الفصل الثالث :

في عهد عثمان



(130)


(131)

الإمام الحسن عليه السلام في وداع أبي ذر :

« يا عماه ، لولا أنه لا ينبغي للمودع أن يسكت ، وللمشيع أن ينصرف ، لقصر الكلام ، وإن طال الأسف . وقد أتى من القوم إليك ما ترى ، فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها ، واصبر حتى تلقى نبيك صلى الله عليه وآله ، وهو عنك راض » (1) .
تلك هي كلمات الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه ، وهو يودع مع أبيه ، وأخيه ، وعمه عقيل ، وابن عمه عبد الله بن جعفر ، وابن عباس ـ أبا ذر ، ذلك الصحابي الجليل ، الذي جاهد وناضل القوم في سبيل الدين والحق . ولاقى منهم ما لاقى من اضطهاد وإهانة وبلاء ، حتى قضى غريباً ، وحيداً فريداً في « الربذة » : منفاه .
هي كلمات ناطقة بموقفه القائم على أساس العقيدة والحق ، تجاه تصرفات وأعمال الهيئة الحاكمة : « القوم » .
وهو بكلماته هذه يساهم في تحقيق ما كان يرمي إليه أبو ذر من أهداف ، حيث كان لا بد من إطلاق الصرخة ، لإيقاظ الأمة من سباتها ، وتوعيتها على حقيقة ما يجري وما يحدث ، وإفهامها : ان الحاكم لا يمكن أن يكون أبداً في
____________
1 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 8 ص 253 والغدير ج 8 ص 301 عنه ، وأشار إلى ذلك اليعقوبي في تاريخه ج 2 ص 172 وعن : الوافي ج 3 ص 107 والبحار ج 22 ص 412 و 436 . وراجع أيضاً روضة الكافي ج 8 ص 207 .
(132)

منأى عن المؤاخذة ، ولا هو فوق القانون ، وإنما هو ذلك الحامي له ، والمدافع عنه ، فإذا ما سوّلت له نفسه أن يرتكب أية مخالفة ، أو أن يستغل مركزه في خدمة أهوائه ومصالحه الشخصية ، فإن بإمكان كل أحد أن يقف في وجهه ، ويعلن كلمة الحق ، ويعمل على رفع أي ظلم أو حيف يصدر منه .
ومن جهة أخرى ... فإنه إذا كانت الظروف لا تسمح لأمير المؤمنين وسبطيه عليهم السلام ، وآخرين ممن هم على خطهم لأن يقفوا موقف أبي ذر ، فإن عليهم ـ على الأقل ـ أن يعلنوا عن رأيهم ـ الذي هو رأي الإسلام ـ فيه ، وفي مواقفه ، فإن ذلك من شأنه : أن يعطي موقفه العظيم ذاك بعداً إعلامياً ، وعمقاً فكرياً وسياسياً ، يحمي تلك المعطيات والنتائج التي ستنشأ عنه .. فكانت مبادرتهم ـ إلى جانب مبادرات أخرى لأمير المؤمنين عليه السلام خاصة ، لامجال لذكرها هنا ـ لتوديعه ، رغم منع السلطة ، ثم جرى بينهم وبين مروان ، ثم بينهم وبين عثمان ما جرى ، حسبما ذكره ، أو أشار إليه غير واحد من المؤرخين (1) .
وإذا تأملنا في كلمات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه لأبي ذر في ذلك الموقف ، فإننا نجدها تتضمن : تأسفه العميق لما فعله القوم بأبي ذر ، ثم هو يشجعه على الاستمرار على موقفه ، ويعتبر أن فيه رضى النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن ثم رضى الله سبحانه وتعالى ..
كما أنه يحاول التخفيف عن أبي ذر ، وإعطائه الرؤية الصحيحة ، التي من شأنها أن تخفف من وقع المحنة عليه ، وتسهل عليه مواجهة البلايا التي تنتظره ، وذلك حينما يأمره عليه السلام بأن : يضع عنه الدنيا ، بتذكر فراغها ، وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها .
فإن هذه الكلمات بالذات قد تكفلت ببيان السر الحقيقي ، الذي يجعل شخصية الإنسان المسلم أقوى من كل ما في الدنيا من أسلحة وقدرات تملكها
____________
1 ـ راجع : مروج الذهب ج 2 ص 339 ـ 342 وشرح النهج للمعتزلي ج 8 ص 252 ـ 255 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 172 | 173 والفتوح لابن أعثم ج 2 ص 159 و 160 .
(133)

قوى البغي والشر ، وتجعله على استعداد لأن يضحي بكل شيء حتى بنفسه ، بكل رضا وثقة واطمئنان ، بل وباندفاع يحمل معه شعوراً غامراً بالسرور والهناء ، بل وبالفرحة والسعادة .

