يلائم إيثارَ النبي صلّى اللّه عليه وآله وكان بيمنه ورِفقه وحُسن تدبيره ، وخلوصِ نيّته في طاعة الله. هدايةُ من اهتدى بهداه (1) من الناس ، واجابةُ من أجاب إِلى الإسلام ، وعِمارةُ الدين ، وقوّةُ الإيمان ، وبلوغُ النبي صلّى الئهُ عليهِ والهِ ممّا آثره (من المراد)(2) وانتظام الأمر فيه على ما قَرّت به عينُه ، وظَهَرَ استبشارهُ به وسرورُه بتمامه لكافّة أهل الإسلام .
وقد ثبت أنّ الطاعة تتعاظم بتعاظم النفع بها ، كما تَعْظُم المعصية بتعاظم الضرر بها ، ولذلك صارت الأنبياءُ عليهم السلام أعظمُ الخلق ثواباً ، لتعاظم النفع بدعوتهم على سائر المنافع بأعمال من سواهم .


فصل

ومثلُ ذلك ما كان في يوم خَيْبَرمن انهزام من انهزم ، وقد أُهّل لجليل المَقام بحمل الراية ، فكان بانهزامه من الفَساد ما لا خفاء به على الألبّاء، ثمّ أعْطَى صاحبَه الرايةَ بعده ، فكان من انهزامه مثلُ الذي سَلَفَ من الأوّل ، وخيفَ في (3) ذلك على الإسلام وشأنَهُ ما كان من الرجلين في الانهزام ، فاكبر ذلك رسولُ الله صلّى الله عليه واله وأظْهَرَ
_________
(1) في «م» : بهديه .
(2) في هامش «ش» و «م» : المراد .
(3) في «م» : من .

( 64 )

النكيرَله والمساءةَ به ، ثمّ قال مُعلناً: «لأعطِينّ الرايةَ غداً رجلاً يُحِبُّه الله ورسولُه ، ويحِبّ اللّه ورسولَه ، كَرّاراً غيرَ فرّار، لا يرجِع حتى يَفْتَحَ اللّه على يديه».
فأعطاها أميرَ المؤمنين عليه السلام فكان الفتحُ على يديه (1) .
ودلَّ فحوى كلامِه عليه السلام على خروج الفرّارين من الصفة التي أوجبها لأمير المؤمنين عليه السلام كما خرجا بالفرار من صفة الكَرّ والثبوتِ للقتال ، وفي تلافي أمير المؤمنين عليه السلام بخَيبرَما فَرَطَ من غيره ، دليل على توحُّده من الفضل فيه بما لم يَشْرَكْه فيه مَنْ عداه .
وفي ذلك يقول حَسّانُ بن ثابت الأنصارِيّ :
وكان عليُّ أرْمَدَ العَيْنِ يَبْتَغي * دَواءً فلمّا لَمْ يُحس مُداوِيا
شَفاهُ رسولُ الله منه بتُفلةٍ * فبورك مَرِقياً وبورك راقِيا
وقال سأعْطِي الراية اليومَ صارما* كَمِيّاً(2) مُحِباً للإله مُواليا
يُحِبّ إلهي والإله يُحبُّه * به يَفْتَحُ الله الحُصُونَ الأوابِيا(3)
فأصْفى بها دونَ البَربّة كلَّها * عَلِيّاً وسمّاهُ الوَزيرَ المُواخِيا

_________
(1) انظر- على سبيل المثال لا الحصر: الطبقات الكبرى 2: 110 ، صحيح البخاري 5: 171، صحيح مسلم 3 : 1441، مسند أحمد 4 : 52، المستدرك على الصحيحين 3 : 38، دلائل النبوة 4: 20 5 ـ 213، تاريخ ابن عساكر - ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام - 1: 174 ـ 247، البداية والنهاية 4 :185 - 188 ، مناقب ابن المغازلي : 176 -189 .
(2) الكَمِيّ : الشجاع .«الصحاح - كمي - 6 : 2477» .
(3) الأوابي: التي تأبى وتمتنع من العدو.

( 65 )


فصل

ومثلُ ذلك - أيضاً - ما جاء في قِصّة البراءة(1) وقد دَفَعها النبيُّ صلّى الله عليه وآله الى أبي بكر لينْبذَ بها عَهْدَ المشركين ، فلمّا سار غيربعيدِ نَزَل جبرئيل عليه السلامَ على النبي صلّى الله عليه وآله فقال له : إنّ الله يقُرِئُك السلام ، ويقولُ لك : لا يُؤدِّي عنك إلاّّ أنت أو رجلٌ منك . فاستدعى رسولُ الله صلّى اللة عليه وآله عليّاً عليه السلام وقال له : «ارْكَبْ ناقتي العَضْباء والْحَقْ أبا بكر فخُذْ براءة من يده ، وامضِ بها إلى َمكة، فانْبِذْ عهدَ المشركين إليهم ، وخَيّرأبا بكر بينَ أن يَسيرمع رِكابك ، أو يَرْجِعَ إليّ» .
فرَكِب أميرُ المؤمنين عليه السلام ناقَةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله العَضْباء، وسارحتّى لَحِقَ أبا بكر، فلمّا رآه فَزِغَ من لحوقه به ، واستقبله وقال : فيمَ جئتَ يا أبا الحسن ؟ أسائرٌ معي أنت ، أم لغير ذلك ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ رسولَ اللّه صلّى اللّه عليه وآله أمَرَني أن ألْحَقَك فاقْبضَ منك الآياتِ من براءة، وأنْبِذَ بها عهدَ المشركين إليهم ، وأمَرَني أَن أخَيِّرك بين أن تَسير معي ، أو تَرْجِع إليه» .
فقال : بل أرجعُ إليه ، وعاد إلى النبي صلّى اللّه عليه واله ، فلما دَخَلَ عليه قال : يا رسول اللّه ، إنّك أهّلْتَني لأمرٍ طالت الأعناقُ فيه
_________
(1) في «م» و«ش» : براءة ، وما اثبتناه من «ح».

