وقد روى قَيْس بن الرَبيع قال : حدَّثنا أبو هارون العَبْدي ، عن رَبيعة السَّعدي قال : أتيتُ حًذَيفةَ بن اليَمان فقلت له : يا با عبدالله ، إنّنا لنتحدّثُ عن عليّ عليه السلام ومناقبه ، فيقول لنا أهل البصرة : إنكم تُفرِطون في عليّ ، فهل أنت مُحدّثي بحديث فيه ؟
فقال حُذَيفة: يا ربيعة ، وما تسألني عن عليّ عليه السلام ؟ والذي نفسي بيده ، لو وُضِعِ جميعُ أعمال أصحاب محمّد في كفّة الميزان ، منذ بَعَث اللّه محمّداً إلى يوم القيامة(1)، ووُضِع عملُ عليّ في الكفّةُ الأخرى ، لرَجَحَ عملُ عليّ على جميع أعمالهم .
فقال رَبيعة: هذا الذي لا يُقام له ولا يُقْعَد(2).
فقال حُذَيفة : يا لُكَع ، وكيف لا يًحْمَل ؟! وأين كان أبو بكرٍ وعمر وحُذَيفة وجميعُ أصحاب محمّد يوم عَمرو بن عبدِ وَدٍّ ،وقد دعا إلى المبارَزة! ؟ فأحجَمَ الناسُ كلّهُم ما خلا علياً عليه السلام فإنّه بَرَز إليه فقتله الله على يديه ،والذي نفس حُذَيفة بيده ، لَعَمَلُه ذلك اليوم أعظمُ أجراً من أعمال أصحاب محمّدٍ إلى يوم القيامة(3).
وقد روى هِشام بن محمّدٍ (4)، عن مَعروف بن خرَّبوذ قال : قال عليّ يوم الخندق :

_________
(1) في «م» وهامش «ش» : الناس هذا .
(2) في هامش «ش» و«م»: أي لا يُسمى له ، لأنه لايدْرَك .
(3) إعلام الورى: 195 ، شرح النهج الحديدي 19 : 60، إرشاد القلوب :245 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 20 : 256 .
(4) هو هشام بن محمد بن السائب الكلبي كما صرحّ به في هامش «ش» و «م».لاحظ انساب الاشراف القسم الثاني من الجزء الرابع : 129 ، طبقات ابن سعد 4 :45، 8 : 32.

( 104 )

«أعَلَيّ تَقْتَحِمُ الفوارسُ هكذا * عنّي وعنها خَبِّروا(1)أصحابي
اليومَ تَمْنَعَنُي الفِرارَ حَفيظتي * ومُصَمِّمٌ في الرأس ليس بِنابي
(أرديتُ عَمْرَاً حين أَخلص صَقْلَه )(2) * صافي الحَديد مُجَرّبِ قَضّاب
فصَدَدتُ حينَ تَرَكتُه مُتَجَدلاً * كالجِذْع بينَ دَكاَدِكٍ ورَوابي
وعَفَفْتُ عن أثوابه ولَو انّني * كُنْتُ المُقَطَّر بَزّني أثوابي (3)»
وروى يونس بن بُكَير، عن محمّد بن إسحاق قال : لما قَتَل عليُّ ابن أبي طالب عليه السلام عَمراً أقبل نحوَ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ووجهُه يتهلّل ، فقال له عمر بن الخطّاب : هلاّ سَلَبْتَه - يا عليّ - دِرعَه ؟ فإنّه ليس تكون للعرب دِرْعُ مثلها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّي استحيتُ أن أكشِفَ عن سوأة ابن عمّي»(4) .
وروى عَمْرو(5) بن الأزهر، عن عَمْرو بن عُبَيد، عن الحسن : أنّ علياً عليه السلام لمّا قَتَل عَمرو بن عبدِوَدّ احتزّ رأسَه وحَمَله ، فألقاه بين يدي رسول الله صلّى اللّه عليه وآله فقام أبو بكر وعمر، فقبّلا رأسَ علي
_________
(1) في «م» وهامش «ش» : اخبروا .
(2) في «م» وهامش «ش» : أرديت عمراً إذ طغى بمهنّد .
(3) رويت في هذه الأبيات بزيادة ونقصان في : المستدرك على الصحيحين 3 : 33 ، دلائل النبوة 3 : 439 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 137 ، الفصول المهمة : 61 ، ونقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار 0 2 : 257 و 264 .
(4) دلائل النبوّة 3 :439، إرشاد القلوب :345، ونحوه في مستدرك النيسابوري 3 : 33، ومجمع البيان 8 : 33، ونقله العلامة المجلسي في البحار 0 2 : 257 .
(5) في النسخ : عمر بن الأزهر، وفي هامش «م»: عمرو، وقد وضع عليه علامة «صح» ، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : عمرو، وهو الصواب ،اُنظر «تاريخ بغداد 12 : 193 ، لسان الميزان 4 : 353 ، الجرح والتعديل 6 : 221» .

