المسألة العشرون
حكم قطع أعضاء الميت
(الجهة الاَُوّلى): في نقل الاَحاديث المتعلقة بالموضوع.
1 ـ صحيح جميل عن غير واحد عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال: قطع رأس الميت أشد من قطع رأس الحي.
2 ـ صحيح مسمع كردين قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل كسر عظم ميت؟ فقال: حرمته ميتاً أعظم من حرمته وهو حي.
3 ـ صحيح صفوان (عن رجالهم صا) قال: قال أبو عبدالله عليه السلام : أبى الله أنْ يظن بالمؤمن إلاّ خيراً، وكسرك عظامه حياً وميتاً سواء(1).
4 ـ صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام في رجل قطع رأس الميت؟ قال: عليه الدية لاَن حرمته ميتاً كحرمته وهو حي(2).
(الجهة الثانية): مقتضى إطلاق هذه الاحاديث حرمة قطع أعضاء الميت مطلقاً، سواء كان عن قصد سوء وعداوة أو عن عبث أو لاَغراض إنسانية مهمة، كما هو المتداول اليوم عند الاَطباء، وقد افتى بذلك جمع من الفقهاء(3).
____________
(1) ص489 إلى ص497 ج26 جامع الاحاديث.
(2) ص248 ج19 الوسائل هذه الاحاديث تدلّ على ان توهين المؤمن الحي والميت حرام ويحرم على المؤمن توهين نفسه أيضاً بالملاك والظاهر ان الموضوع في الاحاديث مطلق المسلم وان لم يكن مؤمناً.
(3) لاحظ كتب أهل الفتوى المسماة بـ: توضيح المسائل.

( 177 )
نعم إذا توقّف حياة مسلم على قطع عضوٍ من الميت بالفعل أجازه بعضهم لتقديم وجوب حفظها على حرمة قطع عضو الميت، فإنّه أهم منها.
يقول سيدنا الاُستاذ الخوئي قدس الله سره: لا يجوز قطع عضو من أعضاء بدن المسلم الميت كالعين أو العضو الآخر للزرع في بدن الحي وإنما يجوز ذلك فيما إذا توقف حياة الحي عليه، وحينئذٍ يجوز ولكن يجب الدية على القاطع، وفي الصورتين لا بأس بزرعه في بدن الحي، وبعد الزرع يعد جزأً من بدن الحي فيترتب عليه أحكام الحي.
وقال أيضاً: يجوز قطع عضو من بدن الكافر الميت أو مَن شك في إسلامه لزرعه في بدن المسلم الحي وبعد الزرع يعد جزءاً من بدنه فيجري عليه حكمه، وكذا إذا زرع عضواً من الحيوان نجس العين فيكون بعد الزرع ظاهراً.
أقول: في صيرورة الجزء النجس بعد الزرع طاهراً بتبع البدن عندي إشكال، وبقية كلامه رحمه الله صحيح، فافهم.
ويمكن أنْ يقال: إنّ هذه الاَحاديث لا تثبت حكماً جديداً للميت سوى ما ثبت في حق الحي، فإذا قلنا بجواز إهداء المؤمن كليته مثلاً لاَخيه المؤمن(1) ولا ضرر له ولاهو هتك لحرمته عرفاً فأي مانع من جواز أخذها منه بعد موته بوصية منه؟ لا لحفظ الحياة فقط بل لدفع الحرج عنه، ولعله لاَجل ما ذكرنا ذهب السيدان الاُستاذان العلمان الحكيم والخوئي ـ رضوان الله تعالى عليهما ـ إلى الجواز في فرض الوصية(2).
____________
(1) للمؤلف الفقير كلية واحدة مأخوذة من أخيه الحاج محمّد عارف جزاه الله خير الجزاء واطال عمره وقد فسدت كليتاي فأجرى طبيب في لندن عملية ناجحة قبل سنوات.
(2) لاحظ منهاج الصالحين وتوضيح المسائل ص 560.

( 178 )
وهذا هو الاَظهر إنْ شاء الله تعالى ـ سواء كانت الوصية تبرعية أو بأخذ عوض ـ خلافاً لما ذكرناه في الجزء الاَوّل والثاني من كتابنا حدود الشريعة قبل سنوات، وأمّا في غير الوصية ففيه إشكال أو منع(1)، بل ربما يشكل القطع في فرض توقف حياة أحد بالفعل عليه، لاَنّ وجوب حفظ نفس محترمة بهذا النحو لم يثبت في حقّ الاَحياء حتّى يجوز أو يجب في المقام، فتأمل، والله العالم.
ولكن غير واحد من فقهائنا المعاصرين اجازوا قطع أعضاء الميت، عند حفظ النفس المحترمة عن الهلاك(2).
وأما جواز القطع بإذن أولياء الميت في فرض عدم وصيته به ففيه نظر أو منع لعدم شمول ولايتهم لمثل ذلك فلا عبرة باذنهم.
فإن قلت: مقتضى انصراف الاَحاديث المتقدمة هو عدم حرمة القطع على القاطعين ان صح الوصية لا جواز الوصية أي صحتها.
قلت: إنّ سلطة الانسان على ماله وبدنه ثابتة ببناء العقلاء وانما منعنا جواز قطع بعض الاَعضاء وترددنا في جواز قطع بعض الاعضاء الآخر في حال الحياة لدليل خارجي مفقود في حال الموت، فإنه فرق كثير بين الحالتين ولا موضوع للضرر بعد الموت، فلاحظ وتدبر، وسيأتي ما يتعلق به في المسألة الخامسة والعشرين.
وعلى كل صرح السيّد الاُستاذ الخوئي قدس سره بعدم وجوب الدية على من قطع عضو الميت بوصية منه(3).
____________
(1) ان كثير من الناس يحتاجون إلى زرع القرنية واعطائهم النور. فلو جاز قطعه بلا وصية لاستفاد منها المحتاجون.
(2) لاحظ فتاويهم في كتبهم الفتوائية.
(3) توضيح المسائل ص 560.

( 179 )
(الجهة الثالثة): إذا كان العضو المطلوب قطعه من الداخل كالكلية والقلب والرئة والكبد مثلاً جاز قطعه قبل غسل الميت وبعده، وإذا كان من الظاهر كاليد مثلاً فلابد من أخذه ونزعه بعد الغسل جمعاً بين الحكمين، إلاّ إذا كان تأخير قطعه إلى ما بعد الغسل مفسداً لزرعه في الحي، فإنْ كان لحفظ حياته فلا شكّ في وجوبه فضلاً عن جوازه: (ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً)(1).
وان كان لدفع مشقة وحرج فلا يبعد الجواز إن شاء الله، فيغسل بعد الزرع، إنْ قيل بوجوب غسل المبان من الميت.
