حديث الطير ::: 16 ـ 30
(16)
الطير ، وهؤلاء هم :
    1 ـ الطبري ، صاحب التفسير والتاريخ.
    2 ـ ابن عقدة.
    3 ـ الحاكم النيسابوري.
    4 ـ ابن مردويه.
    5 ـ أبو نعيم.
    6 ـ أبو طاهر ابن حمدان.
    7 ـ الذهبي نفسه يذكر في كتابه تذكرة الحفّاظ بترجمة الحاكم النيسابوري : أنّ له كتاباً ـ أي الذهبي نفسه ـ في طرق حديث الطير (1).
    فهؤلاء رواة هذا الحديث بنحو الاجمال من الصحابة ، وأشرنا إلى أنّ عدد التابعين الرواة لهذا الحديث من أنس بن مالك وحده يبلغون حدود التسعين رجلاً ، وذكرنا أشهر مشاهير علماء الحديث في القرون المختلفة الرواة لحديث الطير ، وذكرنا من ألّف في خصوص حديث الطير كتاباً.
    وحديث الطير موجود في عدّة من الصحاح ، كصحيح
1 ـ تذكرة الحفّاظ 3/1042 ـ 1043 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

(17)
الترمذي ، وصحيح النسائي ، وصحيح ابن حبّان ، وأيضاً موجود في المختارة للضياء المقدسي ، وفي المستدرك للحاكم ، وفي الجمع بين الصحيحين ، وفي الجمع بين الصحاح.
    كما أنّ لهذا الحديث أسانيد صحيحة هي أكثر من عشرين سند موجودة في خارج الصحاح.
    ولا أظن أنّ من يقف على هذه الاسامي ، وهذه الاسانيد ، يشك في صدور هذا الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، هذا الحديث المتفق عليه بين المسلمين ، وحينئذ ننتقل إلى الجهة الثانية.


(18)

(19)
    إنّ حديث الطير يدلّ على إمامة أمير المؤمنين بالقطع واليقين ، وذلك ، لانّ القضيّة التي تتعلّق بحديث الطير ، هذه القضية قد أسفرت عن كون علي ( عليه السلام ) أحبّ الناس إلى الله وإلى الرسول ، فكأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد انتهز فرصة إهداء طير إليه ليأكله ، انتهز هذه الفرصة للاعلان عن مقام أمير المؤمنين وعن شأنه عند الله والرسول ، هذا الشأن الذي سنرى أنّ عائشة تمنّت أن يكون لابيها ، وحفصة تمنّت لان يكون لابيها ، وأنس بن مالك ـ صاحب القصّة ـ حال دون أن تكون هذه المرتبة وأن يكون هذا الشأن والمقام لامير المؤمنين ، زاعماً أنّه أراد أن يكون لاحد من الانصار ، وربّما سعد ابن عبادة بالخصوص ، بل سنقرأ في بعض ألفاظ هذا الحديث أنّ الشيخين ، وفي سند أنّ عثمان أيضاً ، جاؤوا إلى الباب ولم يتشرّفوا


(20)
بالدخول على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في تلك اللحظة التي كان يدعو الله أن يأتي إليه بأحبّ الخلق إلى الله وإلى الرسول.
    فلنذكر ـ إذن ـ طائفةً من ألفاظ القصّة ، لنقف على واقع الامر أوّلاً ، ولنطّلع على تصرّفات القوم في نقل هذا الحديث ، وكيفيّة تصرّفهم في الحديث ، إمّا إختصاراً له وإمّا نقلاً له بنحو يقلّل من أهميّة القضية فيما يتعلّق بأمير المؤمنين ( عليه السلام ).
    يقول الترمذي في صحيحه (1) عن أنس بن مالك : كان عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) طير فقال : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاء علي فأكل معه ».
    هذا لفظ الحديث بهذا المقدار في صحيح الترمذي ، فلا يذكر فيه دور أنس في القضيّة هذه كما سنقرأ ، ولا يذكر مجيء غير علي ورجوعه من باب رسول الله.
    وجاء في كتاب مناقب علي لاحمد بن حنبل (2) ما نصّه : عن سفينة خادم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الذي هو أحد رواة هذا الحديث يقول : أهدت امرأة من الانصار إلى رسول الله طيرين بين رغيفين ، فقدّمت
1 ـ صحيح الترمذي 5 / 595 باب مناقب علي بن أبي طالب.
2 ـ فضائل الامام علي ( عليه السلام ) لابن حنبل : 42 رقم 68 ، تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي.


