فصل

فمن الأخبار التي جاءت بذكره -عليه السلام -الحادثَ قبل كونه ،
وعلمِه به قبل حدوثه :



ما أخبر به عليُّ بن المُنْذِر الطريقي ، عن ابن الفُضَيْل العَبْدي (1)، عن فِطْر، عن أبي الطُفَيْل عامر بن واثِلة - رحمة اللّه عليه - قال : جَمَع أمير المؤمنين عليه السلام الناسَ للبيعة، فجاء عبدُ الرحمن بن مُلْجَم المُراديّ - لعنه الله - فردّه مرتين أو ثلاثاً ثمّ بايعه ، وقال عند بيعته له : «مايَحْبِسُ أشقاها! فو الّذي نفسي بيده لتُخْضَبن (2) هذه من هذا» ووَضَعَ يدَه على لِحْيَته ورأسه عليه السلام، فلمّا أدْبَر ابنُ مُلْجَم عنه منصرفاً قال عليه السلام متمثلاً :
«أشـْدُدْ حـَيـازيـمـَكَ لـلمــوت * فـــــإنّ المــــــوتَ لاقيك
ولا تَــجـْزَع مــن الـموت * إذا حـــــــــــــَلّ بـواديـك
كـمـا أضــحـَكَـكَ الــدهــرُ * كـذاكَ الــدهـرُ يـُبـْكـيـك (3)»


_________
(1) لعل العبدي تصحيف الضبيّ ، فإنّه محمد بن فضيل بن غزوان الضبيّ ، مولاهم أبو عبد الرحمن ، وقد عدّه الشيخ الطوسي (قدس سره ) من أصحاب الصادق عليه السلام ووثقه (رجال الشيخ : 297) يروي عنه علي بن المنذر الطريقي ، انظر: «الطبقات الكبرى 6 : 389 ، انساب السمعاني 8 : 145 ، ميزان الاعتدال 3 : 157 ، تهذيب التهذيب 7 : 386 و 9 : 405».
(2) في «ق» وهامش «ش» : ليَخْضِبَنَّ .
(3) الطبقات الكبرى 3 : 33، أنساب الأشراف 2 : 500 ، مقاتل الطالبيين : 31 ، الخرائج والجرائح 10 : 182 ذيل الحديث 14 ، ونقله العلامة المجلسي في بحار الانوار 42 : 192 /6 والبيت الاخير اثبتناه من «ق».

( 12 )

وروى الحسنُ بنُ محبوب ، عن أبي حَمْزة الثُماليّ ، عن أبي إسحاق السَّبِيعيّ ، عن الأصْبَغ بن نُباتة، قال : أتى ابن ملجم أميرَ المؤمنين عليه السلام فبايعه فيمن بايع ، ثمّ أدبر عنه فدعاه أميرُ المؤمنين عليه السلام فتوثّق منه ، وتوكّد عليه ألاّ يَغْدر ولا يَنْكث ففعل ، ثمّ أدبر عنه فدعاه أميرُ المؤمنين عليه السلام الثانية فتوثّق منه وتوكّد عليه ألاّ يَغْدر ولا يَنْكث ففعل ، ثمّ أدبر عنه فدعاه أميرُ المؤمنين عليه السلام الثالثة فتوثّق منه وتوكّد عليه ألاّ يَغْدرَ ولا يَنْكث ، فقال ابنُ مُلْجَم :واللّه - يا أمير المؤمنين - ما رأيتُك فعلتَ هذا بأحد غيري . فقال أميرُ المؤمنين عليه السلام :

«أُريد حِباءهُ ويُريدُ قتلي * عَذيرَك (1) من خليلِك من مُرادِ(2)
امض - يا بنَ مُلْجَم - فواللّه ما أرى أن تَفِيَ بما قلت»(3).
وروى جعفر بن سُلَيمان الضُبَعيّ عن المُعَلِّى بن زياد قال : جاء عبدُ الرحمن بن مُلْجَم - لعنه اللّه - الى أمير المؤمنين عليه السلام يستحمله َ ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، إحمِلني . فنظرإليه أميرالمؤمنين عليه السلام ثمّ قال له : «أنت عبدُ الرحمن بن مُلْجَم المُراديّ ؟» قال : نعم . قال : «أنت
_________
(1) عذيرك من فلان بالنصب ، أي هات من يعذرك فيه ، فعيل بمعنى فاعل «النهاية - عذر - 3 : 197».
(2) البيت لعمرو بن معدي كرب : كتاب سيبويه 1: 276 ، الأغاني 10 : 27 ، العقد الفريد 1 : 121 ، خزانة الادب 6 : 361 .
(3) ذكره ابن شهرآشوب مختصراً في المناقب 3 : 310 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 42 : 192 /7.

( 13 )

عبدُ الرحمن بنُ مُلْجَم المرُاديّ ؟» قال : نعم . قال : «ياغَزْوان ، اِحمِله على الأشقر» فجاء بفرس أشقر فرَكِبه ابنُ مُلْجَم المُرادي وأخذ بعنانه ، فلمّا ولّى قال أمير المؤمنين عليه السلام :

«أريد حِباءه ويريد قتلي * عَذيرَك مِنْ خَليلك من مُراد»(1)

قال : فلمّا كان من أمره ما كان ، وضَرَب أميرَ المؤمنين عليه السلام قُبض عليه وقد خَرَج من المسجد، فجيء به الى أمير المؤمنين ، فقال عليه السلام : «والله لقد كنتُ أصنع بك ما أصْنَع ، وأنا أعلمُ أنّك قاتلي ، ولكن كنتُ أفعلُ ذلك بكَ لأستظهِرَ بالله عليك» .