( 66 )

إليّ، فلما توجّهتُ له رددتَني عنه ، ما لي ، أنزل فيّ قرآنٌ ؟ .
فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله : «لا، ولكنَّ الأمينُ هَبَطَ إليّ عن اللّه جلّ جلاله بأنّه لا يُؤَدّي عنكَ إلاّ أنتَ أو رجلٌ منك ، وعليٌّ منّي ، ولايؤَدّي عَنّي إلاّ عليّ» في حديث مشهور(1) .
فكان نَبْذُ العهد مختصّاً بمن عَقَدَه ، أو بمن يَقوم مقامَه في فرض الطاعة ، وجلالةِ القدر، وعُلوِّ الرتبة ، وشرفِ المقام ، ومن لا يُرتابُ بفعاله ، ولا يُعْتَرَضُ في مَقاله ، ومن هو كنفس العاقد، وأمرُه أمره ، فإذا حكم بحكم مَضى واستقر به ،وأمِنَ الاعتراضُ فيه . وكان بنبذ العهد قوّةُ الإسلام ، وكمالُ الدين ، وصلاحُ أمر المسلمين ، وتمام فتح مكّة ، واتّساق أحوال الصلاح ، فأحبّ اللّه تعالى أن يَجْعَلَ ذلك على يد من ينوه اسمه ، ويُعْلِي ذكرَه ، ويُنَبّه على فضله ، ويَدُلّ على علوّ قدره ، ويبُيِنُه به ممّن سواه ، فكان ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .
(ولم يكن ) (2) لأحد من القوم فضلٌ يقاربُ الفضلَ الذي وصفناه ، ولا شَرِكَه فيه أحدٌ منهم على ما بيّناه .
وأمثالُ ما عددناه كثيرٌ ، إن عَمِلنا على إيراده طال به الكتاب ، واتسع به الخطاب ، وفيما أثبتناه منه في الغرض الذي قصدناه كفايةٌ لذوي الألباب .

_________
(1) انظر-على سبيل المثال لا الحصر : تاريخ اليعقوبي 2 : 76، سيرة ابن هشام 4 : 190، مسند أحمد 1 : 3 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 51 ، جامع البيان للطبري 10 : 46 ، الدر المنثور 3 : 209 ، تاريخ دمشق - ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام - 2 : 376 - 0 39 ، كنز العمال 2 : 7 1 4 .
(2) في «م» وهامش «ش» : لم يك .

( 67 )

فصل

فأمّا الجهاد الذي ثَبتت به قواعدُ الإسلام ، واستقرّت بثبوتها شرائعُ الملّة والأحكام ، فقد تَخَضصَ منه أميرالمؤمنين عليه السلام بما اشتهر ذكره في الأنام ، واستفاض الخبرُ بهُ بين الخاصّ والعامّ ، ولم تختلفْ فيه العلماء، ولا تَنازَعُ في صحّته الفُهَماء، ولا شَكّ فيه إلاّ غُفْل لم يَتَامَّل الأخبارَ، ولا دَفَعَه ممّن نظر في الآثار، إلاّ معاندٌ بَهات لا يَستحيي من العار.
فمن ذلك ما كان منه عليه السلام في غَزاة بدر المذكورة في القرآن ، وهي أوّلُ حرب كان بها الامتحانُ ، وملأت رَهْبَتُها صدورَ المعدودين من المسلمين في الشجعان ، وراموا التاخّرَ عنها لخوفهم منها وكَراهتهم لها، على ما جاء به مُحكم الذِكر في التبيان ، حيثُ يقول - جلّ جلاله - فيما قصّ به من نبأهم (1) على الشرح والبيان (كَمَا اَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ باِلحَقِّ وَاِنَّ فَريقأ مِنَ اْلمؤمِنينَ لَكَارِهُونَ *يُجَادِلُونَكَ في الحق بَعْدَ مَا تَبَينِّ كَاَنَّمَا يُسَاقوُنَ اِلَى المَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ )(2) في الآي المتصلة بذلك الى قوله تعالى : (وَلاَ تَكَوُنوا كَآلَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ ألنّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبيلِ أللّه وَأللّه بمَا يَعْمَلوُنَ محيطٌ )(3) إِلى آخر
_________
(1) في «م» و «ح» وهامش «ش» : نياتهم .
(2) الأنفال 8 :5 - 6 .
(3)الأنفال 8 : 47 .

