باب
طرف من أخبار أمير المؤمنين عليه السلام

وفضائله ومناقبه ، والمحفوظ من كلامه وحِكمه ومواعظه ،
والمرويّ من معجزاته وقضاياه وبيّناته :
فمن ذلك ما جاءت به الأخبار في تقدّم إيمانه باللّه ورسوله عليه السلام وسبقهِ به كافَةَ المكلفين من الأنام .
أخبرني أبو الجَيْش المظفّر بن محمّد البَلْخي قال : أخبرنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن أبي الثَلْج قال : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن القاسمِ البرتي (1) قال : حدَّثنا عبدُ الرحمن بن صالح الأزْدي قال : حدّثنا سعيد بن خُثَيْم قال : حدّثني أسَد بن (عبداللّه )(2)، عن يحيى بن عَفيف (3)، عن أبيه قال :
_________
(1) في «م» بخط حديث و«ش» : البرقي وفي هامش «ش» : البرتي وكأن فوقه علامة التصحيح - وقد يأتي في السندين الآتيين اسمه أيضاً وفي «م» و«ش» كليهما : البرتي - فان الظاهر أنّه أحمد ابن القاسم بن محمد بن سليمان أبو الحسن الطائي البرتي ، وقد ترجم له في تاريخ بغداد 4 : 350 وذكر وفاته في سنة 296 ، ثم إنْ في هامش «ش» برْت : قرية بالعراق على القاطول خربة . وفي معجم البلدان ا : 372 : هي بليدة في سواد بغداد قريبة من المزرَفَة هـ وفي انساب السمعاني 2 : 127 : هي مدينة بنواحي بغداد.
(2) في «ش» و «ح» : اسد بن عبيدة، وفي هامش «ش» : هو اسد بن عبيدة كذا هوفي كتاب ابن مردويه ، والظاهر ان الصواب ما اثبتناه، وهو اسد بن عبدالله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبقري البجلي القسري ، ابوعبدالله ، ويقال : ابو المنذر، ولاه اخوه خالد ابن عبدالله القسري على خراسان سنة 108 هـ، روى عن ابيه وعن يحيى بن عفيف وعنه سعيد بن خثيم وسالم بن قتيبة الباهلي ، توفي سنة 120 س ، انظر «تهذيب الكمال 2 : 504 / 399، ميزان الاعتدال 1 : 206 / 812 و4: 9589/396».
(3) في هامش «ش»: هوعفيف بن قيس .

( 30 )

كنتُ جالساً مع العبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنه بمكّة قبل أن يظهرَأمرُ النبي صلّى اللّه عليه وآله فجاء شابّ فنَظَرإلى السماء حين تحلّقتِ (1) الشمسُ ، ثمّ استقبلَ الكعبةَ فقام يُصلّي ، ثمّ جاء غلامٌ فقام عن يمينه ، ثمّ جاءت امرأةٌ فقامت خلفهما، فرَكَع الشابًّ فرَكَع الغلامُ والمرأة، ثمّ رَفَع الشابًّ فرفعا، ثمّ سَجَدَ الشابُّ فسجدا، فقلت : يا عبّاس ، أمر عظيم .فقال العبّاسُ : أمر عظيم ، أتَدْري مَنْ هذا الشابّ ؟ هذا محمّد بن عبداللّه - ابن أخي - أتدري من هذا الغلام ؟ هذا عليّ بن أبي طالب - ابنُ أخي - أتَدْري مَنْ هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد. إنّ ابن أخي هذا حدّثني أنّ ربَّه - ربُّ السموات والأرض - أمَرَه بهذا الدين الذي هوعليه ، ولا واللّه ما على ظَهْر الأرض على هذا الدين غيرُهؤلاء الثلاثة(2).
أخبرني أبوحَفْص عُمَر بن محمّد الصيرفي قال :حدثنا محمّد بن أحمد بن أبي الثَلْج ، عن أحمد بن القاسم البرتي ، عن أبي صالح سَهْل بن صالح - وكان قد جاز مائة سنة - قال : سمعتُ أبا المعمّر عبّاد بن عبد الصمد قال : سمعتُ أنَسَ بن مالك يقول : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله :«صَلّتِ الملائكة عليَّ وعَلى عليٍّ سبعَ سنين» وذلك أنه لم يُرْفَع إلى
_________
(1) في هامش «ش» و «م» : تحلقت : ارتفعت .
(2) تاريخ الطبري 2 : 311، كنز الفوائد 1 : 262 ، مصباح الانوار: 75، كفاية الطالب : 128، مناقب الخوارزمي :55 / 21 ، وورد باختلاف يسير في مسند أحمد 1 : 209، الضعفاء الكبير للعقيلي 1 : 27 وهامشه ، المستدرك على الصحيحين 3 : 183، الاصابة 2 : 487 ، الاستيعاب 3 : 32 ، مناقب ابن شهر آشوب 2 :18، الكامل في التاريخ 2 : 57 ، اعلام الورى : 49 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 38 : 244/ ذح 40.

