إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: 406 ـ 420
(406)
    يلاحظ عليه : بأنّ الاستدلال مبني على أنّ المراد من الريب المنفي هو الريب النسبي لا الريب على وجه الإطلاق ، بمعنى انّ الريب الموجود في الشاذ ليس بموجود في المشهور وإن كان المشهور محتمل الريب من جهات أُخرى ، فعلى هذا يصحّ التعدي لكن الظاهر انّ المنفي هو الريب على وجه الإطلاق كما هو مقتضى « لا النافية للجنس » .
    يقول ابن مالك في نكته على مقدمة ابن الحاجب بأنّ « لا » قد تكون نافية للجنس ويُفرَّق بين إرادة الجنس وغيره بالقرائن وإنّما أعملت « اعمال ما ولا » لأنّها لما قصد بها نفي الجنس على سبيل الاستغراق اختصت بالجنس. (1)
    وعلى هذا فاحتمال انّ الريب المنفي هو الريب النسبي على خلاف الظاهر. غير انّ « لما لا ريب فيه » مصداقين :
    أحدهما : الخبر المتواتر ، وليس هو المراد في المقام ، لأنّ الراوي افترض بعد هذا السؤال خبرين مشهورين ، ومن المعلوم عدم إمكان فرض خبرين متواترين متعارضين ولا وجه للسؤال عن غير الممكن.
    وثانيهما : الخبر الواحد الذي تطمئن به النفس وتسكن إليه ، لنقل الأصحاب وعملهم به دون الآخر الذي أعرض عنه الأصحاب نقلاً وعملاً أو عملاً فقط ، فالأوّل لا ريب فيه عرفاً ، والثاني فيه كلّ الريب ولايدخل مثل ذلك في عنوان الخبر المتواتر ، إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لو قلنا بالتعدي فانّما يصحّ لو كان المتعدَّى إليه مثل الشهرة العملية للرواية التي تجعل الخبر مسكوناً إليه لا مطلق المرجِّح الذي لايجعل الخبر بلا ريب.
    إلى هنا تبيّن ما هو المراد من الحديث ، وإليك تحليل ما استشهد به من
1. البهجة المرضية : 67 ، طبعة المكتبة الإسلامية.

(407)
الوجهين :
    أمّا الوجه الأوّل فحاصله : انّ فرض خبرين مشهورين دليل على أنّ المنفي هو الريب النسبي لا المطلق ، وإلاّ لما أمكن فرض خبرين متعارضين ممّا لا ريب في كلّ واحد على الإطلاق ، لاستلزامه العلم بالمتناقضين. ولكن الاستشهاد مبنيّ على كون المراد من خبرين مشهورين هو اشتمالهما على تلك المزية ، وأمّا لو كان الفرض رمزاً لخلوهما من تلك المزية فلايصحّ الاستشهاد ، كما إذا عملت طائفة بخبر وطائفة أُخرى بخبر آخر.
    وأمّا الوجه الثاني فلأنّ تقديم صفات الراوي على صفات الرواية كالشهرة ـ مع أنّ القاعدة تقتضي العكس لكون صفات الرواية ظنّية بخلاف الشهرة فانّها قطعية ـ هو انّ مورد السؤال هو اختلاف الحكمين ، وطبع القضية يقتضي تقديم صفات الحاكم على غيره ، وإلاّ فلو كان مورده السؤال عن الفتوى لكان اللازم تقديم الشهرة على صفات الراوي.
    وبالجملة تقديم الترجيح بصفات الراوي لايكون دليلاً على أنّ الريب المنفي هو الريب النسبي ، بل المنفي هو الريب المطلق المفيد لليقين ، وأمّا تقديم المرجح الظني عليه فلخصوصية في المورد.
    الوجه الثالث : التعليل الوارد في الأخذ بما يخالف العامة بأنّ الرشد في خلافهما ، ومن الواضح انّه ليس المراد انّ كلّ ما يكون مخالفاً للعامة فهو الحقّ القراح ، وكلّ ما يكون موافقاً لهم فهو الباطل المحض ضرورة بطلان ذلك ، لوجود الاشتراك في كثير من الأحكام ، بل المراد وجود احتمال التقية في الموافق دون المخالف ، ففي المخالف أمارة الحقّ والرشد بخلاف الموافق ، ولازم ذلك الأخذ بكلّ مزية فيه أمارة الحقّ والرشد وترك ما فيه مظنة الحقّ والصواب.