(الجهة الرابعة): هل يجب على القاطع أو الآمر في فرض جواز القطع أو وجوبه الدية؟
فيه احتمالات: الوجوب مطلقاً، عدمه مطلقاً بناء على عدم اعتبار الوصية في جواز القطع أو وجوبه، وجوبها في فرض عدم الوصية وعدمها في فرض الوصية. ولعلّ الاَخير أوجه، فلاحظ وتأمّل.
(الجهة الخامسة): هل يجوز قطع أعضاء الميت للتشريح وتعليم طلاب كلية الطب بناء على وجوب تعلّم الطب بل وتعليمه وجوباً كفائياً؟
لا شكّ في جوازه من ميت غير مسلم وهو يوجد في أكثر بلاد المسلمين اليوم أو في جميعها، ويلحق به من شُكّ في إسلامه، وان فرض عدم تيسره في بلد فيمكن استيراده من بلد آخر، فلا ملزم لاطالة البحث، ومع وجود جثة غير مسلم لا إشكال في حرمة قطع أعضاء المسلم الميت(2).
____________
(1) المائدة 32.
(2) وفي جوازه مع وصية الميت وجه بالجواز في بعض الاعضاء وأما في جميعها بحيث استلزمت ترك الدفن الواجب أو النبش المحرم ففيه نظر.

( 180 )
(الجهة السادسة): يجب غسل مس الميت على مَن مسه بشروطه لاَي غرض طبي أو عاطفي، وفي وجوبه بمس قطعة مبانة منه تفصيل بل خلاف، وإذا شكّ الماس في أنّ الميت الممسوس قد غسل سابقاً حتّى لا يجب الغسل بمسه أم لم يغسل فيجب الغسل بمسه، فإن جاؤا به من مقابر المسلمين يبنى على أنّه قد غسل وإلاّ ففيه نظر، ولعل الاَظهر وجوب الغسل بمسه، نعم إذا مسه مع ستر بلاستيكي أو غيره لم يجب الغسل بلا شكّ.

( 181 )
المسألة الواحدة والعشرون
حكم قطع أعضاء الحي
والبحث فيه من نواح:
1 ـ حكم أصل القطع.
2 ـ المنقول منه.
3 ـ الاَعضاء المنقولة.
4 ـ المنقول إليه.
5 ـ الغاية من النقل.
6 ـ كيفية النقل ووسيلته.
أما الناحية الاَولى فلقائل أنْ يقول بحرمة قطع الحي بعض أعضاء بدنه للغير، فإنه إضرار بالنفس والبدن، والاضرار حرام في الشريعة، سواء بنفسه أو بغيره، وسواء انجرّ إلى تلف النفس أم لم ينجر.
ووجوب حفظ النفس المحترمة كفاية إنما هو بالطرق المتعارفة لا بقطع أعضاء بدن المكلّفين وزرعها في بدن المضطر، فإنّ هذا النحو من الحفظ لم يذكره الفقهاء فضلاً عن وروده في الكتاب والسنة.
أقول: الاِضرار بالنفس على ثلاثة أوجه:
الاَوّل: إلقاء النفس إلى التهلكة بأيّ وجه كان، وهذا حرام منصوص لا إشكال فيه.
الثاني: اتلاف الاَعضاء المهمّة كقطع اليد أو الرجل واللسان أو قلع
( 182 )
العين ونظائر ذلك مما يعلم بعدم رضى الشارع به، ومثله التسبيب لابتلاء النفس بالامراض الخطيرة كالسل والسرطان والايدز والجذام وأمثالها، ودليل الحرمة هو العلم المذكور سواء وجد دليل لفظي عليها أم لا وهذه الحرمة في بعض الموارد كقلع عين واحدة لزرعها في رأس عالم جليل ذي مكانة دينية أعمى مثلاً مبنية على الاحتياط.
الثالث: الاضرار بأدون من الوجهين المذكورين، وهذا غير محرم لعدم الدليل عليه فان قوله صلى الله عليه وآله : لا ضرر ولا ضرار(1)، لا يدل على حرمة الاِضرار بالنفس ظاهراً(2)، والرجوع إلى أصالة البراءة بل إلى بناء العقلاء على تسلّط الناس على أموالهم وأنفسهم يعطي الجواز، وترى العقلاء يقدمون على بعض الاَضرار بمشي زائد أو أكل زائد أو عمل شاق ولا يذم أحدٌ أحداً على ذلك، ولاحظ المسألة الخامسة والعشرون.
لا يجوز مساعدة المحتاج على الوجه الاَوّل بلا إشكال حتّى إذا فرضنا علم المساعد بموته بعد دقائق، فإنه لا يجوز اتلاف نفسه في هذه الدقائق اليسيرة. وهل تجوز بالوجه الثاني بدعوى أنّ حرمته إنّما هي إذا كان الاتلاف لغرض عقلائي فيجوز قطع أحد يديه لتزرع في بدن مقطوع اليدين أو قلع عينه لزرعها في رأس الاَعمى وان لم يجز قطع اليدين وقلع العينين معاً فيه؟ بحث واحتمالات.
وأمّا مساعدة الغير بالوجه الثالث فهي راجحة ولا إشكال فيها، وإذا توقّف حياة أحد عليها تجب.
____________
(1) الكافي ج 5 ص 280 و292. نسخة الكامبيوتر.
(2) لاحظ بحثه في الجزء الثاني في كتابنا حدود الشريعة في محرماتها ص404 إلى ص415.

( 183 )
وعدم ورده في الفقه إنّما هو لعدم إمكان هذه الاقسام من المساعدات الطبية في الزمان السابق لا لعدم وجوبها، فلاحظ.
لكن لاَحدٍ أنْ يمنع الوجوب لعدم دليل لفظي يتمسّك بإطلاقه في مثل المقام ـ كما اشرنا اليه سابقاً ـ، والدليل اللبي لا يشمل ما شكّ في شموله له بل يقتصر فيه على القدر المتيقن.
فإنْ قلت: إنّ إهداء كلية واحدة برعاية الطبيب الماهر وان لم يستلزم ضرراً لصاحبها بالفعل لكنه يخاف على نفسه إذا ابتليت كليته الاُخرى بالنقص والمرض في المستقبل، فلم تقدر على دفع سموم الدم إلى المثانة ولم يجد من يعطيه الكلية بلا عوض ولم يقدر هو على عوضها.
قلت: يمكن الاعتماد على استصحاب سلامتها من الاَمراض، أو استصحاب عدم حدوث المرض عليها في المستقبل. لكن الاستصحاب المذكور لا يدفع احتمال الضرر والخوف منه فلا يجوز له اهدائها دفعاً للضرر حتّى إذا كان هذا الغير ابنه وكان مرضه حرجياً للوالد، فإنّ قاعدة لا حرج معارضة أو مزاحمة بقاعدة حرمة الاِضرار بالنفس. وان شئت فقل: يشكل إجراء قاعدة لا حرج في مثل المقام كما أشرنا إليه في أوائل الكتاب.