( 68 )

السورة . فإنّ الخبرَعن أحوالهم فيها يتلُو بعضه بعضاً، وإن اختلفت ألفاظُه واتّفقت معانيه .
وكان من جملة خبر هذه الغزاة، أنّ المشركين حضروا بدراً مُصرِّين على القتال ، مُستظهِرين فيه بكثرة الأموال ، والعَدَد والعُدّة والرجال ، والمسلمون إذ ذاك نفر قليل عددهم هناك ، حضرتْه طوائفٌ منهم بغير اختيار، وشَهِدَتْه على الكُرْه منها له والاضطرار، فتحدَّتْهم قريش بالبِراز ودَعَتْهم إلى المُصافّة والنِزال (1) ، واقترحَتْ في اللقاء منهم الأكفاء ، وتطاولت الأنصارُ لمبارَزَتهم فمنعهم النبي صلّى اللّه عليه وآله من ذلك ، وقال لهم : «إنّ القومَ دَعَوْا الأكفاء منهم» ثمّ أمر علياً أميرَ المؤمنين عليه السلام بالبرُوز إليهم ، ودعا حمزةَ بن عبد المطّلب وعُبَيْدَة بن الحارث - رضي اللّه عنهما- أن يَبْرُزا معه .
فلمّا اصطفُّوا لهم لم يُثْبِتهم (2) القوم ، لأنهم كانوا قد تَغَفروا(3) فسألوهم : من أنتم ،فانْتَسَبوا لهم ، فقالوا : أكْفاءٌ كِرامٌ . ونَشِبَتْ الحربُ بينهم ، وبارز الوَليدُ أميرَ المؤمنين عليه السلام فلم يُلَبِّثه (4) حتّى قتله ، وبارَزَ عُتْبَةُ حمزةَ - رضي اللّه عنه - فقتله حمزة ، وبارز شَيبةُ عُبَيدةَ ـ رحمه الله - فاختلفت بينهما ضربتان ، قَطَعت إحداهما فخِذَ عُبَيدة، فاستنقذه أميرُ المؤمنين عليه السلام بضربة بَدَر بها شَيْبَة فقتله ،
_________
(1) في «م» : والقتال .
(2) في «ح»: يتبينهم .
(3) تغفّروا : أي لبسوا المغافر، والمِغفر: زَرَد ينسج من الدرع على قدر الرأس ، يلبس تحت القلنسوة : «الصحاح -غفر- 2 : 771».
(4) في «ش» و«م»: يُلبثه .

( 69 )

وشرَكَه في ذلك حَمْزَة- رضوان اللّه عليه - فكان قتل هؤلاء الثلاثة أوّل وَهْن لَحِق المشركين ، وذُلٍّ دَخَل عليهم ، ورَهْبةٍ اعتراهم بها الرعْب من المسلمين ، وظَهَر بذلك أماراتُ نصر المسلمين .
ثمّ بارز أميرُ المؤمنين عليه السلام العاصَ بن سعيد بن العاص ، بعد أن أحجم عنه من سواه فلم يُلَبّثه أن قتله . وبَرَز إليه حَنْظَلةُ ابنُ أبي سفيان فقتله ، وبَرَز بعده طُعيْمَةَ بن عَدِيّ فقتله ، وقتل بعده نَوْفَلَ بنَ خُوَيْلِد - وكان من شياطين قريش - ولم يزل عليه السلام يقتل واحداً منهم بعد واحد، حتى أتى على شَطْر المقتولين منهم ، وكانوا سبعين قتيلاً(1) تولّى كافّة من حَضَرَ بدراً من المؤمنين مع ثلاثة آلافٍ من الملائكة المسوّمين قتلَ الشَطْر منهم ، ّوتولّى أمير المؤمنين قتلَ الشَطْر الآخر وحده ، بمعونة اللة له وتوفيقه وتاييده ونصره ، وكان الفتحُ له بذلك وعلى يديه ، وختم الأمر بمناوَلة النبي صلّى اللّه عليه وآله كفّاً من الحَصى(2) ، فرمى بها في وجوههم وقال : «شاهَت الوجوه» فلم يبقَ أحدٌ منهم إلاّ ولّى الدُبر لذلك منهزمأ، وكفى الله المؤمنين القتال بامير المؤمنين عليه السلام وشُرَكائه في نُصرْة الدين من خاصّة (آل الرسول )(3) - عليه وآله السلام - ومن أيّدهم به من الملائكة الكرام عليهم التحية والسلام كما قال اللّه عزّ وجلّ :(وكفى اللّه المؤْمِنينَ الْقِتَالَ وكَانَ أللّه قَوِيّاً عَزيزاً)(4) .

_________
(1) في هامش «ش» و«م»: رجلاً.
(2) في هامش «ش» و«م» : الحصباء.
(3) في هامش «ش» و«م» : الرسول .
(4) الأحزا ب 33 : 25 .

