غيبة الإمام المهدي ::: 166 ـ 180
(166)
يختص بفئة أو اُمّة من الناس ، بل هو قانون عام للبشريّة في جميع مراحل تاريخها ، ويدلنا على ذلك :
    قوله تعالى : ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب ) (1).
    وقوله تعالى : ( ليميز الله الخبيث من الطيّب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فير كمه جميعاً فيجعله في جهنّم أولئك هم الخاسرون ) (2).
    وقوله تعالى : ( وليمحّص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين ) (3).
    ومن غير شك أن قانون التمحيص لابد وأن يكون أشد وآكد إذا ما اقترن أمره باعداد النخبة الصالحة التي ينبغي أن تعيش الاستعداد الكامل لنصرة الاحق وأهله من خلال انتظارها لدولة الحق المرتقبة على بد المنقذ العظيم الإمام المهدي عليه السّلام.
    لقد أراد الله عزّوجلّ أن يكون التمحيص في الغيبة الكبرى لإمام العصر والزمان عظيماً ؛ ليتضح من خلاله ما إذا كانت تصرفات الانسان وأقواله منسجمة مع الدين أو لا. ولا شكّ أن من يعبرالاختبار الصعب
1 ـ سورة آل عمران : 3 / 179.
2 ـ سورة الانفال : 8 / 37.
3 ـ سورة آل عمران : 3 : 141 ـ 142.


(167)
سوف لن يهمل وظيفته الاجتماعية الكبرى : الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، باعتبارهما من أبرز وظائف عصر الانتظار المتقوم بالإيمان ، والتضحية ، والصمود.
    ولا يخفى بأن الغرض من أحاديث التمحيص والاختبار كلها إنّما هو يصبّ في خدمة أجيال الغيبة ؛ لكي ينتبهوا من غفلتهم ويلحظوا ما ينبغي ملاحظته من أمور :
    كعدم الاغترار بلمع السراب من كلام المشعوذين الكاذبين.
    ومعرفة مكائد السفهاء وأعداء الحق ، من الذين في قلوبهم مرض والمفتونين.
    والتعوّذ من زخارف إبليس وأشياعه في كل زمان ومكان.
    والتمسّك بالثقلين : كتاب الله والعترة الطاهرة عليهم السّلام.
    وعدم استطالة المدى في غيبة المولى عليه السّلام ؛ لمن الظهور الشريف آت لا محالة ومثلة مثل الساعة : ( لا يُجلّيها لوقتها إلاّ هو ثقلت في السّموات والأرض لا تاتيكم إلاّ بغتةً ) (1).
    والتدرّع بالصبر على النتظار الحبيب صاحب الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة.
    وارتفابه ببصيرة لا حيرة فيها ، ويقيناً لا شكّ معه.
1 ـ سورة الاعراف : 7 / 187.

(168)
والاعتقاد الحازم بأن الله تعالى سيصلح له أمره في ليلة واحدة وحينئذٍ سيقبل كالشهاب الثاقب.


(169)
الفصل الأول :
    شبهة الكيسانية بمهدوية محمد بن الحنفية رضى الله عنه
الفصل الثاني :
    شبهة مهدوية عمر بن عبدالعزيز الاموي المرواني
الفصل الثالث :
    شبهة مهدوية محمد بن عبد الله الحسيني
الفصل الرابع :
    دعوى مهدوية المهدي العباسي
الفصل الخامس :
    موقف الإمام الصادق عليه السّلام من المهدويات الأخرى
الفصل السادس :
    دور الإمام الصادق عليه السّلام في رد الشبهات الأخرى



(170)

(171)
    تمهيد :
    على الرغم من كثرة الكتب المؤلّفة في غيبة الإمام المهدي عليه السّلام قبل حصولها ، وكثرة الأحاديث الواردة في بيان هوية الإمام المهدي ، وغيبته ، وطول عمره الشريف قبل ولادته بعشرات السنين ، وانتشار العقيدة المهدوية في الوسط الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى ـ انتشاراً واسعاً ... على الرغم من كل ذلك بقي علم الكلام الإسلامي في عصر الإمام الصادق عليه السّلام بكل اتجاهاته خالياً تماماًً من اية إثارة بخصوص الإمام المهدي عليه السّلام ، هذا في الوقت الذي تناول فيه شتى المباحث الكلامية في التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد ، وغيرها.
    والسرّ في ذلك .. أنه لم تكن هناك ثمة شبهات كيبرة تذكر في زمان الإمام الصادق عليه السّلام بشأن الغيبة والغائب ، خصوصاًً وإن الإمام المهدي عليه السّلام لم يكن مولودا في ذلك الحين ولم تبتل الأمة بغيبته الطويلة التي صارت فيما بعد مثاراً اللجدل. هذا إذا ما استثنينا بعض المحأولاًًت المنحرفة التي كانت تستهدف استغلال عقيدة الأمة بمهديها فادّعت المهدوية زوراً وبطلاناً ، وتصدّى لها إلإمام الصادق عليه السّلام بكل قوّة حتى قبرت وهي في مهدها.