إلاّ أنّ يدّعى أنّ احتمال مثل هذا الضرر في المستقبل ضعيف ولا يوجب العقلاء دفعه، فلاحظ.
وأمّا الناحية الثانية فالمنقول منه قد يكون غير بالغ، أو مجنوناً، وقد يكون ميتاً، وقد يكون رشيداً بالغاً، وقد يكون جنيناً أو سقطاً، وقد يكون حيواناً، وقد يكون غير محترم النفس.
أمّا الثالث فقد مرّ حكمه وأمّا الاَولان فلا يجوز قطع أعضائهما لعدم ولاية الولي عليهما بهذا الحد إلاّ أنْ يفرض توقّف نفقتهما على هذا العمل
( 184 )
وبدونه تقع سلامتهما في خطر مهم، وأما الرابع فله ذلك بمقدار مأذون له شرعاً كما عرفت.
ولا يجوز الاَخذ من الجنين بوجه، وأما الذي سقط تلقائياً أو أجهض في الموارد المرخّص فيها ذلك كما سبق بيانه فلا مانع لزرع بعض أعضائه في الغير إذا رضي الوالدان به بعد إتيان ما يجب من تجهيزه إنْ أمكن وإلاّ قبله، إذا كان ترك العملية يوجب تلف النفس المحترمة أو مشقة شديدة لوالدي السقط ـ كما إذا كان المريض من أقربائهما مثلاً ـ، وفي غير الفرضين المذكورين يشكل ترك واجب لاَجل تحصيل مال غير محتاج اليه.
وأما الحيوان فإن كان مما يؤكل لحمه وأخذ العضو بعد ذبحه فلا كلام، وإنْ كان غير مأكول اللحم فان زرع عضوه في البطن فلا إشكال فيه قبل التذكية أو بعدها، وان زرع في الظاهر بعد تذكيته فقد ورد في موثّقة زرارة أنّه سأل أبا عبدالله عليه السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله : ان الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّى في غيره مما أحل الله أكله...(1)
وإنْ أخذ قبل تذكيته أو أخذ من حيوان نجس العين كالكلب والخنزير فمضافاً إلى هذا الاِشكال تزيد مشكلة النجاسة المبطلة للصلاة بل للغسل بل الوضوء إذا زرع في محل أعضاء الوضوء وكذا اذا أخذ من الكافر غير الكتابي.
____________
(1) ص345 ج4 الوسائل نسخة الكومپيوتر نقلاً عن الكافي.

( 185 )
وأجاب عنه بعض الفقهاء الاجلاء انه بعد الزرع يصبح جزء من بدن الانسان ومحكوم بحكمه فلا يجري عليه حكم غير المذكى، وحكم الكلب والخنزير والكافر أي هو يصير طاهراً بعد الزرع بالتبع. وأنا فيه متوقف، والله العالم.
واما الاَخير فان كان حربياً أو مرتداً سواء كان حياً أم ميتاً فيجوز أخذ العضو منه لمسلم رضى أم لا بعوض أم بغير عوض وأما المحكوم بالاعدام حدا فلا يجوز ذلك في حقه وانما يجب قتله حسب ما عينه الشرع وقطع العضو أمر زائد لا دليل عليه فهو ظلم محرم.
وأما المحكوم بالاعدام قصاصاً فهو ايضاً كذلك قبل القصاص وبعده إلاّ إذا صولح على ذلك ورضى به.
وأما الناحية الثالثة فقد تبيّن مما تقدّم حول الضرر الضابطة في جواز ما ينقل من الاَعضاء وما لا ينقل.
وعلى كلّ لا شبهة في جواز نقل الدم إلى الغير بعوض أو بغير عوض، وقد صرّح بعض فقهائنا بصحة بيعه(1).
وأمأ الناحية الرابعة فان كان المنقول اليه مسلماً فلا إشكال فيه، وإما إذا كان كافراً فهل يجوز للمؤمن أنْ يعطيه عضوه؟ فيه تردد. وأما إذا دفع اليه بعوض وكان في أشد الحاجة إليه فالظاهر أنّه جائز لكن الاَحوط بل الاَقوى عدم جواز دفعه إلى الناصبي والمبتدع ومَن يُريد تخريب الدين وتضعيف المؤمنين في غير فرض الاضطرار إلى ماله بخصوصه. وقد يكون المنقول منه والمنقول إليه شخصاً واحداً. ولا بأس حينئذٍ في النقل إذا كان
____________
(1) وهو سيّد سيّدنا الاستاذ الخوئي قدس سره.

( 186 )
الفرض حفظ العضو الاَهم، وقد يكون العضو بلاستيكياً وهذا لا إشكال في زرعه إذا لم يكن غصبياً.
وأما الناحية الخامسة فالغاية قد تكون حفظ النفس من التلف وقد تكون رفع الحرج الشديد وقد تكون مجرد أخذ المال أما مع الحاجة الشديدة إليه أو لا معها بل لجمع المال فقط، كما أنّ الغاية للمنتقل إليه قد تكون حفظ نفسه وقد تكون رفع الحرج عنها وقد تكون أغراضاً تجملية بحتة، وربما تختلف الاَحكام المتعلّقة بالقطع والمقطوع منه بالنسبة إلى بعض هذه الغايات حسب الفتاوى، فلا بد للمكلفين من الرجوع إلى مقلَّديهم (بفتح اللام) في ذلك.
وأما الناحية السادسة: فالعملية قد تقترن بعدة أُمور محرّمة أو غير جائزة بعنوانها الاَوّلي، ونذكر بعضها من باب المثال:
1 ـ 2 ـ نظر الاَجنبي إلى بدن الاَجنبية وبالعكس، أو نظر أحدهما إلى عورة الآخر ولو كان الطبيب والمريض من جنس واحد.
3 ـ 4 ـ لمس الاَجنبي بدن الاَجنبية أو بالعكس، أو لمس العورة ولو بين المثلين.
5 ـ الاضطرار إلى أكل طعام وشراب نجسين كما في مستشفيات البلاد الغربية وغير الاِسلامية أيام العملية حتّى حصول القدرة، وكذا عند الفحوص الطبية قبل العملية.
6 ـ الاضطرار إلى اداء الصلاة في لباس نجس أو بدن نجس كذلك.
7 ـ الصلاة عن جلوس أو عن استلقاء أو اضطجاع لا عن قيام، حتّى يقدر عليه. ثمّ الاَربعة الاَولى متعلّقة بالمنقول منه والمنقول إليه والطبيب ومساعديه المراقبين للمرضى في المستشفيات جميعاً.