فصل آخر

ومن الأخبار التي جاءت
بنَعْيه نَفْسَه عليه السلام إلى أهله وأصحابه قبل قتله :

ما رواه أبو زيد الأحوَل عن الأجلَح ، عن أشياخ كِنْدَة، قال : سَمِعتُهم أكثرَمن عشرين مرّة يقولون : سَمِعنا علياً عليه السلام على المنبر يقول : «ما يمنَعُ أشقاها أن يَخْضِبَها من فوقها بدم ؟» ويَضَعُ يدَه على لحِيته عليه السلام (2).

_________
(1) اشار اليه ابن شهرآشوب في المناقب 3 : 310، والراوندي في الخرائج والجرائح 1: 182 ذيل الحديث 14 .
(2) نقله العلامة المجلسي في البحار 42: 193 / 8 .

( 14 )

وروى علي بن الحَزَوَّر ، عن الأصْبَغ بن نُباتَة قال : خَطَبَنَا أميرُ المؤمنين عليه السلام في الشهر الذي قُتِل فيه فقال : «أتاكمُ شهرُ رمضان ، وهو سيّد الشهور، وأوّل السنة، وفيه تدور رَحا السلطان . ألا وإنّكم حاجّ العامَ صفّاً واحداً ، وآيةُ ذلك أنّي لستُ فيكم» قال : فهو يَنْعى نفسه عليه السلام ونحن لا نَدْري (1).
وروى الفَضْل بن دُكَين ، عن حَيّان بن العبّاس ، عن عثمان بن المُغِيرة قال : لمّا دخل شهرُ رمضان ، كان أمير المؤمنين عليه السلام يتعشّى ليلةً عند الحسن وليلةً عند الحسين وليلةً عند عبداللّه بن جعفر(2)، وكان لا يَزيد على ثلاث لُقَم ، فقيل له في ليلةٍ من تلك الليالي في ذلك ، فقال : «يأتيني أمرُ اللّه وأنا خميصٌ ، إنّما هي ليلةٌ أو ليلتان» فأُصِيب عليه السلام في اخر الليل (3) .
وروى إسماعيل بن زياد قال : حدثتني اُمّ موسى - خادمة(4) علي عليه
_________
(1) إعلام الورى : 160 ، مناقب آل أبي طالب 2 : 271 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 42 : 193 / 9 .
(2) في «ش»: عبداللّه بن العباس .
(3) إعلام الورى : 160 ، المناقب للخوارزمي : 392 / 410، مناقب آل أبي طالب 2 : 271، كنز العمال 13 : 195 / 36583 ، الفصول المهمة : 139، وذكره مختصراً الراوندي في الخرائج 1 : 201/ 41 ، وسيأتي في فصل من نعيه لنفسه عليه السلام اواخر الجزء الاول.
(4) كذا في متن النسخ وفي هامش «ش» : خادم وهو صواب أيضاً .
قال في لسان العرب - خدم - 12 : 166: ألخادم واحد الخدم غلاماً كان أو جارية . . . وفي حديث فاطمة وعلي عليهما السلام : «اسألي أباكِ خادماً تقيك حرً ما أنت عليه» الخادم واحد الخدم ويقع على الذكر والانثى لاجرائه مجرى الاسماء غير

=


( 15 )

السلام وهي حاضنة فاطمة ابنته عليه السلام - قالت : سمعتُ عَليّاً عليه السلام يقول لابنته اُمّ كلثوم : «يابُنيّة، إنيّ أراني قلَّ ما أصحَبُكم» قالت : وكيف ذلك ، يا أبتاه ؟ قال : «إني رأيت نبيّ اللّه صلّى الله عليه وآله في منامي وهو يَمْسَحُ الغبارَ عن وجهي ويقول : يا عليّ ، لا عليك قد قَضَيْتَ ما عليك» .
قالت : فما مَكَثْنا ّ إلاّ ثلاثاً حتى ضُرِب تلك الضربة . فصاحت اُمّ كلثوم فقال : «يا بُنيّة لا تفعلي ، فإنّي أرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يشير إليَ بكفّه : يا علي ، هَلمَّ إلينا، فإنّ ما عندنا هو خيرٌ لك»(1).
وروى عمّار الدُهْني ، عن أبي صالح الحنفيّ قال : سمِعمت علياً عليه السلام يقول : «رأيتُ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في منامي ، فشَكَوْتُ إليه ما لقيت من أُمّتهِ من الأود واللدد(2) وبكيتُ ، فقال : لاتَبكِ يا علي والتفِتْ ، فالتفتُّ ، فإذا رجلان مُصَفَدان ، وإذا جلاميد تُرْضَخ بها رؤوسهما» .
فقال أبو صالح : فغدوت إليه من الغد كما كنت أغدو كلّ يوم ، حتى إذا كنت في الجزارين لقيت الناس يقولون : قُتِل أمير المؤمنين ، قتل أمير
_________

=

المأخوذة من الافعال كحائض وعاتق . . وهذه خادمنا- بغير هاء ، لوجوبه ، وهذه خادمتنا غداً. انتهى .
(1) المناقب للخوارزمي :378 / 402 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 311 ، كشف الغمة 1: 433.
(2) الأود : العوج ، واللّدَدُ : الخصومة الشديدة، قال ابن الأثير: ومنه حديث علي : «رأيت النبي صلّى اللّه عليه وسلم في النوم فقلت : يا رسول الله ، ماذا لقيت بعدك من الأود واللدد !» «النهاية - لدد - 4 : 244».