(172)
    ويبدو أن متكلمي المعتزلة والزيدية وغيرهم من خصوم الإمامية الذين ماتوا قبل ولادة الإمام المهدي عليه السّلام كانوا في حرج شديد إزاء أخبار الإمام الصادق عليه السّلام وأهل البيت عليهم السّلام كافة بخصوص ولدهم المهدي عليه السّلام ، إذ شكلت بمجموعها تحدّياً صارخاً لهم ، ولم يجدوا وسيلة في رد أخبار أهل البيت عليهم السّلام تلك حتى وإن لم يعتقدوا بإمامتهم ، إذ تكفيهم بذلك سائر موجبات قبول الخبر من الوثاقة والضبط والصدق والحفظ والحريجة في الدين ، سيما وإن تلك الأخبار أنبأت عن مستقبل قد يكون بعيداً على أولئك المتكلمين ، وبالتالى هم ليسوا من أهله (1) ، ولهذا نراهم قد خفّفوا من غلوائهم تجاه هذه المسألة ، واهملوها تماماًً ، ولم يتصدّ أحد منهم قط إلى تكذيب أخبارها على الرغم من كونها بين أيديهم ، وكأنهم ـ بهذا ـ قد تحفّظوا على أنفسهم فلم يرموا بها شططاً في كل اتجاه.
    وما إن انقضى عصر أُولئك المتكلمين إلاّ وقد اصطدم خَلَفَهُم بالواقع ، خصوصاًً وقد شاهدوا رجوع القواعد الشيعية برمّتها ـ في كل صغيرة
1 ـ بحث المتكلمون في مسائل كثيرة لم يكونوا من أهلها في ذلك الحين ، وكانت تمسّ مستقبل الانسان ومصيره في الصميم ، كما هو الحال في بحثهم مسألة البرزخ ، والصراط ، والميزان ... ونحوها كثير.
    والامر هنا مختلف تماماً ، إذ لا يقبل جدلاً ولا تأويلاً ، فالإخبار عن شخص بذكر اسمه ونسبه وحسبه وكنيته ولقبه وسيرته وحليته وأخلاقه وأوصافه بأنه هو المهدي الموعود به في آخر الزمان ، لا يدع مجالاً للمتكلمين في تأويل ذلك أو صرفه عن مدلّو له ، اللهمّ إلاّ أن يضطرّهم اعتقادهم الفاسد إلى تكذيب مثل هذا الإخبار ، وهو ما لم يحصل من المتكلمين في زمان الإمام الصادق عليه السّلام.


(173)
وكبيرة ـ إلى سفراء الإمام المهدي عليه السّلام ووكلائه المنبثّين في طول بلاد الإسلام وعرضها.
    ومن هنا لم يشأ بعضهم ترك الحبل على غاربه ، فحاول عبثاً إثارة بعض الشبهات والاشكالات ، حتى اضطرّ أخيراً إلى تكذيب تلك الأخبار التي كانت مدونة في عهد أسلافهم الذين عجزوا من تكذيبها.
    وما إن دخلت العقيدة المهدوية في علم الكلام وأخذت حيزها الواسع فيه ، وذلك بعد تحقّقها على أرض الواقع بولادة الإمام المهدي عليه السّلام وغيبته سنة / 260 هـ ، إلاّ وقد تصدّى طلائع المتكلمين من الإمامية في عصر الغيبة الصغرى كابن قبة الرازي والنوبختيين وغيرهم إلى بيان زيف تلك الشبهات وأذاقوها ألواناً من مرارة التفنيد ، كما نجده في كثير من نقولات الشيخ الصدوق عن أولئك المتكلمين في رد شبهات الزيدية والمعتزلة وغيرهم في هذا الخصوص (1).
    والطريف في تلك الشبهات أنها كانت تعتمد على أشياء قد سبق وإن تعرّض لها الإمام الصادق عليه السّلام ، نظير تمسّكهم بدعاوى المهدوية ، وطول عمر الإمام المهدي عليه السّلام ، والفائدة من غيبته ، ونحو هذا من الأمور التي لم تزل تثار إلى وقتنا هذا .. بما يمكن معه القول بأن سائر الاشكالات التي يثيرها بعض الكتّاب لم تكن جديدة أصلاً ؛ إذ مضى عليها أكثر من ألف عام بل حتى أجوبتها ليست جديدة هي الأخرى وعمر معظمها أطول
1 ـ راجع : ما كتبه الشيخ الصدوق في مقدمة كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة ، ستجد فيها ردّاً واسعاً على شبهات الزيدية والمعتزلة وغيرهم في العقيدة المهدوية.