( 187 )
أقول: إذا أُجريت العملية لحفظ النفس أو لرفع مرض حرجي لا شبهة في جواز كل الاُمور السبعة للمريض والاُمور الاَربعة للطبيب إذا لم يمكن الاجتناب عن بعضها كلبس شيء مانع عن المس بالبدن ونحو ذلك.
واما إذا اُجريت للتجمل فقط فلا ترتفع حرمة المحرمات ولا لزوم الواجبات في حقهما.
واما المنقول منه فإن قصد حفظ النفس المحترمة فيجوز له كلّ ذلك كما يجوز للمنقول إليه، وان قصد رفع المرض الحرجي فإنّ كان حرجياً له أيضاً لمكان علاقته بالمريض فالحكم هو الجواز لنفي الحرج، وان لم يكن له حرجياً فربما يشكل إقدامه على العملية وان كان قطع العضو جائزاً لمكان تلك المحرمات والواجبات الضمنية، وجريان قاعدة نفي الحرج في حق المنقول إليه لا يكفي للمنقول منه، وكفايته للطبيب إنما هي بدليل خاص مرّ في المسألة الثانية، إلاّ أنْ يدّعى القطع بعدم الفرق بينهما، فتأمّل.
وإنْ قصد المال لحاجة شديدة إليه فالظاهر جواز الاُمور المذكورة لقاعدة نفي الحرج والضرر، وان قصد جمع المال فقط فيشكل الاَمر حتّى في فرض حفظ حياة المنقول إليه إذا لم يقصده فضلاً عن فرض التجمل، بل الظاهر عدم رفع الحرمة والوجوب في حقّه، فلاحظ وتأمل.
( 188 )
المسألة الثانية والعشرون
أحكام متعلّقة باللمس والنظر وتشريح الميت وغير ذلك
1 ـ هل ترتفع حرمة النظر والمس المحرمين للطلاب والطالبات في كلية الطب في مقام تعلمهم ـ فإنّه واجب كفائي ـ وهل يفرق الحكم الشرعي بالنسبة إلى الاَحياء والاَموات؟
(ج): أما المس فالظاهر عدم الاحتياج إليه غالباً لامكان لبس ما يمنع مس البدن باليد، فلا مجوز لرفع حرمته أصلاً، وأمّا النظر إلى الوجه والكفين فلا بأس به مطلقاً بغير قصد الشهوة واللذة، وكذا إلى الكافرات بمقدار ما تعارف عدم حجابهن، بل وكذا إلى المبتذلات اللائي إذا نهين لا ينتهين، وأما إلى بدن المسلمات غير المبتذلات فلا.
وأمّا السؤال عن جواز إلباس المساعدة للطبيب لباسه أو نزعه مما يستلزم المس المحرم وأنَه عادة رسمية رائجة حين العملية أو الفراغ منها فجوابه أنّ حرمة المس لا تزول بهذه العادات غير الاِسلامية.
2 ـ هل يجوز الرجوع للتداوي والعملية إلى الجنس المخالف إذا استلزم النظر والمس المحرّمين مع إمكان الرجوع إلى المماثل أو لا يجوز؟
(ج): لا يجوز الرجوع إلى الجنس المخالف إلاّ مع تعذّر المماثل الصالح للعلاج والتشخيص، وحينئذٍ يجوز النظر والمس للطبيب أيضاً كما مرّ دليله في المسألة الثانية، ويقدم المحارم على غيرهم، ووجهه واضح في النظر إلى غير العورة ومسه فانه يجوز لهم، وأمّا في مسّ العورة والنظر إليها
( 189 )
فليس حكمه بواضح، فهو أحوط.
3 ـ هل يجوز النظر إلى العورة ومسّها في مقام التداوي مطلقاً أو بشرط؟
(ج): يجوز بشرط تداوي المرض الحرجي للمريض، ويزيد للمخالف شرط فقد المماثل أيضاً. وربما قيل بتقديم المحارم على غيرهم وهو أحوط كما أشرنا إليه آنفاً.
4 ـ هل يجب على مَن يتعلّم الطب الغسل بمس بدن الميت مع أنه يتكرر في كثير من الاَيام، بل ربما في كل يوم مرات؟
(ج): نعم يجب الغسل عند الصلاة، وطريق التخلّص عن الغسل لبس ستر يمنع عن مس اليد ببدن الميت مباشرة، وهو أمر سهل.
وأمّا إذا مسّ القطعة المبانة منه فعند بعض الفقهاء المعاصرين أنّه لا يجب على الماس الغسل(1)، وعند المشهور وجوبه بمسها إذا اشتملت على العظم دون المجرّد عنه كاللحم فإنّه لا يجب(2) بمسه، وأما مسّ العظم المجرد ففي وجوب الغسل به أقوال أربعة.
هذا كله إذا لم يغسل الميت، وإما إذا غسل الميت أو جاؤا به من مقابر المسلمين فلا يجب الغسل بمسه، فإنّ وجوب الغسل بمس الميت إنما هو بمسه بعد البرودة وقبل غسله وبدون حائل.
5 ـ إذا لم يمكن تعلّم الطب إلاّ بالنظر واللمس المحرمين فما هو الحكم؟
(ج): يقول بعض الفقهاء المعاصرين: إنّه إذا توقف بقاء حياة
____________
(1) وهو السيّد السيستاني «طال عمره» وهو من المراجع المشهورين اليوم.
(2) لاحظ كتاب الطهارة من جواهر الكلام.

( 190 )
المسلمين ـ ولو في الزمان المستقبل على تعلّم الطب المتوقّف على النظر والمس المحرمين جازا مع الاقتصار على مقدار الضرورة بشرط عدم التلذذ والريبة.
6 ـ هل يجوز للذكور تعلّم الاَمراض النسائية بحيث يصبحوا أخصائيين (اختصاصيين) فيبتلون بالمس والنظر في أيام التعلّم؟
(ج): أمّا نفس التعلّم فلا شكّ في جوازه لجواز النظر والمس حين المعالجة والعملية بشرط سبق، وأمّا النظر والمس في أيام التعلّم ففي جوازهما نظر إلاّ إذا توقّفت حياة المسلمين في المستقبل على تعلّمه الطب، فيجوزان. وإذا علم أو أحتمل قيام اُناث بمقدار الحاجة لتعلم الطب (قسم الاَمراض النسائية) فيشكل أو يحرم عليهم المس والنظر.
