على مدى اهتمام الحكام وأعوانهم ، وكل من ينتسب إليهم بجمع الأموال ، والحصول على الغنائم ، بحق أو بغير حق . ويكفي أن نذكر : أن زياداً بعث « الحكم بن عمر الغفاري على خراسان ، فأصابوا غنائم كثيرة ، فكتب إليه زياد : أما بعد ، فإن أمير المؤمنين كتب : أن يصطفي له البيضاء والصفراء ، ولا يقسم بين المسلمين ذهباً ولا فضة » فرفض الحكم ذلك ، وقسمه بين المسلمين ، فوجه إليه معاية من قيده ، وحبسه . فمات في قيوده ، ودفن فيها . « وقال : إني مخاصم » (1) .
هذا وقد بدأ التعذيب في الجزية من زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (2) .
بل لقد رأيناهم يضربون الجزية حتى على من أسلم من أهل الذمة ، وذلك بحجة : أن الجزية بمنزلة الضريبة على العبد ، فلا يسقط إسلام العبد ضريبته . لكن عمر بن عبد العزيز شذّ عن هذه السياسة ، وأسقطها عنهم ، كما يذكرون (3) .
كما أن عمر بن الخطاب قد حاول أخذ الجزية من رجل أسلم ، على اعتبار : أنه : إنما أسلم متعوذاً ، فقال له ذلك الشخص : إن في الإسلام لمعاذاً . فقال عمر : صدقت ، إن في الإسلام لمعاذاً (4) .
____________
1 ـ مستدرك الحاكم ج 3 ص 442 | 443 وتلخيصه للذهبي بهامشه وحياة الصحابة ج 2 ص 80 و 81 عنه وراجع : الاستيعاب ج 1 ص 316 والإصابة ج 1 ص 347 .
2 ـ راجع : المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 245 فما بعدها ، وراجع : تاريخ جرجان ص 107 | 108 .
3 ـ راجع ذلك ، وحول ضرب الجزية على من أسلم : تاريخ الدولة العربية ص 235 وتاريخ التمدن الإسلامي ، المجلد الأول ص 273 | 274 والمجلد الثاني ص 360 عن ابن الأثير ج 4 ص 261 و 68 و 225 و ج 5 ص 111 و 48 و 24 وابن خلكان ج 2 ص 277 والعراق في العصر الأموي ص 66 عن الأموال لأبي عبيد ص 48 والفتوحات الإسلامية ج 1 ص 249 ، وفجر الإسلام ص 96 عن ابن الأثير 4 | 179 . وأحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 102 .
4 ـ المصنف لعبد الرزاق ج 6 ص 94 ولا بأس بمراجعة : السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ص 26 ـ 56 .

(148)

وأما مضاعفته الجزية على نصارى تغلب ، فهي معروفة ومشهورة (1) .
وقال خالد ين الوليد ، يخاطب جنوده ، ويرغبهم بأرض السواد : « ألا ترون إلى الطعام كرفغ (2) التراب ؟ . وبالله ، لو لم يلزمنا الجهاد في الله ، والدعاء إلى الله عز وجل ، ولم يكن إلا المعاش لكان الرأي : أن نقارع على هذا الريف ، حتى نكون أولى به ، ونولي الجوع والإقلال من تولى ، ممن اثاقل عما أنتم عليه » (3) .
وفي فتح شاهرتا ، يعطي بعض عبيد المسلمين أماناً لأهل المدينة ، فلا يرضى المسلمون ، وينتهي بهم الأمر : إلى أن رفعوا ذلك إلى عمر بن الخطاب ، فكتب : « إن العبد المسلم من المسلمين ، أمانه أمانهم . قال : ففاتنا ما كنا أشرفنا عليه من غنائمهم .. » (4) .
وقال أحد الشعراء عند وفاة المهلب :

الا ذهـب الغـزو المقـرب للغـنـى * ومـات النـدى والجـود بعد المهلـب

وعدا عن ذلك كله ، فإن قبيلة بجيلة تأبى الذهاب إلى العراق ، حتى ينفلها الحاكم ربع الخمس من الغنائم (5) .
نعم .. إن ذلك كله ، لم يكن إلا من أجل ملء جيوبهم ، ثم التقوي ـ أحياناً ـ على حرب خصومهم .
ولكن ما ذكره خالد بن الوليد آنفاً ليس هو كل الحقيقة ، وذلك لأن ما كان
____________
1 ـ سنن البيهقي ج 9 ص 216 والمصنف لعبد الرزاق ج 6 ص 50 .
2 ـ الرفغ : الأرض الكثيرة التراب ، يقال : « جاء بمال كرفغ التراب : أي في كثرته .. » أقرب الموارد ج 1 ص 419 .
3 ـ العراق في العصر الأموي ص 11 عن الطبري ج 4 ص 9 ، ولا بأس بمراجعة الكامل لابن الأثير ج 2 ص 488 .
4 ـ المصنف ج 5 ص222 و 223 وسنن البيهقي ج 9 ص 94 .
5 ـ راجع : الكامل في التاريخ ج 2 ص 441 .