(408)
    يلاحظ عليه : أنّ الرواية المزبورة وردت عن طريق أحمد بن محمد السياري (1) وهو ضعيف الحديث فاسد المذهب. (2)
    نعم ورد في المقبولة ما خالف العامة ففيه الرشاد ، وأقصى ما يمكن أن يقال : انّه إذا بلغت المزية غير المنصوصة هذا الحد يجب الأخذ به ، وهو غير الأخذ بكلّ مرحِّج ظني.
    الوجه الرابع : قوله : « دع ما يريبك إلى ما لايريبك » دلّ على أنّه إذا دار الأمر بين أمرين في أحدهما ريب ليس في الآخر ذلك الريب يجب الأخذ به ، وليس المراد نفي الريب المطلق.
    يلاحظ عليه : أنّ الرواية ضعيفة مرسلة رواها الشهيد في « الذكرى » عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، وقال ( عليه السلام ) : « دع ما يريبك إلى ما لايريبك » . كما رواه الكراجكي في « كنزه » ، قال : « دع ما يريبك إلى ما لايريبك ، فانّك لن تجد فقد شيء تركته للّه عزّوجلّ » . (3)
    لكن المراد من الريب هو احتمال الحرمة ، كما هو الظاهر من قوله « تركته للّه » .
    هذا كلّه حول دليل القائل بالتعدّي ، وأمّا دليل القائل بعدمه فهو مقتضى إطلاقات التخيير إلاّ ما خرج بالدليل ، ويؤيد ذلك أمران :
    الأوّل : انّه لو لزم العمل بكلّ مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع ، لكان على
1. الوسائل : 18/82 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 23.
2. رجال النجاشي : 1/211 ، برقم 190.
3. الوسائل : 18/124 ، الباب 12 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 47.


(409)
الإمام بيان الضابطة الكلية من دون حاجة إلى بيان الخصوصيات.
    الثاني : انّ الإمام بعد فرض الراوي في المقبولة تساوي الخبرين في جميع المرجحات المنصوصة أمر بالإرجاء حتى يلقى إمامه ، فلو كان الواجب هو تقديم ذي المزية على غيرها كان عليه أن يقول : اعمل بالخبر الذي فيه مزية توجب الأقربية.
    تمّ الكلام في الجهة الثالثة ، بقي هنا شيء ، وهو ما هو الواجب في المتعارضين بنحو العموم والخصوص من وجه ؟ ونجعله خاتمة المطاف.


(410)
    خاتمة المطاف
في التعارض على نحو العموم والخصوص من وجه
    قد وقفت بفضل البحث الضافي في الفصلين على أمرين :
    أ : الجمع المقبول بين الروايتين ، مقدّم على الأخبار العلاجية من التخيير والترجيح.
    ب : إذا كانت النسبة بين الخبرين هو التباين ، فيجب العمل بالرواية ذات المزية ، وإلاّ فالتخيير.
    بقي الكلام فيما إذا كان التعارض بين الخبرين على نحو العموم من وجه ، كما إذا دلّ الدليل على نجاسة عذرة ما لايؤكل لحمه ، ودلّ دليل آخر على طهارة عذرة كلّ طائر ، فيفترق الدليلان في موردين أحدهما : عذرة الوحوش ، فإنّها داخلة تحت إطلاق الدليل الأوّل ، وثانيهما : عذرة الطائر الذي يؤكل لحمه ، فإنّها داخلة تحت إطلاق الدليل الثاني ، وإنّما يتعارضان في الطائر غير المأكول لحمه كما فيما إذا كان له مخالب ، فهل المرجع هو التساقط والرجوع إلى دليل آخر من اجتهادي كالعموم والإطلاق ، وأصل عمليّ إذا لم يكن دليل اجتهادي ؛ أو المرجع هو الأخبار العلاجية من الترجيح أوّلاً والتخيير ثانياً ؟
    استدل للقول الأوّل بأنّ المتبادر من الأخبار العلاجية هو دوران الأمر بين الأخذ بالشيء بتمامه ، وترك الآخر كذلك ، أو بالعكس كما هو الظاهر من قوله :