اشتراك الإمام الحسن عليه السلام في الفتوح :

1 ـ ويقولون : إنه في سنة ثلاثين غزا سعيد بن العاص طبرستان ، وكان أهلها في خلافة عمر قد صالحوا سويد بن مقرن على مال بذلوه ، ثم نقضوا ، فغزاهم سعيد بن العاص ، ومعه الحسن ، والحسين ، وابن عباس (1) .
قال أبو نعيم بالنسبة إلى الإمام الحسن عليه السلام : « دخل أصبهان غازياً ، مجتازاً إلى غزاة جرجان » (2) .
وعده السهمي هو وأخاه الحسين عليه السلام ممن دخل جرجان (3) .
2 ـ وفي مناسبة فتح افريقية يقولون : إن عثمان جهز العساكر من المدينة ، وفيهم جماعة من الصحابة ، منهم ابن عباس ، وابن عمر ، وابن عمرو بن العاص ، وابن جعفر ، والحسن والحسين ، وابن الزبير ، وساروا مع عبد الله بن أبي سرح سنة ست وعشرين (4) .
____________
1 ـ الفتوحات الإسلامية ج 1 ص 175 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 109 وتاريخ الطبري ج 3 ص 323 ، وفتوح البلدان للبلاذري بتحقيق المنجد ، قسم 2 ص 411 ، وتاريخ ابن خلدون ج 2 قسم 2 ص 135 والبداية والنهاية ج 7 ص 154 ، وحياة الإمام الحسن عليه السلام للقرشي ج 1 ص 96 ، وسيرة الأئمة الاثني عشر ج 1 ص 536 وج 2 ص 17 عن ابن خلدون والطبري .
2 ـ ذكر أخبار أصفهان ج 1 ص 44 وراجع ص 43 و 47 .
3 ـ تاريخ جرجان ص 7 .
4 ـ العبر ( تاريخ ابن خلدون ) ج 2 قسم 1 ص 128 وحياة الحسن عليه السلام للقرشي ج 1 ص 95 وسيرة الأئمة الاثني عشر ج 2 ص 16 ـ 18 و ج 1 ص 535 عن ابن خلدون وعن الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى للناصري السلاوي ج 1 ص 39 .

(134)

التفسير والتوجيه :

وقد حاول البعض توجيه ذلك على أساس : أنه عليه السلام يريد أن يرى اتساع نفوذ الإسلام ، حيث إن في هذه الفتوحات خدمة للدين ، ونشراً للإسلام ، فدخل عليه السلام ميدان الجهاد « والجهاد باب من أبواب الجنة » وألقى الستار على ما يكنه في نفسه من الاستياء على ضياع حق أبيه .. وذلك لأن أهل البيت عليهم السلام ما كان همهم إلا الإسلام والتضحية في سبيله (1) .
وعلى حد تعبير الحسني : « وليس بغريب على علي بن أبي طالب وبنيه أن يجندوا كل إمكانياتهم وطاقاتهم في سبيل نشر الإسلام ، وإعلاء كلمته . وأذا كانوا يطالبون بحقهم في الخلافة فذاك لأجل الإسلام ونشر تعاليمه ، فإذا اتجه الإسلام في طريقه ، فليس لديهم ما يمنع من أن يكونوا جنوداً في سبيله ، حتى ولو مسهم الجور والأذى وقد قال أمير المؤمنين أكثر من مرة : والله لأ سالمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جور إلا عليَّ خاصة » (2) .
ويعلل رحمه الله تعالى عدم اشتراك الحسنين في المعارك الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب ، بالرغم من أنها قد بلغت ذروتها في مختلف المناطق ، والانتصارات يتلو بعضها بعضاً ، والأموال والغنائم تتدفق على المدينة من هنا وهناك .. وبالرغم من أن الإمام الحسن عليه السلام كان في السنين الأخيرة من خلافة عمر قد أشرف على العشرين من عمره ، وهو سن مناسب للاشتراك في الحروب ، التي كان يتهافت المسلمون كهولاً وشباباً وشيوخاً على الاشتراك بها
____________
1 ـ راجع : حياة الحسن عليه السلام للقرشي ج 1 ص 95 و 96 وسيرة الأئمة الاثني عشر ج 1 وج 2 ص 16 ـ 18 .
وكلمة علي عليه السلام الأخيرة في نهج البلاغة ج 1 ص 120 | 121 الخطبة رقم 71 ط عبده.
2 ـ سيرة الأئمة الاثني عشر ج 1 ص 536 وراجع ص 317 .

(135)

ـ يعلل رحمه الله ذلك بقوله : « لعل السبب في ذلك يعود إلى انصراف أمير المؤمنين عن التدخل في شؤون الدولة والحياة السياسية ، ومما لا شك فيه : أن عدم اشتراك الإمام في الحروب والغزوات لم يكن مرده إلى تقاعس الإمام ، وحرصه على سلامة نفسه . بل كان كما يذهب أكثر الرواة والمؤرخين لأن عمر بن الخطاب قد فرض على الكثير من أعيان الصحابة ما يشبه الإقامة الجبرية لمصالح سياسية يعود خيرها إليه ، وبقي الحسن السبط إلى جانب والده منصرفاً إلى خدمة الإسلام ، ونشر تعاليمه ، وحل ما يعترض المسلمين من المشاكل الصعاب » (1) .

الرأي الصواب :

ولكننا بدورنا ، لا نستطيع قبول ذلك ، ونعتقد : أن الحسنين عليهما السلام لم يشتركا في أي من تلك الفتوحات .. ونرى أن تلك الفتوحات لم تكن ـ عموماً ـ في صالح الإسلام ، إن لم نقل : إنها كانت ضرراً ووبالاً عليه ، ونستطيع أن نجمل ما نرمي إليه هنا على النحو التالي :

ألف : آثار الفتوح على الشعوب التي افتتحت أرضها :

إن من الواضح : أن تلك الفتوحات لم يكن يتبعها أي اهتمام ـ من قبل ـ الهيئة الحاكمة بإرشاد الناس ، وتعليمهم ، وتثقيفهم ، وتربيتهم تربية دينية صالحة ، بحيث يتحول الإسلام في داخلهم إلى طاقة عقائدية ، تشحن وجدان الإنسان وضميره بالمعاني السامية ، والنبيلة ، ولينعكس ذلك ـ من ثم ـ على كل حركات ذلك الإنسان ومواقفه ، وتغنى روحه وذاته بالمعاني والخصائص الإنسانية
____________
1 ـ سيرة الأئمة الاثني عشر ج 1 ص 534 وراجع صفحة 317 .
(136)

الإسلامية السامية ، وتؤثر في صنع ، ثم في بلورة خصائصه الأخلاقية ، على أساس تلك المعاني التي فجرتها العقيدة في داخل ذاته ، وفي عمق ضميره ووجدانه .
نعم .. لقد اتسعت رقعة الإسلام خلال عقدين من الزمن اتساعاً هائلاً ، يفوق أضعافاً كثيرة جداً ما تم إنجازه على هذا الصعيد في عهد الرسول الأعظم صلى عليه وآله وسلم . ولكن الفارق بينهما كان شاسعاً ، والبون كان بعيداً ، فلقد كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا يكتفي من الناس بإظهار الإسلام والتلفظ بالشهادتين ، ثم ممارستهم السطحية لبعض الشعائر والظواهر الإسلامية ، وإنما كان يرسل لهم المعلمين والمرشدين ، والمربين ، ليعلموهم الكتاب والحكمة ، وأحكام الدين (1) .
____________
1 ـ راجع : التراتيب الإدارية ج 1 ص 477 و248 ،
وقد أرسل النبي صلى الله عليه وآله مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلمهم ، كما أنه صلى الله عليه وآله في عهده لعمرو بن حزم يأمره بتعليمهم ( راجع مكاتيب الرسول كتابه صلى الله عليه وآله لعمرو بن حزم ) .
وفي التراتيب الإدارية ج 1 ص 41 : أن النبي صلى الله عليه وآله يتهدد من لا يعلم جيرانه . وفي البخاري هامش فتح الباري ج 1 ص 166 يقول النبي صلى الله عليه وآله لوفد عبد القيس : « ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم » .
وفي غزوة بئر معونة قتل العشرات ممن أرسلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتعليم الناس أحكام الدين .
وليراجع غزوة الرجيع وغير ذلك كثير جداً لا مجال لتتبعه ..
ولكن قال بعض المحققين : إن قسطاً عظيماً من الفتوح الإسلامية كان في إيران ، ونرى كثيراً من العلماء والمتعبدين من الإيرانيين في زمن التابعين ، ولا يمكن نشوء هؤلاء إلا بالتعليم والإرشاد ، من قبل الصحابة والتابعين وأهل المدينة ، فعدم ذكر هذه الإرشادات لا يدل على عدم وجودها .
ونقول : إن ما ذكره قد كان بعد عشرات السنين من هذه الفتوحات .. كما أن كمية العلماء والمتعبدين التي أشار إليها ، لا تتناسب مع حجم الفتوحات هذه .
كما أنهم إنما كان المتعبدون منهم ممن يعيشون في المناطق القريبة من البلاد الإسلامية .
وعلى كل حال ، فإن ذلك رغم أنه لم يكن في المستوى المطلوب ، ولا في =



(137)

