غيبة الإمام المهدي ::: 271 ـ 285
(271)
« أراناها الله خراباً ، أو : أخربها بأيدينا » فنهاه الإمام الصادق عليه السّلام ؛ لإمكان أن تكون منازل للمؤمنين ، قائلاً : « أما سمعت الله تعالى يقول : ( وسكنتم في مساكن الذين ظلموا منفسهم ) (1) » (2).
    وحديثه عليه السّلام في تشبيه المهدي ببني الله موسى عليهما السّلام ، قال : « أما مولد موسى عليه السّلام فإنّ فرعون لمّا وقف على من زوال ملكه على يده ، أمر بإحضار الكهنة ، فدلّوا على نسبه ومنه يكون من بني إسرائيل ، فلم يزل يأمر أصحابه بشقّ بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتّى قتل في طلبه نيّفاً وعشرين ألف مولود ، وتعذّر عليه الوصول إلى قتل موسى عليه السّلام بحفظ الله تعالى إيّاه.
    كذلك بنو أميه وبنو العبّاس لمّا أن وقفوا على من زوال مملكة الامراء والجبابرة منهم على يدي القائم منّا ، ناصبونا للعداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وإبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم عليه السّلام ، فأبى الله من يكشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون
» (3).
    كما من الإمام الباقر عليه السّلام قد أنبأ عن دولة العباسيين قبل نشأتها ووصف سيرة ملوكها بقوله عليه السّلام : « خبيثة سيرتهم » (4).
1 ـ سورة ابراهيم : 14 / 45.
2 ـ تفسير العياشي 2 : 420 / 47 في تفسير سورة إبراهيم.
3 ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 169 ـ 170 / 129.
4 ـ تفسير العياشي 2 : 136 / 3 في تفسير سورة الأعراف.


(272)
    ووصفهم الإمام الكاظم عليه السّلام بالطواغيت وأولياء الظلمة ؛ إذ قال لعلى ابن يقطين ـ الذي كان وزيراً للمهدي العباسي ، وبعده للهادي ، وأخيراً لهارون (1) ـ : « إن لله مع كل طاغية وزيراً من أوليائه ، يدفع به عنهم » (2).
    وقال على بن يقطين للإمام الكاظم عليه السّلام لمّا قدم الى العراق : « أما ترى حالى وما أنا فيه ؟ فقال عليه السّلام : يا على إنّ لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ، ليدفع بهم عن أوليائه ، وأنت منهم يا على » (3).

    5 ـ تذكير الإمام الصادق عليه السّلام الأمة بهوية المهدي عليه السّلام :
    نعم ، رفض الإمام الصادق عليه السّلام القول بمهدوية العباسي ، كما رفض بشدّة سائر المهدويات الزائفة ، مصرّحاً بأن القائم المهدي عليه السّلام الموعود بظهوره في آخر الزمان لا يكون إلاّ من أهل البيت عليهم السّلام ؛ ولهذا تكررت عبارة : « قائمنا أهل البيت » في كثير من أحاديثه الشريفة التي رواها عنه عليه السّلام : أبان بن تغلب (4) ، وإبراهيم الكرخي (5) ، وأبو شعبة
1 ـ راجع : ذيل تاريخ بغداد / ابن النجار 19 : 202 / 1054 في ترجمة علي بن يقطين ( والكتاب مطبوع مع ذيول تاريخ بغداد ).
2 ـ رجال الكشي : 435 / 820.
3 ـ رجال الكشي : 433 / 817.
4 ـ المحاسن 1 : 169 / 253 باب عقاب من منع الزكاة من كتاب عقاب الأعمال ، جاء في مانع الزكاة ، من أبواب الزكاة.
5 ـ تفسير القمي 2 : 292 في تفسير الآية : 25 من سورة الفتح ، وعلل الشرائع 1 : 147 / 3 باب 122.