(411)
« أحدهما يأمر والآخر ينهى » والأمر في العامّين من وجه ليس كذلك ، إذ لايدور الأمر بين الأخذ بواحد منهما وترك الآخر أو بالعكس ، بل يؤخذ بكلّ في موردي الافتراق ، وإنّما الاختلاف في مورد الاجتماع ، فالعُقاب بما انّه حيوان غير مأكول يحكم عليه بالنجاسة. وبما انّه طائر يحكم عليه بالطهارة.
    ومنه يعلم حكم أخبار العرض على الكتاب والسنّة وفتاوى العامّة ، فانّ الظاهر هو الأخذ بتمام ما وافق كتاب اللّه وترك تمام ما خالفه ، ومثله ما وافق العامّة أو خالفها ، فإنّ المتبادر هو أخذ تمام ما خالف العامة وترك كلّ ما وافقهم ، والأمر في العموم من وجه ليس كذلك ، لأنّه يؤخذ بكلا الدليلين ، ولايترك الآخر بتاتاً.
    ثمّ إنّ الشيخ ذهب إلى القول الثاني قائلاً : إنّ التعارض يصدق عرفاً وانّ العامين من وجه داخل في الأخبار العلاجية ، إذ تخصيصهما بخصوص المتعارضين اللّذَين لايمكن الجمع بينهما إلاّ بإخراج كليهما عن ظاهريهما خلاف الظاهر. (1)
    يلاحظ عليه : أنّ الظاهر خلاف ما ادّعاه ، لما عرفت من أنّ قوله : « أحدهما يأمر والآخر ينهى » ظاهر في دوران الأمر بين الأخذ بأحدهما تماماً وترك الآخر كذلك ، وهذا الشرط مفقود في العامّين من وجه ، ومثله قوله : خذ ما وافق الكتاب أو خذ ما خالف العامة ، فانّه ظاهر في الأخذ بتمام الخبر الموافق للكتاب أو الخبر المخالف للعامة وترك الآخر من رأس لا تركه في مورد الاجتماع والعمل به في مورد الافتراق.
    نعم يمكن تقريب ما أفاده الشيخ من وجه آخر وهو التمسّك بالملاك بأن يقال انّ الأخبار العلاجية بصدد إعطاء الضابطة ، فلو لم تكن شاملة للعامين من وجه بلفظها ، فإنّها شاملة لهما بمناطها إذ أيّ فرق بين المخالفة بتمام المضمون أو
1. فرائد الأُصول : 453.

(412)
ببعضه ، فانّ أحد الحكمين في مورد التصادق مخالف للكتاب أو موافق للعامة فيؤخذ بغيره.
    أقول : هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه نظرية الشيخ ، ولكنّ العلم بالملاك أمر صعب ، إذ فرق واضح بين المخالفة بنحو التباين ، والمخالفة بنحو العموم من وجه. فالمخالفة في الأوّل قوّية بخلاف المخالفة في الثانية فإنّها أضعف ولايمكن إسراء حكم القوي إلى الضعيف إلاّ إذا كان هناك دليل قاطع ، والقول بأنّ الملاك صرف المخالفة ، وهي موجودة في العامين من وجه يحتاج إلى الدليل.
    والذي يؤيد القول المختار هو ما عرفت أنّ تقديم الخبر المجمع عليه أو كونه موافقاً للكتاب والسنّة من قبيل تقديم الحجة على اللا حجة لا من باب الترجيح ، وهذا إنّما ينطبق على المخالفة بنحو التباين لا على نحو العامين من وجه ، إذ ليس كلّ من الدليلين في موردي الاختلاف أمراً باطلاً ، والتفكيك بين مورد الاتفاق بوصفه حجّة ومورد الاختلاف بوصفه لا حجة أمر لايقبله الذوق.
    سؤال وإجابة
    بقيت هنا كلمة وهي انّه ربّما يبحث عن العامّين من وجه في مبحث اجتماع الأمر والنهي ، وأُخرى في المقام :
    وعندئذ يطرح هذا السؤال وهو : انّه كيف يعدُّ شيء واحد تارة من باب التزاحم ، كما هو الحال في طرحه في باب اجتماع الأمر والنهي ؛ وأُخرى في باب التعارض ، كما هو الحال في طرحه في المقام ؟
    والحاصل انّ قولنا : « صلّ ولاتغصب » نظير قولنا : « أكرم العلماء ولاتكرم الفسّاق » ، حيث يعد الأوّل من باب التزاحم بخلاف الآخر حيث يعدّ من باب