( 70 )

فصل

وقد أثبت رواة العامّة والخاصّة معاً أسماءَ الذين تَولّى أميرُالمؤمنين عليه السلام قَتْلَهم ببدر من المشركين ، على اتّفاق فيما نقلوه من ذلك واصطلاح ، فكان ممّن سمّوه:
الوَليدُ بن عُتْبة - كما قدّمناه - وكان شجاعاً جَريئاً فاتكاً وقّاحاً ، تَهابُه الرجال .
والعاصُ بن سعيد، وكان هَوْلاً عظيماً تَهابهُ الأبطال . وهو الذي حادَ عنه عُمَر بن الخطّاب ، وقصّته فيما ذكرناه مشهورة، ونحن نُثبتها(1) فيما نورده بعد إن شاء الله (2) .
وطُعَيْمةُ بن عَدِيّ بن نَوْفَل ، وكان من رؤوس أهل الضلال .
ونوفَلُ بن خُوَيلِد ، وكان من أشدّ المشركين عَداوةً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وكانت قريش تُقدّمه وتُعَظّمه وتُطيعه ، وهو الذي قَرَن أبا بكر بطلْحة - قبل الهجرة بمكّة - وأوثَقَهما بحَبْل وعذّبهما يوماً إلى الليل حتّى سُئِلَ في أمرهما(3) . ولمّا عَرَفَ رسولُ اللة صلّى اللّه عليه واله حضوره بدراً ، سال اللّه عزّ وجلّ ان يكفيه أمره فقال : «اللّهمّ اكفِني نَوْفَل بن خُويلِد»
_________
(1) في هامش «ش» : نبيّنها .
(2) يأتي في ص 41 و 42 .
(3) اُنظر تفاصيل هذه القضية والردود عليها ، في الصحيح من سيرة النبي الأعظم 2 : 54 -57، للسيد جعفر مرتضى العاملي .

( 71 )

فقتله أمير المؤمنين عليه السلام .
وزَمْعَةُ بن الأسْوَد.
والحارِثُ بن زَمْعَة .
والنَضْرُ بن الحارث بن عَبْد الدار.
وعُميرُبن عُثمان بن كَعبْ بن تَيْم ، عمّ طَلْحة بن عُبَيداللّه .
وعُثمانُ ، ومالكُ ابنا عُبَيداللّه ، أخوا طَلْحة بن عُبَيداللّه .
ومسعود بن أبي أمَيّة بن المُغِيرة .
وقَيْسُ بن الفاكِه بن المُغِيرة.
وحُذَيْفَةُ بن أبي حذيفة بن المُغِيْرة.
وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة .
وحَنْظَلَة بن أبي سُفيان .
وعَمْروُ بن مَخزوم .
وأبو المُنذِر بن أبي رِفاعَة .
ومُنَبّهُ بن الحَجّاج السَهِميّ .
والعاصُ (1) بن مُنَبِّه .
وعَلقْمَةُ بن كَلَدَة .

_________
(1) في «م» و«ش» : العاصي وما في المتن من نسخة «ح» وهو الصحيح كما ورد في السيرة النبوية لابن هشام 2 :371، والمغازي للواقدي 1 :152 ، والكامل لابن الاثير 2 : 74 .

( 72 )

وأبو العاصِ بن قيسْ بن عَدِيّ .
ومعاوية بن المُغِيرة بن أبي العاص .
ولُوْذانُ بن رَبيعة .
وعبدُاللّه بن المنذر بن أبي رِفاعة .
ومسعودَ بن أمَيّة بن المُغِيرة .
وحاجِبُ بن السائب بن ِ عويمر.
وأوسُ بن المُغَيرة بن لُوْذان .
وزيدُ بن ملَيص .
وعاصمُ بن أبي عَوْف .
وسعيدُ بن وَهْب ، حليف بني عامر.
ومعاويةُ بن عامر بن عبد القَيس .
وعبدُالله بن جَميل بن زُهَيْر بن الحارث بن أسَد.
والسائبُ بن مالك .
وأبو الحَكَم بن الأخْنَس .
وهِشامُ بن أبي اُمَيّة بن المُغِيرة .
فذلك خمسة وثلاثون رجلاً(1) ، سوى من اخْتُلِف فيه ، أو شَرِك أمير المؤمنين عليه السلام فيه غيره ، وهم أكثر من شَطْر المقتولين
_________
(1) في اسماء بعض المقتولين خلاف في كتب السيرة كما في قيس بن الفاكه ففيها أبوقيس .

( 73 )

ببدر، على ما قدّمناه .


فصل

فمن مختصر الأخبار التي جاءت بشرح ما أثبتناه ، ما رواه شُعْبةَ، عن أبي إسحاق ، عن حارث بن مضَرّب قال : سمعت عليَّ بن أبي طالب عليه السلام يقول : «لقد حضرنا بدراً وما فينا فارسٌ غير المِقْدَاد بن الأسود ، ولقد رأيتُنا ليلةَ بدرٍ وما فينا إلاّ من نام ، غير رَسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فإنّه كان مُنْتَصِباً في أصل شجرةٍ يُصلّي ويَدْعُوحتّى الصباح»(1) .
وروى عليّ بن هاشم ، عن محمّد بن عُبَيد اللّه بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدّه أبي رافع مولى رسول الله صلّى اللّه عليه واله - قال : لمّا أصبح الناسُ يومَ بدر، اصطفّتْ قريش أمامَها عُتْبَة بن رَبيعة وأخوه شَيْبة وابنهً الوَليد، فنادى عُتْبَةُ رسولَ الله صلّى اللّه عليه والهَ فقال : يا محمّد، أخْرِجْ إلينا اكفاءَنا من قريش . فَبَدر(1) إليهم ثلاثةٌ من شُبّان الأنصار فقال لهم عُتْبَة : من أنتم ؟ فانتسبوا له ، فقال لهم : لا حاجةَ بنا إلى مبارَزتكم ، إنّما طَلَبْنا بني عمّنا.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله للأنصار: «اِرجِعوا إلى
_________
(1) تاريخ الطبري 2 : 426 ، مصباح الأنوار:304 ، ارشاد القلوب : 239 ، وورد باختلاف يسير في مسند أحمد 1 : 125 ، ودلائل النبوة 3 : 49 ، ونقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار 19 : 279 / 17 .
(2) في هامش «ش» و «م» : فخرج .

