بالبيت ندباً (1) ، ولكنّ الاحوط الأولى أن يجدد التلبية بعد الفراغ من صلاة الطواف إذا لم يقصد العدول الى التمتع في مورد جوازه (2) ، وهذا الاحتياط يجري في الطواف الواجب (3) أيضا .

حجّ القِران

مسألة 19 : يتّحد هذا العمل مع حجّ الإفراد في جميع الجهات ، غير أن المكلّف يصحب معه الهدي وقت الإحرام، وبذلك يجب
________________
(1) قال في الحدائق: الظاهر أنه لا خلاف بين الاصحاب رضوات الله عليهم انه يجوز للمفرد والقارن بعد دخولهما مكة الطواف المستحب، واحتجّ عليه في المدارك بأنه مقتضى الاصل ولا معارض له ·
(2) ففي صحيحة معاوية قال : سألته عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة ؟ قال: نعم ما شاء ويجدد التلبية بعد الركعتين والقارن بتلك المنزلة ، يعقدان ما أحلا من الطواف بالتبية ·
(3) قلت: الصحيحة السابقة موردها فيما اذا جاء بطواف مستحب بعد طواف الفريضة ، وأدلة جواز أو تعيّن تقديم طواف الفريضة للمفرد خالية من وجوب التلبية بعده، ولعل قوله عليه السلام «يعقدان ما أحلا من الطواف بالتبية» فيما اذا كان الطواف المأتي به ليس من واجبات الحج ، والله العالم ·

(30)

الهدي عليه ، والإحرام في هذا القسم من الحجّ كما يكون بالتلبية يكون بالإشعار أو بالتقليد، وإذا أحرم لحجّ القِران لم يجز له العدول إلى حجّ التمتع .

مواقيت الإحرام

هناك أماكن خصّصتها الشريعة الاسلامية المطهّرة للإحرام منها، ويجب أن يكون الإحرام من تلك الأماكن، ويسمّى كلّ منها ميقاتا ، وهي تسعة :
1 ـ ذو الحليفة (1) : وتقع بالقرب من المدينة المنورة ، وهي
____________
(1) الروايات في المقام على ثلاث طوائف ، الاولى : مادل على ان الميقات هو ذو الحليفة ، والثانية : أنه ذو الحليفة وفسر بمسجد الشجرة ، والثالثة : ذو الحليفة وفسر بالشجرة ، والرابعة : انه الشجرة ، ولاريب ان المقصود من الشجرة هو المسجد اذ من الواضح عدم كون الميقات نفس الشجرة ، فيدور الامر بين الطائفة الاولى والثانية .
وقد قيل في مقام الجمع ان الطائفة الثانية مفسرة للاولى او حاكمة عليها ، بمعنى ان ذا الحليفة اسم للمسجد خاصة وليس بأعم منه ، او هو أعم منه لكن

( 31 )

ميقات أهل المدينة وكلّ من اراد الحج من طريق المدينة، والأحوط (1) الإحرام من مسجدها المعروف بـ «مسجد الشجرة» وعدم كفاية الإحرام من خارج المسجد ـ لغير الحائض ومن بحكمها ـ وإن كان محاذيا له (2) .
مسألة 20 : يجوز للحائض الاحرام من خارج المسجد، وإذا احرمت حال الاجتياز فيه بالدخول من باب والخروج من باب آخر صح (3) ،
____________
التعبد ضيّق دائرته ، فتكون النتيجة أن الميقات هو خصوص المسجد ، إلا ان الصحيح أن الميقات هو الوادي بأكمله لاخصوص المسجد ، وسياتي بيان ذلك في المسألة 50 .
(1) الظاهر ان الاحتياط استحبابي ، والشاهد عليه عدوله دام ظله عمّا في منسك السيد الخوئي من كون الميقات مسجد الشجرة ، مضافا الى حكمه بجواز تأخير التلبية إلى اول البيداء كما في المسالة 50 ولاينعقد الاحرام إلا بها، نعم في ملحق المناسك صرح دام ظله بكون الاحتياط لزومياً .
(2) * لايبعد جواز الاحرام من أي موضع من المسجد حتى الاقسام المستحدثة .
(3) لعدم حرمة اجتياز المساجد بالدخول من باب والخروج من آخر أو نحوه للحائض والجنب .

