21 ـ التظليل للرجال

مسألة 140 : التظليل (1) على قسمين :
____________
(1) عندنا في المقام عنوانان : الاضحاء والتظليل ، ويدور امرهما بين شرطية الاول للاحرام ومانعية الثاني ، أو كون الاول من واجباته والثاني من محرماته ، لاسبيل للاول أصلا لعدم فساد الاحرام بالاخلال بالاضحاء او تحقق التظليل ، اذ غاية مايترتب حينئذ وجوب الكفارة ، فيتعين الثاني .
والظاهر تبعاً لصاحب الحدائق أن التحريم في الظل لفوات الضحى لالمكان الستر ، والروايات بذلك صريحة الدلالة :
ففي صححيحة ابن المغيرة قال : سألت ابا الحسن عليه السلام عن الظلال للمحرم ؟ فقال : اضح لمن أحرمت له » ، وفي صحيحة عثمان الكلابي قال : قلت لابي الحسن عليه السلام ان علي ابن شهاب يشكو رأسه والبرد شديد ويريد ان يحرم ؟ فقال : ان كان كما زعم فليظلل ، وأما انت فاضح لمن احرمت له».
مضافا الى قوله صلى الله عليه واله في المأثور عنه «اضح لمن احرمت له»، ومجرد النهي في بعض الاخبار عن الكنيسة او المحمل المظلل او نحوهما لايقتضي كون العلة في التحريم هو الاستتار حتى انه لو لم يستتر بهذه الاشياء فلا يضره الاستظلال بغيرها من مالايوجب الاستتار .

( 139 )

الاول : أن يكون بالأجسام السائرة كالمظلة وسقف المحمل أو السيارة أو الطائرة ونحوها ، وهذا محرم على الرجل المحرم ، راكباً كان أم راجلاً ، إذا كان مايظلله فوق رأسه كالامثلة المتقدمة (1) ، نعم لابأس بالاستظلال بالسحابة السائرة (2) .
وأما إذا كان مايظلله على احد جوانبه ، فالظاهر أنه لابأس به للراجل مطلقا ، فيجوز له السير في ظل المحمل والسيارة ونحوها (3) .
وأما الراكب فالأحوط أن يجتنبه (4) إلا إذا كان بحيث لايمنع من صدق الإضحاء ـ اي البروز الى الشمس ـ عرفاً، كأن كان قصيراً لايستتر به رأسه وصدره كجدران بعض السيارات المكشوفة (5) .
الثاني : أن يكون بالاجسام الثابتة كالجدران والانفاق والاشجار
____________
(1) بلا خلاف في ذلك وتشهد له النصوص المستفيضة .
(2) لكون المنهي الظل الذيعنه في الروايات هو يحدثه المحرم او الذي يتحرك بحركته .
(3) تدل عليه صحيحة ابن بزيع قال كتبت الى الرضا عليه السلام هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل ؟ فكتب : نعم .
(4) لإطلاق الروايات الآمرة بالاضحاء والناهية عن التستر .
(5) * كما يجوز استعمال المظلة اذا أحرز أن وجودها وعدمها سواء ، وكذا اذا شك مالم تقتض الحالة السابقة خلاف ذلك .

( 140 )

والجبال ونحوها ، وهذا جائز للمحرم ، راكباً كان أم رجلاً على الاظهر (1) ، كما يجوز له أن يستتر عن الشمس بيديه (2) وإن كان الأحوط ترك ذلك (3) .
مسألة 141 : المراد من التظليل التستر من الشمس ، ويلحق بها المطر على الاحوط ، وأما الريح والبرد والحر ونحوها فالاظهر جواز التستر منها ، وإن كان الاحوط تركه ، فلا بأس للمحرم أن يركب السيارة المسقفة ونحوها في الليل ـ فيما إذا لم تكن السماء ممطرة على الاحوط (4) ـ وإن كانت تحفظه من الرياح مثلا .
____________
(1) لكون المنهي عنه في الروايات هو خصوص مايحدثه المحرم من ظل يتحرك بحركته ويسكن بسكونه ، ولو كان هناك منع مما ذكر لَبَانَ في أسئلة الرواة .
(2) لقوله عليه السلام في صحيحة معاوية : لابأس ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس ، ولابأس ان يستر بعض جسده ببعض .
(3) لصحيح الاعرج انه سأل ابا عبدالله عليه السلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود وبيده ، قال : لا إلا من علة » المحمول على الكراهة جمعا بينه وبين صحيحة معاوية .
(4) ففي صحيحة ابراهيم قال : قلت للرضا عليه السلام : المحرم يظلل على محمله ويفديه اذا كانت الشمس والمطر يضران به ، قال : نعم ، قلت : كم
( 141 )