( 16 )

المؤمنين عليه السلام (1).
وروى عبيداللّه بن موسى، عن الحسن بن دينار، عن الحسن البصريّ قال : سَهِرَ أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الليلة التي قتِل (2) في صَبيحَتِها، ولم يَخْرُج إلى المسجد لصلاة الليل على عادته ، فقالت له ابنته امّ كلثوم - رحمة الله عليها- : ما هذا الذي قد أسْهَرَك ؟ فقال : «إنّي مقتول لو قد أصبحتُ» وأتاه ابنُ النَبّاح فآذنه (3) بالصلاة ، فمشى غيرَ بعيد ثم رجع ، فقالت له ابنته اُمّ كلثوم : مُرْ جَعْدَة فليُصَلّ بالناس . قال : «نعم ، مُروا جَعْدة فليُصَلّ»(4). ثمّ قال : «لا مَفَرّ من الأجل» فخرج إلى المسجد وإذا هو بالرجل قد سَهِر ليلتَه كلّها يَرْصُدُه ، فلمّا بَرَدَ السحر نام ، فحرّكه أميرالمؤمنين عليه السلام برجله وقال له : «الصلاة» فقام إليه فضربه (5).
ورُوي في حديث اخر: أنّ أميرَ المؤمنين عليه السلام سَهِر تلك الليلة، فاكثر الخروج والنظر في السماء وهو يقول : «واللّه ما كَذَبْتُ ولا كُذِبْتُ ، وإنّها الليلة التي وُعِدتُ بها» ثمّ يعاود مضجعه ، فلمّا طلع الفجر شدّ ازاره (6) وخرج وهو يقول :

_________
(1) ورد باختلاف يسير في إلامامة والسياسة : 276 ، أنساب الأشراف : 494، مقاتل الطالبيين : 40 ، ومثله في إعلام الورى : 161، والخرائج والجرائح 1: 233 / 78 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 311 .
(2)في «ح»:ضرب .
(3) في هامش «م» : مؤذناً .
(4) في هامش «ش» : ليصلي.
(5) خصائص الائمة : 63 ، إعلام الورى : 161 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 310 .
(6) في هامش «م» : أزراره .

( 17 )

«أُشـدُدْ حـَيـازِيـمـَك لـلـمـوت * فـإن الـمـــوتَ لاقــيـــك (1)
ولاتـجـْزَع مـن الـمـوت * إذا حـــلّ بــــواديــك»

فلمّا خرج إلى صحن الدار استقبلته (2) الأوَزُ فَصِحْنَ في وجهه ، فجعلوا يَطرُدونهنّ فقال : «دَعُوهُنَّ فإنّهنّ نَوائح» ثمّ خرج فأُصيب عليه السلام (3).


فصل

ومن الأخبار الواردة بسبب قتله وكيف جرَى الأمر في ذلك :

ما رواه جماعة من أهل السير: منهم أبو مِخْنَف لوط بن يحيى، واسماعيلُ بن راشد ، (وأبو هِشام الرِفاعيّ ) (4)، وأبو عمرو الثقفيّ ، وغيرهم ، أنّ نَفَراً من الخوارج إجتمعوا بمكة، فتذاكروا الأمراء فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم وذكروا أهلَ النهروان وتَرَحّمَوا عليهم ، فقال بعضهم لبعض : لوأنّا شَرينا أنفسَنا لله ، فأتينا أئمة الضَلال فطَلَبنا غِرَّتَهم فأرَحْنا منهم العبادَ والبلادَ ، وثَأرْنا بإخواننا للشُهداءِ بالنَهروان . فتعاهَدوا عند انقضاء الحجّ على ذلك ، فقال عبدُ الرحمن بنُ مُلْجَم : أنا أكْفِيكم
_________
(1) في هامش «ش» و «م» : آتيك .
(2) في «م» وهامش «ش» : استقبله .
(3) خصائص الأئمة : 63، إعلام الورى : 161 ، مناقب آل ابي طالب 3 : 310.
(4) في «م» وهامش «ش» : أبو هاشم الرفاعي ، وما في المتن من «ش» وهو الصواب وهو أبو هشام محمد بن يزيد بن محمد بن كثير بن رفاعة، انظر: انساب السمعاني 6 : 143، اللباب لابن الاثير 2 : 42 تهذيب التهذيب 9 : 526

( 18 )

