فوائد الاصول ـ الجزء الرابع ::: 481 ـ 495
(481)
    قد اشتهر بين المتأخرين القول باعتبار مثبتات الامارات دون مثبتات الأصول ، خلافا لما يظهر من بعض كلمات المتقدمين ، وتحقيق الكلام في ذلك يستدعي بيان ما تمتاز به الامارات عن الأصول موضوعا وحكما.
    أما امتيازها من حيث الموضوع فبأمور :
    الأول : عدم أخذ الشك في موضوع الامارة وأخذه في موضوع الأصل ، فان التبعد بالأصول العملية إنما يكون في مقام الحيرة والشك في الحكم الواقعي ، فقد اخذ الشك في موضوع أدلة الأصول مطلقا محرزة كانت أو غير محرزة ، بخلاف الامارات ، فان أدلة اعتبارها مطلقة لم يؤخذ الشك قيدا فيها ، كقول ـ عليه السلام ـ « العمري ثقة فما أدى إليك عني فعني يؤدي ».
    نعم : الشك في باب الامارات إنما يكون موردا للتعبد بها ، لأنه لا يعقل التعبد بالامارة وجعلها طريقا محرزة للواقع مع انكشاف الواقع والعلم به ، فلابد وأن يكون التعبد بالامارة في مورد الجهل بالواقع وعدم انكشافه لدى من قامت عنده الامارة ، ولكن كون الشك موردا غير أخذ الشك موضوعا ، كما لا يخفى.
    الامر الثاني : الامارة إنما تكون كاشفة عن الواقع مع قطع النظر عن التعبد بها ، بخلاف الأصول العملية ، غايته أن كشفها ليس تاما كالعلم ، بل كشفا ناقصا يجامعه احتمال الخلاف ، فكل أمارة ظنية تشارك العلم من حيث الاحراز والكشف عما تحكي عنه ، والفرق بينهما إنما يكون بالنقص والكمال ، فان كاشفية العلم وإحرازه تام لا يجتمع معه احتمال الخلاف ، وأما كاشفية الامارة وإحرازها فهو ناقص يجتمع معه احتمال الخلاف ، فالأمارات الظنية تقتضي الكشف والاحراز بذاتها مع قطع النظر عن التعبد بها ، وإنما التعبد


(482)
يوجب تتميم كشفها وتكميل إحرازها بإلغاء احتمال الخلاف. وأما أصل الكشف والاحراز الناقص : فليس ذلك بالتعبد ، ولا يمكن إعطاء صفة الكاشفية والاحراز لما لا يكون فيه جهة كشف وإحراز ، فالكشف الناقص في الامارة كالكشف التام في العلم لا يمكن أن تناله يد الجعل ، وإنما الذي يمكن أن تناله يد الجعل هو تتميم الكشف بإلغاء احتمال الخلاف وعدم الاعتناء به.
    الامر الثالث : الامارة إنما يكون اعتبارها من حيث كشفها وحكايتها عما تؤدي إليه ، بمعنى أن الشارع لاحظ جهة كشفها في مقام اعتبارها ، فإن ألغى الشارع جهة كشفها واعتبرها أصلا عمليا فلا يترتب عليها ما يترتب على الامارات ، بل يكون حكمها حكم الأصول العملية ، كما لا يبعد أن تكون قاعدة التجاوز وأصالة الصحة بل الاستصحاب في وجه من هذا القبيل ، فان في هذه الأصول جهة الكاشفية والأمارية ، ولكن الشارع اعتبرها أصولا عملية ، كما سيأتي بيانه ( إن شاء الله تعالى ) في الخاتمة ، فتأمل (1). فبهذه الأمور الثلاثة تمتاز الامارة عن الأصل موضوعا.
    وأما امتيازها عنه حكما :
    فهو أن المجعول في الامارات إنما هو الجهة الثانية من الجهات الثلاث التي يقتضيها العلم الطريقي ، وهي : كونه صفة قائمة في النفس ، وكونه كاشفا وطريقا إلى المعلوم ، وكونه محركا عملا نحو المتعلق. فهذه الجهات الثلاث كلها مجتمعة في العلم الطريقي. والمجعول في باب الامارات إنما هو الجهة الثانية من هذه الجهات ، وفي باب
1 ـ وجهه : هو أنه يمكن أن يكون هذا راجعا إلى الاختلاف بين الامارة والأصل في ناحية المحمول والحكم المجعول فيها ، لا إلى ناحية الموضوع ، فيكون امتياز الامارة عن الأصل موضوعا بالأمرين الأولين ( منه ).

(483)
الأصول العملية المحرزة إنما هو الجهة الثالثة.