أما هذه الفتوحات العظيمة التي تم إنجازها على عهد الخلفاء الثلاثة بعده صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم في عهد الأمويين ، فلم يكن يصحبها تربية ولا تعليم ، ولا كان ثمة كوادر كافية للقيام بمهمة كهذه ، بالنسبة لهذه الرقعة الواسعة ، وهذا المد البشري الهائل ، ولا كان يهم الخلفاء والفاتحين ذلك من قريب ، ولا من بعيد .
وإنما كانوا يكتفون من المستسلمين بالتلفظ بالشهادتين ، ثم بممارسة بعض الحركات والشعائر ، ظاهراً ، من دون أن يكون لها أي عمق عقيدي ، أو رصيد ضميري أو وجداني ذي بال .. ولذلك نجد في كتب التاريخ : أن كثيراً من البلدان تفتح ، ثم تعود إلى الكفر والعصيان ، ثم تفتح مرة أخرى (1) .
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يريد من الناس الإسلام والإيمان معاً .. « قَالَتِ الأَعْرَابُ : آمَنّا . قُلْ : لَمْ تُؤْمِنوا ، وَلِكن قُولُوا: أَسْلَمنا ، وَلَمّا يدخُلِ الإيمَانُ في قُلوبِكُمْ » (2) .
أما الآخرون ، فكانوا يكتفون منهم بظاهر الأسلام ، ولا يهمهم ما بعد ذلك .
ونجد عدم الاهتمام هذا واضحاً جلياً لدى القرشيين (3) ، وحتى الكثيرين من صحابة رسول الله صلى عليه وآله وسلم منهم .. حتى لقد قال موسى بن
____________
=
المناطق البعيدة ، وكان بعد مضي جيل أو جيلين أو أكثر لم يكن نتيجة لجهود الهيئة الحاكمة ، بل هو نتيجة جهود أفراد مخصوصين دفعهم شعورهم بالمسؤولية ، ولا سيما أمير المؤمنين عليه السلام طيلة أيام حكمه ، ثم جهود سائر الأئمة ، والصحابة المخلصين .
1 ـ راجع على سبيل المثال : تاريخ ابن خلدون ج 2 قسم 2 ص 131 و 132 و 133 والبداية والنهاية ج 7 ص 152 و 155 و 165 و 121 وليراجع : الفتوح لإبن اعثم الترجمة الفارسية ص 85 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 465 وتاريخ الطبري ج 3 ص 325 والفتوحات الإسلامية لدحلان ج 1 فإن فيه الكثير من الموارد وراجع المختصر في أخبار البشر ج 1 ص 186 .
2 ـ سورة الحجرات آية : 14 .
3 ـ لذلك شواهد كثيرة في النصوص التاريخية ، لا مجال لإيرادها الآن ..

(138)

يسار : « إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا أعراباً جفاة ، فجئنا نحن أبناء فارس ، فلخصنا هذا الدين » (1) .
وهكذا .. فإن أهل البلاد المفتوحة بعد الرسول صلى الله عليه وآله قد بقوا على ما كانوا عليه من عاداتهم وتقاليدهم ، ومفاهيمهم الجاهلية ، التي كانت تهيمن على حركاتهم ، وعلى مواقفهم ، وعلى علاقاتهم الاجتماعية بصورة عامة ، ولم يتعمق الإسلام في وجدانهم ، ولا مسَّ ضمائرهم ، فضلاً عن أن يكونوا قد ذابوا فيه ، بحيث يصبح هو المهيمن ، والمحرك والدافع لهم في كل موقف وكل حركة ..

آثار ونتائج :

وعلى صعيد آثار هذه الظاهرة على المدى البعيد ، فقد كانت لها آثار سيئة جداً ..فإن تلك العادات ، والتقاليد ، والمفاهيم ، والانحرافات الجاهلية ، والعلاقات القبلية ، والأهواء والأطماع الشخصية ، وما يتبع ذلك من ممارسات لا إنسانية لم ير فيها المستفيدون منها ، الذين ما عرفوا من الإسلام إلا اسمه ، ولا من الدين إلا رسمه أمراً مخالفاً للإسلام ، أو مصادماً له ، ولا أحسوا فيها أية منافرة أو منافاة له ، إن لم نقل : إنها ـ بزعم أولئك المستفيدين منها ـ قد انتزعت من الإسلام اعترافاً بها ، وأصبح يؤمِّن غطاء وحماية لها ، حيث قد صارت ملبسة بلباس الشرع ، ومصبوغة بصبغة الدين .
بل إن الحكام وأعوانهم ، ممن كان لهم مكانة ما لدى الناس ، بسبب صحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله ، ورؤيتهم له ـ هم أيضاً ، أو أكثرهم ـ لم يكن الإسلام قد تعمق في نفوسهم كثيراً ، بل بقوا على ما كانوا عليه من انحرافات ، ومن مفاهيم وتقاليد جاهلية وقبلية ، وقد استفادوا من مركزهم ، ومن موقعهم ، ومن مكانتهم في مجال تركيز تلك المفاهيم والعادات والانحرافات ، ولو عن
____________
1 ـ لسان الميزان ج 6 ص 136 وميزان الاعتدال ج 4 ص 227 .
(139)