علياً، وقال البُركْ بن عبداللّه التميميّ : أنا أكْفِيكم معاوية، وقال عَمرو بن بكر التميميّ : أنا أكْفِيكم عَمرو بن العاص ؛ (وتعاقدوا)(1) على ذلك ، (وتوافقوا)(2) عليه وعلى الوفاء واتَعَدوا لشهر رمضان في ليلة تسعَ عشرة، ثمّ تفرقوا.
فاقبل ابنُ مُلْجَم - وكان عِدادُه في كِنْدَة - حتى قَدِمَ الكوفة، فلقي بها أصحابه فكتمهم أمرهَ مخافةَ أن يَنْتَشِرمنه شيء ، فهوفي ذلك إذ زار رجلاً من أصحابه ذات يوم - من تيم الرِباب - فصادف عنده قَطام بنت الأخضر التيمية، وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنَهْروان ، وكانت من أجمل نساء زمانها، فلمّا رآها ابنُ مُلْجَم شُغِف بها واشتدّ إعجابُه بها، فسأل في نكاحها وخطبها فقالت له : ما الّذي تُسَمِّي لي من الصَداق ؟ فقال لها:احتَكِمي ما بدا لك ، فقالت له : أنا محتكمةٌ عليكَ ثلاثَة الاف درهم ، ووَصيفاً وخادماً، وقتلَ عليّ بن أبي طالب ، فقال لها : لكِ جميعُ ما سألتِ ، وأمّا قتلُ عليّ بن أبي طالب فأنّ لي بذلك ؟ فقالت : تَلْتَمِس غِرّته ، فإن أنت قتلتَه شفيتَ نفسي وهنَّأك العَيش معي ، وإن قُتِلتَ فماعند الله خير لك من الدنيا . فقال : أما والله ما أقدمني هذا المصر- وقد كنتُ هارباً منه لا امَنُ مع أهله - إلاّ ما سألتِني من قتلِ علي بن أبي طالب ، فلكِ ما سالتِ . قالت : فانا طالبةٌ لكَ بعضَ من يُساعدك على ذلك ويُقوّيك .
ثمّ بَعَثتْ إلى وَرْدان بن مُجَالِد - من تَيمْ الرِباب - فخبّرتْه الخبرَ
_________
(1) في «م» وهامش «ش» : تعاهدوا .
(2) في هامش «ش» و «م»‏ : واوثقوا . وفي «م» وتوافقوا .

( 19 )

وسألتهْ مَعُونةَ ابنَ مُلْجَم ، فتحمّل ذلك لها، وخرج ابن مُلْجَم فاتى رجلاً من أشجع يقال له : شَبيب بن بُجْرة، فقال : يا شَبيب ، هل لكَ في شرف الدنيا والآخرة؟ قالَ : وما ذاك ؟ قال : تُساعدُني على قتل عليّ بن أبي طالب . وكان شَبيب على رأي الخوارج ، فقال له : يا ابن ملجم ، هَبَلَتْك الهَبُول ، لقد جئتَ شيئاً إدّاً، وكيف تقدر على ذلك ؟ فقال له ابنُ مُلْجَم : نَكمن له في المسجد الأعظم فإذا خرج لصلاة الفجرفتكنا به ، وإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا . فلم يزل به حتى أجابه ، فأقبل معه حتى دخلا المسجد على قَطام - وهي معتكفة في المسجد الأَعظم ، قد ضربت عليها قبة - فقال لها: قد اجتمع رأيُنا على قتل هذا الرجل ، قالت لهما : فإذا أردتما ذلك فالقياني في هذا الموضع .
فانصرفا من عندها فلبثا أيّاماً ، ثمّ أتياها ومعهما الآخر ليلةَ الأربعاء لتسع عشرة ليلة خلتَ من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فدعت لهم بحرير فعصبت (1) به صدورهم ، وتقلّدوا أسيافَهم ومَضَوْا وجلسوا(2) مقابلَ السُدّة التي كان يخرُج منها أمير المؤمنين عليه السلام إلى الصلاة، وقد كانوا قبل ذلك ألقَوْا إلى الأشعَث بن قَيْس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، وواطَأهم عليه ، وحضر الأشعَثُ بن قَيسْ في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه .
وكان حُجر بن عَدِيّ - رحمة الله عليه - في تلك الليلة بائتاً في المسجد ، فسَمِع الأشعثَ يقول لابن مُلْجَم : النَجاء النَجاء لحاجتك فقد فَضَحك
_________
(1)في «م» و«خ»:فعصبوا.
(2) في «م» و «ح» وهامش «ش» : فجلسوا .

( 20 )

