يرموا بالليل (ليلة العيد) .
* مسألة 282 : من يتولى شؤون المعذورين والنساء اذا استغني عن مرافقته لهم في نهار يوم العيد بمقدار الرمي لم يجزئه الرمي ليلا(4) .

____________
(1) لانصراف الرمي إليه وهو القدر المتيقن ، مؤيدا ببعض النصوص ، ففي مصححة أبي بصير قال : قال ابو عبدالله عليه السلام : خذ حصى الجمار بيدك اليسرى وارم باليمنى » ، وفي صحيحة البزنطي عن ابي الحسن عليه السلام قال: حصى الجمار تكون مثل الأنملة ـ الى ان قال ـ تخذفهن خذفا وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبابة .
(2) وجه التوقف صدق الرمي باليد ، مع مخالفتها للسيرة الجارية والعادة المتبعة من زمان المعصومين الى الان .
(3) نصاً واجماعاً .
(4) لعدم العذر الموجب لجواز الرمي ليلا .

( 256 )

مسألة 283 : إذا شك في الاصابة وعدمها بنى على العدم(1)إلا مع التجاوز عن المحل ، كما إذا كان الشك بعد الذبح أو الحلق أو بعد دخول الليل(2) .
مسألة 284 : يعتبر في الحصيات أمران :
1 ـ أن تكون من الحرم سوى المسجد الحرام ومسجد الخيف(3)، والافضل أخذها من المشعر(4).
2 ـ أن تكون أبكاراً على الاحوط(5)، بمعنى أن لاتكون
____________
(1) اذ الاصل عدم الاصابة .
(2) لقاعدة الفراغ وكذا التجاوز .
(3) لقوله عليه السلام في معتبرة حنان : يجزيك أن تأخذ حصى الجمار من الحرم كله ، إلا من المسجد الحرام ومسجد الخيف .
(4) لقوله عليه السلام في صحيحة معاوية : خذ حصى الجمار من جمع ، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك .
(5) بلاخلاف وقد ادعي عليه الاجماع ، وتدل عليه عدة من النصوص :
ففي مرسلة حريز عمن أخبره عن ابي عبدالله عليه السلام قال : سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار ؟ قال : لاتأخذ من موضعين: من خارج الحرم ومن حصى الجمار ، ولابأس بأخذه من سائر الحرم .
وفي حسنة عبد الاعلى عنه عليه السلام في حديث : لاتأخذ من حصى

=


( 257 )

مستعملة في الرمي قبل ذلك ، ويستحب فيها أن تكون ملوّنة ومنقّطة ورخوة ، وإن يكون حجمها بمقدار أنملة ، وإن يكون الرامي راجلا ، وعلى طهارة(1) .
مسألة 285 : إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد اشكال(2)، فالاحوط أن يرمي المقدار الذي كان سابقا، فإن لم يتمكن من ذلك رمى المقدار الزائد بنفسه واستناب شخصا آخر لرمي المقدار المزيد عليه ، ولافرق في ذلك بين العالم
____________
=
الجمار » وزاد عليه الصدوق «الذي قد رمي» .
وحيث ان هذه النصوص على مذاق الاعلام ضعيفة السند وعدم انجبار الرواية بعمل المشهور فالمقام يقتضي الاحتياط .
(1) كل ذلك تبعاً لجملة من النصوص فراجع .
(2) الظاهر من جملة من الروايات ان الواجب هو رمي موضع الجمرة الذي تمثل فيه الشيطان لابراهيم عليه السلام ، فرمي المقدار الزائد على ماكان يصدق عليه أنه رمي لموضع الجمرة ، إذ البناء ماهو إلا رمز لهذا الشعار وإنه في هذا الموضع لافي آخر ، مضافا الى تجدد البناء مرات عديدة طوال التاريخ ـ بل في عصر الائمة عليهم السلام ـ وهذا امر لايمكن ان ينكر ، إذ استمرار عملية الرمي يستلزم منه تهشم الجمرة في السنة الواحدة فضلا عن السنوات المتعاقبة، ولم نر في اسئلة الرواة مايثير الشك في ذلك .