(149)

يصل إلى الطبقة المستضعفة من الجند ، لم يكن إلا أقل القليل ، مما لا يكفي لسد خلتهم ، ورفع خصاصتهم ، بل كان محدوداً جداً ، لا يلبث أن ينتهي ويتلاشى ، مع أنهم كانوا هم وقود تلك الحروب ، وهم صانعوا النصر والظفر فيها .. وقد يكون الكثيرون منهم ممن قد افتتحت أرضهم بالأمس القريب . ثم هم يحرمون من كثير من الامتيازات ، حسبما تقدم بالنسبة لأهل افريقية ، الذين قدموا ليشتكوا للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك .
ولكن أكثر هؤلاء قد أصبحوا يجدون في هذه الحروب مصدر عيش لهم ، يحصلون عن طريقه على المال ، مهما كان ضئيلاًوزهيداً ، وذلك مما يرضيهم بطبيعة الحال ، ويجعلهم ـ لو كان فيهم من له أدنى اطلاع على الإسلام وأحكامه ـ يغمضون العين عن جميع ممارسات الحكام ، وأعمالهم الشيطانية واللاإسلامية ..
وبعض الانتفاضات وإن كانت قد حصلت في بعض الفترات .. ولكنها لا تلبث أن تنتهي ، وسرعان ما تسحق ، أمام الضربات الماحقة ن التي يسددها إليها الحكام آنئذٍ .
وعلى كل حال .. فإن الحرب من أجل الغنائم والأموال ، كانت هي الصفة المميزة لأكثر تلك الفتوحات ، وكأنني أتذكر ـ وإن كنت لم أستطع العثور على ذلك الآن رغم بحثي الجاد ـ إن في بعض المعارك يعلن الفريق الآخر إسلامه ، فلا يلتفتون إليهم ، ويعتبرونهم كاذبين ، وذلك طمعاً في أموالهم ونسائهم .
وقد نجد آثار هذه الظاهرة ، حتى في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً ، حيث إن المسلمين لم يكونوا قد بلغوا مرحلة النضج الرسالي بعد ، ولا تفاعلوا مع الأسلام وأحكامه على النحو المطلوب . بل كانت لا تزال فيهم بعض النزعات الجاهلية ن والأطماع الدنيوية ، فيقول الحارث بن مسلم التميمي : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسلهم في سرية ، قال :
« فلما بلغنا المغار استحثثت فرسي ، وسبقت أصحابي ، واستقبلنا الحي بالرنين ، فقلت لهم : قولوا لا إله إلا الله تحرزوا ؟ فقالوها .


(150)

فجاء أصحابي ، فلاموني ، وقالوا : حرمتنا الغنيمة بعد أن بردت في أيدينا . فلما قفلنا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله ، فدعاني ، فحسَّن ما صنعت ، وقال : أما إن الله قد كتب لك من كل إنسان منهم كذا و كذا الخ .. » (1) .
وقال الزبير للذي سأله عن مسيره لحرب علي (ع) : « حدثنا أن هاهنا بيضاء وصفراء ـ يعني دراهم ودنانير ، فجئنا لنأخذ منها » (2) .
وبعد ذلك كله ، فقد قال المعتزلي في مقام إصراره على لزوم دخول علي في الشورى ، لأن الأحقاد عليه من قريش والعرب كانت على أشهدها ـ قال ـ : « لا كإسلام كثير من العرب ، فبعضهم تقليداً وبعضهم للطمع والكسب ، وبعضهم خوفاً من السيف ، وبعضهم على طريق الحمية والانتصار ، أو لعدواة قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه » (3) .
وبعد كل ما تقدم .. فطبيعي : أن حياة النعيم والرفاهية لدى الهيئة الحاكمة وأعوانها ، وكذلك التمتع بالحسناوات والجواري ، من شأنه أن يزرع بذور الخمول ، وحب السلامة ، والإخلاد للراحة ، بحثاً عن الملذات .. ثم يستتبع ذلك : العمل على دفع الآخرين ليخوضوا الغمرات ، ويقدموا التضحيات ، في سبيل تأمين المزيد من تلك الامتيازات ، وفي سبيل حمايتها أيضاً :

تربية النشء على أيدي غير المسلمات :

هذا كله .. عدا عن أن الجواري اللواتي لم يسلمن ، أو لم يتعمق الإسلام في قلوبهن على الأكثر .. قد كن يعشن في قلب ذلك المجتمع ، وكن يتولين
____________
1 ـ كنز العمال ج 15 ص 330 عن أبي نعيم ، والحسن بن سفيان .
2 ـ أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 2 ص 271 .
3 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 13 ص 300 .