طريق وضع الأحاديث على لسان النبي صلى الله عليه وآله لتأييدها ، كما كان الحال بالنسبة للتميز العنصري ، وتفضيل العربي على المولى ، وغير ذلك مما تقدمت الإشارة إلى بعض منه .
ولا أقل .. من أنهم لم يكن يهمهم أمر الإسلام ، ونشر مفاهيمه وتعاليمه ، من قريب ولا من بعيد .
وبعد .. فإنه إذا كان إسلام الناس صورياً ، لا يدعمه أي بعد عقيدي ، وليس له أية خلفيات وقواعد ثقافية وعلمية ، ولا يتصل بروح الإنسان وعقله ووجدانه ، بحيث يصير محركاً وجدانياً ، واندفاعاً ضميرياً .. فإنه سيتقلص تدريجاً ، ولا يعود له أي أثر على صعيد الحركة والموقف .. ولسوف يعتاد الناس على إسلام كهذا .. يرون أنه لا يتنافى مع جميع أشكال الإنحرافات والجرائم ، وتصبح هداية هؤلاء الناس على المدى البعيد أكثر صعوبة ، وأعظم مؤونة ، إن لم نقل : إنه يحتاج إلى عملية بل إلى عمليات جراحية عميقة جداً تستنفد الكثير من الطاقات والمواهب .. وتنتهي بهدر العظيم من القدرات والإمكانات .. ولقد كان بالإمكان تجنب كل ذلك ، لو كان ثمة تأس واتباع للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وتأثُّر لخطاه المباركة والميمونة في هذا المجال .
وعلى صعيد آخر .. فإن مجتمعاً كهذا لا يملك المناعات ولا الحصانات الكافية ، التي تضمن عدم صيرورته ألعوبة بأيدي الأشرار ، بل بأيدي أولئك الذين يتخذونه أداة لهدم الإسلام الحقيقي ، الذي يرونه يقف حاجزاً أو مانعاً أمام أطماعهم وأهوائهم وانحرافاتهم ، وقد حصل ذلك بالفعل ، كما يتضح لمن يراجع التاريخ ، ولا سيما فترة الحكم الأموي ، ثم ما يلي ذلك من فترات .
وعن مجتمع العراق في عصر الإمام الحسن عليه السلام ، نجد النص التاريخي يقول : « ومعه أخلاط من الناس ، بعضهم شيعته ، وشيعة أبيه عليهما السلام ، وبعضهم محكِّمة ، يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة ، وبعضهم أصحاب طمع في الغنائم وبعضهم شكاك ، وبعضهم أصحاب عصبية ، اتبعوا رؤساء


(140)

لأحكام ومثلها في أصول دين » (1) .
لقد كان هذا حال مجتمع العراق في عهد الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام ، رغم أنه كان أقرب إلى مركز الحكم الإسلامي من غيره ، ورغم أنه قد كان ثمة عناية خاصة من قبل الهيئة الحاكمة بشأن العراق ، الذي كان مركز الانطلاق لغزو بلاد المشرق ..
وقد تحدثنا عن مجتمع العراق بشيء من التفصيل في بحثنا المستفيض حول الخوارج ، والذي نأمل في تقديمه إلى القراء في فرصة قريبة إن شاء الله تعالى .
ولكن يلاحظ على النص المتقدم قوله : « بعضهم شيعته ، وشيعة أبيه » .. فإننا لا نعتقد : أن هذا البعض كان من الكثرة بحيث يصح جعله في قبال سائر الفئات التي تحدث عنها ذلك النص ، إذ :
« قد كان الناس كرهوا علياً ، ودخلهم الشك والفتنة ، وركنوا إلى الدنيا ، وقلّ مناصحوه ، فكان أهل البصرة على خلافه ، والبغض له ، وجلّ أهل الكوفة وقراؤهم ، أهل الشام ، وقريش كلها » (2) .
بل لقد روى الكشي عن الباقر عليه السلام قوله : « كان علي بن أبي طالب عليه السلام عندكم بالعراق ، يقاتل عدوه ، ومعه أصحابه وما كان منهم خمسون رجلاً يعرفنه حق معرفته ، وحق معرفته إمامته » (3) .
وفي حرب صفين يقول علي عليه السلام لعدي بن حاتم : « أدن . فدنا حتى وضع أذنه عند أنفه . فقال : ويحك ، إن عامة من معي اليوم يعصيني . وإن معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه » (4) .
____________
1 ـ كشف الغمة للأربلي ج 2 ص 165 والإرشاد للمفيد ص 193 وأعيان الشيعة ج 4 قسم 1 ص 50 و 51 .
2 ـ الغارات للثقفي ج 2 ص 552 .
3 ـ اختيار معرفة الرجال ص 6 .
4 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 8 ص 77 .