الصبح، فأحسّ حُجْر بما أراد الأشعث فقال له : قتلتَهُ يا أعْور. وخرج مبادراً ليمْضِي إلى أمير المؤمنين عليه السلام فيُخْبِرَه الخبر ويُحذِره من القوم ، وخالفه أمير المؤمنين عليه السلام فدخل المسجد، فسبقه ابنُ مُلْجَم فضربه بالسيف ، وأقبل حُجْر والناس يقولون : قُتِل أميرُ المؤمنين ، قُتِل أميرُالمؤمنين . وذكر محمّدُ بن عبدالله بن محمّد الأزْديّ قال : إني لاُصلّي في تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يُصَلّون في ذلك(1) الشهر من أوّله إلى اخره ، إذْ نظرتُ إلى رجال يُصَلّون قريباً من السُدّة، وخرج عليّ ابن أبي طالب عليه السلام لصلاة الفجر، فاقبل يُنادي «الصلاة الصلاة» فما أدري أنادى أم رأيتُ بَريق السيوف وسمعتُ قائلاً يقول : لله الحُكم - يا علي - لا لكَ ولا لأصحابك . وسمعتُ علياً عليه السلام يقول : «لا يَفُوتَنّكم الرجل» فإذا علي عليه السلام مضروب ، وقد ضَرَبه شَبيبُ بن بُجرَة فاخطأه ووقعت ضربتُه في الطاق ، وهَرَب القوم نحو أبواب المسَجد وتبادر الناس لأخذهم .
فأمّا شَبيب بن بُجْرة فاخذه رجل فَصَرَعه وجلس على صدره ، وأخذ السيفً من يده ليَقْتُلَه به ، فرأى الناسَ يَقْصُدُون نحوَه فخشي أن يعجلوا عليه ولا يَسْمَعوا منه ، فوَثَب عن صدره وخَلاّه وطَرَح السيفَ من يده ، ومَضى شَبيب هارباً حتّى دخل منزله ، ودخل عليه ابنُ عم له فرآه يَحُلّ الحريرَ عن صدره ، فقال له : ما هذا، لعلك قتلت أمير المؤمنين ؟ فاراد أن يقول :لا،فقال : نعم ، فمض ابنُ عمه فاشتمل على سيفه ، ثمّ دخل عليه فضربه حتّى قتله .

_________
(1) في هامش «ش» : هذا .

( 21 )

وأمّا ابنُ ملجم ،فإنّ رجلاً من هَمْدان لَحِقَه فطَرَح عليه قَطيفة(1) كانت في يده ، ثمّ صَرَعه وأخذ السيفَ من يده ، وجاء به إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ، وأفَلَت الثالث فانسلّ بين الناس .
فلمّا اُدْخِلَ ابنُ مُلْجَم على أمير المؤمنين عليه السلام نَظَر إليه ثم قال : «النفسُ بالنفس ، إن أنا مِتُ فاقْتلُوه كما قَتَلني ، وإن سَلِمْتُ رأيتُ فيه رأيي» فقال ابنُ مُلْجَم :
واللّه لقد ابتَعْتُه بالف وسَمَمْتهُ بالف ، فإن خانني فأبْعَدَه اللّه .
قال : ونادته اُمّ كلثوم : يا عدوَّ اللّه ، قتلتَ أميرَ المؤمنين عليه السلام قال : إنما قتلتُ أباك ، قالت : يا عدوَّ الله ، إنّي لأرجوأن لا يكونَ عليه بأسٌ ، قال لها : فاراكِ إنّما تَبكين علي إذأ ، واللّه لقد ضربتهُ ضربةً لو قسِمَتْ بين أهل الأرض لأهلكَتْهم .
فاُخْرِجَ من بين يَدَي أمير المؤمنين عليه السلام وإنّ الناسَ ليَنْهشون (2) لحمَه باسنانهم كأنهم سِباع ، وهم يقولون : يا عدوَّالله ، ماذا فعلت (3)!؟ أهلكتَ اُمّة محمّدٍ وقَتَلْتَ خيرَ الناس . وإنّه لصامت ما ينطق . فذُهِبَ به إلى الحبس .
وجاء الناسُ إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقالوا له : يا أمير المؤمنين مُرْنا بامرك في عدوّ الله ، فلقد أهلك الأمّة وأفسد الملّة . فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : «إن عِشْتُ رأيت فيه رأي ، وإن هَلَكْث فاصنعوا
_________
(1) القطيفة : كساء له خمل «النهاية- قطف -4 : 84».
(2) في هامش «ش»: لينهسون .
(3) في م وهامش «ش» : صنعت .

( 22 )

به (1) ما يُصْنَع بقاتل النبيّ ، اقتلوه ثمّ حَرِّقوه بعد ذلك بالنار» .
قال : فلمّا قضى أميرُ المؤمنين عليه السلام ، وفَرَغ أهلهُ من دفنه ، جَلسَ الحسنُ عليه السلام وأمرأن يؤتى بابن مُلْجَم ، فجِيء به ، فلمّا وقف بين يديه قال له : «يا عدؤَ اللّه ، قتلتَ أمير المؤمنين ، وأعظمت الفساد في الدين» ثمّ أمر به فضُرِبَتْ عنقًه ، واستَوْهَبتْ اُمّ الهَيْثم بنت الأسود النَخَعيّة جيفَتَه (2)، منه لتَتَولّى إحراقَها، فوَهَبَهَا لها فاحْرَقَتْها بالنار.
وفي أمر(3) قَطام وقتل أمير المؤمنين عليه السلام يقول الشاعر:
فلم أرمَهْراً ساقَهُ ذُو سَماحةٍ * كَمَهْرِقَطامٍ من فَصيحٍ وأعْجَم
ثلاثةِ آلافٍ وعبدٍ وقَيْنَةٍ * وضرب عليّ بالحُسام المَصَمَّم (4)
ولامهرَاً غلى من عليٍّ وإن غلا * ولا فَتْكً إلا دونَ فَتْكِ ابنِ مُلْجَم