( 31 )

السماء شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله إلاّّ منّي ومن عليّ» (1).
وبهذا الاسناد عن أحمد بن القاسم البرتي قال : حدّثنا إسحاق قال : حدّثنا نوح بن قَيْس قال : حدّثنا سليمان بن عليّ الهاشمي -أبوفاطمة - قال . سمعت مُعاذة العَدَوية تقول : سمعتُ علياً عليه السلام على منبرالبصرة يقول : "أنا الصدّيق الأكبر، آمنتُ قبل أن يؤُمِنَ أبو بكر، واسلمتُ قبل ان يسلم»(2).
أخبرني أبو نَصْر محمّد بن الحسين الُمقرِئ البصير (السِيرَواني )(3) قال : حدَّثنا أبو بكر محمّد بن أبي الثَلجْ قال : حدَّثنا أبو محمّد النَوْفَلي ، عن محمّد بن عبد الحميد، عن عمروبن عبد الغفّار الفُقَيْمي قال : أخبرني إبراهيم بن حَيّان ، عن أبي عبدالله - مولى بني هاشم - عن أبي سُخَيْلة قال : خرجت أنا وعمارحاجّين ، فنزلنا عند أبي ذرّ فأقَمْنا عنده ثلاثةَ أيام ، فلمّا دنا منّا الخُفوف (4) قلت له : يا أباذرّ،إنّا لا نَراه إلاّّ وقد دنا الاختلاط من الناس ، فما ترى؟ قال : اِلزَمْ كتابَ الله وعليَّ بن أبي طالب ، فأشْهَدُ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أنَه قال : «عليّ أوّلُ من
_________
(1) الفصول المختارة : 215 ، مصباح الانوار:75، مناقب ابن المغازلي : 14 ، إعلام الورى : 185 ، مناقب الخوارزمي : 17/53 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 38: 226 / 31.
(2) الفصول المختارة : 210 ، أنساب الاشراف 2 : 146، كنز الفوائد 1 : 265 ، مناقب ابن شهر آشوب2 : 4 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 38 : 226 / 32 .
(3) في «ح» : الشيرواني باعجام الشين ويحتمل صحة كليهما بان يكون السيرواني تعريباً للشيرواني ، فقد يعبر باسمه الاصلي وقد يعبرباسمه المعرَب .
(4) خفّ القوم : ارتحلوا «القاموس المحيط - خفف - 3 : 136» .

( 32 )

آمن بي ، وأوّلُ من يُصافحني يومَ القيامة ، وهو الصِدِّيق الأكبر، والفاروق بينَ الحقّ والباطل ، وإنّه يَعْسُوب (1) المؤمنين ، والمال يَعْسُوب الظَلَمة"(2).
قال الشيخ المفيد(3) : والأخبار في هذا المعنى كثيرة، وشواهدها جَمَّة ، فمن ذلك : قول خُزَيمة بن ثابت الأنصاري ذي الشهادتين - رحمة اللّه عليه - فيما أخبَرني به أبو عبيداللّه محمّد بن عِمْران المَرزْبانيّ ، عن محمّد بن العبّاس قال : أنشدنا محمّد بن يزيد النحوي ، عن ابن عائشة لخُزَيمة بن ثابت الأنصاري رضي اللّه عنه :