(273)
الحلبي (1) ، وحمّاد بن عثمان (2) ، وداود بن كثير الرقّي (3) ، والمعلّى بن خنيس (4) ، وغيرهم (5).
    ومنها : أحاديثه في هوية الإمام المهدي عليه السّلام ، وقد مضى أكثرها ، ونشير هنا إلى واحد منها :
    عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السّلام ، قال : « إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام ، فهي أرواحنا. فقيل له : يا ابن رسول الله ! ومن الأربعة عشر ؟ فقال : محمد صلّى الله عليه وآله ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، عليهم السّلام ، والائمة من ولد الحسين عليهم السّلام ، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته ، فيقتل الدجال ، ويطهّر الأرض من كل جَوْرٍ وظلم » (6).
    ونكتفي بهذا القدر ؛ لنرى موقف الإمام الصادق عليه السّلام ـ وهو يخبر عن
1 ـ مختصر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان : 206 / 2.
2 ـ أصول الكافي 1 : 411 / 4 باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا وُلي الأمر.
3 ـ عيون المعجزات / الشيخ حسين بن عبدالوهاب : 95 ـ 97.
4 ـ إثبات الهداة / الحر العاملي 7 : 142 باب 32 ، نقله من كتاب المهذب من فهد الحلي.
5 ـ راجع : الاعتقادات للشيخ الصدوق / الشيخ المفيد 5 : 48 باب الاعتقاد في النفوس والأرواح ( مطبوع ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ، المجلد الخامس ) ، ودعائم الإسلام / القاضي النعمان 1 : 284 كتاب الصوم والاعتكاف.
6 ـ إكمال الدين 2 : 335 ـ 336 / 7 باب 33.


(274)
المهدي عليه السّلام قبل ولادته ـ من الدعاوى المهدوية التي ظهرت بعد انتقاله عليه السّلام إلى الرفيق الأعلى ( سنة / 148 هـ ).


(275)
    أولاًً ـ موقفه عليه السّلام من قول الناووسية بمهدويته :
    ادّعت الناووسية بعد وفاة الإمام الصادق عليه السّلام أنه « حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس وأنه هو المهدي وسميت بذلكـ يعني الناووسيةـ لرئيس لهم من أهل البصرة يقال له : فلان بن فلان الناووس » (1) وقيل أن اسمه عجلان بن ناووس.
    ولا داعي للإطالة في رد هذه المقولة الفاسدة التي أباد الله أهلها كلمح في البصر ، فاندثرت فجأة ولم يبق لا أثر ، وعادت مقولتهم مجرّد حكاية في كتب التراث لا يحفل بها أحد من البشر سوى المهرجين والمشعوذين من هنا وهناك الذين فضحوا أنفسهم بالتمسّك بامثال دعوى الناووسية وغريها من دعاوى المهدية الأخرى ؛ لأنها كالقشّة في مهب الريح ، بحيث لو أعرضنا عن ذكرها في هذا البحث لما ضرّه شيئاًً. إذ لو قيل : من اعلم الناس بحياة أبي حنيفة ، ونشأته ، وتربيته ، وفقهه ، وعقائده ، وسيرته ، وعطائه ، وأصحابه ، ووفاته ، وكيفية تشييعه ، ودفنه ، ومكان قبره ،
1 ـ الفرق / النوبختي : 78.

(276)
وتجديده ، وزيارته ، ومن هو خليفته من بعده ؟
    لما اختلف العقلاء في الإجابة على أن الاحناف لا سيّما كبرائهم ووجوههم وعلمائهم هم أولى الناس بمعرفة مثل هذه الأمور.
    وإذا كان الأمر كذلك ، وهو كذلك ، فَلِمَ لا يكون الشيعة الإمامية الاثني عشرية من أعرف الناس بأئمتهم الأثني عشر عليهم السّلام ، بل لِمَ لا يكونون من أعرف الخلق بإمامهم الصادق عليه السّلام الذي اقترن مذهبهم باسمه الشريف ، إذ عرف مذهب الإمامية الاثني عشرية باسم المذهب الجعفري.
    أليس من المضحك حقاً أن نرد على إجماع الشافعية على قول للشافعي ، لإنكاره من قبل أحد مغموري المعتزلة مثلاً ؟ فكذلك الحال هنا فيما لو تمسّك بعضهم بقول الناووسية وغيرهم وترك إجماع الإمامية ! وهو ما حصل فعلاً من لدن بعض المشعوذين أخيراً !!.
    وإذا اتضح هذا ، نقول :
    كان إمامنا الصادق عليه السّلام حريصاً على رسم معالم الطريق المهدوي الحق لا للجيل الذي عاصره فحسب ، بل لأجيال الأمة كلها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
    ومن هنا نجا موقفه الصريح من القول بمهدويته ، ينطلق أولاًً من النصّ الصريح الواضح على إمامة ولده موسى بن جعفر الكاظم عليهما السّلام من بعده. مع نفي المهدوية عن نفسه الشريفة بكلّ قوّة وصراحة.
    فقد سأله بعضهم ، هل أنت الإمام المهدي ، وكان الإمام الصادق عليه السّلام قد تجاوز الأربعين ، فأقرع سمع السائل بالجواب قائلاً : « وليس صاحب