( 74 )

مَواقِفكم» ثمّ قال : «قُمْ يا عليّ ، قُمْ يا حمزة، قُمْ يا عُبَيْدة، قاتلوا على حقّكم الذي بَعَث اللّه به نبيَّكم ، إذ جاؤوا بباطلهم ليُطْفِؤُوا نورَ الله» فقاموا فصَفّوا للقوم ، وكان عليهم البَيْض فلم يُعْرَفوا، فقال لهم عُتْبَة : تكلّموا، فإن كنتم أكفاءَنا قاتلناكم . فقال حمزة : أنا حمزةُ بن عبد المطّلب ، أسد الله وأسد رسوله ،فقال عُتْبة : كُفوٌ كريم . وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب» وقال عُبيدة: أنا عُبيدة بن الحارثِ بن عبد المطّلب .
فقال عُتبة لابنه الوَليد : قم يا وليد، فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام - وكانا إذ ذاك أصغرِي الجماعة سنّاً - فاختلفا ضربتين ، أخطأتْ ضربةُ الوليد أميرَ المؤمنين عليه السلام واتقى بيده اليُسرى ضربةَ أمير المؤمنين عليه السلام فأبانَتْها .
فرُوِي أنّه كان يذكُر بدراً وقَتْلَه الوليدَ، فقال في حديثه : «كانّي أنظُر إلى وَميض خاتمه في شِماله ، ثمّ ضرَبته ضربةً أخرى فصَرَعتُه وسَلَبتُه ، فرأيتُ به رَدْعا(1) من خَلوق (2) ، فعَلِمتُ أنّه قريبُ عهدٍ بعُرْس» .
ثم بارزعُتبة حمزة رضي اللّه عنه فقتله حمزة، ومشى عُبيدة- وكان أسنَّ القوم - إلى شَيبة ، فاختلفا ضربتين ، فأصاب ذُباب سيف (3) شَيبة عَضَلة ساق عُبيَدة فقَطَعَتْقا ، واستنقَذَه أميرُ المؤمنين عليه السلام وحمزةُ منه وقَتلا شيبةَ، وحُمِلَ عُبَيدة من مكانه فمات بالصَفراء(4) .

_________
(1) الردع: اللطخ والأثر من الطيب . «الصحاح - ردع - 3 : 1218» .
(2) الخلوق : نوع من الطيب . «الصحاح - خلق - 4 : 472 1» .
(3) ذباب السيف : طرفه الذي يضرب به . «الصحاح - ذبب - 1: 126».
(4) الصفراء : وادٍ بين مكة والمدينة . «معجم البلدان 3 : 412» .

( 75 )

وفي قتل عُتْبةَ وشَيْبة والوليد تقول هند بنت عُتبة :
([أ] ياعين )(1) جُودي بدَمْع سَرِب * على خيرخِنْدِف لم يَنْقَلِب
تَداعى له رَهْطُه غُدَوةً * بنوهاشمٍ وبنوالمطّلب
يُذيقونة حَر(2) أسيافِهم * يَجُرُّونه(3) بعدَما قد شَجِب (4 و 5)
وروى الحسين بن حُمَيد قال : حدَّثنا أبوغسّان قال : حدَّثنا أبو إسماعيل عُمَير بن بَكّار، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : لقد تعجَّبتُ يومَ بدر من جُرأة القوم ، وقد قتلتُ الوليدَ بن عُتبة وقتل حمزةُ عتبةَ وشَرِكتهُ في قتلِ شَيبة، إذْ أقبل إليّ حَنْطَلة بن أبي سفيان ، فلمّا دنا منّي ضربتهُ ضربةً بالسيف فسالتْ عيناه ، فلَزِم الأرضَ قتيلاً»(6).
وروى أبو بكر الهُذَلي ، عن الزُهْري ، عن صالح بن كَيْسان قال : مرّ عُثمان بن عَفّان بسعيد بن العاص فقال : إِنطلقْ بنا إلى أمير المؤمنين عُمَر بن الخطّاب نتحدّث عنده ، فانطلقا ، قال : فأمّا عُثمان فصار إلى مجلسه الذي يَشتهيه (7) ، وأمّا أنا فمِلْت في ناحية القوم ، فنظر إليّ عُمَر
_________
(1) في «ش»و«م» : يا عين ، وما أثبتناه مِنَ البحار، وفي سيرة ابن هشام : أعينيّ جُودا .
(2) في هامش «ش» و «م» : حَرَّ. وما أثبتناه من هامشها .
(3) في «م» و «ح» وهامش «ش» : يُعَرّونه .
(4) شجب : هلك . «الصحاح - شجب - 1 : 151».
(5) انظرسيرة ابن هشام 3 : 40 ، ونقله المجلسي في البحار 9 1 : 0 28 .
(6) إعلام الورى : 86، وذيله في إرشاد القلوب : 240 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 19 : 280 .
(7) في «ش» و«م»: يشبهه ، وما اثبتناه من «ح».

