حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: 286 ـ 300
(286)
شيعة أهل بيت النبوة ، ولأن في إيران آنذاك حكم موالي لأهل بيت النبوة وجند مجندة للمهدي وهم حملة الرايات السود ، ولأن الكوفة عاصمة ابيه التي شهدت انتصار الحق وهزائمه ، ويريدها الإمام المهدي أن تشهد انتصار الحق الأعظم ، وهزيمة الباطل الساحقة ، ثم ان الإمام المهدي يتصرف بتوجيه رباني ، وبعهد من رسول الله.

    يفهم من الأحاديث النبوية ، ومن أحاديث أئمة أهل بيت النبوة ، بأن الإمام المهدي سيجعل من مدينة الكوفة قاعدة له ، ومنطلقاً لاعماله الحربية ، مقراً لقيادة عملياته العسكرية ، فمنها يسيّر الجيوش ، ومنها يصدر أوامره إلى أنصاره في مختلف البلاد.

    يبدو من الأحاديث بأن السفياني سيخطط للاستيلاء على كافة البلاد العربية والإسلامية وتكوين أمبراطورية أموية تسخر كافة طاقاتها ومواردها لإجهاض حركة الإمام المهدي والقضاء عليه ، وتنفيذاً لهذا المخطط يسيِّر السفياني سراياه وجيوشه إلى فلسطين والأردن وسوريا والعراق والجزيرة ، ويشتبك عسكرياً مع الأتراك ويكتب إلى الإيرانيين للدخول في طاعته وإلا غزاهم !
    وعندما يعلم السفياني بظهور الإمام المهدي ومبايعة أهل مكة وبعزم المهدي على المسير إلى المدينة ، ومنها إلى العراق ، عندها يجن جنون السفياني ويجهز جيشاً كبيراً من خيرة قواته ، ويأمره بالزحف على الحجاز والقضاء على المهدي وحركته ، ولكن الله تعالى يخسف الأرض بذلك الجيش لا ينجو منه غير اثنين ، ويتلقى السفياني بهذا الخسف ضربة معنوية ساحقة تقصم ظهره عملياً ، وتنهي امره ، وتبدأ جيوشه الأخرى بالتراجع ، وبفقد بعضها الاتصال بقيادته ، وتتفكك قواته ، وتنهار روحها المعنوية تماماً ، بالوقت الذي تكون فيه قوات الإمام المهدي وأنصاره يطاردون بقايا جيوش السفياني ويبدو أن السفياني ، قد يسلم قيادة أكثر من


(287)
جيش من جيوشه إلى أمويين « سفيانيين » ، وأن الناس سيطلقون مصطلح السفياني على كل قائد من قادة تلك الجيوش ، لكن القادة الأمويين يخضعون في النهاية لقيادة كبيرهم عميد البيت الأموي ووارث أحفاده وهو المعروف بالسفياني وهو المقصود بالأحاديث النبوية ، تشير الأحاديث النبوية ، وأحاديث أئمة أهل بيت النبوة ، بأن الإمام المهدي وأنصاره سيقضون على حركة السفياني ، وعلى انصاره ، وأن السفياني نفسه سيبابع الإمام المهدي ، ثم ينقض البيعة وأن الإمام المهدي سيقتله. [ راجع الأحاديث رقم 346 و 348 و 349 و 350 و 353 والحديث رقم 658 ].

    وتبين الأحاديث النبوية ، وأحاديث أئمة أهل بيت النبوة بأن الإمام المهدي بعد قضائه على السفياني وحركته وأثناء ذلك سيتابع عملياته الحربية ويفتح كافة حصون الضلالة في الشرق خاصة العالم الإسلامي ، وسيطهر العالم الإسلامي من أعداء الله ومن أئمة الضلالة ، [ راجع الأحاديث أرقام 79 و 340 و 23 و 479 ج‍ 1 و 238 ]. وستكون أول ألويته موجهة إلى الترك. ويبدو واضحاً بان الإمام المهدي سينجح بتوحيد العالم الإسلامي ، كله ، وإخضاعه لسلطانه ، وخلال سعي الإمام المهدي لتوحيد العالم الإسلامي يعقد هدنة مع الروم تدوم سنين أو المدة التي يستغرقها الإمام المهدي لتوحيد العالم الاسلامي وإخضاعه لسلطانه. [ راجع الحديث رقم 223 و 223 ج‍ 1 ]. ويبذل المهدي جهده لاستمرار هذه الهدنة ، ويتغاضى في البداية عن نقض الروم لتلك الهدنة ، لأن غاية المهدي كما يبدو ستكون منصبة على توحيد العالم الإسلامي من خلفه قبل الدخول بحرب شاملة مع الروم ، ويفهم من الأحاديث والروايات المتعددة بأن الإمام المهدي سينجح بتوحيد الأمة الإسلامية قبل أن يصطدم على نطاق واسع مع الروم ، وتظهر تلك الروايات الإمام المهدي بصورة القوة الوحيدة في العالم الإسلامي ، فله وجود في العراق والجزيرة ، والشام وفلسطين والأردن وإيران ، واليمن ، ويتصرف في هذه