ما كـــــنتً أحسبُ (هذا الأمرَمُنْصَرِفاً) (4) *عــــــن هاشم ثـــم منها عن أبي حسن
ألـــــــــيـس أوّلَ مــــَنْ صــــلّــى لِقِـــــبْلَتهم * وأعرفَ الناسِ بالاثـــــار(5) والسُنَن
واخِــــرَ الــنـــاس عَـهـــْداً بـــالـنــبــيّ ومَنْ * جبريلُ عَوْنٌ له فـــــي الغَسْل والكَفَن
مَنْ فيه مــــا فـــيـــــــــهمُ لايـَـمــْـــترون به * وليس في الـقــــــوم مافيه مِنَ الحَسَن
مــــــاذا الذي رَدَّكــــــم عـــــنــه فنَعْلَمه (6)*ها إنَ بَيْعَتَكم من (أغبن الغَبَن )(7)(8)


_________
(1) اليعسوب : الرئيس الكبير، «القاموس - عسب - 1 : 104».
(2) أنساب الاشراف 2 : 118 ، امالي الصدوق : 171 / 5 ، امالي الطوسي 1 : 147 ، اختيار معرفة الرجال 1 : 113 / 51 ، مناقب ابن شهر آشوب 2 : 315، اليقين : 200 ، باختلاف يسير، ونقله العلامة المجلسي في البحار 38 : 210 ذيل ح 10.
(3) في «م» زيادة : أدام تاييده .
(4) في «م» وهامش «ش» : ان الامر منصرف .
(5) في هامش «ش» : بالآيات .
(6) في هامش «م» : لنعلمه .
(7) في هامش «ش» و«م» : أول الفتن .
(8) رواه سليم بن قيس في كتابه : 78، والأربلي في كشف الغمة 1 : 67، وفيهما : عن العباس ، وفي تاريخ اليعقوبي 2 : 124 عن عتبة بن أبي لهب ، والجمل : 58 ، عن عبدالله بن ابي سفيان

=


( 33 )

فصل
ومن ذلك ما جاء في فضله عليه السلام على الكافّة في العلم :

أخبَرني أبو الحسن محمّد بن جعفر التَميمي النَحْوي قال : حدّثنا محمّد بن القاسم المُحارِبي البَزّاز قال : حدَّثنا هِشام بن يونس النَهْشَلي قال : حدّثنا عائذُ بن حَبيب ، عن أبي الصباح الكِناني ، عن محمّد بن عبد الرحمن السُلَمي ، عن أبيه ، عن عِكْرِمَة، عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللة صلّى الله عليه وآله : «عليُّ بن أبي طالب أعلمُ اُمّتي ، وأقضاهم فيما اختلفوا فيه من بعدي»(1).
أخبرني أبو بكر محمد بن عُمَر الجعابيّ قال : حدّثنا أحمد بن عيسى أبو جعفر العِجْلي قال : حدَّثنا إسماعيل بن عبدالله بن خالد قال : حدَثنا عبيداللّه ابن عمرو الرقيّ (2) قال : حدَّثنا عبدالله بن محمّد بن عَقيل ، عن حمزة بن أبي سعيد الخُدْري (3) ، عن أبيه قال : سمعتُ رسولَ الله صلّى اللّه عليه وآله يقول : «أنا مدينة العلم وعلي بابُها، فمن أراد العلمَ فليقتبسه مِنْ علي» (4).
أخبَرني أبو بكر محمّد بن عُمَر الجِعابي قال : حدَّثنا يوسف بن
_________

=

ابن الحارث بن عبد المطلب ، والفصول المختارة : 216 عن ربيعة بن الحارث ، وكنز الفوائد 1 : 267 عن سفيان بن الحارث بن عبد المطلب .
(1) أمالي الصدوق : 7 39 /6 ،ونقله العلامة المجلسي في البحار 40 : 143 / 49 .
(2) ليس في متن «ش» و«م» و«ح» كلمة الرقي ، وانما اضيفت في هامش «ش» و« م» تصحيحاً .
(3) في «ش»: عن حمزة، عن ابي سعيد الخدري .
(4) نقله العلامة المجلسي في البحار 40 : 7 / 202.