( 105 )

عليه السلام (1) .
وروى عليّ بن حَكِيْم الأوْديّ قال : سَمِعتُ أبا بكر بن عَيّاش يقول : لقد ضرب عليٌ عليه السلام ضربةً ما كان في الإسلام ضربةٌ أعزُّ منها - يعني ضربةَ عَمْرو بن عبد وَدّ - ولقد ضُرِب عليٌّ ضربةً ما كان في الإسلام أشأم منها - يعني ضربةَ ابن مُلْجَم لعنهَ الله -(2).
وفي الأحزاب أنزلّ الله عزّ وجلّ :
(اِذْ َجآءُوكمْ مِنْ فَوقِكُمْ وَمِن اَسْفَلَ مِنْكُمْ وَاِذْ زَاغتً الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ اْلقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بآللّهِ آلظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُليَ اْلمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاّ شَدِيداً * وَإذُْ يقولُ اْلمُنَافِقُونَ وَآلَّذينَ فِى قُلُوَبهمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا أللّهُ وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُوراً - إلى قوله : - وَكَفَى أللّهُ المُؤْمِنينَ الْقِتَالَ وكَانَ اللّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً)(3).
فتوجه العتَبُ إليهم والتوبيخ والتقريع والعِتاب ، ولم ينجُ من ذلك أحدٌ - باتفاقٍ - إلاّ أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، إذ كان الفتحُ له وعلى يديه ، وكان قَتْلُه عَمراً ونَوْفَل بنَ عبدالله سببَ هزيمة المشركين .
وقال رسولُ الله صلّى الله عليه واله بعد قتله هؤلاء النَفَر: «الآن
_________
(1) مجمع البيان 8 : 344 ، شرح النهج الحديديَ 19 : 62، ونقله العلامة المجلسي في البحار 20 : 258.
(2) مناقب ال أبي طالب 3 : 138 ، مجمع البيان 8 : 344 ، شرح النهج الحديديَ 19 : 61، ونقله العلامة المجلسي في البحار 20 : 258 .
(3) الأحزاب33 : 10 - 25 .

( 106 )

نَغْزُوهم ولا يَغْزُونا»(1).
وقد روى يوسف بن كُلَيب ، (عن سُفيان ، عن زُبَيد، عن مرّة)(2) وغيره ، عن عبدالله بن مسعود، أنّه كان يقرأ: ( وَكَفَى الله المُؤْمِنينَ الْقِتَالَ ) بعلي (وكَانَ اللّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً)(3).
وفي قتل عمرو يقول حسّان :
أمسى الفَتى عَمروبن عبدٍ يَبتغي * بجُنًوبِ (4) يَثْرِبَ غارةً لم تُنْظَر
فلقد وجدتَ سُيوفَنا مشهورةً * ولقد وجدتَ جيادَنا لم تُقصِر
ولقد رأيتَ غَداةَ بدرٍ عُصْبةً * ضَرَبوك ضرباً غيرَضربِ المحسر (5)

_________
(1) صحيح البخاري 5 : 141 ، مسند أحمد 4 : 262، 6 : 394، مجمع البيان 8: 345، ونقله العلامة المجلسي في البحار 20 : 258 .
(2) في متن النسخ : قرّة ، وفي هامش «ش» و«م» عن نسخة : مرّة، وهو الصواب كما سيظهر، ثم في هامش «ش» و«م» : (يوسف بن حكيم عن سفيان بن زيد عن مرة) وعليها علامة (ع) ولم يعلم معناها،وقدوضع في نسخة«ش»علامة(ج) تحت كلمة كليب ، وعن التي تليها وفوق (عن) علامة النسخة، وتحت قرّة علامة (ج)، وفي هامش «ش»: كليب بن وبذيلها علامة، (ج)، وفي هامش «م» كليب بن سفيان وفوقه : (ج صح)، هذا كل ما في النسخ .
والصواب : يوسف بن كليب عن سفيان عن زبيد عن مرّة ، انظر: ميزان الاعتدال . وسفيان هو سفيان الثوري ، وزبيد هو زبيد بن الحارث اليامي ، ومرة هو مرة بن شراحيل الهمداني ، انظر الجرح والتعديل 3: 623، 8 : 366، تهذيب التهذيب 4 : 112 ، 3 : 311، 10 : 88 .
(3) الدر المنثور 6/ 0 59 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 34 1 ، شرح النهج الحديدي 13: 284 عن ابن عباس ، إرشاد القلوب :245 ، ميزان الاعتدال 2 :385، تأويل الايات 2 : 450 / 11 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 20 : 258 .
(4) جنوب : جمع جنب ، وهو الناحية. «الصحاح - جنب - 1 :100».
(5) في هامش «ش» و «م» : «المُخْسِر: هكذا» . وفي سيرة ابن هشام 3 : 281 : الحسّر، وهو الذي لا درع له .