    وأما الجهة الأولى : فهي من اللوازم التكوينية للعلم الوجداني غير قابلة لان تنالها يد الجعل التشريعي ، وقد تقدم تفصيل ذلك كله في الجزء الثالث من الكتاب عند البحث عن قيام الطرق والأصول مقام القطع الطريقي ، وإجماله : هو أن العلم عبارة عن الصورة الحاصلة في نفس العالم وبتوسط تلك الصورة ينكشف ذو الصورة ويكون محرزا لدى العالم ، فالعالم إنما يرى ذا الصورة بتوسط الصورة المرتسمة في النفس ، ومن هنا يكون المعلوم أولا وبالذات نفس الصورة (1) ولأجل كونها مطابقة لذي الصورة يكون ذو الصورة معلوما ثانيا وبالتبع ، وهذا من غير فرق بين أن يكون العلم من مقولة الكيف أو الفعل أو الانفعال أو غير ذلك ، فإنه على جميع التقادير لا يتعلق العلم بالذوات الخارجية إلا بتوسط ما يكون بمنزلة المرآت والقنطرة لها ، فكاشفية العلم عن المتعلق إنما تكون بعد قيام الصورة في النفس فيتعقبها الكاشفية والاحراز ، ثم يتعقب الكاشفية والاحراز الحركة والجري العملي نحو المتعلق ، فالعطشان العالم بوجود الماء في المكان الكذائي يطلبه ويتحرك نحوه ، والخائف العالم بوجود الأسد في الطريق يفر منه ويترك سلوكه ، فالجري العملي وحركة العضلات إنما يكون بعد إحراز المتعلق.
    فهذه الجهات الثلاث مترتبة في الوجود ، بمعنى أن الجهة الأولى متقدمة
1 ـ أقول : الأولى أن يقال : إن الصور بملاحظة لحاظها خارجية بلا التفات إلى ذهنيتها صار منشأ لاتصاف الخارج بالمعلومية ، ولا يكون المتصف بالمعلومية إلا هو ، وإلا فالصور الذهنية آبية عن هذا الاتصاف ، وإنما هي معروضات للعلم ، فيكون العلم في عالم العروض قائمة بالصور وفي عالم الاتصاف محمولة للخارجيات ، فاطلاق المعلومية لا يصح إلا بالنسبة إلى الخارجيات ، غاية الامر بتوسيط عروضها للصور ، لا أن معلومية الخارجيات تبع لمعلومية الصور ، فان نسبة العلم إلى الصور الذهنية غير نسبته إلى الخارجيات ، كما هو الشأن في كل ما كان من الوجدانيات كالإرادة وغيرها ، كما لا يخفى.

(484)
على الجهة الثانية رتبة والجهة الثانية متقدمة على الجهة الثالثة كذلك.
    نعم : للعلم جهة رابعة ، وهي : كونه مقتضيا للتنجز عند المصادفة والمعذورية عند المخالفة ، وهذه الجهة إنما تكون في عرض اقتضائه الحركة والجري العملي (1) فالجهة الثالثة والرابعة مما يقتضيهما العلم من الجهة الثانية ، وهي : الاحراز والكاشفية.
    إذا تبين ذلك ، فنقول : إن المجعول في باب الطرق والامارات إنما هو الطريقية والكاشفية والوسطية في الاثبات ، بمعنى : أن الشارع جعل الامارة محرزة للمؤدى وطريقا إليه ومثبتة له ، بناء على ما هو التحقيق عندنا : من أن الطريقية بنفسها تنالها يد الجعل كسائر الأحكام الوضعية ، بل الطريقية أيضا كالملكية والزوجية من الأمور الاعتبارية العرفية التي أمضاها الشارع (2) فان
1 ـ أقول : وربما يكون في باب امتثال الاحكام جهة التحريك في طول المحركية ، حيث إن العقل لا يحكم بالحركة على وفقه إلا من جهة تنجيز الحكم به ، كما هو ظاهر.
2 ـ أقول : الطريقية بمعنى تتميم الكشف وتمامية الانكشاف المساوق لالقاء الاحتمال بحقيقته يستحيل أن تناله يد الجعل تشريعا ، كيف ! وحصر الكشف في طرف وجود الشيء ونفي احتمال عدمه الذي هو معنى تتميم كشفه يستحيل أن يكون بحقيقته جعليا ، وإنما الجعل فيه بمعنى تنزيل احتمال خلافه منزلة العدم ، وهذا المعنى من الجعل قابل لان يتعلق بجميع موجودات العالم ، ولا يكون مختصا بشيء دون شيء ، وهذا بخلاف الحقائق الجعلية ، إذ هي بحقائقها أمور مخصوصة متقومة بالجعل ، كالملكية وأمثالها ، وميزان جعلية الشيء كون منشأ انتزاع مفهومه الذي هو عبارة عن حقيقته اعتباريا منوطا بجعله ، كما هو الشأن في الملكية ، وهذا المعنى أجنبي عن مقام تمامية الكشف وعدم احتمال الخلاف ، فان منشأ انتزاع هذا المفهوم ـ كمفهوم الحجر والمدر ـ ليس إلا من الأمور الواقعية ، وإنما الجعل المتصور فيها ليس إلا في وجوداتها التنزيلية لا الحقيقية ، ولذا نقول : إن الحجية بمعنى الكاشفية لا يكون من الجعليات إلا بنحو من العناية والتنزيل.