(151)

تربية النشء الجديد فيه ، سواء كان من أولادهن ، أو من أولاد الأخريات من الحرائر ،
وقد رأينا : أن الكثيرين من الأشراف والرؤساء قد كانوا من أمهات نصرانيات ، فقد :
1 ـ كان لأولاد سعد بن أبي وقاص معلم نصراني (1) .
2 ـ يوسف بن عمرو الذي كانت أمه نصرانية ، كما نص عليه كثير من المؤرخين (2) .
3 ـ خالد القسري ، الذي بنى لأمه كنيسة كما نص عليه كثير من المؤرخين أيضاً (3) وكان خالد يهدم المساجد ، ويبني البيع والكنائس ، ويولي المجوس الخ (4) وكان جد خالد من يهود تيماء (5) .
4 ـ الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي .
5 ـ عبيدة السلمي .
6 ـ أبو الأعور السلمي .
7 ـ حنظلة بن صفوان .
8 ـ عبد الله بن الوليد بن عبد الملك .
9 ـ يزيد بن أسيد .
10 ـ عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان .
11 ـ العباس بن الوليد بن عبد الملك .
12 ـ مالك بن ضب الكلبي .
____________
1 ـ أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 2 ص 292 .
2 ـ راجع على سبيل المثال : أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 3 ص 88 .
3 ـ راجع على سبيل المثال : وفيات الأعيان ج 1 ص 169 والأغاني ج 19 ص 59 ط ساسي والبداية والنهاية ج 10 ص 20 و 21 والغدير ج 5 ص 294 وطبقات الشعراء لابن سلام ص 80 .
4 ـ راجع : العراق في العصر الأموي ص 240 .
5 ـ الأغاني ط ساسي ج 19 ص 57 .

(152)

13 ـ شقيق بن سلمة أبو وائل .
14 ـ عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي (1) .
15 ـ عمر بن أبي ربيعة (2) .
16 ـ وأبو سلمة بن عبد الرحمن (3) .
وذكر ابن حبيب طائفة من أبناء اليهوديات من قريش مثل : :
1 ـ عاصم بن الوليد بن عتبة .
2 ـ هاشم بن عتبة بن نوفل .
3 ـ عامر بن عتبة بن نوفل .
4 ـ قويت بن حبيب بن أسد .
5 ـ عيسى بن عمارة بن عقبة .
6 ـ عمرو بن قدامة بن مظعون .
7 ـ أبو عزة الجمحي الشاعر .
8 ـ الخيار بن عدي .
9 ـ الحصين بن سفيان بن أمية وغيرهم (4) .
وكان حبيب بن أبي هلال الذي يروي عن سعيد بن جبير قد عشق امرأة نصرانية فكان يأتي إلى البيعة لأجلها ، فجرحه علماء الرجال بذلك .
بل قيل إنه قد تنصر وتزوج بها (5) .
بل إن طلحة قد تزوج بيهودية في زمن عمر (6) .
____________
1 ـ المحبَّر : ص 305 | 306 . وراجع : الاعلاق النفيسة : ص 213 . ونسب قريش لمصعب : ص 319 | 318 . وربيع الأبرار : ج 1ص 328 .
2 ـ الشعر والشعراء : ص 349
3 ـ حياة الصحابة : ج 1 ص 104 . والإصابة : ج 1 ص 108 .
4 ـ المنمق : ص 506 و 507 .
5 ـ المجروحون : ج 1 ص 264 .
6 ـ المصنف لعبد الرزاق : ج 7 ص 177 | 178 . وتفسير الخازن : ج 1 ص 439 .

(153)

وتزوج عبد الله بن أبي ربيعة بنصرانية أيضاً وذلك في زمن عمر (1) .
وعثمان أيضاً تزوج بنائلة بنت الفرافصة على نسائه وهي نصرانية (2) .
ومع أنه قد كان لعمر غلام نصراني لم يسلم ، وقد أعتقه حين وفاته (3) .
إلا أننا نجده يعترض على أبي موسى ، لأن كاتبه غلام نصراني (4) .
ويقول الجاحظ : « اكثر من قتل في الزندقة ممن كان ينتحل الإسلام ويظهره هم الذين كان آباؤهم نصارى ، على أنك لو عددت اليوم أهل الظنة ومواضع التهمة لم تجد أكثرهم إلا كذلك » (5) .
ولو أردنا استقصاء هذه الأمور لطال بنا الأمر ..
وعلى كل حال .. فإن تربية تلك الجواري للنشء الجديد ـ قد كان من شأنه أن يخفض من المستوى الديني ، ومن مستوى الالتزام بالأحكام الإسلامية لدى ذلك النشء بالذات .. وهذا بطبيعة الحال ـ من شأنه أن يشكل خطراً جدياً على الإسلام وعلى المسلمين ، ولذلك .. فإننا نجد الأئمة عليهم السلام يهتمون بتربية العبيد والجواري تربية إسلامية صالحة ، ثم عتقهم (6) .
وقد شجع الإسلام العتق على نطاق واسع . وجعل له من الإسباب الإلزامية والراجحة الشيء الكثير ، الذي من شأنه أن يقضي على ظاهرة العبودية من اساسها . بل لقد اعتبر العتق في نفسه راجحاً ، ومن دون أي سبب .
____________
1 ـ نسب قريش : ص 318 و 319 .
2 ـ تفسير الخازن : ج 1 ص 439 .
3 ـ التراتيب الإدارية : ج 1 ص 102 عن ابن سعد : ج 6 ص 109 ط ليدن وص 155 ط صادر . وحلية الأولياء ج 9 ص 34 وعن كنز العمال : ج 5 | 50 عن ابن سعد وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم .
4 ـ عيون الأخبار لابن قتيبة : ج 1 ص 43 والدر المنثور : ج 2 ص 291 . عن ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان .
5 ـ ثلاث رسائل للجاحظ . رسالة الرد على النصارى : ص 17 .
6 ـ راجع كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام المجلد الأول : بحث الإمام السجاد باعث الإسلام من جديد .