وأما الرجلان اللذان كانا مع ابنِ ملجم لعنهم اللّه أجمعين في العقد على قتل معاوية وعمرو بن العاص ، فإنّ أحدَهما ضَرَب معاوية وهو راكع فوقعت ضربتُه في أليته ونجَا منها، فاُخِذَ وقُتِل من وقته .
وأما الآخَرُ فإنّه وافى عَمْراً في تلك الليلة وقد وَجَدَ عِلّةً فاستخلف رجلاً يصَلّي بالناس يُقال له : خارجة بن أبي حَبيبة العامِري ، فضربه
_________
(1) في «م» زيادة : مثل .
(2) في هامش «ش»: جثته .
(3) في هامش «ش» : مهر.
(4) في هامش «ش»: المسمّم .

( 23 )

بسيفه وهو يَظُن أنّه عمرو، فاُخِذ وأُتي به عَمْرو فقتله ، ومات خارجةُ في اليوم الثاني (1).



فصل

ومن الأخبار التي جاءت بموضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام
وشرح الحال في دفنه :

ما رواه عَبّاد بن يعقوب الرَواجِنّي قال : حَدَّثنا حِبان (2) بن علي العَنَزيّ قال : حَدَّثني مولىً لِعليّ بن أبي طالب عليه السلام قال : لما حَضَرَتْ أميرَ المؤمنين عليه السلام الوفاةُ قال للحسن والحسين عليهما السلام : إذا أنا متّ فاحملاني على سريري ، ثمّ أخْرِجاني واحمِلا مؤخّرَ السرير فإنّكما
_________
(1) ذكرت هذه الواقعة مقطعة في : تاريخ الطبري 5 : 143 ، مقاتل الطالبيين : 29 ، طبقات ابن سعد 3 : 35 ، انساب الاشراف 2 : 489 / 524 ، مروج الذهب 2 :411 ، الامامة والسياسة 1 : 159 ، الكامل في التاريخ 3 : 389، مناقب الخوارزمي : 380/ 401 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 311 ، ونقله العلامة المجلسي في بحار الانوار 42 : 228 / 41 .
(2) كذا في «ش» وهو أخومندل كما في هامش «ش» ، وفي «م» بخطّ حديث : حيان ، وفي «ح» : جيّان بن علي مولى لعلي بن أبي طالب وفيه سقط ، ثم إنّ في ضبط اسمه خلافأ فقط ضبطه العلامة وابن داود بالياء المنقطة تحتها نقطتين بعد الحاء «خلاصة الرجال : 64، 260 ، ايضاح الاشتباه : 97 ، رجال ابن داود :136 و 352» لكن الظاهر كونه حِبّان بالموحدة بعد الحاء المكسورة كما في غيرواحد من كتب الرجال من العامة. انظر: تبصير المنتبه : 278 ، تقريب التهذيب 1 : 147 ، الجرح والتعديل 3 : 0 27 ، المجروحين لابن حبّان 1 : 261 ، الضعفاء للعقيلي 1 : 293 ، سؤالات ابن الجنيد : 96 ، الضعفاء للنسائي : 89 ، الضعفاء للدارقطني : 301 ، الضعفاء الصغير للبخاري : 426 ، تاريخ بغداد 8 : 255 ، ميزان الاعتدال 1 : 449 ، تهذيب التهذيب 2 : 173 .

( 24 )

تُكفَيان مقدمَهُ ، ثم ائتيا بي الغريّينْ(1)، فإنّكما ستريان صخرةً بيضاء تَلْمَعُ نوراً ، فاحتفِرا فيها فإنّكما تجدان فيها ساجَةً ، فادفِناني فيها» .
قال : فلما مات أخرجناه وجعلنا نحمِل مؤَخّر السرير ونُكْفى مُقَدَّمهُ، وجعلنا نسمَع دَويّاً وحَفيفاً حتى أتينا الغَريّين ، فإذا صخرة بيضاء (تَلمَع نوراً)(2) ، فاحتفرنا فإذا ساجَة مكتوب عليها : «مما أدخر نوحٌ لعليّ بن أبي طالب» . فدفنّاه فيها، وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام الله لأمير المؤمنين عليه السلام فلَحِقَنا قومٌ من الشيعة لم يَشْهَدوا الصلاة عليه ، فاخبرناهم بما جَرى وبإكرام الله أميرَ المؤمنين عليه السلام فقالوا : نُحبّ أن نُعايِن من أمره ما عاينتم . فقلنا لهم : إنّ الموضع قد عًفي أثرهُ بوصية منه عليه السلام ، فمضوا وعادوا إلينا فقالوا أنّهم احتفروا فلم يجدوا شيئاُ(3).
وروى محمّد بن عُمارة(4) قال : حَّثني أبي ، عن جابر بن يزيد قال : سالت أبا جعفر محمَّد بنَ علي الباقر عليه السلام : أين دُفِنَ أميرُ المؤمنين
_________
(1) الغريان : بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة بناهما المنذر بن امرئ القيس. «معجم البلدان 4 : 198» .
(2) في هامش «ش» : يلمع نورها .
(3) صدره في الخرائج والجرائح 1 : 233 / ذيل الحديث 78 ، اعلام الورى: 202 ، فرحة الغري : 36 ، ونقله المجلسي في البحار 42 : 217 / ذيل الحديث19 .
(4) كذا في النسخ ولعل الصواب جعفر بن محمد بن عمارة ، وهو يروي عن أبيه عن جابر ابن يزيد الجعفي في غير واحد من الاسانيد كاسانيد كتب الصدوق ، انظر: معاني الاخبار: 21 ، 55 ، 104 ، 237 ، الخصال : 585 ، التوحيد : 242 ، وكذا يروي جعفر عن أبيه عن الصادق عليه السلام في أسانيد متكررة، نعم وردت رواية محمد بن عهارة عن أبيه عن الصادق عليه السلام في صفات الشيعة ح 69 لكنّه محرّف ، والصواب جعفر ابن محمد بن عمارة كما في البحار 8 (الطبعة القديمة) : 196 .

