فـتـح الابــواب ::: 1 ـ 15

فـتـح الابــواب
بين ذوي الالباب وبين رب الارباب
في الاستخارات
تأليف
السيد الجليل أبي القاسم علي بن موسى
ابن طاووس الحسني الحلي
« 589 ـ 644 هـ »
تحقيق
حامد الخفاف
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث


(7)
بسم اللّه الرحمن الرحيم
تمهيد
    تمثل « الاستخارة » في أفكار جمع كثير من أبناء الطائفة الشيعية عقيدة راسخة ، يؤمنون بفاعليتها على المستوى العملي بعد أن اطّلعوا على أصولها النظرية من خلال الأحاديث والأخبار ، حتى أن طلب الخير من الله في الفعل وتركه تجاوز الحالات الفردية الخاصة إلى القضايا الاجتماعية والمسائل المصيرية ، كالزواج والمشاريع التجارية وغير ذلك من الأمور الهامة.
    فهناك من أسهب في الاستخارة ، حتى راحت تتدخل في شؤونه الحياتية الشخصية وتصرفاته اليومية ، إيماناً منه بان لا خيار أفضل مما يختاره الله عزّ وجل لعباده ، وهذا الصنف من الناس يتمتع عادة بنقاء السريرة وصفائها ، وسلامة النفس وطيبها.
    فيما يعتقد اخرون أنّ الاستخارة خُضّصت لحالات معينة لا يستطيع الإنسان فيها أن يعزم بضرس قاطع على رأي معين ، فيستخير من الله عزّ وجل في الفعل وعدم الفعل ، وشعارهم فيما يعتقدون مقولة : « الخيرة عند الحيرة ».
    وهناك صنف آخر لا يرى العمل بالاستخارة ، لاعتبارات عدّة ، لا


(8)
مجال لذكرها ، وشعارهم في ذلك قوله تعالى : ( وَإذَا عَزَمْتَ فتَوَكَّل عَلَى الله ).
    ولا أريد في هذه العجالة الدخول في معمعة المفاضلة بين الأراء ، بقدر ما أؤكد على أن الاستخارة ـ بالنظر إلى الأمر الواقع ـ تمثل ظاهرة اجتماعية عميقة الجذور ، تحمل في طياتها من الايجابيات والسلبيات ما يستحق الدراسة والبحث ، من أجل بناء مجتمع إسلامي رصين ، يحمل معتقداته الفكرية على أساس من الإيمان بالله والدليل العلمي.
    وكتاب « فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين ربّ الأرباب » من أهم وأقدم الاثار التي تناولت موضوع الاستخارة ، أنواعها ... كيفياتها ، وكلّ ما يرتبط بها ، استهدفنا باحيائه وتحقيقه إثراء المكتبة الاسلامية في جانب قلّ ما كُتب فيه ، بالإضافة إلى أهميته المصدرية الحديثية ، وما امتاز به من خصوصيات تأتيك في القسم الثاني من المقدمة ، ونكون بذلك قد هيأنا جزءً من المادة الأولية لأيّ دراسة أو بحث يتناول هذه الظاهرة الاجتماعية.
    ونأمل أن نكون قد وفّقنا لإخراج هذا الأثر القيم وتحقيقه بالصورة اللائقة والمناسبة لقيمته العلمية ، متضرّعين إلى الله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل المتواضع بقبول حسن ، إنه نعم المولى ونعم النصير.
حامد الخفاف
10 ذي الحجة 1408 هـ


(9)
مقدمة الكتاب
القسم الأول
« ترجمة المؤلف »
    1 ـ موجز عن حياته.
    2 ـ أسرته
        أ ـ وا لده
        ب ـ والدته
        ج ـ أخوته
        د ـ زوجته
        هـ ـ أولاده
3 ـ أقوال العلماء فيه.
4 ـ مشايخه.
5 ـ الرواة عنه.
6 ـ مكتبته.
7 ـ تصانيفه.
8 ـ شعره.
9 ـ وفاته ومدفنه.


(10)