( 32 )

بل يصح مطلقا (1) على الأقرب .
مسألة 21 : لايجوز تأخير الإحرام من ذي الحليفة الى الجحفة (2) إلا لضرورة من مرض أو ضعف أو غيرهما من الأعذار .
2 ـ وادي العقيق : وهو ميقات أهل العراق ونجد ، وكل من مرّ عليه من غيرهم ، وهذا الميقات له أجزاء ثلاثة :
المسلخ ؛ وهو اسم لأوله ، والغمرة ؛ وهو اسم لوسطه ، وذات عرق ؛ وهو اسم لاخره .
والأحوط الأولى أن يحرم المكلف قبل ان يصل ذات عرق (3) فيما إذا لم تمنعه عن ذلك تقية أو مرض .
____________
(1) لعله لجواز اجتماع الامر والنهي .
(2) على المشهور شهرة عظيمة كادت ان تكون اجماعا ، وتدل عليه جملة من النصوص منها اخبار المواقيت وغيرها ، ففي رواية ابي بصير عن الصادق عليه السلام قال : خصال عابها عليك أهل مكة ، قال ؟ وماهي ؟ قلت : قالوا : أحرم من الجحفة ورسول الله صلى الله عليه واله أحرم من الشجرة ، فقال الجحفة أحد الوقتين فاخذت بأدناهما وكنت عليلا .
(3) لاحتمال خروجها عن العقيق ، إذ صريح بعض الروايات ذلك ، كصحيحة ابن يزيد وفيها « وقت رسول الله صلى الله عليه واله لاهل المشرق العقيق نحوا من بريد مابين بريد البعث الى غمرة » .

( 33 )

مسألة 22 : قيل يجوز الإحرام في حال التقية قبل ذات عرق سرّا من غير نزع الثياب إلى ذات عرق ، فإذا وصل ذات عرق نزع ثيابه ولبس ثوبي الإحرام هناك (1) ولاكفارة عليه ، ولكن هذا القول لايخلو
____________
(1) وجزم السيد الخوئي واعاظم تلامذته بالجواز ، لصحيحة ـ مكاتبة ـ الحميري عن صاحب الزمان عليه افضل الصلاة والسلام أنه كتب إليه يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ويكون متصلا بهم يحج ويأخذ عن الجادة ولايحرم هؤلاء من المسلخ ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه الى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لايجوز إلا أن يحرم من المسلخ ؟ فكتب إليه في الجواب : يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه ، فإذا بلغ ميقاتهم اظهره .
وهي كما ترى صريحة في الجواز ، والمناقشة في سندها عليل، اذ الشيخ رواها في الغيبة بسنده الى ابي الحسن محمد بن احمد بن داود قال وجدت بخط أحمد بن ابراهيم النوبختي وإملاء ابي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه ، وسنده الى ابن داود صحيح اذ ذكر في الفهرست انه يروي جميع كتبه وروايته عن جماعة عنه ومن الجماعة الشيخ المفيد ، وابن داود ـ كما في رجال النجاشي ـ شيخ هذه الطائفة وعالمها وشيخ القميين في وقته وفقيههم ، وقال عنه الغضائري ـ الابـ لم ير أحد أحفظ منه ولا أفقه ولا اعرف بالحديث ورد بغداد وأقام بها وحدث، فتوقف بعض المعاصرين اصحاب الوسواس الزائد في توثيقه من أكبر المجازفات ، وإلا تقريض النجاشي له يفوق ماذكره في

=


( 34 )