الفداء ؟ قال : شاة » ، وفي صحيحة الحميري عن صاحب الزمان عليه السلام أنه كتب اليه وسأله عن المحرم يستظل من المطر بنطع او غيره حذرا على ثيابه ومافي محمله أن يبتل فهل يجوز ذلك ؟ فأجاب عليه السلام : إذا فعل ذلك في طريقه فعليه دم » ، وفي صحيحة ابن بزيع عنه عليه السلام قال : سأله رجل عن الظلال للمحرم من اذى مطر أو شمس وانا اسمع ، فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى » وغيرها من الروايات ، وهي ظاهر ـ سيما صحيحة الحميري ـ في عدم اختصاص التظليل من الشمس بل يصدق التظليل عن المطر ، وحيث أنا لم نجد في الروايات وكذا كلمات الاعلام التعرض لقضية التظليل في الليل مع أن دأبهم ذكر الفروع النادرة في المسائل المدونة فالقطع بشمول الحرمة الي الليل لعل فيه شائبة المجازفة .
وبما انا قرّبنا كون التحريم في الظل لفوات الضحى فيكون مختصاً بالنهار لامحالة ، لكون الضحى لاتحقق له الا بالنهار ، فضحا ظله أي اذا صار شمسا ، وقوله صلى الله عليه واله «اضح» قال الاصمعي : من ضحيت واضحى لانه انما امره بالبروز للشمس ، ومنه قوله تعالى ( والضحى والليل اذا سجى ) وقوله ( والشمس وضحاها ) قال الراغب في المفردات : الضحى انبساط الشمس وامتداد النهار وسمي الوقت به .
وهو المستفاد ايضا من النصوص ففي صحيحة ابن المغيرة المتقدمة قال : سألت ابا الحسن عليه السلام عن الظلال للمحرم ؟ فقال : اضح لمن أحرمت له، قلت : اني محرور وإن الحر يشتد عليّ ؟ فقال : أما علمت أن الشمس
( 142 )

تغرب بذنوب المحرمين » فجعل عليه السلام غاية الاضحاء غروب الشمس ، واوضح منها دلالة صحيحة الاخرى قال : قلت لابي الحسن عليه السلام : أظلل وانا محرم ؟ قال : لا ، فأظلل وأكفر قال : لا ، فان مرضت ؟ قال ظلل وكفّر ، ثم قال : اما علمت ان رسول الله صلى الله عليه واله قال : مامن حاج يضحي ملبياً حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها » ودلالتها على ما افاده صاحب الحدائق من كون التحريم في الظل لفوات الضحى واضحة لمقام التعليل في الذيل ، وهو مغيّى بغروب الشمس .
ودعوى : بعض الاعلام المعاصرين : من ان الذيل ليس بعلة ، بل هو بيان لما يترتب على ذلك من الاثار والفوائد والحكم ، فلا يصلح لان يكون قرينة على تقييد إطلاقها ، ولا على نفي تلك الفوائد عن غير موردها .
خلط : بين التعليل ومفهوم الغاية ، إذ علة النهي عن التظليل وجوب الاضحاء كما هو ظاهر الصحيحة ، وهو مغيى بغروب الشمس .
نعم يمكن ان يقال أن الثواب مغيّى بغروب الشمس دون الاضحاء فتدبر.
كما أنه يمكن أن يستشعر من صحيحة عثمان بن عيسى قال : قلت لابي الحسن الاول إن علي بن شهاب يشكو رأسه والبرد شديد ويريد أن يحرم ، فقال : إن كان كما زعم فليظلل وأما أنت فاضح لم أحرمت له » شمول التظليل لليل والنهار اذ البرد في جو الحجاز لاتحقق له الا بالليل حتى في ايام الشتاء فتأمل .