(277)
هذا الأمر من جاز الأربعين » (1).
    وأصرح منه قوله عليه السّلام : « يزعمون إني أنا المهدي ، وإني إلى أجلي أدنى إلى ما يدّعون » (2) وهذا الحديث يعرب عن علمه عليه السّلام بما سيقوله سفهاء الناووسية بعد وفاته ؛ إذ لم نجد من زعم له ذلك في حياته.
    وسأله آخر ـ كما في رواية خلّاد الصفار ـ قائلاً : هل وُلِدَ الإمام المهديّ الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ؟ فأجابه عليه السّلام بقوله : « لا ، ولو أدركته لخدمته أيّام حياتي » (3).
    وأما عن النص الوارد عن الإمام الصادق عليه السّلام في إمامة ابنه الكاظم عليه السّلام من بعده ، فهو كثير ، إذ طالما أعلم الشيعة بذلك مخاطباً لهم بقوله عليه السّلام : « الإمام من بعدي ابني موسى » (4).
    هذا فضلاً عن العلم اليقيني بوفاة الإمام الصادق عليه السّلام في المدينة المنورة ( سنة / 148 هـ ) ، وهو الأمر الذي أجمعت عليه الأمة بأسرها ، فكيف يكون بعد كل هذا هو المهدي الموعود به في آخر الزمان ؟.
    وإذا ما أضيف إلى هذا دوره عليه السّلام في تشخيص من هو الإمام المهدي عليه السّلام ، كما مرّ مفصلاً ، اتضح فساد مقولة الناووسية وغيرها من
1 ـ بصائر الدرجات : 188 ـ 189 / 56.
2 ـ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان / المتقي الهندي : 174 / 12 باب 12 أخرجه عن المحاملى في أماليه.
3 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 245 / 46 باب 13.
4 ـ إكمال الدين 2 : 334 / 4 باب 33 ، وانظر : أصول الكافي 1 : 307 ـ 311 / 1 ـ 16 باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى عليه السّلام ، من كتاب الحجّة.


(278)
المقولات الزائفة على أحسن الوجوه وأتمّها.

    ثانياًً ـ موقفه عليه السّلام من قول الواقفية بمهدوية الإمام الكاظم عليه السّلام :
    زعمت الواقفية بعد شهادة الإمام الكاظم عليه السّلام سنة ( 183 / هـ ) في حبس السندي بن شاهك ببغداد وبأمر هارون الرشيد العباسي لعنه الله ؛ أنه حي لم يمت ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ، ويملأها كلها عدلاً كما ملئت جَوراً ، وأنه القائم المهدي !.
    وزعموا أنه خرج من الحبس ـ ولم يره أحد ـ نهاراً ، ولم يعلموا به ، وأن السطان وأصحابه ادّعوا موته ، وموّهوا على الناس وكذبوا ، وأنه غاب عن الناس واختفى !
    وقال بعضهم : إنه القائم وقد مات ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع فيقوم ويظهر ، وزعموا أنه رجع بعد موته إلاّ أنه مختفٍ في موضع من المواضع ، حيّ ، يأمر وينهى ، وأن أصحابه يلقونه ويرونه !.
    وقال بعضهم : إنه مات ولكن هو القائم ، وسيرجع في وقت قيامه ؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً !
    وأنكر بعضهم قتله ، وقالوا : مات ورفعه الله إليه ، وأنه يردّه عند قيامه.
    وهذه الأقوال كلها تنسب إلى الواقفية المعروفة باسم ( الكلاب الممطورة ) (1) والسبب الذي دعاهم إلى انكار وفاة الإمام الكاظم عليه السّلام
1 ـ راجع : الفرق / النوبختي : 90 ـ 91.