عن إشكال .
3 ـ الحجفة : وهي ميقات أهل الشام ومصر والمغرب ، بل كل من يمرّ عليها حتى من مر بذي الحليفة ولم يحرم منها لعذر او بدونه على الاظهر (1) . 4 ـ يلملم : وهو ميقات أهل اليمن ، وكلّ من يمرّ من ذلك الطريق ، ويلملم اسم لجبل .
5 ـ قرن المنازل : وهو ميقات أهل الطائف ، وكلّ من يمر من ذلك الطريق (2) .
____________
=
الشيخ الصدوق طاب ثراه ، فهو يجلّ ان يقال عنه انه ثقة .
(1) لعله لصحيحة الحلبي وفيها « من اين يحرم الرجل اذا جاوز الشجرة ؟ فقال : من الجحفة ولايجاوز الجحفة إلا محرما » ، وصحيحة معاوية عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة فقال عليه السلام : لابأس»، وصحيحة علي بن جعفر وفيها « ولاهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة » ، فترتب الاثم لترك الحكم التكليفي لاربط له بصحة الاحرام والله العالم .
(2) * وهناك خلاف في تعيين مكان الميقات في قرن المنازل بين الهدا ـوادي محرم ـ ووادي السيل ، فإذا اطمئنّ المكلف بكون احدهما هو قرن المنازل احرم منه ، وإلا تخلص عن الاشكال بالنذر من الهدا إن كانت بالنسبة الى مكة واقعة خلف وادي السيل، ولاحاجة للاحرام من الموضعين

=


( 35 )

ولايختص الميقات في هذه الاربعة الأخيرة بالمساجد الموجودة فيها ، بل كل مكان يصدق عليه أنه من العقيق أو الجحفة أو يلملم أو قرن المنازل يجوز الإحرام منه ، وإذا لم يتمكن المكلّف من إحراز ذلك فله أن يتخلص بالإحرام نذرا قبل ذلك كما هو جائز اختيارا .
6 ـ محاذاة أحد المواقيت المتقدمة : فإن من سلك طريقا لايمر بشيء من المواقيت السابقة إذا وصل إلى موضع يحاذي أحدها أحرم من ذلك الموضع (1) ، والمراد بمحاذي الميقات : المكان الذي إذا استقبل فيه الكعبة المعظّمة يكون الميقات على يمنه أو شماله بحيث لو جاوز ذلك المكان يتمايل الميقات الى ورائه ، ويكفي في ذلك الصدق العرفي ولايعتبر التدقيق العقلي .
____________
=
كما يفعله الكثير .
(1) على المشهور ، ومستنده صحيحة ابن سنان عن ابي عبدالله عليه السلام : من أقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن احرامه من مسيرة ستة أميال ، فيكون حذاء الشجرة من البيداء » وليس لمسجد الشجرة خصوصية اذ قوله عليه السلام « فيكون حذاء ... » يشعر بعدم الخصوصية لاي شيء سوى محاذاة الميقات ، والله العالم .

( 36 )

وإذا كان الشخص يمرّ في طريقه بموضعين يحاذي كل منهما ميقاتا فالأحوط الاولى له (1) اختيار الإحرام عند محاذاة أولهما .
7 ـ مكة : وهي ميقات حج التمتّع ، وكذا حج القِران والإفراد لأهل مكة والمجاورين بها (2) ـ سواء انتقل فرضهم الى فرض أهل مكة أم لا ـ فإنه يجوز لهم الإحرام لحج القِران أو الإفراد من مكة ولايلزمهم الرجوع الى سائر المواقيت ، وإن كان الأولى ـ لغير النساء ـ الخروج الى بعض المواقيت ـ كالجعرانه ـ والإحرام منها .
والأحوط الأولى الإحرام من مكة القديمة التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه واله ، وإن كان الاظهر جواز الإحرام من المحلات المستحدثة بها (3) أيضا إلا ماكان خارجا من الحرم .
____________
(1) لعله لقوله عليه السلام في صحيحة علي بن جعفر «فليس لاحد أن يعدو من هذه المواقيت إلى غيرها » فهي وإن كانت في المواقيت الموقتة لكن يحتمل شمولها لمن لايمر بأحد المواقيت، فيكون ميقاته المحاذاة فيشمله الحكم .
(2) وكذا المتواجدين فيها .
(3) كما هو مقتضى إطلاق الروايات في المقام ، ولامقيّد ولو كان لبان ، لإزْدهار مكة المكرّمة في عهد المعصومين عليهم السلام، ولذا قيّدت الروايات في قطع التلبية فيما اذا شاهد بيوت مكة القديمة ، ففي صحيحة

( 37 )