( 143 )

مسألة 142 : ماتقدم من حرمة التظليل يختصّ بالرجال بحال السير وطيّ المسافة ، وأما إذا نزل المحرم في مكان سواء اتخذه منزلاً أم لا ، كما لو جلس في أثناء الطريق للاستراحة أو ملاقاة الأصدقاء أو لغير ذلك فلا إشكال في جواز الاستظلال له (1) .
وهل يجوز الاستظلال بالأجسام السائرة حال تردده في حوائجه في المكان الذي ينزل فيه أو لا ؟ مثلاً إذا نزل مكّة وأراد الذهاب الى المسجد الحرام لأداء الطواف والسعي، أو نزل مِنى وأراد الذهاب إلى المذبح أو مرمى الجمار ، فهل يجوز له ركوب السيارة المسقفة أو رفع المظلة فوق رأسه أو لا ؟ الحكم بالجواز مشكل جداً ، فالاحتياط لايترك (2) .
____________
(1) بلا خلاف أصلا ، والنصوص فيه مستفيضة .
(2) واستظهر الجواز السيد الخوئي وجزم به بعض اعاظم تلامذته .
ووجهه : أن المحرَّم من التظليل هو المتزامِن مع السير السفري كما هو ظاهر جملة من الروايات ، وهو الذي كان موضع استنكار العامة على الخاصة ومحاجة الائمة عليهم السلام لهم بان السنّة اذا قيست محق الدين ، ولا يقتصر على الجواز في خصوص الظل الثابت ـ كالخباء والخيمة ـ كما هو صريح الروايات ، اذ لاخصوصية له ، إذ محور محاجة الائمة عليهم السلام هو المقابل بين حرمة التظليل في السير السفري وجوازه عند انقطاع السفر ، لاالتفريق بين مصاديق التظليل ، فتأمل .
* يجوز إستعمال المصاعد الكهربائية المستعملة في العمارات السكنية .

( 144 )

مسألة 143 : لابأس بالتظليل للنساء والأطفال ، وكذلك للرجال عند الضرورة (1) .
مسألة 144 : إذا ظلّل المحرم على نفسه من المطر (2) أو الشمس لزمته الكفارة ، والظاهر أنه لافرق في ذلك بين حالتي الاختيار والاضطرار (3) ، وإذا تكرر التظليل فالأحوط التكفير عن كل يوم، وإن كان الاظهر (4) كفاية كفارة واحدة في كل إحرام ، ويجزىء في
____________
مصاديق التظليل ، فتأمل ·
(1) نصاً واجماعاً .
(2) نهاراً ، لكونه في الليل احتياطاً وجوبياً ، فما يتفرع عليه ينبغي أن يكون كذلك، فلاحظ .
(3) لدلالة جملة من النصوص عليه ، ففي صحيحة ابن ابي محمود قال: قلت للرضا عليه السلام : المحرم يظلل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يظران به ، قال : نعم ، قلت : كم الفداء ؟ قال : شاة » وغيرها من الصحاح .
(4) لصحيحة ابي علي بن راشد قال : قلت له عليه السلام : جعلت فداك أنه يشتد علي كشف الظلال في الاحرام لاني محرور يشتد علي حر الشمس ، فقال : ظلل وأرق دما ، فقلت له : دما أو دمين ، قال : للعمرة ، قلت : إنا نحرم بالعمرة وندخل مكة فنحل ونحرم بالحج ، قال : فأرق دمين » فهي

( 145 )