(279)
والقول بمهدويته ، هو الطمع فيما بأيديهم من أمواله عليه السّلام ، قال الشيخ الطوسي رضى الله عنه : « فروى الثقات أن أول من أظهر هذا الاعتقاد : على بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي ؛ طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها ، واستمالوا قوماً ، فبذلوا لهم شيئاًً ممّا اختانوه من الأموال ، نحو حمزة بن بزيع ، وابن المكاري ، وكرام الخثعمي ، وأمثالهم » (1) وقد شهد على ذلك يونس بن عبدالرحمن الفقيه الثقة المشهور فقال : « مات أبو إبراهيم ـ يعني الإمام الكاظم ـ عليه السّلام ، وليس من قوّامه أحد إلاّ عنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته ؛ طمعاً في الأموال.
    كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار.
    فلمّا رأيت ذلك ، وتبينت الحق ، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه السّلام ما علمت ؛ تكلمت ودعوت الناس إليه ، فبعثا إلىّ وقالا : ما يدعوك إلى هذا ؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ، وضمنا لي عشرة الآف دينار ، وقالا لي : كفّ ، فأبيت وقلت لهما : إنّا روينا عن الصادِقينَ عليهما السّلام أنهم قالوا : إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فإن لم يفعل سُلِبَ نور الإيمان. وما كنت لأدع الجهاد وأمر الله على كلِّ حال. فناصباني وأضمرا لي العداوة » (2).
1 ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 63 ـ 64 / 65.
2 ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 64 / 66 ، وعلل الشرائع : 235 / 1 ، وعيون اخبار الرضا عليه السّلام 1 : 112 / 2.


(280)
    ولما لم نكن بصدد دراسة هذه الفرقة ، لذا سنهمل سائر الأدلّة القاطعة في بطلان مدعياتهم ، ونكتفي بموقف الإمام الصادق عليه السّلام مراعاة أنا لمنهج البحث العلمي مع فسح المجال أمام صفحات مقبلة لحديث أهم ، فنقول :
    إن ممّا يوضح ذلك الموقف منهجه عليه السّلام تجاه العقيدة المهدوية مِن جهة ، والإمامة من جهة أخرى ؛ إذ بيّن ـ كما مرّ ـ من هو المهدي الحق الذي تنتظره الأمة بياناً شافياً كافياً ، كان بيّن في أحاديث الإمامة من هم أئمة المسلمين على الحقيقة ، مع بيان عددهم ، وأسمائهم ، وأن آخرهم المهدي عليه السّلام ، وله في هذا أحاديث كثيرة وفيما يأتي نموذج منها :
    1 ـ ما رواه ثقة الإسلام الكليني بسند صحيح عن عيسى بن عبد الله ابن محمد بن عمر بن أمير المؤمنين علي عليه السّلام ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : « قلت له : إن كان كون ـ ولا أراني الله ذلك ـ فبمن أئتمُّ ؟ قال : فأومأ إلى ابنه موسى عليه السّلام ، قلت : فإن حدث بموسى حـدث فبمن أئتمُّ ؟ قال : بولده ... الحديث » (1).
    ولو كان الإمام الكاظم عليه السّلام كما تزعم الواقفية هو المهدي ، لنبّه الإمام الصادق عليه السّلام السائل على ذلك ، لا أن يأمره بالإئتمام بعد موسى بولده الإمام الرضا عليهما السّلام
    2 ـ وأخرج الصدوق عن إبراهيم الكرخي قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام وإنّي لجالس عنده إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام وهو غلام ، فقمت إليه ، فقبلته وجلست ، فقال أبو عبد الله عليه السّلام :
1 ـ أصول الكافي 1 : 309 / 7 باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى عليه السّلام ، من كتاب الحجة.

(281)
يا إبراهيم أما أنه صاحبك بعدي ، أما ليهلكن فيه أقوام ويسعد آخرون ، فلعن الله قاتله ، وضاعف على روحه العذاب ، أما ليخرجن الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه ، سمي جدّه ، ووارث علمه ، وأحكامه ، وفضائله ، معدن الإمامة ، ورأس الحكمة » (1).
    وهذا الحديث صريح بهلاك الواقفية ، وفساد مقولتهم ، إذ تضمّن الإخبار عن ثلاثة أشياء كلها في الردّ على مقولتهم.
    الأول : الإشارة إلى الواقفية انفسهم بقوله : ( ليهلكن فيه أقوام ) ؛ إذ ادّعوا حياته بعد وفاته وأنكروا إمامة الرضا عليه السّلام.
    الثاني : الإخبار بشهادته قتلاً في سبيل الله مع لعن قاتله ، وهو هارون الرشيد لعنه الله تعالى.
    الثالث : إن المهدي الموعود ليس هو الإمام الكاظم عليه السّلام ، وإنّما هو من صلبه.
    3 ـ وفي حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السّلام قال : « يظهر صاحبنا وهو من صلب هذا ، وأومأ بيده إلى ولده موسى عليه السّلام فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، وتصفوا له الدنيا » (2).
    وهذا صريح بعدم مهدوية الإمام الكاظم عليه السّلام ، وإن المهدي الموعود من ولده عليهم السّلام.
    4 ـ وسئل الإمام الصادق عليه السّلام كما في حديث عبد الله بن أبي يعفور :
1 ـ إكمال الدين 1 : 334 / 5 باب 33.
2 ـ إكمال الدين 2 : 479 ـ 480 / ا و 5 باب 44.


