قضاء حقوق المؤمنين ::: 1 ـ 10
( 4 )
سلسلة مصادر بحار الأنوار
قَضاء حُقوق المؤمنين
تأليف
الشيخ سديد الدين أبي علي بن طاهر الصُّوري
مِنْ أعلام القرنِ السّادس الهجري

تحقيق
حامد الخّفاف
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التُّراث


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم :
     لم يكن التراث الاَخلاقي الضخم الذي تزخر به خزائن الحضارة الاِسلامية حالة غير طبيعية تنفصل عمّا أرساه دين الله الحنيف من تعاليم ربانية ، تنظّم مسيرة المجتمع البشري لما فيه خيره وصلاحه ، بل يمكن القول : إنّ الجانب الاَخلاقي يعتبر بمثابة العلامة الفارقة التي تميزت بها الحضارة الاِسلامية عن بقية حضارات الاَمم والشعوب منذ بدء الخليقة وإلى يومنا هذا.
     يتعاظم المسلم فضائل ... يجد نفسه كبيراً كما هي الراسيات نبلاً وشهامة ، يحق له أن يحدّق في عين الشمس فيتطاول عليها شمماً وكرامة ، وهو يتمثل ـ عبر كنوز التراث ـ رسول الاِسلام يعود جاره اليهودي عند مرضه يسأل عن أحواله ، ويطيب خاطره ، مع أنّه جار سوء طالما آذاه بإلقاء القمامة عليه ، وقذفه بأقسى الكلمات ، فما كان من اليهودي ـ العدوّ لله ولرسوله ـ إلاّ أن يذعن لدعوة الحق ، وهو يشاهد غماماً من رحمة رسول الله وخلقه الرفيع تهطل عليه وابلاً من الرأفة والحنان والحب؛ وهل الدين إلاّ الحب!؟
     وهكذا يدوّن التأريخ حقيقة أنّ أخلاق المسلمين كانت المفتاح الذي استطاعوا به فتح مغاليق قلوب الناس ، لتستقبل النور الاِلهي المنبعث من شعاب


(6)
مكة المكرمة ، وأنّ المثل العليا وقيم السماء التي بشّر بها فكر الاِسلام أوقع في القلوب ، وأريض للنفوس ، من بريق المواضي وقعقعة السلاح ، في عالم أطبقت عليه مفاهيم الجهالة المعتمة.
     والآن بعد أربعة عشر قرناً من الزمن ، وكي لا نتهالك على فتات موائد حضارة القرن العشرين ، نأخذ منها الضارّ ونترك النافع!! ما أحوج الاُمة التي جعلها الله خير اُمة اُخرجت للناس ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، أن تلتفت إلى الماضي ، ترمقه بنظرة تفحّص ، من أجل أن تستلهم منه معاني العفة والطُهر ، لتبني على أساسها مستقبل الحياة الحرة الكريمة ، لتواجه الرياح السوداء ، قوية الشكيمة ، رابطة الجأش ، مرفوعة الرأس ، لتحمل للمعمورة مشعل الهداية المحمديّ ، السخي بالعطاء إلى يوم يبعثون ...
     وفي هذا السبيل سار خريجو مدرسة أهل البيت عليهم السلام من علماء أعلام ، وجهابذة عظام ، يحثّون الاُمّة للمضي في طريق الصلاح والهدى ويحذرونها موجبات الردى ، وما كتاب « قضاء حقوق المؤمنين » إلاّ وميض نور من عطاء كلّه هدى وضياء ، سطروه ـ رضوان الله عليهم ـ بحميد فعالهم ، وبليغ كلامهم ، وسيل مدادهم ، يعرض فيه المؤلف عن طريق الرواية جانباً ممّا يفترضه الاِيمان على الفرد المؤمن من حقوق يجب أن يؤدّيها تجاه أخيه المؤمن ، بصورة مختصرة موجزة.
الكتاب :
     لست بصدد تعريف الكتاب مضموناً ، فاسمه كفيل بذلك ، وإنّما أذكر مدى اعتماد الاَصحاب عليه ، ورجوعهم إليه.
     فقد اعتمده شيخ الاسلام المجلسي في بحار الاَنوار ونقل عنه ، وقال : « وكتاب قضاء الحقوق ، كتاب جيّد ، مشتمل على أخبار طريفة » (1).
1 ـ بحار الاَنوار 1 ص 34.