الكفارة دم شاة .
* مسألة 145 : إذا قام الغير بالتظليل على المحرم حال السير فإن تمكن من التخلص ولم يفعل ـ ولو لخوف الضرر على نفسه ـ فعليه الكفارة (1) ولاشيء على الغير مطلقا .
* مسألة 146 : الرجال المحرمون المرافقون للنساء اذا ركبوا السيارات المسقفة نهارا تجب عليهم الكفارة (2) .
____________
صريحة في أن لكل احرام كفارة واحدة ، وتعبير بعض الاعلام عنها بالموثقة في غير محله اذ ان ابا علي من العظماء الذي تجاوزوا القنطرة ويكفيه فخرا قول المعصوم فيه «عاش سعيداً ومات شهيداً» ولم ينسب له الوقف ، والرواي عنه هو ابن عبيد وهو محمد بن عيسى الجليل ، وتضعيف الشيخ له مبني على استثنائه من نوادر الحكمة ، وهو غير تام ، وقد وثقه النجاشي بقوله : جليل في اصحابنا ثقة عين كثير الرواية حسن التصانيف وكان الفضل يثني عليه ويمدحه ويميل اليه ويقول : ليس في أقرانه مثله انتهى ، وقد اعتمد الصدوق عليه وارتضاه ولم يسمع كلام استاذه ابن الوليد فيه، بل صرح النجاشي بان الاصحاب ينكرون قول ابن الوليد فيه ويقولون من مثل ابي جعفر محمد بن عيسى .
(1) لوجوب الاضحاء مطلقا .
(2) اذ موجبها الاختيار ولو اضطرارا كما مر .

( 146 )

* مسألة 147 : لو اضطر المحرم إلى التظليل بعض الوقت لايجوز له الاستمرار في التظليل مع ارتفاع موجبه (1) ، ولكن لو استمر فيه لم تثبت عليه كفارة اخرى (2) .

22 ـ إخراج الدم من البدن

لايجوز للمحرم إخراج الدم من جسده على الأحوط (3) ـ إلا
____________
(1) ووجهه واضح .
(2) لعله لإطلاق صحيحة ابي علي .
(3) وهو المشهور بين الاصحاب واختاره بعض الاعاظم من تلامذة السيد ، وتشهد له جملة من الروايات ، كالتي تنهي عن الحجامة والحك اذا كان مؤديا الى الادماء ، ولاخصوصية للعناوين المأخوذة فيها سيما بعد قوله عليه السلام في صحيحة معاوية قال : سألته عن المحرم كيف يحك رأسه ؟ قال : باظافيره مالم يدم أو يقطع الشعر » ومثلها صحيحة عمر بن يزيد .
وقد حملها الشيخ في الخلاف والمحقق على الكراهة ـ وقواها بعض الاعاظم من المعاصرين ـ بقرينة صحيحة حريز وفيها « لابأس ان يحتجم المحرم مالم يحلق أو يقطع الشعر » وحملها على الضرورة خلاف الظاهر اذ قوله عليه السلام «لابأس» بيان للحكم الاولي ، نعم يمكن أن يقال بكراهة

( 147 )

لضرورة ـ وإن كان ذلك بفصد أو حجامة أو قلع ضرس أو حك أو غيرها .
نعم ، الاظهر جواز الاستياك وإن لزم منه الإدماء (1) ، وكفارة اخراج الدم ـ لغير الضرورة ـ شاة على الأحوط الأولى (2) .
* مسألة 148 : يجوز للمحرم تزريق غيره بالابرة إذا كان يستلزم خروج الدم منه (3) ، والاحوط تركه فيما إذا كان الغير محرما (4) .
____________
الحجامة خاصة توفيقاً بين النصوص ، ولقوله عليه السلام في الصحيحة الاتية في السواك «هو من السنة» وهي لاتقل فائدة وحثا من الشارع عنه .
(1) تدل عليه صحيحة معاوية قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام في المحرم يستاك ، قال : نعم ، قلت : فإن أدمى يستاك؟ قال : نعم ، هو من السنة»، وفي قبالها صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المحرم يستاك ؟ قال : نعم ، ولايدمي » المحمولة على الكراهة لكون الاولى نصا في الجواز والثانية ظاهرة في الحرمة .
(2) لعدم الدليل على الكفارة من النصوص ، وحكى الشهيد عن بعض اصحاب المناسك أن كفارته شاة ، ولعله لحسنة ابن جعفر بناء على نسخة «جرحت» ، ونقل عن الحلبي أن كفارة حك الجسم حتى يدمي اطعام مسكين .
(3) اذ مورد النصوص ـ كما هو ظاهر ـ اخراج المحرم الدم من بدنه ، أو التسبيب في ذلك إذ هو بمثابة الاخراج المباشري .
(4) لاحتمال شمول ادلة النهي له سيّما روايات الحجامة ، بل الاحوط