(174)
من عمر الإمام المهدي عليه السّلام ، كما سنرى بعد قليل.
    ومن هنا يتبين لنا وبكل وضوح أن دور الإمام الصادق عليه السّلام في صيانة الفكر المهدوي الأصيل كان دوراًً سابقاًً لزمانه بقرون عديدة ، إلاّ ما كان بصدد رد بعض دعاوى المهدوية المعاصرة له عليه السّلام ، إذ كان عليه السّلام يتعمّد إلى إثارة ما يمكن أن يقال عاجلاًً أو آجلاًً ثم يتعرّض ـ بذات الوقت ـ إلى الإجابة الشافية المختصرة.
    وكثيراً ما يكون في حديثه عليه السّلام جواب لشبهة مقدرة من دون إثارة صريحة لها ، وربّما قد يكون الجواب ـ أحياناًً ـ ردّا على سؤال في هوية الإمام المنتظر ، أو ولادته ، أو غيبته ، ونحو ذلك من أمور أخرى ، صارت أجاباتها ردوداً لما أُثير بعد ذلك من شبهات.
    وفي ما يلي دراسة لأهم الشبهات المثارة حول العقيدة المهدوية ، وموقف الإمام الصادق عليه السّلام منها وذلك في فصول.


(175)
    أولاًًً ـ أسباب ظاهرة ادّعاء الهدوية في التاريخ :
    تمثّل ظاهرة ادّعاء المهدوية في التاريخ الإسلامي عنصر الفساد والانحراف الذي يقف دائماًً ـ وباسم الدين ـ في الصفّ المناوئ للأهداف الكبرى في الشريعة ، وذلك باستغلال إيمان الأمة بالإمام المهدي عليه السّلام الذي بشّر به النبي صلّى الله عليه وآله بشكل تخطى مضمونه سائر الحدود المطلوبة في تحقّق التواتر وعلى جميع الأصول المحرّرة في معرفته.
    وقد يسأل بعضهم فيقول : كيف استطاعت إذن أن تشقّ تلك الظواهر طريقها في المجتمع الإسلامي وبهذا الوقت المبكّر من تاريخه ؟ والجواب منوط بمعرفة الاسباب المؤدّية الى استغلال الدين باسمه وعلى اكثر من صعيد ، ويأتي في طليعتها :
    1 ـ عدم تحصّن الأمة بالثقلين « كتاب الله والعترة الطاهرة عليهم السّلام » كما ينبغي.
    2 ـ ضعف الوازع الديني عند أدعياء المهدوية على مرّ التاريخ ، مما


(176)
هوّن عليهم ذلك ارتكاب مثل هذاالأمر الخطير.
    3 ـ تشر ذم الأمة إلى فئات متناحرة ومحاولة كل منها كسب الأنصار والمؤيدين بشتى الطرق الملتوية ، من بذل المال ، أو الالتفاف على الدين.
    4 ـ قلّة الثقافة المهدوية في نفوس بعض القواعد الشعبية التي روّجت لمهدوية هذا الشخص أو ذاك ، كما نجده عند الكيسانية في إشاعتهم مهدوية محمد بن الحنفية رضى الله عنه.
    5 ـ الافتتان ببعض الشخصيات ، ومحاولة رفعها فوق قدرها واعطائها من الألقاب والصفات ما لا تستحق ، كما هو الحال في وصف عمر بن عبدالعزيز الاموي المرواني بـ ( المهدي ) مثلاًً.
    ومما زاد الطين بلّة : ثقافة الاستبداد السياسي التي ورثتها الأمة وتربّت عليها بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله مباشرة ، فهي في الوقت الذي تجاهلت فيه مبدأ النصّ والتعيين ، لم تراع حرية الاختيار واختفت الشورى تماماًً بحيث لم تتحقّق ولو مرّة واحدة ـ سهواًً أو اشتباهاًً ـ في حياتها ، ثم تطور الامر سوءاً حتى اُبيح للسلطان أن يتّخذ الدين مطيّه لتحقيق مآربه واهدافه السياسية ، ولو بعبور الخطوط الحمراء في الشريعة واستغلالها لصالحه كما هو الحال في الدولتين الاموية والعباسية ، وخير مثال على ما نحن فيه محاولة التفاف أبي جعفر الدوانيقي عبد الله المنصور ( الخليفة ) العباسي ( 136 ـ 158 هـ ) على العقيدة المهدوية ، وانتزاعها من محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ( المهدي الحسني ) الذي ادعاها بدوره ! طمعاًً بالسلطة ، فأطاح المنصور العباسي بثورته وقتله وأخاه إبراهيم ( سنة / 145 هـ ) ، ثم أقدم ( سنة / 147 هـ ) على تعيين ابنه محمد ( 159 ـ