(413)
التعارض ، ولم نجد أحداً يعالج المثال الأوّل من باب التعارض ، كما أنّه لم نجد من يعالج المثال الثاني من باب التزاحم مع أنّ المثالين من باب واحد.
    قلت : إنّ هذه المسألة وصفها الشيخ المظفر بأنّها من المسائل العويصة ، مشكلة التفرقة بين باب التعارض وبين باب التزاحم ثمّ بينهما وبين مسألة الاجتماع.
    وقد أجاب بالنحو التالي :
    إنّ العنوان المأخوذ في متعلّق الخطاب من جهة عمومه على وجهين :
    1. أن يكون ملحوظاً في الخطاب ، فانياً في مصاديقه على وجه يسع جميع الأفراد بما لها من الكثرات والمميّزات فيكون شاملاً في سعته لموضع الالتقاء مع العنوان المحكوم الآخر ولانضايقك أن تسمّي مثل هذا العموم ، العموم الاستغراقي ، فيكون كلّ دليل متعرضاً لحكم كلّ فرد من أفراده ، فلو قال : أكرم العلماء ، فهو بمنزلة أن يقول : أكرم العلماء حتى الفسّاق منهم ؛ ولو قال : لاتكرم الفسّاق ، فهو بمنزلة أن يقول : لاتكرم الفسّاق حتى العلماء منهم ، فيكون كلّ ، نافياً بالدلالة الالتزامية لكلّ حكم مناف لحكمه.
    2. أن يكون العنوان ملحوظاً في الخطاب فانياً في مطلق الوجود ، المضاف إلى طبيعة العنوان من دون ملاحظة كونه على وجه يسع جميع الأفراد ، أي لم تلحظ فيه الكثرات والمميزات في مقام الأمر بوجود الطبيعة ولا في مقام النهي عن وجود الطبيعة الأُخرى ، فيكون المطلوب من كلّ ، هو صرف الوجود ولنسمِّ هذا العموم العمومُ البدلي كما صنع بعضهم.
    فلو كان العنوان مأخوذاً على النحو الأوّل ، فهو من مصاديق المتعارضين ،


(414)
لأنّهما يتكاذبان بالنسبة إلى موضع الالتقاء من جهة الدلالة الالتزامية في مقام الجعل والإنشاء.
    وإن كان العنوان مأخوذاً على النحو الثاني ، فهو مورد التزاحم أو مسألة اجتماع الأمر والنهي ، وبما انّ الأمر بالصلاة لم يكن ظاهراً في طلبها حتى في مورد الغصب ، وهكذا النهي عن الغصب حيث لم يكن ظاهراً في النهي عنه حتى في مورد الصلاة. فلامعارضة بين الدليلين في مقام الجعل والإنشاء ، بل المنافاة لأجل عدم قدرة المكلّف بين الامتثالين ، فيدور الأمر بين امتثال الأمر وامتثال النهي ، إذ لايمكنه امتثالهما معاً من جهة عدم المندوحة. (1)
    يلاحظ عليه : أنّ تفسير المتعارضين في العامين من وجه بالعام الاستغراقي ، وتفسير المتزاحمين بالعام البدلي غير تام لا في جانب الأوّل ولا في ناحية الثاني.
    أمّا المتعارضان منهما فربما يكون المأمور به والمنهي عنه في كلا الدليلين صرف الطبيعة من دون دلالة على الكثرات والمميزات حتى يعمّ كلّ فرد فرد حتى المقارن ، بالعنوان الآخر ، كما في قولك : « أكرم العالم ، ولاتكرم الفاسق » فانّهما بمنزلة قولنا : صلِّ ، ولاتغصب ، وإنّما يصحّ ما ذكره إذا كان الدليل مقروناً بما يدل على الكثرات ، كالجمع المحلّى باللاّم ، مثل العلماءُ الفسّاق ، دون المفرد المحلّى بها ، الدال على الطبيعة.
    وأمّا المتزاحمان ، فقولنا : « صل » وإن كان بحكم العام البدلي ، فانّ المطلوب فرد من أفراد الصلاة ، إلاّ أنّ قولنا : « لاتغصب » ليس كذلك ، إذ المطلوب ترك جميع أفرادها وقد ارتكز في أذهان العرف انّ نفي الطبيعة إنّما هو بنفي جميع
1. أُصول الفقه : 1/285 ـ 290.