( 258 )

والجاهل والناسي .
* مسألة 286 : الجدار الخلفي لجمرةالعقبة الذي أزيل أخيراً لايجتزى به على الاحوط إن لم يكن أقوى(1).
* مسألة 287 : لايعتبر الكون في منى عند القيام برمي جمرة العقبة، فلا مانع من الوقوف حال الرمي بعيداً عنها من جهة وجهها(2) ، بل يستحب أن يقف الرامي بعيداً بمقدار عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً .
مسألة 288 : إذا لم يرم يوم العيد لعارض من نسيان أو جهل بالحكم أو غيرهما لزمه التدارك متى ارتفع العارض(3)، ولو كان
____________
(1) وذهب السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته الى الاجتزاء .
(2) لعدم إشتراطه في النصوص .
(3) تشهد له صحيحة معاوية قال : سألت ابا عبدالله عليه السلام ماقولك في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت الى مكة ؟ قال : فلترجع ولترم الجمار ، كما كانت ترمي والرجل كذلك » ومقتضى اطلاق وجوب الرجوع للرمي وإن كان بعد ايام التشريق ، وذهب المشهور بل لم ينقل الخلاف من وجوب الرجوع مادامت لم تنقضي ايام التشريق ، تمسكاً بحسنة عمر بن يزيد عن ابي عبدالله عليه السلام قال : من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل ، فان لم يحج رمى عنه

=


( 259 )

ارتفاعه في الليل أخر التدارك الى النهار ، إذا لم يكن ممن رخص له الرمي ليلا كماسيأتي في رمي الجمار .
والظاهر وجوب التدارك عند ارتفاع العارض مادام الحاج بمنى، بل وفي مكة ، حتى ولو كان ذلك بعد اليوم الثالث عشر، وإن كان الأحوط في هذه الصورة أن يعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه إن حج أوبنائبه إن لم يحج(1).
وإذا ارتفع العارض بعد خروجه من مكة فلا يجب عليه الرجوع(2) ، بل يرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الاحوط
____________
=
وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه ، فانه لايكون رمي الجمار إلا في أيام التشريق » وتوقف بعض الاعلام فيها لضعف سندها لوجود محمد بن عمر بن يزيد وهو لم يوثق ، لكن يمكن اعتبار حاله لانه من اصحابنا المصنفين وقد ذكره الشيخ والنجاشي مع عدم طعن الاخير فيه وهو من أمارات الحسن اذ من دأبه الطعن او المدح .
(1) خروجا عن خلاف المشهور ، وعملا بإطلاق صحيحة معاوية .
(2) تشهد له صحيحة معاوية وفيها : فان نسيها حتى اتى مكة ، قال : يرجع فيرمي متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة ، قلت : فانه نسي أو جهل حتى فاته وخرج ، قال : ليس عليه أن يعيد .

( 260 )

الاولى(1) .
مسألة 289 : إذا لم يرم يوم العيد نسياناً أو جهلاً ، فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه إعادة الطواف(2)، وإن كانت الإعادة أحوط(3) .
وأما اذا كان الترك لعارض آخر ـ سوى الجهل او النسيان ـ فالظاهر بطلان طوافه ، فيجب عليه أن يعيده بعد تدارك الرمي(4).

2 ـ الذبح أو النحر في منى

وهو الخامس من واجبات حج التمتع .
ويعتبر فيه قصد القربة والخلوص ، وعدم تقديمه على نهار يوم العيد إلا للخائف ن فإنه يجوز له الذبح والنحر في ليلته (5) ، ويجب
____________
(1) لحسنة ابن يزيد وإطلاق صحيحه معاوية المتقدمة .
(2) لعدم الامر به في النصوص .
(3) رعاية للترتيب .
(4) لاخلاله بالترتيب الواجب .
(5) لقوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان : لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل .