غيبة الإمام المهدي ::: 61 ـ 75
(61)
منهم فإنهم هم المستحقّون لاسم الخليفة على الحقيقة ... » (1).
    الثاني : إنّ هؤلاء الاثني عشر معنيون بالنصّّ كماهو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل ، قال تعالى : « ولقدْ أخذَ اللهُ ميثاقَ بني إسرائيلَ وبعثنا منهم اثني عَشَرَ نقيباً » (2).
    الثالث : إنّ هذه الأحاديث تفترض عدم خلّو الزمان من الاثني عشر جميعاًًً ، وأنّه لابدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلى أن تقوم الساعة.
    ويؤيّده ما أخرجه البخاري بسنده ، عن عبد الله بن عمر ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] : لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان » (3).
    وأخرجه مسلم في صحيحه أيضاًً وبلفظ : « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان » (4).
    وهو كما ترى ينطبق تمام الانطباق على ما تقوله الشيعة الإمامية بأنّ الإمام الثاني عشر ( المهدي عليه السّلام ) حيّ كسائر الأحياء ، وأنّه لابدّ من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاًًً وعدلاً كما ملئت ظلماًًً وجوراًًً على وفق ما بشّر به جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله وآباؤه الأطهار عليهم السّلام.
1 ـ عون المعبود في شرح سنن أبي داود / النوربشتي 11 : 262 / 4259.
2 ـ سورة المائدة : 5 / 12.
3 ـ صحيح البخاري : ح ( 3501 ) كتاب المناقب ، باب مناقب قريش.
4 ـ صحيح مسلم : ح ( 1820 ) كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش ، والخلافة في قريش.


(62)
    ومن الواضح من جميع علماء العامة لم يتّفقوا على تسمية الاثني عشر خليفة كما نطقت بذلك أحاديثهم ! حتى من بعضهم اضطرّ إلى إدخال يزيد بن معاوية لعنه الله وأمثاله من حثالات التاريخ كمروان وعبدالملك ونظرائهم من العتاة المردة وصولاً إلى عمر بن عبدالعزيز !! كل ذلك لأجل اكتمال نصاب الاثني عشر !!
    وهذا تفسير خاطىء سقيم لا يسمن ولا يغني من جوع وغير منسجم مع نصّ الحديث من كل وجه ؛ إذ يلزم منه خلو جميع عصور الإسلام بعد عصر عمر بن عبدالعزيز الأموي من الخليفة ، بينما المفروض من الدين لا يزال قائماً بوجودهم إلى قيام الساعة.
    إنّ أحاديث الخلفاء اثنا عشر تبقى بلا تفسير لو تخلّينا عن حملها على هذا المعنى ، لبداهة من السلطة الظاهرية قد تولّاها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الاحاديث ، فضلاً عن انقراضهم أجمع ، وعدم النصّ على أحد منهم ـ أمويين أو عباسيين ـ باتفاق جميع المسلمين.
    وبهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي : « قال بعض المحقّقين : إنّ الأحاديث الدّالة على كون الخلفاء بعده صلّى الله عليه وآله اثني عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة ، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان عُلم أن مراد رسول الله صلّى الله عليه وآله من حديثه هذا : « الأئمة اثنا عشر » ، من أهل بيته وعترته ، إذْ لا يُمكن أن يُحْمَلَ هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر ، ولا يُمكن أن نحمله على الملوك الامويّة لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبدالعزيز ، ولكونهم غير


(63)
بني هاشم ؛ لمن النبيّ ! صلّى الله عليه وآله قال : « كلهم من بني هاشم » في رواية عبدالملك ، عن جابر ، وإخفاء صوته صلّى الله عليه وآله في هذا القول يرجّح هذه الرواية : لمنهم لا يُحسنون خلافة بني هاشم. ولا يُمكن أنْ يحمل على الملوك العبّاسية ؛ لزيادتهم على العدد المذكور ، ولقلّة رعايتهم ... ويؤيد هذا المعنى ـ أي : أنَّ مراد النبيِّ ! صلّى الله عليه وآله الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته ـ ويرجّحه حديث الثقلين » (1).
    ولا يخفى من حديث : « الخلفاء اثنا عشر » قد سبق التسلسل التاريخي للأئمَّة الاثني عشر ، وضبط في كتب الصحاح وغيرها قبل تكامل الواقع الإمامي ، فهو ليس انعكاساً لواقع ، وإنّما هو تعبير عن حقيقة رّبانية نطق بها من لا ينطق عن الهوى ، فقال صلّى الله عليه وآله : « الخلفاء بعدى اثنا عشر » ليكون ذلك شاهداً ومصدقاً لهذا الواقع المبتدىء بأمير المؤمنين عليّ ، والمنتهي بالإمام المهدي عليه السّلام ، وهو التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث (2).
    فالصحيح إذنْ من يُعتبر الحديث من دلائل النبوّة في صدقها عن الإخبار بالمغيّبات ، أما محأولاًًت تطبيقه على من عرفوا بنفاقهم وجرائمهم وسفكهم للدماء من الامويين والعباسيين وغيرهم فهو يخالف الحديث مفهوماً ومنطوقا على الرغم ممّا في ذلك من إساءة بالغة إلى مقام النبيّ ! صلّى الله عليه وآله إذ يعني ذلك منه أخبر ببقاء الدين إلى زمان عمر بن عبدالعزيز مثلاً ، لا
1 ـ ينابيع المودة 3 : 105 باب 77 في تحقيق حديث « بعدي اثنا عشر خليفة » .
2 ـ بحث حول المهدي / السيد الشهيد محمد باقر الصدر : 54 ـ 55.


(64)
إلى من تقوم الساعة !!
    وقد علمتَ أن الإمام الصادق عليه السّلام قد قطع الطريق أمام كل التفسيرات المنحرفة لحديث : « الخلفاء اثني عشر ... » مبيّناً المراد بمصاديق هذا الحديث واقعاًً كما تقدم

    تهدف هذه القاعدة إلى الإطاحة بجميع الدعاوى الباطلة التي زعمتها بعض الفرق المندرسة التي أتت عليها حملة التثقيف الواسعة التي قادها الإمام الصادق عليه السّلام وجعلتها هشيماً تذروه الرياح ، إذ نسفت تلك القاعدة ما زعمه الكيسانية من إمامة محمد بن الحنفية رضى الله عنه ، كما نسفت مزاعم الفطحية بإمامة عبد الله الأفطح ، وبددت طموح من قال بإمامة السيد محمد بن الإمام الهادي عليه السّلام ، وكذلك من قال بإمامة جعفر الكذاب ، وزيادة على ذلك فإنها حصرت الإمامة بذرية الحسين عليه السّلام كما سنرى.
    وعليه لابدّ وأن يكتمل عدد الأئمة الاثني عشر ، خصوصاً وإن هذه القاعدة الشريفة قد عرفت قبل اكتمال التسلسل التاريخي للأئمة عليهم السّلام كما عُرِف حديث الخلفاء أو الأئمة اثنا عشر كلهم من قريش قبل اكتمال التسليل التاريخي للأئمة أيضاًًً.
    ومن هنا ركزّ الإمام الصادق عليه السّلام على هذه القاعدة ، وممّا يؤيّد ذلك على لسانه الشريف أحاديث شتّى نكتفي ببعضها ، وهي :
    1 ـ في الصحيح عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة ، عن أبي


(65)
عبد الله عليه السّلام قال : ( لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبداً إنما جرت من علي بن الحسين كما قال الله تبارك وتعالى ( وأولوا الأرحامِ بعضهم أولى ببعض في كتابِ اللهِ ) (1) ، فلا تكون بعد علي بن الحسين عليه السّلام إلاّ في الأعقاب وأعقاب الأعقاب ) (2).
    2 ـ وفي الصحيح عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه السّلام منه قال : « لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السّلام إنّما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب » (3).
    3 ـ وفي الصحيح عن عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السّلام ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : « قلت له : إن كان كون ـ ولا أراني الله ـ فبمن أئتمُّ ؟ فأومأ إلى ابنه موسى ، قال ، قلت : فإن حدث بموسى حدث فبمن أئتمُّ ؟ قال : بولده ، قلت : فإن حدث بولده حدث وترك إخاً كبيراًً ، وابناً صغيراً ، فبمن أئتم ؟ قال : بولده ثم واحداً فواحداً » (4).
    ومن روائع ترسيخ هذه القاعدة في نفوس الشيعة ما ورد في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام أنه سُئِلَ : « أتكون الإمامة في عم أو خال ؟ قال : لا ، فقلت : ففي أخ ؟ قال : لا ، قلت : ففي من ؟ قال : في وَلَدِي. قال محمد بن إسماعيل بن بزيع : وهو ـ يؤمئذ ـ لا
1 ـ سورة الانفال : 8 / 75.
2 ـ اُصول الكافي 1 : 285 / 1 باب ثبات الإمامة في الأعقاب.
3 ـ أصول الكافي1 : 286 / 4 من الباب السابق.
4 ـ اُصول الكافي 1 : 286 / 5 من الباب السابق.


(66)
ولد له » (1).

    وهذه القاعدة الشريفة تعد في طليعة القواعد التي أرستها الشريعة الإسلامية ، وقد جاء تاكيد الإمام الصادق عليه السّلام على هذه القاعدة باعتبار من فهم الأمة لحديث الثقلين ودلالاته ومعرفتها بالاثني عشر أوصياءً من أهل البيت الذين هم خلفاء النبيّ ! صلّى الله عليه وآله ، مع التسلسل العمودي للأئمة بعد الحسين عليه السّلام بموجب القاعدة الثالثة ، يعني ـ مع هذه القاعدة ـ بمن زماننا هذا إلى ما شاء الله تعالى لابدّ وأن يكون فيه إمام من الأئمة الاثني عشر عليهم السّلام حيّاً كسائر الأحياء ، والثابت لدى جميع الأمة هو مضي أحد عشر أوصياءً من الأئمة الاثني عشر عليهم السّلام وهم :
    1 ـ أمير المؤمنين الإمام علي عليه السّلام استشهد بالكوفة سنة 40 هـ عن ( ثلاث وستين سنة ).
    2 ـ الإمام الحسن السبط عليه السّلام استشهد مسموماًً في المدينة سنة 50 هـ عن 48 سنة.
    3 ـ الإمام الحسين السبط عليه السّلام استشهد في كربلاء سنة 60 هـ عن 57 سنة وخمسة أشهر.
    4 ـ الإمام على بن الحسين السجاد عليه السّلام استشهد مسموماً في المدينة سنة 95 هـ
1 ـ اُصول الكافي 1 : 286 / 3 من الباب السابق.

(67)
عن 57 سنة ( سمّه هشام الاموي ).     5 ـ الإمام محمد بن علي الباقر عليه السّلام استشهد مسموماً في المدينة سنة 114 هـ عن 57 سنة ( سمّه هشام الاموي ).
    6 ـ الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام استشهد مسموماًً بالمدينة سنة 148 هـ عن 65سنة ( سمّه المنصور العباسي بالعنب ).
    7 ـ الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السّلام استشهد مسموماً ببغداد سنة 183 هـ في حبس هارون عن 55 سنة ( سمّه هارون ).
    8 ـ الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام استشهد مسموماً بخراسان سنة 203 هـ عن 55 سنة ( سمّه المأمون بالعنب ).
    9 ـ الإمام محمد بن علي الجواد عليه السّلام استشهد مسموماً ببغداد سنة 220 هـ عن 35 سنة ( سمّه المعتصم ).
    10 ـ الإمام علي بن محمد الهادي عليه السّلام استشهد مسموماً بسامراء سنة 254 هـ عن 41 سنة ( سمّه المعتز ).
    11 ـ الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السّلام استشهد مسموماً بسامراء سنة 260 هـ عن 28 سنة ( سمّه المعتمد ).
    وقاعدة عدم خلو الأرض من إمام حجة إما ظاهراً مشهوراً أو غائباً مستوراً قد عرفتها الشيعة منذ عهد أمير المؤمنين عليه السّلام ، ولعله عليه السّلام هو أول من أشاعها في حديثه عليه السّلام لكميل بن زياد النخعي الثقة ، ذلك الحديث الذي وصفه ابن القيم بقوله : « وهو حديث مشهور عند أهل الفن ويستغنى عن


(68)
الاسناد لشهرته عندهم » (1) وهذا الحديث رواه عن أمير المؤمنين عليه السّلام كميل ابن زياد النخعي الثقة كما في نهج البلاغة (2) وقد رواه عنه الجّم الغفير من المحدثين (3).
    وفي الكافي وحده ثلاثه عشر حديثاًً في خصوص هذه القاعدة (4).
    وفي إكمال الدين للشيخ الصدوق خمسة وستين حديثاً في خصوص هذه القاعدة أيضاًًً (5).
    فأصالة هذه القاعدة وعمقها التاريخي في الفكر الديني ممّا لا نقاش فيه أصلاًً.
    واللسان العربي الأصيل ذو ذائقة خاصة في تذّوق معنى هذه القواعد الشريفة وفهم دلالتها ، ولهذا فهو لا يُعذر على سوء فهمه لدلالتها ، بخلاف من لن يتأدّب بآدابها ويتمرّس على فنونها ولم يعم الله بصيرته ، ولم يطبع على قلبه.
    ويبقى السؤال هنا بعد من عرفت مضي أحد عشر أوصياءً ، هو : أين الإمام الثاني عشر عليه السّلام ؟ ومن عساه سيكون غير ابن الإمام الحادي عشر
1 ـ اعلام الموقعين / ابن القيم 2 : 135 تحت عنوان : « مضار زلة العلم » .
2 ـ نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد 18 : 351 ، وبشرح الشيخ محمد عبده 4 : 691 / 47.
3 ـ راجع تخريجه في كتابنا ( دفاع عن الكافي ) 1 : 479 ـ 480.
4 ـ اُصول الكافي 1 : 136 ـ 137 / 1 ـ 13 باب أن الأرض لا تخلو من حجة.
5 ـ إكمال الدين 1 : 211 ـ 241 / 1 ـ 65 باب من الأرض لا تخلو من حجة.


(69)
الحسن العسكري عليه السّلام الذي راح شهيداً على يد عُتاة بني العبّاس ؟
    إن القواعد التي عرفتها طلائع التشيع قبل ولادة الإمام العسكري عليه السّلام بعشرات السنين تأبى من قبول أي تسويف أو تأويل متعسف حيال هوية ابنه الإمام الثاني عشر عليه السّلام.
    نعم ، قد يقال ، بأن هذا من الناحية النظرية مقبول إلى حد ما ، ولكن يجب تحقّقه في مساحة الواقع التاريخي بولادة الحجة ابن العسكري عليه السّلام ، حتى تكون النظرية قابلة للتطبيق !
    وللإجابة على هذا التساؤل نحتاج إلى بسط عريض يبعدنا عن أصل الموضوع ، ومع هذا فلن نهمله دون الإشارة السريعةإلى ما يثبت ولادة الإمام المهدي عليه السّلام ، فنقول باختصار شديد :
    بلغ مجموع من اعترف بولادة الإمام المهدي عليه السّلام من علماء العامة فقط وبحسب ما قمنا به من إحصاء سابق مائة وثمانية وعشرين عالماً ، وقد ذكرنا في ذيل كل اسم ما يدل على اعترافه بكل دقة وتفصيل. وهم لم يعترفوا بولادة ابن الحسن العسكري عليه السّلام بناءً على تلك القواعد ، وإنّما اعترفوا بذلك على أساس متين من الواقع التارخي لحدث الولادة المباركة.
    وأما مجموع من رأى الإمام المهدي عليه السّلام في حياة أبيه الإمام العسكري عليه السّلام فقد بلّغ بأحصائنا تسعة وسبعين نفراً ، وذكرنا من وكلائه عليه السّلام أنّ أهل آذربيجان ، والآهواز ، وبغداد والكوفة ، وقم ، ونيسابور ، وهمدان زهاء ثلاثة عشر شخصاًً (1) ، هذا فضلاًً عمّا خرج من
1 ـ راجع كتابنا دفاع عن الكافي 1 : 167 ـ 611 من الباب الأول.