معاوية عنه عليه السلام : إذا دخلت مكة وانت متمتع فنظرت الى بيوت مكة فأقطع التلبية ، وحد بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين ، فان الناس قد احدثوا بمكة مالم يكن ، فأقطع التلبية » وليس المقام بأقل ابتلاءا منه ، وهذه الروايات لاتقيِّد اطلاق تلك الروايات اذ لاظهور فيها أن جميع احكام مكة أحكام لمكة القديمة بل هي في قبال الروايات التي تدل على وجوب قطع التلبية في عمرة التمتع عند دخول الحرم ، هكذا افاد بعض الاعلام المعاصرين.
إلا ان قوله عليه السلام « وحد بيوت مكة ... » بيان لمكّة المأخوذة في لسان الادلة مطلقا ، ولاخصوصية للحكم المذكور ، ولعل في صحيحة زرارة عن ابي عبدالله اشارة لذلك قال : سألته أين يمسك المتمتع عن التلبية ؟ فقال: إذا دخل بيوت مكة لابيوت الأبطح » فعندنا عنوانان : مكة والابطح ولكل منهما احكام خاصة ، وفي ذلك الزمان كانت بيوت مكة والابطح متصلة كما هو ظاهر قوله عليه السلام في صحيحة معاوية المتقدمة « وحد بيوت مكة» فلو لم تكن متصلة لكان بيان الحد لغوا ، فعليه يكون عندنا تحديد شرعي لمكة المكرمة ، فنحن في غنى عن البحث عن المقيّد .
ويؤيده صحيحة الفضلاء ـ البختري والدهني والحجاج والحلبي ـ عن ابي عبدالله عليه السلام ـ في حديث ـ وإذا أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام ، وافضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء ، وتلبي قبل أن تصير الى الابطح.
بل يظهر من صحيحة زرارة في خصوص المقام لزوم الإحرام من مكة القديمة قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : متى أُلبي بالحج ؟ فقال : إذا


(38)

مسألة 23 : المنزل الذي يسكنه المكلف : وهو ميقات من كان منزله دون الميقات إلى مكة ، فإنه يجوز له الاحرام من منزله ، ولايلزم عليه الرجوع الى الميقات (1)
مسألة 24 : أدنى الحل : كالحديبية والجعرانة والتنعيم ، وهو
____________
خرجت الى منى ، ثم قال : إذا جعلت شعب الدب على يمينك والعقبة على يسارك فلب بالحج .
ويؤيده صحيحة معاوية عنه عليه السلام قال : اذا انتهيت الى الردم وأشرفت على الابطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى .
مضافا الى الروايات الواردة في ابواب العود الى منى الناصة على انه اذا خرج من مكة فلا بأس بان ينام في الطريق دون منى ، ففي صحيحة هشام عنه عليه السلام قال : إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شيء عليه » ، فعلى الإلتزام باتساع مكة لابد من الحكم بعدم جواز المبيت ، مع ان الكل ظاهراً يفتي بجواز المبيت اذا تجاوز عقبة المدنيين التي هي في قلب مكة حاليا .
فالإفتاء بجواز الإحرام من مكة مهما اتسعت بحاجة الى جرأة فقهية ، والله العالم .
(1) بلا خلاف على الظاهر ، وتدل عليه جملة من الروايات، ففي صحيحة معاوية عنه عليه السلام : من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فميقاته منزله .

( 39 )

ميقات العمرة المفردة لمن أراد الإتيان بها بعد الفراغ من حج القِران أو الافراد ، بل لكل عمرة مفردة لمن كان بمكة وأراد الإتيان بها ، ويستثنى من ذلك صورة واحدة ستأتي في المسألة 398 .

أحكام المواقيت

مسألة 25 : لايجوز الإحرام قبل الميقات ، ولايكفي المرور عليه محرماً ، بل لابد من إنشاء الإحرام من نفس الميقات ، ويستثنى من ذلك موردان .
1 ـ أن ينذر الإحرام قبل الميقات (1) ، فإنه يصحّ ولايلزمه التجديد من الميقات ، ولا المرور عليه ، بل يجوز له الذهاب إلى مكة
____________
(1) على المشهور شهرة عظيمة ، وتدل عليه صحيحة الحلبي قال : سألت ابا عبدالله عليه السلام عن رجل جعل لله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة ، فقال : فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال » ، وعن ابي بصير عنه عليه السلام قال : لو ان عبدا أنعم الله نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم » ، وقيّده بعض الاساتذة المحققين بنذر الشكر دون الزجر والتبرع ، ولكن قوله عليه السلام في الصحيحة « وليفِ لله بما قال » يستشعر منه العموم ، والله العالم .