( 107 )

أصبحتَ لا تُدعى ليوم عظيمةٍ * يا عَمرو أوْ لِجسيم أمر مُنْكَر
ويقال : أنّه لمّا بلغ شعرُحَسّان بني عامرأجابه فَتىً منهم ، فقال يَرُدُ عليه في افتخاره بالأنصار:

كَذَبتم - وبيتِ اللّه - لم (1) تقْتُلوننا * ولكن بسيف الهاشميّين فافخَروا
بسيف ابنِ عبدالله أحمدَ في الوَغى * بكفّ عليّ نلْتم ذاك فاقصُروا
فلم تَقْتُلوا عَمرَو بنَ عبدٍ ببأسكم (2) * ولكنّه الكُفءُ (3) الهِزَبْرُ الغَضَنْفر
عليُّ الذي في الفخر طال بناؤُه (4)* فلاتُكثِروا(5) الدعوى علينا فتفخروا(6)
ببَدرٍ خَرَجتم للبَراز فَرَدَّكم * شيوخُ قريشٍ جَهرةً وتَأَخّروا
فلمّا أتاهم حمزةٌ وعُبَيدةٌ * وجاء عليٌّ بالمُهَنّد يَخْطِر
فقالوا: نعم ،أكفاءُ صِدْقٍ ، فأقبلوا * إليهم سِراعاً إذ بَغَوْا وتَجبروا
فجال عليٌّ جَوْلةً هاشميةً * فدمّرهم لمّاعَتَوا وتَكَبّروا
فليس لكم فَخرٌ علينا بغيرنا * وليس لكم فخرٌ يُعَدّ ويُذْكَر(7)

وقد روى أحمدُ بن عبد العزيز قال : حدَّثنا سليمان بن أيّوب ، عن أبي الحسن المَدائني قال : لمّا قَتَل عليُّ بن أبي طالب عليه السلام عَمرو بنَ عبدِ وَدّ، نُعِيَ إلى اخته فقالت : من ذا الذي اجترأ عليه ؟
_________
(1) في «م» وهامش «ش» : لا .
(2) في الاصل : ولا ابنه ، وما اثبتناه من نسخة البحار.
(3) في هامش «م» : الليث .
(4) فى هامش «ش» و «م» : رداؤه .
(5) في هامش «ش» و «م» : تُنْكِروا .
(6) في «م» وهامش «ش» : فتًحْقَروا .
(7) الفصول المختارة : 238 ، وشعر حسان في السيرة النبوية لابن هشام 3 : 281 ، وشرح النهج الحديدي 13 : 290 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 20 : 259 .

( 108 )

فقالوا : ابن أبي طالب . فقالت : لم يَعدُ يومَه عَلى يد كُفء كريم ، لا رَقات دَمْعتي إن هَرَقْتها عليه ، قَتَل الأبطالَ وبارز الأقران ، وكانت مَنِيّتُه على (يد كُفء كريمِ قومه )(1)، ما سَمِعت أفخَرمن هذا يا بني عامر، ثمّ أنشأت تقول :

لوكان قاتلُ عَمروغيرَ قاتله * لكنتُ أبكي عليه آخرَ الأبد
لكنّ قاتلَ عَمروٍ لا يُعاب به * من كان يُدعى قَديماً بيضةَ البلد(2)(3).

وقالت أيضاً في قتل أخيها، وذِكْرِ عليّ بن أبي طالب عليه السلام :

أَسَدان في ضِيقِ المَكرّ تَصاولا * وكلاهما كُفء كريم باسل
فتخالسا مُهَجَ النفوس كلاهما * وَسْطَ المَذاد(4) مخاتِل ومُقاتل
وكلاهماحَضَرالقِراعِ حَفيظةً * لم يَثْنِهِ عن ذاك شُغلٌ شاغل
فاذهَبْ -علِيٌّ - فما ظَفِرْتَ بمثله * قولٌ سديدٌ ليس فيه تحامل
فالثأرعندي - ياعليُّ - فليتَني * أدركتُه والعقلُ منّي كامل
ذلّت قريشٌ بعد مقتل فارسٍ * فالذُلّ مُهْلِكها وخِزْيٌ شامل

_________
(1) في هامش «ش» : يدكريم قومه .
(2) بيضة البلد : علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، أي أنه فرد ليس مثله في الشرف كالبيضة التي هي تَريكَة وحدها ليس معها غيرها . «لسان العرب - بيض - 7 : 127».
(3) الفصولَ المختارة : 237 ، الفصول المهمّة : 62 باختلاف يسير، ونحوه في المستدرك على الصحيحين 3: 33، ونقله العلامة المجلسي في البحار 20 : 260 .
(4) المذاد : من الذياد وهو الذود والدفع ، والمراد ساحة القتال . اُنظر «الصحاح - ذود - 2 : 471» .

( 109 )

ثمّ قالت : واللّه لا ثأرت قريش باخي ما حنّت النيب (1)(2) .


