هذين الغلامين (1) إبني رسول الله عليه وآله وسلم . ولكن قولوا : ابني علي عليه السلام .
قال ذكوان : فلما كان بعد ذلك ، أمرني أن أكتب بنيه في الشرف . قال : فكتبت بنيه وبني بنيه ، وتركت بني بناته .. ثم أتيته بالكتاب ، فنظر فيه ، فقال : ويحك ، لقد أغفلت كُبر بني ّ !
فقلت : من ؟
فقال : أما بنو فلانة ـ لابنته ـ بَنيَّ ؟ . أما بنو فلانة ـ لابنته ـ بنيّ ؟ .
قال : قلت : الله !! أيكون بنو بناتك بنيك ، ولا يكون بنو فاطمة بني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
قال : ما لك ؟ قاتلك الله ! لا يسمعنَّ هذا أحد منك ؟! .. » (2) .
2 ـ جاء عن الإمام الحسن عليه السلام محتجاً على معاوية قوله : « فأخرج رسول الله صلى الله عليه وآله من الأنفس معه أبي ، ومن البنين أنا وأخي ، ومن النساء فاطمة أمي ، من الناس جميعاً ، فنحن أهله ، ولحمه ودمه ، ونفسه ، ونحن منه وهو منا » (3) .
3 ـ قال الرازي في تفسير قوله تعالى : ( ومن ذريته داود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف .. ) إلى قوله : ( وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ) (4) . ـ بعد أن ذكر دلالة الآية على بنوة الحسنين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال ـ :
« ويقال : إن أبا جعفر الباقر استدل بهذه الآية عند الحجاج بن يوسف » (5) .
____________
1 ـ الغلام : الكهل . والطار الشارب ، فهو من الأضداد ، راجع : أقرب الموارد ج 2 ص 484 .
2 ـ كشف الغمة للأربلي ج 2 ص 176 .
3 ـ ينابيع المودة ص 479 عن الزرندي المدني ،وص 482 و 52 ، وتفسير البرهان ج 2 ص 286 وأمالي الطوسي ج 2 ص 172 .
4 ـ سورة الأنعام آية : 84 .
5 ـ تفسير الرازي ج 13 ص 66 ، وفضائل الخمسة من الصحيح الستة ج 1 ص 241 عنه

(39)

4 ـ احتج أمير المؤمنين علي عليه السلام يوم الشورى على المجتمعين ، بأن الله تعالى جعله نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وجعل إبنيه إبنيه ، ونساءه نساءه (1) .
5 ـ عن الشعبي ، قال : كنت عند الحجاج ، فأتِيَ بيحيى بن يعمر ، فقيه خراسان ، من بلخ ، مكبلاً بالحديد فقال له الحجاج : أنت زعمت : أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
فقال : بلى .
فقال الحجاج : لتأتيني بها واضحة بيّنة من كتاب الله (!!) ، أو لأقطعنَّك عضواً عضواً .
فقال : آتيك بها بيّنة واضحة من كتاب الله يا حجاج .
قال : فتعجبت من جرأته بقوله : يا حجاج .
فقال له : ولا تأتني بهذه الآية : ندع أبناءنا وأبنائكم .
فقال : اتيك بها بيّنة واضحة من كتا الله ، وهو قوله : ونوحاً هديناه من قبل ، ومن ذريته داود وسليمان .. إلى قوله : وزكريا ، ويحيى ، وعيسى . فمن كان أبو عيسى ، وقد ألحق بذرية نوح ؟!. قال : فأطرق الحجاج ملياً ، ثم رفع رأسه فقال : كأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله حلُّوا وثاقه .. إلخ » (2) .
____________
1 ـ ينابيع المودة ص 266 عن الدارقطني والصواعق المحرقة ص 154 وفضائل الخمسة ج 1 ص 250 ، وحياة أمير المؤمنين للسيد محمد صادق الصدر ص 205 عن الصواعق .
2 ـ تفسير الرازي ج 2 ص 194 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 164 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 2 ص 247 | 248 ، والدر المنثور ج 3 ص 28 عن ابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، والحاكم ، والبيهقي ، والغدير ج 7 ص 123 عن تفسير ابن كثير ج 2 | 155 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 89 ، وراجع العقد الفريد ج 5 ص 20 ونور القبس ص 21 | 22 والكنى والألقاب ج 1 ص 12 .

(40)

وفي نور القبس : أنَّ الحجاج طلب منه أن لا يعود لذكر ذلك ، ونشره.
6 ـ لسعيد بن جبير قصة مع الحجاج شبيهة بقصة يحيى بن يعمر ، فلا نطيل بذكرها (1) .
7 ـ سأل هارون الرشيد الإمام الكاظم عليه السلام ، فقال له : كيف قلتم : إنَّا ذرية النبي ، والنبي لم يعقب ، وإنما العقب للذكر لا للأنثى ، وانتم ولد البنت ، ولا يكون له قعب ؟ فسأله عليه السلام أيعفيه ، فلم يقبل ، فاحتج عليه ، عليه السلام بأن القرآن قد اعتبر عيسى من ذرية إبراهيم في آية سورة الأنعام ، مع أنه ينتسب إليه عن طريق الأم . ثم احتج عليه بآية المباهلة ، حيث قال الله تعالى فيها : ( وأبناءنا ) (2) .
8 ـ إن عمرو بن العاص أرسل إلى أمير المؤمنين عليه السلام يعيبه بأشياء ، منها : أنه يسمة حسناً وحسيناً ولَدَيْ رسول الله صلى عليه وآله . فقال لرسوله : « قُلْ للشانيء ابن الشانيء : لو لم يكونا ولديه لكان أبتر ، كما زعم أبوك » (3) .
9 ـ قال الحسين صلوات الله وسلامه عليه في كربلاء : « اللهم إنا أهل بيت نبيك ، وذريته وقرابته ، فأقصم من ظلمنا ، وغصبنا حقنا ، إنك سميع قيب .
فقال محمد بن الأشعث : أي قرابة بينك وبين محمد ؟! .
فقال الحسين : اللهم إن محمد بن الأشعث يقول : ليس بيني وبين محمد قرابة ، اللهم أرني فيه هذا اليوم ذلاً عاجلاً ، فاستجاب الله دعاءه الخ .. » (4) .
10 ـ وقد أوضح الباقر عليه السلام لنا أنه قد كانت سياسات الآخرين
____________
1 ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 89 | 90 .
2 ـ نور الأبصار ص 148 | 149 وعيون أخبار الرضا ج 1 ص 84 و 85 تفسير نور الثقلين ج 1 ص 289 |290 وتفسير الميزان ج 3 ص230 وتفسير البرهان ج 1 ص 289 .
3 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 20 ص 334 .
4 ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 249 ومقتل الحسين للمقرم ص 278 عنه .

(41)

تقضي بنفي بنوة الحسنين عليهما السلام للنبي صلى الله عليه وآله ، فراجع كلامه عليه السلام في ذلك (1) .
هذا ولهم عليهم السلام احتجاجات أخرى بآية المباهلة على خلافة أمير المؤمنين ، وعلى أفضليته عليه السلام ، وغير ذلك ، لا مجال لذكرها هنا (2) .

مفارقة :

وبعد أن اتضح : أن السياسة الأموية كانت تقضي أن يستبعد اسم علي عليه السلام من جملة من باهل بهم النبي صلى الله عليه وآله ثم نفي بنوة الحسنين عليهما السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله .
فإننا نجدهم يصرون على خؤولة معاوية للمؤمنين ، ويجعلون ذلك ذريعة للإنكار على من ذكر معاوية بسوء ، ولكنهم إذا ذكر محمد بن أبي بكر بسوء رضوا أو أمسكوا ومالوا مع ذاكره ، وخؤولته ظاهرة بائنة وقد نفرت قلوبهم من علي بن أبي طالب لأنه حارب معاوية وقاتله ، وسكنت قلوبهم عند قتل عمار ومحمد بن أبي بكر ، وله حرمة الخؤولة ، وهو أفضل من معاوية ، وأبوه خير من أبي معاوية ، وما ذلك إلا خديعة أو جهالة ، وإلا فلماذا لا يستنكرون قتل محمد بن أبي بكر ولا يذكرون خؤولته للمؤمنين ؟ (3) .

من مواقف الإمام الحسن عليه السلام :

نعم .. ولم يقتصر الائمة في تصديهم للمغرضين والحاقدين ، والوقوف في وجه سياساتهم تلك بحزم وصلابة ـ على مواقف الحجاج هذه ، بل تعدَّوا ذلك
____________
1 ـ راجع ـ تفسير القمي ج 1 ص 209 .
2 ـ لا بأس بمراجعة البحار ج 49 ص 188 وتفسير الميزان ج 2 ص 230 و 329 وتفسير البرهان ج 1 ص 286 و 287 وغير ذلك .
3 ـ مقتبس من كتاب : المعيار والموازنة ص 21 .