(288)
المناطق تصرف السلطان الأوحد. راجع عصر الظهور ص 207 وما فوق وأن التواجد الملحوظ للروم في ما بعد ناتج عن غزو شامل يقوم به الروم للعالم الإسلامي بعد أن تفهموا حجم المخاطر التي ستشكلها دولة الإمام المهدي على أنظمة الحكم السائدة في بلاد الغرب.

    بعد أن يوحد الإمام المهدي العالم الإسلامي ، ويقضي على جبابرته ، ويفتح كافة حصون الظلام فيه يبدأ الإمام المهدي بالاستعداد لمواجهة الغرب لفتح حصون الضلالة فيه ، والقضاء على جباريه وعلى حكم الظلمة فيه ، ونشر الإسلام في بلاد الغرب.
    ويبدو أن خطة الإمام المهدي ستتركز على عزل ظالمي الغرب عن شعوبهم ، وإقناع شعوب الغرب بأنه لا مصلحة لها بالدخول في حرب مع الإمام المهدي ، لأن الإمام المهدي مهمته أن ينقذ العالم من قبضة الظاليمن الجبابرة ، وأن يطهر الأرض من وجودهم ، وأن الله والمهدي والشعوب المظلومة يقفون في معسكر واحد ضد الظلمة.
    وعلى هذا وخدمة لهذا التوجه وبتوجيه الهي يقوم الإمام المهدي باستخراج تابوت السكينة من بحيرة طبرية ، ويستخرج النسخة الأصلية من الإنجيل والنسخة الأصلية من التوراة ، ويعلن الإمام المهدي وبكل وسائل الإعلان عن حيازته لهذه الأدلة المادية القاطعة ، والبراهين الساطعة ، ويلوح بعصا موسى وبحيازته لها ، وبكافة الآيات والمعجزات التي خصه الله تعالى بها ، ويفاخر بأن عيسى ابن مريم وزيره وتابعه ومن يصلي خلفه ، وسيحاول الإمام المهدي أن يفتح أبواب الحوار بينه وبين العالم الغربي ، وأن يتجنب الحرب معه ما وسعه الجهد طمعاً بتجنيب شعوب العالم الغربي ويلات حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. [ راجع أحاديث استخراج التابوت ، والتوارة والانجيل ذوات الأرقام 203 و 226 و 225 و 227 ].
    وخدمة لهذا التوجه يعقد الإمام المهدي معهم هدناً متعددة ، ويغض الطرف عن نقضهم لتلك الهدنة ، وتجري مبادلات تجارية بين دولة المهدي والعالم


(289)
الغربي حيث يختلف التجار المسلمون إلى بلادهم ، وتجار الغرب إلى العالم الإسلامي ، ويحاول الإمام المهدي أن يفتح أبواب الحوار بين الشرق والغرب وأن يوظف حالة الهدنة لصالح السلام الهادف. [ راجع الحديث رقم 224 ج‍ 1 ].

    يعقد الإمام المهدي مع الغرب هدنة ، [ الحديث رقم 221 ] ، فينقضوها ، ثم يعقد معهم أربع هدن فينقضونها أيضاً ، [ الحديث رقم 222 ] ، ويعبر الإمام المهدي عشر سنين ، [ الحديث رقم 223 و 224 ] ، ويفسر قادة الغرب رغبة الإمام المهدي بتجنب المواجهة العسكرية تفسيرا خاطئاً ، أو يكتشفون ما يرمي اليه الإمام المهدي ، ويدركون خطورة الرجل ، وقدرته على التأثير على شعوبهم ، وقوة حجته ونجاعة الأدلة المادية التي يحوزها من تابوت وتوراة وإنجيل وعصا موسى ، والتأثير الساحق لوجود المسيح ابن مريم معه ، لذلك يتناسى أئمة الضلالة في الغرب كافة خلافاتهم ، ويوحدون جيوشهم ، ويسلمون قيادتهم لأحد ملوكهم ثم يتفقون على شن حرب شاملة على دولة الإمام المهدي ، ويستغلون هدنهم مع المهدي لإتمام استعدادتهم العسكرية ، ويبدو أن أئمة الضلالة في الغرب يجهزون جيشاً قوامه 960 ألف مقاتل ، وثمانمائة سفينة. [ راجع الحديث رقم 223 والحديث رقم 232 ]. ويبدو أيضاً بان الطرفين سيتواجهان في أرض أفريقيا [ الحديث رقم 232 ] ، وأن الكفة سترجح لصالح المهدي وجنده ، وأن قادة الغرب سينسحبون لإعادة تنظيم قواتهم ، ثم يقبلون حيث سترسوا سفن الروم الغازية من صور إلى عكا عندئذٍ تبدأ الملاحم. [ راجع الحديث رقم 224 ] ، ويبدو أن نصارى المنطقة سيكتشفون خطورة الإمام المهدي ، وستجري بين قياداتهم وقيادة جيوش الغرب اتصالات ، وأن النصارى سيقدمون مساعدة للجيوش الغربية الغازية ، [ الحديث رقم 235 ].