( 76 )

وقال : ما لي أراك كأنّ في نفسك عليّ شيئاً؟ أتظُنُّ أنّي قتلتُ أباك ؟ والله لوَدِدتُ أني كنتُ قاتلَه ، ولو قتلتهُ لم أعتذرْ من قتل كافرٍ ، لكننّي مررتُ به يومَ بدرٍ فرأيتهُ يَبْحَث للقتال كما يَبْحَث الثورُ بقَرْنه ، وإذا شِدْقاه قد أزْبَدا كالوَزَغ ، فلما رأيتُ ذلك هِبْتُه ورُغْتُ عنه ، فقال : إلى أين يا ابن الخطّاب ؟ وصَمَد له علي فتناوله ، فواللّه ما رِمْتُ مكاني حتّى قتله .
قال : وكان عليّ عليه السلام حاضراً في المجلس فقال : «اللّهم غَفْراً ، ذَهَب الشركُ بما فيه ، ومَحا الإسلام ما تقدّم، فما لك تَهيج الناسَ ! ؟» فكَفّ عُمَر، قال سعيد : أما إنّه ما كان يَسًّرني أن يكون قاتل أبي غيرَ ابن عمّه عليّ بن أبي طالب ، وأنشا القوم في حديث اخر(1) .
وروى محمّد بن إسحاق ، عن يزيدَ بن رُوْمان ، عن عرُوة بن الزبير: أنّ علياً عليه السلام أقبل يومَ بدر نحو طُعَيْمَة بن عَدِيّ بن نَوْفَل فشَجَره بالرُمح ، وقال له : «واللة، لا تخاصِمُنا في اللّه بعد اليوم أبداً»(2) .
وروى عبد الرَزاق ، عن مَعْمَر، عن الزُهْريّ قال : لمّا عَرَف رسول اللّه صلّى اللّه عليه واله حضور نَوْفَل بن خُويَلد بدراً قال : اللّهم اكفِني نَوْفلاً« فلما انكشفَتْ قريش رآه عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقد تحيّر لا يَدري ما يَصْنع ، فصَمَدَ له ثمّ ضربه بالسيف فنَشِبَ في حَجَفته (3) فانتزعه منها، ثمّ ضرب به ساقَه - وكانت دِرعه مُشَمّرَة -
_________
(1) مغازي الواقدي 1 : 92، وشرح النهج لابن ابي الحديد 14 : 144 باختلاف يسير، ونقله العلامة المجلسي في البحار 19: 280 .
(2) شرح النهج الحديديَ 14 : 145 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 19 : 281 .
(3) الحجفة : يقال للترس اذا كان من جلود ليس فيها خشب ولا عقب . «الصحاح - حجف - 4 : 1341 .

( 77 )

فقطعها، ثمّ أجهزعليه فقتله . فلما عاد إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله سَمِعه يقول : «مَنْ له علمً بنَوْفل ؟ فقال له : أنا قتلتُه يا رسولَ اللة» فكبّر النبي صلّى اللّه عليه وآله وقال : «الحمد للّه الذي أجاب دعوتي فيه»(1) .


فصل

وفيما صنعه أمير المؤمنين عليه السلام ببدر، قال أسَيْد بن (أبي إياس )(2) يحرض مشركي قريش عليه :
في كل مَجمْعَ غايةٍ أخزاكم * جَذَعٌ أبرَّعلى المَذاكِي القرحِ (3)
لله درًّكم أَلمّا تُنصفوا (4) * قد يُنْصِف (5) الحرُّالكريم ويستحي
هذا ابنُ فاطمةَ الذي أفناكم *(ذِبحاً وقِتْلَةَ قَعْصَةٍ (6) لم تُذْبَح )(7)

_________
(1) ارشاد القلوب :240 ، ونقله المجلسي في البحار 19 : 281 ، ونحوه في مغازيَ الواقدي1 : 91، ودلائل النبوة 3 : 94، وشرح نهج البلاغة 14 : 144.
(2) في «م»: أبي اناس .
(3) الغاية : الراية . «الصحاح - غيا - 6 : 2451» .
الجذع : يقال لولد الحافر في السنة الثالثة . «الصحاح - جذع - 3 : 1194» .
وأبرّ: غلب . «القاموس - برر ـ 1: 2451».
والمذاكي : واحدها مُذَكٍ‌ الخيل ابن ست سنين أو سبع . «الصحاح - ذكى - 6: 2346».
والقرح: واحدها قارح ، وهو ن الخيل ابن خمس سنين . «الصحاح - قرح - 1 : 395» .
(4) في « م» وها مش « ش» : تنكروا .
(5) في « م» وهامش « ش» : ينكر .
(6) القعص : الموت السرِيع . «الصحاح - قعص - 3: 1053» .
(7) في هامش «ح»: ذبحاً ويمشي سالماً لم يذبح .