(42)

إلى المناسبات الأخرى ، واستمروا يعلنون بهذا الأمر على الملأ ، ويؤكدون عليه في كثير من المناسبات والمواقف الحساسة ، وكشفوا زيف تلك الدعاوى بشكل لا يدع مجالاً لأي شك أو ريب ..
وقد صدع الإمام الحسن عليه السلام بهذا الأمر في أكثر من مناسبة ، وأكثر من موقف ..
ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوَّته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحسب .. وإنما كان يهتم في التأكيد على أن حق الإمامة والخلافة له وحده ، ولا تصل النوبة إلى معاوية وأضرابه ، لان معاوية ليس فقط يفقد المواصفات الضرورية لهذا الامر ، وإنما هو يتصف بالصفات التي تنافيها وتنقضها بصورة أساسية .. وكمثالٍ على كل ذلك نذكر :
1 ـ أنه عليه السلام يخطب فور وفاة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ، فيقول : « أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا الحسن بن علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي » (1) .
لاحظ كلمة : « الوصي » في هذه العبارة الأخيرة .
وفي نصٍ آخر أنه قال : « فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وآله » (2) .
وقال حينئذٍ أيضاً : « أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، انا ابن السراج المنير ، انا ابن من اذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً ، انا من اهل بيت افترض الله طاعتهم في كتابه »
____________
1 ـ مستدرك الحاكم ج3 ص 172 وذخائر العقبى ص 138 عن الدولابي ، وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 173 عن الجنابذي على ما يظهر .
2 ـ مقاتل الطالبيين ص 52 وتفسير فرات ص 72 و70 وفي مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 126 : انا ابن نبي الله الخ .. وحياة الصحابة ج 3 ص 526 ومجمع الزوائد ج 9 146 وقال ك ورواه احمد باختصار كثير ، وإسناد احمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان . وتيسير المطالب ص 179 . وعن أمالي الطوسي ص 169 وعن إرشاد المفيد وعن طبقات ابن سعد ج 2 ص 25 ، وعن جمهرة الخطب ج 2 ص 7 .

(43)

الخ .. (1) ثم قام ابن عباس ، فقال : « هذا ابن بنت نبيكم ، ووثي إمامكم فبايعوه » (2) .
2 ـ وفي مناسبة اخرى في الشام ، طلب منه معاوية ـ بمشورة عمرو بن العاص ـ ان يصعد المنبر ، ويخطب ـ رجاء أن يحصر ـ فصعد المنبر ، فحمد الله ، واثنى عليه ، ثم اورد خطبة هامة ، تضمنت ما تقدم ، وسواه الشيء الكثير ، قال الراوي : « ولم يزل به حتى أظلمت الدنيا على معاوية ، وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ، ثم نزل . فقال له معاوية : أما إنك يا حسن قد كنت ترجو ان تكون خليفة ، ولست هناك !
فقال الحسن عليه السلام : اما الخليفة فمن سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وعمل بطاعة الله عز وجل . وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن ، واتخذ الدنيا أماً وأباً ، وعباد الله خولاً ، وماله دولاً ، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكاً ، فتمتع منه قليلاً ، كَأَنْ قد انقطع عنه .. » إلى آخر كلامه عليه
____________
1 ـ راجع : الفصول المهمة للمالكي ص 146 وتفسير فرات ص 70 و 72 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 159 وينابيع المودة ص 225 و 302 و 270 و 479 و 482 عن أبي سعد في شرف النبوة ، والطبراني في الكبير ، والبزار ، والزرندي المدني ، وغيرهم ، وارشاد المفيد ص 207 وفرائد السمطين ج 2 ص 120 ومستدرك الحكام ج 3 ص 172 ومجمع الزوائد ج 9 ص 46 وحياة الصحابة ج 3 ص 526 وذخائر العقبى ص 138 و 140 وعن الدولابي في الذرية الطاهرة ، ونزهة المجالس ج 2 ص 186 ، والمحاسن والمساوي ج ا ص 132 | 133 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 11 و 12 والاحتجاج ج 1 ص 419 والبحار ج 44 .. وامالي الشيخ الطوسي ج 1 ص 12 واعلام الورى ص 208 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 30 .
3 ـ ستأتي المصادر لذلك إن شاء الله تعالى ..
4 ـ البحار ج 43 ص 363 .

(44)