(141)

هذا .. وإن سلوك الحكام والولاة مع الناس آنئذٍ لم يكن إسلامياً على وجه العموم . وإن إلقاء نظرة سريعة على معاملتهم للناس آنئذٍ ، تكفي لإطاء صورة عن ذلك .. وكنموذج على ذلك نذكر النص التالي :
« لم يزل أهل أفريقية من أطوع البلدان وأسمعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك ، حتى دب إليهم أهل العراق ، واستثاروهم ، فشقوا العصا ، وفرقوا بينهم إلى اليوم ، وكانوا يقولون : لا نخالف الأئمة بما تجني العمال ، فقالوا لهم : إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك ، فقالوا حتى نَخْبُرَهُم .
فخرج ميسرة في بضعة وعشرين رجلاً ، فقدموا على هشام ، فلم يؤذن لهم ، فدخلوا على الأبرش ، فقالوا : أبلغ أمير المؤمنين : أن أميرنا يغزو بنا ، وبجنده ، فإذا غنمنا نفّلهم ، ويقول : هذا أخلص لجهادنا وإذا حاصرنا مدينة قدمنا وأخرهم ، ويقول : هذا ازدياد في الأجر ، ومثلنا كفى إخوانه . ثم إنهم عمدوا إلى ماشيتنا ، فجعلوا يبقرون بطونها عن سخالها ، يطلبون الفراء البيض لأمير المؤمنين ، فيقتلون ألف شاة في جلد ، فاحتملنا ذلك . ثم إنهم سامونا أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا . فقلنا : لم نجد هذا في كتاب ولاسنة ، ونحن مسلمون ، فأحببنا أن نعلم : أعن رأي أمير المؤمنين هذا ، أم لا ؟ ! ..
فطال عليهم المقام ، ونفدت نفقاتهم ، فكتبوا أسماءهم ودفعوها إلى وزرائه ، وقالوا : إن سأل أمير المؤمنين ، فأخبروه ، ثم رجعوا إلى أفريقية ، فخرجوا على عامل هشام ، فقتلوه ، واستولوا على افريقية ، وبلغ الخبر هشاماً ، فسأل عن النفر ، فعرف أسماءهم ، فإذا هم الذين صنعوا ذلك » (1) .
ويذكر نص آخر : أن قتيبة بن مسلم أوقع باهل الطالقان ، فقتل من أهلها مقتلة عظيمة ، لم يسمع بمثلها ، وصلب منهم سماطين : أربعة فراسخ في نظام واحد ، الرجل بجنب الرجل ، وذلك مما كسر جموعهم » (2) .
____________
1 ـ الكامل لابن الأثير ، ج 3 ص 92 و 93 وتاريخ الطبري ج 3 ص 313 .
2 ـ البداية والنهاية ج 9 ص 78 و 81 والكامل لابن الأثير ج 4 ص 545 .

(142)

كما أن بعضهم يعطي أماناً لبلد في معالمة جرجان ، على أن لا يقتل منهم رجلاً واحداً ، فيقتلهم جميعاً إلا رجلاً واحداً (1) .
وآخر يصالح أهل مدينة قنسرين ، ويجعل من جملة الشروط : أن يهدم المدينة من الأساس وهكذا كان (2) .
وأيضاً : فقد دعا نائب خراسان : « أهل الذمة بسمرقند ، ومن وراء النهر إلى الدخول في الإسلام ، ويضع عنهم الجزية ، فأجابوه إلى ذلك ، وأسلم غالبهم ، ثم طالبهم بالجزية ، فنصبوا له الحرب ، وقاتلوه » (3) .
كما أن عقبة بن نافع ، الذي ولاَّه معاوية ابن أبي سفيان على افريقية ، حينما دخلها « وضع السيف في أهل البلاد ، لأنهم كانوا إذا دخل إليهم أمير أطاعوا ، وأظهر بعضهم الإسلام ، فإذا عاد الأمير عنهم نكثوا ، وارتد من أسلم » (4) .
وقال ابن الأثير : « لما رأى أهل فارس ما يفعل المسلمون بالسواد ، قالوا لرستم والفيرزان ، وهما على أهل فارس : لم يبرح بكما الاختلاف حتى وهنتما أهل فارس الخ .. » (5) .
وأمثال ذلك كثير جداً .
ولأجل ذلك ، فقد اشتدت مقاومة أهل البلاد المفتوحة ، وكثر نقض العهود ، حتى اضطر المسلمون إلى فتح كثير من البلاد أكثر من مرة ، كما ألمحنا إليه فيما سبق .
____________
1 ـ تاريخ الطبري ج 3 ص 324 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 110 والبداية والنهاية ج 7 ص 154 .
2 ـ الفتوحات الإسلامية لدحلان ج 1 ص 53 والكامل لابن الأثير ج 2 ص 493 وتاريخ الطبري ج 3 ص 98 .
3 ـ البداية والنهاية ج 9 ص 259 | 260 .
4 ـ الكامل لابن الأثير ج 3 ص 465 .
5 ـ الكامل لأبن الأثير ج 2 ص 448 .