( 78 )

أعْطُوه خَرْجاً واتقُوابضريبةٍ * فِعْلَ الذَليل وبيعةً لم تُرْبح
أين الكهول ؟ وأينَ كلِّ دِعامة؟ * في المًعْضِلات وأين زَينُ الأبطح ؟
أفناهم قَعْصاً وضرباً يَفْتَرِي (1) *بالسيف يًعْمِل حَدُّه لم يَصْفَح (2 و 3)


فصل
في ذكر غَزاة احد

ثمّ تلت بدراً غَزاةُ احًد، فكانت رايةُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه واله بيد أميرالمؤمنين عليه السلام فيها ، كما كانت بيده يومَ بدر، فصار اللِواءُ إليه يومئذ ففاز بالراية واللِواء جميعاً، وكان الفتحُ له في هذه الغزاة كما كان له ببدر- سواء - واختصّ بحسن البلاء فيها والصبر، وثبوتِ القدم عندما زلّت من غيره الأقدامُ ، وكان له من الغَناء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه واله ما لم يكن لسواه من أهل الإسلام ، وقَتَل الله بسيفه رؤوسَ أهل الشرك والضَلال ، وفرّج اللّه به الكَرْبَ عن نبيّه عليه السلام ، وخَطَبَ بفضله في ذلك المقام جبرئيلُ عليه السلام في ملائكة الأرض والسماء، وأبانَ نبيُّ الهدى عليه وآله السلام من اختصاصه به ما كان مستوراً عن عامّة الناس .
فمن ذلك ما رواه يحيى بن عُمارَة قال : حدثني الحسن بن موسى
_________
(1) يفتري : يقطع . « الصحاح - فرا - 6 : 2454» .
(2) الصفح : الضرب بعرض السيف لا بحده . «إنظر الصحاح - صفح - 1 : 383» .
(3) الفصول المختارة : 236 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 121 ، اُسد الغابة 4 : 20 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 19 : 92 / 128 .

( 79 )

ابن رَباح (1) - مولى الأنصار - قال : حدَّثني أبو البَخْتِريّ القُرشيّ قال : كانت رايةُ قريش ولواؤها جميعا ً بيد ُقصيَّ بن كِلاب ، ثمّ لم تَزَل الرايةُ في يد ولد عبد المطّلب يحمِلُها منهم من حَضر الحربَ ، حتّى بعث اللّه رسولَه صلّى اللّه عليه وآله فصارت رايةُ قريش وغير ذلك إلى النبي صلّى الله عليه وآله فاقرّها في بني هاشم ، وأعطاها رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله عليَّ ابن أبي طالب عليهما السلام في غَزاة وَدّان (2) وهي أوّلُ غَزاة حُمِل (3) فيها راية في الإسلام مع النبي صلّى اللّه عليه وآله ثمّ لم تَزَل معه في المشاهد، ببدر وهي البَطْشة الكبرى، وفي يوم اُحد وكان اللِواء يومئذ في بني عبد الدار، فأعطاه رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله مُصْعَبَ بن عُمَير، فاستشهد ووقع اللِواء من يده فتشوفته القبائلُ ، فاخذه رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله فدفعه إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فجُمِع له يومئذ الراية واللواءُ ، فهما إلى اليوم في بني هاشم (4) .
وقد روى المُفَضّل بن عبدالله ، عن سِماك ، عن عِكرْمة، عن عبدالله بن العباس أنه قال : لعلي بن أبي طالب عليه السلام أربعٌ ما هن لأحد: هو أوّل عَرَبيّ وعَجَميّ صلّى مع النبي صلّى الله عليه وآله . وهو صاحب لِوائه في كلّ زَحْف . وهو الذي ثبت معه يوم المِهراس (5)
_________
(1) في «ش» و«ح»: رياح وما اثبتناه من «م».
(2) ودّان : موضع بين مكة والمدينة . سميت الغزوة به . «معجم البلدان 5: 365» .
(3) في «م» وهامش «ش» : حملت .
(4) مناقب ابن شهر آشوب 3 : 299 ، كفاية الطالب : 335 ، اعلام الورى : 193 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 20 : 80 .
(5) المهراس : ماء بجل أُحد . «معجم البلدان 5: 232» .

( 80 )

- يعني يومَ اُحد - وفَرَّ الناس . وهو الذي أدخله قبرَه(1) .
وروى زيد بن وَهبْ الجُهَنِي قال : حدَّثنا أحمد بن عمّار قال حدَّثني: الحِمّاني قال : حدَّثنا شرِيك ، عن عُثمان بن المُغيرة، عن زيد بن وَهْب ، قال : وَجَدْنا من عبداللّه بن مسعود- يوماً - طيب نفس فقلنا له : لو حدّثتَنا عن يوم اُحد، وكيف كان ؟.
فقال : أجَلْ - ثمّ ساق الحديث حتى انتهى إلى ذكر الحَرْب - فقال : قال رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله : «أُخْرُجوا إليهم على اسم اللّه» فخَرَجْنا فصَفَفْنا لهم صفّاً طويلاً، وأقام على الشِعْب خمسين رجلاً من الأنصار، وأمَّر عليهم رجلاً منهم ، وقال : «لا تَبْرَحُوا عن مكانكم هذا وان قُتِلنا عن آخرنا، فإنّما نُؤتى من موضعكم هذا» قال : وأقام أبو سفيان بن حَرْب بإزائهم خالدَ بن الوليد، وكانت الألوِيةُ من قريش مع بني عبد الدار، وكان لِواءُ المشركين مع طَلْحة بن أبي طَلْحة، وكان يُدْعى كَبْشَ الكَتِيبة .
قال : ودَفَعَ رسولُ اللّه صلّى الله عليه وآله لواءَ المهاجرين إلى عليّ ابن أبي طالب عليه السلام وجاء حتّى قام تحت لِواء الأنصار.
قال : فجاء أبو سفيان إلى أصحاب اللِواء فقال : يا أصحاب الألْوِية ، إنّكم قد تعلمون أنّما يُؤتَى القومُ من قبل ألويتهم ، وإنّما أتِيتم
_________
(1) المستدرك على الصحيحين 3 : 111 ، الاستيعاب 3 : 27 ، شرح نهج البلاغة 4 : 116،كفاية الطالب : 336، وذكره الصدوق في الخصال 1: 210 / 33 بأختلاف يسير، ونقله المجلسي في البحار 20 : 81.