7 ـ هل يجوز إجبار المتعلّمات على تعلّم الاَمراض النسائية بمقدار حاجة النساء في هذا العصر حتّى لا يفتقرن إلى الرجال ولا إلى ارائة أبدانهن لهم؟
(ج): والاَظهر عندي جوازه بل لزومه على الحكومة الاِسلامية ويمكن أنْ نسنده إلى الفهم من مذاق الشرع. هذا إذا لم يكتف بمن اشتغلن برضاهن بتعلم الطب لمقدار الحاجة وإلاّ فلا معنى للاجبار. وعلى كلّ لا يدفع وجوب الاِجبار المذكور بقيام السيرة من صدر الاسلام إلى اليوم على عدمه، فان الشرائط الحاضرة لم تكن متوفرة في السابق، ومع هذا التفاوت الوسيع بين الحال والماضي لا مجال للتمسك بالسيرة، فلاحظ.
8 ـ المعتدة التي يحرم خروجها من بيتها هل يجوز خروجها للعلاج؟
(ج): المعتدة المريضة يجوز خروجها للتداوي والعلاج لنفي الحرج
( 191 )
والضرر، وأما الطبيبة المعتدة فلا يجوز خروجها لعلاج المرضى إذا وجد غيرها لعلاجهم، ومع عدمه إنّما يجوز الخروج إذا لم يمكن العلاج في بيتها واستلزم عدم خروجها تلف النفس أو كان مرض المريض حرجياً لها لمكان قرابته منها مثلاً، وأما إذا كان المرض حرجياً للمريض فقط ولم يوجد غيرها للتداوي ففي جواز خروجها من بيتها وجهان.
نعم إذا أوجب عدم خروجها من بيتها فقدان مؤنتها المحتاج إليها بالفعل أو عزلها من قبل إدارة المستشفى وكان حرجياً لها لضيق معيشتها، جاز لها الخروج بقدر الضرورة. وهذا لا يخصّ الطبيبة بل هو ـ كنظائره ـ عام.
9 ـ ما معنى الضرورة المجوّزة للنظر والمس المحرمين حتى مس العورة للمريض والطبيب؟
(ج): للضرورة هنا معنيان: حفظ النفس من التلف، وكون تحمل المرض حرجياً للمريض، وأمّا إذا لم يبلغ المرض حد الحرج والضرر فلا يبيح ما هو محرم في نفسه للمريض والطبيب والمضمد.
10 ـ هل يجوز للمرأة الطبيبة أو المساعدة للطبيب أنْ تكشف عن ذراعيها في المختبر أو محل العملية إذا الزمها القانون بذلك؟
(ج): لا يجوز لها ذلك ولا حرمة للقوانين المخالفة لقوانين الاسلام.
11 ـ أصبحت المصافحة مع الاَجانب والاَجنبيات في بيئة الجامعات والكليات والمختبرات من الواجبات العرفية وتاركها يوهن فتكون له مشقة نفسية فهل ترخصونها لهن؟
(ج): كلا، هي حرام في غير المحارم إلاّ إذا كانت من وراء ساتر.
12 ـ هل يجوز تقطيع أعضاء الميت للتشريح والتعلم أو للزراعة؟
( 192 )
(ج): أمّا حكم النزع للترقيع والزراعة فقد تقدّم، وأمّا التشريح فلا يجوز بميت مسلم، ويجوز تقطيع أعضاء الميت غير المسلم أو مَن شكّ في إسلامه.
ويقول السيد الاُستاذ الخوئي ( رضي الله عنه ): نعم إذا توقّف حياة مسلم حي على تشريح بدن مسلم ميت جاز ولكن يجب على من يقطعه الدية(1).
أقول: في كلّ بلد يوجد جثة غير مسلم فيكتفي بها لقضاء الحاجة، وأما إذا فرضنا عدم وجود ذلك ولم يتيسر لهم إلاّ الميت المسلم وفرضنا توقف حياة المسلمين ـ ولو في المستقبل على وجود الاخصائيين الذين لا يتيسر لهم العلم إلاّ بالتشريح لا يبعد جواز تقطيع الميت المسلم، وهل يكون ذلك بعد الصلاة عليه أو بعد دفنه؟ فيه وجهان.
13 ـ قد تدّعي المريضة مرضاً في بدنها أو في عورتها ولا يعلم الطبيب أنّ المرض مهم أو غير مهم يمكن تحمله لها بلا مشقة أو يعلم أنه غير حرجي، فهل يجوز له النظر أو المس لتشخيص المرض على نحو الدقة؟ وكذا الحال في المريض والطبيبة؟
(ج): إذا كان المرض حرجياً للمريض والمريضة جاز النظر واللمس في فرض فقدان المماثل، وإذا لم يكن حرجياً لا يجوزان للمخالف والمماثل، وعند شكّ الطبيب في بلوغ المرض درجة الحرج لا يبعد الاعتماد على قول المريض والمريضة في فرض عدم اتهامهما.
14 ـ قد يشك الطبيب في تحقق الضرورة المجوزة لمس المرأة والنظر اليها لاَنّه يحتمل وجود المماثلة لها أو يعلم بوجودها ولكن المريضة
____________
(1) توضيح المسائل وغيره من كتبه قدس سره.

( 193 )
تدّعي أنها راجعتها ولم تنتفع بعلاجها، فهل يكفي هذا الاِدّعاء للطبيب لجواز علاجها حتّى بمس عورتها، وكذا الكلام في حق الطبيبة والمريض؟
(ج): أفتى بعض الفقهاء بجواز الاعتماد على قول المريض بامتناع المراجعة إلى المحرم والمماثل، والظاهر عدم الفرق بينه وبين قوله بعدم انتفاعه من المحرم أو المماثل.
وعلى كلّ إذا علم بوجود المماثل لا يجوز للطبيب النظر والمس في فرض سكوت المريض.
( 194 )
المسألة الثالثة والعشرون
حول إفشاء الاسرار
(البحث الاَوّل) في نقل بعض الاَحاديث:
1 ـ في الحديث الصحيح عن الباقر عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله المجالس بالاَمانة(1).
أقول: قضية الاطلاق عدم جواز إفشاء ما لا يرضى به أهل المجلس؛ بل الاصل عدم الجواز إلاّ إذا اُحرز رضاهم بالافشاء، ومع ذكر عدم الافشاء يصير عدم الجواز آكد، وأخذ الميثاق يصير أشد تأكيداً.
والظاهر عدم خصوصية للمجلس فيشمل الحكم المكالمات الهاتفية والمكاتبة وأمثالها.
نعم في شمول الحديث لغير المسلمين نظر، لاحتمال الانصراف أو لما يفهم من مذاق الشرع في غير أهل الذمة.
2 ـ وفي صحيح ابن سنان قال: قلت له: (أي الاِمام الصادق عليه السلام ) عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال: نعم. قلت: يعني سفلتيه؟ قال: ليس حيث تذهب إنّما هو إذاعة سرّه(2).