(21)
إليه الطيرين ، فقال ( صلى الله عليه وسلم ) : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك » ، ورفع صوته ، فقال رسول الله : « من هذا ؟ » فقال : علي.
    لاحظوا نصّ الحديث الذي يرويه أحمد بن حنبل ، وقارنوا بينه وبين رواية الاخرين.
    ولكم أن تقولوا : لعلّ الاخرين تصرّفوا في لفظ الحديث بإسقاط كلمة « ورفع صوته » فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ورفع صوته » ، إنّ معنى « رفع صوته » أنّه عندما كان يدعو كان يدعو بصوت عال ، لنفرض أنّ هذا معنى الحديث إلى هنا « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ورفع صوته » لكن الحقيقة إنّ لفظ أحمد محرّف ، لانّا سنقرأ في بعض الالفاظ : إنّ عليّاً عندما جاء في المرّة الاُولى فأرجعه أنس ولم يأذن له بالدخول ، وفي المرّة الثانية كذلك ، في المرّة الثالثة لمّا جاء علي رفع صوته فقال رسول الله : من هذا ؟
    فمن هنا يظهر معنى « ورفع صوته » ويتبيّن التحريف ، وإلاّ فأيّ علاقة بين قوله : « اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإلى رسولك ورفع صوته » ، وقوله : فقال رسول الله من هذا ؟ فقال : علي ، أي : قال سفينة : الذي خلف الباب هو علي ، قال : افتح له ، ففتحت ، فأكل مع رسول الله من الطيرين حتّى فنيا.


(22)
    فالتصرف في لفظ الحديث عند أحمد أيضاً واضح تماماً ، والتلاعب في هذا اللفظ باد بكلّ وضوح.
    أمّا الهيثمي صاحب مجمع الزوائد ، فيروي هذا الحديث باللفظ التالي (1) :
    عن أنس بن مالك قال : كنت أخدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقُدّم فرخاً مشويّاً أو فَقدّم فرخاً مشويّاً [ يقتضي أنْ يكون : فقُدّم فرخ مشويّ ، أو فقدّم رسول الله فرخاً مشويّاً ] فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : « اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ يأكل معي من هذا الفرخ » فجاء علي ودقّ الباب ، فقال أنس : من هذا ؟ قال : علي ، فقلت ـ أي أنس ـ يقول : النبي على حاجة ، وفي بعض الالفاظ : النبي مشغول ، أي لا مجال للدخول عليه ، والحال أنّ النبيّ كان مازال يدعو : « اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك » ، قال : النبي على حاجة ، فانصرف علي. عاد رسول الله مرّة أُخرى يقول : « اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ يأكل معي من هذا الفرخ » ، فجاء علي فدقّ الباب دقّاً شديداً ، فسمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : « يا أنس من هذا ؟ » قال : علي ، قال : « أدخله » ، فدخل فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : « لقد سألت الله ثلاثاً أنْ
1 ـ مجمع الزوائد 9/125 ـ دار الكتب العربي ـ بيروت ـ 1402 هـ.