(143)

ب : آثار الفتوح على الفاتحين :

وبعد كل ما تقدم .. فإن سياسات التمييز في العطاء ، وتفضيل العرب على غيرهم ، ثم حبس كبار الصحابة في المدينة ، وتولية الأعمال الجليلة ، وقيادة الجيوش خاصة ، لفئة خاصة ، لم تكن على الأغلب تملك رصيداً روحياً ، ولا ثقافياً إسلامياً ، سوى أنها تتمتع بثقة الهيئة الحاكمة ، أو انها رأت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبرهة وجيزة جداً ، أو أنها من قريش .
ـ إن كل ذلك وسواه من سياسات ، ليس فقط قد جعل من هذه الأمة المنتصرة أمة مغرورة ، معجبة بنفسها ، لا تقف عند حدٍ ، ولا تنتهي إلى غاية .. وخلق طبقة من الأثرياء ، الذين اتخمهم المال ، وأبطرتهم النعمة ، مع عدم وجود روادع دينية أو وجدانية كافية لديهم . وقد كان معظمهم من أبناء واعضاء الهيئة الحاكمة ، وأعوانهم المقربين ، ومن قريش بصورة خاصة ، فنال الأمة منهم كل مكروه ، وأصيب الإسلام على أيديهم في مقاتله ..
نعم .. لقد بهرتهم المناصب ، وأسالت لعابهم الفتوحات ، بما فيها من غنائم وسبايا ، وبسط نفوذ ، فشمخ كل منهم بأنفه ، ونظر في عطفه ، وتكبر ، وتجبر ، لأنه كان يتعامل مع الواقع الجديد بعقليته الجاهلية ، التي تعتبر القبيلة ، لا الأمة أساساً ، والفرد ـ لا الجماعة ـ ميزاناً ، ومنطلقاً لمجمل تعامله ، وعلاقاته ، وكل مواقفه وحركاته .. وصاروا يهتمون بتقوية أمرهم ، وتثبيت سلطانهم ، فصاروا يجمعون الأنصار بالمال ، وبالإغراء بالمناصب (1) ، ثم بالإصهار إلى القبائل ، وبغير ذلك من سياسات ، ليس الترهيب والقمع في كثير من الأحيان إلا واحداً منها (2) .. واستمروا في بسط نفوذهم وسلطانهم على
____________
1 ـ قد تقدم نموذج من ذلك بالنسبة لأبي سفيان ، وغيره .
2 ـ كما جرى لأبي ذر ، وابن مسعود ، وعمار وغيرهم .. ولا سيما في عهد معاوية فمن بعده ..

(144)

أساس أنه ملك قبلي فردي بالدرجة الأولى (1) .
وإذا كان أبو بكر ، وكذلك عمر لا يدري : أخليفة هو أم ملك (2) .. فإن معاوية بن أبي سفيان كان نفسه ملكاً بالفعل ، وكذلك كان يعتبره الكثيرون (3) . بل إن عمر نفسه قد اعتبر نفسه ملكاً في بعض المناسبات (4) .
نعم لقد كان معاوية ، والأمويون يعتبرون أنفسهم ـ بل ويعتبوهم كثيرون ـ ملوكاً قيصريين ..وأن على الدين والإسلام ـ بنظرهم ـ أن يكون مجرد شعار ن يخدم هذا الملك ويقويه ، وإذا وجدوا فيه أنه سيكون مانعاً لهم من الوصول إلى ما يطمحون إليه ، ويعملون في سبيل الحصول عليه ، فلا بد من تدميره ، واستئصاله من جذوره .
فالمستفيدون الحقيقيون من تلك الفتوحات ـ ولاسيما على المدى البعيد ـ هم خصوص هذه الطبقة دون سواها ، كانوا يحصلون على النفائس ، والأقطاع ، والذهب ، وصوافي الغنائم .. وهم الذين لا بد أن يختصوا بالحسناوات من النساء ، بعنوان سبايا وجواري .. وقد بلغت الثروات في عهد الخلفاء الثلاثة الأول أرقاماً خيالية ، كما تدل عليه الكثير من النصوص التاريخية (5) . وقد زادت هذه الأرقام وتضاعفت في عهد الحكم الاموي ، الذي
____________
1 ـ حتى كانوا يعتبرون السواد بستاناً لقريش ، والقضية معروفة ..
2 ـ راجع : طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 221 وشرح النهج للمعتزلي ج 2 ص 66 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 ص 383 و 389 وحياة الصحابة ج 3 ص 476 و ج 2 ص 36 و 37 و 256 والتراتيب الإدارية ج 1 ص 13 وعن كنز العمال ج 2 ص 317 ج 3 ص 454 وعن نعيم بن حماد في الفتن والطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 306 ط صادر وتاريخ الخلفاء ص 140 .
3 ـ قد تقدم بعض المصادر لذلك .
4 ـ الفتوحات الإسلامية لدحلان ج 2 ص 290 وحياة الصحابة ج 2 ص 256 عن كنز العمال ج 2 ص 317 . وطبقات ابن سعد ج 3 ص 219 وعن ابن جرير وابن عساكر .
5 ـ راجع : مشاكلة الناس لزمانهم ص 12 حتى 18 ومروج الذهب والغدير ج 8 و 9 وجامع بيان العلم ج 2 ص 17 و 16 والبداية والنهاية ج 7 ص 164 وربيع الأبرار ج 1 ص 830 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 32 ـ 24 ـ 29 ـ و 395 و 424 و 397 حتى =