( 40 )

من طريق لايمر بشيء من المواقيت ، ولافرق في ذلك بين الحج الواجب والمندوب ، والعمرة المفردة (1) .
نعم ، إذا كان إحرامه للحجّ او عمرة التمتع فلا بد أن يراعي فيه عدم تقدّمه على أشهر الحج كما علم ممّا تقدم .
2 ـ إذا قصد العمرة المفردة في رجب وخشي عدم إدراكها إذا أخّر الإحرام الى الميقات جاز له الاحرام قبل الميقات (2) ، وتحسب له عمرة رجب وإن أتى ببقية الاعمال في شعبان ، ولافرق في ذلك بين العمرة الواجبة والمندوبة .
مسألة 26 : يجب على المكلف اليقين بوصوله الى الميقات والاحرام منه ، أو يكون ذلك عن اطمئنان أو حجة شرعية ، ولايجوز له الاحرام عند الشك في الوصول الى الميقات .
مسألة 27 : لو نذر الاحرام قبل الميقات وخالف وأحرم من
____________
(1) كل ذلك لإطلاق النصوص .
(2) عليه اتفاق العلماء قديما وحديثا ، وتدل عليه موثقة اسحاق عن ابي عبدالله عليه السلام عن رجل يجيء معتمراً ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق ، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أو يؤخر الاحرام الى العقيق ويجعلها لشعبان ؟ قال : يحرم قبل الوقت لرجب فان لرجب فضلاً .

( 41 )

الميقات لم يبطل احرامه ، ووجبت عليه كفارة مخالفة النذر إذا كان متعمداً .
مسألة 28 : كما لايجوز تقديم الإحرام على الميقات لايجوز تأخيره عنه ، فلا يجوز لمن أراد الحجّ او العمرة أو دخول الحرم أو مكة أن يتجاوز الميقات اختياراً إلا محرماً، وإن كان أمامه ميقات آخر (1) ، فلو تجاوزه وجب العود إليه مع الإمكان ، ويستثنى من ذلك من تجاوز ذا الحليفة الى الجحفة لا لعذر ، فإنه يجزيه الإحرام من الجحفة على الأظهر (2) وإن كان آثما .
والاحوط عدم التجاوز عن محاذاة الميقات إلا محرماً ، وإن كان لايبعد جواز التجاوز عنها إذا كان أمامه ميقات آخر او محاذاة أخرى (3) .
وإذا لم يكن المسافر قاصداً للنسك أو دخول الحرم أو مكة ، بأن
____________
(1) لقوله عليه السلام في صحيحة ابن جعفر عليه السلام «فليس لاحد أن يعدو من هذه المواقيت الى غيرها » .
(2) راجع ماتقدم .
(3) أما الشق الاول فواضح اذ المحاذاة ميقات في ظرف عدم المرور بأحد المواقيت ، واما الثاني فَلِما تقدم من احتمال شمول اطلاق بعض الروايات له .

( 42 )

كان له شغل خارج الحرم ثم بدا له دخول الحرم بعد تجاوز الميقات، جاز له الإحرام للعمرة من أدنى الحل (1) .
* مسألة 29 : من كان في المدينة لايجوز له تخلصاً من الاحرام من مسجد الشجرة ان يجعل مقصده جدة فيحرم منها بالنذر او غيره، هذا فيما اذا عدّ عرفا انه مسافرا الى مكة المكرمة بأن كانت مدة مكوثه في جدة قصيرة كبضع ساعات، اما اذا عدّ عرفا أنه مسافر الى جدة ومن جدة الى مكة جاز له تأخير الاحرام عن مسجد الشجرة، وإذا ترك الاحرام من مسجد الشجرة عاصيا لايجوز له الاحرام من جدة بالنذر في كل الاحوال بل لابد من الاحرام من الجحفة او الرجوع الى مسجد الشجرة .
مسألة 30 : إذا ترك المكلّف الإحرام من الميقات عن علم وعمد حتى تجاوزه ـ في غير الفرض المتقدم (2) ـ ففي المسألة صورتان :
الاولى : أن يتمكن من الرجوع الى الميقات ، ففي هذه الصورة يجب الرجوع والإحرام منه ، سواء أكان رجوعه من داخل الحرم أم كان من خارجه ، فإن أتى بذلك صح عمله من دون إشكال .
____________
(1) كإحرام رسول الله صلى الله عليه واله من الجعرانة بعد رجوعه من غزوة حنين .
(2) في المسألة 28 .