(7)
     ونقل عنه خاتمة المحدّثين الشيخ النوري في كتابه الجليل مستدرك الوسائل بتوسط بحار الأنوار ، لعدم توفر نسخة الكتاب لديه ، وقال : « وأما ما نقلنا عنه بتوسط بحارالاَنوار فهو ... كتاب قضاء حقوق المؤمنين للشيخ سديد الدين أبي علي بن طاهر السوري » (1).
     وقال الشيخ الطهراني في الذريعة (2) : « قضاء حقوق الاِخوان المؤمنين ، لاَبي علي الصوري ، ينقل عنه الشيخ أحمد بن سليمان البحراني في عقد اللآل الذي فرغ منه في 1117 ، وينقل عنه المولى محمد باقر المجلسي ، وينقل عنه الكفعمي في حواشي مصباحه الذي آلّفه 895 ».
المؤلف :
     الشيخ أبو علي الحسن بن طاهر الصوري ، كذا عنونه الشيخ عبدالله أفندي في رياض العلماء ج 1 ص 198 وقال : « فاضل عالم ، فقيه ، وقد ذكره الشهيد ـ قدّس سرّه ـ في بحث قضاء الصلاة الفائتة من شرح الاِرشاد ، ونسب إليه القول بالتوسعة في القضاء ، بل نصّ على استحباب تقديم الحاضرة ، وقال : إنّه ردّ عليه الشيخ أبو الحسن علي بن منصور بن تقي الحلبي وعمل مسألة طويلة تتضمّن القول بالتضييق والردّ عليه في التوسعة ، فعلى هذا يكون إمّا معاصراً للشيخ أبي الحسن سبط أي الصلاح الحلبي المذكور أو متقدّماً عليه ، فلاحظ.
     واعلم أنّ نسب هذا الشيخ على ما أوردناه هنا كان مضبوطاً في نسخة كانت عندنا من شرح الاِرشاد المذكور ، وقد رأيت في بعض المواضع المعتبرة نقلاً عن الشرح المذكور بعنوان الشيخ أبي علي طاهر بن الحسن الصوري ، فنحن أوردناه مرّة هنا ومرّة في باب الطاء المهملة احتياطاً ، فلاحظ الاِجازات وكتب الرجال ».
     وعنونه الشيخ الطهراني في « الثقات العيون في سادس القرون » ص 59 تبعاً لصاحب الرياض.
     وذكره ثانية في ص 143 من المصدر المذكور تحت عنوان : طاهر بن الحسن
1 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 291.
2 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 17 ص 137.