    يبدو من الأحاديث النبوية أن قادة الغرب سيتحالفون مع الترك ومع اليهود


(290)
ضد الإمام المهدي ، [ راجع الحديث رقم 215 و 216و 217 ]. وأن القوات المتحالفة ستحصل على موضع قدم لها في أكثر من موقع وتشتبك مع المسلمين في اكثر من جهة ، ربما طمعاً بإجبار الجيش الاسلامي على تشتيت قواه ، ويبدو أيضاً بأن القوات المتحالفة ، جندت جيشاً عظيماً لم يَرَ الشرق في تاريخه له مثيلاً فقد روي عن النبي قوله ... ثم يأتيكم في ثمانين غاية تحت كل غاية اثني عشر ألفاً [ الحديث رقم 223 والحديث رقم 226 ] ، ويبدو أن قوات التحالف ستكون مصممة على هزيمة الإمام المهدي وجنوده ، لأن الأوامر المعطاة لقيادة تلك القوات بالقيام بحرق المراكب والسفن بعد رسوها في ساحل الشام ليشعر الجيش المتحالف أنه يُقاتل دفاعاً عن نفسه ويضطر إلى الثبات والاستبسال في القتال. [ راجع الحديث رقم 236 ] ، وينجح الغزاة ويستولون بالفعل على أكثر بلاد الشام برها ، وبحرها ويخربون بيت المقدس ولا يبقى من بلاد الشام بأيدي المسلمين إلا دمشق والمقسق وهو جبل بأرض الشام ، ويبدو أن الإمام المهدي يطلب من عماله على بقية الولايات الإسلامية إمداده ، وأن هذه الإمدادات ستبدأ بالوصول ، فيصل من اليمن 70 ألف مقاتل ، ويحاول الإمام المهدي أن يجمع الجزء الأكبر من قواته بالشام بعد أن تيقن من أن القوة الضاربة لقوات التحالف في الشام ، ويبدو أن المهدي ستكون قيادته الميدانية في اُنطاكية ، وهنالك ستنشب معركة کبرى بين الطرفين يستشهد فيها ثلاثون ألف مسلم منهم سبعون أميراً من أولياء الله ، ويتدفق الدم بغزارة من الطرفين حت تخوض الخيل بالدم. [ راجع الحديث رقم 235 ] ، ويصب الله غضبه على الروم فيهزمون هزيمة ساحقة ، ويبدو أن هذه المعركة وذيولها ستقصم ظهر الروم وحلفائهم لأنهم عندما قرروا غزو البلاد الاسلامية جندوا كافة طاقاتهم ، ورجالهم القادرين على حمل السلاح ، وتركوا بلادهم مفتوحة.
    وقد خسر الروم بهذه الملاحم قرابة ستمائة ألف مقاتل عدا الجرحي والمفقودين ، ويبدو أن الإمام المهدي سيعرف حقيقة الوضع العسكري في بلاد الغرب بدليل أنه وبعيد هذه الملاحم بقليل ، يجهز ألف وخمسمائة مركب ، لتحمل جيشه المؤلف من أربعة أجناد وهم جند المشرق ، وجند المغرب ، وجند الشام ،


(291)
وجند الحجاز لغايات غزو بلاد الغرب المفتوحة أمامه. ويبدو بأن المحن ، واليقين سيصقلا جيش الإمام المهدي حيث تصف الأحاديث ذلک الجيش بأنه متماسك ، ومؤمن ، ومتعاضد ، وكأن أفراده أولاد رجل واحد ، وأن الله سيذهب عنهم الشحناء والتباغض من قلوبهم فيسيرون من عكاء إلى رومية ، ويسخر الله لهم الريح كما سخرها لسليمان.
    وتؤكد الأحاديث النبوية بأن هذا الجيش سيفتح بلاد الغرب حتى يأتون مدينة يقال لها قاطع على البحر الأخضر المحدق بالدنيا ليس خلفه إلا أمر الله. [ راجع الحديث رقم 128 ] ، وتركز الأحاديث على فتح القسطنطنية خاصة ، [ راجع الحديث رقم 414 و 408 ] ، ويفتح الصين أيضاً وجبال الديلم [ الحديث رقم 663 ] ، ولا يمر بحصن إلا فتحه. [ الحديث 661 رقم ].

    وتؤكد الأحاديث النبوية أن الإمام المهدي سيحمل سيفه ، ولن يرميه حتى يملك العرب ، [ الحديث رقم 68 ] ، ويملك مشارق الأرض ومغاربها : « يفتح له ما بين المشرق والمغرب » [ الحديث رقم 127 ] ، « يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها » ، [ الحديث رقم 155 ] ويبلغ المغرب المشرق [ الحديث رقم 158 ] ، ولا يبقى على وجه الأرض الا من يقول لا آله الا الله ، [ الحديث رقم 309 ] ، ويحكم بين أهل المشرق والمغرب ، [ الحديث رقم 361 ] ، ويشمل مُلك المهدي العالم كله ، [ الحديث رقم 858 ] ، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها ، [ الحديث رقم 959 ].

    لا خلاف بين اثنين من المسلمين على نزول السيد المسيح ، وحتمية صلاته خلف الإمام المهدي ، وحتمية تأمر الإمام المهدي عليه ، وعلى كونه أحد وأبرز وزراء الإمام المهدي ، لكننا لا نعرف على وجه الجزم واليقين بأي مرحلة من المراحل سينزل السيد المسيح ، ويصلي خلف الإمام المهدي ، ويباشر مهام


(292)
وزارته في حكومة الإمام المهدي ، وغن كنا نرجح ان يكون نزول المسيح ، بعد دخر جيوش غزاة الغرب ، وخلال فترة استعدادات الإمام لفتح حصون الضلالة في العالم الغربي ، لأن عقلية الغرب آنذاك ستكون أكثر استعداداً وقابلية لسماع ما يقوله الإمام المهدي ، بعد أن تحطمت القوة العسكرية الضاربة في الغرب ، ويعد فشل تحالف أئمة الضلالة فيه.


(293)
    الفصل الثامن     لو استعرضنا تاريخ دولة الخلافة التاريخية ، والدول التي تعاقبت على حكم الأمة الإسلامية لتبين لنا بوضوح تام أن كافة الجماعات والأفراد الذين عرفوا رسول الله ، أو آمنوا به ، أو تظاهروا بهذا الايمان قد استفادوا من الملك العريض الذي بناه رسول الله ، فنالوا نصيباً من الجاه ، ونصيباً من النفوذ وبعض الأفراد والجماعات ، استولوا على ملك النبوة ، وكونوا في هذا الملك دولاً خاصة بهم ، تحمل أسماءهم ، أو اسماء عائلاتهم ، وعللوا ذلک بمبررات مختلفة وغير مقنعة ، ولكن تلك المبررات جميعاً تستند عملياً على القوة والقهر وكثرة الأتباع وتسخير موارد دولة الخلافة لتثبيت دعائم تلك الدول بعد إخراج تلک الموارد عن مصارفها الشرعية.
    والفئة الوحيدة التي لم تستفد من ملك النبوة ، ولم تنل نصيباً من جاه ولا نفوذ هذا الملك ، ولم تتمكن من تكوين دولة خاصة بها هم عترة النبي أهل بيته أو آل محمد ، مع أنهم الأقرب للنبي والأولى به !!! وأعظم من ذلك أن الذين استولوا على هذا الملك النبوي حوَّلوه إلى سوط من عذاب جلدوا به عترة النبي أهل بيته


(294)
وساموهم فيه سوء العذاب !!!

    علل الإمام الحسن العسكري أسباب نقمة مؤسسي وقادة دولة الخلافة التاريخية على آل محمد ، وحرمانهم من تكوين دولة خاصة بهم ، ويسوق الإمام العسكري الأمويين والعباسيين كمثال متاح على ذلك فيقول وبالحرف : « قد وضع بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين : 1 ـ أحدهما أنهم كانوا يعلمون انه ليس لهم في الخلافة حق ، فيخافون من ادعائنا اياها وتستقر في مركزها ، 2 ـ وثانيهما أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا ، وكانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة ، الظلمة ، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، طمعاً منهم في الوصول إلى منع توّلد القائم أو قتله فابى الله ان يكشف أمره لواحد منهم إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ». [ راجع الحديث رقم 1262 ج‍ 4 والمراجع المدونة تحته ]. وتحليل وتعليل الإمام العسكري من القوة والوضوح والإقناع بحيث أنه لا يحتاج إلى بيان.

    1 ـ ورث الخليفة الأول ملك النبوة ، وكوّن دولة فعلية لنفسه ولرهطه بني تيم بحجة أنه صاحب النبي ، ووالد زوجته ، وأنه ومن قريش عشيرة النبي ولما قال له الإمام علي ، بأنه وأهل البيت أولى برسول الله حياً وميتاً ، والرسول مثل شجرة ، عترته أهل بيته فروعها وأغصانها ، وقريش ظلالها ، وأشار الإمام إلي الأحاديث النبوية التي صدعت بخلافته للنبي ، وبالترتيب الإلهي لعصر ما بعد النبوة. قال الخليفة الأول بأن الخلافة شأن خاص بالمسلين وأن المسلمين قد اختاروه بالشورى ، وأجمعوا عليه ، وما ذكره الرسول في غدير خم ومناسبات متعددة حول ولاية الإمام على من بعده ومكانة أهل بيت النبوة وآل محمد ، ليست ملزمة ، لأنها صادرة من الرسول كبشر وليست وحياً إلهياً !! وأن الخلافة مرهونة بشورى المسلمين وموافقتهم.


(295)
    فأجابهم الإمام بأن الرسول لا ينطق عن الهوى ، وهو يتبع ما يُوحى اليه ، ولا يمكنه أن يتقول على الله ، أو يعلن أمراً بهذه الخطورة دون الموافقة الإلهية ، ثم لنفرض أن الامر شورى بين المسلمين فآل محمد عترته أهل بيته من المسلمين بل هم الناصية ، وعنوان الفخار ، فكيف تكون الخلافة دون استشارتهم ، لقد كانوا غيباً عن هذه الشورى ؟!
    فقالت بطون قريش التي كانت تقف خلف الخليفة بكل كثرتها وخيلائها وفخرها ونفوذها : يا على قد جادلتنا فأكثرت جدالنا ، فإما أن تبايع انت وعترة النبي أهل بيته واما ان تُقتلون !! فالتفت الإمام ولم يجد له معيناً إلا أهل بيته ، فضن بهم عن الموت ، فسلم لدولة بني تيم وبعد ستة شهور بايع وبايع معه أهل البيت.
    2 ـ ونظراً للجهود المضني التي بذلها عمر بن الخطاب بتوحيد بطون قريش وحلفائها ، وبإقامة دولة البطون الأولى عهد الخليفة الأول له بالخلافة فكانت مبررات استخلاف الثاني هي نفس مبررات استخلاف الأول وزادت عنها بعهد الأول وهكذا نشأت دولة فعلية لبني عدي وتقدم آل عدي على آل محمد.
    3 ـ والخليفة الثاني على فراش الموت عهد بالخلافة عملياً لعثمان بن عفان وهو حليف الأول والثاني ووزيرهما ، وصاحب الجهد الأعظم بإقامة دولتهما وهو عميد البيت الأموي وكان مبررات توليته هي نفس مبررات الخليفتين الأول والثاني ، والفارق أن الخليفة الثالث هو زوج ابنة النبي التي ماتت ولم تعقب وليس والد زوجة النبي وأن الثاني قد عهد إليه ، وهكذا قامت عملياً دولة بني أمية ولكن دون إعلان في البداية ، وفي مرحلة من مراحل الخليفة الثالث خاطب وزيره مروان بن الحكم المسلمين بقوله : « شاهت وجوهكم تريدون أن تسلبونا ملكنا » !!
    4 ـ لما آلت الخلافة إلى الإمام علي بن ابي طالب بنفس الوسائل والطرق التي أوجدتها بطون قريش ، ونفس المبررات التي تولى فيها الخلفاء الثلاثة الحكم وقفت بطون قريش وقفة رجل واحد ، ورفضت خلافة الإمام على ثم قتلته ، ثم رفضت خلافة ابنه لم تقبل الا بعد هزيمة آل محمد وعودة منصب الخلافة للبطون. لأنها لا تقبل بحكم آل محمد وترفض رفضاً أن تكون لهم دولة !!