فصل

ولما انهزم الأحزاب وولَوا عن المسلمين الدبُر، عَمِل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على قصد بني قُرَيظة ، وأنفذ أميرَ المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إليهم في ثلاثين من الخَزْرَج ، فقال له : «اُنْظُر بني قرَيظة، هل تَرَكوا(3) حصونَهم ؟» .
فلمّا شارف سورَهم سَمِع منهم الهُجْر، فرجع إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله فأخبره ، فقال : «دَعْهم فإنّ الله سَيُمَكِن منهم ، إنّ الذي أمكنك من عمرو بن عبدِ وَدّ لا يَخْذُلك ، فقِفْ (4) حتّى يجتمع الناسُ إليك ، وَأَبشِر بنصر الله ، فإنّ الله قد نَصرَني بالرُعب بين يديّ مسيرةَ شهرٍ» .
قال عليّ عليه السلام : «فاجتمع الناسُ إليّ وسرتُ حتّى دنوتُ من سورهم ، فأشرَفوا عليَّ فحين رأوني صاح صائحٌ منهم : قدجاءكم قاتل عَمرو، وقال اخر: قد أقبل إليكم قاتلُ عمرو، وجعل بعضهم يَصيحُ ببعض ويقولون ذلك ، وألقى الله في قلوبهم الرُعب ، وسَمِعتُ راجزاً يرجز :

_________
(1) في هامش «م» : جمع ناب وهو الإبل المسنّة .
(2) الفصول المختارة : 237 ، وروي باختلاف يسير في الفصول المهمّة : 62 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 20 : 260 .
(3) في «ش» و«م» : نزلوا، وما في المتن من هامش «ش» و«م».
(4) في «ش» : فتوقف .

( 110 )

قَتَل في عَمرا * صاد(1)عليٌ صَقْرا
قَصَم عليُّ ظَهْرا * أبرم عليّ أمرا
هَتَك عليٌّ سِتْرا
فقلت : الحمد للّه الذي أظهر الإسلامَ وَقَمَع الشرك ، وكان النبيُ صلّى اللّه عليه واله قال لي حين توجّهتُ إلى بني قُرَيظة: سِرْعَلى بركة اللّه ، فإنّ اللّه قد وَعَدك (2) أرضَهم وديارَهم ، فسِرتُ مُستيقِناً(3) لنصر اللّه عزّوجلّ حتّى رَكَزتُ الرايةَ في أصل الحِصْن ، واستقبَلوني في صَياصيهم(4) يَسُبّون رسولَ اللّه صلّى اللّه عليه واله !!
فلمّا سمِعتُ سبّهم له عليه السلام كَرِهتُ أن يَسْمَعه رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، فعَمِلتُ على الرُجوعِ إليه ، فإذا به عليه السلام قد طَلَع ، فناداهم : يا إخوة القِرَدة والخنازير، إنّا إذا نَزَلنا بساحة قوم فساءَ صَباحُ المنذَرين (5) فقالوا له : يا أبا القاسم ، ما كنتَ جَهولاً ولا سَبّاباً! فاستحيى رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله ورَجَع القهقرى قليلاً» .
ثمّ أمر فضُرِبت خَيْمتُه بازاء حُصونهم ، وأقام النبيّ صلّى اللّه عليه واله محاصراً لبني قُرَيظة خمساً وعشرين ليلةً، حتّى سألوه
_________
(1) في هامش «ش» و «م» : صار.
(2) في «ش» و «م» : وعدكم ، وما أثبتناه من هامش «ش» و «م» .
(3) في هامش «ش» و«م» : متيقناً.
(4) كل شيء اْمتُنع به وتحقَن به فهو صيصة ، ومنه قيل للحصون «الصياصي» . «النهاية - صيص - 3 : 67» .
(5) اقتباس من قوله تعالى في سورة الصافات 37 : 177 : ( فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين ) .

( 111 )

النزولَ على حُكم سَعْد بن مُعاذ ، فحكم فيهم (1) سَعدٌ بقتل الرجال ، وسَبي الذَراري والنساء ، وقسمة الأموال .
فقال النبي صلّى الله عليه وآله : «يا سعدُ، لقد حَكَمْتَ فيهم بحكم اللّه من فوق سبعة أرقِعة» .
وأمر النبي صلّى الله عليه واله بإنزال الرجال منهم - وكانوا تسعمائهّ رجل - فجيء بهم إلى المدينة ، وقسّم الأموال ، واسترقّ الذراري والنسوان .
ولمّا جيء بالأسارى إلى المدينة حُبسوا في دار من دوربني النجار، وخًرج رسولُ الله صلّى الله عليه وآله إلى موضع السوق اليوم فخندَقَ فيها خنادِق ، وحَضَر أميرُ المؤمنين عليه السلام معه والمسلمون ، فأمَر بهم أن يُخْرَجوا، وتقدّم إلى أمير المؤمنين أن يَضْرِب أعناقهم في الخندق .
فأُخْرِجوا أرسالاً وفيهم حُيَيُّ بن أخْطَب وكَعْبُ بن أَسَد، وهما-إذ ذاك - رئيسا القوم ، فقالوا لكَعْب بن أَسَد، وهم يُذْهَب بهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : يا كَعْب ما تراه يَصْنَع بنا؟ فقال : في كلّ مَوْطنٍ لا تَعْقِلون ، ألا ترون الداعيَ لا يَنْزِعُ ، ومن ذَهَب منكم لا يَرْجِعُ ، هو واللّه القَتل .
وجيء بحييّ بن أخْطَب مجموعةً يداه إلى عُنُقه ، فلمّا نظرإلى رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : أما والله ما لُمْتُ نفسي على
_________
(1) في «م» وهامش «ش» : عليهم .