أقول: فمن لا يرضى بإذاعة صلاة ليله مثلاً يشكل أو يحرم إذاعته،
____________
(1) ص471 ج8 الوسائل. وفي الباب روايات لكن ليس فيها ما يعتبر سنداً إلاّ ما ذكرناه هنا.
(2) ص294 ج12 الوسائل نسخة الكومپيوتر.

( 195 )
فضلاً عن حرمة إذاعة ما يضر بماله وعرضه ونفسه(1).
3 ـ وفي معتبرة معلّى بن خنيس.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله عزّ وجلّ: قد نابذني من أذّل عبدي المؤمن(2).
4 ـ وفي صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا أُنبئكم بشراركم، قالوا: بلى يارسول الله، قال: المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الاَحبة الباغون للبراء المعائب(3).
والمستفاد من هذه الاَحاديث الاَربعة حرمة إفشاء ما في المجالس وحرمة إذاعة اسرار المؤمن وحرمة إذلال المؤمن والنميمة والتفريق بين الاَحبة وطلب العيب للبراء.
وأمّا حرمة الغيبة حرمة سوء الظن وحرمة التجسّس فيدل عليها قوله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أجتنبوا كثيراً من الظن إنّ بعض الظن إثم ولا تجسّسوا ولا يغتبْ بَعضكم بعضاً أيحب أحدكم أنْ يأكل لحم أخيه ميتاً) (الحجرات 2).
وقد استثني من حرمة الغيبة ما إذا كانت مصلحة الغيبة أقوى من تركها، وما إذا كان المغتاب (بالفتح) متجاهراً بالفسق وفرض تظلم المظلوم باظهار ما فعل به الظالم لقوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلاّ مَن ظلم)(4) وفي جرح الرواة، وجرح الشهود، وغير ذلك كما فصّل في الكتب الفقهية(5).
____________
(1) لاحظ ص226 ج1 من كتابنا حدود الشريعة في محرماتها.
(2) لاحظ بقية الاَحاديث في ذلك في ص229 ج1 حدود الشريعة.
(3) ص616 ج8 الوسائل.
(4) النساء آية 148.
(5) لاحظ ص75 إلى ص83 ج2 حدود الشريعة.

( 196 )
والجدير بالذكر هنا الاِشارة إلى أمرين:
1 ـ من جملة ما استثناه شيخنا الانصاري قدس سره في مكاسبه المحرّمة من حرمة الغيبة قصد ردع المغتاب من المنكر(1) ولكن سيدنا الاُستاذ الخوئي قدس سره ناقشه نقاشاً متيناً(2).
2 ـ ومن جملة ما استثناه الشيخ المذكور نصح المستشير(3)، فان النصيحة واجبة للمستشير.
أقول: أمّا وجوب النصح فيدل عليه صحيح معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام : يجب للمؤمن على المؤمن النصحية له في المشهد والمغيب. ومثله صحيح الحذاء(4).
لكن النسبة بينه وبين حرمة الغيبة هي العموم من وجه، ففي مورد الاجتماع تقع المزاحمة فلا بد من الاَخذ بالاهم، وهو يختلف باختلاف الموارد والحالات.
وأعلم أنّه يجب حفظ الاَيمان ويحرم الحنث كتاباً وسنةً وهذا مما لا إشكال فيه. لكن قال رسول الله صلى الله عليه وآله كما رواه الشيعة(5) وأهل السنة: «إذا رأيت خيراً من يمينك فدعها» وهذا استثناء من وجوب حفظ الاِيمان وحرمة الحنث، وهو أصل مهم.
____________
(1) لاحظ المكاسب المحرمة.
(2) مصباح الفقاهة بحث الغيبة.
(3) المكاسب المحرمة.
(4) ص594 ج11 الوسائل.
(5) ص175 ج16 وسائل الشيعة.

( 197 )
أصل مفيد
لا يجب اعلام من أخطأ في الموضوعات كمن صلى إلى غير جهة القبلة وهو يزعم أنها القبلة ، أو يفطر يوماً من رمضان وهو يزعم انه يوم عيد ، وهكذا . نعم إذا علم الحكم والموضوع ثم خالف يجب على الانسان أمر المتخلف بالمعروف أو نهيه عن المنكر . وإذا جهل الحكم فيجب على الانسان ارشاد الجاهل . وأما إذا علم الحكم وجهل الموضوع فلا يجب على المكلفين تنبيهه .
نعم استثنوا منه النفوس والأعراض ، بل بعضهم الأموال الخطيرة ، فمن زعم ان زيداً كافر مهدور الدم وقصد بالفعل قتله يجب على الغير بيان الواقع وأنه غير مهدور الدم بل وردعه ودفعه عنه أيضاً ، او أعتقد امرأة اجنبية زوجته فاراد مباشرتها يجب على الغير اعلامه وردعه ، يفهم ذلك من مذاق الشرع .
إذا تقررت هذه الاحكام الفقهية العامة لجميع المسلمين بل المكلفين من غير اختصاص الاطباء وان كان الاطباء وموظفو الأمن العام أكثر الناس ابتلاء ببعض هذه المسائل ، نذكر في كتابنا هذا عدة من الموارد التي هي محل ابتلاء الاطباء المتدينين المقيدين بأحكام دينهم ـ وقليلاً ما هم ـ والله الموفق ـ .
1 ـ إذا علم الطبيب بعد الفحوصات الطبية ان الرجل لن يستطيع الانجاب وذلك لعدم وجود حيوانات منوية في منيه ، ثم يأتي بعد ذلك ويخبر الطبيب أنه بعد العلاج استطاع ان ينجب طفلاً ، فهل يجوز أو يجب
( 198 )
على الطبيب ان يخبره عن استحالة الانجاب في حقه أم لا يجوز ؟
يحتمل جواز أخبار الطبيب للزوج بأنه لم يكن قابلاً للانجاب ، فان مجرد هذا لا يدل على اتهام الزوجة بالزنا المحرم لاحتمال انتقال النطفة الى رحمها من الارض ونحوها كما قد يتفق ، او بطريق طبي على غفلة منها مثلا ، أو أنها اكرهت على الزنا ، فاخبار الطبيب لا يستلزم سوء ظن بها ، لكن إذا علم او احتمل الطبيب اقدام الزوج على قتلها وافضاحها وهتك شرفها لا يجوز الاخبار ظاهرا لما عرفت من حرمة اذلال المؤمن مؤكدة ، بناء على عدم الفرق بين المباشرة والتسبب وهذه الحرمة ثابتة في حقه حتى وإن فرضنا حلفه في أول شغله على عدم اخفاء الحال على المريض فإن الحرمة المذكورة تمنع عن العمل بالحلف كما عرفت من قول رسول الله صلى الله عليه وآله . وأما إذا علم أنه لا يترتب على إخباره إلا طلاقها فيحتمل الجواز لان الطلاق غير محرم .