(296)
ولا مانع لدى بطون قريش من أن تتكون دولة للموالي ، وللأنصار ، ولأي مسلم لكنها لا تقبل بدولة آل محمد ، قال الخليفة الثاني وهو على فراش الموت : « لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته واستخلفته » وسالم هذا من الموالي ولا يعرف له نسب في العرب ، فالخليفة الثاني يتمنى حياة الموالي الأموات ليوليهم الخلافة ، ويتجاهل وجود آل محمد تجاهلاً تاماً من الناحية العملية ، ولا يرى أن فيهم من هو أهل لتولي الخلافة » !!!
    5 ـ ومع أن معاوية بن أبي سفيان أبوه وأخوته هم الذين قادوا جبهة الشرك وقاوموا رسول الله وحاربوه طوال مدة 21 عاماً ، ولم يسلموا إلا بعد ان أحيط بهم فاضطروا مكرهين للتلفظ بالشهادتين إلا أنه وبعد أن وطد له الخلفاء الثلاثة استولى على منصب الخلافة بالقوة والقهر وأسس دولة خاصة بآل ابي سفيان وهم أعداء الله ورسوله الألداء وحجة معاوية ومبررات خلافته أنه القوي الغالب ، وأنه صحابي وأنه مسلم ، وأنه من عشيرة النبي ، وأن أخته هي إحدى زوجات النبي !!
    6 ـ بعد أن سقطت دولة آل أبي سفيان آلت الخلافة إلى ذرية عدو الله وعدو رسوله الحكم بن العاص ، الذي لعنه رسول الله ونفاه وحرم عليه أن يسكن معه في المدينة ، وحذر المسلمين من شروره ومع هذا كون دولة خاصة بآل الحكم بن العاص بحجة انه أموي ، وأنه أولى بمعاوية وأنه من قريش عشيرة النبي !! وصار المسلمون رعايا لهذه الدولة كما كانوا رعايا للدولة التي سبقتها ، وبايعوا خلفاءهم تماماً كما بايعوا الذين قبلهم.
    7 ـ وجمع العباسيون القوة ، وأعدوا وسائل الغلبة ، ورفعوا شعارات آل محمد ، فاستولوا على منصب الخلافة بالقوة والقهر كونوا دولة خاصة بآل العباس بحجة وبمبررات مفادها أنهم أحفاد العباس عم النبي ، لما قال لهم أهل بيت النبوة بأننا أحفاد النبي نفسه ، أحفاد عم النبي الشقيق ، وأنتم رفعتم شعاراتنا ، وتعرفون حقنا وأننا الأولى منكم ، وكنتم تتفرجون علينا ونحن نقتل ونسام سوء العذاب !! فيغضب العباسيون ويصبون على آل محمد فيضاً جارفاً من النقم والقتل والعذاب وكأنه ليس بين العباسيين وبين عترة النبي أية قرابة !!
    8 ـ وتتفكك الدولة العباسية ، ويغلب كل والٍ على ولايته ، ويؤسس له


(297)
ولأسرته دولة خاصة به ، بحجة أنه مسلم ، وأن الخليفة غير قادر على إدارة شؤون الخلافة ، وليس في تلك الولاية من هو أصلح ولا أنسب منه لقيادة الرعية.
    9 ـ ثم تطلع عائلة تركية ، وتجمع حولها أسباب القوة وتستولي بالغلبة على كافة أقاليم العالم الإسلامي وتخضع جميع المسلمين لسلطانها ويعلن كبير العائلة التركية « العثمانية » بأنه خليفة رسول رب العالمين لأنه يوجد خليفة ، ولايوجد من هو أنسب للخلافة منه !!
    ولأنه لا بد للمسلمين من خليفة !! ولأنه لا فرق بين عربي وعجمي !! وأن الأتقى هو الأكرم عند الله !! بمعنى أن كبير الأسرة العثمانية هو الأكرم عند الله !! والخلاصة أن العثمانيين قد تجاهلوا وجود أهل بيت النبوة كتجاهل الذين من قبلهم ، وتقدموا على أهل البيت كما تقدم الذين من قبلهم ، وقبل المسلمون بذلک أو تظاهروا بالقبول كما فعل آباؤهم من قبل. وبعد قرون تسقط دولة آل عثمان ، وبسقوطها يسقط نظام الخلافة التاريخية ، ولكن ثقافة تلك الخلافة ومناهجها التربوية والتعليمية قد استقرت نهائياً في النفوس ، فالملك لمن غلب ، والتبريرات الشكليه ما هي إلا ديكور. فرفعت الشرعية الإلهية من واقع الحياة ، وحل محلها التغلب والقوة ، وتفسحت أشداق المطامع ، وابواب ومنافذ التنافس ، وصار كل قوي يعتقد بأنه الأحق بالقيادة ، فتولى الأمر غير أهله ، وأهله ينظرون ، وقيل لكل إمام من أئمة بيت النبوة ، خاصة ولآل محمد عامة ، اما أن تقبلوا ما يرتبه الظلمة الجبارون أو تموتوا !! فآثر أهل بيت النبوة الحياة لا حياً فيها لأن الجبابرة قد أفسدوها بالفعل ، ولكن لينقلوا ما جرى للأجيال اللاحقة ، وليكشفوا التزييف والتضليل ، لعلّ جيل من الأجيال ينصفهم ، ويفهم عدالة قضيتهم ، ويفهم حجم الجريمة التي ارتكبها المجرمون بحق الله ورسوله وأهل بيته وخلاف قرون العذاب الألم كان أهل بيت النبوة يشكون بثهم وحزنهم إلى الله.