(23)
يأتيني بأحبّ الخلق إليه وإليّ يأكل معي هذا الفرخ » ، فقال علي : وأنا يا رسول الله ، لقد جئت ثلاثاً كلّ ذلك يردّني أنس ، فقال رسول الله : « يا أنس ، ما حملك على ما صنعت ؟ » قال : أحببت أن تدرك الدعوة رجلاً من قومي ، فقال رسول الله : « لا يلام الرجل على حبّ قومه ».
    في هذا الحديث جاء علي مرّتين فردّه أنس قائلاً : رسول الله على حاجة ، في المرّة الثالثة دقّ علي الباب دقّاً شديداً.
    وفي بعض الالفاظ : رفع صوته فسمع رسول الله صوت علي وقال لانس : « إفتح الباب ليدخل علي » ، ثمّ اعترض عليه رسول الله ، أي على أنس ، واعتذر أنس كما في الخبر : أحببت أن تدرك الدعوة رجلاً من قومي.
    لكن الحديث في مسند أبي يعلى كما يلي : حدّثنا قطن بن نسير ، حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، حدّثنا عبدالله بن مثنّى ، حدّثنا عبدالله بن أنس عن أنس قال : أُهدي لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حجل مشويّ ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام » ، فقالت عائشة : اللهمّ اجعله أبي ، وقالت حفصة : اللهمّ اجعله أبي ، قال أنس : فقلت أنا : اللهمّ اجعله سعد بن عبادة ، قال أنس : سمعت حركة الباب ، فإذا علي ، فسلّم ، فقلت : إنّ


(24)
رسول الله على حاجة ، فانصرف ، ثمّ سمعت حركة الباب فسلّم علي ، فسمع رسول الله صوته ، أي رفع علي صوته [ أُريد أنْ أؤكّد أنّ لفظ أحمد محرّف ] فسمع رسول الله صوته فقال : « أُنظر من هذا ؟ » فخرجت ، فإذا علي ، فجئت إلى رسول الله فأخبرته ، فقال : « ائذن له » ، فأذنت له ، فدخل ، فقال رسول الله : « اللهمّ وإليّ اللهمّ وإليّ ».
    هذا لفظ أبي يعلى.
    ولاحظوا الفوارق بين هذا اللفظ ولفظ الهيثمي ، ثمّ لفظ الترمذي ، ولفظ أحمد بن حنبل.
    أمّا في الخصائص للنسائي (1) [ الذي نصّ الحافظ الذهبي على أنّ كتاب الخصائص داخل في السنن ، راجعوا سير أعلام النبلاء (2) وكذا راجعوا مقدمة تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ] فيروي النسائي هذا الحديث بسند صحيح ، مضافاً إلى أنّ كتابه داخل في السنن الكبرى للنسائي الذي يقولون بأنّ له شرطاً في هذا الكتاب أشدّ من شرط الشيخين :
    عن أنس بن مالك : إنّ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان عنده طائر ، فقال : « اللهمّ
1 ـ الخصائص للنسائي : 29 رقم 10 ـ مكتبة المعلا ـ الكويت ـ 1406 هـ.
2 ـ سير أعلام النبلاء 14/133 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1404 هـ.


(25)
ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر » ، فجاء أبو بكر فردّه ، ثمّ جاء عمر فردّه ، ثمّ جاء علي فأذن له.
    وفي مسند أبي يعلى بنفس السند ، ترون مجيء الشيخين ومجيء عثمان أيضاً ، قال : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير » ، فجاء أبو بكر فردّه ، ثمّ جاء عمر فردّه ، ثمّ جاء عثمان فردّه ، ثمّ جاء علي فأذن له (1).
    لاحظوا الفوارق بين الالفاظ ، وقد تعمّدت التدرج في النقل حتّى تلتفتوا إلى أنّهم إذا أرادوا أن ينقلوا القضيّة الواحدة وهي ليست في صالحهم ، كيف يتلاعبون باللفظ ، وكيف ينقصون من القصة ، وكيف يسقطون تلك النقاط الحساسة التي يحتاج إليها الباحث الحر المنصف في تحقيقه عن سنّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وفي فحصه عن القول الحق من بين الاقوال.
    أقول :
    سند النسائي كما أكّدت سند صحيح ، وهو نفس السند في مسند أبي يعلى ، لكنّ بعضهم يحاول أن يناقش في سند هذا الحديث الاخير الذي نقلته عن النسائي وأبي يعلى ، يحاول أنْ يناقش في هذا السند ، ونحن نرحّب بالمناقشة ، وأيّ مانع لو كانت
1 ـ مسند أبي يعلى 7/105 رقم 4052 ـ دار المأمون للتراث ـ دمشق ـ 1406 هـ.