(177)
169 هـ ) وليّا للعهد ولقبّه بالمهدي ! (1) ، وغيرها من الاسباب الاخرى التي أفضت بطبيعتها إلى ولادة خط الانحراف العقائدي وتمكين ظواهري السلبية في المجتمع ، في حين صمد الخط الملتزم بمبادئه الاسلامية الثابتة ، وتصدت قيادته الواعية إلى كل انحراف ؛ لتصون العقيدة المهدوية من العابثين والطامعين ، كما نجد ذلك واضحاً في موقف الإمام الصادق عليه السّلام من أولى تلك الدعاوى المزعومة والشبهات الفاسدة التي ظهرت في مقولة الكيسانية فنقول :

    ثانياًً ـ براءة ابن الحنفية رضى الله عنه من القول بمهدويته :
    مات السيد محمد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام المعروف بمحمد بن الحنفية رضى الله عنه سنة ( 73 /هـ ) وقيل غيرها (2) ، وهو لا يعرف عن دعوى الكيسانية في إمامته ومهدويته وغيبته شيئاً يذكر ، حيث روّجت الكيسانية له ذلك جهلاً ـ بعد وفاته ـ ؛ تأثّراً بسموّ أخلاقه ونبله وعلمه ، زيادة على كونه أخاً للسبطين وابناً لامير المؤمنين عليهم السّلام ، مع عناد بعضهم على القول بإمامته ومهدويته وغيبته حتى بعد وفاته ودفنه !
    وكان محمد بن الحنفية رضى الله عنه قد سمع بعضهم وهم يسلّمون عليه بالمهدوية ، ولكنه لم يحمل تحيتهم على معنى مهدي آخر الزمان عليه السّلام بل على كونه من جملة العباد الصالحين الذين يهدون إلى الحق وبه يعملون ، وقد
1 ـ راجع : تاريخ الخلفاء / السيوطي : 210.
2 ـ اختلفت الروايات في وفاة السيد محمد بن الحنفية رضى الله عنه ما بين سنة ( 73 و 80 و 81 و 82 و 92 و 93 /هـ ) راجع : تهذيب الكمال / المزي 26 : 152 / 5484.


(178)
نبّههم على ذلك في وقته.
    ويدلّ عليه ما أخرجه ابن سعد في طبقاته بسنده عن أبي حمزة قال : « كانوا يسلّمون على محمد بن علي : سلام عليك يا مهدي. فقال : أجل ، أنا مهدي اهدي إلى الرشد والخير ، ولكن اسمي اسم نبي الله ، وكنيتي كنية نبي الله ، فإذا سلّم أحدكم فليقل : سلام عليك يا محمد ، أو السّلام عليك يا أبا القاسم » (1).
    ولم أجد في جميع المصادر أكثر صراحة من هذه الرواية في الدلالة على وصفه بالمهدوية في حياته. في حين انّها لاتدلّ على إرادة المهدي الموعود به في آخر الزمان ، كما لا تدلّ على رضاه ، ولا تبنيه ذلك كما يظهر من كلامه المتقدم.