(11)
1 ـ موجز عن حياته
    هو السيد علي (*) بن موسى بن جعفربن محمدبن محمدبن أحمدبن محمد بن أحمد بن محمد ـ هو الطاووس (1) ـ بن إِسحاق بن الحسن بن محمد بن سليمان بن داود (2) بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ابن مولانا أمير
* ـ توجد ترجمته في : الإجازات ، المطبوع في بحار الأنوار 107 : 37 ، الحوادث الجامعة : 356 ، عمدة الطالب : 190 ، أمل الامل 2 : 205 ، بحار الأنوار 1 : 13 ، مجمع البحرين ـ طوس ـ 4 : 83 ، لؤلؤة البحرين : 235 ، نقد الرجال : 244 ، هداية المحدثين : 306 ، جامع الرواة 1 : 603 ، جامع المقال : 142 ، منتهى المقال : 225 ، التعليقة للوحيد : 239 ، مقابس الأنوار : 16 ، روضات الجنات 4 : 325 ، مستدرك الوسائل 3 : 467 ، هدية العارفين 5 : 710 ، تنقبح المقال 2 : 310 / 8529 ، الكنى والألقاب 1 : 327 ، هدية الأحباب : 70 ، سفينة البحار 2 : 96 ، أعيان الشيعة 8 : 358 ، معجم رجال الحديث 12 : 188 ، الأعلام 5 : 26 ، معجم المؤلفين 7 : 248 ، الأنوار الساطعة في المائة السابعة : 116 ، السيد علي آل طاووس ( بحث للشيخ محمد حسن آل ياسين ) ، موارد الاتحاف في نقباء الأشراف 1 : 107 ، البابليات لليعقوبي 1 : 65
1 ـ لقب بالطاووس لأنه كان مليح الصورة ، وقدماه غير مناسبة لحسن صورته ، يكنى أبا عبدالله ، وكان نقيب سورا « بحار الأنوار 107 : 44 ».
2 ـ صاحب عمل النصف من رجب المشهور.


(12)
المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (1).
    ولد رضوان الله عليه قبل ظهريوم الخميس منتصف محرم سنة 589 هـ في مدينة الحلة (2) ، التي شهدت في تلك الفترة بداية ازدهار حركتها العلمية ، التي شكلت في ما بعد مدرسة فقهية خاصة عرفت باسمها ، تمثّل نتاجها الثقافي بتخريج عدد كبير من أساطين العلماء وكبار الفقهاء ، الذين أخذوا بزمام الزعامة العلمية مدة ثلاثة قرون تقريباً.
    ومن الطبيعي أن يَتْرُك الجو العلمي الذي تربّى في أحضانه السيد ابن طاووس أثراً إيجابياً طيباً في حياته ، كان بمثابة الحجر الأساس فيما وصل إليه من مراتب سامية في دنيا المعارف الإسلامية ، فضلاً عما كانت تتمتع به أسرته من رصيد علمي ضخم ، لا تخفى آثاره على الوليد الجديد.
    ويحدثنا السيد ابن طاووس عن تاريخ نشأته ودراسته ، فيقول :
    « أول ما نشأت بين جدي ورّام ووالدي ... وتعلّمت الخط والعربية ، وقرأت علم الشريعة المحمدية ... وقرأت كتباً في أصول الدين ... واشتغلت بعلم الفقه ، وقد سبقني جماعة إلى التعليم بعدّة سنين ، فحفظت في نحو سنة ما كان عندهم وفضلت عليهم ... وابتدأت بحفظ الجمل والعقود ... وكان الذين سبقوني ما لأحدهم إلاّ الكتاب الذي يشتغل فيه ، وكان لي عدة كتب في الفقه من كتب جدي ورّام انتقلت إليّ من والدتي ( رض ) باسباب شرعية في حياتها ... فصرت أطالع بالليل كل شيء يقرأ فيه الجماعة الذي تقدّموني بالسنين ، وأنظر كل ما قاله مصنف عندي وأعرف ما بينهم من الخلاف على عادة المصنفين ، وإّذا حضرت مع التلامذة بالنهار
1 ـ الإجازات المطبوع في البحار 107 : 37 ، لؤلؤة البحرين : 237.
2 ـ كشف المحجة : 4 ، بحار الأنوار 107 : 45.


(13)
أعرف ما لا يعرفون وأناظرهم ... وفرغت من الجمل والعقود ، وقرأت النهاية ، فلما فرغت من الجزء الأول منها استظهرت على العلم بالفقه حتى كتب شيخي محمد بن نما خطه لي على الجزء الأول وهوعندي الان ... فقرأت الجزء الثاني من النهاية أيضاً ومن كتاب المبسوط ، وقد استغنيت عن القراءة بالكلية ... وقرأت بعد ذلك كتباً لجماعة بغير شرح ، بل للرواية المرضية ... وسمعت ما يطول ذكرتفصيله » (1).
    ثم هاجر رضوان الله عليه إلى بغداد ، ولم تحدد المصادر التاريخية سنة هجرته ، إلآ أنه يمكن حصر الفترة المذكورة في حدود سنة 625 هـ تقريباً ، لأنّ المصادر تذكر أنه أقام في بغداد نحواً من 15 سنة ، ثم رجع إلى الحلة في أواخر عهد المستنصر المتوفى سنة 640 هـ (2).
    وفي خلال تلك الفترة التي قضاها السيد في بغداد كان يتمتع بمكانة مرموقة يشار لها بالبنان ، سواء على صيد علاقاته بالمجتمع العلمي المتمثل حينذاك بعلماء النظامية والمستنصرية ومناظراته معهم ، أو على مستوى صلاته بالنظام القائم على الرغم من عدم انشغاله بالشأن السياسي في تلك الفترة (3).
    « وكان له مع الخليفة المستنصرمن متانة الصلة وقوة العلاقة ما يعتبرفي طليعة ما حفل به تاريخه في بغداد ، وكان من أول مظاهرها إنعام الخليفة عليه بدار سكناه ، ثم أصبحت لرضي الدين من الدالة ما يسمح له بالسعي لدى المستنصر في تعيين الرواتب للمحتاجين (4) ، وما يدفع المستنصر إلى مفاتحته
1 ـ كشف المحجة : 109 ، 129 ، 130 ، السيد علي آل طاووس : 4.
2 ـ كشف المحجة : 115 ، بحار الأنوار 107 : 45.
3 ـ كشف المحجة : 75 ، 76 ، 80.
4 ـ فرج المهموم : 126.