السلام (1) .
ونفس هذه القضية تذكر له مع معاوية ، حينما جرى الصلح بينهما في الكوفة (2) .
وهذا يؤيد ما ذكره البعض : من أن معاوية قد دس السم الى الإمام الحسن عليه السلام ، لأنه كان يقدم عليه الى الشام (3) .
3 ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب من الإمام الحسن عليه السلام : ان يصعد على المنبر ، ويخطب .. فصعد المنبر وخطب ، وصار يقول : أنا ابن ، أنا ابن .. إلى أن قال : « لو طلبتم ابناً لنبيكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي » (4) . ومن أراد الرواية بطولها فليراجع المصادر .
4 ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب منه : ان يصعد المنبر وينتسب ، فصعد ، وصار يقول : بلدتي مكة ومنى ، وانا ابن المروة والصفا ، وانا ابن النبي المصطفى .. الى ان قال : فاذن المؤذن ، فقال : اشهد ان محمداً رسول الله ، فالتفت الى معاوية ، فقال : أمحمد أبي ؟ أم أبوك ؟! فإن قلت : ليس بأبي ، كفرت ، وإن قلت : نعم ، فقد أقررت .. ثم قال : أصبحت العجم تعرف حق العرب بأنَّ محمداً منها ، يطلبون حقنا ، ولا يردون إلينا حقنا » (5) .
____________
1 ـ الاحتجاج ج 1 ص 419 والخرائج والجرائح ص 218 والكلام الاخير موجود أيضاً في مصادر أخرى فراجع الهامش التالي .
2 ـ ذخائر العقبى ص 140 عن أبي سعد ، وراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1ص 126 لكن فيه : أن ذلك كان بالمدينة ، والبحار ج 44 ص 122 والمحاسن والمساوي ج 1 ص 133 وليراجع شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 49 ومقاتل الطالبيين ص 73 والإمام الحسن لآل يس ص 110 ـ 114 وتحف العقول ص 164 .
3 ـ الغدير ج 11 ص 8 عن طبقات ابن سعد .
4 ـ المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 عن العقد الفريد والمدائني . وليراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 126 والبحار ج 43 ص 355 | 356 وعيون الاخبار لابن قتيبة ج 2 ص 172 .
5 ـ المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 والبحار ج 43 ص 356 وليراجع ج 44 ص 121 و122 وعن تحف العقول ص 232 والخرايج والجرايح ص 217 | 218 .

(45)

5 ـ وفي مناسبة أخرى ، طلب منه معاوية أن يخطب ويعظهم ، فخطب وصار يقول : أنا ابن رسول الله ، أنا ابن صاحب الفضايل ، أنا ابن صاحب المعجزات والدلايل ، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقي .. إلى أن قال : أنا إمام خلق الله ، وابن محمد رسول الله ، فخشي معاوية أن يتكلم بما يفتن به الناس ، فقال : إنزل ، فقد كفى ما جرى ، فنزل » (1) .
6 ـ بل لقد رأينا معاوية يعترف له بهذا الأمر ، فيقول له مرة في كلام له : « ولا سيما أنت يا أبا محمد ، فإنك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسيد شباب أهل الجنة » (2) .
ويدخل في هذا المجال أيضاً قول الإمام الحسن عليه السلام لأبي بكر ، وقول الإمام الحسين عليه السلام لعمر : انزل عن منبر أبي ، حسبما سيأتي ، إن كان المقصود بأبي : هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما يظهر من اعترافهما لهما . وإن كان المقصود به أباهما أمير المؤمنين ـ كما احتمله بعض المحققين ـ (3) فيدخل في مجال احتجاجاتهما عليهما السلام على أحقيتهم بالأمر ، دون كل أحد سواهم .. ويكونان قد انتزعا منهما اعترافاً صريحاً وهاماً في هذا المجال .

مواقف أخرى للأئمة وذريتهم الطاهرة :

وبعد ذلك ، فإنا نجد الإمام الحسين عليه السلام يخطب الناس ، ويقول : « أقررتم بالطاعة ، وآمنتم بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته ، تريدون قتلهم .. إلى أن قال : ألست أنا ابن بنت
____________
1 ـ أمالي الصدوق ص 158 .
2 ـ المحاسن والمساوي ج 1 ص 122 .
3 ـ هو المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله ..

(46)

نبيكم ، وابن وصيه ، وابن عمه » (1) .
ويقول في موضع آخر ،حينما اشتد به الحال : « ونحن عترة نبيك ، وولد نبيك ، محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي اصطفيته بالرسالة الخ .. » (2) .
ويقول في وصف جيش يزيد ، في يوم عاشوراء : « فإنما أنتم طواغيت .. إلى أن قال : وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيري عترة الأوصياء » (3)..
وقد اعترفوا له بذلك حينما ناشدهم ، فقال : انشدكم الله ، هل تعرفوني ؟ . : نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه » (4) .
وللإمام السجاد موقف هام في الشام ، حينما ألقى خطبته الرائعة ، فقال : « أيها الناس ، انا ابن مكة ومنى ، انا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا .. إلى أن قال : أنا ابن من حُمِلَ على البراق ، وبلغ به جبرائيل سدرة المنتهى .. » إلى آخر الخطبة التي كان من نتيجتها : أن « ضجَّ الناس بالبكاء ، وخشي يزيد الفتنة ، فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة » .. ولكنه عليه السلام قد تابع خطبته ، واحتجاجاته الدامغة على يزيد ، وتفرق الناس ، ولم ينتظم لهم صلاة في ذلك اليوم (5) .
وبعد ذلك .. فإننا نجد العقيلة زينب تقف في وجه يزيد لتقول له : « أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا ؟ .. »
وفيها : « واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » .
____________
1 ـ مقتل الحسين للمقرم ص 274 عن مقتل محمد بن أبي طالب الحايري .
2 ـ المصدر السابق عن الإقبال ، ومصباح المتهجد ، وعنهما في مزار البحار ص 107 باب زيارته يوم ولادته .
3 ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 7 وراجع : مقتل الحسين للمقرم ص 282 للاطلاع على مصادر أخرى .
4 ـ أمالي الصدوق ص 140 .
5 ـ راجع مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 69 | 70 ومقتل الحسين للمقرم ص 442 |443 عنه ، وعن نفس المهموم ص 242 .