( 43 )

الثانية : أن لايتمكن من الرجوع إلى الميقات ، سواء كان خارج الحرم أم كان داخله ، متمكناً من الرجوع إلى الحل أم لا ، والأظهر في هذه الصورة بطلان الحجّ (1) وعدم الاكتفاء بالإحرام من غير الميقات ولزوم الإتيان بالحجّ في عام آخر إذا كان مستطيعاً .
مسألة 31 : إذا ترك الإحرام (2) من الميقات عن نسيان أو إغماء أو ماشاكل ذلك ، أو تركه عن جهل بالحكم او جهل بالميقات ـ في غير الفرض المتقدم (3) ـ فللمسألة صورٌ أربع :
الصورة الاولى : أن يتمكن من الرجوع الى الميقات ، فيجب عليه الرجوع والإحرام من هناك .
الصورة الثانية : أن يكون في الحرم ولم يمكنه الرجوع الى الميقات (4) لكنه أمكنه الرجوع إلى خارج الحرم ، وعليه حينئذ
____________
(1) كما هو المشهور وقيل بعدم الخلاف ، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه .
(2) ويتحقق بترك النية او التلبية ، أما لبس الثوبين فهو واجب مستقل وليس شرطا في تحقق الاحرام وسيأتي بيانه .
(3) في المسألة 28 .
(4) بسبب من الاسباب * ككون الرجوع حرجيا عليه بسبب غلاء اجرة النقل المجحفة بحاله .

( 44 )

الرجوع الى الخارج والإحرام منه (1) .
والاولي (2) في هذه الصورة الابتعاد عن الحرم بالمقدار الممكن ثم الإحرام من هناك .
الصورة الثالثة : أن يكون في الحرم ولم يمكنه الرجوع إلى الخارج ، وعليه في هذه الصورة أن يحرم من مكانه (3) ، وإن كان قد دخل مكة .
الصورة الرابعة : أن يكون خارج الحرم ولم يمكنه الرجوع الى
____________
(1) تدل عليه صحيحة الحلبي قال : سألت ابا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم ، قال : قال ابي : يخرج الى ميقات اهل أرضه ، فان خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج » ، وصحيحة ابن سنان عنه عليه السلام عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي او جهل فلم يحرم حتى أتي مكة ؟ فقال : يخرج من الحرم ويحرم ويجزيه ذلك .
(2) بل ظاهر صحيحة معاوية ـ في الحائض التي لم تحرم جهلا حتى دخلت الحرم ـ وجوب الرجوع بقدر الإمكان مع عدم الضيق، إلا ان يقال بأن للحائض خصوصية أو ان موردها الجهل دون النسيان .
(3) كما هو مقتضى صحيحة الحلبي المتقدمة وغيرها .

( 45 )

الميقات ، والأحوط (1) له في هذه الصورة أن يرجع بالمقدار الممكن ثم يحرم .
وفي جميع هذه الصور الأربع يحكم بصحة عمل المكلّف إذا قام بما ذكرناه من الوظائف ، وفي حكم تارك الاحرام من أحرم قبل الميقات أو بعده ولو كان عن جهل او نسيان (2) .
مسألة 32 : إذا تركت الحائض الإحرام من الميقات لجهلها
____________
(1) ووجهه أن الصحيحة الدالة على الرجوع والابتعاد عن الحرم بالقدر الممكن واردة فيما اذا تحقق الدخول في الحرم ، فإسراء الحكم لغيره لعل فيه شائبة القياس ، وإن كان يحتمل عدم الخصوصية لدخول الحرم ، ولذا لم يتعرض السيد الخوئي لهذا الذيل في مناسكه وكأنه لايستوجبه ، لتخصيصه ذلك بالحائض ، مضافا الى اطلاق صحيحة ابن سنان وفيها « رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة ؟ فقال عليه السلام : يخرج من الحرم ويحرم ويجزيه ذلك » .
وكان الاولى للماتن دام ظله في هذه الصورة الاحتياط استحبابا أو الحكم بالاستحباب كما في الصورة الثانية ، فمع تخصيص صحيحة معاوية بالحائض او حملها على الاستحباب جمعا بينها وبين صحيحة ابن سنان فالحكم يكون عدم وجوب الرجوع مطلقا لا التبعيض بين صور المسألة ، إذ لامدرك آخر للحكم غير صحيحة معاوية ، والله العالم .
(2) لوحدة المناط .