(8)
الشيخ أبو علي الصوري ، وقال : معاصر أبي الحسن علي بن منصور بن تقي الدين الحلبي.
     وذكره المجلسي في البحار ج 1 ص 17 ، والنوري في المستدرك ج 3 ص 291 بعنوان : الشيخ سديد الدين أبي علي بن طاهر السوري.
     واستظهر الشيخ الطهراني ـ مع تردّد ـ اتحاده مع الشيخ أبي عبدالله الحسين ابن طاهربن الحسين الصوري ، المعنون في أمل الآمل ج 2 ص 93 بأنّه فاضل فقيه جليل ، يروى عنه السيد أبو المكارم حمزة بن زهرة الحلبي حيث قال في « الثقات العيون في سادس القرون » ص 75 : « الحسين بن طاهر بن الحسين أبو عبدالله الصوري ـ ثم نقل كلام الحرّ ، وقال : ـ ومرّ أبو علي الحسن بن طاهر في ص 59 ـ 60 ، ولعلّهما واحد ، وإن كان بعيداً ، للاِختلاف في الكنية والاسم ، واسم الجدّ ، وله كتاب : قضاء حقوق المؤمنين ».
     علماً أنّ الشيخ الطهراني كان قد دمج الاسمين عندما قال في الذريعة ج 17 ص 137 : قضاء حقوق الاِخوان المؤمنين ، لاَبي علي الصوري ، وهوالشيخ أبو عبدالله الحسين بن طاهر بن الحسين الصوري الذي يروي عنه ابن زهرة صاحب الغنية 585 ، كما في أمل الآمل فتأمّل!
     ونقل ترجمة الحسين بن طاهر بن الحسين الصوري عن الحرّ ، كلّ من :
     الشيخ عبدالله أفندي في « رياض العلماء » ج 2 ص 97.
     والشيخ المامقاني في « تنقيح المقال » ج 1 ص 331.
     والسيد الاَمين في « أعيان الشيعة » ج 6 ص 50 ، وأضاف : ويروي المترجم عن الشيخ أبي الفتوح.
     والسيد الخوئي في « معجم رجال الحديث » ج 5 ص 272.
     وعليه فإنّ القدر المتيقّن أنّ المؤلّف من أعلام القرن السادس الهجري ، وأنّ وجود عبارة « أبو علي بن طاهر الصوري » على ظهر النسختين الخطيتين للكتاب ، وضبط الشيخ المجلسي والشيخ النوري للمؤلف بهذه الكنية ، التي هي من الكنى التي تطلق على من يتسمّى بالحسن ، قرينة على أنّ المؤلف هوالحسن بن طاهر الصوري دون غيره ، وأمّا اتّحاده مع أبي عبدالله الحسين بن طاهر بن الحسين الصوري فبعيد.


(9)
منهج التحقيق :
     اعتمدت في تحقيقي للكتاب على نسختين :
     الاولى : النسخة الموجودة في المكتبة المركزية في جامعة طهران ، الكتاب 8 من المجموعة المرقمة 5923 من ص 242 إلى 262 ، وفي كلّ صفحة سبعة عشر سطراً ، كتبت بخط النسخ في القرن العاشر أو الحادي عشر ، وهي التي أرمز إليها في الهامش الكتاب ب ـ ( د ).
     والثانية : النسخة الموجودة في مكتبة آية الله العظمى السيد المرعشي ـ دام ظلّه ـ العامة في قم ، الكتاب 3 من المجموعة المرقمة 990 ، من ورقة 94 إلى 102 ، في كلّ صفحة تسعة عشر سطراً ، وأرمز إليها في هامش الكتاب بـ ( ش ).
     وقد لاحظت اتّفاق النسختين في التصحيف والزيادة والنقيصة الواردة في الكتاب بصورة واضحة في أغلب الموارد ، وقد سعيت جاهداً في سبيل إثبات نصّ صحيح للكتاب وذلك بمقابلة النسختين ، ومقابلة النصّ مع ما نقله العلاّمة المجلسي في « بحر الاَنوار » عن كتاب « قضاء حقوق المؤمنين » ، فجعلت التصحيف الوارد في النسخ هامشاً ، مشيراً لصوابه ، وقد يتفق أن يرد التصحيف في النسختين والبحار معاً ، كما هو الحال في الحديثين رقم 15 و 34 فراجع. علماً بأنّ كلّ ما وضعته في المتن بين المعقوفين [ ] من دون الاِشارة إليه في الهامش فهو من « بحار الانوار ».
     كما أتقدّم بأسمى آيات الشكر والتقدير ، لكلّ السادة الاَفاضل الّذين أتحفوني بملاحظاتهم القيّمة ، وأخصّ بالذكر الاَخ الاُستاذ أسد مولوي مسؤول لجنة ضبط النصّ في مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، وفّق الله الجميع لخدمة تراث آل البيت.
     وفي الختام ، أحمدالله سبحانه لما حباني به من نعمة القيام بهذا العمل المتواضع معترفاً بالتقصير ، مؤمناً بأنّ المخلوق من عجل لايخلو من الخطأ والزلل ، وما اُبرّىَ نفسي إنّ النفس لاَمارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّي.
حامد الخفّاف
1 ربيع الثاني 1408 هـ
قم المقدسة


(10)
الصفحة الاولى من النسخة المحفوظة في خزانة مكتبة آيةالله المرعشي العامة.
قضاء حقوق المؤمنين ::: فهرس