( 34 )

الحَكَم الحنّاط قال : حدَّثنا داود بن رُشَيْد قال : حدَّثنا سَلمَة بن صالح الأحمر، عن عبد المَلِك بن عبد الرحمن ، عن الأشْعَث بن طَليقٍ قال : سمعتُ الحسنَ العُرَني يُحدِّث عن مُرّةٍ ، عن عبدالله بن مسعود قال : استدعى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله علياً فخلا به ، فلمّا خَرَج إلينا سألناه ما الذي عَهِدَ اليك ؟ فقال : «علّمني ألفَ باب من العلم ، فَتَحَ لي كلًّ بابٍ ألفَ باب»(1).
أخبرني أبو الحسين محمّد بن المُظَفّر البَزّاز(2) قال : حدَّثنا أبو مالك كثير بن يحيى قال : حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن أبي السَرِيّ قال: حدَّثنا أحمد ابن عبداللّه بن يونس ، عن سعدٍ الكناني ، عن الأصْبَغ بن نُباتة قال : لما بويع أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة خرج إلى المسجد مُعْتَمّاً بعِمامة رسولِ اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، لابِساً بُرْدَيه (3)، فصَعِد المِنْبَر فحمد اللّه وأثنى عليه ووَعَظ وأنذر، ثمّ جلس مُتَمكِّناً وشَبَّك بين
_________
(1) اعلام الورى : 165 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 40 : 144 / 50 .
(2) في متن «ش» و«م» : أبوبكر ، وفي «ح» : أبو الجيش وقد صحح أبو بكر بأبي الحسين في هامش «ش» و «م» وقد جعل على أبي بكر في «ش» علامة الزيادة، وكتب في هامشها معلماً بعلامة (س) ووجدت في نسخة منقوِلة ممّا قرئ على الشيخ : أبو الحسين محمد بن المظفر البزاز في عدة مواضع فهو الصحيح ، وأيضاَ كتب في هامشها : أبو الحسين الحافظ البغدادي وكان معاصراً للدارقطني ويعرف أبو الحسين بالبزاز الاشهب وهو محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى ، انتهى.
وتوجد هذه الحاشية في هامش «م» أيضاً لكن محي اكثره .
وعلى أي حال أبو الحسين البزاز مترجم في تاريخ بغداد 2 / 262 وذكر ولادته سنة 286 ووفاته سنة 379 وقال : حدثني أبو بكر البرقاني قال : كتب الدارقطني عن ابن المظفر ألف حديث ، والف حديث ، والف حديث ، فعدّد ذلك مرّات .
(3) في هامش «ش» : بردته .

( 35 )

أصابعه ووَضَعَها أسفل سُرته (1)، ثمّ قال :
«يا مَعْشَر الناس ، سَلوُني قبل أن تفقدوني ، سلوني فإنّ عندي علمَ الأوّلين والآخِرين . أما - واللّه - لو ثُنيَ لي الوِساد(2)، لحكمتُ بينَ أهلِ التوراة بتَوْراتهم ، وبينَ أهلِ الإنجيل بإنجيلهم ، وأهل الزَبور بزَبورهم ، وأهل القرآن بقرآنهم ، حتى يَزْهَرَ(3) كل كتاب من هذه الكُتُب ويقول : يا ربّ إنّ عليّاً قَضى بقضائك . واللّه إنّي أعْلَمُ بالقران وتأوِيله من كلّ مُدعٍ علْمَه ، ولولا آيةٌ في كتاب اللّه لأخْبَرْتُكم بما يكون إلى يوم القيامة» - ثمّ قال - : «سلوني قبل أن تَفْقِدُوني ، فوالّذي فَلَق الحبّة وبَرَأ النَسَمة، لو سألتموني عن آية آية، لأخبرتُكم بوقت نزولها وفي مَنْ (4) نَزَلَتْ ، وأنبأتًكم بناسخها من منسوخها، وخاصِّها من عامّها، ومُحْكَمها من متَشابهها ، ومكيّها من مدنيّها . والله ما فئةٌ (تُضَلّ أو تُهْدى)(5) إلاّ وأنا أعرف قائدَها وسائقها وناعقَها إلى يوم القيامة»(6).
في أمثال هذه الأخبار ممّا يطول به الكتاب .

_________
(1) في «م» : بطنه .
(2) في هامش «ش» و«م» : الوسادة .
(3) في هامش «ش» و«م» : ينطق .
(4) في «م» وهامش «ش» : وفيم .
(5) في «م» وهامش «ش» : تَضِل أو تَهدِي .
(6) التوحيد : 304 ، امالي الصدوق : 280 ، الاختصاص :235 ، مناقب ابن شهر آشوب 2 : 38 باختلاف يسير ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 40 : 144 / 51.