(154)

طموحات الشباب :

ومن جهة أخرى .. فإننا نجد : أن الحكام كانوا يستفيدون من تلك الفتوحات في مجال إرضاء طموحات الشباب ، وإشباع غرورهم ، إذا كانوا بصدد تأهيلهم لمناصب عالية ، وإظهار شخصياتهم .. بل لقد رأينا معاوية يجبر ولده يزيد لعنه الله على قيادة جيش غاز لبعض المناطق (1) والظاهر أن ذلك لأجل ما ذكرناه .

ابعاد المعترضين :

أضف إلى ذلك : أنهم كانوا يستفيدون منها كذلك في إبعاد المعترضين على سياساتهم ، والناقمين على أعمالهم ، وتصرفاتهم ، وكشاهد على ذلك نذكر : أنه لما تفاقمت النقمة على عثمان استدعى بعض عماله ومستشاريه ، وهم : معاوية وعمرو بن العاص ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وسعيد بن العاص ، وعبد الله بن عامر (2) . واستشارهم فيما ينبغي له عمله لمواجهة نقمة الناس على سياساته ، ومطالبتهم له بعزل عماله (3) ، واستبدالهم بمن هم خير منهم ، فأشار عليه عبد الله بن عامر بقوله :
« رأيي لك يا أمير المؤمنين : أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك ، وأن تجمرهم (4) في المغازي ، حتى يذلوا لك ، فلا يكون همة أحدهم إلا نفسه ، وما
____________
1 ـ راجع المحاسن والمساويء ج 2 ص 222 ونسب قريش لمصعب ص 129 | 130 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 229 .
2 ـ يلاحظ : أن هؤلاء قد كانوا عماله باستثناء عمرو بن العاص . فإنه كان معزولاً آنئذٍ .
3 ـ إن من الطريف جداً : أن يستشير عثمان نفس أولئك الذين يطالب الناس بعزلهم في نفس أمر العزل هذا ؟! .
4 ـ التجمير : حبس الجيش في أرض العدو .

(155)

هو فيه من دَبَرة دابته ، وقَمَلِ فروه » .
وأضاف في نص آخر قوله :
« فرد عثمان عماله على أعمالهم ، وأمرهم بالتضييق على من قبلهم ، وأمرهم بتجمير الناس في البعوث ، وعزم على تحريم أعطياتهم ، ليطيعوه ، ويحتاجوا إليه .. » (1) .
وحينما أنكر الناس على عثمان بعض أفعاله ، وأشار عليه معاوية بقتل علي عليه السلام ، وطلحة ، والزبير ، فأبى عليه ذلك ، قال له معاوية : « فثانية ؟ قال : وما هي ؟ قال : فرقهم عنك ، فلا يجتمع منهم اثنان في مصر واحد . واضرب عليهم البعوث والندب ، حتى يكون دَبَر بعير كل واحد منهم أهم عليه من صلاته .
قال عثمان : سبحان الله شيوخ المهاجرين والأنصار ، وكبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبقية الشورى ، أخرجهم من ديارهم ، وأفرق بينهم وبين أهليهم ؟ .. الخ .. » (2) .
ويقول اليعقوبي عن معاوية : « وكان إذا بلغه عن رجل ما يكره قطع لسانه بالإعطاء ، وربما احتال عليه ، فبعث به في الحروب ، وقدمه ، وكان أكثر فعله المكر والحيلة » (3) . إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه في عجالة كهذه ..