( 25 )

عليه السلام ؟ قال : «دُفِنَ بناحية(1) الغَرِيّنن ودُفِن قبلَ طلوع الفجر ودَخَل قبره الحسنُ والحسينُ ومحمّد بنو علي عليه السلام وعبداللّه بن جعفر رضي الله عن»(2).
وروى يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن رجاله ، قال : قيل للحسين (3) بن علي عليهما السلام : أين دَفْنتم أميرَ المؤمنين عليه السلام ؟ فقال : «خَرَجنا به ليلاً على مسجد الأشْعَث ، حتّى خَرَجنا به إلى الظَهْر بجنب الغَرِيّ ، فدفنّاه هناك»(4) .
وروى محمّد بن زَكَريّا قال : حدَّثنا عبيدالله بن محمّد بن عائشة(5)
_________
(1) في هامش «ش»: بجانب .
(2) اعلام الورى ة 202 ، فرحة الغري : 51 ، ونقله العلامه المجلسي في البحار 42 :220/ ذيل الحديث 26 .
(3) كذا في «م» وهامش «ش» والبحار وكامل الزيارات وفرحة الغري وكفاية الطالب ، وفي متن «ش» ومقاتل الطالبيين : للحسن بن علي .
(4) مقاتل الطالبيين : 42 ، كامل الزيارات : 33 ، فرحة الغري : 39 ، كفاية الطالب : 471 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 42 : 42/234 ، وقد بينت المصادر المراد من رجال ابن ابي عمير في السند وفيها اختلاف يسير فراجع .
(5) محمد بن عائشة وفوقه علامة التصحيح ولعل المراد ان «محمد عن ابن عائشة» تصحيف والصواب بدله محمد بن عائشة وكأنّ فوق «محمد» علامة الزيادة (ز. . الى) فحينئذ تصير العبارة كما اثبتناه في المتن ، وفي «م» : محمد بن عبداللّه بن محمد بن عائشة، وفي «ح» : عبيدالله عن ابن عائشة ، ونقل في البحار هذا الخبر عن فرحة الغري باسناده الى المفيد عن محمد بن زكريا عن عبدالله بن محمد بن عائشة، ثم أشار بعد ذكر الخبر انّ في الارشاد مثله ، ئم انّ الخبرمروي في فرحة الغري بطريق اخر عن عبيداللّه بن محمد بن عائشة عن عبداللّه بن حازم بن خزيمة وهذا نظيرما أثبتناه في المتن وهو أقرب في بادئ النظر من جهة انّ محمد بن زكريا الغلابي يروي عن ابن عائشة كما هو المصرّح في كتب الرجال وهو ابو عبد الرحمن عبيدالله بن محمد بن حفص العيشي المعروف بابن عائشة لانه من ولد عائشة بنت طلحة ، توفي في شهر رمضان 228 انظر:

=


( 26 )

قال : حدثني عبداللّه بن خازم (1) قال : خرجنا يوماً مع الرشيد من الكوفة نَتَصيّد، فصِرْنا إلى ناحية الغَرِيّين والثَويّة(2) ، فرأينا ظِباءً فأرسلنا عليها الصُقورة والكِلاب ، فجاوَلتها(3) ساعةً ثمّ لَجَأتِ (4) الظِباء إلى أكمةٍ فسَقَطَتْ عليها فسَقَطَتِ الصُقورةُ ناحيةً ورَجَعتِ الكِلابُ ، فعَجب (5)
_________