(70)
توقيعات عن الإمام المهدي عليه السّلام في زمان السفراء الأربعة ، مجموع الصحيح الثابت منها على نحو القطع يوجب تواتر ولادته وحياته الشريفة ، وأما الاحاديث الصحيحة المثبتة لإقرار الإمام العسكري عليه السّلام بولادة ابنه الإمام المهدي عليه السّلام ، وشهادة الأصحاب بذلك ، فضلاًً عن الخدم والجواري فتحتاج إلى كتاب مستقل ، كما أثبتنا في بحث آخر اتفاق ثمانية من علماء الأنساب على ولادة الإمام المهدي عليه السّلام وتثبيت نسبه الشريف ، وفيهم المعاصر للغيبة الصغرى (1).
    الأمر الذي يشير إلى انطباق تلك القواعد الشريفة على الواقع التاريخي بأبهى صورة وأقوى دليل وأمتن برهان.
    ثم كيف لا تجد تلك القواعد مصداقها الخارجي وهي صادرة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ومؤكدة على لسان العروة الوثقى في الدين الهداة الميامين من آل طه وياسين ؟
    إنّ الذين أطاعوا الله ورسوله في آل محمد صلّى الله عليه وآله ما كان التصديق بانباء الغيب عندهم موقوفاً على تحقّقها ، ولهذا فهم آمنوا بها ورووها وكانوا على ثقة من تحققّها ولو بعد حين ( الم * ذلك الكتابُ لا ريب فيه هدىً للمتّقين * الذين يؤمنون بالغيبِ ويقيمونَ الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون ) (2) ، ولهذا لم يناقشوا في تلك الأخبار ولا وقفوا حيالها موقف الرافض المشكك ، بل كانوا يعدون العدّة لانتظار ذلك اليوم الموعود ،
1 ـ راجع كتابنا المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي : 119 ـ 123.
2 ـ سورة البقرة : 2 / 1 ـ 3.


(71)
ويتحرقون شوقا إلى ساعة الخلاص على يد المنتظر أرواحنا فداه ، وبقيت أجيالهم هكذا إلى حين ولادته عليه السّلام وغيبته ، ولا زال خلفهم الصالح على ذات الطريق ، وقد كان من ثواب انتظارهم ما أخرجوه عن الإمام الصادق عليه السّلام بقوله : « من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم في فسطاطه ، لا بل كمن قارع معه بسيفه .. لا والله إلاّ كمن استشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله » (1).
    هذا ، وأما عن دور الإما الصادق عليه السّلام في ترسيخ هذه القاعدة ، فيمكن الاشارة إليه بالأحاديث الآتية :
    1 ـ عن الوشاء ، عن الإمام الرضا عليه السّلام قال : « إن أبا عبد الله عليه السّلام ، قال : إن الحجة لا تقوم لله عزّوجلّ على خلقه إلاّ بإمام حتى يعرف » (2).
    وقد عرفت من الأرض لا تخلو من حجة ، وفي هذا الحديث حصر للحجة بالإمام ، لئلا يتوهم أحد فيزعم أنّه فلا أو فلان أو فلان أو معاوية بن أبي سفيان !
    2 ـ وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : « إن الله جلّ وعزّ ، أجلّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام » (3).
1 ـ المحاسن : 150 / 151 باب 38 وفي الباب أحاديث كثيرة بهذا اللفظ تارة ، وبمعناه اخرى.
2 ـ اُصول الكافي 1 : 177 / 1 و 2 و 3 باب أن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلاّ بإمام.
3 ـ بصائر الدرجات : 485 / 3 باب أن الأرض لا تخلو من حجة ، واُصول الكافي 1 : 178 / 6 باب أن الأرض لاتخلو من حجة ، وإكمال الدين 1 : 234 / 43 باب 22.