(26)
المناقشة مناقشة علميّة ، على كلّ منصف أن يسلّم ، وأيّ مانع لو كانت المناقشة واردة ، وحينئذ لرفعنا اليد عن هذا الحديث وتمسّكنا بغيره من الالفاظ ، أو تمسّكنا بغير هذا الحديث من الاحاديث ، وأيّ مانع ؟ لكن كيف لو كانت المناقشة ظاهرة البطلان ، واضحة التعصّب !!
    يحاول بعضهم أنْ يناقش في وثاقة أحد رجال هذا السند ، وهو السُدي ، والسُدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن ، ربّما يناقش فيه بعض ، لكنّه من رجال مسلم ، من رجال الترمذي ، من رجال النسائي ، من رجال أبي داود ، ومن رجال ابن ماجة.
    ويقول أحمد بترجمته : ثقة.
    ويقول غيره من كبار الرجاليين : ثقة.
    حتّى أنّ ابن عدي المتشدّد في الرجال يقول : هو مستقيم الحديث صدوق ، بل إنّه من مشايخ شعبة.
    وقد ذكرنا أنّ شعبة أمير المؤمنين عندهم ، وهو لا يروي إلا عن ثقة هكذا يقولون ، يقولون شعبة بن الحجّاج لا يروي إلا عن ثقة ، وممّن يعترف بهذا المعنى أو يدّعي هذا المعنى هو ابن تيميّة ،


(27)
وينقل السبكي كلامه في كتابه شفاء الاسقام (1).
    فإذا كان الرجل من رجال خمسة من الصحاح الستّة ، ويوثّقه أحمد ، ويوثّقه العجلي ، ويوثّقه ابن عدي ، ويوثّقه الاخرون من كبار الرجاليين (2) ، فأيّ مناقشة تبقى في السُدي ليطعن الطاعن عن هذا الطريق في هذا الحديث الذي هو في نفس الوقت الذي يدلّ على فضيلة لامير المؤمنين ، يدلّ على ما يقابل الفضيلة لمن يقابل أمير المؤمنين ؟
    وهناك قرائن داخل الحديث وقرائن في خارج الحديث لا نحتاج إلى ذكرها كلّها ، بل نكتفي بالاشارة إلى بعض القرائن الداخليّة وبعض القرائن الخارجيّة فقط.
    في بعض ألفاظ هذا الحديث يقول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك » ، وهذه الاضافة موجودة في بعض الالفاظ.
    وفي بعض الالفاظ : « اللهمّ أدخل عَلَيّ أحبّ خلقك إليّ من الاوّلين والاخرين ».
    وربّما يدلّ هذا الحديث بهذا اللفظ على أفضليّة أمير المؤمنين
1 ـ شفاء الاسقام في زيارة خير الانام : 10.
2 ـ تهذيب التهذيب 1 / 313.


(28)
من الاوّلين والاخرين ، أمّا الاخرون فالامر فيهم سهل. أمّا الاوّلون فإنّه يشمل الانبياء أيضاً ، يشمل حتّى أُولي العزم منهم ، ويكون هذا الحديث بهذا اللفظ من أدلّتنا على أفضليّة أمير المؤمنين من جميع الانبياء إلا النبي والرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وفي بعض ألفاظ الحديث يقول أنس : فإذا علي ـ أي فتحت الباب فإذا علي ـ فلمّا رأيته حسدته.
    وفي بعض ألفاظ الحديث : فلمّا نظر إليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قام قائماً فضمّه إليه وقال : « يا ربّ وإليّ يا رب وإليّ ، ما أبطأ بك ياعلي ؟ ».
    وفي لفظ آخر بعد تلك العبارات : « ما أبطأ بك يا علي ؟ » قال : يا رسول الله قد جئت ثلاثاً كلّ ذلك يردّني أنس ، قال أنس : فرأيت الغضب في وجه رسول الله ، وقال : « يا أنس ما حملك على ردّه ؟ » قلت : يا رسول الله سمعتك تدعو ، فأحببت أن تكون الدعوة في الانصار.
    وكأنّ بهذا العذر زال غضب رسول الله !! ذلك الغضب الشديد الذي رآه أنس في وجهه ، زال بمجرّد اعتذاره بهذا العذر ، حتى أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لمّا اعتذر هذا العذر قال : لست بأوّل رجل أحبّ قومه !!
    وإنّي أعتقد أنّ هذا الكلام من رسول الله مفتعل عليه في