ثم إنه إذا علم الطبيب باقرارها أو غيره أنها زنت يجب عليه ان ينهاها عن نسبة الولد الى زوجها من باب النهي عن المنكر .
وعلى كل إذا جاز الاخبار للطبيب فانما هو جائز غير واجب ، وله ان لا يخبر الزوج أصلا ولكن لا يلدلسه إذا سأله .
2 ـ لا يجوز إخبار الطبيب السلطة او الزوج بزنى الزوجة لحمة الغيبة وحرمة الاذلال وحرمة إذاعة السر ، كما أنه لا يجوز للطبيب وغيره عند سؤال الزوج عن فجور زوجته ان يكذب ، بل إما يسكت أو يتورى .
3 ـ إذا تبين بالفحوص الطبية أن أحد الشخصين المقبلين على الزواج اللذين طلبا فحص ما قبل الزواج ، لا ينجب أو ينجب طفلا مشوها إذا ما تم ذلك الزواج ، فهل يقوم الطبيب باخطار الفرد الآخر منهما ، أم ان النقص
( 199 )
المذكور يعتبر سراً من الاسرار التي لا يجوز افشاءها ، او يعلق الجواز والمنع على طلب الآخر معرفة النتيجة وعدم طلبه .
أقول : للمورد صور ، فإن أقبلا على الطبيب بشرط ان يبين حقيقة حال كل منهما للآخر كما لعله الغالب فالظاهر وجوب اخبارهما بالحقيقة لا نعقاده الاجارة مشروطة بذلك ، ويقول الله تعالى : (أوفوا بالعقود ) (1) ، ولو لم يبين لا يستحق الاجرة ، وقسم الطبيب على عدم إفشاء السر لا يشمل المورد جزماً .
وإن أراد منه الفحص واعلان النتيجة لكل منهما منفردا فلا يجوز له اخبار الغير لحرمة إذاعة السر وللقسم ـ إن حلف أولا على عدم إفشاء حال المرضى ـ . وأما إذا اطلقا الطلب ولم يبنا أحد القسمين السابقين فالمتبادر من الاطلاق هو القسم الاول لا سيما مع السؤال عن النتيجة .
4 ـ إذا علم الطبيب ان مريضه مدمن خمر وهو سائق أو طيار فهل يجب عليه الابلاغ أو يحرم ؟
أقول : يجب على الطبيب من باب النهي عن المنكر أن ينهى المريض عن شرب الخمر أولا وعن السياقة في حال السكر ثانياً ، فان لم يرتدع أو علم الطبيب من أول أنه لا يرتدع وجب عليه إبلاغ الجهات المسؤولة الحكومية لما مر ذيل عنوان (اصل مفيد) عن قريب ، ويجوز اعلام من يريد السفر مع المدمن المذكور بالحال . وبالجملة : حفظ النفوس أهم من حفظ عرض واحد مقصر .
5 ـ إذا علم الطبيب باجتهاده أو باقرار المريض أنه مبتلى بالزنا أو
____________
(1) المائدة آية 1 .
( 200 )
باللواط أو بالمساحقة أو بالسرقة أو بقتل شخص أو أشخاص مثلاً فما هو وظيفته في الابلاغ والسكوت ؟ وكذا غير الطبيب ـ إلا من كان ولي القتيل أو مالك المال المسروق ونحو ذلك فيجوز له الرجوع إلى الجهات المسؤولة للقصاص وتحصيل حقه ، وهذا مما لا إشكال فيه .
أقول : لا يجوز له الابلاغ لما مر وانما يجب عليه نهي المتخلف عن المعاصي ، نعم إذا علم انه يريد قتل شخص آخر أو أنه مفسد يريد إدامة فساده يجب عليه إبلاغ الحكومة لما مر في الأصل المفيد .
6 ـ إذا علم الطبيب عن مريضته إنها قامت بترك وليدها غير الشرعي في الطريق العام تفاديا للفضيحة ، فهل يسكت او يبلغ السلطات ؟
(ج) : لايجوز له ولغيره افضاح المرأة لما مر وانما يجب عليه وعلى جميع المسلمين كفاية حفظ اللقيطة من التلف ولو بردها إلى أمها ، وإذا فرض عدم حفظه إلا بأمه جاز بل وجب ابلاغ السلطات والتعريف بأمه .
7 ـ إذا علم الطبيب ان المرأة المزوجة تخون زوجها لا يجوز له ابلاغ الزوج أو الحكومة ، ولو قذفها ولم يقدر على إثبات الزنا يجلد ثمانين جلدة وهو حد القذف . ، وإذا سأله زوجها عن سبب مرضها النفسي فهل له أن يخبره بأنه خوف خيانتها بك ؟ لا يجوز له الكذب ولا الصدق !
8 ـ إذا علم الطبيب أن السائق يضعف نور عينه والسياقة خطر له وللناس ، فقد مر حكم الطبيب المذكور ، في جواب السؤال الرابع.
9 ـ شخص أحد عينيه لا يبصر ، وهو يطلب من الطبيب كتمانه لئلا تفارقه زوجته أو خطيبته وتطلب هي منه حال عينه ، فما هو حكمه ؟ وكذا في عكس المفروض .
(ج) : لايجوز افشاء عيبه حتى لزوجته بوجه بل الأظهر عدم جوازه
( 201 )
لخطيبته وإن لم يجز له غرها والتدليس بل يقول لها : أذهبي به إلى الطبيب آخر ، وأما إذا جائته تستشيره لان تتزوج بالرجل المذكور فقد تقدم حكمه في بحث الغيبة ، ولا بعد في أنه يجب عليه ان يشيرها بترك التزويج وعدم ذكر عيب الرجل جمعا بين الحقين ، وهكذا في فرض عكس الموضوع بلا فرق أصلاً .
10 ـ امرأة ابتليت بامراض خفية ، ويأتي من يريد زواجها إلى الطبيب والمعالج ويسأل عن حالها فلا يجوز له الإخبار بأمراضها ولا غر الزوج كما عرفت في السؤال السابق .
11 ـ مرشد في المباحث ، سبب مرضه النفسي ما أوقع الناس فيه اذى فهل يجوز للطبيب ان يحذر الناس ؟
(ج) : نعم يجوز ذلك له بل يحسن له لأنه احسان للأبرياء وهو أهم من حفظ عرض نمام فاسق ، بل إذا علم ان الدولة الظالمة تقتل الناس بنميمته يجب عليه أن يفشي حاله لما مر من وجوب حفظ النفس مطلقاً وحلف الطبيب أولا على عدم الأفشاء يلغي أثره في أمثال الموارد لقوله صلى الله عليه وآله المتقدم : إذا رأيت خيراً من يمينك فدعها .