( 148 )

23 ـ التقليم

لايجوز للمحرم تقليم ظفره ولو بعضه ، إلا أن تدعو ضرورة إلى ذلك أو يتأذى ببقائه ، كما إذا انكسر بعض ظفره وتألم من بقاء الباقي فيجوز له حينئذ قطعه (1) .
مسألة 149 : كفارة تقليم كل ظفر من اليد أو الرجل مُد من الطعام مالم يبلغ في كل منهما العشرة ، فإذا بلغها ـ ولو في مجالس متعددة ـ كانت كفارته شاة لكل من أظافير اليدين وأظافير الرجلين ، نعم إذا كان تقليم أظافير اليدين والرجلين جميعا في مجلس واحد فالكفارة شاة واحدة (2) .
____________
تركه مطلقا حتى لو كان الغير حيوانا ، وذلك لموثقة عبدالله بن سعيد قال : سأل ابو عبدالرحمن أبا عبدالله عليه السلام عن المحرم يعالج دبر الجمل ، قال : يلقي عنه الدواب ولايدميه » وليس الجمل من الحيوانات الوحشية حتى يحرم صيده وجرحه كما لايخفى .
(1) ففي صحيحة معاوية قال : سألته عن الرجل المحرم تطول أظافره ، قال : لايقص شيئا منها إن استطاع ، فإن كانت تؤذيه فليقصها وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام .
(2) تشهد له صحيحة ابي بصير قال : سالت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل قص ظفراً من أظافيره وهو محرم ، قال : عليه في كل ظفر قيمة مد من

( 149 )

مسألة 150 : إذا قلم المحرم ظفره فأدمى إصبعه اعتمادا على فتوى من جوزه خطأ ، وجبت الكفارة على المفتي على الاحوط (1) .
* مسألة 151 : لايبعد جواز تقليم المحرم أظافر غيره محلاً كان أم محرماً (2) ، إلا أن الاحوط في الثاني الترك (3) .

24 ـ قلع الضرس

مسألة 152 : ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة قلع الضرس على
____________
طعام حتى يبلغ عشرة ، فإن قلم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة ، فإن قلم اظافير يديه ورجليه جميعا ، فقال : إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم ، وإن كان فعله متفرقا في مجلسين فعليه دمان .
(1) كما هو المشهور ، استنادا لرواية اسحاق الصيرفي قال : قلت لابي ابراهيم عليه السلام إن رجلا أحرم فقلم اظفاره ، فكانت له اصبع عليله ، فترك ظفرها لم يقصه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه ، فقال : على الذي افتى شاة » وهي ضعيفة سندا مع عمل المشهور بها فإحتياط الماتن دام ظله في محله والله العالم .
(2) إذ مورد النهي في النصوص تقليم المحرم أظافر نفسه .
(3) لاحتمال شمول النصوص له .

( 150 )

المحرم وإن لم يخرج به الدم ، وأوجبوا له كفارة شاة ، ولكن في دليله تأملا ، بل لايبعد جوازه (1) .

25 ـ حمل السلاح

مسألة 153 : لايجوز للمحرم لبس السلاح (2) ، بل ولا حمله على وجه يعدّ مسلحا على الاحوط ، والمراد بالسلاح كل مايصدق عليه لفظه عرفا ، كالسيف والبندقية والرمح دون آلات التحفّظ كالدرع والمغفرة ونحوهما .
مسألة 154 : لابأس بوجود السلاح عند المحرم (3) ، ولايحمله إذا
____________
(1) نقل عن الشيخ الطوسي ان في قلع الضرس شاة ، استنادا الى مارواه في التهذيب عن محمد بن عيسى عن عدة من اصحابنا عن رجل من اهل خراسان : ان مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شيء : محرم قلع ضرسه ، فكتب : يهريق دما » ، قال في الحدائق انه مع ارساله ان المكتوب اليه غير معلوم والاستناد الى ماهذا شأنه واثبات حكم شرعي به مشكل .
(2) كما هو المشهور ، وتشهد له النصوص ففي صحيحة الحلبي عنه عليه السلام قال : المحرم إذا خاف العدو يلبس السلاح فلا كفارة عليه .
(3) لكون المنهي عنه في الروايات خصوص الحمل .