( 46 )

بالحكم إلى ان دخلت الحرم ، فالأحوط (1) أن تخرج إلى خارج الحرم وتحرم منه إذا لم تتمكن من الرجوع الى الميقات ، بل الاحوط (2) لها ـ في هذه الصورة ـ أن تبتعد عن الحرم بالمقدار الممكن ثم تحرم ، على أن لايكون ذلك مستلزما لفوات الحج ، وفيما إذا لم يمكنها إنجاز ذلك فهي وغيرها على حدٍّ سواء .
مسألة 33 : إذا فسدت العمرة ـ ولو لفساد إحرامها ـ وجبت إعادتها مع التمكن ، ومع عدم الإعادة ـ ولو من جهة ضيق الوقت ـ يفسد حجه (3) ، وعليه الاعادة في سنة أخرى .
مسألة 34 : قال جمع من الفقهاء بصحّة العمرة فيما إذا أتى
____________
(1) وجزم السيد الخوئي وأعاظم تلامذته بوجوب الرجوع كغيرها ، ولعل منشأ احتياط الماتن مصححة سورة بن كليب قال : قلت لابي جعفر عليه السلام خرجت معنا امرأة من أهلنا فجهلت الإحرام فلم تحرم حتى دخلنا مكة، ونسينا أن نأمرها بذلك ، قال : فمروها فلتحرم من مكانها ، من مكّة او من المسجد » لكنها على الظاهر مقيّد بصورة عدم التمكن من الخروج من الحرم جمعا بينها وبين صحيحة معاوية .
(2) ظاهر صحيحة معاوية ـ كما قدمنا ـ الوجوب .
(3) لكون الحج والعمرة تمتّعاً عمل واحد ، ففساد احدهما فساد للكل .

( 47 )

الملكف بها من دون إحرام لجهل او نسيان (1) ، ولكن هذا القول لايخلوا من إشكال ، والاحوط ـ في هذه الصورةـ الإعادة على النحو الذي ذكرنه فيما إذا تمكّن منها .
مسألة 35 : قد تقدم أن النائي يجب عليه الإحرام لعمرته من أحد المواقيت الخمسة الأول ، فإن كان طريقه منها فلا إشكال ، وإن كان طريقه لايمر بها كما هو الحال في زماننا هذا ، حيث إن أغلب الحجاج يردون مطار جدة ابتداءً ، وقسم منهم يريدون تقديم أعمال العمرة والحج على الذهاب الى المدينة المنورة ، ومن المعلوم أن جدة ليست من المواقيت ، ومحاذاتها لأحد المواقيت غير ثابتة ، بل المضمأن به عدمها ، فلهم أن يختاروا أحد الطرق الثلاثة :
الأول : أن يحرم بالنذر من بلده أو من الطريق قبل المرور جواً
____________
(1) وهو المشهور شهرة عظيمة ، تمسكا بمرسل جميل عن احدهما عليهما السلام في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى ، قال : تجزيه نيّته إذا كان قد نوى ذلك، فقد تم حجه وإن لم يهل » ومورده وإن كان الحج إلا انه قد اطلق الحج على عمرة التمتع في جملة من الروايات ، والتوقف في السند ـ بعد عمل المشهور به وكون المرسل جميل والارسال بلفظ بعض اصحابنا ووجود الرواية في الكافي والتهذيب مضافا الى ان الراوي عن جميل ابن ابي عمير ـ لايخلو من تأمل .