( 112 )

عَداوتك ، ولكن من يَخذُل الله يخْذَل .
ثمّ أقبل على الناس فقال : يا أيها الناس ، إنّه لا بدّ من أمر اللّه ، كتابٌ وقَدَرٌ ومَلحمةٌ كتِبَتْ على بني إسرائيل .
ثمّ اُقيم بين يدي أميرِ المؤمنين علي عليه السلام وهويقول : قتْلةٌ شريفة بيد شريفٍ ، فقال له أمير المؤمنين : «إنّ خيارَ الناس يَقتلُون شرارَهم ، وشِرارَ الناس يقتُلون خيارَهم ، فالويلُ لمن قَتَله الأخيار الأشراف ، والسعادة لمن قَتَله الأرذال الكُفّار» فقال : صدقتَ ، لا تَسْلُبني حُلّتي ، قال : «هي أهون عليَّ من ذاك» قال : سَتَرتَني سترك اللّه ، ومَدَ عنقَه فضربها علي عليه السلام ولم يَسْلُبه من بينهم .
ثمّ قال أميرالمؤمنين عليه السلام لمن جاء به : «ما كان يقول حُييَّ وهويقادُ إلى الموت ؟» فقال (1) : كان يقول :

لَعَمْرُك مالأمَ ابنُ أخطَبَ نفسَه * ولكنّه من يَخْذُلِ اللّه يُخْذَلِ
لَجاهَد(2) حتّى بَلّغَ النفسَ جُهْدَها * وحاول يَبْغِي العِزّكُلَّ مُقَلْقَلِ

فقال أمير المؤمنين عليه السلام :

«لقد كان ذا جَدٍّ وجِدٍّ (3)بكُفره * فِقيدَ إلينا في المَجامع
فَقلّدتُه بالسيف ضربةَ مُحْفَظ (4) * فصار إلى قعر الجَحيم يُكبَّل

_________
(1) في «م» و «ح» وهامش «ش» : قالوا .
(2) في «ح» وهامش «ش» : فجاهد .
(3) في ،«م» و«ح» وهامش «ش»: حدّ.
(4) احفظه : أي اغضبه . «القاموس المحيط - حفظ - 2 : 395».

( 113 )

فذاك مآب الكافرين ومَنْ يكن * مُطيعاً لأمر الله في الخًلد يُنْزلُ»
واصطفى رسولُ الله صلّى الله عليه وآله من نسائهم عَمْرَةَ بنتَ خُنافة(1)، وقَتَل من نسائهم امرأةً واحدةً كانت أرسلَتْ عليه صلّى الله عليه واله حَجَراً - وقد جاء باليهود يُناظرهم قَبلَ مُباينتهم له - فسلمه الله تعالى من ذلك الحَجَر.
وكان الظفر ببني قُرَيظة، وفَتْح اللّه على نبيّه عليه السلام بأميرِ المؤمنين عليه السلام وما كان من قَتْله مَنْ قَتَل منهم ، وما ألقاهُ اللّه عزّوجلّ في قلوبهم من الرُعب منه ، وماثَلَتْ هذه الفضيلةُ ما تَقدّمها من فضائله ، وشابَهَتْ هذه المنقبةُ ما سَلَف ذكرهُ من مناقبه صلّى اللّه عليه واله .


فصل(2)
وقد كان من أمير المؤمنين عليه السلام في غَزوة وادي الرَمْل ، ويُقال : إِنَّها كانت تًسَمّى بغزوة السَلسلة، ما حَفِظه العلماء ، ودَوَنه الفقهاء ونَقَله أصحابُ الآثار، ورواه نَقَلةُ الأخبار، ممّا يَنضاف إلى‎‎
_________
(1) في هامش« ش» نسخة بدل : خناقة، ولعل الصواب : ريحانة بنت عمرو بن خنافة ، اُنظر أُسد الغابة5: 460 ، المغازي 2 : 520، السيرة الحلبية 2 : 346.
(2) سقط هذا الفصل من نسخة «ش» و «ح» إلى قوله :«ثم كان من بلائه عليه السلام ببني المصطلق» الآتي في ص 118 .

( 114 )

مناقبه عليه السلام في الغزوات ، ويُماثل فضائله في الجهاد ، وما توحّد به في معناه من كافّة العباد.
وذلك أنّ أصحابَ السِيرذكروا : أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله كان ذاتَ يوم جالساً، إذ جاءه أعرابيٌّ فجَثا بين يديه ، ثمّ قال : اني جئتك لأْنصَحَك ، قال : «وما نصيحتك ؟» قال : قوم من العرب قد عَمِلوا على أن يُثْبتوك (1) بالمدينة، ووَصَفهم له .
قال : فأمر أميرَ المؤمنين عليه السلام أن يُنادي بالصلاة جامعةً ، فاجتمع المسلمون ، فصَعِد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أيّها الناس ، إنّ هذا عدوّ اللّه وعدوَّكم قد(2) اقبْلَ إليكم ، يَزْعَم أنَّهُ يُثبِتكم (3) بالمدينة ، فمَنْ للوادي ؟» .
فقام رجل من المهاجرين فقال : أنا له يا رسول الله . فناوله اللواء وضمَّ إليه سبعمائة رجل وقال له : «اِمض على اسم اللّه» .
فمضى فَوافى(4) القومَ ضَحْوةً، فقالوا له : مَن الرجل ؟ قال : أنا رسول لرسول الله ، إمّا أن تقولوا : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، أو لأضْرِبنّكم بالسيف ؟ قالوا له : اِرجعْ إلى صاحبك ، فإنّا في جمع لا تقوم له .
فرجع الرجل ، فأخبررسولَ الله صلّى اللّه عليه وآله بذلك ، فقال
_________
(1) في هامش «م» : يبيتوك .
(2) نسخة في «م» : وقد .
(3) في هامش «م» : يبيتكم .
(4) في هامش «م» : فوافق .