( 151 )

لم يعد مسلحا عرفا ، ومع ذلك فالترك أحوط (1) .
مسألة 155 : تختص حرمة التسلح بحال الاختيار ، ولابأس به عند الاضطرار كالخوف من العدو أو السرقة (2) .
مسألة 156 : كفارة التسلح ـ لغير الضرورة ـ شاة على الأحوط (3) .

إلى هنا انتهت الأمور التي تحرم على المحرم

محرمات الحرم

الأول : صيد البر ، كما تقدم في المسألة 64 .
الثاني : قلع كلَّ شيء نبت في الحرم أو قطعه من شجر وغيره (4) ،
____________
(1) خروجا عن خلاف من احتمل حرمته .
(2) تشهد له الصحيحة السابقة .
(3) ظاهر صحيحة الحلبي وجوب الكفارة على المختار لكنها لم تبين جنسها ، فإن صدق على التسلح اللبس شمله صحيحة زرارة في أن من لبس ثوبا لاينبغي له عليه شاة ، مضافا الى ان اطلاق الكفارة ينصرف إليه ، وبما انه لاقائل بوجوبها فالاحتياط في محله .
(4) نصاً واجماعاً .

( 152 )

ولابأس بما يقطع عند المشي على النحو المتعارف (1) كما لابأس بأن تترك الدواب في الحرم لتأكل من حشيشه (2) ، ولكن لاينزع لها حتى علوفة الإبل على الاصح (3) .
ويستثني من حرمة القطع موارد (4) :
____________
(1) لعدم الردع بالتوقي منه مع كثرة الابتلاء به ، ممايوجب انصراف النصوص عنه .
(2) ففي صحيحة الحلبي عنه عليه السلام قال : يخلّى عن البعير في الحرم يأكل ماشاء .
(3) تشهد له معتبرة ابن سنان قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته ؟ قال : نعم ، قلت : له أن يحتش لدابته وبعيره؟ قال : نعم ويقطع ماشاء من الشجر حتى يدخل الحرم ، فإذا دخل الحرم فلا » ووجود عبدالله بن القاسم في سندها لايسقط اعتبارها لكون تهمته هي الغلو وهي اوهي من بيت العنكبوت ، مضافا الى النصوص الكثيرة المستفيضة الناهية عن قلع الشجر والحشيش النابتين في الحرم ، وتخصيصها بصحيحة ابن حمران قال : سألت ابا عبدالله عليه السلام عن النبت الذي في أرض الحرم أينزع ؟ فقال : أما شيء تأكله الابل فليس به بأس ان تنزعه » ليس بصحيح لظهور رجوع الضمير الى الابل في قوله عليه السلام «تنزعه» ومع عدم التسليم لايمكن القطع برجوعه الى الراوي فتكون الرواية مجملة ، فتأمل .
(4) كما هو صريح جملة من الروايات .

( 153 )

1 ـ الإذخِر ، وهو نبت معروف .
2 ـ النخل وشجر الفاكهة .
3 ـ ماغرسه الشخص من الشجر أو زرعه من العشب بنفسه ، سواء في ملكه أم في ملك غيره .
4 ـ الاشجار أو الأعشاب التي تنمو في دار الشخص ، ومنزله بعد ماصارت داره ومنزله (1) ، وأما ماكان موجودا منهما قبل ذلك فحكمه حكم سائر الأشجار والأعشاب .
مسألة 157 : الشجرة التي يكون أصلها في الحرم وفرعها في خارجه أو بالعكس ، حكمها حكم الشجرة التي يكون جميعها في الحرم (2)
____________
(1) ففي صحيحة حريز عنه عليه السلام قال : كل شيء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا مانبته أنت وغرسته » وفي صحيحة حماد قال : سألت ابا عبدالله عليه السلام عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم ، فقال : إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو يتخذ المضرب، فليس له ان يقلعها وإن كان طرية عليه فله قلعها .
(2) كما هو صريح صحيحة معاوية قال : سألت ابا عبدالله عليه السلام عن شجرة اصلها في الحرم وفرعها في الحل ، فقال : حرم فرعها لمكان اصلها، قال : قلت : فإن اصلها في الحل وفرعها في الحرم ، قال : حرم أصلها لمكان