ج : الأئمة عليهم السلام وتلك الفتوحات :

1 ـ وبعد كل ما تقدم .. فإنه يتضح لنا : لماذا لم يتقدم أمير المؤمنين عليه
____________
1 ـ تاريخ الطبري ج 3 ص 373 و 374 حوادث سنة 34 هـ . وراجع : الفتوح لابن اعثم ج 2 ص 179 ومروج الذهب ج 2 ص 337 وأنساب الأشراف ج 5 ص 89 والكامل في التاريخ ج 3 ص 149 .
2 ـ النصائح الكافية ص 86 والإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 31 .
3 ـ تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 238 .

(156)

الصلاة والسلام خطوة واحدة نحو الفتوحات ، وتوسعة رقعة البلاد الإسلامية ، حتى في أيام خلافته ، بل كان يهتم بتركيز العقيدة ، وتثبيت المنطلقات والمثل الإسلامية الرفيعة والنبيلة ، ونشر الفكر القرآني المحمدي الصافي ، وإعطاء خط الإسلام الصحيح للأمة ، وللمتصدين لإدراة شؤونها على حد سواء .. سواء في نظرتهم ، أو في تعاملهم ومواقفهم ، أو حتى في مجال تربية أنفسهم ، وتهذيبها ، ما وجد إلى ذلك سبيلاً . .
وقد نوه بذلك عليه السلام في خطبة له ، فقال : « وركزت فيكم راية الإيمان ، ووقفتكم على حدود الحلال والحرام الخ .. » (1) .
هذا كله .. عدا عن أنه عليه السلام كان ـ أيام خلافته منشغلاً بتصفية الجبهة الداخلية من العناصر الفاسدة ، التي لا تزال تعيش المفاهيم الجاهلية ، وتريد أن تحكم الأمة ، وتتحكم بمقدراتها ، وتستخدمها في سبيل أهدافها اللاإنسانية البغيضة ..
2 ـ وأمر آخر مهم ، لا بد من الإشارة إليه هنا ، وهو : أن الجهاد الابتدائي يحتاج إلى إذن الأمام العادل (2) .. ونحن نرى : أن أئمة الحق كانوا لا يرون في الاشتراك في هذه الحروب مصلحة ، بل لا يرون نفس تلك الحروب خيراً : فقد روي : أن أبا عبد الله الصادق عليه السلام قال لعبد الملك بن عمرو :
« يا عبد الملك ، ما لي لا أراك يخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك ؟
قال : قلت : وأين ؟ .
قال : حدة ، وعبادان ، والمصيصة ، وقزوين ! .
فقلت : انتظاراً لأمركم ، والاقتداء بكم .
____________
1 ـ نهج البلاغة ، بشرح عبده ج 1 ص 153 .
2 ـ راجع : الوسائل ج 11 ص 32 فصاعداً والكافي ج 5 ص 20 والتهذيب ج 6 ص 134 فصاعداً .

(157)

فقال : إي والله ، لو كان خيراً ما سبقونا إليه » (1) .
وثمة عدة روايات تدل على أنهم عليهم السلام كانوا لا يشجعون شيعتهم ، بل ويمنعونهم من الاشتراك في تلك الحروب ، ولا يوافقون حتى على المرابطة في الثغور أيضاً ، ولا يقبلون منهم حتى ببذل المال في هذا السبيل ، حتى ولو نذروا ذلك (2) ..
نعم .. لو دهمهم العدو ، فإن عليهم أن يقاتلوا دفاعاً عن بيضة الأسلام ، لا عن أولئك الحكام (3) .
بل إننا نجد رواية عن علي عليه السلام تقول : « لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم ، ولا ينفذ في الفيئ أمر الله عز وجل » (4) .
ويؤيد ذلك : أننا نجد : أن عثمان جمع يوماً أكابر الصحابة ، مثل : علي عليه السلام ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، واستشارهم في غزو افريقية ، فرأوا ـ في الأكثر ـ : أن المصلحة في أن لا تقع افريقية بأيدي أصحاب الأغراض والأهواء والمنحرفين (5) .
فالأئمة عليهم السلام وإن كانوا ـ ولا شك ـ يرغبون في توسعة رقعة الإسلام ، ونشره ليشمل الدنيا بأسرها ، ولكن الطريقة والأسلوب الذي كان يتم ذلك بواسطته ، وغير ذلك مما تقدم ، كان خطأً ومضراً بنظرهم ، حسبما يفهم مما تقدم ومما سيأتي ..
____________
1 ـ التهذيب ج 6 ص 127، والكافي ج 5 ص 19 ، والوسائل ج 11 ص 32 .
2 ـ راجع الوسائل ج 11 ص 21 و 22 عن قرب الإسناد ص 105 والتهذيب ج 6 ص 134 و 125 و 126 والكافي ج 5 ص 21 .
3 ـ الوسائل ج 11 ص 22 عن قرب الإسناد ص 150 والكافي ج 5 ص 21 والتهذيب ج 6 ص 125 .
4 ـ الوسائل ج 11 ص 34 عن علل الشرايع ص 159 وعن الخصال ج 1 ص 163 .
5 ـ الفتوح لابن أعثم ، الترجمة الفارسية ص 126 .