( 115 )

النبي صلّى اللّه عليه وآله : «مَنْ للوادي ؟» فقام رجل من المهاجرين فقال : أنا له يا رسولَ الله .
قال : فدَفَع إليه الرايةَ ومضى، ثمّ عاد بمثل ما عاد به صاحبهُ الأول .
فقال رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله : «أينَ عليُّ بن أبي طالب ؟» فقام أميرُ المؤمنين عليه السلام فقال : «أنا ذا يا رسولَ اللّه ؟» قال : «اِمض إلى الوادي» قال : «نعم» وكانت له عِصابة لا يَتَعصّب بها حتّى يَبْعَثَه النبيُّ عليه السلام في وجهٍ شديدٍ .
فمضى إلى منزل فاطمة عليها السلام ، فالتمس العصابةَ منها؟ فقالت : «أين تُريد ، أين بَعَثَك أبي ؟ قال : إلى وادي الرَمْل» فبكَتْ إشفاقاً عليه .
فدخل النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وهي على تلك الحال . فقال لها: «ما لكِ تَبكين ؟ أتَخافين أن يُقْتَل بعلًك ؟ كلاّ، إن شاءَ اللّه» فقال له علي عليه السلام : «لا تَنْفَس (1) عليّ بالجنّة ، يا رسولَ اللّه».
ثمّ خرج ومعه لِواء النبي صلّى اللّه عليه وآله فمضى حتى وافى القومَ بسَحَر فأقام حتّى ِ أصبح ، ثمّ صلّى بأصحابه الغَداةَ وصَفَهم صُفوفاً، واتكأ على سيفه مقبِلاً على العدُوّ، فقال لهم : «يا هؤلاء، أنا رسولُ رسول اللّه إليكم ، أن تقولوا لا إله إلاّ الله وأنَ محمّداً عبدُه ورسوله ، وإلاّ ضرَبتُكم بالسيف ، .

_________
(1) لا تَنْفَس : لا تبخل : «النهاية 5 : 97».

( 116 )

قالوا : اِرجِعْ كما رجَعَ صاحباك .
قال : «أنا أرْجِع ؟! لا والله حتى تُسْلِموا أو أضْرِبكم بسيفي هذا، أنا عليُّ بن أبي طالب بن عبد المُطَّلب».
فاضطرب القومُ لمّا عَرَفوه ، ثمّ اجترؤوا على مُواقَعته ، فواقعهم عليه السلام ، فقتَلَ منهم ستةً أو سبعةً، وانهزم المشركون ، وظَفِر المسلمون وحازوا الغنائم ، وتوجّه إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله .
فروي عن امّ سَلَمة- رحمة الله عليها-قالت : كان نبيُّ الله عليه السلام قائلاً(1) في بيتي إذ انْتَبَهَ فَزَعاً من منامه ، فقلت له : اللّه جارك ، قال : «صدقتِ ، اللّه جاري ، لكنّ هذا جَبرئيل عليه السلام يُخبِرني : أنّ علياً قادم» ثمّ خرج إلى الناس فأمَرَهم أن يَسْتَقبلوا علياً عليه السلام وقام المسلمون له صَفّين مع رسول اللّه صلّى اللّه علَيه واله .
فلمّا بَصرَ بالنبي صلّى اللّه عليه وآله ترجّل عن فرسه وأهوى إلى قدمَيْه يُقبّلهما، فقال له عليه السلام : «إرْكَبْ فإنّ اللّه تعالى ورسوله عنك راضيان» فبكى أميرُ المؤمنين عليه السلام فَرَحاً، وانصرف إلى منزله ، وتسلّم المسلمون الغنائمَ .
فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله لبعض من كان معه في الجيش : «كيف رأيتمُ أميرَكم ؟» قالوا : لم نُنِكْر منه شيئاً، إلاّ أنّه لم يَؤُمَ بنا في صلاة إلاّ قرأ بنا فيها بقُلْ هو الله أحد. فقال النبي صلّى الله عليه وآله «سأسأله عن ذلك» .

_________
(1) قائلاً: من القيلولة ، وهي نومة نصف النهار. «مجمع البحرين - قيل - 5: 459».

( 117 )

فلمّا جاءه قال له : «لمَ لم تَقْرَأ بهم في فَرائِضك إلاّ بسورة الإخلاص ؟» فقال : «يا رسولَ الله أحبَبْتها» قال له النبي عليه السلام : «فإن الله قد أحَبّك كما أحبَبْتَها» .
ثم قال له : «يا عليّ ، لولا أنّني أشْفِقُ أن تقولَ فيك طوائفٌ ما قالت النصَارى في عيسى بن مريم ، لقلتُ فيك اليومَ مَقالاً لا تَمُرّ بملأٍ منهم إلاّ أخَذوا التراب من تحت قَدَمَيْك» .