    نعم : قد يتوهم أن الحجية بمعنى المنجزية والقاطعية للعذر من الحقائق الجعلية ، كما هو مسلك استاذنا ، وهذا المعنى عنده لا يلازم عناية تتميم الكشف ، ولذا لم يلتزم به حتى في الامارات فضلا عن الأصول ، ولذا لا يلتزم بقيام الامارة مقام العلم الموضوعي مطلقا ، ولا يلتزم بحكومة الامارات على


(485)
الظاهر أنه ليس فيما بأيدينا من الطرق والامارات ما يكون مخترعا شرعيا ، بل جميع الطرق والامارات مما يتعاطاها يد العرف في إثبات مقاصدهم ، كالاخذ بالظواهر والعمل بالخبر الواحد ونحو ذلك من الطرق والامارات ، فهي عندهم محرزة للمؤدى وكاشفة عنه وواسطة لاثبات مقاصدهم كالعلم ، والشارع قد أبقاها على حالها وأمضى ما عليه العرف ، فالأمارات تكون كالعلم من حيث الاحراز والكاشفية وإثبات المؤدى ، وليس أخذ العقلاء بالامارات لمجرد تطبيق العمل على مؤدياتها بلا توسط الاحراز ، فإنه ليس في بناء العقلاء تعبد في مقام العمل ، فتطبيق عملهم على ذلك إنما هو لكونها محرزة للمؤدى.
    فظهر : أن المجعول في الامارات ليس هو مجرد تطبيق العمل على المؤدى ، بل تطبيق العمل على المؤدى من لوازم المجعول فيها ، وإنما المجعول أولا وبالذات
الأصول. والاشكال عليه : بأن هذه المرتبة من الحجية أيضا غير قابلة للجعل له مقام آخر ولكن لا إشكال في اعتبارية الحجية حقيقة ، وإنما الاشكال في جعليته أو انتزاعيته من جعل آخر.
    وعلى أي حال : فرق بين الحجية والطريقية بمعنى الكاشفية التامة بنفي احتمال الخلاف. ومجرد إمضائية هذه الجهة للطريقية العرفية لا يقتضي جعلية هذا المعنى بحقيقته لدى العرف ، بل المرتكز في أذهانهم أيضا إلقاء احتمال الخلاف في طرقهم عناية وتنزيلا لا حقيقة ، فحركتهم على طبق طرقهم ناش عن بنائهم على انكشاف الواقع ، لا على انكشافه حقيقة ، ولا نعني من البناء المزبور إلا العناية والتنزيل ، والشارع أمضى أيضا هذه العناية. ومن هذه الجهة قلنا : بأن هذا البناء شرعا والتنزيل يحتاج إلى أثر كي يكون البناء والتنزيل بلحاظه ، وإلا فبدونه لا اعتبار للتنزيل. فلا محيص حينئذ من الالتزام بوجود أمر طريقي هو المصحح للعقوبة ، وإلا فنفس التنزيل المزبور بلا مصحح له شرعا لا اعتبار له ، كي يصلح للمنجزية ، ولقد شرحنا هذه المقالة في مسألة جعل الطرق.
    وبالجملة : فالمقرر خلط بين مسلك جعل الحجية بمعنى القاطعية للعذر ـ الذي أفاد استاذنا بأنها من الأمور الاعتبارية ومن الأحكام الوضعية كالملكية والجزئية ـ وبين جعل الكاشف والطريقية الملازم للوسطية في إثبات الحكم الذي بهذه العناية يقوم مقام العلم وحاكم على الأصول ، وذلك بتخيل أن الكاشفية أيضا من سنخ الملكية التي يكون بحقيقته جعليا ، ولعمري ! انه وقع من السماء إلى الأرض بلا التفات إلى اختلاف المسالك بحقيقته ونتيجته ، فتدبر بعين الانصاف.


(486)
نفس الاحراز والوسطية في الاثبات ، وبتوسطه يلزم تطبيق العمل على المؤدى.
    نعم : المجعول في باب الأصول العملية مطلقا هو مجرد تطبيق العمل على مؤدى الأصل ، إذ ليس في الأصول العملية ما يقتضي الكشف والاحراز ، وليست هي طريقا إلى المؤدى ، بل إنما تكون وظائف تعبدية للمتحير والشاك لا تقتضي أزيد من تطبيق العمل على المؤدى ، سواء كان الأصل من الأصول المحرزة أو كان من الأصول الغير المحرزة ، فإنه ليس معنى الأصل المحرز كونه طريقا إلى المؤدى ، بل معناه هو البناء العملي على أحد طرفي الشك على أنه هو الواقع وإلغاء الطرف الآخر (1) فالمجعول في الأصل المحرز هو الجهة الثالثة من العلم الطريقي ، وهي الحركة والجري العملي نحو المعلوم ، فالاحراز في باب الأصول المحرزة غير الاحراز في باب الامارات ، فان الاحراز في باب الامارات هو إحراز الواقع مع قطع النظر عن مقام العمل ، وأما الاحراز في باب الأصول المحرزة : فهو الاحراز العملي في مقام تطبيق العمل على المؤدى ، فالفرق بين الاحرازين مما لا يكاد يخفى.