(72)
    3 ـ وعن عبد الله بن خراش ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : « سآله رجل ، فقال : تخلو الأرض ساعة لا يكون فيها إمام ؟ فقال : لا تخلو الأرض من الحق » (1).
    4 ـ وعن أبي حمزة الثمالى قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : تبقى الأرض بغير امام ؟ فقال عليه السّلام : « لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت » (2).
    5 ـ وعن يونس بن يعقوب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : « لو لم يكن في الدنيا إلاّ اثنان لكان الإمام أحدهما » (3).
    وروى حمزة بن الطيار ، عن الإمام ابي عبد الله الصادق عليه السلام نحوه (4).
1 ـ إكمال الدين 1 : 233 / 40 باب 22.
2 ـ بصائر الدرجات : 488 / 2 باب من الأرض لا تبقى بغير امام ، واُصول الكافي 1 : 179 / 10 باب من الأرض لا تخلو من حجة ، والإمامة والتبصرة : 30 / 12 باب من الأرض لا تخلو من حجة ، وكتاب الغيبة / النعماني : 138 ـ 139 / 8 باب 8 ، واكمال الدين 1 : 201 / 1 باب العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام عليه السّلام ، وعلل الشرائع 1 : 196 / 5 باب 153 ، و 1 : 198 / 16 و 18 من الباب السابق ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 220 / 182.
3 ـ بصائر الدرجات : 487 / 2 باب من الأرض لاتخلو منهم عليه السّلام ، اُصول اُلكافي 1 : 180 / 5 باب منه لو لم يبق في الأرض إلاّ رجلاًن لكان أحدهما الحجة.
4 ـ بصائر الدرجات : 487 ـ 488 / 3 باب من الأرض لا تخلو منهم عليهم السّلام ، واُصول الكافي 1 : 180 / 4 باب منه لو لم يبق في الأرض إلاّ رجلاًن لكان أحدهما الحجة ، والإمامة والتبصره : 28 / 9 باب من الأرض لا تخلو من حجة ، ومختصر بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله القمي / الشيخ حسن بن سليمان الحلي : 8 ، وكتاب


(73)
    6 ـ وعن ذريح المحاربي ، عن الإمام أبي عبد الله عليه السّلام قال : « منّا الإمام المفروض طاعته ، من جحده مات يهودياً أو نصرانياً ، والله ما ترك الله الأرض منذ قبض الله آدم إلاّ وفيها إمام يهتدى به إلى الله ، حجة على العباد ، من تركه هلك ، ومن لزنه نجا ، حقاً على الله تعالى » (1).
    وإلى هنا قد تبيّن لنا من قاعدة العصمة والمرجعية السياسية العلمية قد حصرها حديث الثقلين الشريف بعد النبيّ ! صلّى الله عليه وآله بالقرآن الكريم وأهل البيت عليهم السّلام ، وإن أهل البيت عليهم السّلام قد حصرتهم القاعدة الثانية باثني عشر أوصياءً : امير المؤمنين عليه السّلام والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين عليه السّلام ، و إن الإمامة لا تكون إلا في عقب الإمام الحسين عليه السّلام كما وضحته القاعدة الثالثة.
    ثم جاءت القاعدة الرابعة لتبين لنا من أولئك الأئمة الاثني عشر عليهم السّلام لا تخلو الأرض من واحد منهم على الاطلاق ؛ لأنهم حجج الله في بلاده على عباده منذ وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وإلى قيام الساعة ، وقد ثبت مضي أحد عشر أوصياءً منهم عليهم السّلام ، وبقي الموعود المنتظر الثاني عشر ابن الإمام العسكري عليه السّلام.
    وإن الأمة ملزمة بمعرفته باسمه ونسبه كما هو صريح القاعدة الخامسة
الغيبة / النعماني : 139 / 1 باب 9 ، وإكمال الدين 1 : 203 / 10 باب 21 ، وعلل الشرائع 1 : 197 / 10 باب 153.
1 ـ الإمامة والتبصرة : 31 / 15 باب أنّ الأرض لا تخلو من حجة ، ورجال الكشي 2 : 670 ـ 671 / 698 في ترجمة ذريح المحاربي ، وإكمال الدين 1 : 230 / 28 باب 22 ، وعلل الشرائع 1 : 197 / 13 باب 53.