(47)

وآله وسلم » ، إلى أن قالت : « ولتردنَّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته ولحمته » (1) .
وفي خطبة لها لأهل الكوفة : « الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار » . وفي نص آخر : « والصلاة عن أبي رسول الله » (2) .
وتقول فاطمة بنت الحسين في خطبة لها في الكوفة أيضاً : « .. وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ اولاده ذبحوا بشط الفرات » (3) .

على خطى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم :

وبعد .. بإنَّ ذلك لم يكن منهم عليهم السلام إلا أسوة منهم بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، الذيكان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ، وقد ورد عنه الثير مما يدل على إصراره صلى عليه وآله على تركيز فضية بنوة الحسنين عليهما السلام له صلى الله عليه وآله وسلم في ضمير الأمة ووجدانها ، بشكل لا يبقى معه أي مجال للشبهة ، أو الشك والترديد .. وكنموذج على ذلك نشير إلى :
1 ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم : هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني (4) . وفي نص آخر : هذان ابناي ، وابنا ابنتي ، اللهم إني أحبهما ، وأحب
____________
1 ـ بلاغات النساء ط دار النهضة ص 35 و 36 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 64 و 65 ومتل الحسين للمقرم ص 450 | 451 .
2 ـ راجع : الأمالي للشيخ الطوسي ج 1 ص 90 ومقتل الحسين للمقرم ص 385 عنه وعن أمالي ابنه ، وعن اللهوف ، وابن نما ، وابن شهر آشوب ، والاحتجاج للطبرسي .
3 ـ مقتل الحسين للمقرم ص 390 .
4 ـ ذخائر العقبى ص 124 ، وصفة الصفوة ج 1 ص 763 ، وتاريخ ابن عساكر ج 4 ص 206 وكنز العمال ط 2 ج 6 ص 221 والغدير ج 7 ص 124 عن مستدرك الحكام ج 3 ص 166 ونقل عن الترمذي ، رقم 3772 .

(48)

من يحبهما (1) .
وفي رواية أخرى عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأخذ حسناً ، فيضمه إليه ، ثم يقول : اللهم إن هذا ابني ، وأنا أحبه ، فأحببه ، وأحب من يحبه (2) .
2 ـ كما أنه صلى الله عليه وآله بمجرد ولادة أحدهما يقول لأسماء : هلمي ابني ، كما تقدم .
3 ـ وقول : إن ابني هذا سيد (3) .
4 ـ كما أنه صلى الله عليه وآله يجلس في المسجد ، ويقول : أدعوا لي ابني ، قال : فأتى الحسن يشتد .. إلى أن قال : وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يفتح فمه في فمه ، ويقول : اللهم إني أحبه ، فأحبَّه ، وأحبَّ من يحبه ، ثلاث مرات (4) .
5 ـ وعنه صلى الله عليه وآله إنه قال : كل ابن آدم ينتسبون إلى عصبة أبيهم ، إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم ، وأنا عصبتهم (5) .
____________
1 ـ ينابيع المودة ص 165 عن الترمذي ، وتاريخ الخلفاء ص 189 والمعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 200 وخصائص الإمام علي للنسائي ص 124 ومجمع الزوائد ج 9 ص 180 وراجع : مستدرك الحاكم ج 3 ص 166 و 171 وذخائر العقبى ص 124 وفي هامش الخصائص للنسائي عن كفاية الطالب ص 200 وكنز العمال ج 6 ص 220 وعن الترمذي ج 2 ص 240 وغيرهم .
2 ـ كنز العمال ج 16 ص 262 ط 2 ومجمع الزوائد ج 9 ص 176 ، وترجمة الإمام الحسن بن علي عليهما لابن عساكر ، بتحقيق المحمودي ص 56 ، وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ج 1 ص 20 ط 1 .
3 ـ مصادر ذلك كثيرة ، لايكاد يخلو منها كتاب ، ولذا فلا حاجة لتعدادها ..
4 ـ ذخائر العقبى ص 122 عن الحافظ السلفي ..
5 ـ الصواعق المحرقة ص 154 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 164 ، وتاريخ بغداد ج 11 ص 285 ، وينابيع المودة ص 261 وفرائد السمطين ج 2 ص 69 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 68 وإحقاق الحق ج 9 ص 644 ـ 655 عن مصادر كثيرة حداً وذخائر العقبى ص 121 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 3 ص 149 ، وعن كنز