    وأما الأصول الغير المحرزة : فالمجعول فيها مجرد تطبيق العمل على أحد طرفي الشك من دون البناء على أنه هو الواقع ، فهو لا يقتضي أزيد من تنجيز الواقع عند المصادفة والمعذورية عند المخالفة ، وهو الذي كان يقتضيه العلم من الجهة الرابعة.
    لا أقول : إن المجعول في باب الأصول الغير المحرزة نفس التنجيز والمعذورية ، فان ذلك واضح الفاسد كما تقدم ، بل المجعول فيها معنى لا يقتضي أزيد من التنجيز والمعذورية ، بالبيان المتقدم في باب جعل الطرق والامارات.
    فتحصل : أن الأصول العملية كلها وظايف للمتحير في مقام العمل ، والتعبد
1 ـ أقول : وليكن هذا في ذكر منك بأنه على هذا يستحيل حكومة الاستصحاب على سائر الأصول ، كما سيأتي ( إن شاء الله تعالى ).

(487)
بها لمحض الجري العملي على طبق المؤدى بلا توسط الاحراز.
    إذا عرفت ذلك فقد ظهر لك السر فيما اشتهر بين المتأخرين : من اعتبار مثبتات الامارات دون مثبتات الأصول ، فان الوجه في ذلك إنما هو لمكان أن المجعول في باب الامارات معنى يقتضي اعتبار مثبتاتها ولو بألف واسطة عقلية أو عادية ، بخلاف المجعول في باب الأصول العملية ، فإنه لا يقتضي أزيد من اعتبار نفس مؤدى الأصل ، أو ما يترتب عليه من الأحكام الشرعية بلا واسطة عقلية وعادية.
    بيان ذلك : هو أن الامارة إنما تحكي عن نفس المؤدى ولا تحكي عن لوازم المؤدى وملزوماته الشرعية بما لها من الوسائط العقلية أو العادية (1) فان البينة أو الخبر الواحد إنما يقوم على حياة زيد أو موت عمرو ، فهو إنما يحكي عن نفس بفرض الأثر من آثار كشف الحياة تعبدا أو بفرض التعبد بكشفها من لوازم التعبد بكشف الملزوم ، وكلاهما غلط ، إذ الأول فظاهر ، وكذا الأخير ، لمنع الملازمة بين التعبدين ، كما هو ظاهر. فالأولى حينئذ أن يقال : إن الظن باللوازم في عرض الظن بالملزوم تحت التعبد عرفا ، لا أن ترتيبها من لوازم التعبد بمجرد الملزوم والمؤدى ، كما لا يخفى. الحياة والموت ، ولا يحكي عن نبات اللحية وما يستتبعه : من الآثار الشرعية أو العقلية والعادية ، بداهة أن المخبر بالحياة ربما لا يلتفت إلى نبات اللحية فضلا عما يستتبعه ، والحكاية عن الشيء فرع الالتفات إليه ، فليس الوجه في اعتبار مثبتات الامارة كونها حاكية عن لوازم المؤدى وملزوماته ، بل الوجه فيه هو أن الامارة إنما تكون محرزة للمؤدى وكاشفة عنه كشفا ناقصا والشارع بأدلة اعتبارها قد أكمل جهة نقصها ، فصارت الامارة ببركة اعتبارها كاشفة ومحرزة كالعلم ، وبعد انكشاف المؤدى يترتب عليه جميع ما للمؤدى من الخواص والآثار على قواعد سلسلة العلل والمعلولات واللوازم والملزومات (2) ولا يحتاج
1 ـ أقول : وذلك لان حكاية الخبر فرع دلالته التصديقية ، وذلك لا يتحقق إلا مع التفات المخبر بالملازمة ، وإلا لا معنى للتصديق بمراده من كلامه. ولقد أجاد المقرر فيما أفاد ولكنه أخطأ في خياله بأن مجرد التعبد بالظن بالملزوم يستلزم ترتيب اللوازم بلا احتياج إلى التعبد بالظن باللازم أيضا ، فتدبر.
2 ـ أقول : كيف يترتب الآثار بلا علم بها لا حقيقة ولا تعبدا ؟ ومجرد العلم بالملزوم تعبدا لا يقتضي إلا بتطبيقه تعبدا ، وهو غير ملازم لتطبيق الآثار مع الشك فيها وجدانا ، فلا مجال حينئذ لترتيب الأثر إلا


(488)
في إثبات اللوازم إلى كون الامارة حاكية عنها ، بل إثباتها إنما يكون من جهة إحراز الملزوم ، كما لو أحرز الملزوم بالعلم الوجداني ، فإنه لا يكاد يشك في إثبات العلم لجميع ما يقتضيه المعلوم بوجوده الواقعي : من اللوازم والملزومات والعلل والمعلولات ، والامارة الظنية بعد اعتبارها يكون حالها حال العلم.