فصل

فكان الفتح في هذه الغَزاة لأمير المؤمنين عليه السلام خاصّةً ، بعد أن كان من غيره فيها من الإفساد ما كان ، واختصّ عليّ عليه السلام من مَديح النبي صلّى اللّه عليه وآله بها بفضائل لم يَحْصُل منها شيء لغيره .
وقد ذكر كثيرٌ من أصحاب السيرة(1): أنَّ في هذه الغَزاة نَزَل على النبي صلّى الله عليه واله : (وَالْعَادياتِ ضَبْحاً . . . )(2)إلى آخرها فتضمّنت ذكرَ الحال فيما فعله أميرً المؤمنين عليه السلام فيها .

_________
(1) اُنظر: تفسير القمي 2 : 4 43 ، أمالي الطوسي 2 : 21 ، مجمع البيان 5: 528 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 141 .
(2) العاديات 100 : 1 .

( 118 )



فصل

ثمّ كان من بَلائه عليه السلام ببني المُصْطَلِق ، ما اشتهر عند العلماء، وكان الفتح له عليه السلام في هذه الغَزاة، بعد أن اُصيب يومئذ ناسٌ من بني عبد المُطّلب ، فقَتَل أميرُ المؤمنين عليه السلام رجلين من القوم وهما مالك وابنه ، وأصاب رسولُ الله صلّى اللّه عليه وآله منهم سَبْياً كثيراً فقَسّمه في المسلمين .
وكان فيمن (1) أصيب يومئذ من السَبايا جُوَيْرِيَة بنت الحارث بن أبي ضِرار، وكان شعار المسلمين يوم بني المُصطلق: يا منصور أمِت (2)، وكان الذي سَبى جُوَيرية أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فجاء بها إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله فاصطفاها النبي عليه السلام .
فجاء أبوها إلى النبي عليه السلام بعد إسلام بقيّة القوم ، فقال : يا رسولَ اللّه ، إن ابنتي لا تسْبى ، إنّها امرأةٌ كريمةٌ ؛ قال : « اذهب فَخيِّرها» قال : أحسنت(3) وأجملتَ .
وجاء اليها أبوها فقال لها: يا بُنَيّة لاتَفْضَحي قومَك ، فقالت له : قد اخترتُ الله ورسولَه .
فقال لها أبوها : فعل الله بك وفَعَل ، فاعتقها رسول اللّه صلّى
_________
(1) في «م» وهامش «ش» : ممن .
(2) في هامش «ش» و«م» : المنصور كل واحد منهم ، أي نُصِرتَ فاقتل .
(3) في «م» و«ح» : قد أحسنت .

( 119 )

الله عليه وآله وجَعَلها في جملة أزواجه (1).


فصل

ثم تلا بني المُصْطَلِق الحُدَيْبِيَّة، وكان اللِواء يومئذ إلى أمير المؤمنين عليه السلام كما كان إليه في المشاهد قبلها، وكان من بلائه في ذلك اليوم عند صَفّ القوم في الحرب للقتال ما ظهر خبرُه واستفاض ذِكرُه .
وذلك بعد البَيعة التي أخذها النبي صلّى اللّه عليه وآله على أصحابه والعهود عليهم في الصبر، وكان أميرُ المؤمنين عليه السلام المبايعَ للنساء عن النبي عليه وآله السلام ،وكانت بيعته لهنّ يومئذ أن طَرَحَ ثوباً بينه وبينهنّ ثمّ مسحه بيده ، فكانت مبايَعتهنّ للنبي عليه السلام بمَسح الثوب ، ورسول الله صلّى الله عليه وآله يَمْسَحُ ثوبَ عليّ بن أبي طالب عليه السلام ممّايليه .
ولما رأى سُهَيل بنُ عَمْرو توجهَ الأمر عليهم ، ضرَعً إِلى النبي عليه السلام في الصلح ، ونَزَل عليه الوحي بالإجابة إلى ذلك ، وأن يَجْعَل أميرَ المؤمنين عليه السلام كاتبَه يومئذ والمتولّيَ لعقد الصلح بخطّه .
فقال له النبي عليه وآله السلام : «اُكتب يا عليّ : بسم اللّه الرحمن الرحيم».
فقال سهيل بن عَمْرو: هذا كتابُ بيننا وبينك يا محمّد ،
_________
(1) في «م» و هامش «ش» و «ح» : نسائه .