(49)

وحسبنا ما ذكرناه في هذا المجال ، فإن استقصاء ذلك مع مصادرة متعسر ، بل متعذر في هذه العجالة ، لا سيما وأن علينا أن نوفر الفرصة لبحوث أخرى عن الحياة السياسية للإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام . ومن أراد المزيد من النصوص الداله على بنوة الحسنين عليهما السلام فليراجع الغدير ج 7 ص 124 ـ 129 (1) .

ج : شهادة الحسنين على كتابٍ لثقيف :

وبعد كل ما تقدم .. فإننا نجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكتب كتاباً لثقيف ، ويثبت فيه شهادة علي والحسنين صلوات الله وسلامه عليهم .
قال أبو عبيد : « وفي هذا الحديث من الفقه إثباته شهادة الحسن والحسين . وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين أن شهادة الصبيان تكتب ويستنسبون : فيستحسن ذلك . فهو الأن في سنة النبي صلى الله عليه وآله » (2) .
وقال الكتاني : « فيه من الفقه إثباته صلى الله عليه وآله شهادة الصبيان ، وكتابة أسماهم قبل البلوغ . وإنما تقبل شهادتهم إذا أدوها بعد البلوغ . وفيها أيضاً شهادة الإبن أيضاً مع شهادة أبيه في عقد واحد 1 هـ نقله في نور النبراس » انتهى (3) .
____________
= العمال ج 6 ص 216 و 215 وعن مجمع الزوائد ج 9 | 172 .
1 ـ وليراجع أيضاً ـ على ما ذكره المحقق العلامة الاحمدي ـ : ينابيع المودة ص 259 و138 و 146 و 214 و 183 و 182 و 255 و 136 و 221 و 258 و 222 و 331 و 250 وإسعاف الراغبين ص 132 و 133 وكفاية الطالب ص 235 و 237 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 158 و 159 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 126 وابن عساكر ج 4 ص 152 و 203 و 204 .
2 ـ الاموال ص 289 |280 وراجع : التراتيب الإدارية ج 1 ص 274 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 273 وراجع : طبقات ابن سعد ج 1 ص 33 .
3 ـ التراتيب الإدارية ج 1 ص 274 .

(50)

وقال محمد خليل هراس في تعليقه له على الأموال : « ولا يجوز القول بأن تلك خصوصية لهما رضي الله عنهما : إذ لا دليل عليها ومادام الطفل مميزاً يجب أن تعتبر شهادته فإنه قد يحتاج إليها .. » (1) .
ونقول : ألم يجد النبي أحداً من الصحابة يستشهده على ذلك الكتاب الخطير الذي يرتبط بمصير جماعة كثيرة سوى هذين الصبيين ؟! وهل كان وحيداً فريداً حينما جاءه وفد ثقيف ، وكتب لهم ذلك الكتاب حتى احتاج إلى استشهاد ولدين صغيرين لم يبلغا الخمس سنوات ؟!
إن أدنى مراجعة للنصوص التاريخية لتبعد كل البعد هذا الاحتمال الأخير ، حيث إنها صريحة في أن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قد ضرب لهم قبة في المسجد ليسمعوا القرآن ، ويروا الناس إذا صلوا وكان خالد بن سعيد بن العاص حاضراً وكان خالد بن الوليد هو الكاتب ، ومع ذلك لم يشهدا على الكتاب ..
أخيراً .. فقد نص ابن رشد على أن العدالة تشترط في الشاهد بإجماع المسلمين . ثم قال : « وأما البلوغ فإنهم اتفقوا على أنه يشترط حيث تشترط العدالة . واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح وفي القتل : فردها جمهور فقهاء الأمصار لما قلناه من وقوع الإجماع على أن من شرط الشهادة العدالة ، ومن شرط العدالة البلوغ : ولذلك ليست في الحقيقة شهادة عند مالك ، وإنما هي قرينة حال .. » (2) .
وبعد كل ما تقدم ... فإننا نفهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يظهر امتيازاً للحسنين عليهما السلام ، وأنهما كانا على درجة عالية من التمييز والتعقل التام في هذا الوقت المبكر جداً من سنهما ، وأنهما مؤهلان لأن يتحملا مسؤوليات جسام حتى في المعاهدات السياسية الخطيرة كهذه المعاهدة بالذات ، وبالأخص بالنسبة لقبيلة ثقيف المعروفة بعدائها القوي للإسلام وللمسلمين .
____________
1 ـ الأموال هامش ص 280 .
2 ـ بداية المجتهد ج 2 ص 457 .