    نعم : بين الامارة والعلم فرق ، وهو أن العلم لما كان لا تناله يد التعبد الشرعي ، فلا يتوقف إثباته للوازم والملزومات على أن يكون في سلسلتها أثر شرعي ، بخلاف الامارة ، فإنه لابد فيها من أن ينتهي الامر ـ ولو بألف واسطة ـ إلى أثر شرعي ، حتى لا يلزم لغوية التعبد بها.
    والحاصل : أنه كما أن الشيء بوجوده الواقعي يلازم وجود اللوازم والملزومات والعلل والمعلولات ، كذلك إحراز الشيء يلازم إحراز اللوازم والملزومات والعلل والمعلولات عند الالتفات إليها ، وبعدما كانت الامارة الظنية محرزة للمؤدى فيترتب عليه جميع ما يترتب عليه من الآثار الشرعية ولو بألف واسطة عقلية أو عادية ، فظهر : أن السر في اعتبار مثبتات الامارات هو أن المجعول فيها معنى يقتضي ذلك.
    وأما الأصول العملية : فلما كان المجعول فيها مجرد تطبيق العمل على المؤدى بلا توسيط الاحراز ، فهو لا يقتضي أزيد من إثبات نفس المؤدى أو ما يترتب عليه من الحكم الشرعي بلا واسطة عقلية أو عادية ، فإنه لابد من الاقتصار على ما هو المتعبد به ، والمتعبد به في الأصول العملية مجرد تطبيق العمل على مؤدى الأصل ، والمؤدى إن كان حكما شرعيا فهو المتعبد به ،
بفرض الأثر من آثار كشف الحياة تعبدا أو بفرض التعبد بكشفها من لوازم التعبد بكشف الملزوم ، وكلاهما غلط ، إذ الأول فظاهر ، وكذا الأخير ، لمنع الملازمة بين التعبدين ، كما هو ظاهر. فالأولى حينئذ أن يقال : إن الظن باللوازم في عرض الظن بالملزوم تحت التعبد عرفا ، لا أن ترتيبها من لوازم التعبد بمجرد الملزوم والمؤدى ، كما لا يخفى.

(489)
    وإن كان موضوعا خارجيا فالمتعبد به إنما هو ما يترتب عليه من الحكم الشرعي ، فان الموضوع الخارجي بما هو غير قابل للتعبد به.
    وأما الأثر الشرعي المترتب عل المؤدى بواسطة عقلية أو عادية ـ كما لو فرض أن لنبات اللحية أثرا شرعيا في المثال المتقدم ـ فهو غير متعبد به ، فان مؤدى الأصل نفس الحياة لانبات اللحية ، والمفروض : أن الأثر الشرعي لم يترتب على الحياة ليكون التعبد بالحياة بلحاظ ذلك الأثر ، بل الأثر مترتب على بنات اللحية ، فالأصل الجاري في الحياة لا يمكن أن يثبت الحكم الشرعي المترتب على نبات اللحية ، لان الحكم الشرعي لا بنفسه مؤدى الأصل ولا موضوعه ، إذ المفروض : أن موضوعه إنما هو نبات اللحية والأصل لم يؤد إليه ، بل أدى إلى الحياة ، فكيف يمكن إثبات حكم لموضوع بقيام الأصل على موضوع آخر ؟.
    ودعوى : أن الحكم الشرعي أثر لنبات اللحية ونبات اللحية أثر للحياة فيكون الحكم الشرعي أثرا للحياة أيضا ـ فان أثر الأثر أثر بقياس المساواة ـ فهي في غاية الوهن والسقوط ، فان قياس المساواة إنما يكون في العلل والمعلولات التكوينية أو في العلل والمعلولات الشرعية بحيث تكون سلسلة الوسائط والعلل والمعلولات كلها شرعية (1) كما سيأتي بيانه. وأما إذا تخلل بين سلسلة الآثار الشرعية واسطة عقلية أو عادية : فلا يأتي فيها قياس المساواة ، فان الآثار الشرعية تدور مدار مقدار التعبد بها ، فقد يكون التعبد بالنسبة إلى خصوص الأثر الذي لا يتوسط بينه وبين موضوعه واسطة عقلية أو عادية ، فكون أثر الأثر أثرا لا ربط له بباب التعبديات. وقد عرفت : أن المتعبد به في باب الأصول العملية هو خصوص مؤدى الأصل أو ما يترتب عليه من
1 ـ أقول : مصب تشكيل قياس المساواة إنما هو في سلسلة الآثار الواقعية توطئة لاجراء قاعدة « التعبد بالشئ تعبد بأثره » فجوابه حينئذ ليس إلا منع شمول الدليل لاثبات التعبد بالأثر مع الواسطة ، لا منع قياس المساواة.