12 ـ مريض نفسي اعترف لطبيبه بارتكابه جرماً يحاكم من جرائه متهم آخر ، هل يبلغ عنه ؟
(ج) : إذا طلب منه المتهم الآخر الشهادة عند الحاكم ففي وجوب إجابته عليه تفصيل ذكرناه في ص172 وص173 ج2 حدود الشريعة ، وإذا لم يستشهده المتهم الآخر أو لم يكن عالماً بعلم الطبيب لكن اتهام المتهم لمكان قرابته من الطبيب كان حرجيا للطبيب المذكور ففي جواز إبلاغه وجهان ، ومع فقد الامرين المذكورين يمكن الرجوع إلى تقديم الأهم على
( 202 )
المهم ، فإن حفظ المتهم أهم جاز له الابلاغ وان كان عرض المريض اهم لم يجز ، نعم إذا خاف على المتهم القتل وجب الابلاغ وبالعكس وجب السكوت ، ان كان قتله غير مستحق .
13 ـ امراة حملت سفاحا هل يجهض الطبيب حملها وهل يبلغ عنها السلطات ؟
(ج) : مر حكم الاجهاض في المسألة السادسة ، واما الابلاغ عنها فلا يجوز بل لا يجوز تعييرها على ذنبها الماضي وانما ينصحها لئلا تعود إلى المعصية ثانية .
14 ـ رجل ابتلي في سفر له لمرض تناسلي فيمتنع عن زوجته وهي تسأل الطبيب عن سبب امتناعه عنها فهل يسكت الطبيب أو يصارحها ؟
(ج) : إذا فرضنا امتناع الزوج عن جماع زوجته فلا مجوز لإفشاء عيبه وان نشأ من الزنا واما إذا لم يمتنع عنها إلا أياما معدودة وكان في مجامعته إياها ضررا لها أو يمتنع عنها مدة طويلة تصبح هي كالمعلقة فلا بد من تقديم الاهم على المهم ، والاحسن أو اللازم رجوع الطبيب في ذلك إلى الحاكم الشرعي حتى يبين له الأهم من المهم .
15 ـ مريض ابتلي بالايدز ـ وهو مرض خطير أو قاتل كما يأتي ـ فيضر بحال من الزوج أو الزوجة ، فما هو وظيفة الطبيب في السكوت والابلاغ ؟
16 ـ ما هو حكمه في سائر الامراض السارية كالجدري الكوليرا وغيرهما في الافشاء والكتمان ؟
(ج) : في الموردين إذا لم يطلب المريض كتمان مرضه فهو وان يريد كتمانه ففي مثل الإيدز يأتي بحثه مفصلاً ، وعلى الجملة مع احراز سراية المرض والاضرار بالناس لا يحسن الكتمان لتقديم الأهم على المهم.
( 203 )
17 ـ رجل علم الطبيب ان الحمل ليس من الزوج فانه عقيم ، بل هو من مني رجل آخر بفجور الطرفين أو بأغصاب الزوجة أو باخصاب بيضة الزوجة بحيوان منوي لرجل آخر أو بييضة مخصبة من امرأة ورجل آخرين فهل يسكت الطبيب أو يفشي الواقعية لاحد الزوجين أو كليهما ـ إذا كانا غافلين ، وهل يجوز ابلاغه للطفل إذا بلغ حد الرشد والتعقل ؟
(ج) : لا يجب عليه الابلاغ ، نعم إن علم عدم وقوع المفسدة بين الزوجين جاز بيان الواقع (1) ، وان علم بوقوعها لا يجوز ، وهكذا للولد . إلا إذا طرأ عنوان ثانوي آخر .
18 ـ إذا كان الافشاء مانعاً عن حدوث الجريمة فما هو حكم الطبيب ؟
(ج) : إذا كانت الجريمة مما يفهم من الشرع عدم الرضا بوقوعها مطلقاً إذا امكن منعه ولو بالردع فضلا عن النهي والابلاغ كالقتل والزنا وللواط والفساد ونحو ذلك يجب عليه الابلاغ والافشاء للجهات القادرة على المنع ، وقد نقل طبيب عن مريضه أن أحد محارمها يعتدي عليها ، ففي مثل ذلك سكوت الطبيب نعني ادامة الزنا ولا يرضى به الشارع بوجه ، وههنا يجب على الطبيب والمرأة التوسل بكل وسيلة ممكنة لمنع هذا العمل ، ومنها الابلاغ لكن بنحو لا يستحق الطبيب حد القذف إذا لم يقدر على إثبات الزنا .
وأما إذا كانت المعصية أدون منها فلا يجوز افشائها لما مر في بحث الغيبة في أوائل هذه المسألة.
____________
(1) مع قطع النظر عن حلفه ابتداء على افشاء اسرار المرضى ومعه لا يجوز وهكذا في سائر الاسئلة .
( 204 )
فان قلت : يجب افشاءه من باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذ المفروض أن الافشاء يمنع عن حدوث الجريمة .
قلت : الامر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما يجبان لا حداث داع في تنفس المختلف فهما تعجيز تشريعي واما التعجيز التكويني فلا يجب مطلقاً اللهم إلا في القتل والزنا وأمثالهما كما مر ، فمن يريد السب والغيبة بل الافتراء لا يجب على المسلمين وضع اليد أو شيء آخر على فمه ليعجزه عن التكلم .
19 ـ هل يفشي الطبيب لمريضه حقيقة مرضه وإن علم أنه يخشى عليه من الانهيار العصبي إذا واجهته الحقيقة كبعض مراتب مرض السرطان وغيره أو يجب كتمانه ، وما هو الحكم إذا شك الطبيب في قدرة تسلط المريض على نفسه إذا علم بحقيقة الحال ؟
(ج) : إذا علم الطبيب بذلك الإفشاء المذكور ، وإذا علم أن كتمانه يوجب ضرراً أكبر ، فان أمكن دفع الضرر الأكبر بالتداوي أو باخبار من يلي أمر المريض فالحكم هو عدم الجواز ، واما إذا لم يمكن دفعه بأحد الوجهين فيجب على الطبيب إخباره (1) تقديما للاهم على المهم ، وإذا شك في تضرره نفسياً بمجرد الابلاغ يجوز الابلاغ لاصالة البراءة وإن كان الاحتياط أولى .
____________
(1) الوجوب من جهة عقد الاجارة أي إجارة المريض لبيان مرضه . وفي غير الإجارة الاخبار مستحب فانه احسان إلا في مثل القتل فان الاخبار واجب كما مر غير مرة .