(51)

د : بيعة الرضوان :

1 ـ قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ، عن الحسنين عليهما الصلاة والسلام : « وكان من برهان كمالهما عليهما السلام ، وحجة اختصاص الله تعالى لهما ، بعد الذي ذكرناه من مباهلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهما ، بيعة رسول الله لهما ، ولم يبايع صبياً في ظاهر الحال غيرهما ، ونزول القرآن بإيجاب ثواب الجنة لهما على عملهما ، مع ظاهر الطفولية فيهما ، ولم ينزل بذلك في مثلهما ، قال الله تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حْبِّهِ مِسكيناً ، وَيَتِيماً وَأَسيراً ) (1) .
2 ـ وقال الخليفة المأمون العباسي ، في ضمن احتجاجاته على أهل بيته فيما يتعلق بالإمام الجواد عليه السلام :
« ويحكم ، إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل . وإن صغر السن لا يمنعهم من الكمال . أما علمتم : أن رسول الله صلى الله عليه وآله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام ، وحكم له به ، ولم يدعُ أحداً في سنه غيره ؟ وبايع الحسن والحسين عليهما السلام وهما دون الست سنين ، ولم يبايع صبياً غيرهما ؟ أو لا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم ، وأنهم ذرية بعضهما من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم الخ ... » (2) .
وروي عن الصادق أيضاً : أنه « لم يبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لم يحتلم إلا الحسن والحسين ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عباس رضي
____________
1 ـ الإرشاد ص 219 وفدك للقزويني هامش ص 16عنه .
2 ـ الاحتجاج ج 2 ص 245 والبحار ج 50 ص 78 عنه ، والإرشاد للمفيد ص 363 ، وتفسير القمي ج 1 ص 184 | 185 وراجع : الحياة السياسية للإمام الجواد عليه السلام ، حين الكلام حول قضية تزويج المأمون ابنته للإمام ، فقد ذكرنا عنه مصادر كثيرة .

(52)

الله عنهم » قال : ولم يبايع صغيراً إلا منا (1) .
وذلك بكذِّب دعوى البعض : بايع النبي صلى الله عليه وآله عبد الله بن الزبير ، وهو ابن سبع سنين (2) وقد كان انتحال الفضائل أمراً معروفاً عن الزبيريين وبني أمية .
ولكن ما تقدم عن المأمون ، وعن الشيخ المفيد يوضح : أن إضافة ابن عباس ، وابن جعفر إنما هي من تزيُّد الرواة ، حيث ينفي المأمون بشكل قاطع ـ وكذلك ينفي المفيد ـ أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم قد بايع صبياً غيرهما ، وذِكر ذلك في مقام الاحتجاج ، يدل على التسالم على ذلك الأمر آنئذٍ . وأن ما ورد في هذا النص الأخير ، قد أضيف إليه بعد ذلك الزمان ..
وواضح : أنه إذا كانت البيعة تتضمن إعطاء التزام وتعهد للطرف الآخر ، بتحمل مسؤوليات معينة ، ترتبط بمستقبل الدعوة والمجتمع ، وحمايتهما من كثير من الأخطار التي ربما يتعرضان لها ، فإن معنى ذلك هو أن النبي صلى عليه وآله وسلم قد رأى في الحسنين عليهما السلام ـ على صغر سنهما ـ أهلية وقابلية لتحمل تلك المسؤوليات الجسام ، والوفاء بالالتزامات التي أخذا على عاتقهما الوفاء بها ...
وقد يتخيل البعض هنا : أن التكليف قد كان حينئذٍ منوطاً بالتمييز ، فأخذ البيعة منهما لا يعبر عن امتياز ذي شأن لهما ، سوى أنهما قد امتلكا صفة التمييز في وقت مبكر ، فتبعها تعلق التكليف بهما ...
والجواب عن ذلك :
____________
1 ـ ينابيع المودة ص 375 عن فصل الخطاب لمحمد ڈپارسا البخاري ، عن النووي على ما يبدو وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص 150 وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ، ترجمة الإمام الحسين الحديث رقم 77 وحياة الصحابة ج 1 ص 250 ومجمع الزوائد ج 6 ص 40 عن الطبراني وقال : هو مرسل ورجاله ثقات والعقد الفريد ج 4 ص 384 من دون ذكر ابن عباس .
2 ـ التراتيب الإدارية ج 1 ص 222 عن القرطبي .