(282)
يا ابن رسو الله فمن المهدي من ولدك ؟ قال عليه السّلام : الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ... الحديث » (1).
    وفي هذا الحديث تعريض بالواقفية التي ادّعت مهدويّة الإمام السابع من أئمة الاثني عشر عليهم السّلام وهو الإمام الكاظم عليه السّلام ، في حين منه الخامس من ولد السابع ، أي الإمام الحجة بن الحسن العسكري عليهما السّلام.

    ثالثاً : دوره عليه السّلام في تشخيص المهدويّات الباطلة كلها :
    ليس من العسير على الأمة أن تدرك زيف دعاوى المهدوية الباطلة ، لا سيّما إذا كان الموصوف بها من غير ولد الزهراء البتول عليها السّلام ، لعلم الأمة بمن المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان لا بدّ وأن يكون ـ على طبق ما أخبر به الرسول صلّى الله عليه وآله ـ من ولد فاطمة عليها السّلام.
    وأما لو ادّعيت المهدوية لواحد منهم ، كالإمام الصادق عليه السّلام كما في قول الناوويسة ، والكاظم عليه السّلام في قول الواقفية ، فالأمر مختلف هنا ؛ لأن من لا يؤمن بالنصّّ قد ينخدع بتلك الدعاوى ، كما رأينا انخداع فقهاء العامّة بدعوى مهدوية ( النفس الزكيّة ) لأنه من ّولد فاطمة عليها السّلام إذ جدّه لابيه الإمام الحسن السبط عليه السّلام ، هذا من جهة.
    ومن جهة أخرى فإنّ القواعد الشيعية لم تكن كلها عالمة بالمنصوص عليهم وإن كان متيقنة من وجود النصّ ، إذ ليس بمقدور الإمام عليه السّلام إيصال صوته إلى تلك القواعد العريضة في ظلّ التطورات السياسية السريعة التي
1 ـ إكمال الدين 2 : 333 / 1 و 12 باب 33.

(283)
كانت تجري في الخطّ المعاكس لتيار أهل البيت عليهم السّلام ، ومن هنا جاء التمسّك بمبدأ التقيّة والكتمان كما رأينا في الردّ على مهدوية المهدي العباسي.
    وإنّما كان النصّ معروفاً عند ثقات أصحاب الأئمة عليهم السّلام وعند من أُخْبِرُوا بواسطتهم ، كما يظهر ذلك بوضوح من خلال متابعة النصوص الكثيرة الواصلة الينا.
    وأما من لم يصله من ذلك شيئاًً فلا شكّ أنه عُرضَة للتصديق بمثل هذه الأقوال ، ولهذا نرى جملة من الشيعة قد صادقت على القول بمهدوية هذا الإمام أو ذاك ، حتى إذا ما تبيّن لها الصواب تراجعت بسرعة والتحقت بالحق وأهله ، الأمر الذي يفسّر لنا تلاشي تلك الفرق واندثارها بسرعة بعد نشأتها. في حين نرى الكثرة الكاثرة تقف ـ وبكلّ صلابة ـ موقف الرافض العنيد حيال تلك المهدويات ، مصرحة بوجود النص بالإمامة والمهدوية على شخص مسمى بعينه.
    ولا شكّ أن الإمام الصادق عليه السّلام كان يدرك هذا كله ، ومن هنا أراد عليه السّلام تنبيه الأمة كلها على معرفة صدق دعوى هذه المهدوية أو تلك من كذبها ، وذلك من خلال تأكيد بعض الحقائق الإسلامية التي لا صلة لها بالنصّ ، ولكنها بذات الوقت ضوابط شرعية دقيقة لمعرفة الحقيقة المهدوية ، وهذا الاسلوب كفيل بأن يجعله في مأمن من مراقبة السلطة وملاحقتها مع تحقيق الغرض المطلوب ، بخلاف مالو نادى بالنصّ على كل من هبّ ودبّ.
    ومن تلك الحقائق الإسلامية : علائم ظهور الإمام المهدي عليه السّلام