    ثالثاًً ـ اعتراف ابن الحنفية بإمامة السجاد عليه السّلام ، ونفي الإمامة عن نفسه :
    كان السيد محمد بن الحنفية رضى الله عنه عالماًً بإمام زمانه ، ولم يدّع الإمامة ولا المهدوية لنفسه ، كما لم يقبل بمقولة من ادعاها له من أصحابه ؛ ولهذا أمر بالسّلام عليه ـ كما مرّ ـ إمّا باسمه ، أو بكنيته.
    ويدلّ على ما ذكرناه ما جاء عن أبي بصير قال : « سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنيفة دهراً ، وما كان يشكّ في منه إمام ، حتى أتاه ذات يوم فقال له : جعلت فداك ، إنّ لي حرمة
1 ـ الطبقات الكبرى / ابن سعد 5 : 94 في ترجمة محمد بن الحنفية ، وتاريخ دمشق / ابن عساكر 54 : 347 / 6797 ، وتاريخ الإسلام / الذهبي 6 : 188 / 138 في وفيات سنة ( 81 ـ 100 / هـ ) ، وسير أعلام النبلاء / الذهبي 4 : 123 / 36 في ترجمة محمد بن الحنفية.

(179)
وموّدة وانقطاها فأسألك بحرمة رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السّلام إلاّ أخبرتني : منت الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه ؟ قال ، فقال : يا أبا خالد حلّفتني بالعظيم. الإمام عَلَىَ بن الحسين عليه السّلام عليّ وعليك وعلى كل مسلم ، فأقبل أبو خالد لمّا أن سمع ما قاله محمد بن الحنفية ، جاء إلى على بن الحسين عليه السّلام فلمّا استأذن عليه ، فأخبر أن أبا خالد بالباب ، فأذن له فلمّا دخل عليه ، دنا منه ، قال : مرحباًً بك يا كنكر ! ما كنت لنا بزائر ، ما بدا لك فينا ؟ فخرّ أبو خالد ساجداً شكراً لله تعالى مما سمع من علي بن الحسين عليهما السّلام ، فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي ، فقال له على بن الحسين عليهما السّلام : وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد ؟ قال : إنّك دعوتني باسمي الذي سمتني أمي التي ولدتني ، وقد كنت في عمياء من أمري ولقد ، خدمت محمد بن الحنفية دهراً من عمري ولا أشكّ إلاّ وأنه إمام ! حتى إذا كان قريباً سألته بحرمة الله تعالى ، وبحرمة رسوله صلّى الله عليه وآله ، وبحرمة أمير المؤمنين عليه السّلام ، فأرشدني إليك ، وقال : هو الإمام عليّ ، وعليك ، على خلق الله كلهم .. » (1).
    فكيف يدّعي الكيسانية إذن امامته ومهدويته وغيبته ، وهذه هي أقواله رضى الله عنه ؟

    رابعاًً ـ من روّج له المهدوية والإمامة بعد وفاته :
    ظهر القول بإمامة ومهدوية وغيبة ابن الحنفية رضى الله عنه بعد وفاته على يد الكيسانية التي زعمت باطلا بكل هذه الاقاويل التي ما أنزل الله بها من
1 ـ رجال الكشي : 120 ـ 121 / 192 في ترجمة أبي خالد الكابلي.

(180)
سلطان.
    وكان من رؤوسهم الذين تعصّبوا لمحمد بن الحنفية وقالوا بإمامته ومهدويته وغيبته وإنّه حيٌّ لم يمت ، حيان السراج كما سيأتي في بيان موقف الإمام الصادق عليه السّلام من هذه الدعوى.
    ومن مشاهيرهم الذين لعبوا دوراً إعلامياً كبيراًً في إشاعة هذه الدعوة ، كثير عزّة الشاعر المعروف وقد ضمّ ديوانه جملة من القصائد الشعرية التي تعرب عن عقيدته تلك ، يقول في بعضها :
ألا إن الأئمة من قريش على والثلاثة من بنيه فسبط سبط إيمان وبرٍّ وسبط لا تراه العين حتىٍ تغيّب لا يرى عنهم زماناً ولاة الحق أربعة سواء هم الأسباط ليس بهم خفاء وسبط غيّبته كربلاء يقود الخيل يقدمها لواء برضوى عنده عسل وماء (1)
    ويقول في أُخرى :
هو المهدي خَبَّرناه كعب أخو الأحبار في الحقب الخوالى (2)
    ومن جميل ما يروى ، هو ما قاله مصعب بن عبد الله ، قال : « قيل
1 ـ ديوان كثير عزّة 2 : 186 ، ومروج الذهب 3 : 88 ، و الأغاني / أبو الفرج الأصبهاني 9 : 12 في ذكر أخبار كثير ونسبه ، وعيون الأخبار / ابن قتيبة الدينوري 2 : 543 من كتاب العلم والبيان.
2 ـ ديوان كثير 1 : 275 ، ومروج الذهب 3 : 87 ، والأغاني 9 : 13 ـ 14.
غيبة الإمام المهدي ::: فهرس