( 120 )

فافتَتِحْه بما نعْرِفُه (1)، واكتُب : باسمك اللّهم .
فقال رسولُ اللّه صلّى الله عليه وآله لأمير المؤمنين : «اُمْح ما كتبتَ واكتب : باسمك اللّهمّ» .
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «لولا طاعتُك يا رسولَ الله لما محوتُ بسم الله الرّحمن الرّحيم» ثمّ محاها وكتب : باسمك اللهمّ .
فقال له النبي عليه السلام : «اُكتب : هذا ما قاضى عليه محمّد رسولُ الله سُهَيلَ بن عَمْرو،).
فقال سُهَيل : لوأجبتُك في الكتاب الذي بيننا إلى هذا ، لأقررتُ لك بالنبوّة! فسواء شَهدتُ على نفسي بالرضا بذلك أو أطلقتُه من لساني ، اُمْحُ هذا الاسمَ واكتُب : هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد الله . فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّه والله لَرسول اللّه على رَغْم أنفك».
فقال سُهَيل : اُكتب اسمَه يَمضِي الشرط .
فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام : « ويلك يا سُهَيل ، كُفَّ عن عِنادك» .
فقال له النبي عليه السلام : «اُمْحُها يا عليّ».
فقال : «يا رسولَ اللّه ، إنّ يدي لا تَنطلق بمحو اسمك من النبوّة».

_________
(1) في هامش «ش» : نعرف .

( 121 )

قال له : «فَضَعْ يدي عليها» فمحاها رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله بيده ، وقال لأمير المؤمنين عليه السلام : «ستُدعى إلى مثلِها فتُجيب وأنت على مَضَض» .
ثمّ تممّ أمير المؤمنين عليه السلام الكتاب .
ولما تمّ الصلحُ نحر رسولُ الله صلّى الله عليه وآله هديَه في مكانه .
فكان نظام تدبير هذه الغَزاة مُعَلَّقاً بأمير المؤمنين عليه السلام ، وكان ما جرى فيها من البيعة وصفِّ الناس للحرب ثمّ الهُدنةِ والكتاب كلّهِ لأمير المؤمنين عليه السلام ، وكان فيما هيّأه اللّه تعالى له من ذلكَ حقْن الدماء وصلاح أمر الإسلام .
وقد روى الناسُ له عليه السلام في هذه الغَزاة - بعد الذي ذكرناه - فضيلتين اختَصَّ بهما، وانضافا إلى فضائله العِظام ومناقبه الجِسام :
فروى إبراهيم بن عُمَر، عن رجاله ، عن (فايد مولى عبداللّه بن سالم )(1) قال : لمّا خرج رسولُ الله صلّى اللّه عليه وآله في عمرة(2) الحدَيْبيّة نزل الجُحْفَة فلم يجِد بها ماءً ، فبعث سعدَ بن مالك بالرَوايا، حتَّى إذا كان غيرَبعيد رَجَع سعدٌ بالرَوايا فقال : يا رسولَ اللّه ، ما أستطيع أن أمضي ، لقد وقفَتْ قَدَماي رُعباً من القوم فقال له النبي عليه وآله
_________
(1) في متن النسخ والبحار: قائد ، وفي هامش «ش» و «م» عن نسخة : فائد ، والمظنون صحة فائد فانه أشهر من قائد، وقد أورد الخبر في الاصابة في باب الفاء في ترجمة فائد مولى عبدالله بن سلام وقال : أخرج له المفيد بن النعمان الرافضي في مناقب علي حديثاً .
(2) في « م» وهامش « ش» : غزو .

( 122 )

السلام : « اِجْلِس» .
ثمّ بعث رجلاً آخر، فخرج بالرَوايا حتى إذا كان بالمكان الذي انتهى اليه الأوّل رجع ، فقال له النبيّ عليه السلام : «لمَ رجعت ؟» فقال : والّذي بَعَثك بالحقّ ما استطعتُ أن أمضِيَ رُعباً.
فدعا رسولُ الله أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهما فأرسله بالرَوايا، وخرج السُقاة وهم لا يَشُكّون في رجوعه ، لما رأوا من رجوع (1) من تقدّمه .
فخرج عليّ عليه السلام بالرَوايا حتّى وَرَد الحَرار(2) فاستقى ، ثم أقبل بها إلى النبيّ صلّى الله عليه واله ولها زَجَل(3).
فكبّرالنبي صلّى اللّه عليه وآله ودعا له بخير(4).
وفي هذه الغَزاة أقبل سُهَيل بن عَمْرو إلى النبي صلّى الله عليه وآله فقال له : يا محمّد إنّ أرقّاءَنا لَحِقوا بك فاردُدهم علينا. فغَضِبَ رسولُ الله عليه السلام حتّى تبيّن الغضبً في وجهه ، ثمّ قال : «لَتَنتهُنَّ - يا معشر قريش - أو ليَبْعَثَنَّ الله عليكم رجلاً امتحَنَ اللة قلبَه للإيمان ، يَضْرِب رِقابَكم على الدين» .
فقال بعض من حضر: يا رسولَ الله ، أبو بكر ذلك الرجل ؟ قال : «لا» قيل : فعُمَر قال : «لا، ولكنّه خاصف النعل في الحُجرة» فتبادر
_________
(1) في هامش «ش» و«م» : من جزع .
(2) الحرار: جمع حرّة ، وهي أرض ذات حجارة سود نخرة . «الصحاح -حرر- 2 : 626» .
(3) الزَجَل : رفع الصوت الطرب . «لسان العرب -زجل - 11 : 302».
(4) الاصابة في معرفة الصحابة 3 : 199 عن المؤلّف ، مناقب آل أبي طالب 2 : 88 باختلاف يسير، ونقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار20 : 359 .