(53)

أولاً : إن ما يقال من إناطة التكليف بالتمييز قد انتهى امده قبل ذلك بزمان وبالذات في عام الخندق ـ في السنة الخامسة أو الرابعة للهجرة النبوية (1) ـ في قضية قبول ابن عمر في الغزو ، حيث انيط التكليف بالسن منذئذ .. حسبما ذكروه ..
وثانياً : أننا لو سلمنا ذلك .. فيرد سؤال ، وهو : لماذا اختص ذلك بالحسنين صلوات الله عليهما ، دون غيرهما من سائر الناس ؟ . أم يعقل : أنه لم يكن ثمة مميز غيرهما ؟ حتى ولو كان له من العمر إثنا عشر أو ثلاثة عشر سنة ، أونحو ذلك ؟ .. إن ذلك يكشف ولا شك عن امتياز خاص لهما ، لم يشركهما فيه أحد من الخلق ، كما قرره المأمون ، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ...
وثالثاً : إن التمييز ومجرد التكليف لا يكفي في أحيان كثيرة ، وذلك لأن طبيعة المسؤوليات التي يراد الاضطلاع بها في بعض المواضع تقتضي وجود قدرات وملكات وإمكانات إيمانية وفكرية معينة ، لا بد من توفرها في ذلك الشخص الذي يعدُّ لذلك .. ومورد بيعة الرضوان من هذا القبيل .
ومما يوضح ذلك : أننا نجد كثيرين ممن أظهروا قدرتهم على تحمل تلك المسؤوليات ، وقبلت منهم البيعة ـ كما كان الحال بالنسبة لبيعتهم لأمير المؤمنين يوم الغدير ، وحينما أصبح خليفة ، وغير ذلك ـ لم يفوا ببيعتهم ، واتضح أنهم لم يكونوا حائزين على تلك القدرات التي ينبغي توفرها في من يعطي التزاماً ، ويتحمل مسؤوليات كبيرة ذات طبيعة رسالية رائدة ...

الحسن والحسين إمامان :

وبعد كل ماتقدم ، فإننا نعرف المغزى العميق لقوله صلى الله عليه وآله :
____________
1 ـ راجع : حديث الإفك ( تاريخ ودراسة ) ص 96 ـ 99 .
(54)

« الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » . أو ما هو بمعنى ذلك ، حسبما تقدم في أوائل هذه الدراسة ، رغم أنهما عليهما السلام ربما لم يكن عمرهما حينئذٍ قد تجاوز عدد اصابع اليد الواحدة .. ونجد الإمام الحسن عليه السلام يستدل بهذا القول على من يعترض عليه في صلحه مع معاوية (1).
وإذا كان البعض يريد أن يدعي : أن خلافة الإمام الحسن عليه السلام إنما كانت باختيار من المسلمين وبيعتهم ، ولم تكن بوصية حتى من أبيه (2) ...
فإن هذا القول ، وسائر ما تقدم ، يدفع كل ذلك ويدحضه ..
ولدينا من النصوص التي تؤكد على وصاية أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة له من بعده الشيء الكثير ...
ويمكن أن نذكر منها هنا :
1 ـ قول الإمام الحسن عليه السلام في كتابه لمعاوية : « .. وبعد .. فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاّني هذا الأمر بعده » (3) .
2 ـ وقال ابن عباس ، بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام : هذا ابن بنت نبيكم ، ووصي إمامكم ، فبايعوه » (4) .
____________
1 ـ راجع علل الشرايع ج 1 ص 211 .
2 ـ جاء ذلك في مجلة المجتمع الكويتية ، في بعض أعدادها قبل سنوات ، وفي مروج الذهب ج 2 ص 414 : إن أمير المؤمنين عليه السلام لم يعهد ..
3 ـ راجع : مقاتل الطالبيين ص 55 | 56 والفتوح لابن اعثم ج 4 ص 151 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 31 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 36 ـ 40 والبحار ج 44 ص 64 هم كشف الغمة ، وحياة الحسن بن علي عليه السلام للقرشي ج 2 ص 29 ، وراجع : همش أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي) ج 3 ص 31 وفي بعض المصادر « ولاَّني المسلمون الأمر » .
3 ـ الفصول المهمة للمالكي ص 46 وأعلام الورى ص 209 والإرشاد للمفيد ص 207 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 16 ص 30 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 164 ومقاتل الطالبيين ص 34 و 52 ، وحياة الحسن للقرشي ج 2 ص 10 وعن إثبات الهداة ج 5 ص 139 و 134 و 136 والبحار عن أبي مخنف .