(74)
التي اشتهرت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله برواية الفريقين ، كما صحّت روايتها عن أهل البيت عليه السّلام ، لا سيما الإمام الصادق عليه السّلام ومن طرق شتى ، وهي :

    ويدلُّ على ترسيخ الإمام الصادق عليه السّلام لهذه القاعدة والتثقيف الواسع عليها أحاديثه الشريفة الكثيرة في خصوص وجوب معرفة إمام الزمان ، وسنكتفي في حدود تأكيده على حديث : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » ، كالآتي :
    1 ـ عن بشير الدهان ، عن الإمام الصادق عليه السّلام قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( من مات وهو لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ) فعليكم بإطاعته ، قد رأيتم أصحاب علي عليه السّلام ، وأنتم تأتمّون بمن لا يعذر الناس بجهالته ، ولنا كرائم القرآن ، ونحن قوم افترض الله طاعتنا ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال » (1).
    2 ـ وعن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية » (2).
    وبهذا اللفظ ، وما قاربه ما رواه عيسى بن السري (3) والحسين بن
1 ـ المحاسن 1 : 251 ـ 252 / 474 باب من مات ولم يعرف إمام زمانه ، وروضة الكافي 8 : 128 ـ 129 / 123.
2 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 129 / 6 باب 7.
3 ـ اُصول الكافي 2 : 19 ـ 21 / 6 ، و 2 : 21 / 9 باب من مات وليس له إمام من


(75)
أبي العلاء (1) وعبد الأعلى (2) وأيوب بن الحرّ (3) وأبو بكر الحضرمي (4) وعبد الله ابن أبي يعفور (5) ؛ كلهم عن الإمام الصادق عليه السّلام.
    3 ـ وعن الفضيل بن يسار قال : « ابتدأنا أبو عبد الله عليه السّلام وقال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من مات وليس عليه إمام فميته ميتة جاهلية ، فقلت : قال ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ فقال : إي والله ، قد قال ، قلت : فكل من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهليته ؟ قال : نعم » (6).
    4 ـ وعن عمار بن إسحاق ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : « من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية : كفر ، وشرك ، وضلال » (7).
    وفي رواية اخرى عنه : « ميتة كفر وضلال ونفاق » (8).
    وللشيخ المفيد رضى الله عنه كلام مهم حول هذا الحديث ، قال : « عن
أئمة الهدى عليهم السّلام ، وتفسير العياشي 1 : 252 ـ 253 / 175 في تفسير سورة النساء.
1 ـ المحاسن 1 : 252 / 476 باب من مات لا يعرف إمامة.
2 ـ اُصول الكافي 1 : 378 ـ 379 / 2 باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام عليه السّلام.
3 ـ المحاسن 1 : 252 ـ 253 / 477 باب من مات لا يعرف إمامه.
4 ـ الإمامة والتبصرة : 82 ـ 83 / 79 باب من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية.
5 ـ اُصول الكافي 1 : 376 / 2 باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى عليه السّلام.
6 ـ اُصول الكافي 1 : 376 / 1 باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى عليه السّلام.
7 ـ الإمامة والتبصرة : 83 / 71 باب من مات وليس له إمام مات ميته جاهلية ، ومثله في اكمال الدين 2 : 412 / 11 باب 39.
8 ـ اُصول الكافي 1 : 376 / 3 باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى عليه السّلام.
غيبة الإمام المهدي ::: فهرس