( 48 )

على بعض المواقيت ، وهذا لاإشكال فيه (1) فيما إذا لم يستلزم الاستظلال من الشمس ـ كما إذا كان الطيران في الليل ـ أو الاتقاء من المطر (2) .
الثاني : أن يمضي من جدة إلى بعض المواقيت أو الى ما يحاذيه فيحرم منه (3) ، أو يذهب الى مكان يقع خلف أحد المواقيت فيحرم منه بالنذر كـ (رابغ) الذي يقع قبل الجحفة، وهو بلد مشهور يربطه بجدة طريق عام فيسهل الوصول اليه، بخلاف الجحفة التي ربما يصعب الذهاب إليها .
الثالث : أن يحرم من جدّة بالنذر ، ويجوز هذا فيما لو علم ـ ولو اجمالا ـ بأن بين جدة والحرم موضعا يحاذي أحد المواقيت كما لايبعد ذلك بلحاظ المحاذاة مع الجحفة (4) ، وأما اذا احتمل وجود
____________
(1) لصحة الاحرام قبل الميقات بالنذر كما تقدم .
(2) أما اذا استلزم ذلك فصحة نذر الاحرام قبل الميقات مطلقا محل إشكال ، لعدم رجحانه شرعاً .
(3) لصحة الاحرام من محاذاة المواقيت مطلقا كما مر .
(4) * فإن الخرائط الجغرافية تبيّن أن جدة بالنظر الى خطوط الطول تقع قبل الجحفة لابعدها وعلى هذا الاساس فالنقطة المحاذية للجحفة تقع في الجنوب الشرقي من جدة .

( 49 )

موضع المحاذاة ولم يحرزه فلا يمكنه الإحرام من جدة بالنذر .
نعم ، إذا وردها عازما على الذهاب إلى أحد المواقيت أو مابحكمها ثم لم يتيسر له ذلك جاز له الإحرام منها بالنذر أيضا ، ولايلزمه في هذه الصورة أن يجدد إحرامه خارج الحرم قبل الدخول فيه على الاظهر (1) .
مسألة 36 : تقدّم أن المتمتع يجب عليه أن يحرم لحجّه من مكة، فلو أحرم من غيرها ـ عالما عامدا ـ لم يصحّ إحرامه وإن دخل مكة محرما، بل وجب عليه الاستئناف من مكة مع الإمكان وإلا بطل حجّه .
مسألة 37 : إذا نسي المتمتّع الإحرام للحجّ بمكّة وجب عليه العود مع الإمكان ، وإلا أحرم في مكانه ـ ولو كان في عرفات ـ وصح حجه ، وكذلك الجاهل بالحكم (2) .
____________
(1) لصحة الاحرام بالنذر ، وإن أدنى الحل ليس ميقاتا لعمرة التمتع ، ومع عدم القطع بكون جدة خلف الميقات فروايات الناسي والجاهل للاحرام المتقدمة شاملة له بلا ريب ، بل يمكن الاستدلال بها على صحة الاحرام بلا حاجة الى النذر في ظرف عدم التمكن من الذهاب الى احد المواقيت او مابحكمها .
(2) يدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال : سألته

=


( 50 )

مسألة 38 : نسي إحرام الحجّ ولم يذكر حتى أتى بجميع أعماله صحّ حجه ، وكذلك الجاهل (1) .
كيفيّة الإحرام …
* مسألة 39 : لايجوز لمن أحرم للعمرة أو الحج أن يعرض عن إحرامه ويترك أداء المناسك ، ولو فعل ذلك وكان في عمرة التمتع أو الحج الى ان انقضى الوقت المحدد لهما بطل إحرامه (2) ، وأما لو كان
____________
=
عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكر وهو بعرفات ، ماحاله ؟ قال : يقول اللهم على كتابك وسنة نبيّك صلى الله عليه واله ، فقد تم إحرامه ، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى رجع الى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجه » ، اما وجوب الرجوع مع الامكان فلكونه الوظيفة الاولية لاتنتفي إلا بعد تعذرها ، مؤيدا ببعض الروايات الواردة في عمرة التمتع لمن دخل الحرم جاهلا او ناسيا .
(1) تشهد له الصحيحة السابقة ومرسل ابن ابي عمير عن جميل عن بعض اصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المشاهد كلها وطاف وسعي ، قال : تجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك، فقد تم حجه وإن لم يهل .
(2) لانقضاء وقتهما ، وهل ينتقل الى العمرة المفردة للتحلل ، خلاف منشأه التردد في حقيقية الاحرام بين الجزئية والشرطية والاستقلالية والارتباطية كما سيأتي .