=

تاريخ بغداد 10 : 315 ، انساب السمعاني 9 : 106 ، ميزان الاعتدال 3 : 550 ، لسان الميزان 5: 168 ، تهذيب التهذيب 7 :45 .
هذا لكن يبعّد صحة هذه النسخة ما في متن الخبر: قال محمد بن عائشة: فكأن قلبي لم يقبل ذلك . . الخ ، فحينئذ امّا ان يلتزم بوقوع التحريف في ذيل الخبر وامّا ان يقال انّ المراد من محمد بن عائشة في الذيل هو عبيدالله بن محمد بن عاشة واطلق عليه اسم ابيه مجازاً كما في محمد بن عمر بن يزيد،. وامّا ان يقال بانْ الصواب هو محمد ابن عبيدالله بن محمد بن عائشة ولا مانع من رواية الغلابي عنه مع روايته عن ابيه عبيدالله ، والغلابي توفي بعد سنة 280 ، وعبيداللّه بن عائشة توفي سنة 228 فبين وفاتيهما اكثر من خمسين سنة فيناسب رواية الغلابي عن ابنه ايضاً، وفي لسان الميزان : قال الغلابي : حدثنا ابن عائشة عن ابيه ، فيحتمل كون المراد من ابن عائشة هو محمد ابن عبيدالله ، فلاحظ .
(1) كذا في «م» وفرحة الغري والبحاروالدلائل البرهانية، ونقله في فرحة الغري بطريق آخر عن عبيداللّه بن محمد بن عائشة قال : حدثنا عبداللّه بن حازم بن خزيمة، لكن في نسخة «ش» : خازم باعجام الخاء، وهو الصحيح ، وقد جاء ذكره في احداث خلافة المهدي والرشيد والأمين .
فقد كان على شرط المهدي سنة 167 وعزله في سنة 169 (تاريخ الطبري 8 : 164 و 189 ) .
وولاه الرشيد طبرستان ورويان سنة 180 (تاريخ الطبري 8 : 266) .
وله ذكر في احداث سنة195 في عهد الأمين (تاريخ الطبري 8 : 5 39 ، 993 ، 412. وسنة 197 (تاريخ الطبري 8 : 467)0 انظر فهرست تاريخ الطبري 10 : 306.
(2) الثوية : موضع قريب من الكوفة . «معجم البلدان 2 : 87».
(3) في هامش «ش» : فجاولناها .
(4) في «م» وهامش «ش»: التجأت.
(5) في «م» وهامش «ش»: فتعجب .

( 27 )

الرشيد من ذلك ، ثمّ إنّ الظِباء هَبطَتْ من َ الأكَمَةِ فهبَطَتْ الصُقورةُ والكِلابُ ، فرَجَعطَ الظِباء إلى الأَكمة فتراجعتْ عنها الكلاب والصُقورة ، ففعلت (1) ذلك ثَلاثا(2)، فقال الرشيد : أًرْكُضُوا ، فمن لقيتموه فأتوني به ، فأتيناه بشيخ من بني أسَد ، فقال له هارون : أخبرني ما هذه الأكمة؟ قال : إن جعلتَ لي الأمان أخبرتُك . قال : لك عهدُ اللّه وميثاقه ألاّ اهِيجَك ولا أؤذِيك . قال : حدّثني أبي عن آبائي أنّهم كانوا يقولون أنّ في هذه َ الأكَمَةِ قبرَعليّ بن أبي طالب عليه السلام ،جعله (3) الله حَرَماً لا يأوِي إليه شيءٌ إلاّ أمِن . فنزل هارون فدعا بماء وتوضّأ وصلّى عند الاكمَة وتمرَّغَ عليها وجعل يَبْكي ، ثمّ انصرفنا.
قال محمّد بن عائشة : فكأنَّ قلبي لم يقبل ذلك ، فلمّا كان بعد ذلك حججتُ إلى مكة، فرأيتُ بها ياسراً رحّال (4) الرشيد، فكان يجلس معنا إذا طُفنا ، فجرى الحديث إلى ان قال :
قال لي الرشيد ليلةً من الليالي ، وقد قَدِمنا من مكةّ فنزلنا الكوفة : يا ياسر، قل لعيسى بن جعفرفليركب ، فركبا جميعاً وركبت معهما ، حتى إذا صِرنا(5) إلى الغَرِيّن ،فامّا عيسى فطرح نفسَه فنام ، وأمّا الرشيد فجاء إلى أكمَةٍ فصلّى عندها، فكلّما صَلّى ركعتين دعا وبكى وتمرّغ
_________
(1) في «م» وهامش «ش» : ففعلن .
(2) في هامش «ش» : ملياً .
(3) في هامش «ش»: جعلها.
(4) في «م»: جمال .
(5) في هامش «ش» : صارا .

( 28 )

على الأكَمَةِ ، ثم يقول : يا عمّ (1) أنا والله أعْرِف فضلَك وسابقتَك ، وبك والله جلستُ مجلسي الذي (أنا فيه )(2)، وأنت أنت ، ولكنَّ ولدَك يؤذونني ويخرُجون عليّ . ثمّ يقوم فيُصلّي ثم يعيد هذا الكلام ويدعو ويبكي، حتّى إذا كان في وقت السحر قال لي : يا ياسر، أقِمْ عيسى، فأقمته فقال له : يا عيسى، قم صَلِّ عند قبر ابن عمّك. قال له : وأيًّ عُمومتي هذا؟ قال : هذا قبرُ عليّ بن أبي طالب ، فتوضّأ عيسى وقام يُصلّي ، فلم يَزالا كذلك حتّى طلع الفجر، فقلت : يا أمير المؤمنين أدركَك الصبحُ . فركِبنا ورَجَعنا إلى الكوفة(3).


* * *

_________
(1) في «م» وهامش «ش»: يا بن عم .
(2) في هامش «ش» : أنا به .
(3) فرحة الغري : 119، والخرائج والجرائح 1 : 234 / ذيل الحديث 78 قطعة منه ، الدلائل البرهانية المطبوع في الغارات 2 / 826 ونقله العلامة المجلسي في البحار 42 : 331 ذيل ح 16.