(29)
حديث الطير : « لا يلام الرجل على حبّ قومه » أو « لست بأوّل رجل أحبّ قومه » ، أعتقد أنّ هذه إضافة من المحدّثين.
    لكنْ لو سألتم بأيّ دليل تعتقد ؟
    ليس عندي الان دليل ، وإنّما أقول : كيف غضب رسول الله ذلك الغضب ثمّ زال غضبه بمجرّد اعتذار أنس بهذا العذر الواهي ؟ بل يعتذر له رسول الله مرّةً أُخرى ، ويبدي له عذراً !! ألم يكن يعلم رسول الله بهذا : لا يلام الرجل على حبّ قومه ؟ فلماذا غضب عليه إذن ؟ بل قاله له رسول الله وكأنّه يلاطفه بعد ذاك الغضب الشديد ، كما في هذا الحديث : « لست بأوّل رجل أحبّ قومه ، أبى الله يا أنس إلا أنْ يكون ابن أبي طالب ».
    وهذه قرائن داخليّة في الالفاظ ، ولو أردت أن أُعيد عليكم الالفاظ بكاملها من أوّلها إلى آخرها لطال بنا المجلس ، لكن تلك المقاطع التي نحتاج إليها ـ كقرائن داخليّة تؤيّد ما نريد أنْ نستدلّ به من هذا الحديث ـ هذه القرائن انتخبتها واستخرجتها بهذا الشكل.
    مضافاً : إلى أنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) احتجّ بحديث الطير في يوم الشورى.
    ولماذا احتجّ ؟ وعلى من احتجّ ؟
    احتجّ على كبار الصحابة الذين انتخبهم عمر ، لانْ يستشيروا


(30)
فيما بينهم ، فيتعيّن الخليفة في ذلك المجلس ، هؤلاء أعلام القوم وأهل الحلّ والعقد.
    إذن ، احتجّ علي على هؤلاء ، ومن المحتج ؟ علي أمير المؤمنين ، وهل يحتج علي بما ليس له أصل ؟ وهل يحتج علي بما هو ضعيف سنداً أو كذب أو موضوع ؟ فالمحتج علي ، والمحتج عليه أُولئك الاصحاب المنتخبون من قبل عمر لان يعيَّن من بينهم خليفة عمر ، واحتجّ علي في ذلك المجلس بحديث الطير.
    وأيضاً : سعد بن أبي وقّاص الذي أمره معاوية بن أبي سفيان بسبّ علي ، فأبى سعد من أن يسب ، وسأله معاوية عن السبب ، فاعتذر بأنّه سمع من رسول الله خلالاً أو خصالاً لعلي ، ومادام يذكر تلك الخصال فلن يسب عليّاً ، هذا الحديث الذي قرأناه من قبل ، وفيه تحريفات كثيرة كما ذكرت لكم في ذلك المجلس.
    في بعض ألفاظ هذا الحديث : إنّ سعداً اعتذر من أنْ يسبّ عليّاً بخصال ، فذكر الخصال ومنها حديث الطير ، الخصال التي اعتذر بها سعد في هذه الرواية هي : حديث الراية ، وحديث الطير ، وحديث الغدير ، وهذه الرواية موجودة في حلية الاولياء لابي نعيم ، ومن
حديث الطير ::: فهرس