(490)
الحكم الشرعي بلا واسطة عقلية وعادية.
    نعم : إذا ورد في مورد بالخصوص التعبد بأصل مع أنه ليس لمؤداه أثر شرعي إلا بواسطة عقلية أو عادية ، فلابد من ثبوت الأثر الشرعي وإلا يلزم لغوية التعبد بالأصل ، وأين هذا من الأصول العملية التي قد يتفق فيها عدم الأثر للمؤدى إلا بواسطة عقلية أو عادية ؟ فإنه لا يلزم من عدم جريان الأصل فيما يتفق فيه ذلك لغوية التعبد بالأصل ، لأنه يكفي في صحة التعبد به جريانه في سائر الموارد مما كان المؤدى فيها بنفسه أثرا شرعيا أو ترتب عليه أثر شرعي بلا واسطة عقلية أو عادية.
    وبالجملة : بعدما كان المجعول في الأصول العملية مجرد تطبيق العمل على مؤدى الأصل ، فلا يمكن أن يثبت به الأثر الشرعي الذي يتخلل بينه وبين المؤدى واسطة عقلية أو عادية (1) وكذا لا يمكن أن يثبت به ملزوم المؤدى أو ما يلازمه شرعا ، فان التعبد بالبناء العملي على ثبوت مؤدى الأصل لا يلازم التعبد بالبناء العملي على ثبوت الملزوم أو ما يلازم المؤدى ، فلو كان مؤدى الأصل جواز الصلاة في الجلد المشكوك كونه من مأكول اللحم ، فلا يثبت به حلية
1 ـ أقول : الأولى في وجه عدم مثبتية الأصول أن يقال : إن دليل الأصل منصرف إلى تطبيق القضايا الشرعية المترتبة على المؤدى ، وإلا فمن حيث إمكان الاطلاق فلا قصور فيه ، كيف ! ولنا أن نقول : إنه ما المراد من تطبيق العمل على مؤدى الأصل ؟ فان كان المراد تطبيق العمل عليه بجميع لوازمه فعدم شموله للوازم العقلية والشرعية المترتبة عليها صحيح ، لكن لازمه عدم شمول دليل التعبد اللوازم الشرعية المترتبة على اللوازم الشرعية الخارجة عن محل الابتلاء في زمان ورود التعبد بالمؤدى ، وإن كان المراد تطبيق العمل عليه في الجملة ـ ولو بانتهاء الامر بالآخرة إلى الأثر الشرعي ـ فالتفكيك بين اللوازم العقلية والشرعية الخارجة عن محل الابتلاء بعد اشتراكهما بالآخرة في ترتيب العمل وتطبيقه لا وجه [ له ] فتوهم : معقولية أحدهما دون الآخر غير وجيه. ومن هنا ظهر أيضا : بطلان توهم أن التنزيل لابد وأن يكون بلحاظ جعل المماثل للأثر بلا واسطة ، إذ كيف يعقل جعل الأثر للخارج عن محل الابتلاء ؟ كما لا يخفى ، فتدبر.

(491)
الحيوان المتخذ منه الجلد ، مع أن جواز الصلاة في الجلد إما أن يكون من اللوازم الشرعية المترتبة على كون الحيوان مأكول اللحم وإما أن يكون جواز الصلاة في الجلد وحلية أكل الحيوان لازمين لـ [ عدم ] كون الحيوان مسوخا أو ذا ناب ومخلب ، فالأصل الذي يؤدي إلى جواز الصلاة في الجلد كما لا يثبت به الملزوم ( وهو [ عدم ] كون الحيوان مسوخا أو ذا ناب ومخلب ) كذلك لا يثبت به ما يلازم جواز الصلاة ( وهو كون الحيوان مأكول اللحم ) لما عرفت : من أن التعبد باللازم لا يلازم التعبد بالملزوم ولا بما يلازم اللازم.
    وحاصل الكلام : هو أن التعبد بثبوت العلة يلازم التعبد بثبوت المعلول الشرعي ، سواء لم يكن في البين إلا علة واحدة ومعلول شرعي واحد أو كان في البين علل ومعلولات متعددة كلها شرعية ، فان التعبد بمبدأ السلسلة وأول العلل يقتضي التعبد بجميع العلل والمعلولات المتوسطة إذا لم يتخلل بينها واسطة عقلية أو عادية ، وإن تخلل بينها واسطة عقلية أو عادية فالتعبد بمبدأ السلسلة يقتضي التعبد بالعلل والمعلولات إلى ما قبل الواسطة العقلية أو العادية ، دون ما بعدها ، هذا إذا كان المتعبد به ثبوت العلة.
    وأما إذا كان المتعبد به ثبوت المعلول : فهو لا يلازم التعبد بثبوت العلة ولا بثبوت معلول آخر إذا كان للعلة معلولان وكان أحد المعلولين مؤدى الأصل دون الآخر ، كما في المثال المتقدم لو فرض كون جواز الصلاة في الجلد وحلية أكل الحيوان معلولي [ عدم ] كون الحيوان ذا ناب ومخلب ، فتأمل جيدا.