( 36 )

فصل
ومن ذلك ماجاء في فضله عليه السلام :

أخبرني أبو الحسين محمّد بن المُظَفّر البَزّاز قال : حدَّثنا عُمَر بن عبداللّه ابن عِمْران قال : حدَّثنا أحمد بن بَشير قال : حدَّثنا عبيدالله بن موسى، (عن قَيْس ، عن أبي هارون ) (1) قال : أتيت أبا سعيد الخدْري رحمه اللّه فقلت : هل شَهِدْتَ بَدْراً؟ فقال : نعم . قال : سَمِعتُ رسولَ اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول لفاطمةَ وقد جاءَتْه ذاتَ يوم تبكي وتقول : «يا رسولَ الله عَيّرتْني نساءُ قُريش بفقر عليّ . فقال لها النبي صلّى اللّه عليه وآله : أما ترضَيْن يافاطمة - أني زوّجتُك أقدمَهم سِلْماً، وأكثرَهم علماً، إنّ اللّه اطَّلع إلى اهل الأرض اطلاعةً فاختارمنهم أباك فجعله نبيّاً ، واطّلع إليهم ثانيةً فاختارمنهم بَعْلَك فجعله وصيّاً، وأوحى إليَّ أن (أًنكحَكِ إيّاه )(2). أما عَلِمْتِ يا فاطمة أنّك بكرامة اللّه إياك زوّجْتُكِ (3)أعظمَهم حلماً، وأكثرهَم علماً، وأقدمَهم سِلماً».
فضَحِكتْ فاطمة عليها السلام واستبشرتْ ، فقال لها رسولُ الله صلّى
_________
(1) كذا في «ش» و «م» وفي هامش «ش» : قيس بن أبي هارون (ج) ، وقد جعل فوق قيس عن أبي هارون في المتن علامة التصحيح مرتين ، وفي هامش «ح» و«م» : هو قيس بن الربيع كوفي كثير الرواية عن أبي هارون العبدي وهوتابعي. روى عن أبي سعيد، ثم إنّ في نسخة «ح» : عبيدالله بن موسى عن قيس أبي هارون .
(2) في هامش «ش»: انكحكه هو.
(3) في «م» و«ح» : زوّجك.

( 37 )

اللّه عليه واله : «يافاطمة ، إنّ لعليٍّ ثمانيةَ أضراس قواطِعَ لم تجعل لأحدٍ من الأوّلين والآخرين : هو أخي في الدنيا والآخرة ليس ذلك لغيره من الناس ، وأنت - يا فاطمة - سيّدةُ نساء أهل الجنة زوجتُه ، وسِبْطا الرحمة سبطاي ولده (1)، وأخوُه المُزَيّن بالجَناحين فِى الجنّة يَطير مع الملائكة حيث يشاء، وعنده علمُ الأوّلين والاخرين ، وهو أوّلُ من آمن بي واخِرُ الناس عهداً بي ، وهو وصيّي ووارثُ الأوصياء(2)» (3).
قال الشيخ المفيد: وجدتُ في كتاب أبي جعفر محمّد بن العبّاس الرازي : حدَّثنا محمّد بن خالد قال: حدَّثنا إبرهيم بن عبداللّه قال : حدَّثنا محمّد ابن سليمان الديلمي ، عن جابر بن يزيد الجُعفىِ ، عن عَدِيّ بن حَكِيم عن عبدالله بن العبّاس قال : قال : لنا أهل البيت سبعُ خِصالٍ ، ما منهنّ خصْلةٌ في الناس : منّا النبي صلّى الله عليه وآله ، ومنّا الوصيّ خيرُ الأمّة بعده عليّ بن أبي طالب ، ومنّا حمزةُ أسد اللّه وأسدُ رسوله وسيّد الشهداء، ومنّا جعفرُ بن أبي طالب المُزَيّن بالجَناحين يَطير بهما في الجنّة حيث يشاء، ومنّا سِبْطا هذه الأمّة وسَيّدا شَباب أهل الجنة الحسن والحسين ، ومنّا قائمُ آل محمّد الذي أكرم اللّه به نبيّه ، ومنّا المنصور(4).