(158)

وعلى كل حال .. فإن جميع ماتقدم وسواه ليكفي في أن يلقي ظلالاً ثقيلة من الشك والريب فيما ينسب إلى الإمامين الهمامين : الحسن ، والحسين عليهما الصلاة والسلام ، من الاشتراك في فتح جرجان ، أوفي فتح افريقية ـ مع أن عدداً من كتب التاريخ التي عددت أسماء كثير من الشخصيات المشتركة في فتح افريقية لم تذكرهما ، مع أنهما من الشخصيات التي يهم السياسة التأكيد على ذكرها في مقامات كهذه .
وذلك يسعر بأن وراء الأكمة ما وراءها ، وأن الاطمئنان لما يذكر في هذا المجال ، من دون تحقيق أو تمحيص ، مما لا يحسن جداً ، بل وفيه ظلم للحقيقة والتاريخ ..
3 ـ ويؤيد ذلك أيضاً : ما ذكره بعض المحققين (1) ، « من أنه عليه السلام قد منع ولديه من الخوض في معارك صفين ، وقال وقد رأى الحسن يتسرع إلى الحرب : « املكوا عني هذا الغلام لا يهدني ، فإنني أنفس بهذين ( يعني الحسنين عليهما السلام ) على الموت ، لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله صلى الله عليه وآله » فأسرعت إليه خيل من أصحاب علي فردوا الحسن (2) .
وقد كان هذا منه عليه السلام في وقت كان له كثير من الأولاد ، فكيف يسمح بخروجهما مع أمير أموي ، أو غير أموي ، ولم يكن قد ولد لهما أولاد بعد ، أو كان ، ولكنهم قليلون ؟!! » انتهى .
وكل ما تقدم يوضح لنا : أن ما استند إليه بعض الأعلام لقبول ما قيل من اشتراك الحسنين عليهما السلام في فتح اقريقية وجرجان ، لا يمكن القبول به ، ولا يصح التعويل عليه ..
____________
1 ـ هو المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله .
2 ـ راجع : المصادر التالية : المعيار والموازنة ص 151 ونهج البلاغة بشرح عبده ج 2 212 وتاريخ الطبري حوادث سنة 37 ج 4 ص 44 والفصول المهمة للمالكي ص 82 وشرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 244 والاختصاص ص 179 وتذكرة الخواص ص 324 .

(159)

ولعل الهدف من طرح أمور كهذه هو إعطاء خلافة عثمان بالذات صفة الشرعية والقبول ، حتى من قبل أهل البيت عليهم السلام ، كما عودنا أنصاره ومحبوه في كثير من الأحيان .
4 ـ ولو أريد الإصرار على وجهة النظر تلك ، واعتبارها قادرة على تبرير اشتراكهما عليهما السلام المزعوم في الفتوح .. فإننا نجد .. أن من حقنا أن نتساءل ، فنقول : إنه لا ريب في أن الجهاد ، واتساع رقعة الإسلام من الأمور الراجحة والمرضية إسلامياً . ولكن ذلك لا يعني : أن الفتوحات التي حصلت في عهد الخلفاء الثلاثة ، على ذلك النحو ، وبتلك الطريقة ، كانت راجحة ومرضية أيضاً .. وإلا .. فلماذا يترك أمير المؤمنين عليه السلام هذا الجهاد ويجلس في بيته مدة خمس وعشرين سنة ؟! ، ألم يكن هو الذي مارس الحروب ، وجالد الأقران ، أعواماً طويلة في عهد الرسول الأكرم صلى عليه وآله وسلم ، ولم تثر حرب آنئذٍ إلا وهو حامل لوائها ، ومجندل أبطالها ؟ .
أم يعقل أن ذلك كان منه زهداً في الإسلام ، وتباطؤاً عن واجبه ؟
أم أن الحكام أنفسهم كانوا لا يرغبون في إشراكه في تلك الفتوحات والمآثر التي كانوا يسطرونها ؟ !
أم أنهم حبسوه كما حبسوا كبار الصحابة في المدينة ، كما اعتذر به العلامة الحسني رضوان الله تعالى عليه (1) ؟ .
____________
1 ـ سيرة الأئمة الإثني عشر ج 1 و ص 534 و ص 317 .
واعتذر بذلك أيضاً المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني ، حيث قال ما ملخصه : أنهم كانوا يخافون منه ، إذ لو كان عليه السلام مكان سعد بن أبي وقاص ، مع ما يتحلى به من مؤهلات تامة وكاملة ، من العلم وقوة البيان ، والسياسة ، والقرابة القريبة منه صلى الله عليه وآله ، وشهادة الصحابة له بالتقدم في كل فضيلة ، ومع ما له من سوابق حسنة ، ومآثر كريمة ـ إنه لو كان والحالة هذه مكان سعد بن أبي وقاص ـ هل يكون مأموناً من أن يرجع بجيشه ، أو بطائفة عظيمة منه وينحي الخليفة عن مركزه ، ويجري حكم الله فيه حسبما يراه ؟ ! .
ونقول : إنهم لربما كانوا يفكرون بمثل ذلك .. ولكن الإمام علياً عليه السلام لم =