وينبغي ختم الكلام في هذا المبحث بذكر أمور :
    الأول :
    قد عرفت : أن إثبات الامارات للوازم والملزومات ليس لأجل حكاية


(492)
الامارة عنها ، فان الحكاية عن الشيء فرع الالتفات إليه ، وقد لا تكون البينة ـ مثلا ـ ملتفتة إلى اللوازم والملزومات ، فضلا عن الاخبار عنها ، فما في بعض الكلمات : من أن الوجه في اعتبار مثبتات الامارة هو حكايتها عن اللوازم والملزومات ، ضعيف غايته.
    وأضعف من ذلك دعوى دلالة إطلاق أدلة اعتبار الامارات على إثبات اللوازم والملزومات دون أدلة الأصول ، فإنه ليس فيها إطلاق يعم التعبد باللوازم والملزومات.
    وجه الضعف : هو أن إطلاق أدلة اعتبار الامارات ليس بأقوى من إطلاق أدلة الأصول لو لم نقل بأن إطلاق أدلة الأصول أقوى من إطلاق أدلة الامارات خصوصا بالنسبة إلى بعضها ، فإنه لا يكاد يشك في أقوائية إطلاق قوله ـ عليه السلام ـ في أخبار الاستصحاب : « لا تنقض اليقين بالشك » من إطلاق أدلة بعض الامارات ، كاليد التي منشأ اعتبارها ليس إلا الغلبة.
    وبالجملة ـ توهم : كون الوجه في اعتبار مثبتات الامارات دون مثبتات الأصول هو أن أدلة الامارات تدل على إثبات اللوازم والملزومات وأدلة الأصول لا تدل على ذلك ، في غاية الوهن والسقوط ، بل الوجه في ذلك هو ما تقدم : من أن الحكم المجعول في باب الامارات معنى يقتضي إثبات اللوازم والملزومات ، بخلاف الحكم المجعول في باب الأصول ، فإنه لا يقتضي أزيد من إثبات مؤدى الأصل وما يلزمه من الأحكام الشرعية بلا واسطة عقلية أو عادية ـ بالبيان المتقدم ـ فالفرق بين الامارات والأصول العملية في ذلك إنما ينشأ من ناحية اختلاف المجعول فيهما ، لا من ناحية إطلاق الدليل.
    ونظير الحكم الظاهري المجعول في باب الأصول العملية ـ من حيث عدم إثبات اللوازم والملزومات ـ الحكم الواقعي المجعول في باب الرضاع (1) وفي باب
1 ـ أقول : لا يخفى أن باب الرضاع غير مرتبط بباب الأصول المثبتة ، إذ في الأصول المثبتة

(493)
إجازة العقد الفضولي بناء على الكشف الحكمي فيها ، فان قوله ـ عليه السلام ـ في أخبار الرضاع : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » إنما يقتضي اختصاص الحرمة بما إذا تحقق من الرضاع أحد العناوين المحرمة بالنسب ، كالأم والأخت والعمة والخالة ، ولا يعم تحريم الرضاع ما إذا تحقق منه أحد العناوين الملازمة للعناوين المحرمة بالنسب ، كما إذا فرض أنه تحقق من الرضاع عنوان « أم الأخ » فان أم الأخ لم تكن من العناوين المحرمة إلا باعتبار كونها اما أو زوجة أب ، ولكن هذا يختص بباب النسب التكويني ، وأما الرضاع : فيختص نشره للحرمة بما إذا تحقق أحد العناوين المحرمة بالنسب أولا وبالذات بلا توسط عنوان ملازم ، إلا بناء على عموم المنزلة ، فالقول بعموم المنزلة في باب الرضاع نظير القول بالأصل المثبت في باب الأصول العملية.
    وكذا الكلام في باب الإجازة بناء على الكشف الحكمي ، فان معنى الكشف الحكمي هو ترتيب خصوص الآثار المترتبة على تحقق الملكية أو الزوجية من زمان العقد دون ما يلازم تلك الآثار ، فلا يرجم الزاني بالمرأة قبل الإجازة بدعوى : أنه يكون من الزناء بذات البعل ، لان الإجازة تكشف عن كون المرأة كانت زوجة للمجيز من حين العقد ، فان الإجازة بناء على الكشف الحكمي لا تقتضي أزيد من ترتيب آثار الزوجية من زمان العقد ، وأما كون المرأة ذات بعل ـ ليكون الزناء بها زناء بذات البعل ـ فهو مما لا تقتضيه الإجازة ، إلا على القول بالكشف الحقيقي (1) فتأمل جيدا.