_________
(1) في هامش «ش» و «م» : ولداه .
(2) في هامش «ش» : الوصيين .
(3) اشار الى قطعة منه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 101 ، ونقله الطبرسي في إعلام الورى : 164، والعلامة المجلسي في البحار40 : 17 / 34 .
(4) ورد نحوه في الخصال : 320 ومصباح الأنوار: 158 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 37 : 48 / 25 وقال (ره) :«لعل المراد بالمنصور ايضأ القائم عليه السلام بقرينة ان بالقائم يتم السبع ويحتمل ان يكون المراد به الحسين عليه السلام فانه منصور في الرجعة» وفسّره في هامش (م ) : «اَيْ ونحن المنصورون لانا جند الله قال اللّه تعالى : (وانهم لهم المنصورون) .

( 38 )

وروى محمّد بن أَيْمَن (1)، عن أبي حازِم - مولى ابنِ عبّاس - عن ابن عباس قال : قال رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله لعليّ بن أبي طالب عليه السلام : «يا عليّ ، إنّك تُخاصَم فتَخْصِمُ بسبع خصالٍ ليس لأحد مثلهن : انت أوّلُ المؤمنين معي إيماناً ، وأعظمهُم جهاداً ، وأعلمُهم بآيات (2) اللّه ، وأوفاهم بعهدِ الله ، وأرأفهُم بالرعية ، وأقسمُهم بالسويّة ، وأعظمهُم عند اللّه مزية»(3).
في أمثال هذه الأخبار ومعانيها ، ممّا هي أشهر عند الخاصّة والعامّة من أن يحتاجَ فيها إلى إطالة خُطَب(4) . ولو لم يكن منها إلاّ ما انتَشَر ذكرُه ، واشتهرت الرواية به من حديث الطائر، وقول النبي صلّى اللّه عليه واله : «اللهَم ائتني بأحبّ خلقك إليك ، يأكُل معي من هذا الطائر»(5) فجاء أميرُ المؤمنين عليه السلام لكفى ، إذ كان أحب الخلق إلى اللّه تعالى ، وأعظمَهم ثواباً عنده ، وأكثرَهم قُرباً إليه ، وأفضلهم عملاً له .
وفي قول جابر بن عبداللّه الأنصاري ، وقد سُئل عن أمير المؤمنين
_________
(1) في هامش نسخة «ش» : وهو محمد بن اسحاق بن يسار، وقبره ببغداد ولعل كلمة (أيمن) كانت قد صحفت : باسحاق ، فهذه الحاشية تفسير لتلك العبارة المصحفة ولذلك جعل على كلمة (ايمن ) علامة التصحيح .
(2) في «م» وهامش «ش» : بأيام .
(3) رواه عماد الدين الطبري في بشارة المصطفى : 271 ، وورد باختلاف في الفاظه في الخصال : 363/ 54 ، ومصباح الانوار:115 ، وكفاية الطالب : 270 عن معاذ بن جبل ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 40 : 17 /35 .
(4) في هامش «ش»: شرح.
(5) حديث الطائر من الاحاديث المشهورة التي جاوزت اسانيدها المئات والتي افردت بالتأليف من قبل جماعة من الحفاظ من كلا الفريقين ، انظر على سبيل المثال مجلد حديث الطيرمن كتاب عبقات الانوار.

( 39 )

عليه السلام فقال : «ذاك خيرُ البَشرَ، لا يَشُعكّ فيه إلاّ كافر»(1) حجةٌ واضحة فيما قدّمناه ،وقد أسْنَد ذلك جابرٌ في رواية جاءت بأسانيد متّصلة معروفة عند أهل النقل(2).
والأدلّةُ على أنّ أميرَ المؤمنين عليه السلام أفضلُ الناس بعد رسول اللّه صلّى الله عليه وآله متناصرةٌ ، لو قَصَدنا إلى إثباتها(3) لأفردنا لها كتاباً، وفيما رَسَمناه من الخبر بذلك مُقنع فيما قصدناه من الاختصار، ووضعِه فِى مكانه من هذا الكتاب .