(14)
في تسليم الوزراة له ، ولعل حب المستنصرـ كأبيه ـ للعلويين وعطفه عليهم واهتمامه بشؤونهم هو السبب في هذه العلاقة الأكيدة القوية ، وفي تدعيمها واستمرارها طوال تلك السنين » (1).
    ويذكر السيد ابن طاووس في مؤلفاته محاولات الخليفة المستنصر لإقناعه بقبول منصب الافتاء تارة (2) ، ونقابة الطالبيين تارة أخرى (3) ، حتى وصل الأمر بان عرض عليه الوزارة ، فرفضها ، مبرراً ذلك بقوله للمستنصر :
    « إن كان المراد بوزارتي على عادة الوزراء يمشون أمورهم بكل مذهب وكل سبب ، سواء كان ذلك موافقاً لرضا الله جل جلاله ورضا سيد الأنبياء والمرسلين أو مخالفاً لهما في الأراء ، فإنك من أدخلته في الوزارة بهذه القاعدة قام بما جرت عليه العوائد الفاسدة ، وإنْ أردت العمل في ذلك بكتاب الله جل جلاله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) فهذا أمر لايحتمله مَنْ في دارك ولا مماليكك ولا خدمك ولا حشمك ولا ملوك الأطراف ، ويقال لك إذا سلكت سبيل العدل والإنصاف والزهد : إن هذا علي بن طاووس علوي حسني ما أراد بهذه الأمور إلأ أن يعرف أهل الدهور أن الخلافة لو كانت إليهم كانوا على هذه القاعدة من السيرة ، وأن في ذلك رداً على الخلفاء من سلفك وطعناً عليهم » (4).
    وعاد بعد ذلك إلى الحلة ، والظاهر أنّ عودته كانت في أواخر عهد المستنصر ، فبقي هناك مدة من الزمن ، ثم انتقل إلى النجف فبقي فيها ثلاث سنين ، ثم انتقل إلى كربلاء ، وكان ينوي الإقامة فيها ثلاث سنين ، ثم عاد
1 ـ السيد علي آل طاووس : 7.
2 ـ كشف المحجة : 111.
3 ـ نفس المصدر : 112.
4 ـ كشف المحجة : 114.


(15)
إلى بغداد سنة 652 هـ ، وبقي فيها إلى حين احتلال المغول بغداد ، فشارك في أهوالها ، وشملته آلامها ، وفي ذلك يقول : « تم احتلال بغداد من قبل التتر في يوم الإثنين 18 محرم سنة 656 هـ ، وبتنا ليلة هائلة من المخاوف الدنيوية ، فسلمنا الله جل جلاله من تلك الأهوال » (1).
    وفي سنة 661 هـ ولي السيد ابن طاووس نقابة الطالبيين ، وجلس على مرتبة خضراء ، وفي ذلك يقول الشاعرعلي بن حمزة مهنّئاً :
فهذا علـيّ نجل موسى بن جعفر فذاك بـِدَسْتٍ لــلإمامةِ أخضر شبيه عليّ نجل موسى بن جعفر وهذا بــِدَست لـلنقابةِ أخضر
    لأنّ المأمون العباسي لما عهد إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) ألبسه لباس الخضرة ، وأجلسه على وسادتين عظيمتين في الخضرة ، وأمر الناس بلبس الخضرة (2).
    واستمرت ولاية النقابة إلى حين وفاته ، وكانت مدّتها ثلاث سنين وأحد عشر شهراً (3).
1 ـ كشف المحجة : 115 ، 118 ، فرج المهموم : 147 ، الاقبال : 586 ، ، السيد علي آل طاووس : 10.
2 ـ الكنى والألقاب 1 : 328.
3 ـ بحار الأنوار 107 : 45.
فـتـح الابــواب ::: فهرس