( 81 )

يوم بدرمن قبل ألويتكم ، فإن كنتم تَرَون أنكم قد ضَعُفْتم عنها فادفعوها إلينا نَكْفِكموها.
قال : فغَضِب طَلحة بن أبي طَلحة وقال : ألنا تقول هذا؟ والله لأورِدنّكم بها اليوم حِياضَ الموت . قال : وكان طَلحة يُسمّى كَبْشَ الكَتِيبة .
قال : فتقدّم وتقدّم عليّ بن أبي طالب عُليه السلام فقال عليّ : «من أنت ؟» قال : أنا طَلحة بن أبي طَلحة، أنا كَبشُ الكَتيبة فمن أنت ؟ قال : «أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب» ثمّ تقاربا فاختلفت بينهما ضربتان ، فضربه عليّ بن ابي طالب عليه السلام ضربةً على مقدّم رأسه ، فبدرت عيناه وصاح صيحةً لم يُسْمَع مثلها قطّ وسَقَط اللواء من يده ، فأخذه أخ له يقال مُصْعَب ، فرماه عاصم بن ثابت فقتله ، ثمّ أخذ اللواء أخ له يقال له عثمان ، فرماه عاصم - أيضاً - فقتله ، فأخذه عبد لهم يقال له صواب - وكان من أشدّ الناس - فضرب عليُّ بن أبي طالب عليه السلام يدَه فقطعها، فأخذ اللِواء بيده اليُسرى، (فضرَبه )(1) على يده فقطعها، فأخذ اللِواءَ على صدره وجمع يديه وهما مقطوعتان عليه ، فضربه عليّ عليه السلام على أمّ رأسه فسَقَط صريعاً وانهزم القوم ، وأكمت المسلمون على الغنائم .
ولأ رأى أصحابُ الشِعْب الناسَ يَغْنمون (2) قالوا : يَذْهَب هؤلاء بالغنائم ونبقى نحن ؟ ! فقالوا لعبدالله بن عمرو بن حَزْم ، الذي كان رئيساً
_________
(1) في «م» وهامش «ش» : فضرب .
(2) في «م» وهامش «ش» : يغتنمون .

( 82 )

عليهم : نريد أن نَغْنَم كما غَنِم الناسُ ، فقال : إن رسولَ اللّه صلّى اللّه عليه وآله أمرني أن لا أبرَحَ من موضعي هذا، فقالوا له : إنه أمرك بهذا وهو لا يَدْري أنّ الأمرَ يَبْلُغَ إلى ما ترى، ومالوا إلى الغنائم وتركوه ، ولم يَبْرحَ هومن موضعه ، فحَمَل عليه خالدُ بن الوليد فقتله .
وجاء من ظَهْر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يرُيده ، فنظر إلى النبيّ في حَفٍّ من أصحابه ، فقال لمن معه : دُونكم هذا الذي تَطْلُبون ، فَشَانكم به ، فَحمَلوا عليه حملةَ رجل واحد ضرباً بالسيوف وطَعْناً بالرماح ورَمْياً بالنَبْل ورَضْخاً بالحجارة، وجعل أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وآله يقاتلون عنه حتى قتل منهم سبعون رجلأ، وثبت أمير المؤمنين عليه السلام وأبو دُجانَة الأنصاري وسَهْل بن حُنَيْف للقوم يَدْفَعون عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وكَثُرعليهم المشركون ، ففَتَح رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله عَيْنَيْه فنظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام - وقد كان اُغمِىِ عليه ممّا ناله - فقال : «يا عليّ ، ما فعل الناس ؟ قال : نَقَضوا العهد ووَلَّوُا الدُبُر، فقال له : فاكفِني هؤلاء الذين قد قصدوا قصدي» فحمل عليهم أمير المؤمنين عليه السلام فكَشَفهم ، ثمّ عاد إليه - وقد حملوا عليه من ناحية اُخرى - فكرَّ عليهم فكشَفَهم ، وأبو دُجانَة وسَهْل بن حُنيْف قائمان على رأسه ، بيد كلّ واحد منهما سيفهُ ليَذُبَّ عنه.
وثاب إليه من اصحابه المنهزمين أربعةَ عشر رجلاً منهم طَلحة بن عُبَيد اللّه وعاصم بن ثابت . وصَعِد الباقون الجبَل ، وصاح صائحٌ بالمدينة: قُتِل رسولُ اللّه ، فانخلعت القلوبُ لذلك ، وتحيّر المنهزمون فأخذوا يميناً وشِمالاً .