فصل
ومن ذلك ماجاء من الخبربأنّ
محّبته عليه السلام عَلَمٌ على الإيمان وبغضه عَلَم على النفاق :

حدَّثنا أبو بكر محمّد بن عُمَر المعروف بابن الجِعابي الحافظ قال : حدَّثنا محمد بن سَهْل بن الحسن قال : حدثنا أحمد بن عُمَر الدِهْقان قال : حدَّثنا محمد بن كثيرقال : حدَّثنا إسماعيل بن مُسْلِم قال : حدَّثنا الأعْمَش ، عن عَدِيّ بن ثابت ، عن زِرّ بن حُبَيْش قال : رأيتُ أميرَ المؤمنين
_________
(1) امالي الصدوق : 71 / 7 ، مصباح الانوار : 125 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 67 ، كفاية الطالب : 246 وفيه عن عائشة .
(2) انظر على سبيل المثال انساب الاشراف 2 : 113 / 50 ، تاريخ بغداد 7 : 421 ، تاريخ دمشق - ترجمة الامام علي عليه السلام - 2 : 958/445 - 962، اللآلي 1 : 328، منتخب كنزالعمال 5 : 35.
(3) في «م» : انتهائها.

( 40 )

علي بن أبي طالب عليه السلام على المنبر، فسَمِعته يقول : «والذي فَلَق الحبة َوبرأ النَسَمة، إنّه لعهد النبي صلّى اللّه عليه وآله إليّ أنّه لا يُحبُّك إلاّ مؤمن ولا يُبْغِضُك إلاّ منافقٌ»(1).
أخبرني أبو عبيداللّه محمّد بن عمران المرَزباني قال : حدَّثنا عبدالله بن محمّد بن عبد العزيز البَغَوِيّ قال : حدَّثنا عبيداللّه بن عُمَر القَوارِيري قال : حدَّثنا جعفر بن سُليمان قال : حدَّثنا النَضْر بن حُمَيد، عن أبي الجارُود، عن الحارث الهَمْداني قال :رأيتُ علياً عليه السلام جاء حتّى صَعِد المِنْبَر، فحَمد اللّه وأثنى عليه ثمِّ قال : «قضاءٌ قضاه اللّه عزّوجلّ على لسان النبي(2) الاميّ صلّى اللّه عليه واله أنّه لا يُحبّني إلاّ مؤمنٌ ، ولا يُبْغضني إلاّ منافق ، وقد خاب مَن افترى»(3).
أخبرني أبو الحسين محمّد بن المظفَّر البَزّاز، قال : حدَّثنا محمّد بن يحيى ، قال : حدَّثنا محمّد بن موسى البَرلَري ، قال : حدَّثنا خَلَف بن سالم ، قال : حدَّثنا وكيع ، قال : حدَّثنا الأعْمَش ، عن عديّ بن ثابِت ، عن زِرّ بن حُبَيش ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : «عَهِدَ إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله :إنّه لا يُحَّبك إلاّ مؤمنٌ ، ولا يُبْغِضُك إلاّ منافق»(4).

_________
(1) صحيح مسلم 1 :86 / 131، سنن الترمذي 5: 906 / 3819، خصائص النسائي : 5/83 9 ، كنز الفوائد 2 : 83، مناقب آل ابي طالب 3 : 206 ، بشارة المصطفى : 64 و76 ، كفاية الطالب : 68 ، فتح الباري 7 : 57 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 9 : 255 /28 .
(2) في هامش «ش « و«م»: نبيّكم .
(3) مسند أبي يعلى الموصلي 1 : 7 34، وكنز الفوائد 2 : 84 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 39 : 255 / 29 .
(4) مسند أحمد بن حنبل 1 : 95، سنن ابن ماجة 1 : 4 / 114، سنن النسائي 8 :

=


( 41 )


فصل
ومن ذلك ما جاء في أنّه عليه السلام وشيعتُه هم الفائزون :

أخبرني أبوعبَيدالله محمّد بن عمران المرزباني ، قال : حدَّثني عليّ بن محمّد بن عُبَيد الحافظ (1) قال : حدَّثنا عليّ بن الحسين بن عُبَيد الكوفي قال : حدَّثنا إسماعيل بن أبان ، عن سَعد بن طالب (2)، عن جابر بن يزيد، عن محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام قال : «سُئِلتْ أمُّ سَلَمة زوجُ النبي صلّى اللّه عليه وآله عن علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت : سَمِعْتُ رسولَ اللّه صلّى اللّه عليه واله يقول : إنّ علياً وشيعتَه هم
_________