(284)
وأوصاف دولته الكريمة ، وحال الإسلام في زمان ظهوره.
    وإذا كانت قيادة تلك الدعاوى وقواعدها قد نسيت أو تناست تلك الحقائق بإشاعة دعاوى المهدوية الباطلة ، فما على الإمام إلاّ أن ينبّه على مثل ذلك الغلط الفاحش ؛ لأن تصدي الشريعة إلى بيان تلك الأمور ليس اعتباطاً ، وإنّما عن حكمة بالغة ، وإذا ما عرفها المسلمون فلا شكّ أنهم سيكونون في مأمن من الإنزلاق وراء كل مهدوية باطلة في التاريخ.
    ومن هنا رأى الإمام الصادق عليه السّلام ـ وهو يعيش في خضم هذه المسألةـ من يعيد للذاكرة الإسلامية ما أغفلته من علائم ظهور الإمام المهدي عليه السّلام ؛ مضيفاً إليها شيئاًً من صفات دولته الكريمة وحال الإسلام يومئذٍ ، بحيث لا يمكن لأحد رؤية شيءٍ منها في زمان أيّة مهدوية باطلة لا أصل لها ولا رصيد.
    ولما كانت علائم ظهور الإمام المهدي عليه السّلام وصفات دولته الشريفة كثيرة جداً في آحاديث الإمام الصادق عليه السّلام ، لذا سنكتفي منها بالإشارة الى المحتّم من تلك العلامات ، مع الاقتصار على اهم تلك الصفات ، وذلك في ثلاثة عناوين ، كالآتي :

    بيان علامات ظهور الإمام المهدي عليه السّلام :
    تقع علامات الظهور في قسمين : محتوم لابدّ من وقوعه ، وغير محتوم ؛ وسنكتفي بالأول ، كدليل صحيح على سبق دعوى المهدوية لكل تلك العلامات التي لم تقع إلى الآن ، ولابدّ من وقوعها في المستقبل إن عاجلاً أو آجلاً ، وفيما يأتي جملة من أحاديث الإمام الصادق عليه السّلام الناطقة بتلك العلامات :


(285)
    1 ـ عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : « من المحتوم الذي لابدّ منه أن يكون قبل قبام القائم : خروج السفياني ، وخسف بالبيداء ، وقتل النفس الزكية ، والمنادي من السماء » (1).
    ونحوه ما رواه : أبو حمزة الثمالى (2) ، ومحمد بن علي الحلبي (3) ، ومحمد ابن الصامت (4) ؛ كلهم ، عن الإمام الصادق عليه السّلام.
    2 ـ وعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : « النداء من المحتوم ، والسفياني من المحتوم واليماني من المحتوم ، وقتل النفس الزكيّة من المحتوم ، وكفّ تطلع من السماء من المحتوم. قال : وفزعة تطلع في شهر رمضان ، توقظ النائم ، وتفزع اليقظان ، وتخرج الفتاة من خدرها » (5)
    ومثله ماروا ابن أبي يعفور عن الإمام الصادق عليه السّلام (6).
    3 ـ وعن عمر بن حنظلة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : « خمس علامات قبل قيام القائم : الصيحة ، والسفياني ، والخسف وقتل النفس الزكية ، واليماني » (7).
1 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 264 / 26 باب 14.
2 ـ إكمال الدين 2 : 656 / 14 باب 57.
3 ـ روضة الكافي 8 : 258 / 484.
4 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 262 / 11 باب 14.
5 ـ كتاب غيبة / النعماني : 252 / 11 باب 14.
6 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 257 ـ 258 / 16 باب 14.
7 ـ روضة الكافي 8 : 258 / 483 ، وكتاب الغيبة / النعماني : 252 / 9 باب 14 ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 436 / 427 ، ودلائل الإمامة / الطبري : 261.
غيبة الإمام المهدي ::: فهرس