(160)

إننا نجد في التاريخ ما يفند كل ما تقدم ، وصرح وينطق بأنهم قد أرادوه على ذلك ، فامتنع .
يحدثنا المسعودي : أنه حينما شاور عمر عثمان بن عفان في أمر الحرب مع الفرس ، قال له عثمان فيما قال : « .. ولكن ابعث الجيوش ، وداركها بعضاً على بعض ، وابعث رجلاً له تجربة بالحرب ، وبصربها .
قال عمر : ومن هو ؟ .
قال : علي بن أبي طالب .
قال : فالقه ، وكلمه ، وذاكره ذلك ، فهل تراه مسرعاً إليه ، أو لا ؟ ! .
فخرج عثمان فلقي علياً فذاكره ذلك ، فأبى عليِّ ذلك وكرهه . فعاد عثمان ، فأخبره » (1) .
كما أن البلاذري قد ذكر هذه القضية باختصار ، مكتفياً بالإشارة إلى أن عمر قد عرض على علي عليه السلام الشخوص إلى القادسية ، ليكون قائداً لجيش المسلمين ، فأباه ، فوجه سعد بن أبي وقاص (2) .
وفي قصية أخرى ، نجد : أنه حينما استشار أبو بكر عمر بن الخطاب في إرسال علي أمير المؤمنين عليه السلام لقتال الأشعث بن قيس ، وقال : « إني عزمت على أن أوجه إلى هؤلاء القوم علي بن أبي طالب ، فإنه عدل رضا عند أكثر الناس ، لفضله ، وشجاعته ، وقرابته ، وعلمه ، وفهمه ، ورفقه بما يحاول من الأمور (3) .
____________
=
يكن ليقدم على أمر كهذا ؛ لأن فيه خطراً على الأسلام .. بالإضافة إلى أنهم كانوا يعلمون بأن النبي صلى الله عليه وآله قد عهد إليه أن لا يبادر إلى أي عمل من هذا القبيل .
1 ـ مروج الذهب ج 2 ص 309 | 310 .
2 ـ فتوح البلدان بتحقيق صلاح الدين المنجد ، القسم الأول ص 313 .
3 ـ هذه الشهادة تدفع ما يدعى : من أنه لم يكن له بصر في السياسة ، كما يحاول أن يدعي المغرضون .

(161)

قال : فقال عمر بن الخطاب : صدقت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله ، إن علياً كما ذكرت ، وفوق ما وصفت ، ولكني أخاف عليك خصلة منه واحدة .
قال له أبو بكر : ما هذه الخصلة التي تخاف علي منها منه ؟ .
فقال عمر : أخاف أن يأبى القتال القوم ، فلا يقاتلهم ، فإن أبى ذلك ، فلن تجد أحداً يسير إليهم (1) إلاَّ على المكروه منه . ولكن ذر علياً يكون عندك بالمدينة ، فإنك لا تستغني عنه ، وعن مشورته . واكتب إلى عكرمة الخ .. » (2) .
وبعد .. فأن يجدوا أمير المؤمنين عليه السلام قائداً عسكرياً ، يراه الناس تحت أمرهم ، وفي خدمتهم أحب إليهم من أن يجدوه منافساً قوياً ، يحتج عليهم بأقوال ومواقف النبي صلى الله عليه وآله في حقه (4) .
وأما عن مشورة أمير المؤمنين على عمر في ما يرتبط بحرب الفرس ، فإنما كان يهدف منها إلى الحفاظ على بيضة الإسلام ، كما يظهر من نفس نص كلامه
____________
1 ـ هذه الكلمات تدل على مدى ما ككان يتمتع به أمير المؤمنين من احترام وتقدير لدى الناس جميعاً ، بحيث لو لم يقاتل لم يقاتل أحد من الناس !! وإن كانوا ربما لا يقاتلون معه لو أرادهم على ذلك .
2 ـ الفتوح لابن أعثم ج 1 ص 72 .
3 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 78 .
4 ـ وقد قال المحقق البحاثة الشيخ علي الأحمدي الميانجي هنا ما يلي : إنه هل يمكن للخليفة الذي عزل خالد بن سعيد بن العاص عن امارة الجيش ، لميله إلى علي عليه السلام ـ هل يمكن ـ أن يرغب في تولية علي عليه السلام هنا ؟! اللهم إلا أن يكون هناك تخطيط بأن يقوم بعرض ذلك عليه ، فإن قبله ، فإن ذلك يكون تأييداً لخلافتهم ، ثم يعزلونه إيذاناً منهم للناس بعدم كفايته .. فيربحون في الحالتين .. أو يقال : إن الظروف في عهد أبي بكر تختلف عنها في عهد عمر .