    الله سبحانه وتعالى يعلم بحركة الأحداث قبل وقوعها بداية وتفاصيل ونهاية


(298)
فما من أمة من الأمم إلا ويعلم الله تفاصيل وكليات الحركة المستقبلية لأفرادها فرداً فرداً ولجماعتها جماعة جماعة ، ويعلم الخط العام الذي ستسير عليه الأمة كلها من البداية وحتى النهاية ، ولأن الله رحيم بعباده ، فإنه يتولى بتوجيهاته الإلهية ترشيد الحركتين الخاصة بکل فرد وجماعة ، والعامة التي تخص الأمة كلها ، لكنه تعالى لا يجبر الجماعة ، ولا يجبر الأمة على فعل شيء ، لأنه لو وقع الاجبار لما كان للثواب أو العقاب معنى ، ولاختلت قواعد الابتلاء الإلهي ونواميسه ، والله سبحانه وتعالى يريد لهذه القواعد والنوامس أن تشق طريقها بموضوعية بدون تأثيرات ، ليكون الثواب عادلاً والعقاب عادلاً ولتتکون المقومات الموضوعية للحكم الإلهي العادل.
    لقد أكمل الله دينه ، وأتم نعمته ، ورضي الله بالإسلام ديناً للعرب ولكل خلق الله ونجح الرسول بتحويل العرب من دين الشرك إلى دين الإسلام ، وبإقامة دولة ايمانية وحدتهم ولأول مرة في التاريخ بكلفة بشرية لا تكاد أن تذكر ، وبلغهم الرسول كتاب الله كما أوحي اليه ، وبينه لهم كما أمره ، ولم يترك الرسول امراً من أمور الدنيا والآخرة فيه خير الا ورغبهم فيه ، ولا امراً فيه شر إلا وحذرهم منه ، واتسعت رحمة الرسول ورأفته بالجميع ، ولأن الرسول بشر فسيموت حتماً ، وحتى لا تفسد الأمور بعد موته وحتى لا ينهار ما بناه ، وضع الله سبحانه وتعالى ترتيبات الهية لعصر ما بعد النبوة ، فاختار الله اثني عشر إماماً ليحکموا الأمة من بعد النبي حتى قيام الساعة ، فأهلهم وأعدهم إعداداً إلهياً للقيادة والمرجعية بحيث يکون كل واحد منهم هو الوارث الوحيد لعلمي النبوة والكتاب في زمانه ، وهو المرجع الأوحد ليقول الناس في زمانه بحق ، أنه الأعلم والأفضل والأنقى والأقرب لله ولرسوله ، وأمر الله رسوله أن يعلن للامة أسماء القادة أو الأئمة أو الخلفاء أو النقباء والأمراء الذين اختارهم الله ، ولأن الرسول مأمور ، ويتبع ما يوحى اليه ، فقد سمى للامة قادتها من بعد وفاته ، وتسعة منهم لم يولدوا بعد ، وأمر الله رسوله بأن يعلن للناس بأن طاعة كل واحد من الاثني عشر هي طاعة لله ، ولرسوله ، وموالاتهم هي موالاة لله ولرسوله ، ومعاداتهم هي معاداة لله لرسوله ، والخروج على أي واحد منهم هو خروج على الله ورسوله ، وأكد الرسول كل ذلك وبكل


(299)
وسائل الاعلان والبيان ليحكم الله امره ويقيم حجته أمر الله رسوله بأن ينصب أول أولئك الأئمة ولياً للمؤمنين والرسول حياً ، وأن ياخذ له البيعة من المسلمين ، كافة ، وفي غدير خم أعلن الرسول أن حجته تلك ستكون حجة الوادع ، وأنه سيموت بعد عودته إلى المدينة بقليل حيث سيمرض ، ويموت في مرضه وأنه لن يلقى المجتمعين بعد عامهم ذلك ، وسألهم من وليکم ، ومن مولاكم ، وهل حقيقة أني وليكم ومولاكم ؟ فتعجب المسلمون وأجابوه بصوت واحد أنه الولي ، وأنه المولى فقال الرسول : من كنت وليه فهذا علي بن أبي طالب وليه ، ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، ولخص الرسول للمسلمين الموقف بقوله : « تركت فيكم ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي » حديث الثقلين بصيغه المتعددة ، ثم عمم علياً بن ابي طالب بعمامة ، وأجلسه ، وطلب من الجميع أن يبايعوه ، وبايعه الجيمع وعلى رأسهم الخلفاء الثلاثة الأول عرف المسلمون أن الخليفة الأول هو علي بن أبي طالب وأن الأحد عشر الأخرين من صلب على ومن ذرية النبي وأن آخرهم وخاتمهم محمد بن الحسن المهدي المنتظر ، وتفرق المسلمون وعادوا إلى منازلهم على هذا الأساس.