=

171 ، خصائص النسائي : 96/83، 97 تاريخ بغداد 2 : 255 و 14 : 426 ، الاستيعاب 3 : 37 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 6 0 2 ، بشارة المصطفى : 148 ، ونقله العلامة المجلسي في بحار الانوار 39 :255/ 30 .
(1) في النسخ : علي بن عمر بن عبيدالله الحافظ لكن يأتي سند مشابه عن قريب وكان فيه في نسختي «ش» و«م» عبيدالله فصحح في الهامش بعبيد ، بل صرح في هامش «م» بانه عبيد لا غير، وفي «ح» هناك عبيد من دون تردد والظاهر غفلة النساخ من تصحيح عبارة السند هنا ولذلك صححناه فان الظاهر كونه علي بن محمد بن عبيد اللة بن عبداللّه الحافظ البزاز مات في شوال سنة ثلاثين وثلاث مائة ، وله ثمان وسبعون سنة . انظر «تاريخ بغداد 12 : 73، تذكرة الحفاظ 3 : 836 ، العبر 2 : 37 ، طبقات الحفاظ : 8 4 3/ 786» .
(2) في هامش «ش»: لعله سعد بن طريف ، وفي هامش «م» : في نسخة : سعد بن طريف وكأن فوق العبارة في هامش «ش» علامة الزيادة، ولعلّ متن «ش» كان في الاصل سعد عن طالب ولذلك فسّر سعد في الهامش مما فسّر، ثم صحح عبارة المتن فحذف ما في الهامش ، وامّا ناسخ نسخة «م» فاخذ هذه العبارة وظنها نسخة، ثم ان في هامش «ش» ينقل عن نسخة : سعيد.

( 42 )

الفائزون»(1).
أخبرني أبوعبيد الله محمّد بن عِمران قال : حدَّثني أحمد بن محمّد الجَوْهري قال : حدّثَني محمّد بن هارون بن عيسى الهاشمي قال : حدَّثنا تمَيم بن محمَّد بن العلاءِ : قال : حدَّثنا عبد الرزاق قال : اخبرنا يحيى بن العلاء، عن سعد بن طَريف ، عن الأَصبغ بن نُباتة، عن علي عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله :إن للّه تعالى قضيباً من ياقوت أحمَر لا يناله إلاّ نحن وشيعتنا ، وسائر الناس منه بريئون»(2).
أخبرنا أبو عُبَيدالله قال : حدَّثني عليّ بن محمّد بن عُبَيد الحافظ قال : حدَّثنا علي بن الحسين بن عُبَيد الكوفي قال : حدَّثنا إسماعيل بن أبان ، عن عمرو بن حُرَيث ، عن داود بن السُليك (3)، عن أنَس بن مالك قال : قال رسولُ الله صلّى الله عليه واله :«يدْخُل الجنةَ من اُمّتي سبعون ألفاً لا حسابَ عليهم ولا عَذاب ، قال : ثمّ التفتَ إلى علي عليه السلام فقال : هم شيعتُك وأنت إمامُهم»(4).

_________
(1) تاريخ دمشق - ترجمة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام - 2 : 348 / 851، ونقله العلامة المجلسي في البحار 68 : 31 / 64 .
(2) نقله العلامة المجلسي في البحار 68 : 51 / 63.
(3) في هامش «ش» و«م» : كذا كان فيما قرئ على الشيخ ، وفي هامش آخرلـ«ش» عن نسخة : السليل ، وكذلك في متن «ح» وهامش «م» ولكن صححه وذكر نسخة اخرى : السكيك . والمذكور في كتب الرجال : داود بن سليك - بدون اللام - السعدى . انظر: تاريخ البخاري 3 : 242 ، الجرح والتعديل 3 :415، تهذيب التهذيب 3 : 186 .
(4) مناقب ابن المغازلي : 293 ، مصباح الأنوار: 138 ، إعلام الورى : 165 ، بشارة المصطفى : 163 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 68 : 31 / 66 .