(415)
أفرادها.
    والحق ما أفاده المحقّق الخراساني في الفرق بين البابين من أنّه لايكون المورد من باب الاجتماع إلاّ إذا أحرز في كلّ واحد من متعلّقي الإيجاب والتحريم ، مناط حكمه مطلقاً حتى في مورد التصادق والاجتماع ، وأمّا إذا لم يحرز مناط كلّ من الحكمين في مورد التصادق مع العلم بمناط أحد الحكمين بلا تعيين بالمورد ، فهو من باب التعارض للعلم الإجمالي حينئذ بكذب أحد الدليلين الموجب للتنافي بينهما عرضاً. (1)
    أقول : إنّ إحراز المناط في كلّ من المتعلّقين فرع إحراز صدورهما شرعاً من الشارع بالتواتر وبالخبر الواحد المحفوف بالقرائن ، وإلاّ لايكون هناك علم باشتمالهما على المناط ، لاحتمال كذب واحد منهما أو كليهما. فيختصّ التزاحم بما إذا علم صدور الحكمين.
    بخلاف باب التعارض ، إذ ليس هناك علم بصدور واحد منهما فضلاً عن كليهما ، وإنّما قام الدليل القطعي على كون الدليلين حجة شرعية مع احتمال كذب أحدهما أو كليهما ، ولذلك لم يحرز وجود المناط حتى في واحد منهما.
    وممّا ذكرنا يظهر النظر في قول المحقّق الخراساني حيث قال مع العلم بمناط أحد الحكمين بلا تعيين. فإنّ محط البحث في المتعارضين في الأعمّ منه وممّا إذا لم يحرز وجوده في واحد منهما وإن قام الدليل على كونهما حجة ، وقد أوضحنا ما ذكرناه عند البحث عن اجتماع الأمر والنهي فلاحظ. (2)
1. كفاية الأُصول : 1/241 بتصرف يسير.
2. المحصول : 2/191.


(416)
    بلغ الكلام إلى هنا ليلة الأحد ثاني شهر صفر المظفّر من شهور
    عام 1421 من الهجرة النبوية.
    وتمّ الكتاب بيد مؤلِّفه محمد حسين الحاج العاملي ،
    عامله اللّه بلطفه الخفيّ أحمده سبحانه وأشكره على نشر
    ما أفاده شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظله ـ
    في المباحث العقلية وأرجو منه
    سبحانه أن يوفقني لنشر ما كتبته
    في حقل الفقه انّه بذلك قدير
    وبالإجابة جدير.


(417)


(418)

(419)
بسم الله الراحمن الرحيم
    الحمد للّه ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين الهداة المهديّين.
    أمّا بعد ؛ فقد ذيّلنا مبحث الاستصحاب بالبحث عن نسبته إلى الأُصول العقلية والشرعية وكيفية علاج تعارض الاستصحابين ، لكن بقي هناك بحث يبيّن نسبة الاستصحاب مع القواعد الأربع ، أعني :
    1. قاعدة اليد.
    2. قاعدة التجاوز والفراغ.
    3. قاعدة أصالة الصحّة في فعل الغير.
    4. قاعدة القرعة.
    فقد أفاض شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظلّه ـ القول في حقيقة هذه القواعد ، ودلائل حجّيتها ، وما يترتّب عليها من الفروع ، وناقش جملة من الآراء ، ولمّا كان ما أفاده طويل الذيل ، مترامي الأطراف ، أفردناه بالتأليف على أمل أن يكون نافعاً للفضلاء الكرام ولم آلُ جهداً في تحرير ما أفاده ، وتبيين ما قرّره ، والمرجو من اللّه تعالى أن يجعله ذخراً في الدارين ، انّه بذلك قدير وبالإجابة جدير.
محمد حسين الحاج العاملي
قم ـ عشّ آل محمّد
رجب المرجب 1420 هـ


(420)
القواعد الأربع
1
    إنّ الحافز لطرح هذه القاعدة وما يليها من القواعد إنّما هو لبيان النسبة بينها وبين الاستصحاب ، وانّه في مورد التعارض هل تقدّم تلك القواعد عليه أو يقدّم الاستصحاب عليها ؟ فصار ذلك سبباً لطرح هذه القواعد الأربع في ذيل
    الاستصحاب في الكتب الأُصولية استطراداً.
    والقواعد الأربع عبارة عن :
    1. قاعدة اليد ، 2. قاعدة أصالة الصحة في فعل الغير ، 3. قاعدة أصالة الصحة في فعل النفس ، 4. قاعدة القرعة.
    وهذه القواعد أدوات بيد الفقيه في أبواب مختلفة ، فلنشرح القاعدة الأُولى ، أعني : « قاعدة اليد » ، وهي غير قاعدة « على اليد » ؛ فالأُولى آية الملكية ، والثانية سبب الضمان. فقاعدة اليد تشير إلى أنّ الاستيلاء سبب أو دليل الملكية ، وعليه سيرة العقلاء ؛ كما أنّ القاعدة الثانية تشير إلى أنّ الاستيلاء على مال الغير موجب للضمان ، ويدلّ عليه قوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » . وكلتا القاعدتين من أدوات القضاء.
    فبالأُولى يُعرف المدّعي عن المنكر ، وبالثانية يحكم على ضمان من أتلف العين أو المنافع المستوفاة بل غيرها أيضاً.
إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: فهرس