(162)

عليه السلام فيها .. فمن أراد ذلك فليراجعه في مصادره ..
وبعد .. فإن أخذ سائر ما قدمناه بنظر الاعتبار ، يجعلنا نطمئن ، بل نقطع بعدم صحة ما ينسب إلى الحسنين عليهما السلام من الاشتراك في الغزوات آنئذٍ .
وقد قال السهمي : « وذكر عباس بن عبد الرحمن المروزي في كتابه : التاريخ ، قال : قدم الحسن بن علي ، وعبد الله بن الزبير اصبهان ، مجتازين إلى جرجان ، فإن ثبت هذا يدل : على أنه كان في أيام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه » (1) .
وأما بالنسبة لاشتراك بعض المخلصين من كبار الصحابة في الفتوح ، فالظاهر هو أنهم كانوا غافلين عن حقيقة الأمر ، فكانوا يقصدون بذلك خدمة الدين ، ونصرة الإسلام والمسلمين ، مع عدم إطلاعهم على رأي الأئمة عليهم السلام في هذه الفتوحات ، كما يظهر مما تقدم ، حيث نجد اهتماماً واضحاً في أن لا يعرف الناس رأي علي عليه السلام في هذا المجال ، أو لعل السلطة كانت تهتم في إرسالهم في مهمات كهذه ، وتمارس عليهم بعض الضغوط في ذلك .

الإمام الحسن عليه السلام وحصار عثمان :

ويروي المؤرخون : أنه حينما حاصر الثائرون عثمان ، بعث الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بولديه : الحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهما ، للدفاع عنه ، كما وبعث طلحة والزبير بولديهما أيضاً .
ويقولون : إن الإمام الحسن عليه السلام قد جرح ، وخضب بالدماء على باب عثمان ، من جراء رمي الناس عثمان بالسهام ، ثم تسوّر الثائرون الدار على عثمان ، وقتلوه .
وجاء الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام ، كالواله الحزين ، فلطم
____________
1 ـ تاريخ جرجان ص 9 .
(163)

الحسن ، وضرب صدر الحسين عليهما السلام ، وشتم آخرين ، منكراً عليهم أن يقتل عثمان ، وهم على الباب (1) .
وقد استبعد البعض ذلك ، استناداً إلى أن خطة عثمان وسيرته ، تبعد كل البعد ما نسب إلى علي وولديه عليهم السلام . كما ويبعدها : أن يتخذوا موقفاً يخالف موقف البقية الصالحة من الصحابة ، وينفصلوا عنهم . ولو فرض صحة ذلك ، فإنه لم يكن إلا لتبرير موقفه وموقف أبنيه عليهما الصلاة والسلام من الاشتراك في دمه ، وأن لا يتهمه المغرضون بشيء (2) .
ويلوح من كلام السيد المرتضى رحمه الله أيضاً شكه في إرسال أمير المؤمنين عليه السلام ولديه للدفاع عن عثمان ، قال : « فإنما أنفذهما ـ إن كان أنفذهما ـ ليمنعا من انتهاك حريمه ، وتعمد قتله ، ومنع حرمه ونسائه من الطعام والشراب . ولم ينفذهما ليمنعا من مطالبته بالخلع » (3) .
وعلى حد تعبير العلامة الحسني رحمه الله : « ومن المستبعد أن يزج بريحانتي رسول الله صلى الله عليه وآله في تلك المعركة للدفاع عن الظالمين ، وهو الذي وهب نفسه وكل حياته للحق والعدالة ، وإنصاف المظلومين (4) .
ويرى باحث آخر : « أن الخليفة كان مستحقاً للقتل بسوء فعله ، كما أن
____________
1 ـ راجع : الصواعق المحرقة ص 115 | 116 ، ومروج الذهب ج 2 ص 344 | 345 ، والإمامة والسياسة ج 1 ص 44 و 43 وأنساب الأشراف ج 5 ص 70 و 69 و 74 و 80 و 93 و 95 والبدء والتاريخ ج 5 ص 206 ، وتاريخ مختصر الدول ص 105 وسيرة الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 527 و 540 عن ابن كثير ، وتاريخ الطبري ج 3 ص 418 و 419 ودلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 193 عن بعض من تقدم وعن ابن الأثير ، وابن عبد البر ، والفخري في الأداب السلطانية ص 98 وفيه : أن الحسن قاتل قتالاً شديداً ، حتى كان يستكفه ، وهو يقاتل عنه ، ويبذل نفسه دونه والعقد الفريد ج 4 ص 290 و 291 .
2 ـ راجع : حياة الحسن عليه السلام للقرشي ج 1 ص 115 | 116 .
3 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 3 ص 8 .
4 ـ سيرة الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 428 .