    ذهلت بطون قريش من هول ما سمعت ، فآل محمد وأهل بيته هم الذين قتلوا أبناء بطون قريش أثناء حربها للنبي ، وهم من بني هاشم ثم إن محمداً من بني هاشم ، فأي عدل هذا الذي يخص الهاشميين بالنبوة وبالخلافة إلى قيام الساعة ، ويحرم بقية البطون من الشرفين معاً !! إنه لمن المستحيل أن يأمر الله بذلك !! أو يرتب ذلك !! إنها مجرد أقوال لمحمد !! ومحمد بشر يتكلم في الغضب والرضي ، ولا ينبغي أن تُحمل كل أقواله على محمل الجد !! وحمل أقوال النبي المتعلقة بالخلافة من بعده على محمل الجد سيلحق ضرراً فاحشاً ببطون قريش ، ويجحف بحق المسلمين !!! والأصوب والأنسب والأوفق أن تکون النبوة لبني هاشم ، لا يشاركهم فيها احد والدولة والخلافة لبطون قريش لا يشارکهم فيها هاشمي قط ، ووقف المنافقون وقفه رجل واحد مع بطون قريش لأن المنافقين


(300)
يكرهون الظلم ، ويحبون العدالة !!! ووفقت المرتزقة من الأعراب مع بطون قريش أيضاً ، ووقفت كل العناصر التي حاربت النبي حتى أحيط بها فاضطرت مكرهة لإعلان إسلامها مع بطون قريش ، ووقف طلاب الدنيا مع بطون قريش ، وتكون من الناحية العملية حزب كبير يضم الأكثرية الساحقة من المسلمين ، للدفاع عن حقوق البطون ، وفي الجانب الآخر يقف النبي وأهل بيته وفئة مؤمنة قليلة العدد لا قدرة لهم على مواجهة هذا التيار الجارف الذي أوجدته عدالة البطون !!!

    حركة بطون قريش صارت علنية ، وغير خافية على أحد ، ونوايا البطون مكشوفة للجميع ، فالأكثرية الساحقة تعارض بشدة دولة آل محمد بتحريض من بطون قريش ولا بد للإسلام أن يقول رأيه بحركة البطون وأشياعهم ، فأوحى الله إلى نبيه بكل ما يجري ، وينطلق النبي من دائرة اليقين الوحي ليكشف ما تبيته البطون وليعلن أنها فتنة ، وأنها إن نجحت ستحل عرى الإسلام كلها ، ويسمى الرسول للمسلمين قادة الفتن كل باسمه ، ويبكي الرسول أمام المسلمين مخبراً إياهم بما أوحى الله اليه به ، من أنهم سينكلون بأهل بيته من بعده ، فيطردونهم ويشردونهم ويقتلونهم تقتيلاً ، وأنه سيسمون الحسن سبطه وسيقتلون الحسين وأهل بيته في كربلاء شر قتلة ، وسيلاحقون أهل بيته ويطاردونه طوال التاريخ ، ويتساءل النبي بحزن يدمي قلبه الشريف لم تفعلون ذلك ، وهل أستحق هذا منكم ؟ وهل هذا هو الأجر الذي تقدمونه لي لقاء هدايتي لكن ، وإنقاذكم !!
    أهل بيت النبوة والفئة المؤمنة القليلة كانوا موقنين بأن النبي يقول الحق ، وينشر ما أوحى اليه من ربه. وأن ما أخبر به النبي واقع لا محالة.
    وبطون قريش وقادتها ، وحلفاؤها أيقنوا أيضاً بأن محمداً قد كشفهم وأنه قد عرف حقيقة نواياهم ، وموقفهم الصارم من عترة النبي أهل بيته والمفاجآت التي يعدونها لهم ، ومعارضتهم ورفضهم القاطع لدولة آل محمد وكانوا يتوقعون من النبي لأن هذا رأي الأكثرية أن يقوم بإجراء تعديلات جوهرية على ترتيباته السابقة ،
حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: فهرس