لا إشكال في ثبوت الكبرى ، وإنما الاشكال فيه في قصور دليل التنزيل للشمول ، وأما في باب الرضاع : الامر بالعكس ، إذ لا قصور لدليل التنزيل في الشمول لكل ما ثبت من الكبرى ، وإنما الاشكال في ثبوت أصل كبرى حرمة أخت الأخت ـ مثلا ـ بعنوانه ، وإنما هو حرام بعنوان الأخت ليس إلا ، كما لا يخفى.
1 ـ أقول : بل الكشف الحقيقي المشهوري أيضا لا يقتضي الرجم ، فإنه فرع عمله بالحرمة حين عمله ، ولا حرمة قبل الإجازة ولو علم بها ، بل الإجازة أيضا لا يكشف إلا عن الأحكام الوضعية السابقة


(494)
    الامر الثاني :
    لا فرق فيما ذكرنا من عدم اعتبار مثبتات الأصول العملية بين أن تكون الواسطة العقلية أو العادية المتخللة بين مؤدى الأصل والأثر الشرعي خفية أو جلية. ويظهر من كلام الشيخ ـ قدس سره ـ اعتبار الأصل المثبت إذا كانت الواسطة خفية ، وقد ذكر لذلك أمثلة. وألحق بعض الأعاظم الواسطة الجلية بالواسطة الخفية ، وقال باعتبار الأصل المثبت فيها أيضا.
    والتحقيق : أنه لا أثر لخفاء الواسطة فضلا عن جلائها ، فإنه إن كان الأثر أثرا لذي الواسطة حقيقة بحسب ما ارتكز عند العرف من مناسبة الحكم أو الموضوع ـ وإن احتمل ثبوتا أن تكون للواسطة دخل في ترتب الأثر على مؤدى الأصل ـ فهذا لا يرجع إلى التفصيل في عدم اعتبار الأصل المثبت ، فإنه لم يتخلل حقيقة بين مؤدى الأصل والأثر الشرعي واسطة عقلية أو عادية ، فلا وجه لاستثناء الواسطة الخفية من بين الوسائط والقول باعتبار الأصل المثبت فيها.
    وإن كان الأثر أثرا للواسطة حقيقة والعرف يتسامح ويعده من آثار ذي الواسطة ، فلا عبرة بالمسامحات العرفية في شيء من الموارد ، فان نظر العرف إنما يكون متبعا في المفاهيم لا في تطبيقها على المصاديق (1) فقد يتسامح العرف في
لا الحكم التكليفي ، فراجع بيعنا ترى شرحه مفصلا.

(495)
تطبيق المفهوم على ما لايكون مصداقا له واقعا ، كما يشاهد أن العرف يتسامح ويطلق أسماء المقادير على ما ينقض عن المقدار أو يزيد يسيرا ، فالمسامحات العرفية لا أثر لها وتضرب على الجدار بعد تبين المفهوم.
    وما قرع سمعك : من اتباع نظر العرف في باب الاستصحاب وأخذ الموضوع منه ، فليس المراد منه اتباع نظره المسامحي ، بل المراد منه أن الاتحاد المعتبر بين القضية المشكوكة والقضية المتيقنة إنما يرجع فيه إلى العرف بحسب ما هو المرتكز في ذهنه من مناسبة الحكم والموضوع ، كما تقدمت الإشارة إليه ، وسيأتي تفصيله ( إن شاء الله تعالى ).
    وبالجملة : لا عبرة بالمسامحات العرفية في شيء من الموارد ، فان كان الحكم الشرعي فيما نحن فيه مترتبا على نفس الواسطة حقيقة وكانت هي الموضوع له واقعا ، فلا يمكن إثباته بالأصل الجاري في ذي الواسطة وإن فرض أن العرف يتسامح ويرى الموضوع للحكم نفس مؤدى الأصل لخفاء الواسطة وعدم الالتفات إليها. وإن كان الحكم الشرعي مترتبا في الواقع على ذي الواسطة وكانت الواسطة العقلية أو العادية علة لثبوت الحكم لمؤدى الأصل ، فهذا لا يرجع إلى الأصل المثبت وإن فرض أن العرف يتسامح ويجعل الموضوع للحكم نفس الواسطة. فدعوى : اعتبار الأصل المثبت مع كون الواسطة خفية ، ضعيفة غايته وأضعف منها إلحاق الواسطة الجلية بها ، فإنه على هذا يلزم القول باعتبار الأصل المثبت مطلقا ، إذ ما من مورد إلا ويمكن فيه دعوى كون الواسطة خفية أو جلية
شاء الله تعالى ).
    وأما جلاء الواسطة : فإنما يتصور في مورد يكون الملازمة بينهما بمقدار لا يرى العرف التفكيك بينهما حتى في عالم التنزيل ، كما يتصور في الأبوة والبنوة وأمثال ذلك ، وذلك على فرض تمامية الصغرى لا إشكال في الكبرى أيضا ، ولا مجال لدعوى الخفاء والجلاء المصحح للاثبات في جميع المقامات ، كما لا يخفى.
فوائد الاصول ـ الجزء الرابع ::: فهرس