( 154 )

مسألة 158 : كفارة قلع الشجرة قيمته تلك الشجرة ، وفي القطع منها قيمة المقطوع على الأحوط فيهما (1) ، ولاكفارة في قلع
____________
فرعها .
(1) وجزم به السيد الخوئي وبعض الاعاظم من المعاصرين ، خلافا للمشهور حيث اوجب بقرة للشجرة الكبيرة وشاة للصغيرة وفي ابعاضها قيمتها ، وذهب ابن ادريس الى عدم الكفارة وهو ظاهر الشرائع والنافع واستوجهه في المدارك ، ومستند المشهور في التفصيل مرسلة موسى بن القاسم قال : روى اصحابنا عن احدهما عليهما السلام أنه قال : إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع ، فإن نزعها كفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين » المحمولة على الشجرة الكبيرة ، وكون الشجرة في ملكه لايعني جواز قلعها اذا لم يكن هو الغارس لها كما هو ظاهر صحيحة حريز المتقدمة ، ودعوى بعض الاساطين من عدم دلالتها على الوجوب ، يدفعه ظاهر قوله عليه السلام «كفّر» ، وارسالها لايضر اذ ليس المرسل عنه واحد كما هو ظاهر لفظ «اصحابنا» فما ذهب اليه المشهور لايخلو من قوة .
أما وجوب قيمته في الابعاض فالتوقف فيه إشكال ، وذلك لصحيحة ابن سليمان عن ابي عبدالله عليه السلام قال : سالته عن الرجل يقطع من الاراك بمكة قال : عليه ثمنه يتصدق به ولاينزع من شجر مكة إلا النخل وشجر الفواكه» فهي ظاهر في ثبوت الثمن للابعاض كما لايخفي .

( 155 )

الاعشاب وقطعها (1) .
الثالث : إقامة الحدّ أو القصاص أو التعزير على من جنى في غير الحرم ثم لجأ إليه ، فإنها غير جائزة ، ولكن لايطعم الجاني ولايسقى ولايكلم ولايبايع ولايؤوى حتى يضطر الى الخروج منه فيؤخذ ويعاقب على جنايته (2) .
الرابع : أخذ لقطة الحرم على قول (3) ، والاظهر كراهته كراهة شديدة (4) ، فإن اخذها ولم تكن ذات علامة يمكن الوصول بها الى مالكها جاز له تملّكها وإن بلغت قيمتها درهما أو زادت عليه (5) ،
____________
(1) لعدم الدليل عليها .
(2) نصاً واجماعاً ، ففي صحيحة الحلبي قال : سألته عن قول الله عز وجل ( ومن دخله كان آمنا ) قال : إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فرّ إلى الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم ولكن يمنع من السوق ولايبايع ولايطعم ولايسقى ولايكلم فإنه اذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لانه لم يرع للحرم حرمة .
(3) كما نسب للمشهور .
(4) اذ هي غاية مايستفاد من الادلة فراجع .
(5) لعله لقوله عليه السلام في صحيحة ابن مهزيار عن الجواد عليه

( 156 )

وأما إذا كانت ذات علامة كذلك ، فإن لم تبلغ درهما لم يجب تعريفها (1) ، والاحوط أن يتصدق بها عن مالكها (2) ، وإن كانت قيمتها درهما فما زاد عرّفها سنة كاملة، فإن لم يظهر مالكها تصدق بها عنه على الاحوط (3)