(145)

لم يكن يقف عند حدود ، ولا يرجع إلى دين ، حتى أن خالداً القسري كان يتقاضى راتباً سنوياً قدره عشرون مليون درهم ، بينما كان ما يختلسه كان يتجاوز المئة مليون (1) .
بل إننا نجد : أن من يقال عنه : أنه من أزهد الناس ، وهو عمر بن الخطاب ، بل يقولون : إنه لم يترك صامتاً (2) . وكان يرتزق من بيت المال ، ويقتر على نفسه كثيراً ، كما ذكرته بعض النصوص ، وكانت قد أصابته خصاصة ، فاستشار الصحابة فأشاروا عليه أن يأكل من بيت المال ما يقوته (3) .
ولما حج فبلغت نفقته ستة عشر ديناراً قال : أسرفنا في هذا المال (4) .
إن عمر هذا .. قد أصدق زوجته أربعين ألف درهم أو دينار (5) . وقيل مئة ألف (6) . كما أنه أعطى صهراً له قدم من مكة عشرة آلاف درهم
____________
= ص 405 و 420 و 424 و 435 والعقد الفريد ج 4 ص 322 ـ 324 وحياة الصحابة ج 2 ص 241 ـ 250 . وغير ذلك كثير .
1 ـ السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ص 32 و 25 و 24 وغير ذلك من صفحات ، ترجمة الدكتور حين إبراهيم حسن ، ومحمد زكي إبراهيم .
وفي البداية والنهاية ج 9 ص 325 : أن دخل خالد القسري كان عشرة ملايين دينار سنوياً .
2 ـ جامع بيان العلم ج 2 ص 17 .
3 ـ راجع طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 221 و 222 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ص 411 وحياة الصحابة ج 2 ص 301 .
4 ـ تاريخ الخلفاء ص 141 وطبقات ابن سعد ط صادر ج 3 ص 308 و 279 ودلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 212 عن تاريخ الخلفاء والصواعق المحرقة .
5 ـ الفتوحات الإسلامية لدحلان ج 2 ص 55 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 405 والبحر الزخار ج 4 ص 100 وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج 2 ص 190 وعدة رسائل للشيخ المفيد ص 227 .
وقيل : عشرة آلاف .
6 ـ أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 2 ص 190 وعدة رسائل للشيخ المفيد ، المسائل السروية ص 227 .

(146)

من صلب ماله (1) .
بل يقولون : « إن ابناً لعمر باع ميراثه من عمر بماءة ألف درهم » (2) .
ويؤيد ذلك ما يذكره أبو يوسف : من أنه « كان لعمر بن الخطاب أربعة آلاف فرس موسومة في سبيل الله تعالى ، فإذا كان في عطاء الرجل خفة ، أو كان محتاجاً ، أعطاه الفرس ، وقال له : إن أعييته ، أو ضيَّعته من علف ، أو شرب ، فأنت ضامن ، وإن قاتلت عليه فأُصيب ، أو أصبت ، فليس عليك شيء » (3) .
فإن الظاهر هو : أن هذه الأفراس كانت له ، وقد فعل ذلك تقرباً إلى الله ، ولا يبعد ذلك ، إذا كان إرث واحد ـ من أولاده مئة ألف فقط .
ولقد كان هذا في الوقت الذي كان يعيش فيه البعض أقسى حياة يعيشها إنسان ، فلم يكن يملك سوى رقعتين ، يستر بإحداهما فرجه ، وبالأخرى دبره (4) .
ولعله لاجل هذا ، ولأجل الحفاظ على الوجه الزهدي للخليفة ، نجد الحسن البصري ، يحاول الدفاع عن الخليفة الثاني في هذا المجال بالذات ، حيث إنه حينما يسأله البعض ، إن كان عمر بن الخطاب أوصى بثلث ماله : أربعين ألفاً ، يحاول إنكار ذلك ، ثم توجيهه بقوله :
لا والله ، لمالهُ كان أيسر من أن يكون ثلثه اربعين ألفاً . ولكن أوصى بأربعين ألفاً ، فأجازوها » (5) .
وعلى كل حال ، فإننا نستطيع أن نحشد الكثير الكثير من الشواهد والأدلة
____________
1 ـ طبقات ابن سعد ج 3 ص 219 والفتوحات الإسلامية لدحلان ج 2 ص 390 وحياة الصحابة ج 2 ص 256 عن ابن سعد ، وعن كنز العمال ج 2 ص 317 وعن ابن جرير وابن عساكر .
2 ـ جامع بيان العلم ج 2 ص 17 .
3 ـ الخراج ص 51 .
4 ـ المصنف لعبد الرزاق ج 6 ص 367 وراجع ص 268 والبيهقي ج 7 ص 209 .
5 ـ جامع بيان العلم ج 2 ص 17 .