حدود الحرم

للحرم المكي حدود مضروبة المنار قديمة ، ولها نصب معلومة
____________
السلام قال : فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها ... ومثل مال يؤخذ ولايعرف له صاحب » فبإطلاقها تشمل الحرم وغيره ومادون الدرهم وما فوقه .
(1) بلا خلاف فيه على الظاهر .
(2) لاحتمال اختصاص التملك بالدرهم المنسحق كتابته كما هو مفاد بعض النصوص .
(3) لقوله عليه السلام في صحيحة ابراهيم بن عمر عنه عليه السلام قال: اللقطة لقطتان : لقطة الحرم وتعرف سنة فان وجدت صاحبها وإلا تصدقت بها ولقطة غيرها تعرف سنة فإن لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك » وهي صريحة في اختلاف حكم اللقطتين فتقيّد الروايات المطلقة ، فالتوقف في غير محله على الظاهر .

( 157 )

مأخوذة يدا بيد ، ويحدّه من الشمال (التنعيم) ومن الشمال الغربي (الحديبية «الشميسي») ومن الشمال الشرقي (ثنية جبل المقطع) ومن الشرق (طرف عرفة من بطن نمرة) ومن الجنوب الشرقي (الجعرانة) ومن الجنوب الغربي (إضاءة لبن) .
تذييل : للمدينة المنوّرة أيضا حرم ، ومن حدوده جبلا (عائر) و (عير) وحرّتا (واقم) و (ليلى) وهو وإن كان لايجب الإحرام له إلا أنه لايجوز قطع شجره ولاسيما الرطب منه (1) ـ إلا ماتقدم استثناؤه في الحرم المكي ـ كما يحرم صيده مطلقا على الاحوط (2) .

محل التكفير

مسألة 159 : إذا وجبت على المحرم كفارة دم لأجل الصيد في العمرة المفردة فمحل ذبحها مكة المكرّمة، وإذا كان الصيد في إحرام عمرة التمتع أو الحج فمحل ذبح الكفارة منى (3) ، وهكذا لوجبت
____________
(1) للنصوص الكثيرة الدالة على حرمة القطع .
(2) وجه الاحتياط اختلاف النصوص وبتبعها اختلفت الفتاوى والاقوال .
(3) تشهد له صحيحة ابن سنان عنه عليه السلام قال : من وجب عليه

( 158 )

الكفارة على المحرم بسبب غير الصيد على الاحوط (1) .
____________
فداء صيد أصابه وهو محرم فان كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى وإن كان معتمرا نحره بمكة قبال الكعبة » .
(1) واستظهر السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته جواز ذبحها حيث شاء ، والمستند هو موثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : الرجل يخرج من حجته شيئا يلزمه من دم ، يجزيه ان يذبحه اذا رجع الى أهله ، فقال : نعم ، وقال ـ فيما اعلم ـ يتصدق به» وحسنة علي بن جعفر عنه عليه السلام : لكل شيء خرجت (جرحت) من حجك فعليك دم تهريقه حيث شئت » المقيَّدتات بروايات لزوم ذبح كفارة الصيد في مكة او منى .
أما صحيحة ابن بزيع عن الرضا عليه السلام قال : سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر او شمس ، وانا أسمع ، فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى » وكذا صحيحته الاخرى ، فمحمولة على الافضلية أو أنها مخصصة لموثقة اسحاق وحسنة علي ، لاأنه يقع التعارض بين إطلاقهما وإطلاقها ، بتقريب ان موثقة وحسنة اسحاق وابن جعفر أعم من كون الكفارة للتظليل وغيره ، وصحيحة ابن بزيع أعم من كون الاحرام للعمرة المفردة ام الحج ، إذ من الواضح ـ كما صرح بذلك سيد الفقهاء الخوئي ـ ان المقصود من الحج في الموثقة والحسنة ليس هو مايقابل العمرة بل هو الخروج من المناسك والاعمال مطلقا ويؤيده كون اسحاق وابن جعفر ليسا من سكنة مكّة المكرمة ، فليس النسبة عموم وخصوص من وجه بل عموم وخصوص مطلقا فلا

=